
إسبانيا تلغي احتفالات 'إنزال الحسيمة'.. حسابات سياسية أم خوف من غضب المغرب؟
العيون الآن.
يوسف بوصولة / العيون.
في خطوة لافتة تحمل دلالات سياسية عميقة قررت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبليس إلغاء جميع الفعاليات التي كان مقررا تنظيمها في 8 شتنبر 2025 بمناسبة الذكرى المئوية لما يعرف بـ'إنزال الحسيمة'، وذلك تفاديا لأي توتر محتمل مع المغرب، وفق ما نقلته صحيفة The Objective عن مصادر داخل هيئة أركان الدفاع الإسباني.
كان الجيش الإسباني قد اقترح إدراج هذه الذكرى ضمن احتفالات عام 2025، بل وتم تخصيص ميزانية خاصة لها باعتبارها أول عملية إنزال برمائي ناجحة في التاريخ العسكري الحديث، نفذتها القوات الإسبانية بمساندة فرنسية خلال حرب الريف (1920-1927).
إلا أن الاقتراح لم يمرر حيث تم إيقافه فور وصوله إلى مكتب وزيرة الدفاع روبليس التي شددت وفق الصحيفة على ضرورة تجنب أي خطوة قد تثير استياء المغرب في ظل طبيعة العلاقات الحساسة بين البلدين. هذا القرار لم يكن معزولا عن سياقه، بل جاء في إطار الزخم السياسي والدبلوماسي غير المسبوق الذي يشهده المغرب في علاقاته الدولية والذي جعل القوى الغربية، بما فيها إسبانيا، تعيد حساباتها في التعامل مع المملكة كشريك استراتيجي لا يمكن تجاهل مصالحه.
لم يكن قرار إسبانيا بإلغاء الاحتفالات مجرد إجراء تكتيكي، بل يعكس تحولا عميقا في إدراك مدريد لحجم التغيرات الجيوسياسية التي أفرزتها السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس. فقد أصبح المغرب فاعلا رئيسيا في المعادلات الإقليمية والدولية، ونقطة وصل بين القارتين الإفريقية والأوروبية، مستفيدا من موقعه الاستراتيجي وقوته الاقتصادية الصاعدة، ودوره المحوري في ملفات أمنية وسياسية حيوية للقوى الكبرى.
على مدى السنوات الأخيرة، تعززت الشراكة المغربية الإسبانية لتشمل مجالات الأمن، والتعاون الاقتصادي، وإدارة تدفقات الهجرة، والتنسيق في قضايا شمال إفريقيا والساحل، وهو ما دفع مدريد إلى تفادي أي خطوة قد تضر بهذا التقارب الاستراتيجي.
لم يعد المغرب مجرد جار جنوبي لإسبانيا، بل تحول إلى قوة إقليمية مؤثرة تحسب لها ألف حساب. فمنذ أن اتخذت مدريد قرارها التاريخي في مارس 2022 بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، بات واضحا أن السياسة الخارجية الإسبانية أصبحت تدار وفق رؤية جديدة تعترف بأهمية الحفاظ على التوازن مع الرباط.
هذا الواقع يفسر لماذا تراجعت مدريد عن إحياء ذكرى حدث تاريخي كان لسنوات يعتبر جزءا من السردية العسكرية الإسبانية، لتؤكد بذلك أن علاقتها بالمغرب لم تعد مجرد علاقات جوار، بل أصبحت قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة، والاحترام المتبادل لمكانة المملكة ودورها الحاسم في استقرار المنطقة.
في الماضي كانت إسبانيا تتعامل مع قضايا حساسة من هذا النوع بمنطق أحادي، دون اعتبار كبير لمواقف المغرب، لكن التحولات الجيوسياسية الأخيرة والدور المتنامي للرباط في القضايا الإقليمية والدولية، جعل من المستحيل المضي في قرارات قد قد تؤثر سلبا على مسار العلاقات الثنائية. لم يعد المغرب ذلك الطرف الذي يمكن تجاهل مواقفه أو تجاوز مصالحه بل أصبح شريكا أساسيا في الملفات الكبرى التي تهم أوروبا وإفريقيا وهو ما جعل إسبانيا تختار البراغماتية السياسية على حساب النزعة الاستعمارية المتقادمة.
تاريخيا شكل 'إنزال الحسيمة' في 8 شتنبر 1925 نقطة تحول في حرب الريف، حيث تمكنت القوات الإسبانية بدعم فرنسي من تحقيق تقدم عسكري بعد مقاومة بطولية قادها الزعيم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي. هذه العملية كانت تدرج ضمن الإنجازات العسكرية الإسبانية، لكن إحياء ذكراها اليوم في ظل التحولات السياسية الحالية كان سيمثل استفزازا مباشرا للمغرب، وتقويضا لأسس التقارب الذي تحقق بين الرباط ومدريد.
قرار الإلغاء لم يكن إذن مجرد مبادرة دبلوماسية معزولة، بل هو رسالة واضحة على أن المغرب أصبح رقما صعبا في معادلات القوى الغربية، وأن أي قرار يتعلق به لا يمكن اتخاذه دون مراعاة رد فعله السياسي والدبلوماسي.
إسبانيا بين الماضي الاستعماري والمستقبل المشترك مع المغرب
من خلال هذه الخطوة، تدرك إسبانيا أن المستقبل يكمن في بناء علاقات تقوم على المصالح المشتركة، وليس على استحضار إرث استعماري تجاوزه التاريخ. فالمغرب اليوم ليس فقط شريكا اقتصاديا وأمنيا حيويا، بل هو أيضا قوة صاعدة تدافع عن مصالحها بثبات، مستندة إلى رؤية دبلوماسية قوية يقودها جلالة الملك محمد السادس.
إلغاء احتفالات 'إنزال الحسيمة' يعكس إذن تغيرا جذريا في طريقة تعامل مدريد مع القضايا التاريخية الحساسة، ويؤكد أن الزمن الذي كانت تُتخذ فيه القرارات دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف المغربي قد ولى، وأن المملكة باتت تعامل كقوة إقليمية لها تأثيرها وحساباتها التي لا يمكن تجاوزها.
تؤكد هذه الواقعة أن المغرب لم يعد ذلك الطرف الذي يفرض عليه الأمر الواقع، بل أصبح شريكا يفرض شروطه في أي معادلة سياسية أو اقتصادية أو حتى تاريخية تمس مصالحه. وبفضل الزخم السياسي والدبلوماسي الذي تعيشه المملكة، ودورها كصلة وصل بين أوروبا وإفريقيا باتت القوى الدولية ومن بينها إسبانيا، تتعامل مع المغرب بواقعية جديدة، تراعي مكانته المتنامية، وتحترم مواقفه السيادية.
قرار مدريد، الذي كان قبل سنوات غير وارد على الإطلاق لم يكن مجرد خطوة عابرة بل هو انعكاس لميزان قوى جديد، أصبحت فيه المملكة المغربية فاعلا رئيسيا لا يمكن القفز على مواقفه أو التقليل من وزنه في المنطقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العيون الآن
منذ 4 أيام
- العيون الآن
مقترح قانوني في البرلمان البلجيكي للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء: تحول جديد في الموقف الأوروبي
العيون الآن. يوسف بوصولة في خطوة سياسية لافتة تعكس التحولات المتسارعة داخل المشهد الأوروبي بشأن قضية الصحراء المغربية تقدم جورج لويس بوشيه زعيم حزب 'الحركة الإصلاحية' البلجيكي بمقترح قانوني أمام مجلس النواب في بلجيكا يدعو إلى الاعتراف الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وأكد بوشيه في مقطع مصور نشر على حسابه الرسمي بمنصة 'إكس'، أن هذه المبادرة تأتي استنادا إلى تحديات مشتركة تجمع بين الرباط وبروكسيل، في إشارة إلى الرهانات الإقليمية المرتبطة بالأمن، الهجرة، والتعاون الاقتصادي. اقرأ أيضا... هذه الخطوة السياسية تأتي في سياق أوسع يسهد زخماً دبلوماسياً متزايداً لصالح المقترح المغربي للحكم الذاتي، حيث باتت أزيد من 28 دولة من الاتحاد الأوروبي تدعم هذا الطرح في مقدمتها فرنسا، ألمانيا، وإسبانيا، ما يعكس تحولا نوعيا في المواقف الأوروبية بشأن هذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده. ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن مقترح بوشيه يمثل قاعدة صلبة لتقوية العلاقات الثنائية بين الرباط وبروكسيل، ويمثل تطورا في الموقف البلجيكي التقليدي تجاه ملف الصحراء. وفي هذا الصدد أكد محمد نشطاوي أستاذ العلاقات الدولية، أن 'الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه من طرف البرلمان البلجيكي من شأنه أن يعكس نضجا في الرؤية السياسية الأوروبية ويعزز مكانة المملكة كفاعل إقليمي وازن في إفريقيا والمتوسط'. وأضاف أن هذا التحرك يأتي متزامنا مع مشاريع تنموية كبرى تشهدها الأقاليم الجنوبية مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وتوسع الشبكة القنصلية في مدن العيون والداخلة، ما يؤكد تصاعد الدعم الدولي لمغربية الصحراء. توقع المراقبون أن يشكّل هذا المقترح في حال تبنيه داخل البرلمان ضغطا سياسيا متزايدا على الجزائر وجبهة البوليساريو للدخول في مفاوضات جدية حول المقترح المغربي، الذي يحظى بدعم متصاعد من المجتمع الدولي باعتباره الإطار الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء النزاع.


العيون الآن
منذ 6 أيام
- العيون الآن
أسرة الأمن الوطني بالعيون تحتفي بالذكرى 69 لتأسيس الأمن الوطني
العيون الآن. يوسف بوصولة احتضنت مكتبة محمد السادس الوسائطية الكبرى بمدينة العيون صباح اليوم الجمعة 16 ماي 2025، مراسم الاحتفال بالذكرى 69 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني في أجواء مفعمة بالاعتزاز والتقدير لجهود نساء ورجال الأمن في خدمة الوطن والمواطن. جرى خلال هذا الحفل الرسمي أداء تحية العلم الوطني بحضور والي جهة العيون الساقية الحمراء السيد عبد السلام بكرات ونائب والي أمن العيون السيد الحبيب طيابي ورئيس المجلس الجماعي السيد حمدي ولد الرشيد، إلى جانب عدد من القناصل العامين المعتمدين بالمدينة وممثلي السلطة القضائية والمسؤولين الترابيين فضلا عن عدد من المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني. في كلمة ألقاها نيابة عنه نائبه السيد الحبيب طيابي أكد والي أمن العيون أن تخليد ذكرى تأسيس الأمن الوطني يشكل لحظة رمزية قوية للاعتراف بالتضحيات الجسيمة التي تبذلها أسرة الأمن الوطني من أجل صيانة الأمن والاستقرار. كما شدد على أن المؤسسة الأمنية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ماضية بثبات في مسار التحديث والعصرنة معتمدة على مقاربة شمولية ترتكز على الحكامة الأمنية الجيدة، وتعزيز حضور الشرطة المواطِن وتقوية جسور التعاون مع مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين. وتوقف المسؤول الأمني عند أبرز المنجزات التي تحققت خلال السنة الأمنية المنصرمة على صعيد ولاية أمن العيون، من بينها تدشين المقر الجديد للمنطقة الأمنية بالسمارة، وانطلاق العمل بالمقر الجديد للدائرة الأمنية الرابعة يوم 6 نونبر الماضي وهي مشاريع وصفها بأنها تجسد إرادة حقيقية لترسيخ سياسة القرب وتحديث البنيات الأمنية وفق المعايير الحديثة. كما أبرز المتحدث الجهود المبذولة في مجال تأهيل الفضاءات المهنية وتحسين ظروف الاستقبال بمختلف المرافق الأمنية في إطار دينامية إصلاحية تهدف إلى الاستجابة لانتظارات المواطنين وتعزيز ثقتهم في المؤسسة الأمنية. تميز هذا الحفل الذي حضرته كبرى الشخصيات المدنية والأمنية بتأكيد المكانة المحورية التي يحتلها الأمن الوطني داخل النسيج المؤسساتي الوطني، ودوره الرئيسي في ترسيخ مبادئ دولة القانون من خلال حماية الأرواح والممتلكات، وتأمين التظاهرات والأنشطة الكبرى، ومحاصرة المد الإرهابي، والتصدي لشبكات الجريمة العابرة للحدود، وهو ما تحظى به المملكة بإشادة دولية متزايدة من حكومات وهيئات أمنية عالمية. وأكد والي أمن العيون أن النجاحات الأمنية المتحققة ليست وليدة الصدفة بل هي ثمرة مجهود جماعي وتنسيق دائم بين مختلف المصالح الأمنية والسلطات القضائية والترابية، والمؤسسات المنتخبة، ومكونات المجتمع المدني، مشيرا إلى أن جهة العيون الساقية الحمراء أصبحت نموذجا وطنيا في التدبير الأمني الناجع. كما نوه في كلمته إلى تبني ولاية أمن العيون لمقاربة ترتكز على الانفتاح والتواصل والإنتاج المشترك للأمن في سياق دعم الشرطة المجتمعية، التي تشتغل من أجل المواطن ومعه من خلال شراكات فعالة مع المؤسسات التعليمية والهيئات المدنية. ويظل عيد الأمن الوطني مناسبة وطنية بامتياز تعكس روح الانضباط والتفاني التي تميز مؤسسة الأمن الوطني، وتؤكد التقدير الشعبي والرسمي للدور الحيوي الذي تضطلع به في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، تحت شعار: الله، الوطن، الملك.


العيون الآن
منذ 6 أيام
- العيون الآن
رفض تأشيرات دخول يثير غضب صحافيين مغاربة قبيل مونديال الأندية بأمريكا
العيون الآن. يوسف بوصولة تفاجأ عدد من الصحافيين المغاربة خلال الأيام القليلة الماضية برفض القنصلية الأمريكية بالمغرب منحهم تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم حصولهم على الاعتماد الرسمي لتغطية فعاليات كأس العالم للأندية المقرر تنظيمها هناك بين 13 يونيو و14 يوليوز 2025. ورغم تقديمهم لكافة الوثائق المطلوبة، بما فيها جوازات السفر الصالحة، الاعتماد الصحافي من الاتحاد الدولي لكرة القدم 'فيفا'، ورسائل دعوة رسمية من الجهات المنظمة، بالإضافة إلى المستندات البنكية والبطاقات المهنية، إلا أن طلباتهم قوبلت بالرفض، دون تلقي مبررات واضحة أو مفصلة، بحسب ما أكد عدد من المعنيين. وفي الوقت الذي أنفق فيه بعض الصحافيين مبالغ وصلت إلى 6000 درهم لتغطية مصاريف الملف، عبر هؤلاء عن استيائهم من قرار القنصلية، خصوصا بعد تلقيهم رسائل رفض استندت إلى المادة 214 (ب) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، والتي تفترض أن المتقدمين للتأشيرات لغير الهجرة ينظر إليهم كمهاجرين محتملين ما لم يثبت العكس. وأكدت رسالة الرفض أن على المتقدمين أن يقدموا ما يثبت امتلاكهم لروابط قوية في بلدهم تضمن عودتهم بعد الزيارة المؤقتة، مثل ارتباطات مهنية أو عائلية أو اجتماعية. واعتبر الصحافيون أن هذه المبررات 'واهية' ولا تعكس واقعهم المهني، خاصة أن معظمهم يعملون في مؤسسات إعلامية مغربية مرموقة، ويغطون الحدث الرياضي بمهام رسمية، كما أثار قرار رفض التأشيرات دون استرجاع الرسوم المدفوعة التي تصل إلى 4000 درهم للفرد غضب الصحافيين، واعتبروه 'تبديدا غير مبرر' لأموالهم و'إهانة لمهنتهم'. وقال أحد الصحافيين المتضررين: 'قدمت جميع الوثائق المطلوبة وتم استجوابي مرتين، ومع ذلك رفض طلبي دون توضيح. أنفقت أكثر من 3500 درهم، ولا أستطيع حتى استرجاعها'. وأشار آخر إلى أن الرفض 'لا يمثل فقط خسارة مالية، بل أيضا انتكاسة معنوية ومهنية'، متسائلا عن 'معايير الانتقاء غير المتسقة'، لا سيما أن بعض زملائهم حصلوا على التأشيرة بسهولة. ويثير هذا الملف تساؤلات حول مدى شفافية وعدالة المعايير التي تعتمدها القنصليات الأمريكية في تقييم طلبات المهنيين، خاصة في حالات التغطيات الدولية الرسمية التي تمثل المغرب إعلاميا.