logo
الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية

الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية

كواليس اليوم١٦-٠٣-٢٠٢٥

الزعامة في العالم ونزعة القوة والمصلحة
الحسين بوخرطة
التطورات التي تميز العلاقات الدولية تؤكد اليوم توقعاتي واسقاطاتي السابقة. مستوى مقاومة القوة الناعمة والفكرية لضمان استمرار وجودها أصابه الضعف والتراجع بشكل مخيف. عصر الأنوار، الذي كان وراء مركزة الإنسان في الوجود أرضا في العالم الغربي، سرعان ما تحول إلى امتياز وتفوق استغلته القوى المنتصرة في العالم مكرسة مفهومي الهيمنة والتبعية. توج الشعور بالقوة العسكرية والاقتصادية والعلمية بظهور آفة الحركات الامبريالية التي توافقت على إثر مفاوضات عسيرة على اقتسام خيرات شعوب دول الجنوب. النتائج كانت وخيمة للغاية على الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو. اشتدت حدة الفقر وتفاقمت، وانتشرت الأوبئة والأمية، وتسبب الصراع الطبقي في نشوب الثورات في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبيتين وروسيا القيصرية. تغيرت بالتدريج موازين القوى بفعل نجاح الثورات الشعبية في الصين وروسيا والهند، وباءت بالفشل في المشرق العربي.
عاش العالم الحرب الباردة لمدة تجاوزت عشرة عقود. انتهجت دولة الصين منطق السلمية وتنمية العنصر البشري وتطوير البحث العلمي إلى أن اشتد ساعدها. استمرت على نفس النهج ما بعد هدم جدار برلين وحل الإتحاد السوفياتي وإعلان النظام العالمي الجديد. تراجعت روسيا خطوة إلى الخلف للاستعداد لرفع تحديات المستقبل. الكل يتذكر زيارة بوريس يلتسين لأمريكا ومقابلته لبيل كلينتون. تم توفير كل الظروف لتلميع نجم فلاديمير بوتين. لمع في هذا الشأن نجم المنظر ألسكندر دوغين فيلسوف القومية الروسية. انخرطت الدولتان، الصين وروسيا، بكل قوة في العولمة بمنطق الزعيم. انشغالهما لم يكن سوى تفعيل الاستراتيجيات الوطنية الناجعة من أجل الاستفادة من الانفتاح السياسي والاقتصادي العالمي بالحجم الذي يضاهي استفادة الدول القيادية لنظام العولمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية القوية.
تجاوزت النيوليبرالية وضعية الإشباع. استنزفت الطبيعة إلى أن تضررت أسرار وظائفها، فشرعت في الانفعال الغاضب المهدد لحياة الإنسان. تمكنت روسيا الجديدة والصين الشعبية من مراكمة آليات ومقومات التأثير مجددا على موازين القوى العالمية. وصل ترامب وماكرون إلى السلطة لفترتين انتدابيتين في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. عاش العالم الأوروبي تبعات قرار خروج المملكة البريطانية من الإتحاد الأوروبي تفاعلا مع الأزمات المتتالية التي عرفتها المنظومة النيوليبرالية العالمية وآثارها على أوضاع القارة العجوز. قدم بوتين إشارة قوية للعالم عندما استقبل معلمته في أحد لقاءاته الهامة، ومعانقتها عناقا حارا وتقبيل يدها.
في سياق التطورات العالمية، الكل يتذكر عراق المرحوم صدام حسين، الذي حكم بلاده كقيادي لحزب البعث الموالي للمعسكر الشرقي. علاقاته الدولية زمن الحرب الباردة لم تقيه من السقوط ومن تطبيق حكم الإعدام عليه يوم عيد الأضاحي. الكل يتذكر كيف تحول، تحت المظلة الأمريكية، إلى أبرز المناوئين للجمهورية الإيرانية، ودخوله في حرب معها دام أكثر من ثمان سنوات. عاش العراق تقلبات في علاقاته الدولية زمن النظام العالمي الجديد. روسيا انشغلت بأوراش تقوية بنية دولتها من جديد. توالت الأزمات بين العراق وأمريكا، والتي اشتدت بسبب استثناء الدولار كعملة عالمية معيارية لأداء فاتورة بيع البترول العراقي. سقط صدام في فخ ألعوبة غزو الكويت. لم تكن دولته جاهزة لمقاومة تأثيرات العقوبات الدولية ومآسي عزلها. تمت الإطاحة بنظامه بسرعة وغزو بلاده في أيام معدودات تحت ذريعة شغف الشعب العراقي إلى نظام ديمقراطي وامتلاك دولته لأسلحة الدمار الشامل.
عادت روسيا بوتين إلى الواجهة، بنظام اقتصادي ليبرالي، مدعومة بقوة الصين الشعبية. ترسخ في الأذهان تشكل محور جديد للمقاومة. تابع المراقبون حنكة ذكاء الدولتين في تعاملهما مع تطورات العولمة. مقاومتهما لسياسة الغرب أصبحت أمرا واقعا تتخلله، من حين لآخر، نتائج ومؤشرات ترجح امتيازاتهما المتراكمة على مستوى موازين القوى في المنطقة المشرقية بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام. تشكل مؤقتا على أساس منطق استراتيجي محور إيران، وسوريا، وكوبا، وحزب الله، وطالبان، والحوثيين، وكوريا الشمالية، وفنزويلا … وحتى العراق يمكن تصنيفه في هذه الخانة. روسيا تلعب دور الواجهة في الصراع الدولي مع الغرب بدعم استراتيجي صيني. تفجرت الأزمة الأوكرانية. تم التخلي على نظام الأسد في سوريا واغتيال قائد حزب الله حسن نصر الله وعدد من قيادات حركة حماس. استبيحت أراضي غزة وتم التصريح الأمريكي بتهجير أهاليها. اللقاء السياسي في مارس 2025 بين الصين وروسيا وإيران في شأن حق هذه الأخيرة في تنمية طاقتها النووية لأغراض سلمية شكل إشارة جديدة هامة في العلاقات الدولية في الفترة الانتدابية الثانية للرئيس ترامب.
بشكل متزامن، أعطت الولايات المتحدة الأمريكية الانطباع، تحت ضغط جشع النيوليبراليين، أنها لا تعطي أي قيمة لمسألة التحالفات وللقوة الناعمة التي تم بناؤها بأيادي قيادات القيم الفلسفية الإنسانية والفكرية زمن الأنوار. تراجع نفوذ فرنسا في إفريقيا بفعل الامتداد الروسي. عبر ترامب في برامجه ومبادراته السياسية أن ما يهمه اليوم هو المال. تخلت أمريكا بوش عن صدام، وغررت به، وأسقطت نظامه، ليأتي الرئيس ترامب في فترة حكمه الأولى ليصرح أمام العالم بأسره أنه يضع نصب عينيه مال المملكة العربية السعودية (شراء الحماية). تم تتويه هذه الأخيرة في مستنقع اليمن، في صراع أريد له أن يعنون ب 'الصراع السني – الشيعي'. في المقابل، يتابع الرأي العام مدى طول نفس روسيا وصبرها السياسي، والذي عبرت عنهما في استماتتها في مرحلة أولى في الدفاع عن النظام السوري والفنزويلي في إطار مخطط تعاوني وتكتل مشكل من دول المحور السالف الذكر. إنه المحور الذي سمته إسرائيل بمحور الشر المهدد لمصالحها ووجودها.
في المقابل، عكس ما روج له في شأن ترجيح فرضية بداية إضعاف هبة أمريكا في العالم، توالت تدخلات ومفاوضات ترامب مع دول العالم كاشفة نزعة القوة والمصلحة بشكل مفضوح وأمام الشاشات والمنابر الإعلامية. إشارات فشل خطة بولتون، وزير خارجية أمريكا، في قضايا الصراع الكونية خاصة قضية إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وطالبان، لم تكن سوى مرحلة من مراحل التفوق الأمريكي التاريخي. سقط النظام السوري. تراجع الصدى السياسي لإيران بعد مقتل الزعيم حسن نصر الله. استبيحت أراضي غزة ولبنان …… بعدما أصيبت المملكة العربية السعودية بالخيبة والخذلان العميقين بعد الهجوم الذي استهدف، بالدقة المتناهية وبدون ضحايا بشرية، عصب صناعتها النفطية في ابقيق واخريص بالصواريخ والطائرات المسيرة، تحولت اليوم إلى وسيط في القضية الأوكرانية. الكل يتذكر الضربة التي ترتبت عنها تصريحات، هنا وهناك، في شأن التفوق التكنولوجي الحربي لروسيا والصين، والذي لحقت به إيران نسبيا. تم إعلان انبهار أمريكا قبل ذلك من ضرب طائرتها المسيرة على بعد أكثر من 20 كيلومتر عن سطح الأرض من طرف القوات العسكرية الإيرانية.
التفوق البارز في الشرق الأوسط في بداية سنة 2025 أصبح ميزة أمريكية-إسرائيلية. الارتباط القوي للعلاقات الدولية بالتفوق التكنولوجي والعسكري والاقتصادي بأبعاده الثقافية والتوازنات الجيوستراتيجية العالمية الذي تتزعمه الدول القوية أصبح حقيقة واضحة مكشوفة للرأي العام العالمي. بفعل تطور منطق العلاقات الدولية في مطلع ولاية ترامب الثانية، كل الاسقاطات تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي يمكن أن يتجاوز 3 بالمئة خلال عام 2025، واستفادة الأسواق المتقدمة من عودة التضخم إلى المستويات المستهدفة وتحسين الظروف الاقتصادية. سيعرف اقتصاد الولايات المتحدة دينامية هامة في حين سيواجه اقتصاد منطقة اليورو تحديات كبيرة، بسبب الضغوط التي سيعرفها قطاع التصنيع وارتفاع أسعار الطاقة (حسب تقرير غولدمان ساك). من المتوقع حسب نفس التقرير أن تواجه الصين عاما صعبا وسط ضعف الاستهلاك المحلي ومشاكل في قطاع العقارات وتزايد حدة المشكلات الهيكلية مثل الديون المتراكمة وتدهور الديمغرافيا والتي ستؤثر على الأداء الاقتصادي.
التطورات الدولية تبين أن إستراتيجيات الأمن القومي الأميركية أصبحت تركز منذ بداية الألفية الثالثة على تقوية الاقتصاد ورفع تحديات التنافسية مع القوى الكبرى. لقد حددت مصادر القرار الأمريكية الصين كدولة قادرة على تحدي النفوذ الأميركي وإعادة تشكيل النظام الدولي. كما اعتبرت في نفس الآن منطقة المحيط الهندي-الهادئ بؤرة للصراع على قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين. إلى جانب الأقطاب الثلاث (أمريكا، الصين والهند)، أبرزت الأحداث مساعي روسيا في استعادة مكانتها كقوةً عظمى. القوة الروسية في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى حاضرة بقوة. المساعي لاحتواء الاتحاد السوفياتي وهزم الشيوعية كان وراء اشتداد حدة صراعات الحرب الباردة. أمريكا تعلم علم اليقين أن أوراسيا تمثل الجزء الأكثر أهمية من العالم؛ إذ يعيش فيها أغلب سكان الأرض ويتمركز فيها النشاط الاقتصادي. من يسيطر على تلك المنطقة بالنسبة لأمريكا ستوفر له موارد كافية لخنق وجودها ونفوذها اقتصاديا ومواجهتها عسكريا. المغامرة العسكرية الأمريكية التي خاضتها واشنطن في كوريا وفيتنام كانت بدافع وعيها بالمخاطر التي يمكن أن تنبعث من آسيا والمنطقة الأوراسية والمحيط الهندي-الهادئ. فحتى تأسيس 'حلف الناتو' كان ناتجا عن نفس الاعتبارات. إنه الانشغال المؤرق الذي دفع أوباما إلى إعطاء الأولوية للتخلي على الحضور الأميركي الوازن في الشرق الأوسط (الانسحاب من العراق وأفغانستان) بهدف تحرير القدرات العسكرية لإعادة نشرها في آسيا والمحيط الهادئ في مواجهة الصين. أما عهد ترامب، فقد جعل من المصلحة والقوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية شعارا لمرحلة ولايته الثانية.
وأخيرا يمكن القول إن الهدف من إعلان أهمية المال والمصلحة والقوة العسكرية والاقتصادية في استراتيجية ترامب لا تخدم إلا نفس أهداف الولايات المتحدة الأمريكية التاريخية. التفاوض مع بوتين لحل الأزمة الأكرانية يحمل دلالات سياسية هامة ومحورية. الضغط على الرئيس الأوكراني من أجل تمكين أمريكا من المعادن النفيسة مرتبط لا محالة بخطة استباقية لمنع أي قوة معادية من السيطرة على أي 'منطقة حرجة' تمنحها الموارد وحجم السكان والقدرات الصناعية اللازمة لفرض تحدٍّ عالمي جديد في وجه الولايات المتحدة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي
الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي

لكم

timeمنذ يوم واحد

  • لكم

الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي

دفعت المخاوف المالية والطلب الفاتر على سندات الخزانة الأمريكية الدولار إلى أدنى مستوى في أسبوعين مقابل الين يوم الخميس بالتزامن مع اتخاذ الكونجرس خطوة نحو إقرار مشروع قانون شامل للإنفاق وخفض الضرائب طرحه الرئيس دونالد ترامب. وشهدت وزارة الخزانة الأمريكية طلبا ضعيفا على بيع سندات لأجل 20 عاما. ولا يثقل ذلك كاهل الدولار فحسب بل وول ستريت أيضا، مع شعور المتعاملين بالقلق بالفعل بعد خفض وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأسبوع الماضي. وصعدت عملة بتكوين إلى أعلى مستوى على الإطلاق يوم الخميس، لأسباب من بينها بحث المستثمرين عن بدائل للأصول الأمريكية. واستفاد الذهب أيضا ووصل إلى 3336.43 دولار للأوقية بحلول الساعة 0446 بتوقيت جرينتش، بعدما سجل أعلى مستوى منذ التاسع من مايو أيار. وقال جيمس نايفتون خبير التداول في العملات الأجنبية لدى كونفيرا 'على الرغم من هبوط الأسهم، فإن الدولار الأمريكي لم يشهد طلبا تقليديا كملاذ آمن، في حين استفاد الذهب واليورو والين'. تجاوز مشروع قانون خفض الضرائب عقبة إجرائية مهمة في مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء، عندما وافقت لجنة على الإجراء مما يمهد الطريق للتصويت عليه في غضون ساعات. ومن شأن إقرار هذا التشريع في مجلس النواب أن يمهد لأسابيع من المناقشات في مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون. وتشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس، وهو مكتب غير حزبي، إلى أن مشروع القانون سيضيف 3.8 تريليون دولار إلى الدين الأمريكي البالغ 36.2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وانخفض الدولار 0.4 بالمئة إلى 143.15 ين، وهو أضعف مستوى منذ السابع من ماي. وكان قد تمكن من تحقيق ارتفاع في وقت مبكر بنسبة 0.5 بالمئة عندما قال وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو إنه لم يتحدث عن مستويات سعر الصرف الأجنبي خلال مناقشاته مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت على هامش اجتماعات مجموعة السبع في كندا. وقفزت عملة كوريا الجنوبية يوم الأربعاء إلى أعلى مستوى منذ الرابع من نوفمبر تشرين الثاني مسجلة 1368.90 مقابل الدولار، بعد أن ذكرت صحيفة (كوريا إيكونوميك ديلي) أن واشنطن طالبت سول باتخاذ إجراءات لتعزيز قيمة الوون الذي تراجع قليلا إلى 1381.00 مقابل الدولار يوم الخميس. واستقر اليورو في أحدث التعاملات عند 1.1326 دولار بعد ارتفاعه 0.4 بالمئة يوم الأربعاء وتسجيل مكاسب للجلسة الثالثة على التوالي. وصعد الجنيه الإسترليني 0.1 بالمئة إلى 1.3431 دولار. وزاد الفرنك السويسري قليلا بواقع 0.1 بالمئة إلى 0.8246 مقابل الدولار. وصعد سعر عملة بتكوين في أحدث التداولات إلى 111862.98 دولار، مسجلة أعلى مستوى على الإطلاق بزيادة 3.3 بالمئة عن مستوى إغلاق يوم الأربعاء.

الدولار الأميركي يتحرك في نطاق ضيق قبل تصويت على قانون ترامب لخفض الضرائب
الدولار الأميركي يتحرك في نطاق ضيق قبل تصويت على قانون ترامب لخفض الضرائب

المغرب اليوم

timeمنذ 3 أيام

  • المغرب اليوم

الدولار الأميركي يتحرك في نطاق ضيق قبل تصويت على قانون ترامب لخفض الضرائب

تحرك الدولار في نطاق ضيق اليوم الثلاثاء، بعدما شهد تراجعًا على مدى أسبوع، متأثرًا بحذر مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بشأن الاقتصاد، ومع اقتراب المشرعين الأميركيين من التصويت على مشروع قانون من المتوقع أن يزيد العجز المالي للبلاد. وتعرض الدولار لعمليات بيع واسعة أمس الإثنين، بعد قيام وكالة موديز بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأسبوع الماضي، بسبب مخاوف تتعلق بعجز الميزانية. وتتجه الأنظار حاليًا إلى تصويت مرتقب في الكونغرس على مشروع قانون لخفض الضرائب طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في المقابل، تراجع الدولار الأسترالي بعد أن خفّض بنك الاحتياطي الأسترالي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس، كما كان متوقعًا على نطاق واسع، محذرًا من استمرار حالة عدم اليقين الناتجة عن التوترات التجارية العالمية، وفق وكالة " رويترز". انخفاض الدولار الأميركي مقتربًا من أدنى مستوياته في 3 سنوات بعد هجوم ترامب على باول

عودة الاستعمار القديم الجديد
عودة الاستعمار القديم الجديد

أخبارنا

timeمنذ 4 أيام

  • أخبارنا

عودة الاستعمار القديم الجديد

بمجيئ ترامب في ولايته أولى وبعودته الثانية لرئاسة أقوى دولة، عاد العالم لمرحلة الاستعمار التقليدي المباشر، ومسح كل بنود الأعراف الديبلوماسية، وأدخل حرارة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لثلاجة التاريخ بكل قراراتها حول القضايا الشائكة في العالم، وكان الفيتو الأمريكي كسيف "داموقليدس "مسلط على كل قرار يصدر من المنتظم الدولي ليرديه قتيلا. وهكذا وبعقلية السمسار العقاري صار ينظر للعالم على أساس أنه "مجال حيوي " تماما كما كان ينظر هتلر للعالم الذي وثقه في كتابه "كفاحي" والذي يرى فيه هذا الديكتاتور، الذي رماه التاريخ في مزبلته، أن من بين أهدافه هو إمكانية "منح الأمان مكان تحت الشمس" فهذا المشهد لا يختلف عن المشهد الذي صرنا نعيشه بتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار العالمي بعد انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا لإثبات وجودها على الحدود الغربية المحاذية لأوروبا، وشعورها بالتهديد الأمريكي، والضغط على الصين المهتمة أساسا بالتفوق الاقتصادي بحكم اعتباره أنه أساس الصعود لقمة العالم والتحكم في السياسة الدولية ، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية والفكر السياسي المتقاسم بين الحزبين الحاكمين الجمهوري والديموقراطي ، والمخترقين من قبل القوى الاقتصادية التي تتحكم فيها جماعات الضغط اليهودية اليمينية ،استطاعت أن تؤسس قاعدة سياسية تقوم على الهيمنة العسكرية المباشرة ، للتوسع والاستثمار وخلق مجالات حيوية ، وما تصريحات " ترامب" الأخيرة حول "كري لاند" و"باناما " قناة السويس والمرور المجاني "وكندا" وأخيرا وليس أخيرا "غزة " إلا واحدة من خرجاته التي لن تقف هنا ، بل سنشهد في المرحلة هاته ما يمكن تسميتها بعودة الاستعمار المباشر ، بعد أن عشنا مرحلة الحرب الباردة خلال تواجد القطبية الثنائية ومرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود التنين الصيني الاقتصادي ومقارعته الزعامة الاقتصادية مرحليا مع الولايات المتحدة الأمريكية ،ثم جاءت مرحلة العولمة التي كانت عبارة عن استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على الأسواق بعملة الدولار التي اكتسحت العالم مما دفع دول اسيا الى إقامة منظمة "البريكس "في محاولة لتقليل الأثر المالي لعملة الدولار الأمريكي واستبداله بوحدة نقدية تحفظ للدول المنضمة لهذا التجمع الاقتصادي على استقلالها الاقتصادي وفرض وجودها في السوق العالمي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية . ومعلوم أن العلاقات الدولية منذ الأزل كانت الحروب بين المجتمعات طابعها، فصارت تلك الحروب وسيلة من وسائل الحصول على الأهداف حينما تتعثر الدبلوماسية والمفاوضات للتوصل لتلك الأهداف ولتلك المصالح الوطنية التي تسعى الدول المتنازعة، الحصول اليها، لذا أصبحت البشرية في تواصلها بين الحرب والسلم تتأرجح العلاقات فيما بينها، والحروب كما يصنفها العسكريون والاستراتيجيون هي حرب باردة وساخنة، وشاملة ومدنية، وحروب عصابات، وحروب تقليدية وغير تقليدية. ونحن الأن نعيش صعود الحروب المباشرة على شاكلة الحروب التقليدية إلا أن هذه المرة هي حروبا متطورة حيث أن الذكاء الاصطناعي جعلها حروبا وراء الشاشة ومن خلال الأقمار الاصطناعية التي ترصد الإنسان ولو كان في جوف الأرض كما وقع لما تم اغتيال قادة حزب الله وحماس وقادة عسكريين إيرانيين، من قبل الكيان الصهيوني وبدعم تقني من الجيش الأمريكي والبريطاني. . إن الحروب في ظل القطبية الواحدة دخلت مرحلة جديدة قديمة، جديدة بحكم الأسلحة المتطورة المستعملة، وقديمة بالسبل المتبعة لاندلاع تلك الحروب ما بعد الحرب الباردة، حيث تبدو أنها أصبحت حروبا تقليدية ضمن موجة استعمارية كلاسيكية تجد مرجعيتها في الزمن الغابر الذي سجله التاريخ بمداد الدم البشري ودمار لكل البنيات وخرق لكل القوانين الدولية والإنسانية. وبذلك يمكن القول إن عالمنا اليوم دخل مرحلة عبارة عن عودة التاريخ القريب الذي كان يحمل موجة الاستعمار الكلاسيكي بكل ما يكتنف ذلك من تقهقر البشرية وتدني القيم الإنسانية وسواد العنصرية والكراهية ، وهذا الاستعمار بالذات عاد بكل ما مضى مع تنقيحات تجعله أكثر تطورا من حيث دقة الفتك لأنه يستعمل الذكاء الاصطناعي وكل المعلومات للتدمير ولا شيء غير التدمير ، ويجد هذا الاستعمار الكلاسيكي ركيزته في الإيديولوجية الرأسمالية المتوحشة وغير العقلانية والمجردة من الأخلاق والمبادئ الإنسانية والتي تتبع غريزة حيوانية هدفها الأساس هو الاستغلال الذي تقوم به قوة سياسية لتراب وثروات ليست ملكا لها ولا تشكل جزءا من ترابها الوطني بل تقضمه من تراب دولة أخرى تعتبرها متخلفة اقتصاديا أو تكنولوجيا وحتى ثقافيا ،حسب منظورها ، وبالتالي فالاستعمار بصفة عامة وفق "فريديريك كوبر" هو بالأساس سببه " سياسة الاختلاف " أي أن عنصر الاختلاف في جميع الأصعدة ، بما فيها من نمط العيش، والاعتقاد الديني والفكري، التقاليد ، العرق، كل هذا يلعب دورا في تلك العملية التي تحرك الفكر الاستعماري ليندفع للبحث عن مستعمرات أينما كانت ، ألم تكن بريطانيا الإمبراطورية التي استعمرت تقريبا كل القارة الأسيوية وكندا وأستراليا وأجزاء من القارة الإفريقية وجزء كبير من الشرق الأوسط ،وكما وصفتها جريدة " كاليدونيان ميركوري" سنة 1821 بالإمبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس ،" واليوم هذا الدور ورثته الولايات المتحدة الأمريكية لأنها نتاج ذلك الفكر الاستعماري الذي لا يقيم وزنا للآخرين ولا يهتم بتقتيلهم وتعذيبهم وتشريدهم للوصول للهدف الاستراتيجي للقوة السياسية- الاقتصادية ، التي تسعى للهيمنة والسيطرة على خيرات البلد الضعيف عسكريا ،والملاحظ أن الدول المستعمرة(بكسر الميم) تقع في شمال الكرة الأرضية والدول المستعمرة (بفتح الميم)في جنوبها . لذا نجد اول المستعمرين تحت مسميات مختلفة (حماية، انتداب، وصاية إدارية، سيطرة مبشرة) هم من البيض ذوي الأصول الأوروبية وتعود أسلافهم إلى الشعوب الأصلية لأوروبا والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. وهذه الحملة الاستعمارية كانت في القرون الماضية سارية المفعول وبصفة واضحة ومعلنة بين الكيانات المجتمعية مما أدى الى حروب في مناطق متعددة وأبرزها الحربين العالميتين، وهكذا عرف العالم أفظع مظاهر القتل والإبادة الجماعية للبشر، استعملت فيها كل أنواع الأسلحة المتطورة آنذاك والمدمرة حسب التطور الزمني والتكنولوجي. الى درجة استعمال السلاح النووي المدمر للإنسان وكل كائن حي ، وها نحن أمام حروب إقليمية هنا وهناك قد تتوسع لباقي بقاع العالم لأن تاريخ الحروب عرف ظاهرة الحرب منذ القديم مما يمكن تفسير ذلك بأن الإنسان دوما كما قال الفيلسوف "طوماس هوبز" يمر من مرحلة الطبيعة الى مرحلة المدنية ، ومن مرحلة الخوف الى مرحلة الرغبة ، لذا فالإنسان يعتبر ذئبا لأخيه الإنسان كما يعتقد هذا الفيلسوف الإنجليزي ، في كتابه " التنين" وهكذا لابد لفهم الإمبريالية والعنصرية كما يقول إدوارد سعيد فلا بد من فهم "نظام الفكر الغربي " هذا الفكر الذي يرتكز على "سياسة تقوم على التوسع في الأرض وشرعنته" وبالتالي فأن أسس تلك الفلسفة التي يقوم عليها هذا الفكر الغربي تعطي الضوء الأخضر للدول الإمبريالية الغربية الحق في تدمير المجتمعات "غير المتحضرة " ومن هنا تنطلق كل الأسس والمبررات التي تعفي العالم المتحضر" من المساءلة سواء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية محكمة العدل الدولية . من هنا يمكن التقرير أن الدول الغربية تجد في كل مواقفها تجاه شعوب الجنوب المتخلفة تدخل ضمن "إنقاذهم من التخلف الشرقي " ومن هنا أيضا جاء كل هذا التحامل العنصري الذي يركب قاطرة العنصرية والكراهية في تبرير حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني على يد كيان مركب من مجتمع خليط الأصول ولا يجمعه إلا الانتماء للفكر التلمودي المرتكز على الكراهية والعنصرية تجاه كل عنصر غير يهودي، والهادف الى التوسع في الشرق الأوسط ومحو آثار وجود هذا الشعب الذي يشهد له التاريخ أنه استقر على هذه الأرض ، وبالتالي لا يمكن اقتلاعه منها بحكم أن اليهود كانوا في هذه الأرض أيام مصر الفرعونية ،وعلى أساس هذا المنطق وجب تغيير كل خرائط العالم وفق هذا النهج ولا أحد لن يجد موقعه على هذه الأرض (غرابة التفكير ونذالته). وعليه فبعودة "ترامب" دخل العالم في مرحلة جديدة سماتها زعزعة السلم العالمي واضطراب الأمن العام للدول، لأنه رجل يحمل ويختزل كل طموحات العنصرية والكراهية لغير العرق الأبيض، لكل المجموعات المنتشرة بأمريكا وأوروبا الغربية. وبذلك ستعرف السياسة الخارجية الأمريكية تغييرا عميقا وملحوظا في تناول الملفات الجيوسياسية العالمية وحل القضايا المستعصية في الشرق الأوسط وأوكرانيا والمواجهات الصينية الأمريكية وأيضا مستقبل اروبا الدفاعي وعضوية الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف الأطلسي. ففيما يخص قضية الشرق الأوسط الأساسية وهي قضية الشعب الفلسطيني، فالولايات المتحدة هي خليفة بريطانيا صاحبة فكرة توطين اليهود في فلسطين ووعد بلفور 1917. ومنذ ذلك الوقت توالت النكبات : 1948 وحرب 6 أيام التي هزمت فيها كل الجبهات العربية وأحراق المسجد الأقصى 1967 بعد كل هذا المسار التاريخي للصراع ، وضع العرب كل البيض في سلة أمريكا، فتوالت الرحلات المكوكية بين واشنطن والعواصم العربية بدون الحصول على شيء ، بل تم التراجع على كل المكتسبات . وهكذا استمرت الدبلوماسية الأمريكية هي البوابة الوحيدة التي ينتظر منها خروج حل يفك عقدة الصراع العربي الفلسطيني، إلا انه مع الاستنزاف الديبلوماسي الأمريكي وتخاذل الأنظمة العربية ، إذ أن هذه الأخيرة التي لم تر مصلحة لاستمراريتها في المواجهة ، تراجعت وابتعدت عن مواقفها التي كانت نسبيا ثابتة مثل الالتزام بإقامة دولة فلسطينية ، بعدما كانت راديكالية ،وكان مؤتمر الخرطوم حاسما وحازما في موقف الدول العربية بإعلان اللاءات الثلاث: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل " الى أن اصبح اليوم العرب يهرولون للتطبيع مع هذا الكيان بخطى حثيثة ، لأنه كما قال إدوارد سعيد المثقف المتبصر والذي كان مستشارا لعرفات ثم استقال لما وقف على أن العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية تتجه نحو ما وصفه "بدمج منظور المستعمر(بكسرالميم) في ذات المستعمر(بفتح الميم) بحيث يصبح غير قادر على فعل أي شيء دون وصايته ودعمه" ويضيف ان امريكا اخترعت جملة " عملية السلام" ولم يكن هناك سلام بالشرق الأوسط بل استعمار دائم يتوسع باستمرار اتباع سياسة القضم قطعة تلو أخرى وعليه تم احتلال العراق وتقسيم اليمن والسودان ، وتدمير سوريا ولبنان وإشغال الشعوب الأخرى بمشاكل وقضايا هم في غنى عنها (المغرب والجزائر وقضية الصحراء مصر وقضية سد النهضة مع إثيوبيا ، السعودية واليمن) لقد غيرت الولايات المتحدة وجه الصراع في الشرق الأوسط بحيث جعلته كله يتمحور حول بقاء إسرائيل في أمان وازدهار ، ولو أدى ذلك الى الإبادة الجماعية لشعوب المنطقة ، وها هي قدا بدأت بمحو ما تبقى من الشعب الفلسطيني بعد 76 عام من القتل الوحشي وتدمير كل ما هو إنساني في الإنسان بدون مراعاة لا للقوانين الدولية ولا لقرارات الأمم المتحدة التي أصبحت منظمة ملحقة للولايات المتحدة وتابعة لها وحتى لو اتخذت قرارا لا يراعي وجود إسرائيل فالنقض هو مصيره.وها هو لبنان تحت السيطرة الفعلية للإسرائيل دون احترام يذكر للاتفاق المبرم برعاية أمريكا وفرنسا ، كما أن سوريا وهي في بداية لململة وجودها بعد أكثر من 12 سنة من الدمار من قبل الأسد الذي جعل من سوريا مقبرة لشعب بكامله ، ها هو الكيان الصهيوني ينقض على هذه الثورة الفتية في مهدها لتبقى سوريا بلا دفاع عن سيادتها وعن كرامتها ويظل الشعب السوري يعيش في عصر بدائي تابع للهيمنة الإسرائيلية ، وهذا كله لم يشف غليل الكيان الحاقد والعنصري وعينه الإجرامية على ايران وتدمير محاولاتها لبناء اقتصادها وقدراتها الدفاعية ، لتكون إسرائيل لوحدها بالمنطقة الآمرة والناهية . إزاء هذا الواقع السياسي الذي تشكل فيه أمريكا الدركي العالمي الوحيد بعدما خلى لها الجو العام بانشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، والصين، بتأني دبلوماسيتها وعدم الاجترار للاندفاع الأمريكي، حتى لا تعرض شعبها للحرب مدمرة يكفيها أن تواجه حرب التنمية والازدهار الاقتصادي لتتمكن من بعد الدخول في حلقة أخرى يمكن من خلالها مواجهة أمريكا إذا ما التحمت بها كثيرا. إن العالم اليوم أصبح على صفيح ساخن اجتمعت فيه كل عوامل اندلاع حرب عالمية ثالثة، والتالي يكفي أن تشتعل شرارة أخرى هنا أو هناك ليدخل العالم بأسره في دمار لن يبقي ولا يذر، حرب لا تكون كباقي الحروب لأن الذكاء الاصطناعي سيكون حاضرا بقوة وبالتالي فالدول المتخلفة ستمحى من الكرة الأرضية وإن كانت دوما غير مرئية ولم تؤخذ بعين الاعتبار في حسابات القوى العالمية، إلا كضحية تنهب منها الثروات الطبيعية واستغلال شبابها كيد عاملة بأرخص الأجور. واستعمال أراضيها كقواعد عسكرية، تسلب منها سيادتها وهي متفتحة الأعين. ألسنا اليوم أمام هجمة القوة الكبرى على الدول الضعيفة، ألا يسمى هذا استعمارا مباشرا في منطق الاستراتيجيين العسكريين الجدد؟ أم هو عودة للاستعمار الجديد القديم . .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store