
اجتماع جنيف: الأوروبيون يناقشون والأميركيون يقررون
لم يسفر اجتماع جنيف الوزاري، الجمعة، الذي استمر أربع ساعات في فندق «إنتركونتيننتال» المطل على بحيرة ليمان، بين الوفدين الأوروبي والإيراني، عن أي نتائج إيجابية يمكن أن تؤشر إلى لقاءات لاحقة. وفي الوقت عينه، فإن الضغوط الأميركية على الطرفين المذكورين تتصاعد لجهة حصر مهمة الوساطة الأوروبية في أسبوعين.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تلقى اتصالا من نظيره الإيراني مسعود بيزكشيان السبت وحثه على التفاوض سبيلا لوضع حد للحرب بين إيران وإسرائيل (رويترز)
وفي الوقت ذاته، تواصل واشنطن تعزيز قواتها البحرية والجوية الضاربة في منطقة ممتدة من المحيط الهندي إلى مياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط. وكعادته، لم يتردد الرئيس دونالد ترمب في إرباك الأوروبيين بتأكيده، الجمعة، ثلاثة أمور: الأول أن طهران تتواصل مع إدارته، وهو ما ينفيه الجانب الإيراني، فيما تتوفر معلومات عن اتصالات بين الجانبين عبر الوسيط القطري. والثاني أن إيران تريد الحوار مع الجانب الأميركي، وليس مع الأوروبيين. والثالث (وهو الأهم) أن أوروبا لا يمكنها أن تقدم المساعدة في الملف النووي الإيراني. وأهمية تأكيدات ترمب أنها تتناقض تماماً مع الأجواء التي أوحى بها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يومي الخميس والجمعة، وقوامها أن المهمة التي يقومون بها تتم بالتنسيق مع الجانب الأميركي.
ورغم غياب النتائج، فإن وزير الخارجية الفرنسي الذي طرح في الاجتماع «ورقة العمل» التي صاغها الرئيس ماكرون، والتي تستعيد إلى حد بعيد المطالب الأميركية التي رفضتها إيران خلال ست جولات من المفاوضات المتنقلة بين مسقط وروما، أكد عقب الاجتماع أن «جميع المشاركين أعربوا عن استعدادهم لمواصلة المناقشات»، ولكن من غير تحديد الزمان والمكان.
رغم ما سبق، فإن الأمور لا تبدو «مقفلة» تماماً، والدليل على ذلك الاتصال الهاتفي الذي جرى أمس بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بمبادرة من الأول، وذلك رغم الموقف المتشدد الذي تتمسك به باريس (ومعها برلين ولندن)، لجهة رفض تمكين إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ودفعها إلى مناقشة برنامجها الصاروخي والباليستي بغرض تحجيمه، ومطالبتها بالكف عن السياسة التي مارستها لسنوات، والتي يعتبرها الغربيون مزعزعة للاستقرار بسبب الدعم الذي توفره لحلفائها ووكلائها في المنطقة.
الوزراء الثلاثة ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الاجتماع الخاص بالملف النووي في جنيف (إ.ب.أ)
ويضاف إليه مساندتها لروسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا. وجاء في تغريدة لماكرون، على منصة «إكس» ما نصه: «أعربتُ (للرئيس بزشكيان) عن قلقي العميق بشأن البرنامج النووي الإيراني. وهنا أيضاً موقفي واضح، وهو أنه يجب ألا تمتلك إيران السلاح النووي، ويقع على عاتقها تقديم جميع الضمانات بأن نياتها سلمية. أنا مقتنع بأنه لا يزال هناك طريق للخروج من الحرب وتفادي مخاطر أكبر. ومن أجل تحقيق ذلك، سنسرّع المفاوضات التي بدأتها فرنسا وشركاؤها الأوروبيون مع إيران».
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتحدث في جنيف (أ.ب)
مصير الوساطة الأوروبية
الأهم فيما كتبه ماكرون ما تضمنته الجملة الأخيرة الخاصة بـ«تسريع المفاوضات» الأوروبية - الإيرانية التي يرى فيها الرئيس الفرنسي وسيلة لوضع حد للحرب، خصوصاً «تفادي مخاطر أكبر» في تلميح لاحتمال أن تنضم الولايات المتحدة الأميركية إلى العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في إيران منذ 13 من الشهر الحالي. والمعنى الآخر لكلام ماكرون أن أوروبا يمكن أن تلعب دوراً، بعكس ما يؤكده ترمب، واعتباره، ضمناً، أن ما لم تحصل عليه واشنطن في المفاوضات المباشرة مع إيران يمكن أن يحصل عليه الأوروبيون، اليوم، بسبب الضربات التي أصابت البرنامج النووي الإيراني والمنظومة العسكرية، سلاحاً وقيادةً، وما يصدر عن الجانب الإسرائيلي حول عزمه على مواصلة الحرب وهو ما زال، حتى اليوم، يتمتع بدعم واشنطن.
واللافت فرنسياً كلام وزير الخارجية الذي دعا السبت إلى «النظر في إطلاق المفاوضات مع جميع الأطراف، بما فيها الطرف الأميركي، وذلك من غير انتظار توقف الضربات (العسكرية الإسرائيلية) وهذا ما نتمناه». وشدد بارو على أن المفاوضات وحدها «تتيح لنا أن نجد حلاً لمسألة أمن إسرائيل الذي نتمسك به وأمن الشرق الأوسط وأوروبا... ولذا من المهم جداً العودة إلى المفاوضات».
ما يهم الأوروبيين بالدرجة الأولى تجنُّب التصعيد. وما يهم الطرف الإيراني المعزول، عملياً، على المسرح العالمي أن يجد طرفاً يستطيع التفاوض معه يساعده على تخفيف المطالب الأميركية. ومن الناحية النظرية، فإن الطرف الأوروبي هو الأكثر أهلية لذلك، بالنظر للتاريخ الطويل من تعاطي الجانبين في الملف النووي؛ منذ عام 2003. لكن الصعوبة تكمن في أن الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) تتبنى كلياً المطالب الأميركية، وأولها منع إيران من تخصيب اليورانيوم، بأي درجة كانت، على أراضيها.
صورة نشرتها وزارة الخارجية الألمانية تُظهر (من اليمين) وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ووزير الخارجية الألماني يوهان فادفول وهو يصافح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جنيف (أ.ف.ب)
ومن المعلوم أن هذه المسألة شكلت الخلاف الأساسي خلال المفاوضات الأميركية - الإيرانية. وعلم في باريس أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ردّ على نظرائه الأوروبيين الذين انضمت إليهم كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، بأن هذا المطلب يتناقض مع معاهدة منع انتشار السلاح النووي التي وقَّعت عليها طهران في الستينات. كذلك، فإن عراقجي كرر، في بيان، موقف بلاده الذي يربط السير بالمفاوضات، خصوصاً مع الولايات المتحدة، بوقف العمليات العسكرية ضدها، وهو ما ترفضه إسرائيل إطلاقاً، وفق آخر تصريحات لرئيس وزرائها ووزير دفاعها. وقال عراقجي إن إيران «مستعدة للنظر في حل دبلوماسي إذا وُضع حد للاعتداء، وإذا حُمّل المعتدي (إسرائيل) مسؤولية جرائمه».
لا أوراق أوروبية ضاغطة
حقيقة الأمر أن مواصلة الأوروبيين لمهمتهم وربما نجاحها مرهونان بالتقبُّل والمشاركة الأميركيين. وعبَّر وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول عن ذلك صراحة بقوله: «من المهم بالنسبة لنا (كأوروبيين) أن نشارك في المحادثات، ولكن من المهم قبل ذلك أن تكون الولايات المتحدة جزءاً منها وجزءاً من الحل». ودعمه في هذا الموقف نظيره البريطاني ديفيد لامي بقوله: «ندعو إيران إلى مواصلة المناقشات مع الولايات المتحدة».
جانب من اللقاء الوزاري الأوروبي - الإيراني في جنيف أمس (أ.ف.ب)
ويُستشف من ذلك كله أن الطرف الأوروبي، الراغب في لعب دور ما والعودة إلى طاولة المفاوضات، كما اعتاد على ذلك منذ سنوات، ليس على اطلاع على القرار الذي قد يتخذه الرئيس ترمب، وبالتالي فإنه يسعى للالتصاق به وبطروحاته إلى أقصى حدّ لتجنُّب انتقاداته. وفي لعبة رمي الكرات في ملعب الطرف الآخر، فإن المفاوض الأوروبي لا يتردد في الضغط على المفاوض الإيراني، لأنه الطرف الأضعف، الذي، رغم ذلك، ما زال يقاوم لإنقاذ برنامجه النووي في حده الأدنى بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة سيكون هو الطرف الخاسر فيها.
في عددها ليوم السبت، نقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن مصدر إيراني في جنيف قوله: «تود أوروبا إطاراً شاملاً للمفاوضات، لا سيما بشأن الملف النووي، يشمل الولايات المتحدة، ولكن بشكل تدريجي. لقد استمرت المناقشات بين إيران والاتحاد الأوروبي دائماً بفضل الإرادة السياسية من كلا الجانبين، غير أن عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات لن تكون ممكنة إلا بعد وقف الأعمال العدائية». وبكلام آخر: إيران مستعدة للتحاور مع الأوروبيين سواء توقف القصف الإسرائيلي أم لم يتوقف.
تكمن صعوبة المفاوض الأوروبي في أنه لا يملك أي ورقة ضاغطة على إسرائيل ولا على الولايات المتحدة. وبالمقابل، فإنه راغب في استعادة دورٍ فقده مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض. ولذا، عليه أن يضاعف الجهود وإثبات جدواه لإقناع الأطراف الثلاثة الأخرى (إيران وإسرائيل والولايات المتحدة) بإفساح المجال أمامه لمواصلة مساعيه، في حين أن الأطراف الثلاثة قادرة على تعطيلها في أي وقت شاءت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 35 دقائق
- العربية
عراقجي: مواصلة المفاوضات مرهونة بوقف الهجمات الإسرائيلية
أعرب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، السبت، عن امتنان بلاده عن امتنانه العميق لمنظمة التعاون الإسلامي لدعمها الكامل والقاطع في وجه الهجمات الإسرائيلية. وقف الهجمات الإسرائيلية شرط لعودة المفاوضات كما أكد عبر X، أن الغرب فقد بوصلته الأخلاقية تماما. وشدد على ألا تفاوض قبل وقف الهجمات الإسرائيلية، موضحاً أن مواصلة المفاوضات مرهونة بذلك. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أبلغ السبت، وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن استئناف المحادثات بين إيران والولايات المتحدة حول برنامج طهران النووي هو السبيل الوحيد لحل الخلاف بينهما وإنهاء الصراع مع إسرائيل، وفق الرئاسة التركية. والتقى أردوغان بعراقجي على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول. أتى ذلك بعدما أكد عراقجي الخميس، على أن بلاده لا يمكن أن تقبل بتصفير تخصيب اليورانيوم، وهي النقطة التي عرقلت المحادثات النووية مع الجانب الأميركي قبل تفجر المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في 13 يونيو. تغطية متواصلة من #قناة_العربية للتصعيد الإيراني الإسرائيلي المتبادل وتداعياته — العربية عاجل (@AlArabiya_Brk) June 21, 2025 فيما اقترحت الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) خطة شاملة مؤلفة من 3 بنود، تقضي بوقف تخصيب اليورانيوم وتقديم ضمانات أكبر حول البرنامج النووي وإتاحة سبل التفتيش الدولي للمنشآت النووية الإيرانية، فضلا عن وقف تمويل ودعم الفصائل المسلحة في المنطقة. في حين كشف مسؤولون عرب وأوروبيون أن المبعوث الخاص لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، قدّم لإيران اقتراحاً في وقت سابق يُلزمها بوقف تخصيب اليورانيوم، لكنه يمنحها إمكانية الوصول إلى الوقود المخصب عبر "اتحاد إقليمي" أو ما عرف بالـ"كونسورتيوم". كما أوضحوا أن طهران أعربت عن استعدادها لتحديد نسبة تخصيبها عند 3.67%، وهو مستوى يتوافق مع الاستخدامات المدنية، لكنها لن تتخلى عنه بشكل نهائي. تأتي تلك التطورات فيما ينتظر الجانب الأميركي رداً واضحا من الإيرانيين على عرضه الأخير قبل احتمال استئناف المحادثات النووية، أو الانخراط في الحرب إلى جانب إسرائيل، بعد أن منحهم مهلة شهرين. غارات واغتيالات يذكر أنه منذ 13 يونيو، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية والهجمات على مواقع عسكرية إيرانية ومنشآت نووية. كما اغتالت عشرات القادة العسكريين الإيرانيين، في مقدمتهم رئيس هيئة الأركان محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، وغيرهما. فيما ردت إيران بهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، متوعدة بالمزيد.


الشرق السعودية
منذ 36 دقائق
- الشرق السعودية
مصدران: إسرائيل تسعى لاتخاذ إجراءات سريعة بشأن إيران في ظل انقسام الإدارة الأميركية
قال مصدران إن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنهم لا يريدون الانتظار أسبوعين حتى تتوصل إيران إلى اتفاق لتفكيك أجزاء رئيسية من برنامجها النووي، وإن إسرائيل قد تتحرك بمفردها قبل انتهاء المهلة، وسط استمرار الجدل داخل فريق ترمب عما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة التدخل. وأضاف المصدران المطلعان أن إسرائيل نقلت مخاوفها إلى مسؤولي إدارة ترامب، الخميس، خلال ما وصفاها بأنها مكالمة هاتفية مشوبة بالتوتر. وأفاد مسؤول أميركي لشبكة NBC، السبت، بأن الولايات المتحدة وإيران واصلتا التواصل خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن من غير الواضح ما إذا كان يمكن اعتبار هذا التواصل مفاوضات فعلية. وترفض إدارة الرئيس ترمب تقديم تفاصيل إضافية بشأن طبيعة هذا التواصل، كما لم تكشف عن نهجها القادم تجاه إيران، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة. وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال ،الجمعة، لـ NBC إن الولايات المتحدة، إذا كانت جادة في استئناف المفاوضات النووية، فعليها أن تطلب أولاً من إسرائيل وقف ضرباتها. ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت واشنطن ستقدم هذا الطلب، قال ترمب، الجمعة: "أعتقد أن من الصعب جداً تقديم هذا الطلب لإسرائيل في الوقت الحالي". ويتواصل تبادل الهجمات الجوية بين إسرائيل وإيران منذ ما يزيد على أسبوع، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، عن استعداده لاحتمال الدخول في "حرب طويلة" ضد إيران، مشيراً إلى تنفيذه غارة جوية خلال الليل استهدفت منشأة أبحاث نووية داخل الأراضي الإيرانية، واغتيال 3 من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في هجمات مستهدفة، وفق ما نقلته وكالة "أسوشيتد برس". وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العميد إيفي دفرين، إن رئيس أركان الجيش، الجنرال إيال زمير، وجّه القوات بالاستعداد لـ"حملة عسكرية طويلة". وفي المقابل قال الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، السبت، إن بلاده لن تقبل بخفض تخصيب اليورانيوم إلى الصفر "تحت أي ظرف"، كما شدد على أن "رد طهران على الهجوم الإسرائيلي المستمر سيكون أشد وطأة". وذكر التلفزيون الإيراني أن بيزشكيان أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن طهران لن تتنازل عن حقوقها بموجب القانون الدولي في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.


الوطن
منذ ساعة واحدة
- الوطن
قبل ضغط الزر.. أسئلة مصيرية تحاصر ترمب
بينما تتصاعد وتيرة المواجهة بين إسرائيل وإيران، يجد الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، نفسه أمام معضلة إستراتيجية تتطلب توازنًا بالغ الدقة بين العمل العسكري والرهانات السياسية، فبحسب تقارير متعددة، وافق ترمب مبدئيًا على خطط عسكرية لاستهداف منشآت إيرانية، إلا أنه أجل القرار النهائي أسبوعين، قائلاً: «قد أفعل ذلك، وقد لا أفعل». وفي هذا السياق، يشير الخبير الأمريكي، دانيال بايمن، في مقال تحليلي نشرته مجلة «فورين بوليسي» إلى أن خيار التدخل العسكري لا ينبغي أن يُتخذ بناءً على الاعتبارات العسكرية وحدها، بل يجب أن يسبقه تفكير عميق في الأهداف والمخاطر والتبعات البعيدة المدى، ويطرح في تحيل أربعة أسئلة مركزية، ينبغي على ترمب الإجابة عنها قبل اتخاذ قراره النهائي. 1. ما هو الهدف الحقيقي من الضربة؟ تتراوح الخيارات أمام واشنطن بين ضربات محدودة تهدف إلى عرقلة البرنامج النووي الإيراني، وضربات أوسع تشمل استهداف القدرات العسكرية والبنية التحتية التابعة للحرس الثوري، في محاولة لدفع طهران إلى تقديم تنازلات سياسية، لكن بايمن يحذر من أن توسيع الأهداف نحو تغيير النظام -وإن لم يُعلَن رسميًا- هو مسار شديد الخطورة، وقد تكون نتائجه عكسية ما لم يُقرن بخطة تدخل شامل يصعب تنفيذه في الواقع. 2. كيف ستكون ردة فعل إيران؟ يشير بايمن إلى أن طهران تمتلك أدوات متقدمة للرد، من خلال وكلائها الإقليميين أو عمليات انتقامية تطال مصالح أمريكية في الخارج. وقد تمتد تداعيات الرد الإيراني إلى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما يمكن أن تهدد إيران أمن مضيق هرمز وتدفق النفط العالمي، ما يخلق أزمة اقتصادية موازية للأزمة الأمنية، ورغم أن بعض حلفاء إيران باتوا أكثر حذرًا، إلا أن طهران قد تلجأ إلى تحريكهم في عمليات رمزية أو ذات طابع نوعي. 3. ما التبعات طويلة المدى؟ حتى في حال انتهاء الضربة بنتائج عسكرية إيجابية على المدى القصير، فإن إيران قد ترد بخطوات أكثر جذرية لاحقًا، مثل الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، أو تطوير برنامج نووي سري يصعب تعقبه. ويذكّر الكاتب بمحاولات طهران السابقة للرد المؤجل، كاستهداف مسؤولين أمريكيين بعد فترة من مقتل قاسم سليماني، ويضيف أن الفشل في احتواء العواقب الإستراتيجية قد يؤدي إلى انزلاق طويل الأمد، يرهق واشنطن سياسيًا وأمنيًا. 4. ما تكلفة الانخراط في حرب جديدة؟ ينبه بايمن إلى أن انشغال الولايات المتحدة بجبهة جديدة ضد إيران قد يُضعف تركيزها على ملفات إستراتيجية أخرى، أبرزها التصعيد مع الصين في بحر جنوب الصين وقضية تايوان، كما أن الحرب في أوكرانيا قد تتراجع إلى الهامش، في وقت تتطلب فيه جهودًا دبلوماسية وعسكرية مستمرة. من الناحية المالية، يشير الكاتب إلى أن أي عملية ضد إيران ستكون مكلفة للغاية، مقارنة بتدخلات سابقة كالحرب في اليمن، التي تجاوزت تكلفتها مليار دولار، فضلاً عن ذلك، فإن الضغط على التحالفات الدولية من أجل الدعم قد يضعف موقع واشنطن في ملفات عالمية أخرى. وبحسب بايمن، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالنجاح العسكري الأولي، بل بوجود خطة إستراتيجية واضحة لتحويل الضربة إلى نفوذ سياسي دائم، ويرى أن على ترمب أن يزن ما إذا كانت الأهداف قابلة للتحقيق، وأن الرد الإيراني يمكن احتواؤه، وأن التكاليف لن تكون مدمرة، قبل أن يقرر خوض هذه المغامرة. ويختم بالقول: «الحرب مع إيران إذا اندلعت، لن تكون حملة سريعة، بل بداية لصراع طويل تتطلب إدارته دعمًا داخليًا واسعًا، واستعدادًا لتضحيات لا تقل عن تلك التي صاحبت مغامرات أمريكية سابقة في الشرق الأوسط».