logo
وداع السفير الصيني وآفاق الشراكة الأردنية‑الصينية

وداع السفير الصيني وآفاق الشراكة الأردنية‑الصينية

الشاهينمنذ 2 أيام

أ.د.حسن الدعجه
استاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال
قبل أن يفرغ السفير تشن تشوان دونغ من كلمته في قاعة الاحتفال وسط عمّان، سبقت دموعه عباراته، فاستحال مسرح الوداع مساحةً إنسانيّةً نابضةً بالألفة. أربع سنواتٍ ونصف أمضاها الرجل في المملكة، قاد خلالها مسيرة تعاونٍ أخذت شكل شراكةٍ استراتيجيةٍ متنامية، وجسدت الحضارتين الصينية والعربية نموذجًا للتفاهم يقوم على الاحترام المتبادل والنفع المشترك. المقالة الآتية ترصد أهم محطات هذه المرحلة، وتقف عند دلالات اللحظة الوداعية وما تفتحه من آفاق للعقد المقبل.
أولًا: مشهد الوداع… حين تتكلم العاطفة بلهجة الدبلوماسية
في نهاية الحفل، ارتعش صوت السفير وهو يستعيد أسماء الأماكن الأردنية التي آوته، من أزقة جبل اللويبدة إلى شرفات جرش المعلقة على ذاكرة التاريخ. بدا المشهد استثنائيًّا في عالمٍ تُضبط فيه الانفعالات عادةً على إيقاع البروتوكول؛ غير أنّ الرجل اختار أن يُعبّر عن امتنانه بصراحة شرقية لا تخلو من دفء بكين. تلك الدموع، كما علق أحد الحاضرين، 'لم تُسكَب على إسفلت المطار، بل على تراب وطنٍ ثانٍ أحبّه صاحبه حتى آخر يومٍ في مهمته'.
هذا البُعد الوجداني لا يُقصي الطابع المهني للحصيلة؛ إنه يؤكد فقط أنّ العلاقات بين الشعوب، حين تُصاغ بصدق، تتجاوز لغة المصالح التقنية لتلامس وجدان الأفراد.
ثانيًا: عشر سنواتٍ من الشراكة الاستراتيجية… جدول إنجازات مزدحم
قبل عقدٍ كاملٍ في 2015، أعلنت عمّان وبكين عن رفع مستوى العلاقات إلى شراكةٍ استراتيجية. منذ ذلك التاريخ، وخصوصًا خلال ولاية السفير تشن، تبلورت عناوين ثلاثة رئيسية:
الاقتصاد والتجارة:
ارتفع حجم التبادل من 360 مليون دولار عام 2020 إلى 537 مليونًا في 2024، بمعدل نمو سنوي ناهز 21 %. الأرقام قد تبدو متواضعة قياسًا بأسواقٍ أكبر، لكنها تعكس هيكلةً جديدة في السلة التجارية؛ إذ برزت الأسمدة، والألواح الشمسية، والمنسوجات بوصفها مكوّنات أساسية. والأهم أنّ الشركات الصينية أصبحت تمتلك الحصة الأكبر في شركة البوتاس العربية، ما رفع إنتاج الأسمدة وأسهم في أمن الغذاء الصيني، بينما رفد الخزينة الأردنية بعوائد وفرص عمل.
الطاقة والتحول الأخضر:
استثمرت مؤسسات صينية في محطات الرياح بإقليم الطفيلة ومشاريع كهروضوئية في مناطق عدة، مساعدةً الأردن على مضاعفة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيجه الكهربائي. هذا التعاون يصب في رؤية المملكة 2030 لخفض الانبعاثات وضمان أمن التزويد.
مبادرة الحزام والطريق:
توقيع مذكرة التفاهم وفتح الباب أمام إنشاء ممراتٍ لوجستية تربط العقبة بموانئ البحر الأحمر الصينية، إضافة إلى مشاريع رقمنة الموانئ والسكك الحديدية. هكذا تُترجم الفلسفة الصينية؛ تجارة سلسة تتقاطع مع طموح أردني كي يصبح عقدةً إقليمية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا.
ثالثًا: الثقافة والتعليم… الجسر الذي لا تهدمه السياسة
لا تُقاس قوة العلاقات بين الدول بمؤشرات الميزان التجاري وحدها، بل بما تعكسه من عمق في التبادل الثقافي والتفاعل الإنساني. فقد أصبح مهرجان جرش نموذجًا لهذا التلاقي الحضاري، حيث استضاف على مدار سنوات متتالية فرقًا صينية قدّمت عروضًا في الموسيقى التقليدية والرقص المعاصر، حتى أضحت الأمسيات الختامية لتلك الفرق من أبرز الفعاليات التي ينتظرها الجمهور في المدرجات التاريخية.
ومن جانب آخر، تحوّلت فعالية 'الشاي من أجل الوئام' من مبادرة بسيطة للتقارب بين الثقافتين الأردنية والصينية في إحدى حدائق الجامعة الأردنية، إلى تظاهرة سنوية راسخة تستقطب مئات العائلات. هناك يتعرّف الزوّار على طقوس إعداد الشاي الصيني وتاريخه العريق، في مقابل أطباق المقلوبة والمنسف التي يقدمها المشاركون الأردنيون، في مشهد يجسد المعنى الحقيقي للتبادل الثقافي والتنوع الغني بين الشعوب.
تعليم اللغة: نحو 600 طالب أردني يتعلمون الصينية في معاهد كونفوشيوس ، بينما ينهل 500 طالب صيني من جمال اللغة العربية في جامعات الأردنية. هذه الأجيال هي الوقود الحقيقي لاستدامة العلاقة.
وبرامج التدريب فالعام الماضي وحده، تلقّى 600 أردني دورات قصيرة في بكين وشينزن وسوتشو، شملت الذكاء الاصطناعي، والسياسات الحضرية، وإدارة التراث. يعود هؤلاء محمّلين بأفكار جديدة وصداقات شخصية.
رابعًا: توافق سياسي ومواقف مشتركة
على المستوى الدبلوماسي، يكاد المراقب يلحظ انسجامًا لافتًا بين عمّان وبكين في ملفاتٍ مفصلية. فالقضية الفلسطينية—التي تتصدر أجندة السياسة الخارجية الأردنية—تحظى بدعم صيني راسخ لحل الدولتين. وقد ترجم البلدان هذا الخطاب بإرسال مساعداتٍ إنسانية إلى غزة، في أواخر 2023، حملها جسرٌ جوّيّ مشترك. والأردن، من جهته، يؤكد في كل محفلٍ تمسّكه بمبدأ 'صين واحدة' كركيزة للاستقرار الدولي.
خامسًا: بوصلة التنمية الداخلية… ماذا يعني الأردن لبكين؟
يصف خبراء صينيون الأردن بأنه 'مختبر استقرار' في منطقةٍ مضطربة. فالمملكة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، تمكّنت من اجتياز رياح 'الربيع العربي' دون انهيارات مؤسسية، وعملت على تحديث منظومتها السياسية تدريجيًّا. من منظور بكين، يُعدُّ هذا المناخ الواعد بالاستدامة بيئةً مثالية لاستثمارات طويلة الأمد، بعيدًا عن المخاطر السيادية التي تهدد مشاريع ضخمة في بعض دول الجوار.
كما يستفيد الطرف الصيني من الموقع الجيوسياسي الأردني؛ فالمملكة بوابة عابرة إلى أسواق العراق وسوريا، وربط ميناء العقبة بمبادرة الحزام سيتيح للصين شريانًا بديلًا لقناة السويس في حالات الطوارئ.
سادسًا: التحديات والفرص في السنوات الخمس المقبلة
تنويع الشراكات فرغم الزخم الصيني، يحرص الأردن على عدم حصر خياراته الاقتصادية في جهة واحدة. التوازن بين الشرق والغرب سيظل شعار المرحلة المقبلة، ما يفرض على بكين تقديم عروضٍ أكثر تنافسية مع احترام خصوصية السوق الأردنية.
تعميق التصنيع المحلي وان النموذج القائم حاليًّا يركّز على استيراد مكونات صينية وتجميعها في الأردن. يتطلع صانع القرار الأردني إلى نقل تقنيات أعمق، بما يسمح بقيام صناعاتٍ حقيقية تستقطب مهندسين أردنيين.
الدبلوماسية الناعمة وتعميق سرديات النجاح؛ أن يرى المواطن الأردني في الحضور الصيني قيمة مضافة لحياته اليومية، لا مجرد أرقام في نشرات الأخبار. هنا تلعب برامج المنح الثقافية والإعلام الشعبي دورًا محوريًّا.
سابعًا: دموع تشن… رسالة وداع أم وعد لقاء؟
حين سئُلَ السفير بعد انتهاء خطابه عن سبب دموعه، رد بكلمةٍ مقتضبة: 'أحببتُ الأردن أكثر مما توقّعت'. ما بين السطرين يكمن إدراك بأن العلاقات الدولية لا تبنى فقط باتفاقياتٍ تُوقَّع في قاعاتٍ مغلقة؛ إنما بإيقاع بشري بسيط: صديق يألف شارعًا، يتقن لغةً جديدة، يقول 'صباح الخير' بلهجةٍ عمّانية، فيبادله الجيران '你好' على باب الدار. تلك الحميمية قد تبدو تفصيلًا هامشيًّا على جدول أعمال وزارة الخارجية، لكنها روحٌ قادرة على تحريك عجلات الاقتصاد والثقافة والسياسة في اتجاهاتٍ يصعب قياسها بالأرقام.
وبعد: إلى أين من هنا؟
مع حلول الذكرى العاشرة للشراكة الاستراتيجية هذا العام، يطوي الأردن والصين فصلًا كتب ملامحه السفير تشن، ويفتحان آخر يُنتظر أن يخوض معارك مشتركة ضد تحديات ما بعد الجائحة، وأزمات الطاقة، والتغير المناخي. أمام الطرفين فرصةٌ لصياغة نموذجٍ تنموي يقوم على ربط الابتكار بالتنوع الثقافي، وعلى توطين التكنولوجيا بما يلائم خصوصية المجتمع الأردني، مع الحفاظ على مرونة الانفتاح الصيني.
سيغادر تشن تشوان دونغ عمّان قريبًا، لكن الحصاد الذي تركه—من الألواح الشمسية في الصحراء، إلى أنغام 'تشونغ روي' في مدرج جرش—سيظل شاهدًا على أن الدبلوماسية حين تتوشح بإنسانيتها، تستطيع أن تضيف إلى العلاقات بين الدول سطرًا واحدًا لا يُمحى: 'هنا وُلدت صداقة'. وفي زمنٍ يُمرِّر الأخبار كلمح البصر، ربما يكون هذا السطر أثمن هديةٍ في حقيبة أي سفر

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع
النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

عمون

timeمنذ 42 دقائق

  • عمون

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

عمون - تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الجمعة، لكنها تتجه لتحقيق أول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع، وسط مؤشرات على تحسن في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ مما عزز الآمال بانتعاش اقتصادي في أكبر اقتصادين في العالم. وانخفض خام برنت بمقدار 19 سنتًا أو 0.3 بالمئة ليصل إلى 65.15 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 20 سنتًا أو 0.3 بالمئة أيضًا ليسجل 63.17 دولارًا للبرميل، وفقا لشبكة (سي إن بي سي). وعلى مدار الأسبوع، يتجه الخامان القياسيان لتحقيق مكاسب، حيث يرتفع خام برنت بنسبة 2.1 بالمئة، ويصعد خام غرب تكساس بنسبة 4 بالمئة. وشهدت أسعار النفط تذبذبًا في الفترة الأخيرة بفعل تطورات الحرب التجارية والرسوم الجمركية وتأثيرها على الطلب العالمي.

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع
النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

خبرني

timeمنذ ساعة واحدة

  • خبرني

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

خبرني - تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الجمعة، لكنها تتجه لتحقيق أول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع، وسط مؤشرات على تحسن في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ مما عزز الآمال بانتعاش اقتصادي في أكبر اقتصادين في العالم. وانخفض خام برنت بمقدار 19 سنتًا أو 0.3 بالمئة ليصل إلى 65.15 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 20 سنتًا أو 0.3 بالمئة أيضًا ليسجل 63.17 دولارًا للبرميل، وفقا لشبكة (سي إن بي سي). وعلى مدار الأسبوع، يتجه الخامان القياسيان لتحقيق مكاسب، حيث يرتفع خام برنت بنسبة 2.1 بالمئة، ويصعد خام غرب تكساس بنسبة 4 بالمئة. وشهدت أسعار النفط تذبذبًا في الفترة الأخيرة بفعل تطورات الحرب التجارية والرسوم الجمركية وتأثيرها على الطلب العالمي.

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع
النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

النفط يتجه لأول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع

عمان - تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الجمعة، لكنها تتجه لتحقيق أول مكاسب أسبوعية منذ 3 أسابيع، وسط مؤشرات على تحسن في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ مما عزز الآمال بانتعاش اقتصادي في أكبر اقتصادين في العالم. وانخفض خام برنت بمقدار 19 سنتًا أو 0.3 بالمئة ليصل إلى 65.15 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 20 سنتًا أو 0.3 بالمئة أيضًا ليسجل 63.17 دولارًا للبرميل، وفقا لشبكة (سي إن بي سي). وعلى مدار الأسبوع، يتجه الخامان القياسيان لتحقيق مكاسب، حيث يرتفع خام برنت بنسبة 2.1 بالمئة، ويصعد خام غرب تكساس بنسبة 4 بالمئة. وشهدت أسعار النفط تذبذبًا في الفترة الأخيرة بفعل تطورات الحرب التجارية والرسوم الجمركية وتأثيرها على الطلب العالمي. --(بترا)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store