
سقوط حر في سوق النفط.. من المسؤول؟
تعيش أسواق النفط هذه الأيام حالة من السقوط الحر، مع تراجع الأسعار إلى مستويات 55 دولارًا، وهي مستويات لم تُسجل منذ أوائل العام 2024. وبين ضعف الطلب العالمي وزيادة المعروض، تقف السوق عند مفترق طرق. لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: من المسؤول فعلاً عن هذا الانحدار؟
هل هو تباطؤ النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى؟ أم قرارات إنتاجية غير محسوبة من منظمة أوبك+؟ أم إن العوامل الجيوسياسية تقف على الهامش بانتظار لحظة الدخول لتغيير المعادلة؟
كنا قد أشرنا في مقالنا بتاريخ 2 أكتوبر 2024 إلى توقعات بانخفاض أسعار النفط، استنادًا إلى مجموعة من العوامل الجوهرية، كان أبرزها تباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، وتزايد المؤشرات على دخول بعض الدول الصناعية في مراحل ركود فني أو فعلي. هذا التباطؤ في الطلب العالمي لم يكن ظرفًا عابرًا، بل نتيجة تراكمات اقتصادية وهيكلية تمتد جذورها إلى ما بعد الجائحة والتغيرات الجيوسياسية التي شهدها العالم.
واليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على ذلك التحليل، نجد أن السوق النفطية لم تخرج بعد من حالة التذبذب السلبي، بل تتعزز الاتجاهات الهابطة في ظل غياب محفزات قوية للطلب، خصوصًا من جانب الدول الآسيوية التي كانت تُشكّل ثقلًا في ميزان استهلاك الطاقة.
قرار 'أوبك+': رفع الإنتاج رغم ضعف الطلب
في خطوة مثيرة للانتباه، قررت منظمة أوبك+ في اجتماعها الأخير يوم السبت الموافق 3 مايو 2025 رفع سقف الإنتاج اليومي بواقع 411 ألف برميل يوميًا، في وقت تواجه فيه السوق ضغوطًا كبيرة من جانب الطلب العالمي المتباطئ. وقد فُسِّر القرار على نطاق واسع بأنه يعكس تباينًا في أولويات بعض الدول المنتجة، وربما توجهًا للحفاظ على الحصص السوقية على حساب دعم الأسعار.
مثل هذا القرار، وفي هذا التوقيت تحديدًا، شكّل عامل ضغط إضافي على الأسعار، حيث قرأه المستثمرون كتأكيد على أن المعروض سيستمر في التزايد، ما يعزز التوقعات بهبوط إضافي خلال الأسابيع المقبلة إلى ما دون 50 دولارًا.
تأثيرات القرار على اقتصادات الخليج وقطاع الطاقة العالمي
بالنسبة لدول الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط كمصدر رئيس للدخل، فإن استمرار الضغوط السعرية نتيجة زيادة المعروض في ظل ضعف الطلب قد ينعكس سلبًا على الموازنات العامة، خصوصًا في الدول التي بنت توقعاتها المالية على أسعار نفط عند مستويات أعلى من الأسعار الحالية.
وعلى الرغم من توافر احتياطيات السيولة ومرونة بعض الاقتصادات الخليجية في التكيف مع تقلبات السوق، إلا أن استمرار الأسعار تحت الضغط قد يدفع بعض الحكومات إلى مراجعة خطط الإنفاق أو تأجيل بعض المشاريع التنموية، خصوصا إذا استمر هذا الاتجاه بالنصف الثاني من العام.
أما على المستوى العالمي، فإن قرار رفع الإنتاج يُعمّق الفجوة بين منتجي النفط التقليديين وشركات الطاقة المستقلة، التي قد تواجه صعوبات في الاستمرار أو التوسع؛ بسبب ضعف العائدات. كما قد يتسبب فائض المعروض في زيادة التخزين غير المجدي اقتصاديًا، ما يضغط على موازنات شركات الطاقة الكبرى، ويؤثر في فرص التوظيف والاستثمار في القطاع.
تطور أسعار النفط منذ أكتوبر 2024
شهدت أسعار النفط تقلبات ملحوظة منذ أكتوبر 2024، حيث انخفض سعر خام برنت من نحو 75 دولارًا للبرميل إلى ما دون 60 دولارًا في مايو 2025، ما يعكس الضغوط المستمرة على السوق نتيجة زيادة المعروض وضعف الطلب العالمي.
الجغرافيا السياسية آخر ورقة دعم مؤقتة..
في ظل الصورة الأساسية السلبية، لا يبدو أن الأسواق تملك الكثير من أدوات الإنقاذ في المدى القريب. يظل العامل الجيوسياسي الورقة المؤقتة الوحيدة القادرة على تحريك الأسعار صعودًا، عبر اضطرابات قد تعطل الإمدادات من دول رئيسية منتجة للنفط.
سواء كانت التوترات في الشرق الأوسط، أو النزاعات في مناطق الإنتاج الإفريقية، أو حتى تهديدات الملاحة في الممرات الحيوية كباب المندب أو مضيق هرمز، فإن أي تطور مفاجئ على هذا الصعيد قد يُشعل موجة مضاربة ترفع الأسعار مؤقتًا.
لكن يجب الإشارة إلى أن هذه العوامل، وإن كانت فعّالة على المدى القصير، إلا أنها لا تُبنى عليها استدامة في التسعير، خصوصًا إذا ما بقيت أساسيات العرض والطلب على حالها.
الخلاصة
ما لم نشهد تغييرًا نوعيًا في أساسيات السوق - سواء عبر تدخلات إنتاجية عكسية من أوبك+ أو تحسن مفاجئ في الطلب من اقتصادات كبرى - فإن الاتجاه الهابط مرشح للاستمرار. مستويات الدعم السابقة باتت مهددة، وربما نرى محاولات لاختبار قيعان جديدة لم تشهدها السوق منذ أوائل العام 2023.
سوق النفط اليوم لا تنهار فقط بسبب الأرقام، بل بسبب القرارات. ووسط هذا السقوط الحر، تبدو الحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة في سياسات الإنتاج والتنسيق، بعيدًا عن المصالح الآنية وردود الفعل القصيرة. فكلما طال زمن الهبوط، اتسعت دائرة المتأثرين وازداد ثقل السؤال: من المسؤول؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 32 دقائق
- البلاد البحرينية
الذهب يقفز 2% بعد تهديدات ترامب الجمركية
في نهاية أسبوع حافل بالتقلبات السياسية والاقتصادية، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 2% في آخر جلسة بالبورصة العالمية، مدعومة بتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة بعد تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد فيها بفرض رسوم جمركية جديدة، إلى جانب تراجع الدولار الأميركي. الذهب يحقق أفضل أداء أسبوعي منذ 6 أسابيع سجّل الذهب مكاسب أسبوعية بلغت 5.1%، وهو أفضل أداء له منذ ستة أسابيع، وارتفع السعر الفوري للمعدن الثمين بنسبة 2.1% ليصل إلى 3362.70 دولارًا للأوقية، كما صعدت العقود الآجلة الأميركية إلى 3365.80 دولارًا. ويعكس هذا الارتفاع توجه المستثمرين نحو الأصول الآمنة وسط تصاعد التوترات التجارية والاقتصادية. تهديدات ترامب الجمركية تقلب الأسواق وجاءت المكاسب الكبيرة للذهب في أعقاب تهديدات أطلقها الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من 1 يونيو. كما أشار إلى نية فرض رسوم بنسبة 25% على أجهزة "آيفون" التي تُباع في الولايات المتحدة ولكن لا تُصنع فيها. وقال المتداول في سوق المعادن تاي وونغ إن "تصريحات ترامب الأخيرة وضعت الأسواق في مزاج سوداوي، وهو ما يُعد بيئة مثالية لارتفاع الذهب". وأضاف أن قلة السيولة في الأسواق قبل عطلة نهاية الأسبوع الطويلة ساهمت في تضخيم تأثير هذه التهديدات. شهد مؤشر الدولار تراجعًا بنسبة 0.9%، ما جعل الذهب المُسعّر بالدولار أكثر جاذبية لحاملي العملات الأجنبية، ويُعد هذا العامل محوريًا في دعم أسعار الذهب، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية. قانون إنفاق جديد يفاقم القلق الاقتصادي زاد من حدة المخاوف الاقتصادية تمرير مجلس النواب الأميركي مشروع قانون ضريبي وإنفاقي ضخم من قبل الأغلبية الجمهورية، والذي من المتوقع أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الدين العام، ما ساهم في تعزيز توجه المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن. يرى خبراء السوق أن الذهب قد يشهد ارتفاعات إضافية. وقال دانييل بافيلونيس، كبير استراتيجيي السوق في "آر.جي.أو فيوتشرز"، إن اختراق مستوى 3500 دولار للأوقية قد يمهد الطريق نحو قفزة إلى 3800 دولار. ارتفاع البلاتين والفضة.. وتراجع البلاديوم إلى جانب الذهب، ارتفع البلاتين بنسبة 1.2% ليصل إلى 1094.05 دولارًا، مسجلاً أعلى مستوى له منذ مايو 2023، في ظل انخفاض المخزونات العالمية. وارتفعت الفضة أيضًا بنسبة 1.1% إلى 33.44 دولارًا للأوقية، بينما تراجع البلاديوم بنسبة 1.6% إلى 998.89 دولارًا، مع ذلك أنهى المعدنان الأسبوع على مكاسب. تم نشر هذا المقال على موقع


البلاد البحرينية
منذ 32 دقائق
- البلاد البحرينية
أول خسارة أسبوعية منذ أبريل.. تراجع أسعار النفط عالمياً
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً محدوداً في آخر جلسة بالأسواق العالمية، مع الاتجاه لتسجيل أول خسارة أسبوعية خلال ثلاثة أسابيع، متأثرة بتوقعات زيادة كبيرة في إنتاج منظمة أوبك+ خلال يوليو. ارتفاع طفيف في أسعار النفط مع خسائر أسبوعية مرتقبة قفزت عقود خام برنت الآجلة 30 سنتاً، أو ما يعادل 0.47%، لتصل إلى 64.74 دولاراً للبرميل، فيما ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 27 سنتاً، أو 0.44%، لتسجل 61.47 دولاراً للبرميل. ورغم ذلك، يتجه كلا العقدين لفقدان أكثر من 1% من قيمتهما هذا الأسبوع بعد مكاسب متتالية في الأسابيع الماضية. أوبك+ تخطط لزيادة الإنتاج بنحو 411 ألف برميل يومياً في يوليو تجتمع أوبك+ الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن تعلن عن زيادة إنتاج جديدة تصل إلى 411 ألف برميل يومياً لشهر يوليو، في خطوة تأتي ضمن خطة لفك الخفض الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يومياً الذي تم تطبيقه سابقاً. وسبق للمجموعة أن رفعت إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. رغم التوترات التي أثارها تقرير عن استعدادات إسرائيل لضرب منشآت نووية إيرانية، بالإضافة إلى العقوبات الأوروبية والبريطانية الجديدة على النفط الروسي، إلا أن زيادة المعروض النفطي كانت له الأثر الأكبر في ضغط الأسعار. إلى جانب ذلك، ساهم ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة في كبح أسعار الخام. الطلب على التخزين الأمريكي يصل إلى مستويات مرتفعة مع توقعات بزيادة ضخ النفط في الأسواق خلال الأشهر القادمة، شهد الطلب على تخزين النفط الخام في الولايات المتحدة قفزة كبيرة، لتصل إلى مستويات مشابهة لتلك المسجلة في ذروة جائحة كوفيد-19، وفق بيانات شركة "ذا تانك تايغر". يراقب المستثمرون عن كثب بيانات عدد منصات الحفر الأمريكية التي تصدرها شركة بيكر هيوز، والتي تعتبر مؤشراً رئيسياً على المعروض النفطي المستقبلي. كما تتجه الأنظار نحو الجولة الخامسة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران المزمع عقدها في روما اليوم، والتي قد تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل صادرات النفط الإيراني. تم نشر هذا المقال على موقع


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
كيس أرز كان سببًا في استقالة وزير الزراعة الياباني من منصبه
كشفت الحكومة اليابانية عن قبول استقالة وزير الزراعة الياباني تاكو إيتو يوم الأربعاء، وذلك بعد غضب شعبي شديد من تصريحاته التي سبقت الاستقالة، والتي صرح فيها بأنه "لا يشتري الأرز ولكنه يحصل عليه مجانًا". وجاء التصريح المثير للجدل لوزير الزراعة يوم الأحد، حيث صرح للصحافة بأنه لم يضطر إلى شراء الأرز قط، بل يتلقى كميات وفيرة منه كهدايا من مؤيديه، وهو التعليق الذي أثار حفيظة الشعب الياباني، وخاصة وسط أزمة ارتفاع أسعار الأرز بشكل حاد، والذي يعتبر الغذاء الأساسي على مائدة الطعام اليابانية. اقرأ أيضًا: بنك اليابان يثبت الفائدة وسط مخاوف التعريفات الأمريكية أزمة الأرز في اليابان وتعاني اليابان في الوقت الحالي من أزمة في الأرز، حيث ارتفع سعره بشكل حاد، ويرجع ذلك إلى سوء الأحواء الجوية، فضلًا عن سياسة الحكومة لحماية مصالح المزارعين المحليين. ومنذ بداية الأزمة، حاولت وزارة الزراعة اليابانية الحد من أزمة ارتفاع الأسعار من خلال الإفراج عن بعض مخزونات الحكومة، إلا أن هذا القرار لم يؤدي إلى نتيجة تذكر فيما يتعلق بالأسعار. ووفقًا للتقارير، فقد ارتفعت أسعار الأرز لأعلى مستوى لها على الإطلاق في أكثر من ألف سوبر ماركت حول البلاد، ووصل كيس الأرز الذي يزن 5 كيلوغرامات بمقدار 54 ينًا، ليصل سعره إلى 4268 ينًا، أي ما يعادل 29.63 دولارًا أمريكيًا. وقد أصدرت وزارة الزراعية تقريرًا في مارس الماضي، أكدت فيه أن أسعار الأرز استمرت في الارتفاع على الرغم من وصول المحصول المحلي الجديد، بجانب الواردات القياسية للأرز في الفترة الأخيرة. وقد كشف الاقتصاديون في اليابان أن ارتفاع أسعار الأرز في البلاد يعكس الآثار المستمرة لضعف الحصاد العام الماضي، وخاصة أن الاستهلاك المحلي الياباني يعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلي بدلًا من الواردات. وكشف اقتصادي آخر بأن اليابان تعتمد على الأرز من خلال المزارعين كبار السن الذي يملكون مزارع صغيرة، وأضاف إلى أن عدد المزارعين في البلاد يتناقص بشكل ملحوظ مع شيخوخة السكان. ويرى بعض المحللون أن أزمة الأرز تزايدت على الرغم من الاستيراد لأن الشعب الياباني يفضلون الأرز المحلي بدلًا من الأرز الأجنبي، وأن الشعب الياباني لا يزال معزولًا عن السوق العالمية، وخاصة بسبب الرسوم الجمركية الصارمة التي تستهدف الأرز المستورد بهدف حماية مزارعي الأرز في اليابان. تراجع شعبية الحكومة اليابانية وزادت أزمة ارتفاع أسعار الأرز في اليابان من انخفاض معدل تأييد حكومة إيشيبا اليابانية إلى أدنى مستوى على الإطلاق، حيث وصل إلى معدل 27.4%، وذلك مع فشل الحكومة في حل أزمة السكر، بجانب ارتفاع التضخم، ورفض الحكومة تطبيق تخفيضات على ضريبة الاستهلاك. وقد أوضحت الحكومة اليابانية أن مستوى التضخم ارتفع في البلاد بنسبة 3.6% على أساس سنوي في مارس، وعلى الرغم من أن معدل التضخم انفخض في مارس مقارنة بفراير، إلا أنه لا يزال يمثل استمرار أزمة التضخي الرئيسي لثلاثة سنوات متتالية. اقرأ أيضًا: الاقتصادات الكبرى تواجه تحديات ضخمة في ظل سياسات ترامب تم نشر هذا المقال على موقع