logo
الإيمان

الإيمان

البيان٠٣-٠٤-٢٠٢٥

يقول الأديب الروسي ليو تولستوي إن «المعرفة المبنية على العقل أظهرت لي أن الحياة لا معنى لها، فاحتقرت حياتي، ووددت أن أقتل نفسي بيدي، بيد أنني كلما نظرت إلى جماهير الناس حولي كنت أرى أنهم يعيشون فرحين بالحياة، عارفين معانيها السامية؛ لأن الإيمان قد منحهم، كما منحني، قوة على إدراك معنى الحياة وحمل أثقالها بفرح وصبر».
جاءت هذه العبارة في كتاب «الاعترافات» لليو تولستوي.
ما يستوقف القارئ في هذا الاعتراف هو المنظور أو التقييم المتناقض تماماً للفكرة نفسها من قبل أناس متباينين، بمعنى أن الشيء أو الفكرة محل النظر أو التقييم هي نفسها (وهي الحياة في عبارة تولستوي)، لكن الغريب أن يراها الكاتب بلا معنى ولا تستحق أن تعاش، حتى إنه فكر في أن يقتل نفسه للخلاص منها، وهو الكاتب الحكيم الكبير الغني ذو المكانة والتقدير.
بينما ينظر الفقراء والبسطاء من حوله للحياة نفسها، بفرح وفهم لمعانيها السامية باعتبارها نعمة تستحق الامتنان، فلماذا يحدث هذا الفهم المتعارض للقيمة نفسها؟ هل يختلف الغني عن الفقير أو البسيط في تقييمه للنعم والأفكار والأشياء من حوله؟ هل لأن لديه من الدوافع والنواقص ما يجعله لا يرى جيداً؟ هل ما يستدعي فرح الإنسان البسيط يختلف عن ذلك الذي يحتاج إليه الغني والحكيم والفيلسوف ليفرح؟
بل هي المعرفة المبنية على العقل وحده وعدم الإيمان، وهما ما يقودان لكل هذا الإرباك والقلق، كما يستخلص تولستوي وكما جاء على لسان أبي الطيب المتنبي:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
فبعد أن قضى أديب روسيا الكبير «تولستوي» سنوات طويلة من شبابه وكهولته مترنحاً تحت أسئلة الوجود والحياة والقلق، لماذا الحياة؟ ولماذا العمل؟ ولماذا السعي طالما سيكون مآل ذلك كله الموت؟ وبعد أن فكر طويلاً في الانتحار ثم عدل عنه وانغمس في تأمل الفلسفات والأفكار الكبرى لسقراط وبوذا وشوبنهاور وو...، اهتدى بعد سنوات إلى أن الإيمان الذي لم يكن يقبله هو سلطان آخر يجب أن يضعه بعين الاعتبار حتى وإن لم يقبله، هكذا جاء في اعترافاته، وأن العقل الذي لطالما تمسك به وآمن به لم يستطع أن يقدم له الأجوبة عن تساؤلاته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تكون أو لا تكون؟!
تكون أو لا تكون؟!

البيان

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • البيان

تكون أو لا تكون؟!

إن واحداً من الأسباب المهمة التي تمنح الأعمال عظمتها وخلودها هو التفرد والأصالة، أعمال لا تشبه غيرها، ولا تسير وفق السائد، ولا تعيد إنتاج الموجود، في الأدب كما في الفن والعمارة وغيرها.. . ولو لم يكتب الروسي تولستوي والنرويجي كنوت هامسون والكولومبي ماركيز والفرنسي فيكتور هوجو، وكثيرون غيرهم، أعمالاً وأفكاراً مختلفة عما هو سائد ومتقدمة كثيراً على ما هو مطروح، لما وجدوا كل ذلك الهجوم والتجاهل في البدايات، ولما صمدت أعمالهم عبر الزمن. وللاختلاف والتفرد أوجه كثيرة، وإن أحد أهم الأسباب التي جعلت كتابة الروائي الأمريكي الشهير صاحب رواية «المسلخ رقم 5» (كيرت فونيغت) متفردة ومختلفة عن غيرها، طريقته المختلفة التي كان يتخذها في الكتابة، جمل طويلة، واستخدامه الوافر لعلامات التعجب والحروف المائلة، أما دمجه للأجناس الأدبية فجعل كتبه خارجة على المعتاد، كما صنع له أسلوباً مغايراً عن البقية. لم يكن (فونيغت) ليصبح أيقونة إن التزم بما يفعله الآخرون. لذلك فإن الإنسان يولد مرة أخرى عندما يقرر أن يكون مختلفاً عن الآخرين، وأن يختار أن يكون هو، لا أن يكون نسخة من البقية التي تمضي في جميع الطرقات كنسخ متطابقة بلا تمايز، فقط لتأكل وتشرب وتنام وتتناسل! يقول (كيرت فونيغت): ربما يصيبك التردد عندما تفكر برأي الآخرين في ملابسك المختلفة، أو عندما تستمع إلى نوع غريب من الموسيقى، أو عندما تعبر عن رأي سياسي لا يلقى رواجاً بين من حولك. عليك أن تجد الجرأة التي تمكنك من قول ما تريد، وارتداء ما تريد، والتفكير بما تريد، لتكون أنت. وأن يكون الإنسان متصالحاً مع أفكاره ورؤيته للعالم ولما حوله، لا يعيش الحياة كأنه منذور لتلبية ما يريده الآخرون فقط، ليس بالأمر السهل ولا القرار البسيط، إنه قرار يحتاج إلى وعي هائل وشجاعة كبيرة وتضحيات لا يستهان بها، إنه طريق صعب، لكنه أفضل من أن تكون كالنعجة دوللي، تبهر العالم لكنك سرعان ما تنطفئ وتنسى كأنك لم تكن!!

الإيمان
الإيمان

البيان

time٠٣-٠٤-٢٠٢٥

  • البيان

الإيمان

يقول الأديب الروسي ليو تولستوي إن «المعرفة المبنية على العقل أظهرت لي أن الحياة لا معنى لها، فاحتقرت حياتي، ووددت أن أقتل نفسي بيدي، بيد أنني كلما نظرت إلى جماهير الناس حولي كنت أرى أنهم يعيشون فرحين بالحياة، عارفين معانيها السامية؛ لأن الإيمان قد منحهم، كما منحني، قوة على إدراك معنى الحياة وحمل أثقالها بفرح وصبر». جاءت هذه العبارة في كتاب «الاعترافات» لليو تولستوي. ما يستوقف القارئ في هذا الاعتراف هو المنظور أو التقييم المتناقض تماماً للفكرة نفسها من قبل أناس متباينين، بمعنى أن الشيء أو الفكرة محل النظر أو التقييم هي نفسها (وهي الحياة في عبارة تولستوي)، لكن الغريب أن يراها الكاتب بلا معنى ولا تستحق أن تعاش، حتى إنه فكر في أن يقتل نفسه للخلاص منها، وهو الكاتب الحكيم الكبير الغني ذو المكانة والتقدير. بينما ينظر الفقراء والبسطاء من حوله للحياة نفسها، بفرح وفهم لمعانيها السامية باعتبارها نعمة تستحق الامتنان، فلماذا يحدث هذا الفهم المتعارض للقيمة نفسها؟ هل يختلف الغني عن الفقير أو البسيط في تقييمه للنعم والأفكار والأشياء من حوله؟ هل لأن لديه من الدوافع والنواقص ما يجعله لا يرى جيداً؟ هل ما يستدعي فرح الإنسان البسيط يختلف عن ذلك الذي يحتاج إليه الغني والحكيم والفيلسوف ليفرح؟ بل هي المعرفة المبنية على العقل وحده وعدم الإيمان، وهما ما يقودان لكل هذا الإرباك والقلق، كما يستخلص تولستوي وكما جاء على لسان أبي الطيب المتنبي: ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ فبعد أن قضى أديب روسيا الكبير «تولستوي» سنوات طويلة من شبابه وكهولته مترنحاً تحت أسئلة الوجود والحياة والقلق، لماذا الحياة؟ ولماذا العمل؟ ولماذا السعي طالما سيكون مآل ذلك كله الموت؟ وبعد أن فكر طويلاً في الانتحار ثم عدل عنه وانغمس في تأمل الفلسفات والأفكار الكبرى لسقراط وبوذا وشوبنهاور وو...، اهتدى بعد سنوات إلى أن الإيمان الذي لم يكن يقبله هو سلطان آخر يجب أن يضعه بعين الاعتبار حتى وإن لم يقبله، هكذا جاء في اعترافاته، وأن العقل الذي لطالما تمسك به وآمن به لم يستطع أن يقدم له الأجوبة عن تساؤلاته.

خير صديق (2).. سامح قاسم يكتب: "الحرب والسلام"..  ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ
خير صديق (2).. سامح قاسم يكتب: "الحرب والسلام"..  ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ

البوابة

time٣١-٠١-٢٠٢٥

  • البوابة

خير صديق (2).. سامح قاسم يكتب: "الحرب والسلام"..  ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ

إبداع تولستوي الخالد.. الحب في مواجهة الصراع.. ورسائل عديدة عن السلام رغم التركيز على الحرب رصد أسباب وراء فشل نابليون في غزو موسكو.. وإبراز الحياة الأرستقراطية والواقع القاسي للفلاحين بعيون الكاتب تعد رواية «الحرب والسلام» للكاتب الروسي ليو تولستوي من أهم الأعمال الأدبية في تاريخ الأدب الذي أنتجته البشرية. تتناول الرواية، الصادرة عام ١٨٦٩م، حقبة تاريخية مفصلية في تاريخ روسيا والعالم، وهي الحروب النابليونية التي امتدت من أواخر القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر. كانت هذه الحقبة تعكس صراعًا معقدًا بين القوى الأوروبية، حيث سعى نابليون بونابرت لتوسيع إمبراطوريته، ووجدت روسيا نفسها في مواجهة مباشرة معه. تميزت هذه الفترة باضطرابات داخلية في روسيا، حيث كان المجتمع يعاني من التفاوت الطبقي، والعبودية، والصراعات السياسية التي انعكست بوضوح في الرواية. الحملة الفرنسية على روسيا عام ١٨١٢ يشكل غزو نابليون لروسيا في عام ١٨١٢ العمود الفقري للأحداث التاريخية في الرواية. هذه الحملة العسكرية، التي عُرفت باسم "الحملة الروسية"، بدأت بطموح نابليون للسيطرة على الأراضي الروسية، لكنها انتهت بكارثة عسكرية. تُبرز الرواية بشكل دقيق معاناة الجيشين الفرنسي والروسي، والتحديات التي واجهها كل منهما في ظل قسوة الطبيعة الروسية، والمقاومة الشعبية، والانقسامات الداخلية. هذا السياق التاريخي لا يقدم فقط خلفية للأحداث، بل يشكل أيضًا انعكاسًا لفلسفة تولستوي حول العبثية والكارثة المرتبطة بالحرب. الإمبراطورية الروسية: الهيكل السياسي والاجتماعي عندما كتب تولستوي «الحرب والسلام»، كان المجتمع الروسي يمر بتحولات اجتماعية كبيرة. نظام القنانة، الذي كان يشكل العمود الفقري للاقتصاد الروسي، كان يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه نظام ظالم وغير مستدام. الرواية تعكس بوضوح البنية الطبقية للمجتمع الروسي، من النبلاء الذين يعيشون حياة مرفهة، إلى الفلاحين الذين يعانون من الفقر والاستغلال. أبرزت الرواية أيضًا طبيعة السلطة السياسية في روسيا تحت حكم القيصر ألكسندر الأول، الذي واجه تحديات داخلية وخارجية هائلة. العلاقات الدولية وتأثيرها على الرواية في زمن الرواية، كانت العلاقات الدولية في حالة اضطراب مستمر. التحالفات والمعاهدات التي أبرمتها روسيا مع الدول الأوروبية لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل الأحداث التاريخية. تتناول الرواية بالتفصيل الديناميكيات المعقدة بين روسيا وفرنسا، مع التركيز على تأثير هذه العلاقات على الأفراد والمجتمع الروسي. الحرب كمعضلة فلسفية من خلال تصوير الحروب النابليونية، لا تقدم الرواية فقط سردًا تاريخيًا، بل تعكس أيضًا رؤية تولستوي الفلسفية للحرب. يرى تولستوي أن الحرب ليست سوى عبثية مدمرة، حيث تُستخدم السلطة والقوة لتحقيق أهداف شخصية أو وطنية، على حساب الإنسان. في الرواية، يظهر هذا التأمل في الشخصيات التي تعاني من الحيرة والصراعات الداخلية حول معنى الحرب ودورها في حياة الأفراد. دور المقاومة الشعبية ركزت الرواية على دور المقاومة الشعبية في مواجهة الغزو النابليوني، حيث لم تكن الحرب مجرد معركة بين جيوش نظامية، بل كانت أيضًا صراعًا شارك فيه الفلاحون والمواطنون العاديون. يسلط تولستوي الضوء على شجاعة الشعب الروسي وصموده في وجه جيش نابليون القوي، مما يعكس إحساسًا عميقًا بالهوية الوطنية. تأثير الأحداث على الشخصيات جاء السياق التاريخي ليكون أكثر من مجرد خلفية للأحداث، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من تطور الشخصيات. الشخصيات الرئيسية في الرواية مثل الأمير أندريه، وبيير بيزوخوف، وناتاشا روستوف، تتأثر بشكل مباشر بالأحداث التاريخية الكبرى، سواء من خلال مشاركتهم في الحرب، أو تجاربهم الشخصية خلال هذه الفترة المضطربة. تميزت «الحرب والسلام» بالدقة في تصوير الأحداث التاريخية. اعتمد تولستوي على مصادر تاريخية موثوقة، مما أضفى على الرواية طابعًا واقعيًا. في الوقت نفسه، لم يكن هدفه مجرد تقديم سرد تاريخي، بل استخدام الأحداث لتقديم رؤى أخلاقية أعمق. تأثير السياق التاريخي على الحبكة يُعد السياق التاريخي أحد العوامل الرئيسية التي تشكل تطور الحبكة في الرواية. الحروب والصراعات السياسية تضيف تعقيدًا للأحداث، وتعكس كيفية تأثير القوى الكبرى على حياة الأفراد. على سبيل المثال، تُظهر الرواية كيف تؤثر قرارات القيصر والمعارك الكبرى على مصير الشخصيات، مما يبرز العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع. تقدم الرواية الحرب كحالة تتجاوز مفهوم العنف المادي لتصل إلى صراعات حول الإرادة الحرة وقدرة الإنسان على التأثير في التاريخ. يعبر تولستوي عن رؤيته من خلال شخصياته التي تعيش حالات من التأمل العميق في معنى الوجود والقدر. فمثلًا، يعاني الأمير أندريه من أزمة وجودية خلال معركة بورودينو، حيث يتأمل السماء الواسعة ويفكر في عبثية الحرب وقيمة الحياة. في المقابل، تقدم شخصية بيير بزوخوف تجربة أخرى للحرب، حيث يجد نفسه مدفوعًا بالمصادفة إلى قلب الأحداث. لكن من خلال هذه التجارب، يكتشف بيير قيمًا جديدة تتعلق بالمحبة والتضحية والإيمان بقدرة الإنسان على التغيير. المرأة ورمزية السلام رغم أن الرواية تركز بشكل كبير على الأحداث التاريخية والمعارك، إلا أن تولستوي يولي اهتمامًا خاصًا للنساء كرمز للسلام والقوة الكامنة. تُظهر شخصيات مثل ناتاشا روستوفا وسونيا أبعادًا إنسانية عميقة تتعلق بالحب، والأمل، والاستمرار في وجه الأزمات. تعبر ناتاشا، ببراءتها وتطلعاتها العاطفية، عن رغبة الإنسان في حياة تتجاوز العنف والصراع. الحب كقوة إنسانية عليا يقدم تولستوي الحب إحديي الثيمات المحورية في الرواية. الحب ليس مجرد عاطفة رومانسية، بل هو قوة إنسانية تتجاوز الحروب والألم. يظهر هذا في علاقات مثل الحب العذري بين ناتاشا والأمير أندريه، أو الحب المتجدد الذي يعيشه بيير في النهاية. في «الحرب والسلام»، ينظر تولستوي إلى الحرب بوصفها انعكاسًا للفوضى البشرية، حيث تمتزج البطولات الفردية بالمعاناة الجماعية. يرى تولستوي أن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث التي يخطها القادة العظماء، بل هو نتيجة لتفاعلات معقدة بين الأفراد، والظروف، والمصادفات. الحرب، في نظره، تكشف عن ضعف الإنسان أمام قوى أكبر منه، وتبرز هشاشة السلطة والقرارات العسكرية في وجه الإرادة الشعبية. تُظهر الرواية أيضًا الجانب الإنساني للحرب، من خلال معاناة الجنود، وعلاقاتهم الشخصية، وتأثير الحرب على عائلاتهم. تولستوي يضع القارئ في قلب الصراع، ويجعل من شخصياته وسيلة لفهم المعاناة الإنسانية في أوقات الشدة. دور القيادة والشعب في تشكيل التاريخ من النقاط البارزة في الرواية أن تولستوي يتحدى المفهوم التقليدي للقيادة العسكرية والسياسية. على عكس السرديات التاريخية التي تمجد القادة كصانعي التاريخ، يركز تولستوي على دور الأفراد العاديين، ويبرز كيف أن القرارات الكبرى غالبًا ما تكون محكومة بالمصادفة أو القوى التي لا يمكن التحكم فيها. في وصفه لمعركة بورودينو، يعكس تولستوي هذا المنظور من خلال تصوير نابليون كقائد عاجز أمام قوة الأحداث، والقيصر ألكسندر الأول كشخصية بعيدة عن الواقع. بدلًا من ذلك، تبرز الرواية الجنود والمزارعين والشعب العادي بوصفهم القوة الحقيقية التي تشكل مسار التاريخ. الهوية الوطنية الروسية تشغل الهوية الوطنية الروسية حيزًا كبيرًا في "الحرب والسلام". من خلال شخصيات مثل الأمير أندريه وبيير بيزوخوف، يعبر تولستوي عن فخره بالشعب الروسي وإرادته القوية في مواجهة الغزو النابليوني. تجسد الرواية الروح الوطنية التي انتصرت في النهاية على أعظم قوة عسكرية في ذلك الوقت. تُظهر الرواية كيف أن الغزو الأجنبي وحدّ الروس من جميع الطبقات الاجتماعية، وخلق شعورًا مشتركًا بالمصير. تولستوي يقدم صورة مؤثرة عن الفلاحين الروس، الذين رغم بساطتهم، أظهروا شجاعة وصمودًا كبيرين في مواجهة الجيوش النابليونية. التحولات الاجتماعية كخلفية للرواية إلى جانب الحرب، تعكس الرواية التغيرات الاجتماعية التي كانت تشهدها روسيا في تلك الحقبة. من خلال شخصيات مثل ناتاشا روستوف وآنا بافلوفنا، يعبر تولستوي عن الطبقات الأرستقراطية التي كانت تتصارع بين تقاليدها القديمة ومتطلبات العصر الحديث. كما أن الرواية تسلط الضوء على الحياة اليومية والطقوس الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، مما يجعلها شهادة حية عن الحياة الروسية في أوائل القرن التاسع عشر. يُعد البناء الروائي لرواية "الحرب والسلام" واحدًا من أعقد الهياكل السردية في الأدب العالمي. تتألف الرواية من أربعة أجزاء رئيسية، تضم حوالي ٦٠٠ شخصية تتنوع بين الشخصيات المحورية والثانوية. يتنقل السرد بين مشاهد الحرب والسلام، وبين الحياة الشخصية والسياسية، ما يخلق توازنًا بين التفاصيل الدقيقة والرؤية العامة. يتسم السرد بقدرته على الانتقال السلس بين الأحداث الكبرى، مثل المعارك التاريخية، والحياة اليومية لشخصيات الرواية. يتيح هذا الهيكل لتولستوي استكشاف التناقضات بين الحرب والسلام، وبين الخاص والعام، مما يمنح الرواية طابعًا إنسانيًا شاملًا. التعددية في وجهات النظر من أبرز ملامح البناء الروائي هو تعددية وجهات النظر. لا يقتصر السرد على شخصية واحدة أو وجهة نظر واحدة، بل يقدم تولستوي الأحداث من خلال منظور شخصيات متعددة، مما يمنح القارئ فهمًا أعمق للأحداث. على سبيل المثال، يُظهر لنا تولستوي الحرب من خلال عيون القادة والجنود والفلاحين، ما يجعل السرد أكثر شمولًا وإنسانية. دمج الواقعية بالرمزية رغم أن الرواية تُعد عملًا واقعيًا بامتياز، إلا أن تولستوي يدمج فيها عناصر رمزية عميقة. على سبيل المثال، تُستخدم الطبيعة كرمز للتغيير والاستمرارية. كما أن الشخصيات الرئيسية، مثل بيير وأندريه وناتاشا، تعكس جوانب مختلفة من النفس البشرية وتجاربها في مواجهة الحياة والموت. تداخل التاريخ بالخيال يُظهر تولستوي براعة استثنائية في دمج الأحداث التاريخية مع القصص الخيالية. يجعل هذا التداخل القارئ يشعر وكأن الشخصيات الخيالية مثل بيير وناتاشا وأندريه كانت جزءًا حقيقيًا من تلك الحقبة التاريخية. كما أن استخدام شخصيات تاريخية مثل نابليون والقيصر ألكسندر الأول يعزز من مصداقية الرواية. الشخصيات كمحركات للسرد تُعد الشخصيات محور الرواية، حيث يعتمد تولستوي على تطورها لتقديم رؤيته حول الحياة والتاريخ. يُظهر السرد تعقيد الشخصيات وتناقضاتها، ما يجعلها واقعية وإنسانية للغاية. على سبيل المثال، بيير بيزوخوف يبدأ الرواية كشاب ضائع يبحث عن معنى لحياته، لكنه يتحول تدريجيًا إلى شخصية أكثر نضجًا وروحانية. الشخصيات المحورية والثانوية بيير بيزوخوف.. البحث عن الذات يُعد بيير بيزوخوف واحدًا من أكثر الشخصيات تعقيدًا في الرواية. يبدأ حياته كشاب ثري ولكنه غير ناضج، يبحث عن معنى لحياته وسط صراعات المجتمع الأرستقراطي. من خلال رحلته، يعبر تولستوي عن أسئلة وجودية حول الهوية، والمعنى، والمصير. الأمير أندريه بولكونسكي.. المثالية والتضحية يمثل أندريه بولكونسكي الوجه الآخر للصراع الداخلي. كجندي ونبيل، يبحث أندريه عن المجد، لكنه يجد نفسه في النهاية متأملًا في قيمة الحياة والحب. تعكس شخصيته التحولات التي يمر بها الإنسان في مواجهة الحرب والموت. ناتاشا روستوف.. الحب والحياة تمثل ناتاشا رمز الحياة والطاقة الشبابية. رغم أنها تبدأ الرواية كشابة متهورة، إلا أنها تنضج تدريجيًا من خلال تجاربها في الحب والخيانة والخسارة. تعتبر ناتاشا شخصية محورية في تقديم البعد الإنساني للرواية. الحرب كإفراز للإنسانية الهشة رغم أن عنوان الرواية يُقسمها إلى "الحرب" و"السلام"، إلا أن تولستوي يجعل الحرب محورًا لطرح تساؤلات عميقة عن العنف والدمار والرغبة البشرية في السيطرة. يصور الحرب ليس فقط كأداة للدمار، بل كمرآة تعكس ضعف الإنسان، وكيف أن قرارات القادة لا تكون دائمًا نتيجة حكمة أو منطق، بل في أحيان كثيرة نتيجة لطموحاتهم الشخصية أو مصادفات غير متوقعة. تُظهر مشاهد المعارك، مثل معركة بورودينو، كيف أن الحرب تخضع لعوامل تتجاوز سيطرة القادة والجنود على حد سواء. في هذا الإطار، يقدم تولستوي رؤية نقدية للتاريخ الرسمي الذي يُمجد القادة العظماء، مشيرًا إلى أن النتائج التاريخية تتشكل بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتفاعلات الأفراد العاديين. البحث عن المعنى تتمحور الرواية حول سؤال مركزي: ما معنى الحياة؟ تقدم شخصيات مثل بيير بيزوخوف والأمير أندريه بولكونسكي رحلات داخلية مليئة بالصراع والتأمل. يبحث بيير عن معنى أعمق لحياته وسط فوضى المجتمع الأرستقراطي، بينما يواجه الأمير أندريه التناقضات بين طموحه الشخصي وسلامه الداخلي. على الرغم من اختلاف مسارات الشخصيات، إلا أن الرواية تجمع بينها في استكشافها للأسئلة الوجودية: ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش؟ وكيف يمكن للإنسان أن يجد السلام وسط الفوضى؟ في النهاية، يبدو أن تولستوي يشير إلى أن الحب، والرحمة، والتواصل الإنساني هي المفاتيح لفهم المعنى الحقيقي للحياة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store