
... عن القرار واللاقرار اللبنانيّين
وقبل أيّام كان السيّد جورج ابراهيم العبد الله، الذي خرج من سجنه الفرنسيّ بعد 41 عاماً، قد أعلمنا أنّ إسرائيل تعيش آخر أيّامها، فهزّ نوّابُ «حزب الله» الذين حضروا لاستقباله رؤوسَهم بالموافقة.
هكذا أتمّ الحزب، مسلّحاً بدقّة التحليل (العلميّ، كما قد يضيف الشيوعيّون)، استعداداته لمواجهة الجلسة الحكوميّة التي يُفترض انعقادها الثلاثاء للبحث في سلاحه، وفي «بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها»، كما جاء في البيان الوزاريّ.
واقع الحال أنّ أمر الحزب ينطوي على شيء مثير للدهشة: فالقوّة العسكريّة التالفة تمضي في التحدّث بلسان جيش ينتقل من نصر إلى نصر، فيما ينيط بنفسه «الدفاع عن لبنان»، علماً بأنّه لم يستطع الدفاع عن تلك النفس. وهذا إذا كان ينطوي على قدر من الانفصال عن الواقع، فأغلب الظنّ أنّ مصدر الانفصال هذا انفصالٌ أكبر وأقدم عهداً عن لبنان ذاته، وهذا تحديداً ما يحمل بعض خصوم الحزب على اعتباره طرفاً إيرانيّاً. لكنْ إذا صحّ أنّ الدقّة تخون الوصف الأخير، لأنّ الحزب لبنانيّ، يبقى صحيحاً أنّ القرار الإيرانيّ كامن وراء غرابة الإصرار على الاحتفاظ بالسلاح.
مع هذا هناك أسباب أخرى تساهم في تفسير الغرابة، أهمّها التعويل على ما كان القياديّ الفتحاويّ الراحل خليل الوزير (أبو جهاد) يسمّيه «استراتيجيّة التوريط». أمّا مفاد «الاستراتيجيّة» هذه فأن ينفّذ المسلّحون، الفلسطينيّون يومذاك واللبنانيّون اليوم، أبسط العمليّات العسكريّة وأقلّها جدوى، فتبادر إسرائيل، بالوحشيّة المعروفة عن ردودها، إلى ردّ يشكّل توريطاً للدولة اللبنانيّة. وعلى هذا النحو تتّسع رقعة المشاركين في الاشتباك الكبير الذي تُقحم فيه الدولة والمجتمع اللبنانيّان غصباً عنهما. وفي وسع الحزب، إذا مارس التوريط الذي يكفيه سلاحُه لممارسته، وإذا حصد الردود الإسرائيليّة القاتلة عليه، أن يكسب السجال الوطنيّ الأوّل والاخير. ذاك أنّ الجميع يصبحون على بيّنة من «الأطماع الصهيونيّة» التي لا تُعالَج بغير القتال والمقاومة. هكذا تكون الأحداث قد أكّدت صحّة تحليل الحزب وصدق رؤيته.
فإذا أضفنا الذريعة السوريّة المستجدّة، ومؤدّاها أنّ السلطة الجديدة في دمشق تطرح تهديداً على الأقلّيّات من غير العرب السنّة، أضيفت إلى حجج الاحتفاظ بالسلاح، بالضمنيّ منها والمعلن، حجّة أخرى.
وعلى العموم يغدو لبنان، دولةً وشعباً ومجتمعاً، مجرّد تكتيك في استراتيجية «حزب الله»، فيما تسود وتنتشر مجدّداً «ثقافة» تقديم الشهداء والأضاحي التي تطرد مهرجانات الفرح وباقي المناسبات التي لا تليق بـ «مجتمع مقاوم».
بيد أنّ سيناريو كهذا قد يكون اليوم مكلفاً جدّاً، وربّما مكلفاً على نحو لا قيامة بعده، على ما يحذّر لبنانيّون كثيرون. فليس من التهويل في شيء أن يقال إنّ توازن القوى شديد الاختلال، طرفه الآخر حكومة إسرائيليّة مجرمة لا يردعها شيء عن الذهاب إلى أقاصي العنف، ويُرجّح أنّ هدفها الأوّل، منذ 7 أكتوبر، هو بالضبط توسيع حزامها الأمنيّ. ولئن تكاثرت البراهين على ذلك في غزّة وسوريّا، فمن غير المستبعد جعل رقعة الحزام الأمنيّ أرضاً محروقة إذا بدا أنّ صيغة كهذه ضروريّة ومُلحّة. ويُخشى أن يكون التلخيص الذي تتعرّض له المعارك في سائر ساحاتها مقدّمة لانحصار بقايا المواجهات في لبنان. وفي هذه الحالة الحربيّة التي لا تستريح، والتي تشبه أحوال نتانياهو وأخلاقه، ليس ثمّة رادع إقليميّ أو دوليّ. فروسيا والصين وتركيّا وسواها من البلدان ذات المواقف الرماديّة ستدين إسرائيل كثيراً لكنّها كثيراً ما سوف تغضّ النظر عن انتهاكاتها.
ونُذر وضع كهذا نراها اليوم في تلك المسيّرات الإسرائيليّة التي لا تتعب من التجوال في سماء لبنان، وفي تجدّد أعمال القصف المكثّف في الجنوب والبقاع، ومواصلة الاغتيالات، فضلاً عن الاحتفاظ بالتلال المحتلّة محتلّة. ثمّ لئن باتت إسرائيل محطّ إدانات عالميّة ضميريّة، ضخمة وغير مسبوقة، بسبب غزّة وتجويع أطفالها، فما يصحّ في غزّة لا يصحّ في لبنان و»حزب الله».
ويميل المراقب إلى الظنّ أنّ الإسرائيليّين بحديثهم اليوميّ عن قوّة الحزب ومحاولاته ترميم سلاحه، إنّما يقلّدون الأميركيّين خلال الأشهر التي سبقت الهجوم على العراق في 2003، حيث شاع وصف «الجيش الرابع في العالم» لدى الحديث عن جيشه الذي انهار بسرعة لم يتوقّعها أحد.
فالاستدراج إلى الحرب مُنية إسرائيل بناءً على معطيات صلبة، وهو أيضاً مُنية «حزب الله» بناء على تصوّرات خرافيّة وأوهام ورغبات تجمع بين انتحاره ونحرنا، كما تضعنا في مرحلة عالقة وخطيرة لا تستطيع سياسة اللاقرار أن تُخرجنا منها. فهل الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس عون مقدّمة لقرار يُتّخذ يوم الثلاثاء، أم هو رفع للعتب يُستأنف معه اللاقرار في مواجهة المخاطر المصيريّة المحدقة؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد السعودية
منذ 3 دقائق
- البلاد السعودية
رفقًا بهم… إنهم أمانة الوطن فينا
في وطننا العظيم الذي لم يغفل يومًا عن أحد، لم يكن ذوو الإعاقة يومًا في الهامش أو خارج حسابات الدولة، بل كانوا دومًا في القلب، في صدارة الاهتمام، وفي عمق الرؤية الإنسانية والتنموية. فالدولة- رعاها الله- سخّرت كل إمكاناتها لتوفير سبل الراحة والدمج والكرامة لهذه الفئة الغالية، فأنشأت الأنظمة، وسنت القوانين، وهيّأت الأماكن العامة والمرافق الخدمية بما يتناسب مع احتياجاتهم وظروفهم، حتى غدت المواقف الخاصة بهم جزءًا لا يتجزأ من المشهد الحضاري في كل شارع ومجمع ومرفق. في كل زاوية نلحظ الاهتمام؛ لوحة تشير بوضوح إلى موقف مخصص، ورسمة على الإسفلت تبرز بلونها وعلامتها أنها خُصصت لإنسان يستحق التيسير والتقدير. ولكن هذا الجمال، وهذه الرسالة النبيلة، لا تكتمل إن لم تُصن، وإن لم تُحترم. فالمشكلة ليست في القوانين، بل في غياب الصيانة، وفي غفلة بعض المسؤولين والعاملين في المرافق والمحلات، الذين لم يدركوا أن اختفاء لوحة أو بهتان رسم ليس تفصيلاً عابرًا، بل إهمالٌ يُقصي ويؤذي. أن تمرّ أمام محل تجاري فلا تجد لوحة واضحة تشير إلى موقف ذوي الإعاقة، أو أن ترى الرسم على الأرض باهتًا بالكاد يُرى، فذلك ليس فقط تقصيرًا إداريًا، بل أيضًا تقصير إنساني. فهؤلاء ليسوا بحاجة للشفقة، بل للاحتواء الحقيقي، ولتفعيل القوانين التي تحفظ لهم حقهم في استخدام ما خُصص لهم دون أن يضطروا للمطالبة به كل مرة. ما نحتاجه اليوم ليس إنشاء جديدًا، بل صيانة دائمة، وحرصًا حيًا، وعينًا لا تغفل عن التفاصيل الصغيرة، التي تصنع الفرق. إعادة طلاء الرسوم الأرضية، ووضع لوحات إرشادية كبيرة وواضحة، ليست رفاهية، بل احترامٌ واجب، وامتداد لرسالة الوطن الذي لم يقبل يومًا أن يُهمش أحد من أبنائه. رفقًا بذوي الإعاقة… فهم ليسوا عابرين في طريقنا، بل هم رُفقاؤنا في درب الوطن، ومكانهم بيننا ليس منّة، بل هو استحقاق أقرّه الشرع، واحتضنته الدولة، ويفرضه علينا الضمير الحي.


الشرق الأوسط
منذ 3 دقائق
- الشرق الأوسط
تحقيقات مرفأ بيروت تبلغ خواتيمها
أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، أن «العدالة لا بد أن تتحقق ولو تأخرت»، مجدداً التأكيد على التزامه في البيان الوزاري، لجهة «بناء دولة قوية عادلة، لن توفر جهداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. دولة يكون قرار الحرب والسلم في يدها وحدها». ويأتي كلام سلام في وقت يقترب فيه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار من إعلان ختم التحقيق في ملف انفجار المرفأ. وكشف مصدر قضائي مواكب لإجراءات المحقق العدلي لـ«الشرق الأوسط»، أن البيطار «ينتظر ورود أجوبة على (استنابات) وجهها الشهر الماضي إلى ست دول عربية وأوروبية، طلب فيها معلومات حول وقائع محددة، ليس من ضمنها صور الأقمار الاصطناعية».


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
نواف سلام في الذكرى الـ5 لانفجار مرفأ بيروت: لا تسوية على حساب العدالة
أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، الأحد، الالتزام بأن العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت (عام 2020) لا بد أن تتحقق ولو تأخرت، معتبراً أن "لا سبيل إليها إلا بجلاء الحقيقة". جاءت تصريحات سلام خلال جلسة مع ذوي ضحايا الانفجار في الذكرى الخامسة، حيث افتتح مراسم إطلاق اسم "شارع ضحايا الرابع من آب (أغسطس)" على أحد الشوارع القريبة من مدخل مرفأ بيروت، وذلك في مبادرة رمزية لتخليد ذكرى ضحايا الانفجار الذي خلف أكثر من 200 ضحية وآلاف الجرحى. وقال رئيس الوزراء اللبناني إن "معرفة الحقيقة ومحاسبة المتورطين في الانفجار هي قضية وطنية جامعة. لا تسوية على حساب العدالة"، وأضاف: "في هذا اليوم، نستحضر واحدة من أكثر اللحظات وجعاً في تاريخنا المعاصر. انفجار 4 آب لم يكن مجرّد كارثة إنسانية، بل لحظة صادمة اختُبرت فيها الثقة بين المواطن والدولة". وشدّد على أن "كل اسم من أسماء الشهداء هو حكاية مفقودة في ذاكرة هذا الوطن، وكل واحد منهم كان حياة كاملة، وما زال الجرح مفتوحاً لأن العدالة لم تتحقق بعد". لحظة صادمة وتابع: "في مقابل وجه الرابع من آب الموجِع، هناك وجه الخامس من آب، يوم اندفع الشابات والشباب ليرفعوا الركام ويداووا الجراح، جيل لم يكن مسؤولاً عما جرى، لكنه اليوم في طليعة من يطالب بالعدالة. ولهذا، فإن العدالة ليست مسألة قضائية فقط، بل جوهر سؤال عن طبيعة البلد الذي نريد أن نعيش فيه.". واعتبر نواف سلام أن انفجار 4 آب "لم يكن مجرّد كارثة انسانية، كان لحظة صادمة اختُبرت فيها الثقة بين المواطن والدولة، وانكشفت فيها ثغرات عميقة في حياتنا العامة وفي واقع المساءلة في بلادنا. ولذلك، فإن معرفة الحقيقة عما جرى، ومحاسبة من يتحمل المسؤولية، ليسا مطلباً خاصاً، بل قضية وطنية جامعة". وفي 4 أغسطس 2020، وقع واحد من أكبر الانفجارات غير النووية على الإطلاق، عندما انفجار في مستودع بمرفأ بيروت كان يحوي مئات الأطنان من نترات الأمونيوم مخزنة منذ 2013، ما أودى بحياة أكثر من 215 شخصاً و6 آلاف و500 جريح، وأضرار تقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار.