
مآلات الاستثمارات السعودية في سوريا
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام الإقليمي الشرق أوسطي، تتجلى الخطوة السعودية نحو سوريا، من خلال "منتدى الاستثمار السوري - السعودي 2025"، وتوقيع اتفاقيات بقيمة تفوق 6.4 مليارات دولار، كتحول استراتيجي يفوق حدود التقارب الاقتصادي، فالحدث لا يعكس فقط بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، بل يؤشر إلى إعادة صياغة خريطة التفاعلات الجيو-اقتصادية في المنطقة.
تقتضي منهجية الاقتصاد السياسي تحليل القرارات الاقتصادية من زاوية الفواعل السياسية، التي تحكم سلوك الدول، وعليه، فإن الانفتاح السعودي تجاه دمشق، وتوجيه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتأسيس مجلس أعمال مشترك رفيع المستوى، يُفهم ضمن استراتيجية المملكة في إعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي، خاصة بعد مرحلة حقبة "آل الأسد".
يأتي هذا الانفتاح متسقًا مع سياسة المملكة الجديدة في بناء "الاستقرار من خلال الاقتصاد"، وهي سياسة تتقاطع مع رؤية 2030، الساعية إلى تعظيم الدور السعودي بأدوات الاقتصاد والشراكة، فبناء مصالح اقتصادية مشتركة في سوريا، وتأسيس تحالفات استثمارية دولية هناك، يشكل إسهامًا من الرياض، لملء الفراغ الاقتصادي في دولة خرجت من عقد من الحرب.
تُدرك السعودية أن السوق السورية تمثل فرصة استثمارية واعدة، في ظل حاجتها الماسة لإعادة الإعمار، والطلب الكبير على البنية التحتية، والصناعات الأساسية مثل الإسمنت والطاقة والزراعة. فالتوقيع على 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تشمل قطاعات متعددة مثل الصناعة، والطاقة، والصحة، والاتصالات، والسياحة، يعكس رغبة سعودية، في دعم "الأشقاء السوريين"، وبالمقابل، ترى دمشق في هذا التعاون متنفسًا اقتصاديًا بعد سنوات من الحصار والعقوبات بسبب "سلوك النظام البائد"، فوجود شريك اقتصادي قوي كالسعودية سيمنح سوريا فرصة لإعادة بناء قطاعاتها الاقتصادية، من خلال ضخ سيولة مالية جديدة.
تحمل الاستثمارات السعودية في طياته أبعادًا استراتيجية متعددة، ترتبط بالموقع الجيوسياسي لسوريا وأهميتها في معادلات الإقليم المتشابكة، لذلك، يمكن استشراف بعض المآلات.
أولًا، تنسجم هذه الخطوة الاستثمارية في سوريا مع توجهات رؤية السعودية 2030، خاصة فيما يتعلق بتعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه من التوسع خارجيًا، وتوسيع محفظة استثمارات المملكة في الأسواق الناشئة، ومن شأن فتح السوق السورية أمام الشركات السعودية توفير فرص استثمارية جديدة، بما يعزز من قدرة الاقتصاد السعودي على التنوع والاستدامة، كما أن هذا الانفتاح سيجعل منها نموذجًا يُحتذى به في الإقليم والدوائر الدولية، بتفعيل الأدوات الاقتصادية لصياغة مستقبل سياسي مستقر في المنطقة.
ثانيًا، إن الخطوات التشريعية والإصلاحية التي أعلنتها الحكومة السورية، وعلى رأسها تعديل قانون الاستثمار، وإعلان التزامها بتوفير الحوافز والضمانات للمستثمرين، تشكل بيئة مشجعة للدخول في السوق السورية، وتُعد المشاريع السعودية الكبرى مؤشرًا على أن دمشق قد تشهد مرحلة جديدة من التدفقات الاستثمارية، لا سيما إذا نُفِّذَت على الأرض بنجاح، مما سيبعث برسائل طمأنة للمستثمرين الإقليميين والدوليين، وبهذا تصبح سوريا بمثابة سوق ناشئة جذابة، ضمن تحالفات تقودها الرياض، وهو ما يمكن أن يحولها إلى نقطة ارتكاز اقتصادية في المنطقة.
ثالثًا، إن تأكيد المسؤولين السعوديين والسوريين على مبدأ "الشراكة لا التجارة"، يدل على أن المملكة لا تسعى إلى الربح فقط، بل إلى ترسيخ علاقة طويلة الأمد تحقق المنفعة المتبادلة، وتستند إلى التكامل الاقتصادي الحقيقي، لا الاستغلال الظرفي، كما أن إعلان نية السعودية بناء تحالفات عالمية للاستثمار في سوريا، يشير إلى أن الرياض تضع هذا التوجه في إطار جيوسياسي أشمل، قد يشمل تعاونًا مع قوى دولية في مرحلة لاحقة، مما قد يسهم في إعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية الدولية.
من خلال هذه الشراكات الاستثمارية، تكون السعودية حققت إنجازًا استراتيجيًا مضاعفًا وهو استعادة دولة عربية إلى الحضن الإقليمي، وتعزيز مكانتها كقائد اقتصادي في المنطقة يدفع بالتنمية كأداة للسلام والاستقرار.. دمتم بخير.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 19 دقائق
- الاقتصادية
التمويل العقاري للأفراد المقدم من المصارف في السعودية عند أدنى مستوى خلال 12 شهرا
سجل التمويل العقاري السكني الجديد للأفراد المقدم من المصارف في السعودية خلال يونيو الماضي، أدنى مستوى خلال 12 شهرا، عند 5.3 مليار ريال، حيث تراجع بنحو 28% مقارنة بالشهر السابق له. وبحسب وحدة التحليل المالي في "الاقتصادية"، استند إلى بيانات البنك المركزي السعودي، فإن التراجع الفصلي جاء نتيجة عوامل موسمية من خلال الإجازة الصيفية وكذلك موسمية أعمال البناء التي تتراجع خلال الفترة من منتصف شهر يونيو وحتى منتصف شهر سبتمر بسبب حظر العمل تحت أشعة الشمس. استحوذت الفلل على 61% من إجمالي التمويلات المقدمة خلال الشهر الماضي، كما جاءت الشقق ثانيا بحصة 30%، ثم الأراضي 9%. إلى ذلك، بلغ حجم التمويلات منذ بداية العام الجاري نحو 46.8 مليار ريال، وهي أعلى بنحو 16% من الفترة المماثلة من العام السابق، مستفيده من قوة التمويل خلال الربع الأول. وحدة التحليل المالي


صحيفة سبق
منذ 19 دقائق
- صحيفة سبق
الإنتربول يكرّم الأمير عبدالعزيز بن سعود بالوسام الأعلى تقديرًا لدور المملكة في مكافحة الجريمة
منحت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، وسام "الإنتربول" من الطبقة العليا، نظير إسهامات المملكة ودعمها لجهود المنظمة في مكافحة الجريمة. وتسلّم سموه الوسام اليوم من رئيس المنظمة اللواء الدكتور أحمد ناصر الريسي، وذلك في مدينة ليون الفرنسية.


الشرق السعودية
منذ 19 دقائق
- الشرق السعودية
بوتين يستقبل وزير الخارجية السوري في الكرملين
أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا"، الخميس، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو. كما التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بنظيره السوري، في وقت سابق الخميس، في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري رفيع المستوى من الحكومة الجديدة بعد الإطاحة الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر، بحسب وكالة "رويترز". وعبّر الشيباني، عن رغبة دمشق في إقامة علاقات تعاون "صحيحة" مع روسيا، مشيراً إلى أن سوريا "ستعيد تقييم الاتفاقيات السابقة بين البلدين"، فيما قال لافروف، إن موسكو تتطلع لحضور الرئيس السوري أحمد الشرع القمة الروسية العربية الأولى في 15 أكتوبر المقبل. وأضاف الشيباني، خلال لقاء مع لافروف في موسكو: "نحن هنا لنمثل سوريا الجديدة، ونريد أن نفتح علاقة صحيحة وسليمة بين البلدين وقائمة على التعاون"، معرباً عن تطلع بلاده لـ"تعاون كامل في دعم العدالة الانتقالية في سوريا". وأردف: "تمكننا من مواجهة كافة ما تعرضنا له من تحديات لبث الفوضى بالمنطقة.. ونعمل على لم شمل السوريين في الداخل والخارج"، لافتاً إلى أن "هناك فرص كبيرة جداً لتصبح سوريا قوية وموحدة، ونطمح أن تكون روسيا إلى جانبنا في هذا المسار". وذكر أن الجانبين "أطلقا نقاشاً مهماً لصياغة التعاون في المستقبل"، مؤكداً أن اللقاء مع لافروف قدم "فرصة جديدة يمكن أن تساهم بها موسكو في مسار التعافي بسوريا، والاستقرار الإقليمي، ومصالح الشعب السوري". وأكد الشيباني للجانب الروسي، أن هذا الحوار "استراتيجي" بالنسبة لسوريا، التي "تمد يدها للعالم"، معتبراً أن "العلاقات الخارجية كانت تستخدم ضد الشعب السوري في السابق، وهو ما سيتغير"، في إشارة إلى نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، المقيم حالياً في موسكو، وكان حليفاً لروسيا. التعاون الأمني والعسكري من جانبه، وصف لافروف المحادثات مع نظيره السوري، بأنها "مفيدة جداً"، وقال إن الوفد السوري ستكون له الفرصة لإجراء محادثات مع مختلف السلطات في موسكو. وقال وزير الخارجية الروسي: "تناولنا آفاق تطوير التعاون في الظروف الجديدة بقطاعات التجارة والاقتصاد والأمن، ولدينا خبرة كبيرة في ذلك"، مشيراً إلى أن "كل القضايا المتعلقة بالتعاون الأمني والمجالات العسكرية تثير اهتمام نظرائنا السوريين". وتابع: "فيما يتعلق العقود الاقتصادية فقد اتفقنا على تعيين الرئيس الروسي للجنة الروسية السورية المشتركة التي ستنظر في المسارات متبادلة المنفعة، ومشاركة روسيا في تعافي الاقتصاد السوري". رفع العقوبات الأميركية عن سوريا واعتبر لافروف، أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا "أمر سليم"، على اعتبار أن تلك العقوبات كانت تطال الشعب السوري، وليس المسؤولين السياسيين. وجدد الوزير الروسي، دعم روسيا لـ"وحدة أراضي وسيادة سوريا"، مضيفاً أن موسكو تعارض أن تتحول دمشق إلى "ساحة للمنافسات الجيوسياسية للدول الكبرى". والتقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ووزير الخارجية ورئيس الاستخبارات العامة حسين سلامة وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف في موسكو، بحسب وكالة "سانا" التي أشارت إلى أن اللقاء بحث عدد من القضايا العسكرية المشتركة بما يخدم العلاقات السورية- الروسية.