
وصف الهزيمة وهزيمة الوصف!
لم نعد بحاجة إلى إعمال التحليل لبرهنة أنّ الحرب، في نظر الإسرائيليّين، لم تنته: لا في غزّة التي عاد إليها الموت والتوحّش بكامل زخمهما، ولا في لبنان الذي لا يُجلى عنه، ولا في سوريّا التي تُقضم أرضها ويمضي الاستيلاء على سمائها كما أُسّس في العهد البائد. وإذ يضيف الأميركيّون إلى الإسرائيليّين الشطر الحوثيّ من اليمن، يتبدّى أنّ هدف الحرب المتجدّدة أميركيّ بقدر ما هو إسرائيليّ. أمّا إيران، التي لم يعد سرّاً تدمير سلاحها الجوّيّ، فتكاد تنحصر خياراتها بين الاستسلام الاستباقيّ وتلقّي الضربة، وهذا بعدما رُسمت للعراق حدود صارمة في الحركة والتدخّل.
وأن يكون هدف التصعيد الإسرائيليّ – الأميركيّ معاهدات سلام تترجم ما سمّاه نتنياهو «شرقاً أوسط جديداً»، أو تستكمل فصل «السلام الابراهيميّ»، فبات يملك الكثير من الوجاهة المعزّزة بالقرائن. وفي هذه الغضون ترتفع حظوظ أفعال احتلاليّة وإحلاليّة كتهجير سكّان غزّة أو ضمّ الضفّة الغربيّة إلى الدولة العبريّة.
ولا نضيف جديداً حين نصف الطور الراهن من الحرب بما وُصف به الطور الأوّل. فهو أيضاً من صناعة القوّة الإسرائيليّة العارية غير المعنيّة بشيء وغير المكترثة بقانون دوليٍّ لم يعد يكترث به في العالم كثيرون. لكنّ هذا لا يلغي أنّ الفارق الفلكيّ في موازين القوى يجعل موازين القوى نفسها تعبيراً افتراضيّاً، وذلك بعدما جُرّبت الحروب والمقاومات تباعاً لتنتهي بنا إلى ما نحن فيه حاليّاً. فوق هذا، تعيش منطقة المشرق تنافساً في الضعف والهزال اللذين يضربان جيوشها واقتصاداتها ومجتمعاتها المدنيّة، فضلاً عن بعثرة سكّانها في ظلّ هجراتها المليونيّة. وهي، إلى ذلك، تفتقر إلى أدنى القدرة الذاتيّة على إعادة الإعمار الضاغطة في سوريّا وغزّة ولبنان، ولا تجد، في مواجهة التغوّل الإسرائيليّ، حلفاء قادرين ومؤثّرين في العالم. ولئن كانت الأوضاع الأهليّة داخل بلدانها شديدة التردّي، تعصف بها رغبات انفصاليّة مكتومة، فإنّ أوضاعها الحدوديّة، على ما دلّت الاشتباكات اللبنانيّة – السوريّة مؤخّراً، أقرب إلى أن تكون استطالة لأوضاعها الأهليّة المضطربة.
هذه اللوحة الكئيبة تحضّ على التوقّف مليّاً أمام أوضاعنا: ماذا نفعل، كيف نوقف التدحرج عند حدّ، ألا يُفترض بنا أن نراجع الأفكار والممارسات والعلاقات التي أفضت بنا إلى هذا الجحيم؟
وحدهم الممانعون هم الذين يملكون جواباً واضحاً وقاطعاً كحدّ السيف، جواباً يقلب صيغة الإمام مالك بن أنس رأساً على عقب، بحيث تغدو: لن يدمَّر آخر هذه الأمّة إلاّ بما دُمّر به أوّلها، أي أنّنا بالمقاومة إيّاها نغادر النفق الذي وضعتنا فيه المقاومة. والسلوك هذا قابل للقراءة من زوايا مختلفة تتضارب حيناً في ما بينها وتتكامل أحياناً:
فهناك، بالطبع، البُعد الإيرانيّ، ومفاده إبقاؤنا في خنادق ساقطة بما يتيح لطهران مفاوضة الولايات المتّحدة، علماً بأنّ خياراً كهذا يتساقط يوماً بيوم هو الآخر.
وهناك البُعد الإعجازيّ، حيث يُناط بمعجزة ما أن تتدخّل وتقلب المعادلات التي تصفع وجوهنا ولا تترك أيّ حيّز للغموض أو الاجتهاد في التأويل.
وهناك البُعد العدميّ، وقد ذكّرنا مؤخّراً الزميل عمر قدّور بأنّ معمّر القذّافي سمّى بلده «الجماهيريّة العربيّة الليبيّة الشعبيّة الاشتراكيّة العظمى» تحديداً بعد تعرّضها لغارات جوّيّة أميركيّة في 1986. وهكذا يرتبط اكتساب العظمة بالتعرّض لضربات الأقوياء.
وتنطوي العدميّة هذه على بُعد انتحاريّ تلخّصه العبارة التوراتيّة المنسوبة إلى شمشون «عليّ وعلى أعدائي يا ربّ»، والذي تستعرضه خصوصاً أحوال الشطر الحوثيّ من اليمن البائس.
وأخيراً، هناك البُعد الجريميّ الذي تعبّر عنه شعارات كـ «القتال بلحم الأطفال»، وتترجمه التضحية بالبشر في ظلّ يأس كامل من الانتصار، بل من تحسين شروط الهزيمة. وفي ظلّ هذا اليأس المعزّز بالواقع، يغدو «الأعداء» في العبارة الشمشونيّة هم نحن بوصفنا وحدنا المرشّحين للموت المجّانيّ.
ومنذ القرن السابع عشر كان الفيلسوف الإنكليزيّ جون لوك قد ميّز، في تأمّله «الفهمَ الإنسانيّ»، بين ما سمّاه «صفات أساسيّة» للأشياء والموادّ و»صفات ثانويّة». فالتفّاحة، مثلاً، ذات حجم ووزن محدّدين، وهذان من صفاتها الأساسيّة، أمّا مذاقها فواحد من صفاتها الثانويّة. وبسبب «موضوعيّة» الصفات الأساسيّة يُستبعد الخلاف فيها، فلا يمكن لواحد أن يقول إنّ وزن التفّاحة ربع كيلوغرام ولسواه أن يقول إنّه ثلث كيلوغرام، ويكون الجوابان صحيحين. أمّا الصفات الثانويّة، ولأنّها «ذاتيّة»، فتُجيز لأحدهم أن يعتبرها طيّبة المذاق، كما تجيز لغيره أن يعتبر مذاقها غير مُستحبّ.
أمّا الأساسيّ في واقعنا الراهن فهو الهزيمة التي لا يلوح في الأفق ما يمكن اقتراحه علاجاً سهلاً لها. وأمّا الثانويّ فاختلافنا في النظر إلى أسبابها وإلى النتائج المنجرّة عنها، وربّما في عواطفنا ورغباتنا المتّصلة بها. لكنّ الممانعين يجعلون الأساسيّ، الموضوعيّ، ثانويّاً وذاتيّاً، والثانويّ، الذاتيّ، أساسيّاً وموضوعيّاً، ثمّ يتصرّفون على هذا الأساس دونما اكتراث بالبشر وبالأكلاف الهائلة. وهذا ما قد يدفع بعض المتأمّلين بـ»الفهم الإنسانيّ» إلى تشاؤم عميق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
السودان: لغة الدم
فيجاي براشاد* - (معهد تريكونتيننتال للبحث الاجتماعي) 16/5/2025 ترجمة: علاء الدين أبو زينة حصدت هذه الحرب الأهلية المنسية أرواح ما لا يقل عن 150.000 شخص وشرّدت نحو 13 مليوناً آخرين. ويشكل فهم تفاصيلها السياسية المفتاح لتعقب أسبابها -وتحديد سبل حلها. اضافة اعلان * * * على مدى الأسابيع الماضية، انصبت أنظار العالم بلا شك على التصعيد بين الهند وباكستان، وسوف نكتب المزيد عن هذا الملف حين تهدأ الأوضاع. وعلى الرغم من أن أياً من الجيوش لم يعبر الحدود أو خط السيطرة، فإن القلق يبقى مبررًا: كلا البلدين يمتلك أسلحة نووية. والآن، يبدو أن الأمور عادت فعلياً إلى اتفاق وقف إطلاق النار للعام 1948، الذي استمر لعقود من دون معاهدة سلام شاملة وحقيقية. كما بقي التركيز العالمي منصبًا -عن حق- على الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين، حيث شدد الإسرائيليون الحصار التام على قطاع غزة، ربما انتقاماً من عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة في 27 كانون الثاني (يناير)، متحدّين بالكامل الحرب الإبادية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، بدا أن بعض النزاعات، مثل الحرب المستمرة في السودان، قد طواها النسيان تماماً تقريباً. وهذا هو موضوع هذا المقال، المبنيّ على محادثات أجريت مع عمال إغاثة إنسانيين وشخصيات سياسية سودانية. يعكس القول بأن هذه الحرب محيِّرة، وأنها لا توجد تفسيرات سهلة لها، عنصرية التغطية الإعلامية التي ترى في النزاعات الأفريقية شؤوناً غامضة ولا نهائية. ومع ذلك، ثمة أسباب لهذه الحرب، وهو ما يعني أن هناك سبلًا لإنهائها. ينبغي تجاوز "لغة الدم" التي استحوذت على وعينا العالمي، والبحث بدلاً من ذلك في التفاصيل السياسية التي تكمن فيها إمكانية تحقيق السلام. البدايات قبل عامين تقريبًا، تحطم السلام الهش والآمل في السودان حين اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع -وهما جناحان من أجنحة الدولة السودانية. وجرى إحياء الذكرى الثانية لهذه الحرب، في 11 نيسان (أبريل)، بهجوم مروّع شنّته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين في شمال دارفور. وكما روت "هوا"، وهي أم سودانية لثلاثة أطفال نجت من الهجوم: "كانت القنابل تتساقط على المستشفى... وغادر من نجا منا فقط وأطفاله على ظهره". وبحلول 16 نيسان (أبريل)، كان المخيم -الذي ضم في السابق نصف مليون لاجئ- قد دُمّر تمامًا، بينما أسفر الهجوم عن سقوط مئات القتلى وهروب الباقين إلى الفاشر وتويلة القريبتين. خلال عامين من القتال، قُتل ما لا يقل عن 150.000 شخص، وتم تهجير نحو 13 مليوناً -أي أكثر من خُمس سكان السودان البالغ عددهم 51 مليوناً. وتبدو هذه الكارثة المستمرة عبثية تمامًا وبلا معنى لغالبية السودانيين. لكن المشهد كان مختلفاً تماماً في 11 نيسان (أبريل) 2019، أي قبل ست سنوات من مجزرة زمزم، حين أُطيح بالرئيس عمر البشير بعد حكم طويل، من خلال حركة جماهيرية شاركت فيها لاحقاً المؤسسة العسكرية. بدأت الاحتجاجات ضد حكومة البشير في كانون الأول (ديسمبر) 2018 بسبب التضخم والأزمة الاجتماعية المتصاعدة. وحين عجز البشير عن الاستجابة لمطالب الناس، لم يتمكن من الاستمرار في الحكم -حتى باستخدام القوة- خاصة بعد أن انقلب عليه الجيش السوداني (كما فعل الجيش المصري مع الرئيس حسني مبارك في العام 2011). وكان الذي أطاح بالبشير هو ما أصبح يُعرف لاحقاً بـ"المجلس العسكري الانتقالي"، بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وبمساعدة الفريق محمد "حميدتي" حمدان دقلو. تشكل الأمل شكلت القوى التي قادت الاحتجاجات على الأرض تحالفاً باسم "قوى الحرية والتغيير". وشمل هذا التحالف الحزب الشيوعي السوداني، وقوى الإجماع الوطني، وتجمع المهنيين السودانيين، والجبهة الثورية السودانية، ونساء المجموعات المدنية والسياسية السودانية، والعديد من لجان المقاومة أو اللجان الشعبية بالأحياء. بعد ذلك، وبضغط من الاحتجاجات التي قادتها قوى الحرية والتغيير، وقّع الجيش اتفاقاً في منتصف العام 2019 للإشراف على انتقال إلى حكم مدني. وبدعم من "الاتحاد الأفريقي"، تم تشكيل "مجلس السيادة الانتقالي"، الذي ضم خمسة أعضاء عسكريين وستة مدنيين. عيّن "المجلس" عبد الله حمدوك (من مواليد العام 1956) رئيساً للوزراء، ونعمات عبد الله خير (من مواليد العام 1957) رئيسة للقضاء. وبدا حمدوك، وهو دبلوماسي هادئ عمل لفترة طويلة في "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا"، مناسباً تماماً لدوره كرئيس وزراء انتقالي. كما مثلت خير، وهي قاضية مخضرمة انضمت إلى الحراك الاحتجاجي ضد البشير، النموذج المناسب لقيادة السلطة القضائية بكفاءة. كان الباب إلى مستقبل جديد في السودان قد بدأ يُفتح بالفعل. ولكن، لم يمض طويل وقت حتى وقع السودان فريسة لضغوط تاريخه الخاص. في العام 2021، وبعد محاولات انقلابية فاشلة عدة، استولى الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة، ظاهريًا للدفاع عن المرحلة الانتقالية، ولكن في الواقع لإعادة رموز نظام البشير من عزلتهم إلى الحكومة. في الواقع، كثيرًا ما تُقاطع الثورات بعودة النظام القديم الذي لا يمكن التخلّص من قبضته على القوات المسلحة والمجتمع بسهولة. وكان كلّ من البرهان وحميدتي يعلمان أن أي مسعى إلى تحقيق العدالة ضد حكومة البشير سيضربهما بقوة، لأنهما كانا مطرقة ذلك النظام (كانت قوات حميدتي، المعروفة شعبيًا باسم "الجنجويد" -أو "الشياطين على ظهور الخيل"- قد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان خلال حملة البشير في إقليم دارفور). وبالأهمية نفسها، كان لدى الرجلين وحاشيتهما مصالح مادية على المحك، بما في ذلك السيطرة على مناجم الذهب السودانية في دارفور وكردفان. وبالنسبة لأمثال هؤلاء، فإن الخوف من المشنقة، والجشع وإغراء الحصول على مزيد من الغنائم هي الأهم. عادة ما يتطلب الانتقال الحقيقي للسلطة قطيعة تامة مع المجتمع القديم، وهو أمر يصعب تحقيقه ما لم تنهَر المؤسسة العسكرية أو يُعاد تشكيلها بالكامل وفقًا لصورة المجتمع الجديد، وليس بعناصر النظام القديم. وقد عمل كلا الرجلين -البرهان وحميدتي- على تقويض هذا الانتقال، وبقمع سريع ضد الحركات الجماهيرية، خاصة نقابات الشغلية والشيوعيين، تمكّنا من إحكام السيطرة على الخرطوم. عندما تتشكّل عصابة من الأشقياء لتقود بلداً ما، يكون على شعبه أن يشعر بالقلق. في العام 2021، شكّلت السعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مجموعة رباعية أُطلق عليها اسم "الرباعية من أجل السودان"، على أساس أن الهدف هو إعادة البلاد إلى الديمقراطية. لكن السودان وقف على حافة هاوية لعبة التجاذبات الجيوسياسية، مع تصاعد الاتهامات بأن العسكر المضادين للثورة في السودان شرعوا في تطوير علاقات وثيقة مع روسيا. في العام 2019، كان البشير قد ناقش صفقة تسمح لروسيا ببناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو ما كان سيمنحها موطئ قدم على القارة الإفريقية. وعرّض سقوط البشير وجود القاعدة للخطر، لكنّ فتحها أعيد عندما عاد فريقه القديم إلى الحكم. وأدخل هذا الواقع السودان في مرمى الصراع المتصاعد بين الغرب وروسيا، وأيضًا بين ممالك الخليج العربي. وحين يُجرّ بلد ما إلى تشابكات الآخرين، يصبح من الصعب تمييز مشاكله الخاصة. شرع الخلاف داخل زمرة الحكم من العسكر وبقايا نظام البشير في التضخم بشأن دمج القوات المسلحة وتقسيم الغنائم. وعلى السطح، بدا أنهم يتجادلون حول الجدول الزمني للعودة إلى الحكم المدني، لكنّ النزاع كان يدور في الواقع حول السيطرة العسكرية والسيطرة على الموارد. وفي نهاية المطاف، تصاعدت هذه الصراعات الداخلية على السلطة إلى الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2023. وكانت في الحقيقة حربًا حتمية، تحمل كل سمات الحرب بالوكالة: القوات المسلحة السودانية مدعومة من مصر والسعودية، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، وهناك أطراف خارجية أخرى تحرّك الخيوط من وراء الستار. استمرت المحادثات من أجل التوصل إلى حل هنا وهناك، لكنها لا تحرز أي تقدم. وأصبحت الحرب تسير بمنطقها الخاص، لم يتمكن 300.000 جندي في القوات المسلحة السودانية من تحقيق مكاسب كبيرة ضد 100.000 مقاتل في قوات الدعم السريع يعملون بدوافع عالية. ويمكن أن تؤدي الموارد التي لا تنضب من مبيعات الذهب والدعم الخارجي هذه الحرب مشتعلة إلى الأبد، أو على الأقل حتى ينسى معظم العالم أنها تحدث (كما حدث مع الحروب المنسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وعلى حدود ميانمار). ما تزال الأمم المتحدة تصدر البيانات، بينما تطالب منظمات حقوق الإنسان بفرض مزيد من الضغط على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. لكنّ أي شيء ملموس لم يأتِ بعد. وحتى محادثات السلام نفسها منقسمة: الإماراتيون والمصريون يتولون رعاية بعضها في القاهرة، بينما يعقد السعوديون محادثات أخرى في جدة، بينما قرّر البريطانيون عقد جولة جديدة في لندن. وفي كل ذلك، ليس من الواضح مَن يتحدث مع مَن، وعن ماذا. جاءت أكثر المحاولات جدية للتوسط من أجل اتفاق سلام من "الاتحاد الإفريقي" في كانون الثاني (يناير) 2024 مع إنشاء "اللجنة رفيعة المستوى من أجل السودان". ويترأس اللجنة الدكتور محمد بن شمباس، وهو دبلوماسي غاني كان الممثل الخاص المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور ورئيس العملية المختلطة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) من العام 2012 إلى العام 2014. وهو يعرف كِلا الجنرالين ويدرك مدى تعقيد الوضع في السودان. أما العضوان الآخران في اللجنة فهما الدكتورة سبيسيوزا وانديرا-كازيبي، نائبة رئيس أوغندا السابقة، والسفير فرانسيسكو ماديرا من موزمبيق، الذي كان ممثلاً خاصًا للاتحاد الإفريقي في الصومال ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي هناك. تعمل "اللجنة رفيعة المستوى من أجل السودان" بالتعاون مع "الهيئة الحكومية للتنمية" (إيغاد) -وهي الهيئة الإقليمية لشرق إفريقيا- لإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة الحوار للتوصل أولاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وبعد ذلك إلى اتفاق شامل. وقد التقت اللجنة بمجموعة واسعة من الشخصيات من مختلف أطياف الطيف السياسي في البلاد، بما في ذلك أعضاء من الأحزاب السياسية، والمؤسسة العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني. وكان العديد منهم من الموقعين على "اتفاقية جوبا للسلام" في العام 2020، التي شملت أيضًا فصائل مسلحة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. لكن المفاوضين يواجهون مشكلة في أوساط المكونات المدنية. في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، شكّل رئيس الوزراء المعزول، عبد الله حمدوك، ائتلاف "تقدُّم"، الذي جلب أصواتًا مدنية إلى طاولة المفاوضات. لكنّ الخلافات والانقسامات سرعان ما بدأت في الظهور على مدار العامين الماضيين بسبب الولاءات لأحد طرفي الصراع، ما أدى إلى حل الائتلاف في شباط (فبراير) 2025. عندئذٍ، شكّل حمدوك مجموعة جديدة باسم "صمود"، تهدف إلى الحفاظ على مسافة متساوية من كلا الطرفين. وفي آذار (مارس)، شكّل الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، ائتلاف "تأسيس السودان"، الذي رشّح محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، لقيادته. وبذلك، انقسمت حتى المجموعات المدنية على أسس قسمة الحرب الأهلية. في العام الماضي، كنتُ قد تحدثتُ مع حمدوك، الذي بدا عليه الإرهاق من طول أمد الحرب وعبثية المفاوضات. وعلى الرغم من دبلوماسيته الهادئة، كان حمدوك يعتقد أن الحروب يمكن أن تُنهك الجيوش وتُجبرها على التفاوض. وهو يعرف التاريخ جيدًا: نال السودان استقلاله من بريطانيا ومصر في العام 1956، لكنه سرعان ما دخل في حربه الأهلية الأولى بين الشمال والجنوب، والتي انتهت بـ"اتفاقية أديس أبابا" في العام 1972؛ وأصبحت تلك العشرية السلمية التي تلتها، والتي غذّتها عائدات النفط من الجنوب، ذكرى بعيدة. ثم اندلعت الحرب الأهلية الثانية بين الشمال والجنوب من العام 1983 إلى العام 2005، وأسفرت عن الاستفتاء الذي أُجري في العام 2011 وأدى إلى تقسيم البلاد إلى السودان وجنوب السودان. وأخيرًا، اندلع صراع دموي في دارفور في العام 2003 واستمر ببطء حتى وصوله إلى نهاية في العام 2010، وكان من العوامل التي أسهمت في الإطاحة بعمر البشير في العام 2019. في ذلك الوقت، كان الشعار ضد البشير هو "تسقط بس". وقد سقط. لكن الأرض ما تزال تهتز. لم يعرف شعب السودان طعم السلام منذ أجيال. ويبقى أمل حمدوك ضد مجرى التاريخ، لكنه من أجل المستقبل. *فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ ومحرر وصحفي هندي. يعمل زميلا في الكتابة وكبير المراسلين في "غلوبتروتر"، ومحررًا في دار "ليفت وورد" للنشر، ومديرًا لمعهد ثلاثي القارات للأبحاث الاجتماعية. وهو أيضًا زميل غير مقيم كبير في "معهد تشونغيانغ للدراسات المالية" بجامعة رينمين في الصين. ألّف أكثر من 20 كتابًا، منها: "الأمم الأشد ظلمة والأمم الأشد فقرًا". من أحدث كتبه: "النضال يجعلنا بشرًا: دروس من الحركات من أجل الاشتراكية"، وكتاب "الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان وهشاشة القوة الأميركية"، بالاشتراك مع نعوم تشومسكي. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Sudan & the Language of Blood


رؤيا نيوز
منذ 12 ساعات
- رؤيا نيوز
سفراء دول صديقة وشقيقة: الأردن مرتكزا للاستقرار بالمنطقة وواحة للسلام
أكد سفراء دول صديقة وشقيقة أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ظل على مدى سنوات طويلة 'مرتكزًا للاستقرار' في المنطقة، ولاعبًا رئيسيًا في تعزيز السلام والأمن الدوليين، حافظ على وحدته الوطنية، وساهم في استقرار المنطقة. وقالوا في أحاديث اليوم، رغم أن المنطقة ملتهبة وتشهد تطورات وأحداثًا غاية في الصعوبة، إلا أن الأردن بقي واحة للسلام والاستقرار، وتجاوز جميع التحديات، وهو شريك استراتيجي مهم لعملية السلام في المنطقة. وعبر السفراء عن أحر التهاني وأطيب الأماني للأردن قيادة وحكومة وشعبًا بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة. وأشاروا إلى أن الأردن كان من أوائل من أدخل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ودعا المجتمع الدولي إلى توفيرها بصفة عاجلة وكافية لحماية الأهل في قطاع غزة من حصار طال أمده وأضافوا أن الأردن يقدم خدمات تفوق قدراته للاجئين الذين فروا إليه من جحيم الحرب، مشكلًا حالة إنسانية فريدة. وقال السفير الصيني في عمان، تشن تشوان دونغ، إن الصين تقدر عاليًا الدور الفريد والمهم الذي يضطلع به الأردن في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، تحت قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني. ورغم وقوعه في منطقة مليئة بالصراعات، ظل الأردن 'واحة سلام' وقوة يُعتمد عليها في الوساطة وتسوية النزاعات، بفضل القيادة الحكيمة للملوك المتعاقبين، والجهود الجماعية لشعبه. وأكد أن الأردن يلتزم بسياسة خارجية مستقلة ومتوازنة، ويدافع عن النظام الدولي القائم على القانون الدولي، ويدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وأضاف أن الصين والأردن يتشاركان توافقًا واسعًا بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وأن الصين مستعدة لتعزيز التواصل والتنسيق مع الأردن للحفاظ على السلام والأمن العالميين، وتعزيز التنمية المشتركة. وأشار إلى أن الأردن يعد من أكبر الدول المستضيفة للاجئين في العالم، وعلى الرغم من التحديات الجسيمة التي تفرضها قضية اللاجئين على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد قدّمت الحكومة والشعب الأردني مساعدات سخية، مجسّدين الروح الإنسانية الأصيلة للأمة. وبيّن أنه منذ اندلاع الحرب على غزة، تصدّر الأردن الجهود الإنسانية عبر إيصال المساعدات الجوية وإنشاء 'الممر الأردني'، الأمر الذي خفف من معاناة السكان في غزة، وألهم المجتمع الدولي لبذل مزيد من الجهود. وقال السفير الياباني، هيديكي أساري، إن الأردن ظل على مدى سنوات طويلة 'مرتكزًا للاستقرار' في المنطقة، حيث لعب دورًا حيويًا في تعزيز السلام والأمن الدوليين تحت القيادة الراسخة لجلالة الملك عبدالله الثاني مضيفا أن الأردن حافظ على وحدته الوطنية وساهم في استقرار المنطقة. وفي استجابة للأزمة الإنسانية في غزة أطلق الأردن ممرًا إنسانيًا، ووصل المساعدات عبر البر والجو إلى أهل غزة. كما كان للمملكة صوت رائد في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات بسرعة، مؤكدًا على حل الدولتين كطريق وحيد لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة، وهي رؤى تتماشى مع موقف اليابان. وأشاد بالدعم المستمر الذي يقدمه الأردن للشعب السوري، حيث يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ، مما جعله مركزًا أساسيًا للمساعدات الإنسانية، وأظهر الشعب الأردني تعاطفًا وكرمًا، نال تقديرًا عالميًا. وقال إن الأردن شريك استراتيجي مهم لليابان، وأن البلدين عملا معًا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأن زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى اليابان تعكس الشراكة الاستراتيجية بينهما، وأن اللقاء بين سموه ورئيس الوزراء الياباني إيشيبا شيغيرو كان فرصة مهمة للعمل سويًا من أجل السلام. وأشار سفير الاتحاد الأوروبي في عمان، بيير كريستوف تشاتزيسافاس، إلى أن للأردن دورًا حيويًا في تعزيز السلام والاستقرار، وأظهر التزامًا ثابتًا بالمساعدات الإنسانية والتعاون الإقليمي، خاصة دعم الفئات الأضعف، بما في ذلك الفلسطينيين في قطاع غزة. وأضاف أن جهود الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والقوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي- ساهمت بشكل كبير في إيصال المساعدات إلى غزة عبر الطرق البرية والجوية، مؤكدًا أن الدعم المستمر يعكس التزام الأردن بالقضية الفلسطينية، ودوره كمحور إقليمي رئيسي. وتطرق إلى أن الأردن قدم، على مدى 15 عامًا، مساهمات كبيرة في استقبال اللاجئين السوريين، ووفّر لهم المأوى، وشاركهم الموارد الأساسية، بما في ذلك المياه، وأتاح لهم فرص التعليم والخدمات الصحية. وأكد أن الاتحاد الأوروبي سيستمر في دعم الأردن سياسيًا واقتصاديًا، لدوره في تحمل مسؤولية اللاجئين، وتعزيز الإصلاحات، معبرًا عن ثقته في استمرار الشراكة بين الطرفين. وقال السفير الأذربيجاني، إيلدار سليموف، إن الأردن يلعب دورًا بنّاءً ومستقرًا في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بفضل موقعه الجغرافي والتزامه بالاعتدال والدبلوماسية. وأضاف أن الأردن يدعم الحلول السلمية، ويشارك في بعثات حفظ السلام، ويستضيف اللاجئين، ويساهم في الحوار بين الأطراف المتنازعة، معززًا التعاون الأمني مع المجتمع الدولي. وأشار إلى أن الدور الإنساني للأردن في معالجة تداعيات أزمة اللاجئين محل تقدير، ويعكس التزامه بالاستقرار الإقليمي وكرامة الإنسان، رغم محدودية الموارد، من خلال إيصال المساعدات عبر القوافل البرية والجوية. وقالت السفيرة التونسية، مفيدة الزريبي، إن الأردن اتبع سياسة خارجية نشطة، تعتمد على الحوار والتهدئة، خاصة بعد 7 تشرين الأول 2023، من أجل وقف العدوان على غزة، ومواجهة مغالطات الاحتلال، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، كأساس للأمن والاستقرار في المنطقة. ودعت إلى استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وأضافت أن الأردن نقل مواقفه الثابتة إلى المجتمع الدولي، وضمن أبرز منبهين لخطورة الأوضاع، داعية المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته، وحماية إنسانية الإنسان، والتمسك بالقيم الدولية. وأكدت أن الأردن كان من أوائل من أدخل المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ودعا المجتمع الدولي إلى توفيرها بشكل عاجل، وهو ما تمّ في مرافعات الأردن لدى محكمة العدل الدولية، نصرة للأشقاء والقضية الفلسطينية، في مواجهة مخططات التهجير والتصفية. وأشارت إلى أن الأردن يستضيف مئات الآلاف من اللاجئين، ويعمل على تلبية حقوقهم، رغم التحديات وتراجع الدعم الدولي. وأشادَت بمساهمة الأردن في مكافحة الإرهاب، باعتباره تهديدًا للأمن والاستقرار، من خلال محاربة الفكر المتطرف، وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، بما يتوافق مع رؤى تونس، في أهمية نشر قيم التسامح، والحوار، والتعاون لمواجهة التحديات، ودعم قضايا الحق والعدل، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.


الغد
منذ 2 أيام
- الغد
الصفدي يشارك باجتماع للجنة الوزارية المشتركة بشأن غزة مع نظيره الفرنسي
اضافة اعلان باريس- شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي في اجتماع عقده وفد للجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة، ضم رئيس اللجنة وزير الخارجية في المملكة العربية السعودية سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية والهجرة في جمهورية مصر العربية بدر عبد العاطي مع وزير أوروبا والشؤون الخارجية في الجمهورية الفرنسية جان نويل بارو، وذلك في مقر وزارة الخارجية الفرنسية بالعاصمة باريس.وجرى خلال الاجتماع،بحث الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ومناقشة تعزيز الجهود المشتركة لوقف كافة الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلة، والتي تخالف القوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني.وناقش الاجتماع، دعم المساعي الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة، وتنفيذ حل الدولتين وفقًا للقوانين الدولية ذات الصلة، بما يحقق الأمن والازدهار للمنطقة.كما بحث الاجتماع، التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي رفيع المستوى لحل الدولتين، الذي سيُعقد في مقر الأمم المتحدة خلال شهر حزيران المقبل في نيويورك، برئاسة مشتركة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية. -(بترا)