
نظام الحصص والقرعة في الحج: كيف يُحدد من يحجّ ومن ينتظر؟
في كل موسم حج، تتكرر المشاهد ذاتها: آلافٌ يتقدّمون، قلة تقبل، وكثيرون ينتظرون فرصةً أخرى. فرغم الرغبة والقدرة، لا يُتاح للجميع أداء الفريضة، إذ تخضع عملية تنظيم الحج لنظام دولي دقيق يعرف بـ'نظام الحصص'.
تُحدّد المملكة العربية السعودية لكل دولة عدداً ثابتاً من الحجاج يُحسب وفق قاعدة 'حاج واحد لكل ألف مسلم من السكان'، وذلك بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي.
وداخل دول كثيرة، تُجرى قرعةٌ لاختيار الأسماء المقبولة من بين المتقدمين، وفق معايير عمرية وزمنية تختلف من بلد إلى آخر.
ما قبل النظام: ازدحامٌ بلا سقف عددي
حين أُقرّ نظام الحصص رسمياً عام 1987، لم يكن ذلك قراراً إدارياً فحسب، بل استجابة ضرورية لتزايد سكاني في أوساط المسلمين حول العالم، وبالتالي ارتفاع متزايد في أعداد الراغبين بأداء الفريضة. الهدف كان واضحاً: الحد من مخاطر الازدحام والتدافع وضبط موسم الحج ضمن قدرات البنية التحتية المتاحة.
لكن كيف كانت الأمور تُدار قبل هذا النظام؟ وماذا حصل حتى أصبح ضبط الأعداد حاجة ملحة؟
في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح أحمد الحلبي، المختص بشؤون الحج والعمرة، أن التنظيم لم يكن قائماً على نسب أو أرقام، بل كان مفتوحاً أمام من استطاع إليه سبيلاً.
'في السابق لم تكن هناك نسبةٌ محددة لأعداد الحجاج القادمين إلى مكة كل عام، ولكن مع تزايد الأعداد ومحدودية القدرة الاستيعابية للشعائر المقدسة، كان لا بدَّ من تنظيم لهذه الأعداد'، يقول الحلبي، مضيفًا: 'لو عدنا قليلاً للسنوات التي سبقت القرار، لوجدنا أن أعداد الحجاج الذين قدموا تجاوزت المليون. محدودية المساحة هي التي فرضت الحاجة إلى التنظيم. مساحة مشعر منى أقل من 8 كيلومترات، والمستغل منها هو 61% فقط أي أقل من 5 كيلومترات بقليل، وذلك لأن بقية المناطق في منى جغرافيتها صعبة، وهناك حدود شرعية لمشعر منى، ولا يمكن الطلب من الحجاج المكوث خارج هذه المساحة بسبب ضوابط شرعية تتطلب وجودهم هناك في وقت معيَّن لإكمال حجهم'.
ومع ازدياد الضغط على المشاعر المقدسة في السبعينيات، بدأت المملكة محاولات لتنظيم الحشود. لكن لم يكن ذلك كافياً لتجنّب الكارثة التي ستأتي لاحقاً.
في صباح يوم العاشر من ذي الحجة، الموافق 2 تموز/يوليو 1990، شهد الحج إحدى أفظع الكوارث في تاريخه الحديث.
داخل نفق المعيصم — نفق مشاة يبلغ طوله نحو 550 متراً ويربط مكة بمنطقة منى — وقع حادث تدافع مروّع.
أثناء توجه الحجاج لأداء شعيرة رمي الجمرات، تسبّب انهيار حاجزٍ على جسر فوق النفق في سقوط عدد من الحجاج، ما أدى إلى إغلاق مخرجه واحتجاز آلاف الأشخاص في داخله.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتعطل نظام التهوية، تحوّل النفق إلى مصيدة قاتلة، أسفرت عن وفاة 1,426 حاجاً، معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان.
يرى الحلبي أن الحادثة كشفت بوضوح حجم الخلل في إدارة الحشود، قائلاً: 'الحوادث عادةً تحصل في منطقة الجمرات، والسبب هو غياب التوعية من قبل مكاتب شؤون الحجاج في دولهم. مجموعة من الحجاج يريدون التوجه إلى جسر الجمرات في وقت واحد فتحدث الحوادث. بعدها بدأت عملية تفويج الحجاج، أي تقسيمهم على أفواج لأداء هذا الجزء من المناسك. لم تنظر الحكومة السعودية إلى هذا الأمر من منطلق تنظيمي فقط، بل راعت فيه المذاهب الفقهية للحجاج، وجاء ذلك بعد اجتماعات مع مكاتب الحجاج وهيئات الحج'.
السياسة تتسلل إلى تفاصيل التنظيم
ومنذ ذلك الحين، بات نظام الحصص أداةً أساسية لإدارة موسم الحج وضمان سلامة الملايين. ورغم أن النظام يُحسب نظرياً بمعادلة بسيطة، فإن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تتداخل السياسة والظروف الطارئة مع تفاصيل التنظيم.
في عام 2016، غابت بعثة الحجاج الإيرانيين بالكامل بعد توتر دبلوماسي كبير بين طهران والرياض على خلفية حادثة منى عام 2015، حين تُوفي المئات في تدافعٍ مأساوي قرب الجمرات، من بينهم عددٌ كبير من الإيرانيين. عجز الطرفان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات أدى إلى غياب الإيرانيين عن موسم الحج في ذلك العام.
أما في صيف 2017، فقد تزامنت بداية موسم الحج مع اندلاع أزمة الخليج، وقطع العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم إعلان الرياض أن الحصة القطرية محفوظة، فإن غياب البعثة الرسمية القطرية وقيود السفر التي فُرضت عملياً صعبت مشاركة الحجاج القطريين، ما انعكس بتراجع كبير في أعدادهم.
وفي عامي 2020 و2021، واجه موسم الحج ظرفاً استثنائياً تمثل في جائحة فيروس كورونا. ولأول مرة منذ قرون، أُغلقت أبواب الحج أمام الحجاج من خارج المملكة، واقتصر على أعداد محدودة من داخلها، التزاماً بالتدابير الصحية ولمنع تفشي الوباء.
وفي حالات أخرى، تنعكس الأزمات السياسية الداخلية على ترتيبات الحج.
ففي سوريا، وبعد قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012، أُسند تنظيم حصة الحج إلى 'الائتلاف الوطني السوري' المعارض، ما أثار جدلاً سياسياً ودينياً واسعاً حول الجهة المخولة بتمثيل السوريين.
وفي ليبيا، أدى الانقسام بين حكومتين متنافستين إلى إرباك في توحيد القوائم وتوزيع الحصص بين شرق البلاد وغربها.
كيف تُجرى القرعة؟ ومن يُشرف؟
بمجرد أن تُحدّد المملكة العربية السعودية حصة كل دولة من الحجاج، تنتقل مسؤولية التنفيذ إلى الحكومات والهيئات المحلية في تلك الدول، حيث تختلف الآليات التنظيمية باختلاف الأنظمة والممارسات.
قرار سعودي مفاجئ يُغضب مسلمي بريطانيا الراغبين في الحج هذا العام
ويوضح أحمد الحلبي أن لكل دولة حرية مطلقة في تنظيم قوائم حجاجها، شرط التزامها بالمعايير السعودية. ويقول: 'كل دولة لديها نظام مختلف، ولديها الحرية في تحديد من هم الحجاج من المتقدمين، ولكن يجب على كل حاج أن يكون مستوفياً للشروط. لا يمكن أن يحصل أي شخص على تأشيرة الحج ما لم يكن مستوفياً كافة الاشتراطات المطلوبة، أهمها ارتباطه بهيئة تنظيمية كمكاتب الحج وارتباطه بسكن محدد في المدينة ومكة'.
ولتحديد من سيُمنح فرصة أداء الفريضة، تلجأ معظم الدول إلى نظام القرعة. وتختلف طريقة تطبيق هذا النظام من بلد إلى آخر، لكن الهدف يبقى واحدًا: إرساء شكل من العدالة في توزيع الفرص.
ويشرح الحلبي كيف يطبّق هذا النظام في بعض الدول، قائلاً: 'نأخذ مثلاً حجاج تركيا، يتم تسجيل الحاج الراغب بأداء الفريضة على موقعٍ تابع لرئاسة الشؤون الدينية. في حال ظهر اسمه في القرعة يمضي في إنجاز أوراقه، وفي حال لم يظهر، يبقى اسمه فيها للسنة المقبلة. ومصر أيضاً تعتمد نظام القرعة منذ زمن'.
هكذا، لا يعدّ الحصول على موافقة لأداء الحج مسألة إمكانيات مالية أو لوجستية فقط، بل هو أيضاً مسألة انتظار، ومعايير، ونظم بيروقراطية قد تستمر لسنوات، لا سيما في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
في مصر، تشرف وزارة الداخلية على تنظيم قرعة الحج، وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة في كل محافظة، وسط حضور رسمي وشعبي يؤكد الشفافية. يشترط على المتقدم ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يكون قد أدى الفريضة سابقاً، مع تقديم كشوفات طبية تثبت أهليته الجسدية.
أما في المغرب، فتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الملف، حيث يفتح باب التسجيل الإلكتروني سنوياً، مع إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الحج خلال السنوات العشر الأخيرة.
في العراق، تشرف الهيئة العليا للحج والعمرة على قرعة إلكترونية تشمل جميع المحافظات. ويُشترط أن يكون المتقدم لم يؤدِ الفريضة سابقاً والأولوية لكبار السن، وتُعتمد قرعة مركزية تُعلن نتائجها عبر الموقع الرسمي، وسط متابعة إعلامية واسعة.
في لبنان، تتولى هيئة شؤون الحج والعمرة تنظيم القرعة من خلال آلية تعتمد معيارين أساسيين: السن، وعدد المواسم السابقة التي لم يحج فيها المتقدم. تعطى الأولوية لمن لم يؤدِ الفريضة منذ عشرين موسماً هجرياً (2004–2024) ، وفي حال عدم اكتمال العدد، تفتح الدفعة تدريجياً لمن لم يحج منذ تسعة عشر موسماً، فثمانية عشر، وهكذا.
أما في إندونيسيا، وهي الدولة ذات الحصة الأكبر عالمياً، فقد يصل الانتظار إلى 15 عاماً أو أكثر بسبب الإقبال الكثيف. وفي إقليم جنوب سولاويزي وحده، قد تمتد قائمة الانتظار حتى 43 عاماً، بحسب حكومية إندونيسية لوسائل إعلام محلية. فرغم نظام التسجيل المبكر والرقابة الإلكترونية، تبقى القوائم طويلة، ما يجعل أداء الفريضة هناك حلماً مؤجلاً لملايين المسلمين.
أما عن دور مكاتب الحج والسياحة الدينية، فيوضح الحلبي: 'لا علاقة للمكاتب بتحديد الحصص أو في عملية القرعة. عادةً الهيئات الحكومية للحج في الدول هي من تقوم بالقرعة، ومن يَظهر اسمه فيها يتعامل مع مكتب للحج لتنظيم الأمور اللوجستية من حجوزات وأوراق رسمية وغيرها. كما يكون دورهم توعية الحجاج حول كيفية القيام بمناسك الحج وتدريبهم وتعريف كل مشعر من الشعائر المقدسة لهم'.
وفي خضم هذه التحديات، تواصل المملكة العربية السعودية التوسع في البنية التحتية للحرم والمشاعر المقدسة.
منذ العام 2011، ومع بدء التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد الله، ومروراً باستكمالها في عهد الملك سلمان، زادت القدرة الاستيعابية للحرم إلى أكثر من 1.8 مليون مصل.
يؤكد الحلبي: 'عدد الحجاج والمعتمرين يصل إلى 15 مليوناً عام 2025، وفي عام 2030 ضمن رؤية السعودية يصل إلى 30 مليوناً. أما بالنسبة للحجاج، فتسعى المملكة لأن يصل العدد السنوي إلى 5 ملايين حاجٍ عام 2030. جاء رفع العدد السنوي بعد عمليات التوسعة التي لم تنتهِ بعد، وهناك دراسات تقوم بها الجهات المعنية اليوم للمزيد من التوسعات للشعائر المقدسة'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- القناة الثالثة والعشرون
بعض الأطعمة ممنوعة أو يتم فحصها بدقة…ماذا يأكل الكرادلة في المجمع الانتخابي لاختيار بابا جديد؟
يُعقد الكرادلة الكاثوليك اجتماعاتهم في «كنيسة سيستينا» في الفاتيكان، أحد أفخم المباني في العالم الغربي، لكن وجباتهم لا تُشبه تعقيدات التصاميم، وتُعتبر بسيطة نوعاً ما. وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يقتصر الطعام في كافتيريا دار سانتا مارتا على معكرونة سباغيتي بسيطة، وخضراوات مسلوقة، وحساء مينستروني، وأسياخ لحم ضأن طوال فترة الطقوس السرية. وصرح الكاردينال ماورو بياتشينزا، وهو من المنطقة الإيطالية التي نشأت فيها صلصة البيستو، قائلاً: «طعام مثل الموجود في محطة قطار». ووصف آخرون تقديم «صلصة مائية» ومعكرونة باهتة في الكافيتيريا. وحرص البابا الراحل فرنسيس على تقديم طعام بسيط خلال فترة ولايته. وقال الكاردينال جيانفرانكو رافاسي، وهو إيطالي آخر، «لا تأكل جيداً». لكنّ غموضَ هذا الملتقى يتجاوز الأبواب المغلقة، وأجهزة تشويش إشارات الهواتف المحمولة، حتى الطعام خضع لضوابط صارمة لضمان عدم تسرب أي رسائل من العالم الخارجي. وهذا يعني أن بعض الأطعمة ممنوعة أو يتم فحصها بدقة، بما في ذلك الدجاج المشوي الكامل، والرافيولي المحشو، والفطائر، وحتى الريغاتوني، وجميعها اعتُبرت أهدافاً سهلة للاتصالات السرية. تُحضَّر جميع الأطعمة راهبات من «دوموس سانت مارثاي»، وهو مكان إقامة الكرادلة وسكنهم بعيداً عن مداولاتهم، وقد انضممن في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى بقية موظفي الفاتيكان في التعهد بحفظ السرية. تعود الطقوس المرتبطة بالطعام هذه إلى زمنٍ كانت فيه سلطة البابوية أكثر ارتباطاً بالتعاملات السياسية، وكان الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي أثناء الإجراءات السرية قد يُسفر عن عواقب وخيمة. في عام 1274، خلال المجمع الذي أرسى أسس السرية اليوم، وضع البابا غريغوري العاشر لأول مرة القواعد المتعلقة بوجبات الكرادلة، التي تضمنت في بعض الأحيان اشتراط استخدام أكواب شفافة فقط، وفحص دقيق لجميع المناديل والنفايات. في ذلك الوقت، كانت هذه القواعد تهدف أيضاً إلى تهدئة مخاوف الكرادلة من التسمم خلال فترات التوترات السياسية المتصاعدة، وفقاً لـ«هيئة الإذاعة البريطانية». كما استُخدم الطعام أحياناً كأداة لتسريع عملية انعقاد المجمع، مع بعض الجلسات المطولة في الماضي التي شهدت تقليصاً في الحصص الغذائية مع مرور الأيام دون التوصل إلى قرار. وكانت جميع الاستعدادات تخضع لمراقبة دقيقة من حرس الفاتيكان، ثم يفحصها المزيد من الحراس، قبل أن تُمرر أخيراً إلى قاعات المجمع عبر جهاز دوار مثبت في الجدار. وتصاعد دخان أسود من مدخنة «كنيسة سيستينا» في الفاتيكان نحو الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش، اليوم (الخميس)، في إشارة إلى فشل المجمع الانتخابي في اختيار بابا جديد خلال جولتَي التصويت اللتين أُجريتا صباح اليوم. وسيعاود الكرادلة الـ133 المجتمعون خلف أبواب مغلقة، وفي عزلة تامة عن العالم الخارجي، إجراء جولتَي تصويت بعد ظهر اليوم. وفي حال انتخاب رأس جديد للكنيسة الكاثوليكية، يتصاعد الدخان الأبيض من المدخنة مباشرةً بعد انتهاء إحدى الجولتين، أو يتصاعد دخان أسود قرابة الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش في حال عدم حصول أي اسم على ثُلثي الأصوات خلال الجولتين. وفي عام 2013، استمر المجمع لانتخاب البابا الراحل فرانسيس يومين فقط. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


سيدر نيوز
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- سيدر نيوز
نظام الحصص والقرعة في الحج: كيف يُحدد من يحجّ ومن ينتظر؟
في كل موسم حج، تتكرر المشاهد ذاتها: آلافٌ يتقدّمون، قلة تقبل، وكثيرون ينتظرون فرصةً أخرى. فرغم الرغبة والقدرة، لا يُتاح للجميع أداء الفريضة، إذ تخضع عملية تنظيم الحج لنظام دولي دقيق يعرف بـ'نظام الحصص'. تُحدّد المملكة العربية السعودية لكل دولة عدداً ثابتاً من الحجاج يُحسب وفق قاعدة 'حاج واحد لكل ألف مسلم من السكان'، وذلك بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي. وداخل دول كثيرة، تُجرى قرعةٌ لاختيار الأسماء المقبولة من بين المتقدمين، وفق معايير عمرية وزمنية تختلف من بلد إلى آخر. ما قبل النظام: ازدحامٌ بلا سقف عددي حين أُقرّ نظام الحصص رسمياً عام 1987، لم يكن ذلك قراراً إدارياً فحسب، بل استجابة ضرورية لتزايد سكاني في أوساط المسلمين حول العالم، وبالتالي ارتفاع متزايد في أعداد الراغبين بأداء الفريضة. الهدف كان واضحاً: الحد من مخاطر الازدحام والتدافع وضبط موسم الحج ضمن قدرات البنية التحتية المتاحة. لكن كيف كانت الأمور تُدار قبل هذا النظام؟ وماذا حصل حتى أصبح ضبط الأعداد حاجة ملحة؟ في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح أحمد الحلبي، المختص بشؤون الحج والعمرة، أن التنظيم لم يكن قائماً على نسب أو أرقام، بل كان مفتوحاً أمام من استطاع إليه سبيلاً. 'في السابق لم تكن هناك نسبةٌ محددة لأعداد الحجاج القادمين إلى مكة كل عام، ولكن مع تزايد الأعداد ومحدودية القدرة الاستيعابية للشعائر المقدسة، كان لا بدَّ من تنظيم لهذه الأعداد'، يقول الحلبي، مضيفًا: 'لو عدنا قليلاً للسنوات التي سبقت القرار، لوجدنا أن أعداد الحجاج الذين قدموا تجاوزت المليون. محدودية المساحة هي التي فرضت الحاجة إلى التنظيم. مساحة مشعر منى أقل من 8 كيلومترات، والمستغل منها هو 61% فقط أي أقل من 5 كيلومترات بقليل، وذلك لأن بقية المناطق في منى جغرافيتها صعبة، وهناك حدود شرعية لمشعر منى، ولا يمكن الطلب من الحجاج المكوث خارج هذه المساحة بسبب ضوابط شرعية تتطلب وجودهم هناك في وقت معيَّن لإكمال حجهم'. ومع ازدياد الضغط على المشاعر المقدسة في السبعينيات، بدأت المملكة محاولات لتنظيم الحشود. لكن لم يكن ذلك كافياً لتجنّب الكارثة التي ستأتي لاحقاً. في صباح يوم العاشر من ذي الحجة، الموافق 2 تموز/يوليو 1990، شهد الحج إحدى أفظع الكوارث في تاريخه الحديث. داخل نفق المعيصم — نفق مشاة يبلغ طوله نحو 550 متراً ويربط مكة بمنطقة منى — وقع حادث تدافع مروّع. أثناء توجه الحجاج لأداء شعيرة رمي الجمرات، تسبّب انهيار حاجزٍ على جسر فوق النفق في سقوط عدد من الحجاج، ما أدى إلى إغلاق مخرجه واحتجاز آلاف الأشخاص في داخله. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتعطل نظام التهوية، تحوّل النفق إلى مصيدة قاتلة، أسفرت عن وفاة 1,426 حاجاً، معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان. يرى الحلبي أن الحادثة كشفت بوضوح حجم الخلل في إدارة الحشود، قائلاً: 'الحوادث عادةً تحصل في منطقة الجمرات، والسبب هو غياب التوعية من قبل مكاتب شؤون الحجاج في دولهم. مجموعة من الحجاج يريدون التوجه إلى جسر الجمرات في وقت واحد فتحدث الحوادث. بعدها بدأت عملية تفويج الحجاج، أي تقسيمهم على أفواج لأداء هذا الجزء من المناسك. لم تنظر الحكومة السعودية إلى هذا الأمر من منطلق تنظيمي فقط، بل راعت فيه المذاهب الفقهية للحجاج، وجاء ذلك بعد اجتماعات مع مكاتب الحجاج وهيئات الحج'. السياسة تتسلل إلى تفاصيل التنظيم ومنذ ذلك الحين، بات نظام الحصص أداةً أساسية لإدارة موسم الحج وضمان سلامة الملايين. ورغم أن النظام يُحسب نظرياً بمعادلة بسيطة، فإن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تتداخل السياسة والظروف الطارئة مع تفاصيل التنظيم. في عام 2016، غابت بعثة الحجاج الإيرانيين بالكامل بعد توتر دبلوماسي كبير بين طهران والرياض على خلفية حادثة منى عام 2015، حين تُوفي المئات في تدافعٍ مأساوي قرب الجمرات، من بينهم عددٌ كبير من الإيرانيين. عجز الطرفان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات أدى إلى غياب الإيرانيين عن موسم الحج في ذلك العام. أما في صيف 2017، فقد تزامنت بداية موسم الحج مع اندلاع أزمة الخليج، وقطع العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم إعلان الرياض أن الحصة القطرية محفوظة، فإن غياب البعثة الرسمية القطرية وقيود السفر التي فُرضت عملياً صعبت مشاركة الحجاج القطريين، ما انعكس بتراجع كبير في أعدادهم. وفي عامي 2020 و2021، واجه موسم الحج ظرفاً استثنائياً تمثل في جائحة فيروس كورونا. ولأول مرة منذ قرون، أُغلقت أبواب الحج أمام الحجاج من خارج المملكة، واقتصر على أعداد محدودة من داخلها، التزاماً بالتدابير الصحية ولمنع تفشي الوباء. وفي حالات أخرى، تنعكس الأزمات السياسية الداخلية على ترتيبات الحج. ففي سوريا، وبعد قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012، أُسند تنظيم حصة الحج إلى 'الائتلاف الوطني السوري' المعارض، ما أثار جدلاً سياسياً ودينياً واسعاً حول الجهة المخولة بتمثيل السوريين. وفي ليبيا، أدى الانقسام بين حكومتين متنافستين إلى إرباك في توحيد القوائم وتوزيع الحصص بين شرق البلاد وغربها. كيف تُجرى القرعة؟ ومن يُشرف؟ بمجرد أن تُحدّد المملكة العربية السعودية حصة كل دولة من الحجاج، تنتقل مسؤولية التنفيذ إلى الحكومات والهيئات المحلية في تلك الدول، حيث تختلف الآليات التنظيمية باختلاف الأنظمة والممارسات. قرار سعودي مفاجئ يُغضب مسلمي بريطانيا الراغبين في الحج هذا العام ويوضح أحمد الحلبي أن لكل دولة حرية مطلقة في تنظيم قوائم حجاجها، شرط التزامها بالمعايير السعودية. ويقول: 'كل دولة لديها نظام مختلف، ولديها الحرية في تحديد من هم الحجاج من المتقدمين، ولكن يجب على كل حاج أن يكون مستوفياً للشروط. لا يمكن أن يحصل أي شخص على تأشيرة الحج ما لم يكن مستوفياً كافة الاشتراطات المطلوبة، أهمها ارتباطه بهيئة تنظيمية كمكاتب الحج وارتباطه بسكن محدد في المدينة ومكة'. ولتحديد من سيُمنح فرصة أداء الفريضة، تلجأ معظم الدول إلى نظام القرعة. وتختلف طريقة تطبيق هذا النظام من بلد إلى آخر، لكن الهدف يبقى واحدًا: إرساء شكل من العدالة في توزيع الفرص. ويشرح الحلبي كيف يطبّق هذا النظام في بعض الدول، قائلاً: 'نأخذ مثلاً حجاج تركيا، يتم تسجيل الحاج الراغب بأداء الفريضة على موقعٍ تابع لرئاسة الشؤون الدينية. في حال ظهر اسمه في القرعة يمضي في إنجاز أوراقه، وفي حال لم يظهر، يبقى اسمه فيها للسنة المقبلة. ومصر أيضاً تعتمد نظام القرعة منذ زمن'. هكذا، لا يعدّ الحصول على موافقة لأداء الحج مسألة إمكانيات مالية أو لوجستية فقط، بل هو أيضاً مسألة انتظار، ومعايير، ونظم بيروقراطية قد تستمر لسنوات، لا سيما في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة. في مصر، تشرف وزارة الداخلية على تنظيم قرعة الحج، وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة في كل محافظة، وسط حضور رسمي وشعبي يؤكد الشفافية. يشترط على المتقدم ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يكون قد أدى الفريضة سابقاً، مع تقديم كشوفات طبية تثبت أهليته الجسدية. أما في المغرب، فتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الملف، حيث يفتح باب التسجيل الإلكتروني سنوياً، مع إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الحج خلال السنوات العشر الأخيرة. في العراق، تشرف الهيئة العليا للحج والعمرة على قرعة إلكترونية تشمل جميع المحافظات. ويُشترط أن يكون المتقدم لم يؤدِ الفريضة سابقاً والأولوية لكبار السن، وتُعتمد قرعة مركزية تُعلن نتائجها عبر الموقع الرسمي، وسط متابعة إعلامية واسعة. في لبنان، تتولى هيئة شؤون الحج والعمرة تنظيم القرعة من خلال آلية تعتمد معيارين أساسيين: السن، وعدد المواسم السابقة التي لم يحج فيها المتقدم. تعطى الأولوية لمن لم يؤدِ الفريضة منذ عشرين موسماً هجرياً (2004–2024) ، وفي حال عدم اكتمال العدد، تفتح الدفعة تدريجياً لمن لم يحج منذ تسعة عشر موسماً، فثمانية عشر، وهكذا. أما في إندونيسيا، وهي الدولة ذات الحصة الأكبر عالمياً، فقد يصل الانتظار إلى 15 عاماً أو أكثر بسبب الإقبال الكثيف. وفي إقليم جنوب سولاويزي وحده، قد تمتد قائمة الانتظار حتى 43 عاماً، بحسب حكومية إندونيسية لوسائل إعلام محلية. فرغم نظام التسجيل المبكر والرقابة الإلكترونية، تبقى القوائم طويلة، ما يجعل أداء الفريضة هناك حلماً مؤجلاً لملايين المسلمين. أما عن دور مكاتب الحج والسياحة الدينية، فيوضح الحلبي: 'لا علاقة للمكاتب بتحديد الحصص أو في عملية القرعة. عادةً الهيئات الحكومية للحج في الدول هي من تقوم بالقرعة، ومن يَظهر اسمه فيها يتعامل مع مكتب للحج لتنظيم الأمور اللوجستية من حجوزات وأوراق رسمية وغيرها. كما يكون دورهم توعية الحجاج حول كيفية القيام بمناسك الحج وتدريبهم وتعريف كل مشعر من الشعائر المقدسة لهم'. وفي خضم هذه التحديات، تواصل المملكة العربية السعودية التوسع في البنية التحتية للحرم والمشاعر المقدسة. منذ العام 2011، ومع بدء التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد الله، ومروراً باستكمالها في عهد الملك سلمان، زادت القدرة الاستيعابية للحرم إلى أكثر من 1.8 مليون مصل. يؤكد الحلبي: 'عدد الحجاج والمعتمرين يصل إلى 15 مليوناً عام 2025، وفي عام 2030 ضمن رؤية السعودية يصل إلى 30 مليوناً. أما بالنسبة للحجاج، فتسعى المملكة لأن يصل العدد السنوي إلى 5 ملايين حاجٍ عام 2030. جاء رفع العدد السنوي بعد عمليات التوسعة التي لم تنتهِ بعد، وهناك دراسات تقوم بها الجهات المعنية اليوم للمزيد من التوسعات للشعائر المقدسة'.


سيدر نيوز
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- سيدر نيوز
غرق غواصة سياحية في مصر: ماذا حدث ومن هم الضحايا؟
لقي ستة أشخاص على الأقل حتفهم، وتم إنقاذ 39 آخرين، بعد غرق غواصة سياحية قبالة سواحل مدينة الغردقة المصرية، وفقا لمحافظ البحر الأحمر. ولم تتضح بعد أسباب هذه المأساة، وتُجري السلطات المصرية تحقيقات لمعرفة ملابسات الحادث. تُعتبر الغردقة وجهة سياحية شهيرة تشتهر بشواطئها الخلابة وشعابها المرجانية. ماذا حدث ومن هم الضحايا؟ أفادت تقارير أن الحادث وقع في وقت مبكر من يوم الخميس، وبالتحديد عند حوالي الساعة العاشرة صباحًا بالتوقيت المحلي (الثامنة بتوقيت غرينتش). وفي تحديث على فيسبوك، أكد محافظ البحر الأحمر، عمرو حنفي، عدم وجود أي سياح مفقودين. وفي وقت سابق، صرّح القنصل العام الروسي في منتجع البحر الأحمر، فيكتور فوروبايف، لوكالة تاس الروسية للأنباء، بأن خمسة روس على الأقل لقوا حتفهم في حادث الغواصة، بينهم طفلان. وتقول السلطات إنها تحقق في سبب الحادث، وقد أرسلت فرق إنقاذ إلى الموقع. من يُشغّل الغواصة؟ يُعتقد أن شركة سندباد للغواصات هي التي تُشغّل الغواصة، وقد دأبت على تنظيم رحلات سياحية منذ عدة سنوات. وتقول الشركة إنها تمتلك اثنتين من '14 غواصة ترفيهية حقيقية' في العالم. وتتيح هذه الغواصة للسياح الغوص إلى عمق 25 مترًا في البحر لاستكشاف '500 متر من الشعاب المرجانية وكائناتها البحرية'. ويقول موقع سندباد للغواصات: 'توفر الغواصة 44 مقعدًا للركاب – مقعدان للقباطنة، ونافذة مشاهدة مستديرة كبيرة لكل راكب'. Reuters ما مدى تكرار هذه الحوادث في مصر؟ هذا هو الحادث الثاني في البحر الأحمر خلال الأشهر الأخيرة. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غرق قارب يُدعى 'سي ستوري' كان على متنه أكثر من 40 شخصًا بالقرب من منتجع مرسى علم المصري، ولا يزال 11 شخصًا في عداد المفقودين ويُعتقد أنهم لقوا حتفهم. يثير تكرار مثل هذه الحوادث تساؤلات حول إجراءات السلامة التي تطبقها السلطات المحلية في هذه المناطق السياحية الشهيرة بالرحلات البحرية، وفقًا لمراسلة بي بي سي عربي، سالي نبيل. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عزا مسؤولون مصريون غرق السفينة 'سي ستوري' إلى سوء الأحوال الجوية، وفقًا لسالي، لكن بي بي سي تحدثت إلى ناجين شككوا في هذا الادعاء. يقول الدكتور سيمون بوكسال، من المركز الوطني لعلوم المحيطات بجامعة ساوثهامبتون، إن مصر تواجه 'أزمة في الوقت الحالي، فيما يتعلق بالسلامة على متن بعض هذه السفن السياحية'. وأيًا كان سبب حادث اليوم، يقول بوكسال إنه 'مأساة مروعة'. يُعد البحر الأحمر، المشهور بشعابه المرجانية، مركزًا رئيسيًا لصناعة السياحة الحيوية في مصر، وقد حقق عائدات سياحية تجاوزت 14.1 مليار دولار في عام 2024، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة.