مشروع 'ممر داود' الصهيوني وإسقاطاته الخطيرة على العراق! عادل الجبوري
مشروع 'ممر داود' الصهيوني وإسقاطاته الخطيرة على العراق!
عادل الجبوري
قبل بضعة أيام، بثّت القناة 12 'الإسرائيلية' تقريرًا مفصلًا عما يسمّى بمشروع 'ممر داود' من حيث مساراته الجغرافية وأهدافه وأبعاده الإستراتيجية، حيث أظهرت الخرائط التي تضمنها التقرير وصول المشروع إلى عمق الأراضي العراقية، لينتهي عند نهر الفرات، وربما أبعد من ذلك.
ولم تكن القناة المذكورة، هي المصدر الأول للحديث عن 'ممر داود' والكشف عن الكثير من تفاصيله، بل إن أوساطًا وشخصيات سياسية وعسكرية وأمنية 'إسرائيلية'، أسهبت خلال الشهور القلائل الماضية في الترويج والتنظير والتبشير به، وليتحول الكلام النظري بعد سقوط النظام السوري في الثامن من شهر كانون الأول – ديسمبر 2024 إلى تطبيقات وممارسات عملية على أرض الواقع، عبر استغلال مظاهر الفوضى وغياب السلطة المركزية القوية، وتراجع وانحسار دور وحضور وتأثير قوى وأطراف إقليمية ودولية، ارتباطًا بتداعيات التغييرات الدراماتيكية السريعة في المشهد السوري.
وكان من بين التطبيقات والممارسات العملية لمشروع 'ممر داود' على أرض الواقع، دخول الجيش الصهيوني إلى عمق الأراضي السورية، ووصوله إلى تخوم العاصمة دمشق، وقيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير العديد من المنشآت العسكرية والاقتصادية الإستراتيجية في سورية، من مخازن أسلحة وقواعد عسكرية ومصانع ومعامل، ناهيك عن دخول جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) بقوة إلى سورية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية، وكذلك عبر التنسيق مع السلطات الجديدة هناك.
وبدلًا من أن يكون الجيش الصهيوني محاصرًا ومهدّدًا وقلقًا في مرتفعات الجولان، توسع وتمدد ميدانيًا، وبات اليوم يصول ويجول في مساحات غير قليلة من الجغرافيا السورية، بلا رادع، ليقترب بقدر أكبر من العراق.
خلاصة مشروع 'ممر داود' الذي يعد جزءًا من التشويهات الدينية التأريخية للكيان الصهيوني، تتمثل في جانب منها بالامتداد من النيل إلى الفرات، وهذا يقتضي تدمير وتخريب وتقسيم وإخضاع ثلاث دول عربية كبيرة ومؤثرة، هي مصر وسورية والعراق. ويرى ساسة الكيان الغاصب أنهم نجحوا نسبيًا في إخضاع مصر وسلبها زمام المبادرة من خلال إبرام اتفاق كامب ديفيد قبل سبعة وأربعين عامًا، وأصبحت الطريق أمامهم سالكة لإنهاء الدولة السورية، وتحويلها إلى دويلات متناحرة ومتصارعة في ما بينها، ليؤسس له وجودًا هناك، يتيح له الوصول إلى العراق، بمساعدة ومباركة الولايات المتحدة الأميركية، وأطراف أخرى، كأن تكون دولًا ومنظمات وأحزاب وشخصيات.
وإذا كانت مشاريع ومخطّطات إغراق العراق بالفوضى والعنف والإرهاب بواسطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، كالقاعدة و'داعش' قد باءت بالفشل، فإن الدوائر الخارجية – الأميركية والصهيونية بالتحديد – لن تستسلم وتيأس، بل إنها سوف تبقى تجّب وتحاول، مثلما جربت وحاولت في السابق. ولعل 'ممر داود' لايختلف كثيرًا من حيث الجوهر والمضمون عن مشروع 'الشرق الأوسط الكبير'، أو مشروع 'صفقة القرن'، أو عموم ما يطلق عليه بـ'السلام الإبراهيمي'.
ولا شك أن المخطّطات والمشاريع الصهيونية التي تستهدف تفكيك وحدة العراق، وتقسيمه وتشظيته جغرافيًا، وبث الفتن والصراعات بين مكوناته، تعود إلى المراحل الأولى لتأسيس الكيان الغاصب قبل نحو ثمانية عقود من الزمن، وقد تصاعدت وتيرة تلك المخطّطات والمشاريع بعد خضوع العراق للاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أن عوامل وظروف عديدة ساهمت في أحباط وإفشال كلّ ما سعت إليه 'تل أبيب' ومعها واشنطن وعواصم إقليمية ودولية أخرى، من بينها وجود المرجعيات الدينية، والوعي المجتمعي، ووجود الغالبية الضامنة، وطبيعة العلاقات الرصينة مع جهات صديقة.
وبينما تواجه سورية اليوم تحديات وتهديدات كبيرة للغاية، وتبدو الصورة ضبابية ومشوشة فيها إلى حد كبير، فإن العراق نجح أيّما نجاح سابقًا في التغلب على ذات التحديات والتهديدات، وتحويلها إلى فرص وآفاق واعدة. بيد أن ذلك لا يعني أن الأمور باتت على ما يرام بالكامل، انطلاقًا من جملة حقائق لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ومن بين تلك الحقائق:
– إنّ الأمن القومي العراقي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي لجيرانه وعموم محيطه الإقليمي، لذا فإن أي اضطراب وفوضى سواء في سورية أو غيرها من دول الجوار الجغرافي، لا بد أن تنعكس سلبًا على أمن العراق، وهو ما يتطلب التحسب لذلك كثيرًا.
– وبما أنّ مخطّطات ومشاريع الكيان الصهيوني التوسعي، تكاد تكون واحدة حيال كلّ دول وشعوب المنطقة، فإن نجاحها – أي المخطّطات والمشاريع الصهيونية – في دولة ما لا يعني انتهاء الأمر عند ذلك الحد، وإنما على العكس، يعني التحفز والاندفاع بوتيرة وإيقاع أكبر نحو الأمام. ووصول الكيان الصهيوني إلى سورية، لا بد أن يشجعه على ضع العراق في سلم أولوياته للمراحل اللاحقة.
– وجود نقاط التقاء وتقارب وتماثل في المصالح والأهداف بين الكيان الصهيوني والتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي عاثت في الأرض فسادًا في العراق قبل خمسة عشر أو عشرين عامًا، والتي أصبحت تحكم سورية اليوم.
فالجماعات والتتظيمات الإرهابية التكفيرية تحلم بالعودة إلى خلط الأوراق مجددًا في العراق، وأكثر من ذلك، ربما رفع وصول هيئة تحرير الشام إلى مقاليد الحكم في سورية، من سقف طموحاتها ومطامعها وإمكانية تكرار سيناريو عام 2014 انطلاقًا من الموصل أو من أي محافظة عراقية أخرى.
في ذات الوقت، فإنّ الكيان الصهيوني، يسعى جاهدًا لاختراق الجغرافيا العراقية وتفكيكها وتشظيتها وتقسيمها عمليًا، وبالتالي الاقتراب أكثر فأكثر من إتمام هدفه الإستراتيجي المتمثل بتدمير وتخريب وإخضاع مصر وسورية والعراق، وفوق ذلك، الاقتراب من إيران والعمل على محاصرتها، وإضعاف محور المقاومة.
هذا التلاقي والتوافق في المصالح والأهداف بين 'تل أبيب' والتنظيمات الإرهابية، يعني في ما يعنيه، أن العراق واقع في بؤرة الاستهداف ضمن مشروع تفتيت المنطقة وتوسيع مساحات الكيان الصهيوني وهيمنة ونفوذه، وهذا ما ينبغي التنبه إليه والحذر منه، رغم أن مجمل الدلائل والمؤشرات والمعطيات، تؤكد أن وضع العراق الأمني والسياسي والمجتمعي اليوم يختلف كثيرًا عما كان عليه في عام 2014 وما قبله.
2025-03-22
The post مشروع 'ممر داود' الصهيوني وإسقاطاته الخطيرة على العراق! عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الزمان
المخطّطات الإسرائيلية لإختراق الجغرافيا العراقية
انشغلت اوساط ومحافل سياسية وامنية وإعلامية عراقية وغير عراقية في في الآونة الأخيرة، بالحديث عن مخططات إسرائيلية لتحقيق اختراقات في الجغرافيا العراقية، وتوسيع نفوذ ووجود الكيان الصهيوني في المنطقة، عبر استغلال متغيرات الأوضاع في سوريا، بعد رحيل نظام الرئيس السابق بشار الأسد، واستحواذ «جبهة تحرير الشام» على مقاليد الحكم هناك. لم يأت الحديث عن المخططات الإسرائيلية من فراغ، وانما ارتبط بترويج سياسي واعلامي كبير، ربما يكون مقصودا من حيث التوقيت، من قبل الكيان الصهيوني، لما يطلق عليه مشروع «ممر داود»، الذي يراد من ورائه الوصول برا الى العراق عبر سوريا. واذا لم يكن ذلك المشروع في سياقاته النظرية، وليد لحظة «الانقلاب» السوري الدراماتيكي والسريع، فإن ما حصل في دمشق فجر الثامن من كانون الأول-ديسمبر الماضي وما بعده، هيأ الارضيات والمناخات المناسبة لمراكز القرار الإسرائيلي، وحفزها للعمل بوتيرة متصاعدة للانتقال من مرحلة التنظير للمشروع الى التطبيقات العملية له على الأرض. وتجلت الملامح والمؤشرات الأولية للتطبيقات والممارسات العملية لمشروع «ممر داود» بدخول الجيش الصهيوني الى عمق الأراضي السورية، ووصوله الى تخوم العاصمة دمشق، وقيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير العديد من المنشات العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في سوريا، من مخازن أسلحة وقواعد عسكرية ومصانع ومعامل، ناهيك عن دخول جهاز المخابرات (الموساد) بقوة الى سوريا بالتنسيق مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية. وتتمثل خلاصة مشروع «ممر داود»، الذي يعد جزءا من التشويهات الدينية التأريخية للكيان الصهيوني، في جانب منها، بالامتداد من النيل الى الفرات، وهذا يقتضي تدمير وتخريب وتقسيم وإخضاع ثلاث دول عربية كبيرة ومؤثرة، هي مصر وسوريا والعراق. ويرى ساسة الكيان الغاصب انهم نجحوا نسبيا بإخضاع مصر وسلبها زمام المبادرة من خلال ابرام معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت عام 1978، لتصبح الطريق سالكة امامهم لانهاء الدولة السورية، وتحويلها الى دويلات متناحرة ومتصارعة فيما بينها، ليؤسس له الكيان الصهيوني وجودا هناك، يتيح له الوصول الى العراق، بمساعدة ومباركة اطراف وقوى دولية وإقليمية مختلفة، قد تكون في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية. تنظيمات ارهابية ولعل مشاريع ومخططات اغراق العراق بالفوضى والعنف والإرهاب بواسطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، كـ»القاعدة» و»داعش» قد باءت بالفشل، وهو ما دفع بعض الدوائر الغربية والصهيونية الى ان تجرب وتحاول تنفيذ مشاريع ومخططات اخرى، مثلما جربت وحاولت في السابق. وقد لايحتلف «ممر داود» كثيرا من حيث الجوهر والمضمون عن مشاريع من قبيل «الشرق الأوسط الكبير»، و»صفقة القرن»، او عموم ما يسمى بـ»السلام الابراهيمي»، تلك المشاريع التي تحركت بوتيرة سريعة نوعا ما قبل خمسة أعوام، بيد ان معركة «طوفان الأقصى»، التي اندلعت في السابع من تشرين الأول-أكتوبر 2023، عرقلتها وخلطت وبعثرت اوراقها.ولاشك ان المخططات والمشاريع الصهيونية التي استهدفت، ومازالت تستهدف، وحدة العراق، والسعي المحموم لتقسيمه وتشضيته جغرافيا، وبث الفتن والصراعات بين مكوناته، تعود الى المراحل الأولى لتأسيس الكيان الغاصب قبل حوالي ثمانية عقود من الزمن، وقد تصاعدت وتائر تلك المخططات والمشاريع بعد خضوع العراق للاحتلال الأميركي عام 2003، الا ان عوامل وظروف عديدة ساهمت بأحباط وافشال كل ما سعت اليه تل ابيب ومعها واشنطن وعواصم إقليمية ودولية أخرى. ومن تلك العوامل والظروف، وجود المرجعيات الدينية، وتنامي الوعي المجتمعي، ووجود الغالبية الضامنة، وطبيعة العلاقات الرصينة مع جهات صديقة. وبينما تواجه سوريا اليوم تحديات وتهديدات كبيرة للغاية، وتبدو الصورة ضبابية ومشوشة فيها الى حد كبير، لاسيما في ظل تقاطع وتصادم الارادات والاجندات والمشاريع الخارجية فيها، فأن العراق نجح الى حد كبير سابقا في التغلب على ذات التحديات والتهديدات، وتحويلها الى فرص وافاق واعدة. بيد ان ذلك لايعني ان الأمور باتت على ما يرام بالكامل، انطلاقا من جملة حقائق لابد من اخذها بعين الاعتبار، لعل من بينها: امن قومي -ان الامن القومي العراقي مرتبط ارتباطا وثيقا بالامن القومي لجيرانه ولعموم محيطه الإقليمي، لذا فأن أي اضطراب وفوضى سواء في سوريا او غيرها من دول الجوار والامتداد الجغرافي، لابد ان تنعكس سلبا على امن العراق، والمؤشرات والمعطيات والدلائل على ذلك ليست قليلة، ولا عابرة، ولا غامضة. -وبما ان مخططات ومشاريع الكيان الصهيوني التوسعي، تكاد تكون واحدة حيال كل دول وشعوب المنطقة، فإن نجاحها في دولة ما لا يعني انتهاء الامر عند ذلك الحد، وانما على العكس، يعني التحفز والاندفاع بوتيرة اسرع وايقاع اكبر نحو الامام. ووصول الكيان الصهيوني الى سوريا، لابد ان تجعله يضع العراق في سلم أولوياته خلال المراحل اللاحقة. -وجود نقاط التقاء وتقارب وتماثل في المصالح والاهداف بين الكيان الصهيوني والتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي عاثت في الأرض فسادا في العراق على امتداد عقد ونصف العقد من الزمن، والتي أصبح البعض منها يمسك بزمام الحكم في سوريا اليوم. وهذا التلاقي والتوافق في المصالح والاهداف بين تل ابيب والتنظيمات الإرهابية، يعني فيما يعنيه، ان العراق واقع في بؤرة الاستهداف ضمن مشروع تفتيت المنطقة وتوسيع مساحات نفوذ وهيمنة الكيان الصهيوني، وهذا ما ينبغي التنبه اليه والحذر منه، رغم ان مجمل الحقائق على الأرض، تؤكد ان اوضاع العراق الأمنية والسياسية والمجتمعية تختلف اليوم كثيرا عما كانت عليه خلال الفترة المحصورة بين سقوط نظام صدام، ربيع 2003، وهزيمة تنظيم داعش، نهاية 2017. كذلك تؤكد الحقائق، ان متغيرات وتفاعلات المشهد الإقليمي، لابد ان تلقي بظلالها وانعكاساتها على العراق، بالسلب والايجاب على السواء، وهي بلا شك، متغيرات وتفاعلات على قدر كبير من الأهمية والحساسية والخطورة.


ساحة التحرير
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح! عادل الجبوري منذ اللحظات الأولى للانقلاب الكبير في منظومة الحكم السورية، في الثامن من شهر كانون الأول-ديسمبر 2024، والمتمثل بسقوط نظام حزب البعث بزعامة بشار الأسد، واستحواذ جبهة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على مقاليد الأمور، لم يتوقف الجدل والسجال الحاد في العراق بخصوص الآلية السليمة للتعاطي مع الوضع الجديد بالشكل الذي يجنّب البلاد الانزلاق، مرة أخرى، إلى مستنقع الإرهاب والفوضى، بعدما راح يتعافى ويستقر شيئا فشيئا. لم يكن العراق بعيدًا عن تفاعلات المواقف والتوجهات الإقليمية والدولية المرتبكة حيال سوريا الجديدة، لقد كانت تداعيات وإسقاطات المأزق السوري أكثر وطأة وتأثيرًا وقلقُا عليه من أطراف أخرى، بحكم الجوار الجغرافي والتراكمات التأريخية البعيدة والقريبة، والممتدة لستة عقود من الزمن، والتي ربما كانت وقائع وأحداث العقدين المنصرمين هي الأشد والأصعب ممّا سبقها. لقد برز اتجاهان متقاطعان، في بغداد، للتعاطي مع دمشق، بعد الثامن من كانون الأول-ديسمبر 2024. الاتجاه الأول؛ بدا أنّه ذو طابع رسمي، أو شبه رسمي، عكسته مواقف الحكومة العراقية، وتمثل بمدّ بعض خيوط التواصل المباشر وغير المباشر مع السلطات الحاكمة في دمشق، انطلاقا من جملة حقائق ومسوّغات، من بينها السعي للحؤول دون اندلاع صراع داخلي، يكون أحد ضحاياه المكوّن العلوي، من دون أن يعني ذلك عدم الحرص على المكونات الأخرى. ولكن؛ لأنّ ذلك المكون قد يكون المستهدف الأكبر لأسباب سياسية وعقدية، ربما تتجاوز حدود الجغرافيا السورية، وكذلك لدفع خطر تنظيم داعش الإرهابي عن العراق، إلى جانب تداخل المصالح والحسابات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين العراق وسوريا. والأهم من هذا وذاك، هو العمل على منع توسع نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة وسوريا، من خلال بنائه علاقات جيدة مع النظام السياسي الجديد في دمشق. لقد اتضحت تلك الحقائق والمسوّغات، في تصريحات عديدة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومسؤولين حكوميين وساسة عراقيين، فضلاً عن الحراك ذي الطابع الأمني والدبلوماسي بين بغداد ودمشق، والذي تمثل في جانب منه بزيارتين قام بهما رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى سوريا- الأولى في أواخر العام الماضي والثانية في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الجاري- فضلاً عن زيارات غير رسمية لشخصيات سياسية مقربة من السوداني، إلى جانب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للعراق، في منتصف شهر أذار/ مارس الماضي. لعلّ التطور الأهم، في ذلك الحراك، تمثل باللقاء الذي جمع السوداني بالشرع، برعاية وحضور أمير قطر تميم بن حمد بالدوحة في السابع عشر من شهر نيسان/أبريل الجاري. وقبل ذلك بيوم واحد، كان السوداني قد أعلن، في كلمة له في ملتقى السليمانية، توجيه دعوة رسمية للشرع للمشاركة في القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد في السابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل. هذا الأمر أثار الكثير من اللغط والجدل، في المحافل السياسية والأوساط الشعبية العراقية، مع أن السوداني شرح وأوضح بالتفصيل متبنيات الموقف العراقي حيال سوريا الجديدة، علمًا أنه في كل اللقاءات التي حصلت بين الطرفين غابت الأجواء الودية إلى حد كبير، والتي يفترض أن تكون حاضرة في ظل توفر الظروف الطبيعية والعلاقات البناءة. في هذا السياق تحديدًا؛ عند لقاء السوداني بالشرع ودعوته لحضور القمة العربية في بغداد، تبلورت وبرزت رؤية الاتجاه الثاني بدرجة أكبر، وهو الرافض لأي تعاطي إيجابي مع الشرع. وذلك لأسباب ومسوّغات عديدة، لعل أهمها وأبرزها: أنّ الأخير متورط وضالع بارتكاب عمليات إرهابية في العراق، قبل خمسة عشر عامًا أو أكثر، حينما كان عنصرًا بارزًا في تنظيم القاعدة الإرهابي، وبحسب ما يقال هناك ملف قضائي بشأنه، وهو مدان ومطلوب للقضاء العراقي. وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن التعامل والتصالح، بأي شكل من الأشكال، مع شخص إرهابي، ملطخة يديه بدماء العراقيين الأبرياء، يعدّ خيانة واستخفافًا بأرواح الضحايا ودمائها. هذا فضلًا عن أن المجازر التي ارتكبت، قبل بضعة أسابيع ضد أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل السوري، تؤشر إلى أن منهج الحكم الجديد يقوم على أسس تكفيرية إجرامية، تستهدف إلغاء الآخر والقضاء عليه، بدلًا من التعايش والتصالح معه. بين هذين الاتجاهين؛ هناك من يرى ويعتقد بضرورة التأني والترقب لبعض الوقت، قبل اتخاذ أي مسار؛ لأنّ الصورة ما تزال غامضة ومشوشة، والأوضاع مرتبكة وقلقة، ومواقف دمشق غير متبلورة وناضجة بالقدر الكافي. هذه الرؤية تقترب كثيرًا من حراك الاتجاه الأول، وبيد أنها تتمحور في فكرة التحرك المحسوب والحذر، والتي تقوم على دراسة وبحث كل خطوة بعناية، وتشخيص مجمل أبعادها الإيجابية والسلبية، قبل الذهاب إلى الخطوة الثانية، وهكذا. في هذا الاطار؛ قد يبدو العراق أمام أحد خيارين، إما أن يعدّ ما حصل في سوريا هو شأن داخلي، وعليه أن يتعامل ويتحاور مع أصحاب القرار هناك بخصوص الملفات والقضايا المشتركة، في ضوء مصالحه الوطنية، مثل ملفات: مواجهة الإرهاب الداعشي، تأمين الحدود، تأمين حياة المواطنين العراقيين المقيمين في سوريا، التبادل التجاري وملفات اخرى. وممّا لا شك فيه أن ذلك الخيار الواقعي يمكن أن يجنّب البلاد الكثير من المشكلات والأزمات، في الوقت ذاته يجعل الحكومة العراقية قادرة على القيام بمبادرات إيجابية في الداخل السوري، لتنعكس بدورها على الداخل العراقي. أما الخيار الثاني؛ فيتمثل في أن منظومة الحكم الجديد في سوريا، ابتداءً من رئيسها، هي منظومة إرهابية من غير الممكن التعامل والتواصل معها سياسيًا، وحينذاك يكون البديل الذهاب إلى خيار المواجهة معها بمسارات مفتوحة ونهايات مجهولة. في الوقت ذاته؛ لا يمكن- ومن غير الصحيح- للعراق أن يطوي صفحات الماضي، وكأنّ شيئا لم يكن، إذ ليس صحيحًا أن يتجاهل حقائق الواقع وضرورات المصالح الوطنية العامة ومقتضيات الاستقرار الإقليمي، وكل ذلك لن يتحقق بتجاهل بعض الأمور على حساب أمور أخرى، أو التركيز على بعضها وإهمال البعض الآخر. أضف إلى ذلك؛ أنّه من الصعب بمكان القفز فوق حقيقة أن ملفات المنطقة كلها متداخلة ومتشابكة، وكل ملف يؤثر في الآخر ويتأثر به. 2025-04-27 The post جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.


موقع كتابات
١١-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
المخططات الاسرائيلية لاختراق الجغرافيا العراقية
انشغلت اوساط ومحافل سياسية وامنية وإعلامية عراقية وغير عراقية في في الآونة الأخيرة، بالحديث عن مخططات إسرائيلية لتحقيق اختراقات في الجغرافيا العراقية، وتوسيع نفوذ ووجود الكيان الصهيوني في المنطقة، عبر استغلال متغيرات الأوضاع في سوريا، بعد رحيل نظام الرئيس السابق بشار الأسد، واستحواذ 'جبهة تحرير الشام' على مقاليد الحكم هناك. لم يأت الحديث عن المخططات الإسرائيلية من فراغ، وانما ارتبط بترويج سياسي واعلامي كبير، ربما يكون مقصودا من حيث التوقيت، من قبل الكيان الصهيوني، لما يطلق عليه مشروع 'ممر داود'، الذي يراد من ورائه الوصول برا الى العراق عبر سوريا. واذا لم يكن ذلك المشروع في سياقاته النظرية، وليد لحظة 'الانقلاب' السوري الدراماتيكي والسريع، فإن ما حصل في دمشق فجر الثامن من كانون الأول-ديسمبر الماضي وما بعده، هيأ الارضيات والمناخات المناسبة لمراكز القرار الإسرائيلي، وحفزها للعمل بوتيرة متصاعدة للانتقال من مرحلة التنظير للمشروع الى التطبيقات العملية له على الأرض. وتجلت الملامح والمؤشرات الأولية للتطبيقات والممارسات العملية لمشروع 'ممر داود' بدخول الجيش الصهيوني الى عمق الأراضي السورية، ووصوله الى تخوم العاصمة دمشق، وقيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير العديد من المنشات العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في سوريا، من مخازن أسلحة وقواعد عسكرية ومصانع ومعامل، ناهيك عن دخول جهاز المخابرات (الموساد) بقوة الى سوريا بالتنسيق مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية. وتتمثل خلاصة مشروع 'ممر داود'، الذي يعد جزءا من التشويهات الدينية التأريخية للكيان الصهيوني، في جانب منها، بالامتداد من النيل الى الفرات، وهذا يقتضي تدمير وتخريب وتقسيم وإخضاع ثلاث دول عربية كبيرة ومؤثرة، هي مصر وسوريا والعراق. ويرى ساسة الكيان الغاصب انهم نجحوا نسبيا بإخضاع مصر وسلبها زمام المبادرة من خلال ابرام معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت عام 1978، لتصبح الطريق سالكة امامهم لانهاء الدولة السورية، وتحويلها الى دويلات متناحرة ومتصارعة فيما بينها، ليؤسس له الكيان الصهيوني وجودا هناك، يتيح له الوصول الى العراق، بمساعدة ومباركة اطراف وقوى دولية وإقليمية مختلفة، قد تكون في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية. ولعل مشاريع ومخططات اغراق العراق بالفوضى والعنف والإرهاب بواسطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، كـ'القاعدة' و'داعش' قد باءت بالفشل، وهو ما دفع بعض الدوائر الغربية والصهيونية الى ان تجرب وتحاول تنفيذ مشاريع ومخططات اخرى، مثلما جربت وحاولت في السابق. وقد لايحتلف 'ممر داود' كثيرا من حيث الجوهر والمضمون عن مشاريع من قبيل 'الشرق الأوسط الكبير'، و'صفقة القرن'، او عموم ما يسمى بـ'السلام الابراهيمي'، تلك المشاريع التي تحركت بوتيرة سريعة نوعا ما قبل خمسة أعوام، بيد ان معركة 'طوفان الأقصى'، التي اندلعت في السابع من تشرين الأول-أكتوبر 2023، عرقلتها وخلطت وبعثرت اوراقها. ولاشك ان المخططات والمشاريع الصهيونية التي استهدفت، ومازالت تستهدف، وحدة العراق، والسعي المحموم لتقسيمه وتشضيته جغرافيا، وبث الفتن والصراعات بين مكوناته، تعود الى المراحل الأولى لتأسيس الكيان الغاصب قبل حوالي ثمانية عقود من الزمن، وقد تصاعدت وتائر تلك المخططات والمشاريع بعد خضوع العراق للاحتلال الأميركي عام 2003، الا ان عوامل وظروف عديدة ساهمت بأحباط وافشال كل ما سعت اليه تل ابيب ومعها واشنطن وعواصم إقليمية ودولية أخرى. ومن تلك العوامل والظروف، وجود المرجعيات الدينية، وتنامي الوعي المجتمعي، ووجود الغالبية الضامنة، وطبيعة العلاقات الرصينة مع جهات صديقة. وبينما تواجه سوريا اليوم تحديات وتهديدات كبيرة للغاية، وتبدو الصورة ضبابية ومشوشة فيها الى حد كبير، لاسيما في ظل تقاطع وتصادم الارادات والاجندات والمشاريع الخارجية فيها، فأن العراق نجح الى حد كبير سابقا في التغلب على ذات التحديات والتهديدات، وتحويلها الى فرص وافاق واعدة. بيد ان ذلك لايعني ان الأمور باتت على ما يرام بالكامل، انطلاقا من جملة حقائق لابد من اخذها بعين الاعتبار، لعل من بينها: -ان الامن القومي العراقي مرتبط ارتباطا وثيقا بالامن القومي لجيرانه ولعموم محيطه الإقليمي، لذا فأن أي اضطراب وفوضى سواء في سوريا او غيرها من دول الجوار والامتداد الجغرافي، لابد ان تنعكس سلبا على امن العراق، والمؤشرات والمعطيات والدلائل على ذلك ليست قليلة، ولا عابرة، ولا غامضة. -وبما ان مخططات ومشاريع الكيان الصهيوني التوسعي، تكاد تكون واحدة حيال كل دول وشعوب المنطقة، فإن نجاحها في دولة ما لا يعني انتهاء الامر عند ذلك الحد، وانما على العكس، يعني التحفز والاندفاع بوتيرة اسرع وايقاع اكبر نحو الامام. ووصول الكيان الصهيوني الى سوريا، لابد ان تجعله يضع العراق في سلم أولوياته خلال المراحل اللاحقة. -وجود نقاط التقاء وتقارب وتماثل في المصالح والاهداف بين الكيان الصهيوني والتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي عاثت في الأرض فسادا في العراق على امتداد عقد ونصف العقد من الزمن، والتي أصبح البعض منها يمسك بزمام الحكم في سوريا اليوم. وهذا التلاقي والتوافق في المصالح والاهداف بين تل ابيب والتنظيمات الإرهابية، يعني فيما يعنيه، ان العراق واقع في بؤرة الاستهداف ضمن مشروع تفتيت المنطقة وتوسيع مساحات نفوذ وهيمنة الكيان الصهيوني، وهذا ما ينبغي التنبه اليه والحذر منه، رغم ان مجمل الحقائق على الأرض، تؤكد ان اوضاع العراق الأمنية والسياسية والمجتمعية تختلف اليوم كثيرا عما كانت عليه خلال الفترة المحصورة بين سقوط نظام صدام، ربيع 2003، وهزيمة تنظيم داعش، نهاية 2017. كذلك تؤكد الحقائق، ان متغيرات وتفاعلات المشهد الإقليمي، لابد ان تلقي بظلالها وانعكاساتها على العراق، بالسلب والايجاب على السواء، وهي بلا شك، متغيرات وتفاعلات على قدر كبير من الأهمية والحساسية والخطورة.