
حين تُباع السندات والدولار والأسهم... الذهب يعلو فوق ضجيج الأسواق
في عالم تتبدل فيه العملات، وتتقلب الأسواق، ويبقى الدولار واليوان ضحية للصراعات، هناك أصل واحد يرفض التلاشي: الذهب. منذ آلاف السنين حتى الآن، لا يزال هذا المعدن الأصفر يحتفظ بمكانته كأكثر الأصول موثوقية في الاحتياطيات الاقتصادية العالمية. فما الذي يجعل الذهب يحتفظ بهذا العرش؟ ولماذا تتهافت البنوك المركزية على اقتنائه في زمن الأزمات؟
الذهب: أصل لا يُطبع… ولا يُكسر
على عكس العملات الورقية التي يمكن طباعتها بقرارات حكومية، أو سندات الخزانة التي يمكن إصدارها بلا سقف، فإن الذهب محكوم بندرته الطبيعية. لا يمكن تصنيعه، ولا يمكن تضخيمه، ولا يمكن حذفه من النظام بمجرد قانون أو تغيير سياسي.
هذه المحدودية تجعل منه الأصل الأكثر مناعة ضد التآكل النقدي. ففي وقت يُباع فيه كل شيء - من الدولار إلى السندات الأميركية إلى الأسهم - يظل الذهب هو الأصل الوحيد الذي لا يُمس، بل يزداد بريقاً مع كل أزمة.
الذهب، ببساطة، هو العملة الوحيدة التي لا تُخضعها قرارات البنوك المركزية.
من الفراعنة إلى الفيديرالي: التاريخ يكرّس الثقة
الذهب ليس حديث الولادة في النظام المالي. فقد استخدمته الحضارات القديمة في المعابد، والملوك في سك العملات، والإمبراطوريات في توثيق النفوذ.
ومع تأسيس النظام المالي الحديث، تبنّى العالم قاعدة الذهب، وربط قيمة العملات بهذا المعدن النفيس حتى 1971، حين تخلّت أميركا عن 'بريتون وودز'. لكن حتى بعد فك هذا الارتباط، لم يفقد الذهب سحره. بل على العكس، تحوّل من أصل نقدي رسمي إلى أصل سيادي خفي.
البنوك المركزية لم تتخلَ عنه وجعلته احتياطياً استراتيجياً. الصين، روسيا، تركيا، الهند… كلها تكدّس الذهب بهدوء، وتعتبره ضماناً استراتيجياً في حال انهار نظام الدولار العالمي.
أوقات الأزمات: الذهب لا يخذل أحداً
في كل لحظة بيع جماعي، من أزمة 2008 إلى جائحة 2020، وحتى نيسان (أبريل) 2025، عندما تساقطت الأسهم والسندات والدولار في وقت واحد، كان الذهب هو الاستثناء الوحيد.
خلال هذه المدة، قفزت عوائد السندات الأميركية الى أعلى مستوياتها في عامين، الدولار فقد قوته رغم العوائد، والأسهم الأميركية عانت من أكبر عمليات التصفية منذ سنوات. وسط هذه الفوضى، وجد المستثمرون ملاذاً آمناً لا يتغيّر: الذهب.
ولعل أكثر ما يُثبت مكانة الذهب الآن، أنه أصل يُشترى في زمن تتفكك فيه الثقة - الثقة بالاقتصادات، بالعملة، وب مؤسسات الحكم المالي مثل الاحتياطي الفيديرالي.
بنوك مركزية تشتري الذهب... بلا ضجيج
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب بلغت مستويات قياسية خلال 2022 و2023، واستمرت بالزخم نفسه في 2024 ومع بدايات 2025. الصين وحدها أضافت أكثر من 200 طن خلال أقل من عام. تركيا رفعت حيازتها رغم ضغوط الليرة. الهند رفعت وتيرة الشراء، بينما أعادت دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا ذهبها إلى أراضيها.
لماذا؟ لأن هناك إدراكاً عميقاً أن العالم يتغير، وأن الذهب، كأصل سيادي، لا يمكن مصادرته، تجميده، أو التحكم به عبر العقوبات. إنه جوهر السيادة الاقتصادية.
التعريفات الجمركية... وسردية الركود
مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى واجهة المشهد، أعاد معه أدوات الحرب التجارية: تعريفات جمركية هائلة على الواردات الصينية. هذه الخطوة أطلقت موجة قلق عالمية، فسرعان ما عاد مصطلح 'الركود' إلى العناوين. فالحرب التجارية تصوغ في الأذهان فكرة سلبية الاقتصادات ودفع عجلة التضخم.
الأسواق لا تُحب الحروب التجارية. ومع كل جولة تعريفات، ترتفع أكلاف الواردات، ترتفع الأسعار، ويهدّد التضخم مسار السياسة النقدية. ومعه، تهتز الثقة بالسندات، وتُصاب الأسهم بالذعر، ويتراجع الدولار.
وسط كل هذه المتغيرات، الذهب يربح. لأنه لا يتأثر بالتعريفات، ولا تديره البنوك، ولا تربطه الأسواق ببيانات موقتة. بل يُشترى لأنه ببساطة لا يتحرك وفقاً لقواعد الآخرين.
شرخ استقلالية الفيديرالي... وزلزال الثقة
منذ أسابيع، تصاعدت لهجة ترامب ضد رئيس الفيديرالي جيروم باول، إلى أن بلغت ذروتها بمطالبته بعزله. هذه سابقة خطيرة تهدد مبدأ استقلالية السياسة النقدية.
الفيديرالي، في نظر المستثمرين، هو صمّام الأمان الأخير ضد الانهيار المالي. فإذا شعر السوق بأن هذا الصمام قد أصبح رهينة الرغبات السياسية، فإن كل الثقة المتبقية ستتبدد.
وما الأصل الوحيد الذي لا يحتاج إلى ثقة بالمؤسسات؟ الذهب.
العرش الذي لا يُنتزع
في هذا الزمن المضطرب، الذهب لا يلمع لأنه نادر فحسب، بل لأنه لا يكذب.
لا يخضع، ولا يُطبع، ولا تُفرَض عليه فائدة، ولا يحتاج إلى سند ائتماني. وجوده وحده كافٍ لإثبات قيمته.
ولهذا، في ظل عالم تُباع فيه كل الأصول، يظل الذهب هو العرش الذي لا يُنتزع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 40 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
ماسك يعلن رغبته في التركيز مجددا على أعماله بعد عطل في منصة إكس
تعرضت منصة التواصل الاجتماعي "إكس" لعطل استمر نحو ساعتين السبت، بدءا من الساعة الأولى بعد الظهر بتوقيت غرينتش، ما دفع مالكها إيلون ماسك إلى القول إنه سيضطر إلى إعادة التركيز على إدارة أعماله. وجدول أعمال الملياردير مزدحم، فبالإضافة إلى إدارة المنصة وشركة إكس-إيه-آي، وشركة صناعة السيارات الكهربائية تيسلا، وشركة سبيس إكس لصناعة الصواريخ الفضائية، اضطلع إيلون ماسك بدور فاعل في إدارة الرئيس دونالد ترامب لأشهر عدة. وأوكل اليه ترامب مهمة خفض الإنفاق الفدرالي في شكل جذري، وبرز رجل الأعمال المولود في جنوب إفريقيا خصوصا خلال الأسابيع الأولى من ولاية الرئيس الجمهوري الثانية، قبل أن يتراجع حضوره في الآونة الأخيرة. وكتب إيلون ماسك على منصة "إكس" بعد العطل "العودة إلى قضاء 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، والنوم في غرف المؤتمرات/غرف الخوادم/المصانع". أضاف "عليّ التركيز بشكل كبير على إكس/إكس-إيه-آي وتيسلا (بالإضافة إلى إطلاق مركبة ستارشيب الأسبوع المقبل)... وكما أظهرت مشاكل إكس التشغيلية هذا الأسبوع، لا بد من إجراء تحسينات تشغيلية كبيرة". عاودت الشبكة الاجتماعية عملها بشكل شبه طبيعي قرابة الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت غرينتش. ولم ترد منصة إكس على الفور على أسئلة "وكالة فرانس برس". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


IM Lebanon
منذ 2 ساعات
- IM Lebanon
واشنطن تصدر رخصة لتخفيف العقوبات على سوريا
أصدرت الولايات المتحدة، رخصة عامة تُتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات المفروضة على سوريا، وفقًا لما ورد على الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي، خلال جولة له في الشرق الأوسط، عن عزمه إصدار قرار بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة الانتقالية السورية، في تحوّل كبير في السياسة الأميركية، سبقه لقاء قصير جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض. وقالت الخزانة الأميركية في بيان رسمي: 'اليوم، أصدرت دائرة مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابعة لوزارة الخزانة الأميركية الرخصة العامة رقم 25 (GL 25)، لتوفير تخفيف فوري للعقوبات المفروضة على سوريا، تماشيًا مع إعلان الرئيس بشأن وقف شامل للعقوبات. وتُجيز هذه الرخصة المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، ما يعني عمليًا رفع العقوبات المفروضة على سوريا.' وأشار البيان إلى أن الرخصة العامة GL 25 'ستُتيح استثمارات جديدة ونشاطًا في القطاع الخاص بما يتماشى مع استراتيجية 'أميركا أولًا' التي يتبناها الرئيس ترامب'، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية بالتوازي عن إصدار إعفاء بموجب 'قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين'، يتيح لشركاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة البدء بخطوات لتعزيز إمكانات سوريا الاقتصادية. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت: 'كما وعد الرئيس ترامب، تقوم وزارة الخزانة ووزارة الخارجية بتنفيذ إجراءات تسمح بتشجيع الاستثمارات الجديدة في سوريا. على سوريا أيضًا أن تواصل العمل نحو الاستقرار والسلام، ونأمل أن تُسهم هذه الإجراءات في وضع البلاد على طريق مستقبل مشرق ومزدهر.'


بنوك عربية
منذ 3 ساعات
- بنوك عربية
0,6 % ارتفاع سعر صرف الدرهم المغربي مقابل الدولار ما بين 15 و21 ماي
بنوك عربية أعلن بنك المغرب المركزي بأن سعر صرف الدرهم المغربي ارتفع بنسبة 0,6 % مقابل الدولار الأمريكي، وتراجع بنسبة 0,3% مقابل اليورو، خلال الفترة من 15 إلى 21 ماي الجاري 2025. وذكر بنك المغرب، في نشرته الأسبوعية، أنه لم يتم خلال هذه الفترة إجراء أي عملية مناقصة في سوق الصرف. وأضاف المصدر ذاته أن الأصول الإحتياطية الرسمية بلغت بتاريخ 16 مايو 2025 الـ 396,4 مليار درهم مغربي، مسجلة تراجعا بنسبة 0,5 % من أسبوع لآخر، وارتفاعا بنسبة 6,6 % على أساس سنوي. وضخ بنك المغرب، في المتوسط اليومي، 125 مليار درهم مغربي تتوزع بين تسبيقات لمدة 7 أيام بقيمة 46,5 مليار درهم، وعمليات إعادة الشراء طويلة الأجل وقروض مضمونة بلغت تواليا 41,3 مليار درهم و37,2 مليار درهم. وعلى مستوى السوق بين البنوك، بلغ متوسط حجم التداول اليومي 2,7 مليار درهم، والمعدل بين البنوك 2,25 %في المتوسط. وخلال طلب العروض ليوم 21 ماي (تاريخ الاستحقاق 22 ماي)، ضخ البنك المركزي 42,6 مليار درهم على شكل تسبيقات لمدة 7 أيام. وبخصوص سوق البورصة، ارتفع مؤشر «مازي» بنسبة 0,1% ليصل أداؤه منذ مطلع العام إلى 22% ويعكس هذا التطور، بالأساس، ارتفاعات بنسبة 15 في المائة في مؤشرات «الكهرباء»، و0,9% 'في «البناء ومواد البناء»، و5,6 %في «الصناعة الغذائية»، و0,1 %في «البنوك». وفي المقابل، أظهر مؤشرا «المساهمة والإنعاش العقاريين» و«الصحة» تراجعا بلغ تواليا 4,3 % و3,7 %. وبخصوص الحجم الأسبوعي للمبادلات، فقد تراجع من أسبوع لآخر من 2,6 مليار درهم إلى 1,9 مليار درهم، تم إنجازها بالأساس على مستوى السوق المركزي للأسهم.