logo
التوازن المعقد للزراعة.. إطعام العالم دون الإضرار بالطبيعة

التوازن المعقد للزراعة.. إطعام العالم دون الإضرار بالطبيعة

الجزيرة٠٦-٠٥-٢٠٢٥

تعد الزراعة أحد المحركات الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجي، وتشير العديد من التوقعات إلى أن فقدان التنوع البيولوجي بسبب الزراعة قد يستمر حتى في ظل السيناريوهات الطموحة التي تتضمن جهودا للحد من الطلب المستقبلي على المنتجات الزراعية.
ومع تفاقم أزمة المناخ وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، يواجه المجتمع الدولي أسئلة صعبة تتعلق بكيفية إنتاج غذاء كاف دون المساس بالتنوع البيولوجي والحفاظ على الطبيعة مع استمرار تغذية مليارات البشر.
وتُوضح دراسة نشرت في مجلة "نيتشر" أن إحداث توازن بين الطلب العالمي المتزايد على الغذاء والحفاظ على الطبيعة وتنوعها ليس بالأمر السهل، وأن إطعام العالم ليس مجرد تحد تقني، بل هو تحد بيئي عميق. وستحدد كيفية استجابة العالم له الوضع الذي سترثه الأجيال القادمة.
وغالبا ما يناقش دعاة حماية البيئة وصانعو السياسات إستراتيجيتين رئيسيتين لتعزيز إنتاج الغذاء. الأولى هي التوسع، أي إخلاء المزيد من الأراضي للزراعة. والثانية هي التكثيف، أي زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية القائمة من خلال ممارسات عالية الاستهلاك، مثل المبيدات الحشرية والأسمدة والري.
وضمن هذه المقاربة، استخدمت الدراسة -التي قادتها الدكتورة سيلفيا تشاوشو في مركز أبحاث التنوع البيولوجي والبيئة بجامعة لندن- مجموعة كبيرة من البيانات العالمية، وقام الباحثون بتحليل أنماط التنوع البيولوجي حول المزارع التي تنتج الذرة والقمح والأرز وفول الصويا، وهي المحاصيل التي تشكل أكثر من نصف السعرات الحرارية التي يتناولها العالم.
وركّز الخبراء على المناطق التي بقيت فيها بعض النباتات الطبيعية، باستثناء المناطق البرية البكر. ثم قيّموا التنوع البيولوجي من حيث ثراء الأنواع، ووفرتها الإجمالية، ومدى انتشارها.
وكشفت النتائج أن التوسع والتكثيف يلحقان ضررا بالتنوع البيولوجي، إلا أن مدى الضرر يختلف باختلاف المنطقة ونوع المحصول والغطاء النباتي الموجود. ففي بعض المناطق، أضر التكثيف بالنظم البيئية المحلية أكثر من تحويل الأراضي الجديدة.
وغالبا ما تهدف السياسات التي تحاول تقليل تكلفة التنوع البيولوجي للزراعة إلى تقليل توسع الأراضي الزراعية من خلال زيادة المحاصيل على الأراضي الزراعية القائمة.
ويسود الاعتقاد بأن هذا التكثيف أقل ضررا بالتنوع البيولوجي. فهو يَعِد بتوفير المزيد من الغذاء من الأرض نفسها، مما يُجنب النظم البيئية الطبيعية خطر التحوّل. لكن الدراسة تكشف أن هذا الافتراض قد لا يكون صحيحا دائما، ودعت إلى إستراتيجية أكثر مرونة ووعيا في السياسات الزراعية والحفاظ على البيئة.
وتقول الدكتورة سيلفيا تشاوشو إن "إطعام سكان العالم يأتي بتكلفة متزايدة على التنوع البيولوجي لكوكبنا. ويشير بحثنا الجديد إلى أن الأمر في الواقع أكثر تعقيدا من ذلك".
ويشجع التخطيط الزراعي الحديث على "سد فجوات المحاصيل"، أي زيادة الإنتاج في المناطق التي تقل فيها المحاصيل عن إمكاناتها. ويكمن المنطق في تقليل الحاجة إلى توسيع الأراضي. لكن هذه الدراسة الجديدة تُظهر أن القيام بذلك قد يترتب عليه عواقب بيئية وخيمة أيضا.
وأشارت تشاوشو إلى أن "توسع الأراضي الزراعية يحدث تغييرا جذريا في التنوع البيولوجي المحلي. ومع ذلك، فبمجرد ترسيخ الزراعة، قد يؤدي تكثيف الممارسات الزراعية إلى تدهور التنوع البيولوجي المحلي بشكل أكبر، وأحيانا أكثر من إزالة المزيد من النباتات الطبيعية من المنطقة".
بين التكثيف والتوسع
ومن أبرز استنتاجات الدراسة عدم وجود قاعدة عامة. فكل بيئة طبيعية تختلف عن الأخرى. فما ينجح في الزراعة الأحادية المعتدلة قد يفشل في الزراعة الاستوائية. هذا التباين يجعل تطبيق السياسات العامة بفعالية أمرا صعبا.
وأشار البروفيسور تيم نيوبولد من جامعة لندن إلى أن "الاقتراحات البسيطة مثل تفضيل تكثيف الأراضي الزراعية بدلا من توسيعها ليست فعالة دائما، فلا يوجد حل واحد يناسب الجميع لتحقيق الزراعة المستدامة".
وتشير الدراسة إلى أنه بدلا من الاعتماد على إستراتيجيات الحل الواحد، يجب على صانعي السياسات مراعاة البيانات البيئية والاجتماعية والزراعية المحددة في كل منطقة.
ويشمل ذلك فهم الأنواع المعرضة للخطر، وكيفية عمل النظم البيئية محليا، ونوع النباتات المتبقية حول المزارع، فلا يتعلق الأمر فقط بالمكان وكيفية الزراعة، ولكن أيضا بما يعيش في الجوار، وما قد يختفي مع تكثيف الزراعة.
وإلى جانب الأضرار البيئية، تتناول الدراسة "العواقب التطورية". فمع تزايد شيوع الزراعة المكثفة، تُعيد تشكيل أنظمة بيئية بأكملها، فلا يبقى على قيد الحياة إلا الأنواع القادرة على التكيف مع البيئات المتغيرة. ومع مرور الوقت، يفضي ذلك إلى اختيار سمات عامة، أي تلك التي تزدهر في بيئات مبسطة يديرها الإنسان.
وفي حين لا يؤيد الباحثون توسيع الأراضي الزراعية في الموائل البكر، فإنهم يحذرون من افتراض أن التكثيف مناسب دائما. ففي بعض السياقات، قد يكون التوسع في الأراضي المتدهورة أو الهامشية أقل ضررا من استنزاف المزيد من الإنتاج من المناطق الزراعية الكثيفة.
وقال الدكتور نيوبولد: "نحن لا نقترح توسيع الأراضي الزراعية إلى مناطق طبيعية سليمة، لأن الحفاظ على هذه الموارد الطبيعية غير المعدلة أمر حيوي بالنسبة للكوكب".
ويشير إلى ضرورة تجنب أي توسع جديد في الغابات البكر والأراضي الرطبة والموائل الغنية بالتنوع البيولوجي، حيث يكمن التحدي في تحديد وإدارة الموارد الطبيعية مع تجنب التكثيف الإضافي الذي قد يدفع النظم البيئية إلى تجاوز مرحلة التعافي.
وبالنسبة للمستهلكين، ترى الدراسة أنه من الصعب تتبع مدى استدامة أي منتج غذائي محدد، خاصة مع تفاوت التأثيرات بشكل كبير بين المناطق والمحاصيل.
ويوصي الباحثون بتقليل هدر الطعام وتقليص استهلاك اللحوم، حيث سيؤدي ذلك إلى خفض الطلب الزراعي وتقليل الضغط على التنوع البيولوجي ورغم أن هذه التغيرات قد تبدو صغيرة على المستوى الفردي، فإنها قد تتجمع لتشكل تحولات ذات مغزى عندما يتم تبنيها على نطاق واسع، وفق الدراسة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة
نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة

الجزيرة

timeمنذ 21 ساعات

  • الجزيرة

نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تكشف دراسة حديثة عن الآثار المدمرة التي لحقت بالقطاع الزراعي في غزة، الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، توصل الباحثون في دراسة حديثة منشورة في دورية "ساينس أوف ريموت سينسنج" إلى أن ما بين 64% إلى 70% من حقول المحاصيل الشجرية، و58% من البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية التي تحفظ درجة حرارة محددة للمزروعات)، قد تعرضت للتدمير بحلول سبتمبر/أيلول 2024. هذه النتائج تُظهر حجم الكارثة التي ألمت بقطاع غزة، والتي ستترك آثارًا طويلة الأمد على الأمن الغذائي والقدرة الاقتصادية للسكان. ويقول هي ين، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا، ورئيس مختبر الاستشعار عن بعد وعلوم الأرض بجامعة ولاية "كنت" الأميركية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة في تصريحات حصلت عليها الجزيرة نت: "يُظهر تقييمنا معدلًا مرتفعًا للغاية من الأضرار المباشرة والواسعة النطاق التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة، سواءً مقارنةً بالتصعيدات السابقة هناك في عامي 2014 و2021، أو في سياق تصعيدات أخرى" ويضيف "على سبيل المثال، خلال حرب يوليو وأغسطس عام 2014، تضررت حوالي 1200 دفيئة زراعية في غزة. وهذه المرة، تضرر ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف هذا العدد." أقمار ترصد الكارثة! ويقول ين: "على مدار الأشهر السبعة عشر الماضية، قمنا بتحليل صور الأقمار الصناعية في أنحاء قطاع غزة لتحديد حجم الدمار الزراعي في المنطقة. ويكشف بحثنا المنشور حديثًا ليس فقط عن النطاق الواسع لهذا الدمار، بل أيضًا عن الوتيرة غير المسبوقة المحتملة التي حدث بها. يغطي عملنا الفترة حتى سبتمبر 2024، ولكن تتوفر أيضًا بيانات إضافية حتى يناير 2025." اعتمدت الدراسة على تحليل صور الأقمار الصناعية من نوع "بلانيت سكوب" و"سكاي سات"، والتي توفر دقة تصل إلى 50 سم، مما مكن الباحثين من مراقبة التغيرات في الأراضي الزراعية بدقة عالية. تم استخدام نماذج تعلم آلي لرسم خرائط مفصلة للأراضي الزراعية قبل الحرب وتقييم الأضرار التي لحقت بها خلال السنة الأولى من الحرب على غزة. يضيف ين: "قبل الحرب، كانت الطماطم والفلفل والخيار والفراولة تُزرع في الحقول المفتوحة والبيوت البلاستيكية، وكانت أشجار الزيتون والحمضيات تصطف على طول صفوفها في أنحاء غزة. وتُعد هذه الأشجار تحديدًا تراثًا ثقافيًا مهمًا في المنطقة، وكانت الزراعة جزءًا حيويًا من اقتصاد غزة. كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك هناك يُنتج في القطاع نفسه، وكان الغذاء يُشكل نسبة مماثلة من صادراته." وفقًا للدراسة، غطت المحاصيل الشجرية، مثل الزيتون والحمضيات، حوالي 23% من مساحة قطاع غزة قبل الحرب، أي ما يعادل 8242 هكتارًا. ومع نهاية سبتمبر/أيلول 2024، تضرر ما بين 5305 إلى 5795 هكتارًا من هذه المحاصيل، مع تفاوت كبير بين المحافظات. وقد شهدت مدينة غزة أعلى نسبة تدمير، حيث تضرر أكثر من 90% من المحاصيل الشجرية، تليها محافظة شمال غزة بنسبة 73%. في المقابل، كانت محافظة رفح الأقل تضررًا بنسبة 42%. دفيئات زراعية مدمرة احتوى القطاع على قرابة 7219 دفيئة زراعية قبل الحرب، معظمها يتركز في المناطق الجنوبية والوسطى من القطاع. بحلول سبتمبر 2024، تضررت 58% من هذه الدفيئات، مع تدمير كامل للدفيئات في مدينة غزة وشمال غزة بحلول نهاية عام 2023. بدأ الفريق عمله بتحديد محاصيل الأشجار المتضررة وغير المتضررة بصريًا لتدريب نموذج التعلم الآلي، حتى يتمكن من تحديد ما يبحث عنه. وبعد تشغيل النموذج على جميع بيانات الأقمار الصناعية، راجع الفريق عينة من النتائج للتأكد من دقتها. نظرًا للتباين الكبير في صور الدفيئات الزراعية عبر الأقمار الصناعية، استخدم الفريق طريقة منفصلة لرسم خريطة للأضرار التي لحقت بها. وجد الباحثون أن أكثر من 4 آلاف دفيئة زراعية قد تضررت بحلول سبتمبر/أيلول 2024، وهو ما يمثل أكثر من 55% من إجمالي الدفيئات الزراعية المرصودة قبل الحرب. يضيف ين "في جنوب القطاع، حيث وُجدت معظم الدفيئات الزراعية، كان الدمار مُستمرًا نسبيًا من ديسمبر 2023 فصاعدًا. ولكن في شمال غزة ومدينة غزة، وهما أقصى محافظتين شماليتين من بين المحافظات الخمس في القطاع، كان معظم الضرر قد وقع بالفعل بحلول نوفمبر وديسمبر 2023. وبنهاية فترة دراستنا، كانت جميع الدفيئات الزراعية قد دُمرت." أمن غذائي كارثي تشير الدراسة إلى أن الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للسكان، الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجاتهم الغذائية. قبل الحرب، كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك في غزة يُنتج محليًا، وكانت الزراعة تشكل جزءًا حيويًا من الاقتصاد المحلي. يجدر بالذكر أن الهجمات على الأراضي الزراعية محظورة بموجب القانون الدولي. إذ يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين من خلال (حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم) بأنه جريمة حرب. كما تُعرّف اتفاقيات جنيف هذه المواد التي لا غنى عنها بأنها (المواد الغذائية، والمناطق الزراعية لإنتاجها، والمحاصيل، والثروة الحيوانية، ومرافق وإمدادات مياه الشرب، وأعمال الري). يقول ين "أظهرت نتائجنا أن ما بين 64% و70% من جميع حقول محاصيل الأشجار في غزة قد تضررت. قد يعني ذلك إما تدمير بعض الأشجار، أو إزالة حقل الأشجار بالكامل، أو أي شيء بينهما. وقعت معظم الأضرار خلال الأشهر القليلة الأولى من الحرب في خريف 2023." لن تكون إعادة بناء القطاع الزراعي في غزة مهمة سهلة. فبالإضافة إلى إزالة الأنقاض وإعادة بناء الدفيئات الزراعية، هناك حاجة إلى تنظيف التربة من التلوث المحتمل وإعادة بناء البنية التحتية للري والصرف الصحي وهو ما قد يستغرق جيلًا أو أكثر. إذ تحتاج أشجار الزيتون والحمضيات 5 سنوات أو أكثر لتصبح منتجة، و15 عامًا حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل. ويختتم ين "تقدم دراستنا إحصاءات شفافة حول مدى وتوقيت الأضرار التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة. إلى جانب توثيق آثار الحرب، نأمل أن يُسهم ذلك في جهود إعادة الإعمار الضخمة المطلوبة." وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى الأمل في أن تُسهم هذه البيانات في دفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم سكان غزة ومساعدتهم على تجاوز هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.

التحديات المناخية تعزز فرص الزراعة العمودية
التحديات المناخية تعزز فرص الزراعة العمودية

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

التحديات المناخية تعزز فرص الزراعة العمودية

تشير التقديرات إلى أن أساليب إنتاج الغذاء الحديثة الحالية ستصبح غير مستدامة مع تزايد سكان العالم. وفي الوقت نفسه، يصعّب تغير المناخ زراعة المحاصيل وتربية الماشية وصيد الأسماك بالطرق والأماكن نفسها، مما حتم المرور إلى ما تعرف بالزراعة العمودية. وتزداد حالات الجفاف والفيضانات تواترا وشدة، مما يُشكل تهديدا للأمن الغذائي العالمي، ويزيد من الضغوط على المزارعين ومربي الماشية. ومن المتوقع أن يُؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى تغيير نطاقات موطن العديد من أنواع الأسماك والرخويات، مما قد يُؤدي إلى اختلال النظم البيئية. وفقا لأحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يؤثر الجفاف حاليا على مناطق كثيرة، ويتناقص معدل هطول الأمطار في هذه المناطق. وفي أفريقيا، يعاني ما بين 75 مليونا و250 مليون شخص من نقص المياه للاستخدام المنزلي والزراعة، مما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي للقارة بنسبة 50%. ومن المتوقع أن يستمر هذا التناقص خلال العقود القليلة القادمة. وتتجه الأنظار نحو الزراعة العمودية لتوفير المزيد من المحاصيل سنويا، وتقليل الضغط على المزارع والأراضي الصالحة للزراعة في العالم. فعلى عكس الزراعة التقليدية التي تُزرع فيها المحاصيل في طبقة واحدة، فإن هذه الطريقة المبتكرة لإنتاج الغذاء في طبقات عمودية ومتراصة بالكامل تُناسب مختلف الهياكل، مثل صناديق الشحن أو ناطحات السحاب، وتتمتع بإمكانات هائلة من حيث الإنتاج وخفض الانبعاثات الغذائية. وتستخدم الزراعة العمودية تقنيات زراعية مُتحكما بها بيئيا لتحقيق أقصى استفادة من تقنيات الزراعة الداخلية. تتضمن هذه الطريقة التحكم في درجة الحرارة والإضاءة ومستويات الغاز بشكل اصطناعي، ويمكن إجراؤها جميعا داخليا في مساحات صغيرة أو ضيقة، لذلك يُقارن العديد من المزارعين الزراعة العمودية بالزراعة في البيوت المحمية. وتقوم الزراعة العمودية على أربعة جوانب أساسية يجب مراعاتها، وهي الترتيب المادي، والإضاءة، ووسط النمو، وخصائص الاستدامة، وذلك بهدف زيادة كمية الغذاء المُنتَجة لكل متر مربع. ولتحقيق ذلك، تُزرع المحاصيل في هياكل حية تشبه الأبراج. وللحفاظ على مستوى الإضاءة المثالي في المكان، يُستخدم مزيج من الإضاءة الطبيعية والاصطناعية. وتُحسّن إستراتيجيات مثل أحواض الزراعة الدوارة كفاءة الإضاءة، وبدلًا من التربة تستخدم الزراعة العموديةُ الزراعةَ الهوائية أو المائية أو مواد الزراعة المائية، مثل طحالب "السفاغنوم" وقشور جوز الهند وغيرها من الوسائط غير الترابية. ولموازنة تكاليف الطاقة في الزراعة، تتضمن تقنيات الزراعة العمودية جوانب استدامة متعددة، مثل الزراعة المائية -زراعة النباتات بدون تربة، والزراعة الهوائية- وزراعة الأسماك والنباتات معا في مكان واحد وغيرها. وتشير البيانات إلى انخفاض استهلاك المياه في الزراعة العمودية بنسبة تبلغ 95%. وتستخدم تقنية الزراعة الهوائية الداخلية، وهي طريقة زراعة بدون تربة بنظام ري بالرش يقلل من استهلاك النباتات للمياه بنسبة 95%؛ حيث تُزرع البذور في خرق، وتُستخدم زجاجات بلاستيكية مُعاد تدويرها كحاويات. يستخدم نظام الزراعة الهوائية الداخلية الرأسي للشركة مصابيح "ليد" (LED) تعتمد على أطوال موجية محددة لزيادة كفاءة التمثيل الضوئي للنبات إلى أقصى حد. زراعة مستدامة لا تقتصر فوائد الزراعة العمودية على زيادة إنتاجية المحاصيل الصغيرة فحسب، بل تشمل أيضا بعضا من أهم الطرق التي تُفيد بها بيئتنا من أهمها: إعلان توفير المساحة: يُوفّر تكديس طبقات من النباتات المساحة ويُنتج محاصيل أكثر، وتُتيح المزارع العمودية لأي شخص زراعة محاصيله بنفسه، سواء كان لديه حديقة خلفية أم لا. تقليل استهلاك المياه: تستهلك أنظمة الري الزراعي كميات كبيرة من المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم كفاءة أساليب الري. ستساعد درجات الحرارة المُتحكم بها والأنظمة الذكية على تقليل فاقد المياه واستهلاكها. تنويع المحاصيل: تتيح لك الزراعة العمودية زراعة محاصيل متعددة في آنٍ واحد، وزيادة الإنتاج الغذائي. بيئة مُتحكَم فيها: على عكس الحديقة الخارجية التي تتأثر بتغيرات درجات الحرارة وأشعة الشمس والصقيع، تُتيح لك الزراعة العمودية تحكما أكبر في بيئة نمو النباتات. وهو ما يزيد من فرص نجاح المحصول ويقلِّل من خسائره الناجمة عن الأمراض والطقس القاسي والآفات. ورغم أن الزراعة العمودية قد تبدو حلا ممتازا في المساحات المحدودة، فإنها لا تناسب جميع النباتات، إذ لا يمكن زراعة أي نوع من الخضروات أو الزهور المعمرة، ولا الأشجار والشجيرات. لا يمكن زراعة سوى عدد قليل من المحاصيل الغذائية عموديا نظرا لضيق المساحة واحتياجات النمو، ومع ذلك قد يكون الأمر فارقا. مستقبل الزراعة العمودية يُطلق الكثيرون على الزراعة العمودية اسم "الزراعة المستقبلية"، فمع انتقال جزء كبير من سكان العالم إلى المدن بحلول عام 2050 والتزايد السكاني المستمر، ستزداد الرغبة في التوافق مع البيئة المحيطة، لا سيما فيما يتعلق بالطعام العضوي والطبيعي. ويمكن للزراعة العمودية أن تساعد المحاصيل على الاستعداد لهذا التحدي المستقبلي من خلال الاستخدام الفعال للأراضي والمياه، فهي تقنية زراعية مستدامة تُنتج حلقات زراعية مستقرة دون المساس بالجودة، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا لأن 40% من أراضي العالم قد تدهورت بالفعل، ووفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة. ومن بين الأسباب التي قد تدفع الشركات إلى اعتماد الزراعة العمودية تعزيز سلسلة التوريد، وخفض تكاليف الإنتاج، وتحصيل الإيرادات من المنبع أو المصب، والوصول إلى قنوات توزيع جديدة. وحسب تقرير صادر عن الصندوق العالمي للطبيعة "دبيلو دبيلو إف" (WWF) عام 2020، نما نموذج الزراعة العمودية الداخلية بمعدل سنوي يزيد عن 24% منذ عام 2018، وتشير التقديرات إلى أنها مبيعاتها بلغت 3 مليارات دولار عالميًا بحلول عام 2024. وتُعدّ الولايات المتحدة الأميركية الآن الدولة التي تضم أكبر عدد من المزارع العمودية، في وقت يشهد فيه هذا القطاع ازدهارا في دول آسيوية بما في ذلك اليابان والصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلند. كما توسعت المزارع العمودية في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية.

بعثة علمية تكتشف 866 نوعا بحريا جديدا
بعثة علمية تكتشف 866 نوعا بحريا جديدا

الجزيرة

timeمنذ 4 أيام

  • الجزيرة

بعثة علمية تكتشف 866 نوعا بحريا جديدا

أعلنت بعثة علمية بحرية عن اكتشاف أكثر من 800 نوع من الكائنات البحرية الجديدة الموجودة بأعماق تتراوح بين متر واحد ونحو 5 آلاف متر، ويظهر اكتشاف هذه الأنواع التنوع الهائل للمحطيات، حيث لم يُكتشف حتى الآن إلا نحو 10% من الحياة البحرية. وذكرت مجلة "أسينوغرافيك" (Oceanographic) أن العلماء في مهمة قادتها مؤسسة "نيبون فاونديشن نيكون لتعداد المحيطات" اكتشفوا 866 نوعا جديدا من الكائنات البحرية، بما في ذلك سمكة "قرش الجيثار" ورخويات أعماق البحار ذات إمكانات علاج السرطان، وأول مرجان ثماني الأرجل يتم العثور عليه في جزر المالديف. وأجرت البعثة 10 بعثات عالمية، واستضافت 8 ورش لاكتشاف الأنواع التي شملت أيضا الفراشات البحرية وتنانين الطين و"المرجان الخيزراني" والدببة المائية والروبيان وسرطانات البحر وأسماك الشعاب المرجانية والعناكب البحرية و"نجم البحر الهش"، والعديد من الكائنات الأخرى من عشرات المجموعات التصنيفية. خطوة مهمة لفهم التنوع ويمثل هذا الاكتشاف، حسب البعثة العلمية، "خطوة مهمة" في تعزيز فهمنا للتنوع البيولوجي في المحيطات، إذ قد تستغرق الطرق التقليدية ما يبلغ 14 عاما، لكن هذا الجهد التعاوني الدولي يحدث تغييرا جذريا في هذا النهج. ويسعى مشروع تعداد المحيطات التابع لمؤسسة "نيبون-نيكتون" إلى تغيير طريقة العلماء في تحديد الأنواع البحرية الجديدة من خلال تسريع العملية، في وقت تنقرض فيه أنواع كثيرة قبل توثيقها. وقال ميتسويوكي أونو المدير التنفيذي لمؤسسة نيبون-نيكتون "يغطي المحيط 71% من كوكبنا، ومع ذلك يرجح أنه لم يكتشف إلا 10% من الكائنات البحرية حتى الآن، مما يترك ما يقدر بنحو مليون إلى مليوني نوع غير موثق". وأضاف أن هذه النتائج الأخيرة "تظهر كيف يُمكن للتعاون الدولي أن يُعزز فهمنا للتنوع البيولوجي في المحيطات". وشكلت المهمة جهدا تعاونيا دوليا، ضم حوالي 800 عالم من أكثر من 400 مؤسسة حول العالم، وأُطلق في أبريل/نيسان 2023 بهدف تغيير الأساليب الحالية في استكشاف المحيطات وأنواعها وتسريعها. وأشار أوبو إلى أن هذه الاكتشافات تمثل خطوة مهمة في تعزيز فهمنا للتنوع البيولوجي في المحيطات، إذ إن الأنواع الجديدة البالغ عددها 866 والتي ليست -بحسبه- سوى جزء بسيط من حوالي 100 ألف نوع تسعى المهمة إلى اكتشافها خلال السنوات القادمة، و"إغلاق الثغرات الحرجة في معرفة الحياة تحت الماء قبل فوات الأوان". من جهتها، قالت البروفيسورة لوسي وودال، رئيسة قسم العلوم في هيئة تعداد المحيطات، "يظل عدد كبير جدا من الأنواع مجهول الهوية لسنوات لأن عملية وصفها رسميًا بطيئة للغاية. نحن بحاجة ماسة إلى تغيير هذا الوضع، وإضافة خطوة اكتشاف الأنواع تتيح لنا فرصة البدء السريع في العملية". وأشارت وودال إلى أن "كل نوع جديد، سواء كان سمكة قرش أو إسفنجة، يعمق فهمنا للأنظمة البيئية البحرية، والفوائد التي تقدمها لكوكب الأرض". ومنذ انطلاق المهمة عام 2023، نجح مشروع تعداد المحيطات في ابتكار أساليب جديدة، وبناء شراكات جديدة، وإنشاء شبكة عالمية جديدة من العلماء المشاركين، وتطوير عمليات البحث والاستكشاف. وبدعم من الأمم المتحدة لعلوم المحيطات، أقام مشروع تعداد المحيطات شراكات مماثلة مع معاهد البحوث البحرية الوطنية، والمتاحف، والجامعات، والمنظمات الخيرية، وشركاء في مجال التكنولوجيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store