
إياد علاوي والبعث!ناجي الغزي
إياد علاوي والبعث!
ناجي الغزي*
في مشهد سياسي يتسم بالغموض والتناقض، يعود إياد علاوي إلى الواجهة من جديد، لا بوصفه فاعلاً سياسياً يحمل مشروعاً إصلاحياً يعالج أزمات الدولة العراقية المتراكمة، بل كصدى باهت لمرحلة مظلمة تُستدعى بانتقائية مثيرة للريبة، حيث تتقاطع صور البعث مع أطياف عزة الدوري، وتُستحضر ذكريات نظام دموي طُويت صفحته بثمن فادح من دماء العراقيين. وفي لحظة سياسية موغلة بالخذلان، خرج إياد علاوي، عبر شاشة قناة MBC1 ليكشف دون مواربة عن موقف سياسي وفكري صادم يتجاوز حدود الاجتهاد أو الرأي الشخصي، ليصطدم وجهاً لوجه بجراح وطن ما زال ينزف من إرث البعث الدموي. لم يكن ظهوره مجرد زلة لسان أو حنيناً عاطفياً إلى الماضي، بل كان إعلاناً سياسياً صارخاً بإعجابه بالدكتاتور صدام حسين، متغنياً بما وصفه بـ'شجاعته'، ومعتبراً 'عبثيته' سبباً لصعوده كقائد، وهو ذات العبث الذي أودى بحياة مئات الآلاف من أبناء العراق في سلسلة حروب إبادة، وتطهير عرقي، ومقابر جماعية، وحصارات اقتصادية دمرت بنية الدولة والمجتمع.
خيانة الذاكرة الوطنية
إن ما أعلنه علاوي في هذا السياق لا يمكن وصفه سوى بأنه تحدٍّ فجّ وصريح لذاكرة الشهداء، وإهانة مباشرة لتضحيات الشعب العراقي الذي قدّم أرواح أبنائه في مواجهة الاستبداد البعثي. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يتوحد السياسيون على رفض وتوثيق جرائم نظام صدام، يقف علاوي، الذي تولّى الحكم بغطاء دولي عام 2004، ليمتدح راس النظام البعثي القذر، ملوّحاً بندمه لأنه عارضه ذات يوم. أليس في ذلك نسف صريح لكل المسوغات التي استند إليها المجتمع الدولي في دعم العملية السياسية في العراق؟ أليست هذه التصريحات مخالفة صريحة لنص وروح القوانين العراقية التي تحظر تمجيد حزب البعث وتجرّم رموزه وممارساته؟
تمويل البعث: وقائع تتطلب تحقيقاً قضائياً
ما كشفه الإعلامي الدكتور حميد عبد الله، في برنامجه المعروف 'تلك الايام' نقلاً عن كتاب ما زال مسوده لسلوان المسلط تحت عنوان 'اسرار وخفايا' اخر مرافق للرئيس صدام حسين، يتحدث عن شهادة سلوان المسلط – أحد المرافقين المقربين لصدام حسين – ليضيف بعداً جنائياً خطيراً إلى سلوك علاوي. فقد أشار المسلط إلى أن علاوي قدّم مبلغ 600 ألف دولار إلى عزة الدوري، نائب صدام وأحد المطلوبين للقضاء العراقي، مقابل إصدار بيان يحث فيه أنصار البعث على دعم علاوي في الانتخابات السابقة. هذه الشهادة، إن ثبتت، تمثل جريمة تمويل كيان محظور بموجب قانون اجتثاث البعث، وتمثل خرقاً صارخاً لقانون الأحزاب وقوانين تمويل الحملات الانتخابية، بل تمثل تواطؤاً مع رأس تنظيم إرهابي كان وما زال يمثل تهديداً لأمن العراق واستقراره.
إعادة تدوير البعث
منذ تسلمه رئاسة الحكومة عام 2004، بدأ علاوي مشروعاً واضح المعالم لإعادة تدوير البعثيين في مؤسسات الدولة، بحجة 'المصالحة الوطنية'، متجاوزاً بذلك الخطوط الحمراء الأخلاقية والقانونية. وتشكل قائمته السياسية اليوم، التي تضم شخصيات من أبرزها صالح المطلك المعروف بانتمائه العلني لحزب البعث، استمراراً لهذا التوجه. وهو بذلك لا يكتفي بتبرئة البعث من جرائمه، بل يسعى لإعادة دمجه في الحياة السياسية كأمر واقع، وكأن المجازر التي ارتكبها الحزب في حلبجة والجنوب والأنفال ليست أكثر من أحداث عابرة لا تستحق التوقف عندها.
علاوي شخصية فاقدة للتأثير
اليوم، يعيش إياد علاوي حالة من العزلة السياسية والانكماش التنظيمي. فقد خسر جمهوره، وانفضّ عنه عدد كبير من قيادات 'حركة الوفاء الوطنية'، نتيجة تمسكه بفرض ابنته 'سارة' كقيادة مستقبلية للحزب، متجاوزاً بذلك أبسط مفاهيم العمل الديمقراطي والكفاءة السياسية. هذه النزعة العائلية لم تؤدِ فقط إلى تفكك الحركة، بل عكست تراجعاً حاداً في الرؤية والمشروع السياسي إن وجد، وتحول علاوي من زعيم مفترض إلى شخصية رمزية فاقدة للتأثير، مرهقة بتقدم العمر، ومرتبكة في خطابها إلى درجة اللا تركيز واللا وضوح.
أين الدولة؟ أين القضاء؟
إن تصريحات علاوي وممارساته لا يمكن التعامل معها كأخطاء فردية أو مواقف عابرة، بل تمثل سلوكاً ممنهجاً لإعادة الاعتبار لحزب محظور دستورياً. وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً من قبل:
• الهيئة القضائية العليا، لفتح تحقيق رسمي في قضية التمويل الانتخابي لعزة الدوري.
• هيئة المساءلة والعدالة، للنظر في تصريحات علاوي ومدى مخالفتها لقانون اجتثاث البعث.
• مجلس النواب العراقي، لاتخاذ موقف سياسي وقانوني يرفض هذا النكوص الخطير عن التزامات العدالة الانتقالية.
لا مصالحة مع الجلاد
إن دماء شهداء حلبجة، وأصوات الضحايا والمقابر الجماعية في الوسط والجنوب، وصور الأطفال الذين قضوا في حصار استمر 13 عاماً، ومليارات الدولارات التي بعثرها صدام المجرم في حروبه ومغامراته، لا يمكن أن تُغفر أو تُنسى أو تُبرر تحت أي عنوان سياسي. إن ما يفعله إياد علاوي اليوم هو محاولة تشويه للعدالة، وتحريف للذاكرة، وتسويق لرؤية لا أخلاقية تحت غطاء المصالحة الوطنية. وإذا لم يتم التصدي لهذا المسار، فإننا نكون قد وقعنا في فخ تاريخي يعيد إنتاج الجريمة، ويمنح الجلاد فرصة جديدة ليتحدث باسم الدولة.
العراق لا يحتاج إلى زعماء متهالكين يحنّون إلى دكتاتور، بل إلى رجال دولة يكتبون مستقبله بدماء الشهداء لا بتواقيع الصفقات المشبوهة.
للمزيد اضغط على الرابط الموجود
https://x.com/sahataltahreer/status/1928173409592107024
باحث سياسي واقتصادي
2025-05-29

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 19 دقائق
- موقع كتابات
راكب ترامب الخشن والتهويل السياسي
بعد اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 6/مايو / ايقاف الحرب مع الحوثيين برز تسائل من رحم هذا العمل يخص الموقف الأمريكي إزاء جماعة انصار الله اليمنية :- من التوتر والتصعيد الى التهدئة والانسحاب ، ماذا وراء الإنسحاب الأمريكي من اليمن ؟؟0 قبل كل شيء ربما العالم كله يعرف ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو مراوغ ماكر كالثعلب عبر تلاعبه بالألفاظ وكذلك رسم صورة نمطية لمعطيات ونتائج الواقع بما ينسجم مع ان يكون الربح دائما الى جانبه والنتائج بكل الأحوال تجري لصالحه وكذلك الى جانب أمريكا لذلك عندما يحاول الإنسان الغوص ولو قريبا من سطح بحر سياسته يجد ان ترامب يضع خطتان وهما الخطة الرئيسة (الأصيلة) والخطة (الثانوية) البديلة في ميدان سياسته الخارجية ودبلوماسيته فيبدا بطرح الخطة الآساس ويتحرك هو ووزير خارجيته ومبعوثوه الى دول العالم المعنية بها على تنفيذها عبر الضغط الإقتصادي والدبلوماسي المصحوب بالتهديد بالقوة العسكرية فإن حققت النجاح المرجو منها فبها ونعمت وإن لم يتحقق لجأوا الى الخطة البديلة مع بقاء الهدف المطلوب من الخطة الرئيسة دون تبديل او تغيير 0 فترامب على سبيل التمثيل رغم تخليه عن تهجير الفلسطينيين الى مصر والأردن وفق خطته الأصيلة فإنه تخلّى عن هذا الهدف بشكل احتيالي فقد لجأ الى الخطة البديلة التي صرّح بها وزير خارجيته ماركو روبيو من انه من الممكن تهجير اهالي غزة الى ليبيا ودول أخرى منها الصومال مع الإحتافظ بالهدف الأساس لترامب وهو تحويل غزة الى منتجع سياحي على البحر 0 إن ترامب رجل سفقات تجارية فهو يهتم وفق هذه الصفقات بمصالح امريكا على ضوء شعاره (أمريكا اولاً) ثم مصالحه الشخصية والعائلية لذلك تجده عندما اتفق مع دول الخليج الثلاث التي زارها وهي السعودية والامارات وقطر التي اهدت إليه طائرة خاصة علاوة على مشاريع استثمارية في الولايات المتحدة بمليارات الدولارات كال لهذه الدول مديحا وثناءا كبيرا ( وعلى وجه الخصوص مدحه واعجابه بما وصفه بنجاحات باهرة لهذه لأنظمة الخليجية المصدّرة للنفط والغاز، وتأكيده على أن مصدر ثرواتها الهائلة الأساس هو المهارة والخبرة والكفأة في إدارة أمورالبلد وخاصة تعزيز اقتصاده بالإستثمار الخارجي وبسياسة مالية رشيدة ) على حين انه هاجم الحكومات العراقية بعد العام 2003م واعتبرها حكومات فاشلة ومتهرئة اوصلت العراق بفسادها الى حافة الإفلاس المالي 0 لذلك تجده يتراجع بشكل تكتيكي عن أي خطوة سياسية رغم انها مدعومة بالقوة العسكرية المفرطة إذا كانت تؤدي الى خسارة حفنة من الدولارات لذلك فهو عندما اوعزت إدارته للجيش الأمريكي وبامر منه على شن حملة عسكرية ضارية على الحوثيين وتم اطلاق اسم (الراكب الخشن) عليها تفاعلا مع الغطرسة الأمريكية المتعالية التي تنظر لبقية العالم نظرة فوقية ترجمها ترامب بقوله (انا احكم العالم ) فاجئه رد الفعل لجماعة الحوثي العنيف عند التصدي للمسيرات والطائرات المقاتلة الأمريكية باسقاط سبع طائرات مسيرة مع طائرتين مقاتلتين مع خسارة مالية لا تقل عن مليار دولار 0 وعندما راى ترامب ان حمتله لم تؤدي الى النتائج الربحية المأمولة منها سارع الى وقف القتال في 6مايو/ آيار الحالي وترك حليفته اسرائيل في جبهة القتال وحدها مع الحوثيين ولكنه احاط ذلك بتصريح فسر من خلاله وقف الحرب على انه انتصار لأمريكا ومدح ايضا المقاتلين الحوثيين ولكنه غلف هذا المدح باسلوب سياسي خبيث يضع امريكا في منزلة المنتصر الذي لا يهزم عندما اشاد بصمود المقاتلين الحوثيين : – (وقدرتهم الكبيرة على تحمل العقاب ) 0 أي أن أمريكا بعظمتها لم تحارب الحوثيين فهم اصغر من ان تجعلهم ندا لها ولكنها عاقبتهم وقد حقق العقاب اهدافه بحسب ترامب ، لكن صحيفة ذا هيل الأمريكية فضحته فضحية غير مسبوقة قائلة :- : ترامب حاول تسويق وقف إطلاق النار بوصفه 'انتصارًا أمريكيًا' ونتيجة للقوة، بينما يُظهر الواقع أن هذا التفاهم ما هو إلاّ تراجع مغلف بالتهويل السياسي ، أي انه :- هزيمة عسكرية وسياسية واضحة لأمريكا امام الحوثيين ولا يمكن تغطيتها بأي غطاء تبريري يجعلها تصب في مجرى مصلحة امريكا عبر حملتها العسكرية 0 اما من جانب الحوثيين فقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الدكتور خالد عمران ان وقف اطلاق النار يشكل انتصارا ناجزا للحوثيين في مقال نشرته له صحيفة ذا هيل الأمريكية جاء فيه :- إن الحوثيين اعتبروا ما حدث نصرًا رمزيًا واستراتيجيًا في آن، إذ تمكنوا من فرض معادلة ردع غير مسبوقة، أجبرت واشنطن على التفاوض دون تحقيق أهدافها العسكرية، والأهم دون أن يدفع الحوثيون أثمانًا سياسية تجاه إسرائيل0 وعليه أعود باضافة الى ما قالته صحيفة ذا هيل الأمريكية من ان تصريح ترامب بخصوص حملتهم على الحوثيين ماهو الاّ تقهقرمغلف بالتهويل السياسي الذي يراعي منزلة أمريكا لأقول :- أن راكب ترامب الخشن ما هو إلاّ راكب من ورق احرقه الحوثيون بصمودهم وقدرتهم على التصدي للعدوان الأمريكي والثبات بوجه آلة الحرب الأمريكية واجبروها على التفاهم معهم بالوصول الى وقف اطر النار


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- موقع كتابات
أموال صفقات الفساد تُحكم قبضتها على دعاية انتخاب مرشحين أحزاب السلطة لتُطفئ شعلة الأمل بالتغيير؟
في مشهد انتخابي يثير الشك والريبة، تُغرق الأحزاب السياسية الكبرى، وخاصة تلك المنضوية تحت مظلة ((الإطار التنسيقي)) في مستنقع المال السياسي المشبوه. هذه الأحزاب، التي نهبت ثروات البلاد وكرست نظام المحاصصة الطائفية، تُنفق الآن ملايين الدولارات على حملات دعائية باذخة، ليس لخدمة الشعب، بل لضمان استمرار هيمنتها على السلطة وهذا الإنفاق الطائل، الذي يُغذيه تمويل غامض من مصادر مشكوك فيها، لا يهدد فقط نزاهة الانتخابات، بل يُحكم قبضته على أحلام المستقلين والأحزاب الصغيرة، التي تعتمد على تبرعات متواضعة ومدخرات شخصية محدودة، ليُكرس بذلك ديمقراطية زائفة تخدم الأقوياء وتطحن الضعفاء. المال السياسي المشبوه، الذي تُنفقه الأحزاب الكبرى حاليا، ليس مجرد أموال تُستخدم للدعاية الانتخابية فقط، بل هو سلاح مدمر يُستخدم لشراء بطاقات الناخب، التلاعب بإرادة الناخبين، وتكريس الفساد ولان معظم هذه الأموال تأتي من مصادر غير شرعية، وبما في ذلك نهب المال العام ومن خلال الأحزاب المتنفذة، التي تسيطر على معظم الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، وتُسيء استخدام الموارد العامة للدولة، مثل عائدات النفط أو الأموال المخصصة للمشاريع التنموية، لغرض تمويل حملاتها الانتخابية ولعلى ابسطها وكمثال ما يزال يتم تداوله في وسائل الإعلام لغاية الآن قضية 'سرقة القرن' التي كشفت اختلاس 2.5 مليار دولار من الأمانات الضريبية، هي مثال صارخ على كيفية تحويل ثروات الدولة إلى أدوات سياسية خدمة لأجندات الدعاية الانتخابية , وبالإضافة إلى عامل آخر مهم وحيوي جدآ وقد يكون غير مرئي حاليا أو لم يتم تسليط الضوء عليه في وسائل الإعلام بالصورة الكافية , وعلى الرغم من خطورته على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية يتمثل بالتمويل المادي الذي يأتي من خارج العراق إلى بعض الأحزاب والمرشحين والتحالفات التي تتلقى دعمًا ماليًا من جهات إقليمية، تستخدمه لتعزيز نفوذها في العراق، مما يُهدد السيادة الوطنية ويُحول الانتخابات إلى ساحة للصراعات الإقليمية. في واحدة من أكثر الممارسات خطورةً، تتسرب الأخبار شبه الاسبوعية من خلال القنوات الاخبارية المحلية عن عمليات غسيل الأموال الناتجة عن صفقات مشبوهة وتجارة غير مشروعة، والتي تتسلل بمهارة إلى قلب العملية السياسية في العراق عبر المناقصات والعطاءات الحكومية. هذه الأموال ، التي تُجنَى من خلال إرساء العطاءات والمناقصات على شركات تجارية مشبوهة أو شخصيات متنفذة دون استيفاء الشروط القانونية، تُعاد تدويرها في الحملات الانتخابية تحت ستار الدعاية السياسية. هذه العملية، التي تفتقر إلى أدنى معايير الشفافية والنزاهة، لا تُدمر فقط نزاهة العملية الانتخابية، بل تُكرس نظامًا فاسدًا يُهدد أسس الديمقراطية ويُحوّل ثروات العراق إلى أداة لتكريس هيمنة الأحزاب المتنفذة. مما يُضفي طابعًا قانونيًا زائفًا على هذه الأموال وتُنفق ببذخ على إعلانات ضخمة، ملصقات تملأ الشوارع، قنوات إعلامية مُوجّهة، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى شراء الأصوات مباشرة. هذا الإنفاق الطائل ليس سوى استثمار في الحصانة البرلمانية، حيث تسعى هذه الأحزاب لضمان مقاعد تُمكنها من مواصلة نهب ثروات العراق تحت غطاء الشرعية. أن تأثير المال المشبوه على نزاهة وشفافية الانتخابات يُشكل تهديدًا وجوديًا لنزاهة العملية الانتخابية في العراق، ويُحول الانتخابات من آلية ديمقراطية للتعبير عن إرادة الشعب إلى سوق لعرض أنواع مختلفة تكتلات وأحزاب سياسية قابلة للشراء. وتأثيراته المدمرة تتجلى لتتخذ معها عدة صور قد تكون خافية على الراي العام ونبض الشارع ومنها: *تشويه إرادة الناخبين: من خلال شراء الأصوات، كما في زيارات المرشحين المزيفة للعوائل الفقيرة تحت ذريعة العمل التطوعي، أو إجبار النزلاء في السجون والمنتسبين في الأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع والداخلية على التصويت لقوائم معينة كما حدث بالانتخابات البرلمانية السابقة، ويتم التلاعب بإرادة الناخبين، مما يُفرغ الانتخابات من جوهرها ومعناها. *تكريس الفساد السياسي: الأحزاب التي تُنفق ملايين الدولارات على حملاتها لا تهدف إلى خدمة الشعب، بل إلى استعادة استثماراتها عبر الفساد والإثراء غير المشروع. النواب الذين يصلون إلى البرلمان بهذه الطريقة يُصبحون أدوات لتكريس نظام المحاصصة، لا ممثلين لإرادة الشعب. *إضعاف الثقة بالنظام السياسي: في ظل إحباط شعبي متصاعد، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 أقل من 41%، يُفاقم المال المشبوه من عزوف الناخبين، حيث يرى المواطن أن الانتخابات ليست سوى لعبة انتخابية للأثرياء والمتنفذين. *إحباط المرشحين المستقلين: نقص الموارد المالية يُجبر العديد من المستقلين على الانسحاب من السباق الانتخابي، أو يُضعفهم أمام ضغوط الأحزاب الكبرى التي قد تلجأ إلى الترغيب أو الترهيب لإقصائهم، والذين غالبًا يقدمون برامج إصلاحية تركز على مكافحة الفساد، تحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، لكن هذه البرامج تُطمس تحت وطأة الدعاية الممولة بالمال المشبوه، التي تعتمد على الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة. *تكريس الاستبداد المالي: من خلال الأحزاب التي تعتمد على المال المشبوه تُحول الديمقراطية إلى نظام استبدادي مقنع، حيث يُصبح المال هو المحدد الرئيسي لمن يصل إلى السلطة مما ينتج بالتالي بتعميق الإحباط الشعبي وعندما يرى المواطن أن الانتخابات تُدار بالمال الفاسد، يزداد عزوفه عن المشاركة، مما يُعزز هيمنة الأحزاب التقليدية ويُضعف أي فرصة للتغيير. أحزاب الإسلام السياسي، وإنفاقها الطائل، لا تكتفي بالتلاعب بالناخبين، بل تُحكم قبضتها على المشهد السياسي لخنق المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة، التي تُمثل الأمل الوحيد للتغيير في العراق. هؤلاء المستقلون، الذين يعتمدون على تبرعات متواضعة ومصاريف شخصية محدودة، يجدون أنفسهم في مواجهة جائرة مع آلة دعائية مدعومة بملايين الدولارات. هذا الواقع يولد معها الكثير من التحديات وعدم المساواة في التنافس لان المستقلون والأحزاب الصغيرة لا يملكون القدرة على منافسة الحملات الإعلامية الضخمة، سواء في الإعلانات التلفزيونية، الملصقات، أو الحملات الرقمية وهذا يُقلل من فرصهم في الوصول إلى الناخبين، حيث تُهيمن الأحزاب الكبرى على كل وسيلة إعلامية تكون مؤثرة ومتاحة حيث بلغ سعر الإعلان لأحدى القنوات الفضائية العراقية ولمدة دقيقة واحدة ما قيمته 60 ألف دولار. وهذا الظلم الانتخابي يُحرم العراق من فرصة ظهور قيادات شابة جديدة قادرة على تحدي نظام المحاصصة. المستقلون، الذين يُمثلون أمل الشباب والفئات المهمشة، يُتركون ليواجهوا مصيرهم في معركة غير متكافئة، حيث المال المشبوه هو الحكم والجلاد وإن استمرار هذا النهج الخبيث يُهدد بتدمير ما تبقى من أمل في ديمقراطية حقيقية في العراق. إن مواجهة هذا الوباء السياسي تتطلب جهودًا عاجلة وحازمة ودعوة للتصدي لإنقاذ ما تبقى من ديمقراطية من براثن المال المشبوه وذلك يتم عن طريق رقابة صارمة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وفرض قيود صارمة على تمويل الحملات الانتخابية، بما في ذلك تدقيق مصادر الأموال ووضع سقف للإنفاق وبمعنى آخر أن أي حزب أو مرشح يثبت تورطه في استخدام أموال مشبوهة يجب تجريده من أهلية الترشح. ودور القضاء والذي ينبغي فتح تحقيقات فورية في مصادر تمويل الأحزاب، خاصة تلك المنضوية في تحالف إدارة الدولة ، مع محاسبة المتورطين في نهب المال العام أو استقبال تمويل خارجي وكذلك العمل على توعية الناخبين ومن خلال منظمات المجتمع المدني والإعلام كشف هذه الممارسات عبر تقارير استقصائية، مع حث الناخبين على رفض الإغراءات المالية والتصويت لمرشحين مستقلين يقدمون برامج إصلاحية ودعم المستقلين حيث يمكن للشباب والمجتمع المدني تنظيم حملات تبرعات شفافة لدعم المرشحين المستقلين، لتعزيز قدرتهم على المنافسة في مواجهة آلة المال السياسي المشبوه وإيجاد تشريعات جديدة ومن خلال سن قوانين صارمة لتنظيم تمويل الحملات الانتخابية، بما يضمن الشفافية والنزاهة ويمنع التلاعب بالمال العام أو الخارجي. إن المال السياسي المشبوه، الذي تُنفقه أحزاب السلطة يؤدي بالنتيجة الحتمية الى إضعاف السيادة الوطنية والتمويل الخارجي المشبوه يجعل العملية السياسية رهينة لأجندات خارجية، مما يُعرض مصالح العراق للخطر بل هو خنجر مسموم يطعن قلب الديمقراطية العراقية. هذا المال لا يُستخدم لخدمة الشعب، بل لشراء أصواته، خنق آماله، وإجهاض أي فرصة لظهور قيادات مستقلة قادرة على التغيير. إن استمرار هذه الممارسات يُهدد بتحويل الانتخابات إلى مسرحية هزلية تُكرس هيمنة الفاسدين وتُطيح بأحلام العراقيين في وطن عادل. فلنقاوم هذا الفساد، ولنُعيد لصوتنا قيمته كسلاح للتغيير، لا كسلعة في سوق الأحزاب … العراق اليوم يستحق برلمانًا يعكس ويجسد إرادة شعبه الحقيقية، لا أداة بيد الأحزاب المتنفذة التي تسعى جاهدةً للحفاظ على سلطتها وترسيخ وجودها عبر نهب المال العام، تاركة المواطن في معاناة يومية لتأمين متطلبات الحياة الأساسية ويكافح لتأمين لقمة العيش. التغيير الحقيقي ينبغي أن ينبع من الشباب الواعي والمؤهل، القادر على مواجهة هذه الأحزاب، محاسبتها، وإعادتها إلى مكانتها المناسبة، عبر ممارسة حقه الديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع.


الأنباء العراقية
منذ 6 ساعات
- الأنباء العراقية
ترامب يودع ماسك بمفتاح ذهبي
متابعة - واع قال الملياردير إيلون ماسك، إنه سيبقى "صديقا ومستشارا" للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أقام حفلا وداعيا في المكتب البيضوي لمسؤول هيئة الكفاءة الحكومية الذي قاد جهوده الحثيثة لخفض النفقات. ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام في تصريح لصحفيين أدلى به بعدما سلّمه ترامب مفتاحا ذهبيا كهدية وداع للمدير السابق لهيئة الكفاءة الحكومية، قال ماسك "أتطلع إلى البقاء صديقا ومستشارا للرئيس". وشدّد ماسك على أنه سيواصل دعم الفريق الذي "يسعى بلا هوادة للبحث عن هدر بتريليون دولار" في اقتطاعات من شأنها "إفادة دافعي الضرائب الأميركيين". واشتكى ماسك من الصورة التي رسمت عنه معتبرا أن الهيئة أصبحت تنسب إليها أي اقتطاعات في أي مكان.