
السودان: لغة الدم
فيجاي براشاد* - (معهد تريكونتيننتال للبحث الاجتماعي) 16/5/2025
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
حصدت هذه الحرب الأهلية المنسية أرواح ما لا يقل عن 150.000 شخص وشرّدت نحو 13 مليوناً آخرين. ويشكل فهم تفاصيلها السياسية المفتاح لتعقب أسبابها -وتحديد سبل حلها. اضافة اعلان
* * *
على مدى الأسابيع الماضية، انصبت أنظار العالم بلا شك على التصعيد بين الهند وباكستان، وسوف نكتب المزيد عن هذا الملف حين تهدأ الأوضاع. وعلى الرغم من أن أياً من الجيوش لم يعبر الحدود أو خط السيطرة، فإن القلق يبقى مبررًا: كلا البلدين يمتلك أسلحة نووية. والآن، يبدو أن الأمور عادت فعلياً إلى اتفاق وقف إطلاق النار للعام 1948، الذي استمر لعقود من دون معاهدة سلام شاملة وحقيقية.
كما بقي التركيز العالمي منصبًا -عن حق- على الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين، حيث شدد الإسرائيليون الحصار التام على قطاع غزة، ربما انتقاماً من عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة في 27 كانون الثاني (يناير)، متحدّين بالكامل الحرب الإبادية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، بدا أن بعض النزاعات، مثل الحرب المستمرة في السودان، قد طواها النسيان تماماً تقريباً. وهذا هو موضوع هذا المقال، المبنيّ على محادثات أجريت مع عمال إغاثة إنسانيين وشخصيات سياسية سودانية.
يعكس القول بأن هذه الحرب محيِّرة، وأنها لا توجد تفسيرات سهلة لها، عنصرية التغطية الإعلامية التي ترى في النزاعات الأفريقية شؤوناً غامضة ولا نهائية. ومع ذلك، ثمة أسباب لهذه الحرب، وهو ما يعني أن هناك سبلًا لإنهائها. ينبغي تجاوز "لغة الدم" التي استحوذت على وعينا العالمي، والبحث بدلاً من ذلك في التفاصيل السياسية التي تكمن فيها إمكانية تحقيق السلام.
البدايات
قبل عامين تقريبًا، تحطم السلام الهش والآمل في السودان حين اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع -وهما جناحان من أجنحة الدولة السودانية. وجرى إحياء الذكرى الثانية لهذه الحرب، في 11 نيسان (أبريل)، بهجوم مروّع شنّته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين في شمال دارفور. وكما روت "هوا"، وهي أم سودانية لثلاثة أطفال نجت من الهجوم: "كانت القنابل تتساقط على المستشفى... وغادر من نجا منا فقط وأطفاله على ظهره".
وبحلول 16 نيسان (أبريل)، كان المخيم -الذي ضم في السابق نصف مليون لاجئ- قد دُمّر تمامًا، بينما أسفر الهجوم عن سقوط مئات القتلى وهروب الباقين إلى الفاشر وتويلة القريبتين.
خلال عامين من القتال، قُتل ما لا يقل عن 150.000 شخص، وتم تهجير نحو 13 مليوناً -أي أكثر من خُمس سكان السودان البالغ عددهم 51 مليوناً. وتبدو هذه الكارثة المستمرة عبثية تمامًا وبلا معنى لغالبية السودانيين.
لكن المشهد كان مختلفاً تماماً في 11 نيسان (أبريل) 2019، أي قبل ست سنوات من مجزرة زمزم، حين أُطيح بالرئيس عمر البشير بعد حكم طويل، من خلال حركة جماهيرية شاركت فيها لاحقاً المؤسسة العسكرية.
بدأت الاحتجاجات ضد حكومة البشير في كانون الأول (ديسمبر) 2018 بسبب التضخم والأزمة الاجتماعية المتصاعدة. وحين عجز البشير عن الاستجابة لمطالب الناس، لم يتمكن من الاستمرار في الحكم -حتى باستخدام القوة- خاصة بعد أن انقلب عليه الجيش السوداني (كما فعل الجيش المصري مع الرئيس حسني مبارك في العام 2011). وكان الذي أطاح بالبشير هو ما أصبح يُعرف لاحقاً بـ"المجلس العسكري الانتقالي"، بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وبمساعدة الفريق محمد "حميدتي" حمدان دقلو.
تشكل الأمل
شكلت القوى التي قادت الاحتجاجات على الأرض تحالفاً باسم "قوى الحرية والتغيير". وشمل هذا التحالف الحزب الشيوعي السوداني، وقوى الإجماع الوطني، وتجمع المهنيين السودانيين، والجبهة الثورية السودانية، ونساء المجموعات المدنية والسياسية السودانية، والعديد من لجان المقاومة أو اللجان الشعبية بالأحياء.
بعد ذلك، وبضغط من الاحتجاجات التي قادتها قوى الحرية والتغيير، وقّع الجيش اتفاقاً في منتصف العام 2019 للإشراف على انتقال إلى حكم مدني. وبدعم من "الاتحاد الأفريقي"، تم تشكيل "مجلس السيادة الانتقالي"، الذي ضم خمسة أعضاء عسكريين وستة مدنيين.
عيّن "المجلس" عبد الله حمدوك (من مواليد العام 1956) رئيساً للوزراء، ونعمات عبد الله خير (من مواليد العام 1957) رئيسة للقضاء. وبدا حمدوك، وهو دبلوماسي هادئ عمل لفترة طويلة في "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا"، مناسباً تماماً لدوره كرئيس وزراء انتقالي. كما مثلت خير، وهي قاضية مخضرمة انضمت إلى الحراك الاحتجاجي ضد البشير، النموذج المناسب لقيادة السلطة القضائية بكفاءة.
كان الباب إلى مستقبل جديد في السودان قد بدأ يُفتح بالفعل. ولكن، لم يمض طويل وقت حتى وقع السودان فريسة لضغوط تاريخه الخاص. في العام 2021، وبعد محاولات انقلابية فاشلة عدة، استولى الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة، ظاهريًا للدفاع عن المرحلة الانتقالية، ولكن في الواقع لإعادة رموز نظام البشير من عزلتهم إلى الحكومة.
في الواقع، كثيرًا ما تُقاطع الثورات بعودة النظام القديم الذي لا يمكن التخلّص من قبضته على القوات المسلحة والمجتمع بسهولة. وكان كلّ من البرهان وحميدتي يعلمان أن أي مسعى إلى تحقيق العدالة ضد حكومة البشير سيضربهما بقوة، لأنهما كانا مطرقة ذلك النظام (كانت قوات حميدتي، المعروفة شعبيًا باسم "الجنجويد" -أو "الشياطين على ظهور الخيل"- قد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان خلال حملة البشير في إقليم دارفور).
وبالأهمية نفسها، كان لدى الرجلين وحاشيتهما مصالح مادية على المحك، بما في ذلك السيطرة على مناجم الذهب السودانية في دارفور وكردفان. وبالنسبة لأمثال هؤلاء، فإن الخوف من المشنقة، والجشع وإغراء الحصول على مزيد من الغنائم هي الأهم.
عادة ما يتطلب الانتقال الحقيقي للسلطة قطيعة تامة مع المجتمع القديم، وهو أمر يصعب تحقيقه ما لم تنهَر المؤسسة العسكرية أو يُعاد تشكيلها بالكامل وفقًا لصورة المجتمع الجديد، وليس بعناصر النظام القديم. وقد عمل كلا الرجلين -البرهان وحميدتي- على تقويض هذا الانتقال، وبقمع سريع ضد الحركات الجماهيرية، خاصة نقابات الشغلية والشيوعيين، تمكّنا من إحكام السيطرة على الخرطوم.
عندما تتشكّل عصابة من الأشقياء لتقود بلداً ما، يكون على شعبه أن يشعر بالقلق. في العام 2021، شكّلت السعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مجموعة رباعية أُطلق عليها اسم "الرباعية من أجل السودان"، على أساس أن الهدف هو إعادة البلاد إلى الديمقراطية. لكن السودان وقف على حافة هاوية لعبة التجاذبات الجيوسياسية، مع تصاعد الاتهامات بأن العسكر المضادين للثورة في السودان شرعوا في تطوير علاقات وثيقة مع روسيا.
في العام 2019، كان البشير قد ناقش صفقة تسمح لروسيا ببناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو ما كان سيمنحها موطئ قدم على القارة الإفريقية. وعرّض سقوط البشير وجود القاعدة للخطر، لكنّ فتحها أعيد عندما عاد فريقه القديم إلى الحكم. وأدخل هذا الواقع السودان في مرمى الصراع المتصاعد بين الغرب وروسيا، وأيضًا بين ممالك الخليج العربي. وحين يُجرّ بلد ما إلى تشابكات الآخرين، يصبح من الصعب تمييز مشاكله الخاصة.
شرع الخلاف داخل زمرة الحكم من العسكر وبقايا نظام البشير في التضخم بشأن دمج القوات المسلحة وتقسيم الغنائم. وعلى السطح، بدا أنهم يتجادلون حول الجدول الزمني للعودة إلى الحكم المدني، لكنّ النزاع كان يدور في الواقع حول السيطرة العسكرية والسيطرة على الموارد.
وفي نهاية المطاف، تصاعدت هذه الصراعات الداخلية على السلطة إلى الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2023. وكانت في الحقيقة حربًا حتمية، تحمل كل سمات الحرب بالوكالة: القوات المسلحة السودانية مدعومة من مصر والسعودية، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، وهناك أطراف خارجية أخرى تحرّك الخيوط من وراء الستار.
استمرت المحادثات من أجل التوصل إلى حل هنا وهناك، لكنها لا تحرز أي تقدم. وأصبحت الحرب تسير بمنطقها الخاص، لم يتمكن 300.000 جندي في القوات المسلحة السودانية من تحقيق مكاسب كبيرة ضد 100.000 مقاتل في قوات الدعم السريع يعملون بدوافع عالية. ويمكن أن تؤدي الموارد التي لا تنضب من مبيعات الذهب والدعم الخارجي هذه الحرب مشتعلة إلى الأبد، أو على الأقل حتى ينسى معظم العالم أنها تحدث (كما حدث مع الحروب المنسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وعلى حدود ميانمار).
ما تزال الأمم المتحدة تصدر البيانات، بينما تطالب منظمات حقوق الإنسان بفرض مزيد من الضغط على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. لكنّ أي شيء ملموس لم يأتِ بعد. وحتى محادثات السلام نفسها منقسمة: الإماراتيون والمصريون يتولون رعاية بعضها في القاهرة، بينما يعقد السعوديون محادثات أخرى في جدة، بينما قرّر البريطانيون عقد جولة جديدة في لندن. وفي كل ذلك، ليس من الواضح مَن يتحدث مع مَن، وعن ماذا.
جاءت أكثر المحاولات جدية للتوسط من أجل اتفاق سلام من "الاتحاد الإفريقي" في كانون الثاني (يناير) 2024 مع إنشاء "اللجنة رفيعة المستوى من أجل السودان". ويترأس اللجنة الدكتور محمد بن شمباس، وهو دبلوماسي غاني كان الممثل الخاص المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور ورئيس العملية المختلطة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) من العام 2012 إلى العام 2014. وهو يعرف كِلا الجنرالين ويدرك مدى تعقيد الوضع في السودان.
أما العضوان الآخران في اللجنة فهما الدكتورة سبيسيوزا وانديرا-كازيبي، نائبة رئيس أوغندا السابقة، والسفير فرانسيسكو ماديرا من موزمبيق، الذي كان ممثلاً خاصًا للاتحاد الإفريقي في الصومال ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي هناك.
تعمل "اللجنة رفيعة المستوى من أجل السودان" بالتعاون مع "الهيئة الحكومية للتنمية" (إيغاد) -وهي الهيئة الإقليمية لشرق إفريقيا- لإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة الحوار للتوصل أولاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وبعد ذلك إلى اتفاق شامل. وقد التقت اللجنة بمجموعة واسعة من الشخصيات من مختلف أطياف الطيف السياسي في البلاد، بما في ذلك أعضاء من الأحزاب السياسية، والمؤسسة العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني. وكان العديد منهم من الموقعين على "اتفاقية جوبا للسلام" في العام 2020، التي شملت أيضًا فصائل مسلحة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
لكن المفاوضين يواجهون مشكلة في أوساط المكونات المدنية. في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، شكّل رئيس الوزراء المعزول، عبد الله حمدوك، ائتلاف "تقدُّم"، الذي جلب أصواتًا مدنية إلى طاولة المفاوضات. لكنّ الخلافات والانقسامات سرعان ما بدأت في الظهور على مدار العامين الماضيين بسبب الولاءات لأحد طرفي الصراع، ما أدى إلى حل الائتلاف في شباط (فبراير) 2025.
عندئذٍ، شكّل حمدوك مجموعة جديدة باسم "صمود"، تهدف إلى الحفاظ على مسافة متساوية من كلا الطرفين. وفي آذار (مارس)، شكّل الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، ائتلاف "تأسيس السودان"، الذي رشّح محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، لقيادته.
وبذلك، انقسمت حتى المجموعات المدنية على أسس قسمة الحرب الأهلية.
في العام الماضي، كنتُ قد تحدثتُ مع حمدوك، الذي بدا عليه الإرهاق من طول أمد الحرب وعبثية المفاوضات. وعلى الرغم من دبلوماسيته الهادئة، كان حمدوك يعتقد أن الحروب يمكن أن تُنهك الجيوش وتُجبرها على التفاوض. وهو يعرف التاريخ جيدًا: نال السودان استقلاله من بريطانيا ومصر في العام 1956، لكنه سرعان ما دخل في حربه الأهلية الأولى بين الشمال والجنوب، والتي انتهت بـ"اتفاقية أديس أبابا" في العام 1972؛ وأصبحت تلك العشرية السلمية التي تلتها، والتي غذّتها عائدات النفط من الجنوب، ذكرى بعيدة.
ثم اندلعت الحرب الأهلية الثانية بين الشمال والجنوب من العام 1983 إلى العام 2005، وأسفرت عن الاستفتاء الذي أُجري في العام 2011 وأدى إلى تقسيم البلاد إلى السودان وجنوب السودان. وأخيرًا، اندلع صراع دموي في دارفور في العام 2003 واستمر ببطء حتى وصوله إلى نهاية في العام 2010، وكان من العوامل التي أسهمت في الإطاحة بعمر البشير في العام 2019. في ذلك الوقت، كان الشعار ضد البشير هو "تسقط بس". وقد سقط. لكن الأرض ما تزال تهتز.
لم يعرف شعب السودان طعم السلام منذ أجيال. ويبقى أمل حمدوك ضد مجرى التاريخ، لكنه من أجل المستقبل.
*فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ ومحرر وصحفي هندي. يعمل زميلا في الكتابة وكبير المراسلين في "غلوبتروتر"، ومحررًا في دار "ليفت وورد" للنشر، ومديرًا لمعهد ثلاثي القارات للأبحاث الاجتماعية. وهو أيضًا زميل غير مقيم كبير في "معهد تشونغيانغ للدراسات المالية" بجامعة رينمين في الصين. ألّف أكثر من 20 كتابًا، منها: "الأمم الأشد ظلمة والأمم الأشد فقرًا". من أحدث كتبه: "النضال يجعلنا بشرًا: دروس من الحركات من أجل الاشتراكية"، وكتاب "الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان وهشاشة القوة الأميركية"، بالاشتراك مع نعوم تشومسكي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Sudan & the Language of Blood
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 30 دقائق
- الغد
كيف صمد الحوثيون في وجه أميركا؟
اضافة اعلان أبريل لونغلي ألي* - (إندبندنت عربية) 16/5/2025موقف الحوثيين لم يتغير فعلياًانتهت حملة القصف الأميركية ضد الحوثيين من دون أن تغير سلوك الجماعة أو تقلص تهديدها، بل منحتها فرصة لادعاء النصر ومواصلة هجماتها. كان خيار إدارة ترامب بوقف العمليات مدفوعاً بتكاليف الحملة وخطر التورط في حرب طويلة، لكنه قد يضر بالمصالح الأميركية ما لم يتم تعزيزه بجهد إقليمي ودبلوماسي منسق.***بعد سبعة أسابيع ونصف من الغارات الجوية المكثفة على أكثر من 1.000 هدف منفصل، انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن بالطريقة المفاجئة نفسها التي بدأت بها. في السادس من أيار (مايو) الحالي، وخلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أعلن الرئيس دونالد ترامب، ببساطة، أن الحوثيين المدعومين من إيران "لا يريدون القتال بعد الآن"، وأن الولايات المتحدة "ستثق بكلامهم وستوقف القصف".وأكد وزير الخارجية العُماني، بدر بن حمد البوسعيدي، عبر منصة "إكس"، أن بلاده توسطت في اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، الذي تعهد فيه الطرفان بعدم استهداف بعضهما بعضاً. وعلى الرغم من الهجمات الفعالة التي ينفذها الحوثيون على الملاحة الدولية في البحر الأحمر واستمرارهم في مهاجمة إسرائيل، فإن الاتفاق لا يفرض أي قيود صريحة على تحركاتهم ضد أي بلد آخر غير الولايات المتحدة. ويُلاحظ، بصورة لافتة، غياب إسرائيل والسفن "المرتبطة بإسرائيل" من نص الاتفاق، وهو تعبير فسره الحوثيون بصورة فضفاضة في الماضي بطريقة تخدم مصالحهم.لعل ما يثير الحيرة في إعلان البيت الأبيض هو أن موقف الحوثيين لم يتغير فعلياً منذ أن بدأت إدارة ترامب حملتها الجوية المتصاعدة في 15 آذار (مارس) الماضي. من الناحية الظاهرية، أُطلقت عملية "راف رايدر" Operation Rough Rider، وهي التسمية التي أعطيت للحملة الأميركية، بهدف استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة فرض الردع ضد إيران ووكلائها. وعندما بدأت العملية كان الحوثيون يستهدفون إسرائيل، وكذلك السفن المرتبطة بها بصورة صريحة، على الرغم من أنهم لم يستهدفوا السفن الأميركية، وقالوا إنهم سيواصلون القيام بذلك حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة.ومنذ بداية الحملة الأميركية، أوضح قادة الحوثيين أنهم سيتوقفون عن مهاجمة السفن الأميركية إذا توقفت واشنطن عن القصف، لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر. وبعد إعلان ترامب عن اتفاق السادس من أيار (مايو) الحالي، أعاد المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، تأكيد هذا الموقف. وبعبارات أخرى، بعد عملية عسكرية أميركية كلفت أكثر من ملياري دولار، وكان من المفترض أن يكون لها تأثير كبير على القدرات العسكرية للحوثيين، أسفر وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين عن تثبيت موقف الجماعة الأساسي من دون أن يحقق تغييرات جوهرية في سلوكها أو استراتيجيتها. وعلى الرغم من ادعاء ترامب بأن الحوثيين قد استسلموا، فإن الجماعة ما تزال تحتفظ بسلطتها، كما وصفت الاتفاق بأنه "انتصار لليمن".بالنسبة لإدارة ترامب، أتاح وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملة أصبحت شيئاً فشيئاً عبئاً لا يمكن تحمله. لم يكن القصف مكلفاً للغاية وحسب، بل كان يثير أيضاً مخاوف بين صانعي السياسة في واشنطن من أن الولايات المتحدة قد تنجر إلى حرب أخرى لا نهاية لها في الشرق الأوسط. ولا شك في أن هذا السيناريو دفع به نائب الرئيس، جي. دي. فانس، وأعضاء الإدارة الأكثر ميلاً إلى الانعزالية الجديدة، والذين كانوا متشككين في المغامرات العسكرية الأميركية منذ البداية.ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخاتمة ستوفر فترة توقف كافية تسمح لإدارة ترامب بالتنصل من مشكلة الحوثيين، ولكن إذا تجاهل ترامب هجمات الحوثيين المستمرة على إسرائيل، فثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن الحوثيين سيتجنبون مهاجمة الأصول الأميركية في الوقت الراهن. وعلى الأرجح، كان الحوثيون سيصمدون حتى لو استمرت حملة القصف الأميركية، لكن توقفها له إيجابيات عديدة بالنسبة لهم، إذ يمكن لقادة الجماعة الآن الادعاء بأنهم خاضوا مواجهة مباشرة مع قوة عظمى وانتصروا، وأنهم تخلصوا من الضغط الذي كان يتسبب به القصف الأميركي. كما يمكنهم أيضاً التركيز الآن على إسرائيل التي تشن، بدورها، حملة جوية عقابية رداً على الهجمات الحوثية، بما في ذلك هجوم صاروخي باليستي قرب مطار بن غوريون في تل أبيب شُن في أوائل أيار (مايو) الحالي. والأهم من ذلك أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من غير المرجح أن تدعم واشنطن هجوماً برياً ضد الحوثيين تشنه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهي ائتلاف منقسم داخلياً من الفصائل المناهضة للحوثيين التي تسيطر على الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد. وقد يكون هذا الهجوم البري، بالتزامن مع القوة الجوية، هو الطريقة الأكثر فاعلية للضغط على الحوثيين حقاً وإضعاف قبضتهم على السلطة، على الرغم مما ينطوي عليه من أخطار كبيرة.كانت إدارة ترامب محقة في محاولتها إيجاد مخرج من حملة جوية متزايدة الكلفة ومفتوحة الأجل. لكن الخيار الذي تبتنه قد يضر أكثر مما ينفع. وما لم تسارع واشنطن إلى تنسيق الجهود مع حلفائها في المنطقة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، في إطار جهد أوسع للحفاظ على الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي على الحوثيين، فستستمر الجماعة في إثارة الفوضى في اليمن وعبر المنطقة. وهناك بديل أفضل: من خلال دعم الأمم المتحدة ووسطاء آخرين، مثل سلطنة عُمان، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وخارجها الدفع نحو تسوية سياسية أوسع في اليمن يكون من شأنها تقييد قدرات الحوثيين العسكرية وطموحاتهم. وقد يبدو تحقيق هذا صعباً، لكنه سيكون من حيث الكلفة أكثر فعالية من البدائل الأخرى المتوفرة. وفي غياب مثل هذه الجهود، سيستعيد الحوثيون قوتهم ويعيدون تنظيم صفوفهم، وقد يعاودون قريباً تشكيل التهديد الأمني نفسه الذي دفع إدارة ترامب إلى إطلاق حملتها في المقام الأول.رحلة وعرةبدأت الولايات المتحدة ضرباتها ضد الحوثيين للمرة الأولى في عهد الرئيس جو بايدن الذي شن حملة محدودة من الغارات الجوية في كانون الثاني (يناير) 2024 رداً على هجمات الجماعة على الشحن والملاحة في البحر الأحمر، وبخاصة هجومها على سفينة حربية أميركية. وسعت إدارة بايدن إلى اتباع استراتيجية محسوبة، إذ كان الهدف هو الرد على هجمات الحوثيين من دون تصعيد النزاع أو التسبب في سقوط ضحايا مدنيين أو إثارة تصعيد إقليمي أكبر مع إيران. وعلى النقيض من ذلك، كان ترامب أكثر عدوانية بكثير، وانتقد بايدن بشدة بسبب ما وصفه بالرد "الضعيف بصورة مثيرة للشفقة" على تهديد الحوثيين. ويبدو أن إدارته استمدت جرأة إضافية من ضعف إيران الكبير بعد أن تضررت القوى الموالية لها في غزة ولبنان وسورية بصورة كبيرة خلال العام الماضي، نتيجة حرب إسرائيل ضد "حماس" و"حزب الله"، وسقوط نظام الأسد.ومع ذلك، كان حجم الحملة غير متوقع. وفي الواقع، تعد عملية "راف رايدر" أكبر تدخل عسكري لإدارة ترامب وأكثرها كلفة حتى الآن. ولقد شملت العملية أكثر من 1.000 ضربة جوية استهدفت مجموعة واسعة من أهداف الحوثيين، بما في ذلك مستودعات الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة وأنظمة الدفاع الجوي والبنية التحتية الحيوية وقادة الحوثيين. ولتنفيذ هذه العملية الطموحة، نشرت الإدارة مجموعتي حاملات طائرات هجومية وطائرات مسيرة من طراز "أم.كيو-9 ريبر"، وقاذفات شبح من طراز "بي-2"، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي "باتريوت" و"ثاد".وبالإضافة إلى التصعيد الكبير في الغارات الجوية، كثفت الإدارة الأميركية أيضاً الضغط الاقتصادي والسياسي. ففي آذار (مارس) الماضي، أعادت تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" FTO، وهو تصنيف يفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية شديدة. وأدى هذا التصنيف إلى شل النظام المصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحد من قدرتها على استيراد الوقود، وجعل من بعض العناصر في اتفاق مقترح ترعاه الأمم المتحدة لإنهاء الحرب كان قيد التفاوض قبل بدء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، غير قابلة للتطبيق. وكان من المتوقع أن يؤدي تنفيذ الاتفاق الذي يحظى بدعم حلفاء واشنطن في الخليج إلى وقف شامل لإطلاق النار يمهد لانطلاق عملية سياسية تهدف إلى تحديد آليات تقاسم السلطة في اليمن. وعلاوة على ذلك، وعد الاتفاق بفوائد اقتصادية كبيرة، بما في ذلك صيغة لدفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.ونظراً إلى موارد اليمن المحدودة، كان ذلك سيتطلب دعماً مالياً خارجياً كبيراً. لكن تصنيف واشنطن للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية جرّم التحويلات المالية إليهم، مما جعل هذا الجانب من الاتفاق غير قابل للتنفيذ.فرضت إجراءات واشنطن ضغطاً حقيقياً على الحوثيين. فخلال الحملة، وفقاً للـ"بنتاغون"، انخفض إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية ضد أهداف إسرائيلية وأميركية بنسبة 87 في المائة. وانخفضت هجمات الطائرات المسيرة بنسبة 65 في المائة. وبالإضافة إلى ذلك، أجبرت الضربات الأميركية معظم قادة الجماعة على الاختباء وأبطأت وتيرة التواصل الداخلي بينهم. وكذلك عملت الأجهزة الأمنية الداخلية التابعة للحوثيين على تكثيف الاعتقالات بحق اليمنيين الذين يشتبه في كشفهم عن معلومات استهداف لأطراف قد تسربها إلى الولايات المتحدة أو حلفائها.بالإضافة إلى ذلك، غيرت الضربات الأميركية الحسابات العسكرية للجماعة بصورة مؤقتة. فبعد تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية، سعت الجماعة في البداية إلى السيطرة على حقول النفط والغاز في محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء، وهي مورد استراتيجي كان من شأنه التخفيف من أثر التصنيف. لكن الحملة الجوية الأميركية أخرت مؤقتا هذا الطموح الذي لو تحقق لكان سيعزز موارد الحوثيين ويمهد الطريق لهجمات لاحقة على محافظات أخرى منتجة للنفط في الجنوب والشرق، تخضع حالياً لسيطرة الحكومة اليمنية.قبل إعلان وقف إطلاق النار في السادس من أيار (مايو) الحالي، رفعت الضربات سقف التوقعات لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بأنها قد تتمكن من الحصول على دعم أميركي وإقليمي لشن هجوم بري جديد لاستعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وقد ضغط مسؤولو الحكومة اليمنية بشدة على واشنطن للحصول على هذا الدعم، مدركين أن الفرصة التي أمامهم عابرة وقد لا تدوم طويلاً، وأنهم إذا لم يستغلوها فسيكون الحوثيون قادرين على استخدام انتصارهم المتمثل في الصمود أمام الحملة العسكرية الأميركية لتعزيز موقفهم أكثر. وشكل التهديد بإمكان شن عملية برية مصدر قلق بالغا لقادة الحوثيين الذين يصفون أي معارض داخلي لهم بأنه عميل للعدوان الأميركي - الإسرائيلي.اختبار الصمودكان لحملة الضغط التي شنها ترامب حدود بدأت تتضح خلال بضعة أسابيع. فقد واصلت القوات الأميركية ضرب أهداف حوثية بصورة شبه يومية مستخدمة كميات هائلة من الذخائر، وادعى "البنتاغون" أنه قتل قادة مهمين في الجماعة. ومع ذلك لا يوجد دليل يذكر على تصفية أفراد من الهيكل القيادي للجماعة؛ فالدوائر الداخلية للقيادة ما تزال سليمة إلى حد كبير، والأهم من ذلك أن قدرة الجماعة على استهداف الأهداف الأميركية والإسرائيلية لم تتضرر بصورة كبيرة.ومن جانبهم، يدعي الحوثيون أنهم أسقطوا ما لا يقل عن سبع طائرات أميركية مسيرة من طراز "ريبر" منذ آذار (مارس) الماضي تبلغ كلفة الواحدة منها 30 مليون دولار. وفي 28 نيسان (أبريل) الماضي، سقطت طائرة مقاتلة أميركية بقيمة 60 مليون دولار في البحر عندما اضطرت حاملة الطائرات التي تقلها إلى القيام بانعطاف حاد لتجنب نيران الحوثيين. وفي أوائل أيار (مايو) الحالي، تمكن صاروخ أطلقه الحوثيون من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وسقط قرب مطار تل أبيب، مما دفع إسرائيل إلى رد عنيف.باختصار، كانت المكاسب التكتيكية التي حققتها الولايات المتحدة تأتي بكلفة متزايدة وأخطار جسيمة. كان استمرار العمليات سيزيد من احتمال مقتل أفراد من القوات الأميركية، وهو سيناريو كان من شأنه أن يدفع واشنطن حتماً إلى التورط بصورة أكبر في الصراع. وعلاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة تستنفد الذخائر بمعدل مقلق، وكانت وزارة الدفاع الأميركية تعاني بالفعل ضغوطاً في تلبية الطلب المتزايد على الأسلحة، بسبب التزامات أميركية سابقة تجاه إسرائيل وأوكرانيا، بالإضافة إلى ضربات إدارة بايدن ضد الحوثيين والجهود الأميركية الرامية إلى الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية المباشرة، وأبدى بعض المسؤولين الأميركيين قلقهم من أن الكم الكبير من الأسلحة بعيدة المدى المستخدمة ضد الحوثيين، بالإضافة إلى نقل كتيبة دفاع جوي تستخدم صواريخ من طراز "باتريوت" من القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى منطقة الشرق الأوسط، قد يضعفان استعداد الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الصينية.بالإضافة إلى ذلك، كانت الغارات الجوية الأميركية تلحق أضراراً متزايدة بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن، وهي حقيقة سارعت وسائل إعلام الحوثيين إلى استغلالها لمصلحة الجماعة. وعلى سبيل المثال، أسفرت ضربة أميركية في منتصف نيسان (أبريل) الماضي استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة عن مقتل أكثر من 70 يمنياً، كما أسفرت غارة في أوائل أيار (مايو) الحالي على مركز احتجاز يديره الحوثيون ويضم مهاجرين أفارقة، عن مقتل العشرات، بمن فيهم مدنيون. ويُظهر مسار الحرب الأهلية السابقة أن مثل هذه الحوادث لا تُضعف الدعم المحلي للحوثيين، بل على العكس، حيث تصب في مصلحتهم، وهو ما سمح لهم بدرء الانتقادات وحشد الدعم ضد عدو خارجي.منذ بداية حملة ترامب، أعلن الحوثيون أنهم قادرون على الصمود في وجه الضغوط والخروج منها أقوى. وكانت القوة الأساسية لحركة الحوثيين منخرطة في الصراع المسلح. وبصفتها فرعاً راديكالياً من المذهب الزيدي في الإسلام، المناهض بشدة لإسرائيل والغرب، تشكلت الجماعة في خضم الحرب ضد الحكومة اليمنية منذ العقد الأول من هذا القرن. وبفضل تمركزهم في المرتفعات الجبلية الوعرة في اليمن، اكتسب الحوثيون أعواماً من الخبرة في إخفاء قياداتهم وأسلحتهم، كما أن لديهم قدرة هائلة على تحمل الهجمات وفقدان المقاتلين والأسلحة. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن إيران؛ الداعم الرئيس للجماعة، أصبحت أضعف بكثير، فقد تمكن الحوثيون من تنويع خطوط إمدادهم. من خلال تطوير شبكات جديدة لتهريب الأسلحة تمتد الآن إلى ما بعد إيران وصولاً إلى القرن الأفريقي، وبناء علاقات انتهازية مع الصين وروسيا، أصبحت الجماعة أكثر قدرة على الصمود.باختصار، على الرغم أن الحملة الأميركية وضعت الحوثيين تحت ضغط شديد، فإنها لم تفلح في ردعهم على الإطلاق، وكانوا بعيدين كل البعد عن الهزيمة عند دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وبحلول أوائل أيار (مايو) الحالي، كانت الولايات المتحدة تحقق مكاسب تكتيكية من خلال تدمير الأسلحة والقدرات الحوثية، وإجبار القيادات على الاختباء، وإثارة مخاوف الحوثيين من احتمال شن هجوم بري جديد ضدهم قريباً. لكن الولايات المتحدة لم تتمكن من تحويل نقاط الضغط هذه إلى مكاسب استراتيجية.الإستراتيجية المفقودةتستطيع الولايات المتحدة أن تحد من تدخلها العسكري وتدعم في الوقت ذاته مساراً نحو التسوية -أو على الأقل نحو احتواء التهديد الحوثي من خلال العمل مع حلفائها لممارسة ضغوط عسكرية واقتصادية وسياسية على الجماعة. ولتحقيق ذلك، يجب على صانعي السياسات الأميركيين أن يتخلصوا أولاً من وهم إمكانية الفصل الواضح بين ما يحدث داخل اليمن وما يحدث في البحر الأحمر أو المنطقة الأوسع، وبخاصة في الخليج. وقد أبدى كل من فانس ووزير الدفاع بيت هيغسيث عدم اهتمامهما بما يحدث داخل اليمن. وعلى حد تعبير فانس، إذا توقف الحوثيون عن شن هجمات في البحر الأحمر فيمكنهم "العودة إلى ما كانوا يفعلونه قبل مهاجمة السفن المدنية". ومع ذلك، فإن المشكلات التي تواجهها واشنطن وحلفاؤها في البحر الأحمر نابعة بالتحديد من الصراع الداخلي على السلطة في اليمن. وبصفتهم قوة مسلحة بصورة متزايدة وغير خاضعة للرقابة، يتمتع الحوثيون بالقدرة على إبراز قوتهم وتهديداتهم خارج حدود اليمن، وسيواصلون القيام بذلك إلى أن يواجهوا قيوداً داخلية حقيقية. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتدخل في كل تفصيل من تفاصيل السياسات المعقدة في اليمن، ولا تحتاج إلى تكون الطرف القائد في توجيه الاستراتيجية السياسية المتعلقة باليمن. لكنها يجب على أقل تقدير أن تمتلك سياسة واضحة تجاهه.لضمان حفاظ اليمن على بعض التوازن في الداخل، ينبغي على الولايات المتحدة منح داعمي الحكومة اليمنية الخليجيين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الضمانات الأمنية اللازمة لمواصلة دعم الحكومة سياسياً وعسكرياً. فهذان البلدان هما الموردان الرئيسيان للأسلحة والمال لقوات الحكومة اليمنية، لكنهما صرحا علناً بعدم رغبتهما في إشعال الحرب من جديد، كما أنهما يدركان أنه إذا تقدمت القوات اليمنية ضد الحوثيين ميدانياً، فمن المرجح أن تستهدفهما الجماعة أيضاً، حتى لو اقتصر دورهما على دعم حلفائهما اليمنيين في الدفاع عن خطوط المواجهة الحالية. وعلى الرغم من قلق الرياض وأبو ظبي بشأن التهديدات الأمنية طويلة المدى التي يشكلها الحوثيون، فإنهما تظلان حريصتين على تحويل تركيزهما إلى الأولويات الاقتصادية المحلية.من خلال تقديم ضمانات أمنية للرياض وأبوظبي، تكون واشنطن في الواقع قد تعهدت بحماية حليفتيها، مما يسمح لهما بتعزيز القوات المعارضة للحوثيين في الداخل اليمني، وبالتالي زيادة فرص التوصل إلى اتفاق متوازن لتقاسم السلطة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة تشجيع السعودية والإمارات العربية المتحدة على تحسين تنسيق دعمهما العسكري والسياسي لقوات الحكومة اليمنية. كثيرًا ما تتفاقم الانقسامات داخل هذه القوات بسبب التباين بين داعميها. وعلى سبيل المثال، رفضت أبو ظبي منذ زمن العمل مع المقاتلين المرتبطين بـ"جماعة الإخوان المسلمين". وهذا التنسيق أكثر أهمية من أي وقت مضى لأن خيبة الأمل في صفوف قوات الحكومة اليمنية من الانسحاب الأميركي، بالإضافة إلى الضائقة الاقتصادية المتزايدة والصراع السياسي الداخلي، يهددان بانهيار الحكومة، مما يفتح المجال فعلياً أمام توسع الحوثيين أو عودة ظهور تنظيم "القاعدة" في المناطق الخاضعة للحكومة.يجب أن يكون للضغط على الحوثيين هدف واقعي، فالحملة الجوية العسكرية وحدها لم تكن يوماً خياراً عملياً، ومع وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، يبدو الرد العسكري البري مستبعداً بصورة متزايدة، وقد يكون التوصل إلى اتفاق مع إيران يشمل تعهد طهران بوقف تزويد الحوثيين بأسلحة متقدمة مفيداً، لكنه لن يكون الحل الأمثل لكبح طموحاتهم، كما أن وقف إطلاق النار في غزة قد يوفر فرصة لاختبار مدى التزام الحوثيين بوقف هجماتهم في البحر الأحمر والضغط عليهم من خلال دبلوماسية متعددة الأطراف ومنسقة، لكن لا يوجد حل سهل لليمن، ولا بديل عن نهج إقليمي أكثر شمولاً وتنسيقاً، ولذا ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها التركيز على هدف قابل للتحقيق، وإن كان صعباً، وهو الدفع باتجاه اتفاق تدعمه الأمم المتحدة ويقدم ضمانات أقوى لأمن البحر الأحمر وقيوداً على تسليح الحوثيين، وضمانات لتقاسم السلطة داخلياً، ويمكن أن يبدأ ذلك بإعادة تقييم الأطراف لاتفاق الأمم المتحدة المقترح الذي كان قيد التفاوض سابقاً، بما في ذلك تعزيز أحكام وقف إطلاق النار وتعديل نظام توزيع الموارد المالية بما يتماشى مع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ووضع ضمانات أقوى لدعم اتفاق لتقاسم السلطة بين الحوثيين وقوات الحكومة، لكن تحقيق أي من هذا يتوقف بصورة كاملة على تعاون إدارة ترامب مع حلفائها الخليجيين واليمنيين لتثبيت خطوط المواجهة في اليمن، ومواصلة ممارسة الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على الحوثيين، وإذا فشلت إدارة ترامب في دعم تطوير صيغة متوازنة لتقاسم السلطة في الداخل، فلن تبقى المشكلات محصورة داخل حدود اليمن.زيادة تصلب المتطرفين وجرأتهمخلال إنهاء حملتها في اليمن، واجهت إدارة ترامب واقعاً قاسياً، فالاستمرار في ضرب الحوثيين بهذا المعدل قد يصبح قريباً غير مجد وبلا هدف، ويلحق الضرر بالحاجات العسكرية الأميركية في أماكن أخرى، وعلاوة على ذلك، فالحملة الجوية وتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، من غير المرجح أن ينهيا، في حد ذاتهما، تهديدات الحوثيين لأمن البحر الأحمر وإسرائيل، وفي الوقت نفسه، سيكون دعم الولايات المتحدة لقوات الحكومة اليمنية محفوفاً بالأخطار نظراً إلى الانقسامات الداخلية العميقة في هذه القوات، كما أنه يتناقض مع رفض ترامب المعلن الحروب الدائمة في الشرق الأوسط، وربما إدراكاً منه للحاجة إلى خروج سريع، أعلن ترامب بصورة مفاجئة في السادس من أيار (مايو) الحالي وقف العمليات.لكن هذا التوقف المفاجئ لا يؤدي إلا إلى تشجيع الحوثيين، ومن المرجح أن يفاقم التهديدات الأمنية ذاتها التي سعت الولايات المتحدة إلى معالجتها في المقام الأول، فلقد بدأ الحوثيون يحولون انتباههم الآن إلى إسرائيل، واحتفظوا بحق ضرب السفن "المرتبطة بإسرائيل"، وهي عبارة غير واضحة تماماً من حيث النطاق، والأهم من ذلك، حتى في حال وقف إطلاق النار في غزة، فإن الحوثيين بعد أن اختبروا فعالية استخدام تهديد الملاحة في البحر الأحمر كورقة ضغط، قد يميلون في المستقبل إلى استخدام هذه الأداة مجدداً لتحقيق مكاسب سياسية، وقد يحاولون أيضاً الاستمرار في فرض رسوم على السفن في مقابل المرور الآمن عبر مضيق باب المندب، مثلما فعلوا مع شركات الشحن التجارية (السفن التجارية) خلال عملياتهم في البحر الأحمر.لقد راهن الحوثيون، منذ بداية الضربات، على قدرتهم على الصمود أكثر من الولايات المتحدة ونجحوا في ذلك، وعلى القدر نفسه من الأهمية، بدد وقف إطلاق النار آمال اليمنيين في الحصول على دعم أميركي لحملة برية، وهناك احتمال حقيقي أن تنهار الحكومة اليمنية المنقسمة أصلاً تحت وطأة الضغط المالي الذي بدأ يتراكم منذ أن أوقف الحوثيون صادراتها النفطية أواخر العام 2022، إضافة إلى أثر ما يُنظر إليه كانتصار للحوثيين، ومن شبه المؤكد أن الانهيار المحتمل للحكومة سيؤدي إلى توسع الحوثيين الإقليمي و/ أو السماح لتنظيم "القاعدة" بتحقيق مكاسب في جنوب البلاد.*أبريل لونغلي ألي: خبيرة أولى سابقة في شؤون دول الخليج واليمن في "معهد الولايات المتحدة للسلام". مترجم عن "فورين أفيرز" أيار (مايو) 2025.


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
خطة ترامب لترحيل الغزيين إلى ليبيا عبثية بقدر ما هي غير أخلاقية
سام كيلي* - (الإندبندنت) 2025/5/20 الخطة التي يدور الحديث عنها لترحيل مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا مقابل الإفراج عن أموال ليبية مجمدة توازي في وحشيتها مشاريع التطهير العرقي. وتمضي إسرائيل قدماً في حملتها بدعم غربي مكشوف، وسط تواطؤ بريطاني وصمت دولي يعيدان إلى الأذهان فظائع رواندا، وينذران بكارثة ستمتد آثارها لعقود. اضافة اعلان *** أفادت التقارير بأن الخطة الأخيرة المنسوبة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الكارثة الجارية في غزة تتمثل في محاولة ترحيل مليون من سكان القطاع البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة إلى ليبيا، في مقابل الإفراج عن 30 مليار دولار من الأصول الليبية المجمدة. هذه الفكرة عبثية بقدر ما هي لا أخلاقية. يبدو أن هذا الطرح لا ينفصل عن حملة يقودها البيت الأبيض لتكريس الحملة الإسرائيلية كأمر طبيعي ومشروع، والتي تقوم باستخدام القنابل والرصاص، والتجويع والتدمير الجماعي للمنازل، واستهداف المستشفيات والطواقم الطبية، بهدف جعل غزة غير صالحة للعيش. في هذا السياق، وصفت الأمم المتحدة و"المحكمة الجنائية الدولية" ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي وجيشه بأنه لا يقل عن كونه إبادة جماعية أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية. وهنا لا يحتاج المرء إلى نقاش قانوني حول المصطلحات لمعرفة ما يحدث فعلاً هناك. يرى النقاد أن ما يجري في غزة هو حملة تدعمها بريطانيا من خلال قيامها بتصدير مكونات الأسلحة إلى إسرائيل، وتنظيم رحلات لطائرات تجسس تحلق فوق غزة بالتنسيق مع سلاح الجو الإسرائيلي. باختصار، تعد المملكة المتحدة متواطئة في ارتكاب إسرائيل فظائع ضد المدنيين. وسوف يحاسب التاريخ رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، وحكومته على هذا التواطؤ، وكذلك سيفعل الشعب البريطاني أيضاً. هناك ازدواجية في المعايير بين دعم أوكرانيا بذريعة أخلاقية في مواجهة فلاديمير بوتين، ودعم حملة نتنياهو، بشكل خاطئ، ضد المسلمين ذوي البشرة الداكنة. وسوف يتهم كثيرون المملكة المتحدة بالعنصرية. قد نتفهم أن إسرائيل شعرت بغضب عارم وألم شديد نتيجة لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 الذي نفذته "حماس" ومؤيدوها، حيث تعمدت "حماس" ارتكاب الفظائع بهدف استدراج رد فعل غير متكافئ، وحصلت على ما أرادت. لكنّ اليمين المتطرف في إسرائيل استغل الحملة الجارية في غزة ليؤكد أن الهدف بعيد المدى، مع تصعيد القوات البرية لعملياتها مجدداً، هو "احتلال" القطاع. وقد صرح نتنياهو بأنه يريد أن يرى "إجلاء طوعياً" لسكانه. وسوف تبقى القوات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة إلى أجل غير مسمى، كما قال نتنياهو: "لن يدخلوها (الجيش) ثم يخرجوا منها". إن ما يجري هناك سيئ من الناحية الأخلاقية بقدر ما هو سيئ بالنسبة لإسرائيل التي فقدت حقها في الادعاء بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". فقد عمدت إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الضفة الغربية لصالح مستوطنات مخصصة للإسرائيليين فقط، وفرضت نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين، فضلاً عن تقييد حقوق الشعب الفلسطيني الأصلي في سائر الأراضي الفلسطينية. في العام 2021، صرحت منظمة "بتسيلم"، وهي أبرز منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، بما يلي "يطبق النظام الإسرائيلي نظام فصل عنصري (أبارتهايد) في جميع الأراضي التي يسيطر عليها (المناطق الخاضعة لسيادة إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة). ويرتكز هذا النظام على مبدأ تنظيمي واحد يشكل الأساس لمجموعة واسعة من السياسات الإسرائيلية: تعزيز وترسيخ سيادة فئة واحدة -اليهود- على فئة أخرى -الفلسطينيين". كما اتهمت المنظمة حكومة بلدها بارتكاب "تطهير عرقي" في غزة". عامي أيلون هو الرئيس السابق لجهاز الشاباك (الأمن الداخلي) الإسرائيلي. وتقوم الوكالة بالتجسس على الفلسطينيين، وتسهم في تصفية قوائم "الإرهابيين" المزعومين، وأحياناً تقتلهم بنفسها. وقد صرح، متحدثاً عن الحرب الإسرائيلية في غزة، قائلاً إن الحرب "ليست حرباً عادلة"، وإن استمرارها يهدد بانهيار إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. وأضاف: "إننا نعرض أمننا للخطر إذا لم نوقف هذه الحرب". في المقابل، لا يمكن لكير ستارمر ووزرائه ادعاء أنهم لا يعرفون ما يحدث. وبالتالي، عليهم أن يصرحوا جهاراً وبصريح العبارة بأن ما يجري في غزة يجب أن يتوقف فوراً. كما يترتب عليهم إنهاء أي دور تلعبه المملكة المتحدة في هذا السياق. يكتفي ستارمر بوصف منع إسرائيل وصول المساعدات إلىغزة بأنه "غير مقبول"، متجاهلاً تدمير 80 في المائة من البنية التحتية في القطاع ومقتل ما يزيد على 52 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. على الجانب الآخر، يرزح بوتين مسبقًا تحت عقوبات دولية، ولا تستطيع بلاده استيراد أي شيء من أوروبا أو المملكة المتحدة أو أميركا يكون من شأنه أن يسهم في دعم حربه في أوكرانيا. وكان القتلة الذين يقودهم بوتين قد قتلوا عددًا أقل بكثير من المدنيين (12.500 على الأقل) مقارنة بما ارتكبته قوات الدفاع الإسرائيلية من قتل وتدمير. في الوقت الراهن، ليس هناك أي حديث يدور عن فرض عقوبات على إسرائيل بسبب ما يحدث في غزة. وفي هذا السياق، تساءل توم فليتشر، الدبلوماسي البريطاني السابق ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أمام مجلس الأمن، قائلاً: "هل ستتحركون بحزم لمنع الإبادة الجماعية في غزة وضمان احترام القانون الإنساني الدولي؟". ولم يأت الجواب من المملكة المتحدة، بل من السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الذي وصف سؤال فليتشر بأنه "تصريح غير مسؤول ومتحيز وينسف أي مفهوم للحياد". يصادف أنني أكتب هذه السطور من منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، حيث شهدت رواندا، قبل 31 عاماً، أسرع وأفظع مذبحة جماعية في التاريخ منذ محرقة الهولوكوست. في ذلك الحين، قُتل الناس بمعدل نحو 10 آلاف شخص يومياً، في محاولة متعمدة من ميليشيات "الهوتو" المتطرفة للقضاء على أقلية التوتسي في البلاد. في ذلك الحين، رفضت بريطانيا والولايات المتحدة استخدام مصطلح "إبادة جماعية" لوصف ما كان يحدث حتى لا تضطر إلى التدخل لوقف المذبحة في ظل القانون الدولي. وبقي العالم صامتاً ولم يحرك ساكناً إلى أن نجح جيش التوتسي المتمرد في وقف عمليات القتل في رواندا. لكنّ المذبحة لم تتوقف على الرغم من ذلك، بل امتدت إلى زائير المجاورة، المعروفة الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية. وساد هوس بالقتل أو التعرض للقتل في معظم أنحاء البلاد الشاسعة. وأسهم ذلك في جر الدول المجاورة إلى حرب ضروس أودت بحياة نحو 5 ملايين شخص، وما تزال مستعرة حتى اليوم. كان من السهل نسبياً التدخل لإيقاف الإبادة الجماعية في العام 1994، لكن التعامل مع الأهوال التي أعقبتها كان شبه مستحيل. الدرس المستخلص من غزة هو أن الفشل في وقف المجازر الجماعية هناك، ستكون له تبعات كارثية وطويلة الأمد وعنيفة. لن ينسى الفلسطينيون خطط ترامب لنفيهم إلى دول أخرى مثل مصر ونقل سكان غزة الذين شرذمتهم الحرب إلى مناطق أخرى، حتى يتمكن من تحويل الأرض التي خلفوها وراءهم إلى منتجع ساحلي. اليوم، بحسب ما أفادت به قناة "أن بي سي نيوز"، يقترح ترامب أن يتاجر بسكان غزة كما لو كانوا جِمالاً، مع ليبيا. وذلك من خلال رشوة الدولة المنهكة بضخ 30 مليار دولار من أموالها المجمدة، في مقابل أن تستقبل ملايين الفلسطينيين المشردين. هذه الفكرة مجنونة إلى حد يجعل الإشارة إلى استحالة تنفيذها أمراً يكاد يكون غير ضروري. إن حكومة ليبيا لن تقبل بها، وستقوم الدول الأوروبية بإسقاطها فوراً لأنها تعني نقل ملايين الأشخاص إلى نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية إلى أراضيها. وسوف تستشيط وكالات الاستخبارات غضباً لأن ذلك يعني إرسال الحشود المدماة من ضحايا إسرائيل مباشرة إلى أحضان تنظيم القاعدة. لكن هذه الطروحات تخدم حكومة نتنياهو، لأنها توحي بأن أشخاصاً جادين، من داخل الحكومات، باتوا يطرحون السؤال: "إذا لم تكن مصر، وإذا لم تكن ليبيا، فأين إذن؟". يجب أن يكون جواب بريطانيا "لا مكان سوى غزة"، وأن تطالب بصوت عال بإنهاء القتل الجماعي، وعمليات التهجير القسري، والاستيلاء غير القانوني على أراضي الضفة الغربية. قد يكون التحرك الآن متأخراً جداً بالنسبة لعدد كبير من سكان غزة، لكنه قد يساعدهم، وربما يساعد إسرائيل أيضاً، على المدى الطويل. *سام كيلي: كاتب وصحفي بريطاني ومحرر للشؤون الدولية في صحيفة "الإندبندنت". يتمتع بخبرة واسعة في تغطية الصراعات السياسية والقضايا الجيوسياسية حول العالم. اشتهر بتحقيقاته وتحليلاته العميقة التي تتناول العلاقات الدولية، خاصة في مناطق النزاع مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. يعرف بأسلوبه الصحفي الدقيق والموضوعي. تنشر مقالاته أيضًا في "الغارديان" ووسائل إعلامية دولية مرموقة.


رؤيا نيوز
منذ 4 ساعات
- رؤيا نيوز
يديعوت أحرونوت: محادثات واشنطن مع ممثلي حمـا.س مستمرة
ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الأحد، أن المحادثات التي تجريها واشنطن مع ممثلين عن حركة حماس لا تزال مستمرة وكذلك المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى رغم أنها متعثرة حاليًا. وأوضحت الصحيفة: 'في إسرائيل يُقدّرون أن الضغط العسكري على حماس بدأ يؤتي ثماره، لكنه غير كافٍ حتى الآن'. وفي الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات الإسرائيلية لتكثيف العملية العسكرية وتوسيع سيطرة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، جاءت الرسالة من الجانب الأميركي: 'تريثوا، لا تُسرعوا باجتياح كامل للقطاع'، بحسب الصحيفة. وأشارت الصحيفة إلى أن 'هذه الرسالة تعكس التوتر المتزايد بين تل أبيب وواشنطن، حيث تحاول الأخيرة دفع الطرفين إلى تسوية سياسية ووقف فوري لإطلاق النار، بينما ترى إسرائيل أن حماس لم تصل بعد إلى مرحلة الانهيار الكامل التي تُعد شرطًا لإبرام اتفاق بشروطها'. ورغم أن الاتصالات بشأن الصفقة متعثرة إلى حد كبير، إلا أنها مستمرة طوال الوقت في جهاز الأمن والمستوى السياسي في إسرائيل يُقدّرون أن الضغط العسكري بدأ يُؤتي ثماره بالفعل، لكن في هذه المرحلة 'غير كافٍ'، بحسب مصادر إسرائيلية. ولذلك، تُقدّر هذه المصادر أنه من المرجّح أن نشهد 'تصعيدًا في العملية العسكرية' قريبًا. اجتماع أمني ومساء الأحد، يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماعا أمنيا بمشاركة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، في ظل التوتر القائم بينهم، وفي وقت تمارس فيه واشنطن ضغوطًا على إسرائيل. ولم يوقف الجانب الأميركي فعليًا اتصالاته المباشرة مع حركة حماس، والتي لا تزال مستمرة خلف الكواليس. وفي هذه الأثناء، يطلب الأميركيون من إسرائيل: 'أعطونا مزيدًا من الوقت قبل أن تُتموا السيطرة على قطاع غزة' ووفقًا لمسؤولين في الجيش الإسرائيلي، تسيطر إسرائيل بالفعل على حوالي 40 بالمئة من مساحة قطاع غزة وتخطط للسيطرة على 75 بالمئة، أي إضافة 35 بالمئة أخرى خلال شهرين. التواصل الأميركي يذكر أن المسؤول الأميركي المتواصل مع الوسطاء هو المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف. وفي الوقت نفسه، تستمر أطراف أخرى في واشنطن في إجراء المحادثات مع حماس عبر قنواتهم الخاصة، بوساطة رجل الأعمال الأميركي الفلسطيني بشارة بحبح. ووفقًا لمسؤول رفيع في الجيش الإسرائيلي، إسرائيل تتجه نحو حسم الأمور، لأن 'ليس بإمكانها السماح ببقاء حماس في غزة'. وأضاف أن حماس نجحت في تصنيع مئات الصواريخ قصيرة المدى، وعشرات الصواريخ متوسطة المدى. وعند سؤاله كيف ستبدو عملية الحسم ضد حماس، أوضح أن الخطوات التالية هي تدمير الجناح العسكري، ضرب القدرات الحكومية، احتلال الأراضي والسيطرة عليها، وإدارة المساعدات الإنسانية مع قطعها عن حماس.