
محمود شكوكو... نجومية صارخة ببساطة
بمظهر ومضمون شديد المصرية، حقق الفنان الراحل محمود شكوكو نجاحاً طاغياً وأصبح من رواد فن المونولوج في مصر، وشكوكو الذي أُطلق عليه "شارلي شابلن العرب" تحل هذا العام ذكرى رحيله الـ 40، بعد أن تفرّد في مجال لم يقترب منه كثر وهو المونولوج، ليصبح واحداً من أشهر مبدعيه بعد تمصيره وتقديمه بالجلباب البلدي والطاقية المصرية.
ولد محمود شكوكو في حي الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1912 لأسرة متوسطة الحال، فالأب كان يعمل في النجارة التي ورثها منه ابنه وبرع فيها وظل يعمل بها حتى بعد انطلاقه في عالم الفن، فقد بدأ يسعى إلى الغناء في الأفراح الشعبية والموالد، وظل لأعوام يخوض نزاعاً مع والده الذي كان يريد لابنه أن يركز في حرفته، لكن رغبته في دخول عالم الفن جعلته يسعى بالوسائل كافة لتحقيق حلمه والخروج بموهبته إلى النور.
وكانت نقطة الانطلاقة الأولى عندما التقى الفنان علي الكسار الذي ضمه لفرقته المسرحية الذائعة الصيت آنذاك، ليقدم المونولوجات الخفيفة بين فصول المسرحية، ومن هنا تعرف على كثير من المؤلفين والملحنين وبدأ يقترب من عالم الفن وقدم مونولوجاته في كثير من الكازينوهات التي كانت منتشرة وقتها، ومنها كازينو بديعة مصابني، لتكون الانطلاقة الثانية عندما سمعه الإذاعي محمد فتحي ليقدمه في إحدى الحفلات التي كانت تبثها الإذاعة، ويحقق انتشاراً كبيراً بمنولوجاته الفكاهية التي أحبتها الجماهير.
على شاشة السينما
ومع النجاح المدوي لشكوكو في فن المونولوج انطلق في عالم السينما التي كانت بدأت تقديم أعمال أكثر نضجاً بعد مرحلة التجارب الأولى خلال الثلاثينيات، ففي عام 1942 كانت بدايته مع فيلم "بحبح في بغداد" وبعدها فيلم "حسن وحسن" عام 1944، لتتوالى الأفلام خلال حقبة الأربعينيات ومن أشهرها "عودة طاقية الإخفاء" و"ليلي بنت الأغنياء" و"طلاق سعاد هانم" و"قلبي دليلي"، وبحلول الخمسينيات قدم فيلماً من بطولته المطلقة وهو "عنتر ولبلب" عام 1952، وتوالت أعماله طوال الخمسينيات حتى بدأ في التراجع بداية الستينيات عندما قدم أدوراً صغيرة في بعض الأفلام، ومن بينها "زقاق المدق" عام 1963 و"أميرة حبي أنا" عام 1972، ليكون آخر أعماله السينمائية "شلة الأنس" عام 1976.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقدم محمود شكوكو خلال مسيرته 600 مونولوج و98 فيلماً سينمائياً وعدداً كبيراً من المسرحيات، ومن الملاحظ أنه قدم في معظم أعماله السينمائية شخصية قريبة لشخصيته الفنية خارجها، فنقل عالم المونولوج إلى صالات السينما ليلقى قبولاً ونجاحاً كبيرين، ويكون هذا دافعاً لتطوير فن المونولوج الذي شهد انطلاقة كبرى بظهوره على شاشات السينما وتوظيفه في السياقات الدرامية للأفلام وتلحين أشهر الملحنين له، فمن أشهر مونولوجات شكوكو في السينما ما قدمه مع ليلي مراد في أوبريت "اللي يقدر على قلبي" من تلحين محمد عبدالوهاب، وجرى تقديمه في فيلم "عنبر" عام 1948.
ويقول الناقد الفني محمود قاسم إن "فن المونولوج يرتبط إلى جانب المؤدي بوجود ملحن جيد ومؤلف يستطيع كتابة مثل هذا النوع ببراعة، وخلال هذه الفترة كان من أشهر من كتب المونولوجات بيرم التونسي وأبو السعود الابياري وبديع خيري، ونجح شكوكو في تقديمها باعتباره ظاهرة خاصة في زيه وطريقته في الرقص والغناء، ومن خلال المونولوج اقتحم عالم السينما وكان بمثابة فاكهة العمل كفقرة خفيفة كوميدية يحبها الناس، فاستغل شكوكو هذا النجاح وتوالت أعماله طوال عقدي الأربعينيات والخمسينيات، وهي فترة تألقه في عالم السينما التي تراجع بعدها، لكنه قدم قالباً جديداً حقق نجاحاً وجماهيرية كبيرة بين الناس".
ويضيف قاسم أن "السينما طورت فن المونولوج، فلم يكن شكوكو فقط من يقدمه وإنما أيضاً إسماعيل ياسين، ولكنه لم يرتبط بهذا القالب لفترة طويلة واتجه إلى البطولات السينمائية المطلقة وإنتاج أفلام تحمل اسمه، وهو ما لم يفعله شكوكو الذي ظل محصوراً في قالب معين ولم يسع إلى البطولة المطلقة أو استغلال إمكاناته الفنية، فكان يمكن أن يكون نموذجاً للبطل الشعبي القريب من الناس لكنه قدم فيلماً واحداً من بطولته، وكانت فكرته تدور حول مواجهة الفتوة أو الطاغية بذكاء، وهو مكتوب بصورة أقرب إلى الأدب الشعبي".
وإضافة إلى استخدام كلمات بسيطة في المونولوجات مثل أوبريت "ورد عليك" الذي قدمه بداية الأربعينات، يمكن اعتبار شكوكو أول من اعتمد فكرة الـ "فرانكو آراب" التي ظهرت لاحقاً مع كثير من الفنانين، فضم كلمات إنجليزية لبعض مونولوجاته الشهيرة مثل "حبيبي شغل كايرو" و"أشوف وشك تومورو"، وكان هذا شيئاً جديداً حينها وغير مألوف للجماهير.
شكوكو والمسرح
وعلى رغم شهرة شكوكو الكبيرة من خلال السينما فإن بدايته كانت في المسرح، وخلال الستينيات وبداية انحسار تجربته السينمائية، سلك اتجاهاً مسرحياً كان جديداً وقتها وهو تقديم عروض الأراجوز، ففن الأراجوز في هذه الفترة كان قد تراجع لمصلحة أنواع أخرى من الترفيه، لكن شكوكو أخذ على عاتقه إحياء الأراجوز الذي ربما استلهم منه شخصيته الشهيرة في بداياته بزيه التقليدي، الجلباب والعصا والطاقية، وكان هذا المشروع نواة مسرح العرائس في مصر لاحقاً والذي لا يزال قائماً حتى الآن.
وكذلك قدم شكوكو على مسرحه للعرائس عروضاً حققت نجاحاً كبيراً مثل "السندباد البلدي" و"الكونت دي مونت شكوكو" و"قهوة الفن"، وكان من الفنانين القلائل الذين صنعت الدمى على هيئتهم، ويقول أستاذ الأدب المسرحي بجامعة حلوان سيد على إسماعيل إن "بدايات شكوكو كانت على المسرح مع فرقة علي الكسار قبل أن ينتقل إلى المشاركة في أفلام السينما، ولاحقاً أصبح صاحب فرقة مسرحية، ففي عام 1946 أنشأ فرقته التي كانت بداية كبيرة، ليست فقط له، وإنما لكثير من النجوم الذين لمعوا في مجالات فنية منوعة خلال ذلك العصر، ومن بينهم عبدالعزيز محمود ونجاة الصغيرة وكارم محمود، كما شارك في الفرقة محمد عبدالمطلب وشفيق جلال وسعاد مكاوي وغيرهم من نجوم هذا الزمن، وقدمت الفرقة عروضها على مسرح الأزبكية، فالفرق المسرحية خلال تلك الفترة كانت منتشرة والمنافسة بينها كبيرة، ومن أشهرها فرق جورج أبيض ونجيب الريحاني وعلي الكسار ويوسف وهبي".
ويتابع إسماعيل أنه "إضافة إلى المسارح كانت كازينوهات شارع عماد الدين خلال تلك الفترة في أوج مجدها، وعرض شكوكو مونولوجاته على كثير منها ولاقت نجاحاً كبيراً، وعندما انتقل إلى السينما نقل جانباً مما يحدث في كازينوهات ومسارح عماد الدين على الشاشة، ولا نزال نشاهدها حتى الآن"، مضيفاً أن "شكوكو أول من نقل الأراجوز الشعبي المتعارف عليه من الشوارع والموالد إلى خشبة المسرح خلال الستينيات، ليقدم عروضاً عائلية يذهب الناس إلى المسرح لمشاهدتها، فقدم عروضاً على مسرح المتروبول ودار الأوبرا الملكية، وأخرج هذه العروض صلاح السقا، وهو أبو مسرح العرائس المصري، وكتب كثيراً منها كبار الشعراء، فلم يعد الأراجوز مرتبطاً بترفيه أبناء الطبقات الشعبية وإنما عرض على أرقى المسارح حتى إنه قدم عروضه خارج مصر ولاقت نجاحاً كبيراً".
المونولوج والسياسة
شهدت تلك الحقبة من القرن الـ 20 عدداً من الأحداث السياسية الكبرى مثل الحرب العالمية الثانية ونكبة 1948 وقيام ثورة يوليو (تموز) 1952 وتحول مصر من الملكية إلى الجمهورية، فلم ينفصل شكوكو عن هذه الأحداث وقدم مونولوجات حول أحداث سياسية مختلفة، وكان داعماً لثورة يوليو وغنى لها قائلاً "بقينا تمام، شعب وحكام، حاكمين أنفسنا بأنفسنا"، وبعد نكسة يونيو (حزيران) 1967 ومع تألقه في مجال مسرح العرائس، نظم جولات لعروض الأراجوز دعماً للمجهود الحربي في محافظات مصر المختلفة، كما دعم القضية الفلسطينية وشارك في ما كان يطلق عليه وقتها "قطارات الرحمة" التي كانت تجوب المحافظات لجمع التبرعات لفلسطين.
ومن المواقف الطريفة التي تروى عن شكوكو خلال فترة حكم الملك فاروق أنه بعدما ذاع صيته وأصبح يقوم بجولات فنية داخل مصر وخارجها عاد من جولة في إنجلترا بسيارة جديدة حمراء من ماركة "رالي"، وهو ما كان حكراً على الملك فاروق وحده، وما إن وصلت السيارة إلى جمرك الإسكندرية حتى جرى حجزها ومنعها من دخول مصر بسبب لونها الملكي الأحمر، فقام شكوكو بالاتصال برئيس الوزراء النحاس باشا الذي توسط لدى الملك وأجاز دخول السيارة، ولم تكن هناك سيارات حمراء وقتها في مصر سوى سيارتي الملك وشكوكو.
وعلى رغم نجاح شكوكو في عالم الفن فإنه ظل متمسكاً بمهنته الأولى وهي النجارة، فانفصل عن والده وأنشأ ورشته الخاصة في منطقة الرويعي بالقاهرة، وظلت منتجاتها لأعوام طويلة تباع في أشهر متاجر الموبيليا في مصر آنذاك مثل "شيكوريل" و "صيدناوي"، وخلال الأربعينيات أصبح شكوكو نجماً في مصر وخارجها ولكنه لم يستطع الاندماج الكامل داخل المجتمعات الأرستقراطية المصرية إبان تلك الفترة".
ومن الأمثلة التي تذكر هنا توتر علاقته بيوسف وهبي الذي كان في قمة مجده خلال تلك الفترة، أنه حصل على البكوية وكان متزوجاً من الأميرة عائشة فهمي صاحبة القصر الوردي الشهير بمنطقة الزمالك في القاهرة، ويقال إن شكوكو ربطته بها قصة حب بعد طلاقها من يوسف وهبي لم يقدر لها الاكتمال، ويقول الكاتب مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها" إنه "بعد قصة الحب التي ربطت شكوكو بالسيدة عائشة فهمي وزواجهما الذي أثار الزوابع عليهما بخاصة من الفنان يوسف وهبي، بدأ المجتمع المخملي يترصد هذه العلاقة، وعندما ركب شكوكو السيارة الإنجليزية الفاخرة (بانتلي) التي لا يركبها غير اللوردات والسفراء والأمراء أواخر الأربعينيات، أثار حقد وغلّ الأسرة المالكة وبعض أفراد العائلات الأرستقراطية فأجبروه على بيعها"، وقد تزوج شكوكو وأنجب وظل محافظاً على شخصيته الحقيقية لابن البلد المصري، والتي كانت سر نجاحه في الحقيقة وفي عالم الفن، وخلال فترة السبعينيات كرّمه الرئيس الراحل أنور السادات في "عيد العلم"، وذهب لتلقي التكريم وهو يرتدي الجلابية والطاقية، سرّ تفرده ومظهر نجاحه، وتوفي عام 1985 لتبقي ذكراه حاضرة بعد مرور 40 عاماً على رحيله.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- العربية
مَن هم المؤثرون؟
مشاري الذايدي زميل في هذه الصحيفة، ومقدم برنامج «سجال» في تلفزيون العربية، طرح فكرة مركزية للغاية في برنامجه، وهي «مَن هم المؤثرون؟»، والفكرة بحد ذاتها تحتاج إلى نقاش عام، وطرح وجهات النظر المختلفة حولها، فمَن هم المؤثرون؟ وكيف نقيس تأثيرهم؟ وهل الشهرة تعني التأثير؟ في عصر الكتب، السابق للتواصل الاجتماعي، كان هناك مؤثرون، ولكن هؤلاء كان تأثيرهم محدوداً بالقراء الذين يفهمون ما يقصدون في الكتب، والمفاهيم التي يطرحونها، ولكن ليس بالضرورة أن كل كتاب أو كاتب مشهور أو منتشر له تأثير في المجتمع الذي يعيش فيه، لعل المثال الأهم في هذا الصدد هو كتاب «الفريضة الغائبة» الذي ألّفه محمد عبد السلام فرج، ولم يبلغ عدد صفحاته إلا القليل، ومن قرأه لا يزيد على 70 شخصاً، ومع ذلك فإن هذا الكتاب قتل شخصية سياسية كبيرة في تاريخنا الحديث، وهو الرئيس المرحوم أنور السادات! الذي تغيَّرت بعده بوصلة التاريخ الحديث لمصر. وقال القاتل فيما بعد إنه «استند إلى فتوى من بضع كلمات!». في عصر الإعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، شاع استخدام مصطلح «المؤثرون» لوصف أفراد من المفروض أنهم يتمتعون بقدرة على التأثير في آراء الآخرين وقراراتهم وسلوكياتهم، ولكن من الأسئلة التي تطرح: هل الشهرة وحدها تكفي كي نطلق على شخص ما لقب مؤثر؟ أم أن هناك عناصر أخرى يتوجب أن نحسبها؟ من الأمثلة الشائعة، وأعتقد أنها من صنع الخيال، أن نقاشاً دار بين المرحوم محمود شكوكو والمرحوم عباس العقاد، أيهما أشهر من الآخر؟ فقال شكوكو: لنقف نحن الاثنان في الميدان العام، ونرى كم من المارة سيتعرف على أي منا! هل سيُشير إليَّ، هذا شكوكو، أو يشير إليك، وهذا عباس العقاد؟ الفكرة في الغالب مصطنعة، ولكنها تريد أن توصل قضية مركزية في هذا المفهوم، وهي أن الشهرة لا تعني التأثير، فمن تأثَّر بكتب عباس العقاد بالتأكيد أكثر ممن تأثَّر بأغنيات محمود شكوكو الشعبية! فالشهرة لا تعني بالضرورة التأثير، الشهرة تعني أن يعرفك عدد كبير من الناس، أما التأثير فهو أن تتمكن من تغيير سلوك الناس وآرائهم، وقد يكون الشخص مشهوراً دون تأثير حقيقي، أما تغيير سلوك الناس وقيمهم فهو عملية صعبة، تحتاج إلى أدوات متقنة، وأيضاً إلى ظروف مناسبة. المؤثر هو شخص يملك القدرة على تغيير أو توجيه السلوك أو آراء أو معتقدات الآخرين في مجالات مثل التسوق أو السياسة أو القيم المجتمعية أو الثقافية، ولكنَّ هناك عاملين مهمين في إطار التأثير؛ هما الثقة بالشخص من جهة، والحاجة أو الرغبة من المتلقي من جهة أخرى، فيجب أن تتوفر في المؤثر ثقة الآخرين بما يقول، وحاجة الناس للأفكار التي يقولها، حتى لو كانت سطحية وربما خرافية، فكثيراً ما نشاهد مَن يقوم بالتسويق لسلعة ما، وليس للمشاهد ثقة بما يقول، فهو مرة يسوق حذاءً رياضياً، ومرة أخرى يسوق أهمية الكركم للصحة! صحيح أن هناك الكثير ممن يتابعه، ولكن هذه المتابعة نابعة من الفضول، وليس من قبول ما يقول ذلك الشخص، أما تأثير الآخر فهو نابع من حاجة ثقافية حتى لو كانت خرافية! وللتأثير في الآخرين فإن الخاصية الأساسية أن الناس في الغالب تتابع الأحداث السيئة التي تقع للآخرين، فالخبر السيئ ينتشر أكثر من الخبر الإيجابي. الناس تتابع أكثر ما تحب أو ما تكره، تلك طبيعة بشرية، فالناس تحب أن تصدِّق ما يروقها، ويتوافق مع معتقدها، ولا تتوقف كثيراً لمعرفة الحقيقة من التزييف، أو تحب أن تشمت فيمن تكره! كما أن الآخرين (المؤثر فيهم) لهم طبيعة ثقافية هشّة، لم يدربوا على منهج المساءلة، والتفكير النقدي، خاصة في الشؤون الدينية والسياسية، وهي المجالات الأخطر. نرى اليوم عدداً لا بأس به من أصحاب المنصات (يسمون في بعض الأوقات صناع محتوى) يهرولون وراء الشخصيات نفسها التي تأخذ مواقف حادة من مجتمعها، أو من القضايا العامة، ونرى تلك الشخصيات مكررة في أكثر من منصة، ويصدق البسطاء الذين تقل عندهم المناعة المعرفية ما تنقله تلك الشخصيات على افتراض أن (من يقوم بالمقابلة والمُقابل) هم من أهل المعرفة، ويفترض فيهم أنهم يُقدمون شيئاً نافعاً للمجتمع! ومع فحص ما يقال، لمن يستخدم عقله بمنهجية نقدية، هزال ما يقال بل تناقضه الفج. حتى قبل صعود ما نعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، كانت فكرة «الترديد»، أي إعادة «المفردات والمشاهد» مرة بعد أخرى، تؤدي إلى ترسيخ الفكرة، وإن كانت شاذة، والمثال المشهور هنا ما يعرفه كثيرون نقلاً (ربما مختلقاً) عن بول يوزف غوبلز، وزير دعاية أدولف هتلر: «اكذب... اكذب وردد الكذب حتى يصدقك الناس!». أمام هذا المشهد الذي يحاول الذايدي أن يفككه، ويعيد تركيبه، تُطرح قضية مهمة وجدلية وهي «التحكم في العقول»، فما عليك إلا أن تتحكم في عقل مجتمع حتى تقوده إلى أي مكان تريد، وإن كان إلى التهلكة!


الشرق الأوسط
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
مَن هم المؤثرون؟
مشاري الذايدي زميل في هذه الصحيفة، ومقدم برنامج «سجال» في تلفزيون العربية، طرح فكرة مركزية للغاية في برنامجه، وهي «مَن هم المؤثرون؟»، والفكرة بحد ذاتها تحتاج إلى نقاش عام، وطرح وجهات النظر المختلفة حولها، فمَن هم المؤثرون؟ وكيف نقيس تأثيرهم؟ وهل الشهرة تعني التأثير؟ في عصر الكتب، السابق للتواصل الاجتماعي، كان هناك مؤثرون، ولكن هؤلاء كان تأثيرهم محدوداً بالقراء الذين يفهمون ما يقصدون في الكتب، والمفاهيم التي يطرحونها، ولكن ليس بالضرورة أن كل كتاب أو كاتب مشهور أو منتشر له تأثير في المجتمع الذي يعيش فيه، لعل المثال الأهم في هذا الصدد هو كتاب «الفريضة الغائبة» الذي ألّفه محمد عبد السلام فرج، ولم يبلغ عدد صفحاته إلا القليل، ومن قرأه لا يزيد على 70 شخصاً، ومع ذلك فإن هذا الكتاب قتل شخصية سياسية كبيرة في تاريخنا الحديث، وهو الرئيس المرحوم أنور السادات! الذي تغيَّرت بعده بوصلة التاريخ الحديث لمصر. وقال القاتل فيما بعد إنه «استند إلى فتوى من بضع كلمات!». في عصر الإعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، شاع استخدام مصطلح «المؤثرون» لوصف أفراد من المفروض أنهم يتمتعون بقدرة على التأثير في آراء الآخرين وقراراتهم وسلوكياتهم، ولكن من الأسئلة التي تطرح: هل الشهرة وحدها تكفي كي نطلق على شخص ما لقب مؤثر؟ أم أن هناك عناصر أخرى يتوجب أن نحسبها؟ من الأمثلة الشائعة، وأعتقد أنها من صنع الخيال، أن نقاشاً دار بين المرحوم محمود شكوكو والمرحوم عباس العقاد، أيهما أشهر من الآخر؟ فقال شكوكو: لنقف نحن الاثنان في الميدان العام، ونرى كم من المارة سيتعرف على أي منا! هل سيُشير إليَّ، هذا شكوكو، أو يشير إليك، وهذا عباس العقاد؟ الفكرة في الغالب مصطنعة، ولكنها تريد أن توصل قضية مركزية في هذا المفهوم، وهي أن الشهرة لا تعني التأثير، فمن تأثَّر بكتب عباس العقاد بالتأكيد أكثر ممن تأثَّر بأغنيات محمود شكوكو الشعبية! فالشهرة لا تعني بالضرورة التأثير، الشهرة تعني أن يعرفك عدد كبير من الناس، أما التأثير فهو أن تتمكن من تغيير سلوك الناس وآرائهم، وقد يكون الشخص مشهوراً دون تأثير حقيقي، أما تغيير سلوك الناس وقيمهم فهو عملية صعبة، تحتاج إلى أدوات متقنة، وأيضاً إلى ظروف مناسبة. المؤثر هو شخص يملك القدرة على تغيير أو توجيه السلوك أو آراء أو معتقدات الآخرين في مجالات مثل التسوق أو السياسة أو القيم المجتمعية أو الثقافية، ولكنَّ هناك عاملين مهمين في إطار التأثير؛ هما الثقة بالشخص من جهة، والحاجة أو الرغبة من المتلقي من جهة أخرى، فيجب أن تتوفر في المؤثر ثقة الآخرين بما يقول، وحاجة الناس للأفكار التي يقولها، حتى لو كانت سطحية وربما خرافية، فكثيراً ما نشاهد مَن يقوم بالتسويق لسلعة ما، وليس للمشاهد ثقة بما يقول، فهو مرة يسوق حذاءً رياضياً، ومرة أخرى يسوق أهمية الكركم للصحة! صحيح أن هناك الكثير ممن يتابعه، ولكن هذه المتابعة نابعة من الفضول، وليس من قبول ما يقول ذلك الشخص، أما تأثير الآخر فهو نابع من حاجة ثقافية حتى لو كانت خرافية! وللتأثير في الآخرين فإن الخاصية الأساسية أن الناس في الغالب تتابع الأحداث السيئة التي تقع للآخرين، فالخبر السيئ ينتشر أكثر من الخبر الإيجابي. الناس تتابع أكثر ما تحب أو ما تكره، تلك طبيعة بشرية، فالناس تحب أن تصدِّق ما يروقها، ويتوافق مع معتقدها، ولا تتوقف كثيراً لمعرفة الحقيقة من التزييف، أو تحب أن تشمت فيمن تكره! كما أن الآخرين (المؤثر فيهم) لهم طبيعة ثقافية هشّة، لم يدربوا على منهج المساءلة، والتفكير النقدي، خاصة في الشؤون الدينية والسياسية، وهي المجالات الأخطر. نرى اليوم عدداً لا بأس به من أصحاب المنصات (يسمون في بعض الأوقات صناع محتوى) يهرولون وراء الشخصيات نفسها التي تأخذ مواقف حادة من مجتمعها، أو من القضايا العامة، ونرى تلك الشخصيات مكررة في أكثر من منصة، ويصدق البسطاء الذين تقل عندهم المناعة المعرفية ما تنقله تلك الشخصيات على افتراض أن (من يقوم بالمقابلة والمُقابل) هم من أهل المعرفة، ويفترض فيهم أنهم يُقدمون شيئاً نافعاً للمجتمع! ومع فحص ما يقال، لمن يستخدم عقله بمنهجية نقدية، هزال ما يقال بل تناقضه الفج. حتى قبل صعود ما نعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، كانت فكرة «الترديد»، أي إعادة «المفردات والمشاهد» مرة بعد أخرى، تؤدي إلى ترسيخ الفكرة، وإن كانت شاذة، والمثال المشهور هنا ما يعرفه كثيرون نقلاً (ربما مختلقاً) عن بول يوزف غوبلز، وزير دعاية أدولف هتلر: «اكذب... اكذب وردد الكذب حتى يصدقك الناس!». أمام هذا المشهد الذي يحاول الذايدي أن يفككه، ويعيد تركيبه، تُطرح قضية مهمة وجدلية وهي «التحكم في العقول»، فما عليك إلا أن تتحكم في عقل مجتمع حتى تقوده إلى أي مكان تريد، وإن كان إلى التهلكة! آخر الكلام: المرحوم صلاح عبد الصبور قال قبل عقود: «وسقط القول قد يعلو بأجنحة من الترديد»!


Independent عربية
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
محمود شكوكو... نجومية صارخة ببساطة
بمظهر ومضمون شديد المصرية، حقق الفنان الراحل محمود شكوكو نجاحاً طاغياً وأصبح من رواد فن المونولوج في مصر، وشكوكو الذي أُطلق عليه "شارلي شابلن العرب" تحل هذا العام ذكرى رحيله الـ 40، بعد أن تفرّد في مجال لم يقترب منه كثر وهو المونولوج، ليصبح واحداً من أشهر مبدعيه بعد تمصيره وتقديمه بالجلباب البلدي والطاقية المصرية. ولد محمود شكوكو في حي الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1912 لأسرة متوسطة الحال، فالأب كان يعمل في النجارة التي ورثها منه ابنه وبرع فيها وظل يعمل بها حتى بعد انطلاقه في عالم الفن، فقد بدأ يسعى إلى الغناء في الأفراح الشعبية والموالد، وظل لأعوام يخوض نزاعاً مع والده الذي كان يريد لابنه أن يركز في حرفته، لكن رغبته في دخول عالم الفن جعلته يسعى بالوسائل كافة لتحقيق حلمه والخروج بموهبته إلى النور. وكانت نقطة الانطلاقة الأولى عندما التقى الفنان علي الكسار الذي ضمه لفرقته المسرحية الذائعة الصيت آنذاك، ليقدم المونولوجات الخفيفة بين فصول المسرحية، ومن هنا تعرف على كثير من المؤلفين والملحنين وبدأ يقترب من عالم الفن وقدم مونولوجاته في كثير من الكازينوهات التي كانت منتشرة وقتها، ومنها كازينو بديعة مصابني، لتكون الانطلاقة الثانية عندما سمعه الإذاعي محمد فتحي ليقدمه في إحدى الحفلات التي كانت تبثها الإذاعة، ويحقق انتشاراً كبيراً بمنولوجاته الفكاهية التي أحبتها الجماهير. على شاشة السينما ومع النجاح المدوي لشكوكو في فن المونولوج انطلق في عالم السينما التي كانت بدأت تقديم أعمال أكثر نضجاً بعد مرحلة التجارب الأولى خلال الثلاثينيات، ففي عام 1942 كانت بدايته مع فيلم "بحبح في بغداد" وبعدها فيلم "حسن وحسن" عام 1944، لتتوالى الأفلام خلال حقبة الأربعينيات ومن أشهرها "عودة طاقية الإخفاء" و"ليلي بنت الأغنياء" و"طلاق سعاد هانم" و"قلبي دليلي"، وبحلول الخمسينيات قدم فيلماً من بطولته المطلقة وهو "عنتر ولبلب" عام 1952، وتوالت أعماله طوال الخمسينيات حتى بدأ في التراجع بداية الستينيات عندما قدم أدوراً صغيرة في بعض الأفلام، ومن بينها "زقاق المدق" عام 1963 و"أميرة حبي أنا" عام 1972، ليكون آخر أعماله السينمائية "شلة الأنس" عام 1976. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقدم محمود شكوكو خلال مسيرته 600 مونولوج و98 فيلماً سينمائياً وعدداً كبيراً من المسرحيات، ومن الملاحظ أنه قدم في معظم أعماله السينمائية شخصية قريبة لشخصيته الفنية خارجها، فنقل عالم المونولوج إلى صالات السينما ليلقى قبولاً ونجاحاً كبيرين، ويكون هذا دافعاً لتطوير فن المونولوج الذي شهد انطلاقة كبرى بظهوره على شاشات السينما وتوظيفه في السياقات الدرامية للأفلام وتلحين أشهر الملحنين له، فمن أشهر مونولوجات شكوكو في السينما ما قدمه مع ليلي مراد في أوبريت "اللي يقدر على قلبي" من تلحين محمد عبدالوهاب، وجرى تقديمه في فيلم "عنبر" عام 1948. ويقول الناقد الفني محمود قاسم إن "فن المونولوج يرتبط إلى جانب المؤدي بوجود ملحن جيد ومؤلف يستطيع كتابة مثل هذا النوع ببراعة، وخلال هذه الفترة كان من أشهر من كتب المونولوجات بيرم التونسي وأبو السعود الابياري وبديع خيري، ونجح شكوكو في تقديمها باعتباره ظاهرة خاصة في زيه وطريقته في الرقص والغناء، ومن خلال المونولوج اقتحم عالم السينما وكان بمثابة فاكهة العمل كفقرة خفيفة كوميدية يحبها الناس، فاستغل شكوكو هذا النجاح وتوالت أعماله طوال عقدي الأربعينيات والخمسينيات، وهي فترة تألقه في عالم السينما التي تراجع بعدها، لكنه قدم قالباً جديداً حقق نجاحاً وجماهيرية كبيرة بين الناس". ويضيف قاسم أن "السينما طورت فن المونولوج، فلم يكن شكوكو فقط من يقدمه وإنما أيضاً إسماعيل ياسين، ولكنه لم يرتبط بهذا القالب لفترة طويلة واتجه إلى البطولات السينمائية المطلقة وإنتاج أفلام تحمل اسمه، وهو ما لم يفعله شكوكو الذي ظل محصوراً في قالب معين ولم يسع إلى البطولة المطلقة أو استغلال إمكاناته الفنية، فكان يمكن أن يكون نموذجاً للبطل الشعبي القريب من الناس لكنه قدم فيلماً واحداً من بطولته، وكانت فكرته تدور حول مواجهة الفتوة أو الطاغية بذكاء، وهو مكتوب بصورة أقرب إلى الأدب الشعبي". وإضافة إلى استخدام كلمات بسيطة في المونولوجات مثل أوبريت "ورد عليك" الذي قدمه بداية الأربعينات، يمكن اعتبار شكوكو أول من اعتمد فكرة الـ "فرانكو آراب" التي ظهرت لاحقاً مع كثير من الفنانين، فضم كلمات إنجليزية لبعض مونولوجاته الشهيرة مثل "حبيبي شغل كايرو" و"أشوف وشك تومورو"، وكان هذا شيئاً جديداً حينها وغير مألوف للجماهير. شكوكو والمسرح وعلى رغم شهرة شكوكو الكبيرة من خلال السينما فإن بدايته كانت في المسرح، وخلال الستينيات وبداية انحسار تجربته السينمائية، سلك اتجاهاً مسرحياً كان جديداً وقتها وهو تقديم عروض الأراجوز، ففن الأراجوز في هذه الفترة كان قد تراجع لمصلحة أنواع أخرى من الترفيه، لكن شكوكو أخذ على عاتقه إحياء الأراجوز الذي ربما استلهم منه شخصيته الشهيرة في بداياته بزيه التقليدي، الجلباب والعصا والطاقية، وكان هذا المشروع نواة مسرح العرائس في مصر لاحقاً والذي لا يزال قائماً حتى الآن. وكذلك قدم شكوكو على مسرحه للعرائس عروضاً حققت نجاحاً كبيراً مثل "السندباد البلدي" و"الكونت دي مونت شكوكو" و"قهوة الفن"، وكان من الفنانين القلائل الذين صنعت الدمى على هيئتهم، ويقول أستاذ الأدب المسرحي بجامعة حلوان سيد على إسماعيل إن "بدايات شكوكو كانت على المسرح مع فرقة علي الكسار قبل أن ينتقل إلى المشاركة في أفلام السينما، ولاحقاً أصبح صاحب فرقة مسرحية، ففي عام 1946 أنشأ فرقته التي كانت بداية كبيرة، ليست فقط له، وإنما لكثير من النجوم الذين لمعوا في مجالات فنية منوعة خلال ذلك العصر، ومن بينهم عبدالعزيز محمود ونجاة الصغيرة وكارم محمود، كما شارك في الفرقة محمد عبدالمطلب وشفيق جلال وسعاد مكاوي وغيرهم من نجوم هذا الزمن، وقدمت الفرقة عروضها على مسرح الأزبكية، فالفرق المسرحية خلال تلك الفترة كانت منتشرة والمنافسة بينها كبيرة، ومن أشهرها فرق جورج أبيض ونجيب الريحاني وعلي الكسار ويوسف وهبي". ويتابع إسماعيل أنه "إضافة إلى المسارح كانت كازينوهات شارع عماد الدين خلال تلك الفترة في أوج مجدها، وعرض شكوكو مونولوجاته على كثير منها ولاقت نجاحاً كبيراً، وعندما انتقل إلى السينما نقل جانباً مما يحدث في كازينوهات ومسارح عماد الدين على الشاشة، ولا نزال نشاهدها حتى الآن"، مضيفاً أن "شكوكو أول من نقل الأراجوز الشعبي المتعارف عليه من الشوارع والموالد إلى خشبة المسرح خلال الستينيات، ليقدم عروضاً عائلية يذهب الناس إلى المسرح لمشاهدتها، فقدم عروضاً على مسرح المتروبول ودار الأوبرا الملكية، وأخرج هذه العروض صلاح السقا، وهو أبو مسرح العرائس المصري، وكتب كثيراً منها كبار الشعراء، فلم يعد الأراجوز مرتبطاً بترفيه أبناء الطبقات الشعبية وإنما عرض على أرقى المسارح حتى إنه قدم عروضه خارج مصر ولاقت نجاحاً كبيراً". المونولوج والسياسة شهدت تلك الحقبة من القرن الـ 20 عدداً من الأحداث السياسية الكبرى مثل الحرب العالمية الثانية ونكبة 1948 وقيام ثورة يوليو (تموز) 1952 وتحول مصر من الملكية إلى الجمهورية، فلم ينفصل شكوكو عن هذه الأحداث وقدم مونولوجات حول أحداث سياسية مختلفة، وكان داعماً لثورة يوليو وغنى لها قائلاً "بقينا تمام، شعب وحكام، حاكمين أنفسنا بأنفسنا"، وبعد نكسة يونيو (حزيران) 1967 ومع تألقه في مجال مسرح العرائس، نظم جولات لعروض الأراجوز دعماً للمجهود الحربي في محافظات مصر المختلفة، كما دعم القضية الفلسطينية وشارك في ما كان يطلق عليه وقتها "قطارات الرحمة" التي كانت تجوب المحافظات لجمع التبرعات لفلسطين. ومن المواقف الطريفة التي تروى عن شكوكو خلال فترة حكم الملك فاروق أنه بعدما ذاع صيته وأصبح يقوم بجولات فنية داخل مصر وخارجها عاد من جولة في إنجلترا بسيارة جديدة حمراء من ماركة "رالي"، وهو ما كان حكراً على الملك فاروق وحده، وما إن وصلت السيارة إلى جمرك الإسكندرية حتى جرى حجزها ومنعها من دخول مصر بسبب لونها الملكي الأحمر، فقام شكوكو بالاتصال برئيس الوزراء النحاس باشا الذي توسط لدى الملك وأجاز دخول السيارة، ولم تكن هناك سيارات حمراء وقتها في مصر سوى سيارتي الملك وشكوكو. وعلى رغم نجاح شكوكو في عالم الفن فإنه ظل متمسكاً بمهنته الأولى وهي النجارة، فانفصل عن والده وأنشأ ورشته الخاصة في منطقة الرويعي بالقاهرة، وظلت منتجاتها لأعوام طويلة تباع في أشهر متاجر الموبيليا في مصر آنذاك مثل "شيكوريل" و "صيدناوي"، وخلال الأربعينيات أصبح شكوكو نجماً في مصر وخارجها ولكنه لم يستطع الاندماج الكامل داخل المجتمعات الأرستقراطية المصرية إبان تلك الفترة". ومن الأمثلة التي تذكر هنا توتر علاقته بيوسف وهبي الذي كان في قمة مجده خلال تلك الفترة، أنه حصل على البكوية وكان متزوجاً من الأميرة عائشة فهمي صاحبة القصر الوردي الشهير بمنطقة الزمالك في القاهرة، ويقال إن شكوكو ربطته بها قصة حب بعد طلاقها من يوسف وهبي لم يقدر لها الاكتمال، ويقول الكاتب مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها" إنه "بعد قصة الحب التي ربطت شكوكو بالسيدة عائشة فهمي وزواجهما الذي أثار الزوابع عليهما بخاصة من الفنان يوسف وهبي، بدأ المجتمع المخملي يترصد هذه العلاقة، وعندما ركب شكوكو السيارة الإنجليزية الفاخرة (بانتلي) التي لا يركبها غير اللوردات والسفراء والأمراء أواخر الأربعينيات، أثار حقد وغلّ الأسرة المالكة وبعض أفراد العائلات الأرستقراطية فأجبروه على بيعها"، وقد تزوج شكوكو وأنجب وظل محافظاً على شخصيته الحقيقية لابن البلد المصري، والتي كانت سر نجاحه في الحقيقة وفي عالم الفن، وخلال فترة السبعينيات كرّمه الرئيس الراحل أنور السادات في "عيد العلم"، وذهب لتلقي التكريم وهو يرتدي الجلابية والطاقية، سرّ تفرده ومظهر نجاحه، وتوفي عام 1985 لتبقي ذكراه حاضرة بعد مرور 40 عاماً على رحيله.