logo
ما أبعاد زيارة رئيس الوزراء السوداني لمصر؟

ما أبعاد زيارة رئيس الوزراء السوداني لمصر؟

الجزيرةمنذ يوم واحد
القاهرة/الخرطوم – في أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، بدأ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس زيارة رسمية إلى مصر ، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، شملت الملفات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسط تساؤلات عن الرسائل والأبعاد التي تحملها هذه الزيارة.
ووفقا لوكالة الأنباء السودانية، رافق إدريس خلال الزيارة مسؤولون، من بينهم وزير الثقافة والإعلام والسياحة، ووزير الدولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، كما تأتي هذه الزيارة في ظل استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
تقول مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الدكتورة أماني الطويل، إن الزيارة "تأخرت ربما بسبب الأوضاع المعقدة في السودان التي تحتاج إلى دعم لوجيستي واسع، خاصة في مجالات البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية".
وأوضحت أن الخرطوم شهدت انهيارا كبيرا في هذه القطاعات، مما يجعل إعادة الإعمار مهمة ضخمة ومعقدة تحتاج إلى تدخل دولي، مشيرة إلى أن مصر مرشحة لتكون شريكا أساسيا في هذا الجهد.
وتشير الطويل، في حديث للجزيرة نت، إلى أن القاهرة لا تزال تحتضن ملايين السودانيين، وأن "أولويات التعاون تتعلق بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بجانب ملفات إقليمية مثل تهديدات البحر الأحمر وسد النهضة الذي من المقرر افتتاحه في سبتمبر/أيلول المقبل، مؤكدة أن التعاون في هذه القضايا سيكون ذا بعد إقليمي مباشر.
ولفتت إلى أن الدبلوماسية بين القاهرة والخرطوم باتت "حذرة للغاية"، إذ تكتفي البيانات الرسمية بالاختصار والتركيز على نقاط محددة دون مؤتمرات صحفية، نظرا لحساسية الوضع السياسي والعسكري.
وتختم بالقول إن الزيارة "قد تحمل رسالة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".
رسائل
ويرى المحلل السياسي السوداني الرشيد إبراهيم أن زيارة رئيس الوزراء السوداني لمصر تمثل "تقليدا متعارفا عليه في السياسة السودانية"، لكون القاهرة الأقرب إلى الخرطوم والأكثر تفهما لملفاتها، فضلا عن كثافة المصالح الإستراتيجية المشتركة.
ويشير إبراهيم في حديث للجزيرة نت، إلى أن مصر تعد إحدى القنوات التي تنظر الولايات المتحدة عبرها إلى الأزمة السودانية، وأن التطورات داخل "اللجنة الرباعية" ومساعي الحل الدبلوماسي تجعل توقيت الزيارة مناسبا، خاصة مع تمسك القاهرة بالحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ورفض المساواة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويضيف إبراهيم أن أجندة المباحثات شملت ملفات عاجلة، أبرزها القضايا الاقتصادية، وسد النهضة، ومساعي رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ، محذرا من أن غياب الخرطوم عن ملف السد مكّن إثيوبيا من تنفيذ خطوات منفردة قد تضر بالمصالح المصرية.
دلالات سياسية واقتصادية
أما المحلل السياسي السوداني فتح الرحمن فضيل، فيؤكد أن مصر تعد "الداعم الأبرز للسودان"، وأن وجود جالية سودانية كبيرة في مصر يجعلها الوجهة الطبيعية لأول زيارة رسمية، ويرى أن الزيارة تحمل رسالة مفادها أن القاهرة ما تزال الحليف الأساسي للسلطة القائمة في السودان في "معركة الكرامة".
وفي السياق ذاته، يقول نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة، إن الزيارة تأتي في توقيت بالغ الأهمية نظرا لتطورات الأوضاع في السودان ومنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي ، إضافة إلى قضايا إقليمية ودولية مشتركة.
ويضيف في تصريح للجزيرة نت "أن بدء رئيس الوزراء السوداني جولاته الخارجية بالقاهرة "يعكس أهمية مصر بالنسبة للسودان"، مشيرا إلى أن المباحثات تناولت دعم الأمن والاستقرار ووحدة السودان وسلامته الإقليمية، خصوصا في ظل محاولات تشكيل حكومة موازية تهدد هذه الوحدة، وهو ما ترفضه القاهرة والمجتمع الدولي.
وتابع "كما تطرق الجانبان إلى القضايا الإنسانية، ودور مصر في استضافة ورعاية السودانيين وتسهيل عودتهم الطوعية، فضلا عن بحث سبل دعم مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار".
وفي المحور الأمني، أكد حليمة أن هناك موقفا مصريا ثابتا يقوم على دعم المؤسسات الوطنية السودانية ورفض التدخلات الخارجية، إلى جانب توافق سياسي بين البلدين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والأمن القومي المشترك، خاصة ملف سد النهضة ورفض سياسة "الأمر الواقع" التي تتبعها إثيوبيا.
وأشار إلى أن النقاش شمل أيضا أمن البحر الأحمر باعتباره شريانا حيويا للأمن القومي العربي والأفريقي، والقضية الفلسطينية في ظل العدوان على غزة، إضافة إلى التطورات في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل.
واختتم حليمة بالقول إن هناك توافقا واسعا على دفع العلاقات الثنائية نحو التكامل، وزيادة الدور المصري في إعادة إعمار السودان وتسوية أزمته سياسيا وإنسانيا.
من جهته، يصف المحلل السياسي السوداني الطاهر إدريس الزيارة بأنها "إستراتيجية ومهمة" بالنظر إلى العلاقات التاريخية وعدد السودانيين المقيمين في مصر.
وشدد إدريس في حديث للجزيرة نت على أن الحراك الدبلوماسي للسودان ضروري في هذه المرحلة لقطع الطريق أمام أي حكومة موازية تدعمها "المليشيات"، ولتعزيز الدعم الإقليمي والدولي للسلطة الشرعية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السجن 7 سنوات لمدير سابق لديوان الرئيس التشادي بتهم فساد
السجن 7 سنوات لمدير سابق لديوان الرئيس التشادي بتهم فساد

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

السجن 7 سنوات لمدير سابق لديوان الرئيس التشادي بتهم فساد

حكمت محكمة الاستئناف على إدريس يوسف بوي، المدير السابق لمكتب الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو بالسجن 7 سنوات بتهم فساد. وفي يناير/كانون الثاني، تقدّم رجل الأعمال التشادي عبود هاشم بدر بشكوى ضد إدريس يوسف بوي، متهما قريب الرئيس وصديقه بأنه اختلس خلال سنتين حوالي 9 مليارات فرنك أفريقي (نحو 16 مليون دولار) كانت مخصصة لمشاريع بنى تحتية في شرق تشاد. ونفى إدريس يوسف بشدة تلقّي المبلغ المذكور في شكوى بدر، لكنه أقرّ بأنه اقترض "مليارا فقط" من شركة "تشاد سيرفيس" التي يملكها صاحب الشكوى. وفي مايو/أيار الماضي، حكم عليه بالسجن 5 سنوات وخسر الدعوى في مرحلة الاستئناف. كما حكمت المحكمة على رجل الأعمال عبود هاشم بدر بالسجن 7 سنوات بتهم فساد ورشاوى وصدرت في حقه مذكرة توقيف دولية، وفق ما قال محامي بوي، لاغير ندجيراندي، لوكالة الصحافة الفرنسية. وكان إدريس يوسف بوي المساعد الخاص للرئيس محمد إدريس ديبي إتنو بين أبريل/نيسان 2021 ويونيو/حزيران 2022. وعُزل من منصبه بعد اتهامه باختلاس أموال من شركة هيدروكربونات تشاد.

دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟
دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟

جوبا- تواجه اتفاقية السلام الموقَّعة بين الحكومة والفصائل المعارضة في دولة جنوب السودان بوساطة سودانية عام 2018 جملة من العقبات التي تعرقل تنفيذ بنودها على أرض الواقع، أبرزها انعدام الإرادة السياسية، وغياب التمويل الكافي، واستمرار إرث الصراع السياسي والعسكري العميق بين الأطراف المعنية. ومع تكرار الانتهاكات وتباطؤ تنفيذ الالتزامات الرئيسية، يتزايد القلق من تراجع الزخم الدولي الداعم للعملية السلمية، ما يهدد مستقبل الاتفاق ويضع استقرار البلاد على المحك. وتبرز أخطر الأزمات التي تواجه اتفاقية السلام في جنوب السودان بقيام الحكومة باعتقال رياك مشار ، النائب الأول لرئيس الجمهورية وزعيم المعارضة المسلحة، الفصيل الرئيسي، على خلفية اتهامات تتعلق بأحداث منطقة الناصر في ولاية أعالي النيل ، حيث اندلعت اشتباكات بين قوات الحكومة وفصائل محلية محسوبة على المعارضة، أدت لمقتل قائد حامية الناصر مطلع هذا العام. عراقيل تنفيذ الاتفاق كما شملت الاعتقالات قيادات أخرى من المعارضة، أبرزهم وزير البترول، فوت كانغ، وقيادات رفيعة، وأسهمت الاعتقالات بزيادة التوتر وتعميق الانقسامات بين الأطراف، مما أثَّر سلبًا على فرص تنفيذ اتفاق السلام بصورة فعالة. وأصدرت المفوضية المعاد تشكيلها لمراقبة تنفيذ اتفاق السلام تقريرها في شهر يونيو/حزيران الماضي، مؤكدة أن "تنفيذ البنود الرئيسية للاتفاق توقف إلى حد كبير"، وسط تدهور الأوضاع السياسية والأمنية و"اختراق وقف إطلاق النار بسبب الاشتباكات المتكررة بين قوات دفاع شعب جنوب السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان – المعارضة". وأشارت المفوضية، في تقريرها، إلى أن "فرض الإقامة الجبرية على رياك مشار واحتجاز قيادات المعارضة يُعمِّق انعدام الثقة ويقوِّض الالتزام بتنفيذ الاتفاق"، كما نبَّهت إلى أن "غياب الحوار المباشر يعكس شكوكًا عميقة تعرقل التنفيذ"، داعيةً "لإطلاق سراح المعتقلين واستعادة المشاركة الكاملة لجميع الأطراف لاستعادة الثقة ودفع السلام". ورغم تلك المناشدات، لم توجه الحكومة أي تهم بحق مشار ولم تخضعه للمحاكمة، بل مضت قدما في النظر بقضايا تنفيذ الاتفاق دون وجود فعلي للمعارضة المسلحة في المؤسسات، في ظل صمت الجماعات الأخرى الموقعة على الاتفاق، وأسفر هذا الموقف عن تصاعد التوترات الميدانية بمناطق وجود قوات المعارضة المسلحة، مما زاد من هشاشة الوضع الأمني وأعاق تقدم عملية السلام. وخلال اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي في شهر يونيو/حزيران الماضي، قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، نيكولاس هايسوم، إن "الاشتباكات المسلحة المستمرة وانتهاكات وقف إطلاق النار تسببت بنزوح أكثر من 130 ألف شخص، مع تدهور الوضع السياسي والأمني في جنوب السودان". وأضاف هايسوم "لا يوجد حل عسكري للقضايا السياسية"، داعيًا إلى "وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح قادة المعارضة، واستئناف الحوار السياسي"، مؤكدا ضرورة "منع العودة للحرب ودعم إجراء الانتخابات الديمقراطية في البلاد". ضغوط للإنقاذ ويتوقع الكاتب الصحفي وادينق البينو تدخلا إقليميا فاعلا لإنقاذ اتفاقية السلام المنشطة، حيث ستكون كل من منظمة إيغاد و الاتحاد الأفريقي في صدارة الجهات التي تمارس ضغوطًا على حكومة جنوب السودان. وأضاف البينو للجزيرة نت "تأتي هذه الضغوط كخطوة لإحياء اتفاق السلام وتنشيط مساراته"، متوقعا "أن تشهد الأيام المقبلة زيارات من وفود الاتحاد الأفريقي إلى جوبا ، تشمل لقاءات مع رياك مشار ومشاورات مع حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت ، بهدف وقف انتهاكات الاتفاقية". وجددت سفارات كندا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في بيان لها -الأسبوع الماضي- دعوتها للإفراج غير المشروط عن مشار، معتبرة أن إطلاق سراحه ضروري لاستئناف الحوار السياسي وتحقيق السلام المستدام في جنوب السودان. وأعربت السفارات عن "قلقها من استمرار الأعمال العدائية وانتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار واتفاق السلام المُنشط، التي تهدد استقرار البلاد وتنمية شعبها"، وأدانت الهجمات المتكررة على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والمنشآت الطبية، مؤكدة أنها تزيد من معاناة السكان. من جهته، اقترح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، أكول ميان، تأجيل الانتخابات حتى ديسمبر/كانون الأول 2028 وتمديد الفترة الانتقالية إلى فبراير/شباط 2029 كإجراء لمعالجة اختلالات اتفاق السلام، معتبرا أن فشل الأطراف المعنية بتنفيذ البنود الأساسية للاتفاق، إلى جانب الانقسامات السياسية والعنف المستمر والتحديات الاقتصادية والإنسانية، يحول دون إجراء الانتخابات المقررة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2026. وقال ميان للجزيرة نت "ندعو إلى حوار شامل وعاجل بين شركاء السلام والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي، لتمكين تنفيذ بنود الاتفاق مثل: تكوين جيش موحد إعداد دستور دائم الإصلاحات المالية ومحاربة الفساد معالجة لجميع تلك الأزمات التي تواجه تنفيذ بنود اتفاق السلام". مشاكل المعارضة ومن ناحيته، يشير المحلل السياسي أندريا ماج مبيور، إلى أن اتفاقية السلام تمر بمعوِّقات كبيرة، مبينا أن المشكلة الأساسية لاتفاقية السلام المنشطة هي ضعف الإرادة السياسية لدى الشركاء الأساسيين في الحكومة والمعارضة، إضافة للانشقاقات المستمرة داخل صفوف المعارضة، خاصة بعد اعتقال رياك مشار، حيث كان متوقعا تماسك المعارضة لتنفيذ ما تبقى من البنود، وهو ما لم يحدث. ويضيف للجزيرة نت "تراجع دور الضامنين بشكل واضح، خصوصا مع الفتور الذي أصاب الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وخروج الرئيس السوداني السابق عمر البشير من الحكم". ويتابع "أن غياب الإرادة السياسية يعوق إجراء الانتخابات في ظل غياب المعارضة وعدم إتمام التعداد السكاني"، مطالبا الحكومة "بتهيئة المناخ السياسي المناسب لإقامة الانتخابات، عبر تنفيذ الاتفاق، وإعداد دستور دائم، ونزع السلاح من أيدي المواطنين".

"أوقاف المغاربة في القدس" كتاب يعرض تاريخ المغاربة ودورهم في المدينة المقدسة
"أوقاف المغاربة في القدس" كتاب يعرض تاريخ المغاربة ودورهم في المدينة المقدسة

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

"أوقاف المغاربة في القدس" كتاب يعرض تاريخ المغاربة ودورهم في المدينة المقدسة

الرباط – يقدم كتاب "أوقاف المغاربة في القدس: وثيقة تاريخية سياسية قانونية" للعلامة والدبلوماسي المغربي الدكتور عبد الهادي التازي (1926 – 2015) رؤية متكاملة، يرصد من خلالها تاريخ الأوقاف التي أسسها المغاربة حول المسجد الأقصى ، والتي شكلت أساسا لوجودهم الروحي والعمراني في المدينة على مدى قرون. صدر هذا العمل المرجعي لأول مرة عام 1981 عن مطبعة فضالة بالمحمدية، لكن أُعيد طبعه سنة 2013 بعد تنقيحه وتطعيمه بصور حصرية ووثائق توثيقية لحارة المغاربة وتصميم غلاف جديد، بمبادرة من "المبادرة المغربية للدعم والنصر"، وبإذن ومراجعة من الكاتب رحمه الله. طبع بعد ذلك مرات عدة آخرها سنة 2020، وهو يعتبر وثيقة توثيقية نادرة تجمع بين المعطى التاريخي والتحليل القانوني والسياسي. أوقاف المغاربة كانت البداية لا يكتفي الكتاب بتوثيق الأوقاف المغربية المحيطة بالمسجد الأقصى، بل يكشف من خلال تحليل دقيق كيف "أن الحروب المتوالية بين العرب و إسرائيل بدأت في الواقع في القدس من منطقة أوقاف المغاربة وبالذات من حائط البراق الذي يتصل بمنازل المغاربة"، على غرار ما حدث في كنيسة القيامة التي أشعل التنافس على ترميمها فتيل حرب القرم بين العثمانيين و روسيا عام 1856. ويستعيد التازي هذا القياس التاريخي ليؤكد أن الاصطدام بين المشروع الصهيوني والوجود العربي لم يبدأ فقط في ساحات القتال أو مؤتمرات التقسيم، بل انطلق فعليا من القدس، وبالذات من أوقاف المغاربة، حيث بدأ النزاع حول هوية المكان ورمزيته الدينية. سيرة الكاتب الدكتور عبد الهادي التازي شخصية مغربية بارزة، ولد في فاس عام 1921، شارك في الحركة الوطنية منذ صغره، وتعرض للاعتقال والنفي. يتمتع بمسيرة أكاديمية حافلة، فقد حصل على شهادة العالمية من جامعة القرويين عام 1947، ودبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس عام 1963، ودكتوراه الدولة من جامعة الإسكندرية عام 1971. وعلى الصعيد المهني، عمل أستاذا جامعيا ومحاضرا في العديد من المعاهد والكليات، كما شغل مناصب دبلوماسية منها سفير المغرب في دول عدة مثل العراق ، و ليبيا ، و الإمارات العربية المتحدة و إيران ، كما تولى أيضا إدارة المعهد الجامعي للبحث العلمي لمدة 20 عاما. هو كاتب ومترجم غزير الإنتاج، نشر أكثر من 700 مقال وألف عشرات الكتب، وكان عضوا فاعلا في العديد من المجامع اللغوية والعلمية العربية والدولية، مثل مجمع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق، والمجمع العلمي العراقي، وأكاديمية المملكة المغربية، وحصل على أوسمة تقديرية عدة من المغرب ودول أخرى. محتويات الكتاب الكتاب هو أطروحة رئيسية تتناول أوقاف المغاربة في القدس من الجوانب التاريخية والسياسية والقانونية، و10 ملاحق وثائقية توضح الأوقاف الأصلية، ومراسلات، وقرارات إدارية، واحتجاجات قانونية، ومراسلات دبلوماسية تعكس الموقف الرسمي تجاه الأوقاف. يقول الباحث المغربي المتخصص في شؤون القدس محمد رضوان للجزيرة نت إن الكتاب بالرغم من صغر حجمه، واختصار مادته، يعد مرجعا مهما للتعرف على تاريخ علاقة المغاربة بالقدس وأوقافهم بهذه المدينة المباركة التي شدوا الرحال إليها للجهاد والعبادة والتعلم ونشر العلم والتصوف منذ زمن بعيد. ويضيف "مع أن عبد الهادي التازي يوضح أن صفحات هذا الكتاب مقتبسة من كتابه المعروف "تاريخ المغرب الدبلوماسي"، إلا أنه يمثل فعلا وثيقة أساسية في موضوع أوقاف المغاربة بالقدس، لأنها تضم إيضاحات وإفادات جمة حول أبرز الأوقاف المغربية، ووظائفها والمستهدفين بريعها ومنافعها. منهجية الكاتب يعتمد الكاتب منهجا وثائقيا تاريخيا تحليليا يجمع بين دراسة الأرشيف العثماني، والمراسلات الرسمية، والوقفية الإسلامية، مع تتبع الأحداث السياسية التي أثرت على هذه الأوقاف. ويمزج بين التوثيق القانوني والسياسي لتحليل دور الوقف في حماية الهوية الإسلامية للقدس، ويسلط الضوء على التداخل بين البعد الديني والاجتماعي والسياسي لهذه الأوقاف. يتميز منهجه بالربط المتقن بين نصوص الوقف والتطورات السياسية التي مرت بها المدينة، مع إبراز دور المغاربة كحراس لهذه الأوقاف عبر القرون. كما يولي أهمية خاصة للتفاصيل القانونية في حفظ حقوق الوقف وممتلكاته، ويظهر كيف استخدم الوقف أداة للحفاظ على الوجود الإسلامي في مواجهة التوسع الصهيوني. القدس قبلة المغاربة يركز الدكتور عبد الهادي التازي على أن العلاقة بين المغاربة والقدس بدأت من ارتباط روحي قوي، يتمثل في "شد الرحال" إلى المسجد الأقصى، الذي يعتبر من المساجد الثلاثة الكبرى في الإسلام، قبل أن تتطور العلاقة لاحقا لتشمل طلب العلم والمشاركة في الجهاد. ويستعرض التازي من خلال وثائق نادرة مرور عدد كبير من الأعلام المغاربة الذين عرجوا على القدس طلبا للعلم ونقل المعرفة، مثل القاضي أبو بكر ابن العربي الذي رافق والده الإمام عبد الله في سفارته عام 490 هـ (1097م)، والقاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم الذي شهد مجلسه الرحالة النقاد العبدري عام 686 هـ (1290-1291م)، وصولا إلى الرحالة ابن بطوطة وغيره من العلماء الذين ربطوا المغرب بمدينة القدس، مؤكدا بذلك أن العلم كان جسرا ثقافيا قويا. ويشير التازي كذلك إلى بُعد جهادي مهم، إذ يذكر أن صلاح الدين الأيوبي بعد فتح بيت المقدس عام 583هـ (1187-1188م)، طلب المساعدة من السلطان يعقوب المنصور عبر إرسال أسطول مغربي لدعم جهاد الشام ضد الصليبيين، رافق ذلك هدية ثمينة من صلاح الدين تضمنت مصحفين كريمين وعطور ا فاخرة، ما يعكس عمق الروابط الدبلوماسية. واستقبل السلطان المنصور الوفد المغربي، وعلى رأسه السفير ابن منقذ، بحفاوة بالغة، معبرا عن تقديره للدور الذي يلعبه المغرب في الدفاع عن القدس، يعكس مستوى التعاون المتين بين السلطتين، والذي تخطى الجانب الثقافي ليشمل الأبعاد السياسية والعسكرية. حارة المغاربة يرصد الدكتور عبد الهادي التازي أن أصل تسمية " حارة المغاربة" يعود إلى الدور النشيط للمقاتلين المغاربة الذين شاركوا في جيوش نور الدين الشهيد خلال الحملات ضد الصليبيين في أواخر القرن السادس الهجري (حوالي 578-581 هـ)، فهؤلاء المغاربة، كما يؤكد الرحالة ابن جبير، كانوا يدفعون ضرائب خاصة مستثنين من العوام، وهم لا يبالون بذلك نكاية في العدو، وهذا يؤشر على تميزهم ووجودهم الواضح في الأرض المقدسة. وبعد الفتح الصلاحي، وفي عهد الملك الأفضل (589هـ)، خُصِّصت بقعة سكنية لهم قرب الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، تأسست فيها مدرسة حملت اسمه، وهذا أدى إلى توسع الأوقاف المغربية في القدس وتحديد حدود واضحة لـ"حارة المغاربة". وقد شهدت هذه الأوقاف وثائق رسمية متعددة، تم تجديد تسجيلها في القرون التالية، ما يعكس حرص المغاربة على تثبيت حضورهم العمراني والروحي. في هذا السياق يقول الأكاديمي محمد رضوان "بعد أن تطرق التازي إلى الوقف المشهور المتمثل في البقعة التي حبسها الملك الأفضل في سنة 589هـ لفائدة المغاربة، وهي البقعة التي اعتادوا أن يجاوروها عند بيت المقدس قرب الزاوية الجنوبية الغربية لحائط الحرم وفي أقرب مكان للمسجد الأقصى، يعرض عبد الهادي التازي للأوقاف التي حبسها المغاربة أنفسهم بالقدس ليستفيد منها أبناء طائفتهم المقيمون والوافدون من بلاد المغرب الكبير. وفي الكتاب إشارة مهمة إلى أن المغاربة كانوا حريصين بصورة مبكرة على تملك العقارات في القدس وبجوارها أيضا، وتوقيف بعض تلك العقارات التي كانوا يشترونها من أصحابها، مما يدل على تعلقهم بهذه الديار منذ العصور الأولى. ويضيف ما يتميز به كتاب التازي بهذا الخصوص، توقفه عند أبرز الأوقاف المغربية بالقدس، والمتمثلة في قرية عين كارم ، وهي من قرى قضاء القدس، والتي حبسها العالم المتصوف أبو مدين شعيب، تلميذ سيدي صالح حرازم ودفين تلمسان، وأوقاف الشيخ العابد المجاهد عمر المجرد المصمودي بحارة المغاربة، وهي 3 دور، بالإضافة إلى زاوية تشتمل على 10 حجرات بجميع مرافقها، كذلك لم يغفل التازي وقفيات أفراد آخرين، وكذلك أوقاف بعض الملوك المغاربة تعبيرا عن تعلقه بتلك الرحاب. وعلاوة على ذلك، فقد وثق التازي أن هذه الأوقاف تحوي نصوصا دقيقة تنظم شروط السكن والانتفاع وتمنع التفويت، مع تخصيص موارد للعبادة والكسوة والطعام خلال المواسم الدينية. كما تظهر استمرار الدعم الرسمي الملكي المغربي، فخلال الحكم المريني في القرن الـ14 الميلادي (738 هـ/1337م)، خصص السلطان أبو الحسن علي بن عثمان مبالغ ضخمة لشراء أراض في القدس والحرمين الشريفين، مؤكدا إستراتيجية حماية الأراضي الإسلامية المقدسة من الاستحواذ الأجنبي. كما نسخ الملوك المغاربة مصاحف يدوية فخمة ووقفوها في المسجد الأقصى، أبرزها " الربعة المغربية" التي كانت محفوظة بالمتحف الإسلامي حتى منتصف القرن الـ20. كما تشدد الوثائق على استمرار العلاقة الروحية العميقة بين المغاربة والقدس، حيث مثّل المسجد الأقصى مزارا بارزا للمغاربة، على غرار المراتب الدينية والروحية في المغرب نفسه، كما توضح قصائد وشهادات علماء مغاربة، مثل الفقيه إمام الدين البطائحي، الذين عبروا عن شوقهم وحبهم للقدس رغم بعد المسافات. بالإضافة إلى ذلك، حافظ المغاربة على تقاليدهم وهويتهم في القدس عبر الأجيال، رغم امتزاجهم مع السكان المحليين، فقد ظل حي المغاربة مركزا نابضا بالحياة الإسلامية والثقافية في المدينة، محافظا على خصائصه وأوقافه، ومحاطا بالحائط الغربي (حائط البراق). جذور النكسة يبرز التازي أن " النكسة" بدأت ملامحها مع احتلال محمد علي باشا لمدينة القدس سنة 1831م، وهو حدث تاريخي مهم غيّر مسار الحكم العثماني وأتاح فرصا جديدة لتدخل القوى الأجنبية، إذ يشير إلى تأسيس أول قنصلية بريطانية في القدس، والتي لعبت دورا في حماية بعض اليهود، مما شكل نقطة تحول ديمغرافية وسياسية في المدينة. واعتمد الكاتب في تحليله على توثيق هذه المرحلة من خلال الأمثلة الدقيقة، مثل محاولات بعض اليهود التوسع على حساب الأوقاف المغربية، مثل طلب تبليط ما يسمى في عقديتهم "المبكى" قرب حائط البراق، وكيف رفض مجلس الشورى ذلك حفاظا على حرمة الوقف الإسلامي، مشيرا إلى صدور أوامر رسمية تنص على منع تغيير الواقع المعهود. كما بين الكاتب كيف أن تكاثر اليهود وظهور الصهاينة على الأرض المقدسية أدى إلى تعديات متكررة على أوقاف المغاربة، فقد وثق شكاوى وجهت إلى المفتي والمحكمة الشرعية، وأشار إلى القرارات الإدارية التي صدرت لمنع هذه التجاوزات. في مقابل هذه الاعتداءات، بيّن الكاتب جهود المغاربة في الدفاع عن حقوقهم وأوقافهم عبر وسائل متعددة، بدءا من المرافعات الشرعية والقانونية، وصولا إلى التواصل الدبلوماسي مع الدولة المغربية التي أسست لجنة القدس عام 1975، لتعزيز الحماية السياسية والقانونية لأوقافهم في وجه التهديدات الإسرائيلية. الملاحق العشرة تحتوي هذه الملاحق العشرة على مجموعة ثمينة من الوثائق الرسمية والتاريخية التي تشكل دليلا واضحا على أبعاد الوقفية الخاصة بحي المغاربة في القدس، وهي تعكس تاريخا متجذرا يمتد لقرون، ويربط بين الجوانب الدينية والاجتماعية والقانونية لمكانة هذا الوقف. تتراوح الملاحق بين نصوص أصلية للوقف، وأوامر رسمية في العصر العثماني و الانتداب البريطاني ، إلى اعتراضات المتولين الشرعيين في فترة الاحتلال الإسرائيلي. وتهدف هذه الملاحق إلى توثيق امتداد الوقف، وحمايته، والمخاطر التي تعرض لها عبر العقود. يقول الأكاديمي محمد رضوان إن هذه الملاحق جاءت لتعزيز الجانب التوثيقي في هذا الموضوع، وهي عبارة عن رسوم (عقود) ونصوص لتلك الوقفيات، من بينها نص وثيقة وقف أبي مدين، ونص وثيقة المصمودي، والوثيقة المتضمنة لأمر حاكم الشام بعد تغيير وقفية أبي مدين، وقرار متولي أوقاف المغاربة بعدم الخضوع لتغيير المعهود. لكن من أهم ملاحق هذا الكتاب الملحق السابع الذي يتضمن العقارات التي هُدّمت في حي المغاربة (وهو من أكبر أوقافهم) في صيف 1967م، وفي هذا الملحق بيان في وصف العقار، واسم ساكنه، وعدد غرفه. تاريخ الطبع: 2020 عن شمس برينت – سلا الحجم: متوسط، عدد الصفحات 110

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store