
سياسة الدولة الاسلامية ومظلومية المعصومين {ع} { ح4}
الاختلاف السياسي والشرعي في الامامة
هذا العوان من بحثنا يعتبر من اهم النقاط التي جرى عليها الاختلاف السياسي والعقائد الشرعية, وجاءت الادلة والحجج من الشيعة يستدلون بالأسماء الشريفة وانهم معينون من قبل الله تعالى والرسول {ص} الذي لا ينطق عن الهوى. فقوله تعالى{ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} المراد بالهوى هوى النفس ورأيها، والنطق وإن كان مطلقا ورد عليه النفي وكان مقتضاه نفي الهوى والغايات عن مطلق نطقه .
هذه نظرة على أسانيد حديث(الخلفاء الإثني عشر) في (صحاح) (مدرسة الصَّحابة)، ومن مصادرهم المعتبرة نجد أنَّ هذا الحديث روي عن طريق (خمسة عشر) صحابياً، من خلال وسائط وطرق كثيرة متنوعة، مما يؤكّد على قطعيَّة صدوره وتواتره عن رسول الله (ص). وممن ذكر الحديث وعدوه من رواة حديث الخلفاء الإثني عشر: هم جابر بن سمرة السوائي ـ أبو جحيفة (وهب السوائي) ــ عبد الله بن عمروــ عبد الله بن مسعودــ عبد الله بن عمرــ أنس بن مالك ــ عبد الله بن عباس ــ سلمان الفارسي ــ عامر بن سعد ــ عبد الملك بن عمير ــ سماك بن حرب ــ العباس بن عبد المطلب ــ عائشة بنت أبي بكرــ أبو هريرة ــ أبو سلمة راعي رسول الله{ص}.
نتيجةً لمتابعة واستقراء شامل في الصحاح والمساند والكتب التاريخية والسيرة النبوية كلها ثبت لدينا أنَّ عدد رواة حديث (الخلفاء الاثني عشر) هم (خمسة عشر) صحابياً، بطرق مجموعها (124) مائة وأربع وعشرون طريقاً. هذا فضلاً عن مصادر مدرسة الشيعة {الاثني عشر) التي تصل إلى (عشرات) الرواة، عن (مئات) الطرق، التي توصل الحديث إلى حدّ التواتر، وقطعية الصدور .اما طرق اللفظ التي وردت في تحديد هيكلية الامامة الاسلامية وعددهم في مصادر (مدرسة الصحابة) .كلها تبين ان عدد الخلفاء اثنا عشر خليفة.
"والصيغ اللفظية لهذه العقيدة كالتالي" : الخلفاء الإثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل ــ جميع الخلفاء الإثني عشر من قريش ــ جميع الخلفاء الإثني عشر من بني هاشم ــ الإسلام منيع بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ الدين عزيز منيع بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ الدين قائم بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ أمر الأمّة مستقيم بوجود الخلفاء الإثني عشرــ أمر الأمّة صالح بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ أمر الأمّة ماضٍ بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ الدين ظاهر لا يضرّه الأعداء بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ لا يضرّ الخلفاء الإثني عشر عداوة من عاداهم ــ الدين قائم إلى قيام الساعة بوجود الخلفاء الإثني عشر ــ تموج الأرض بأهلها مع عدم وجود الخلفاء الإثني عشرــ يعمّ الدنيا الهرج إذا مضى الخلفاء الإثنا عشر ــ أول الخلفاء الإثني عشر علي وآخرهم القائم المهدي ــ وان الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين هم الخلفاء الإثني عشر ــ
كما وردت في كتبنا وكتب جمهور المسلمين ان النبي {ص} يذكر الخلفاء الإثني عشر جميعاً بأسمائهم وصفاتهم والاشارات عليهم .جاءت بقوالب لفظية متنوعة، ومن الضروري مطالعة الصحاح والمصادر الأخرى لدى (مدرسة الصَّحابة) لنطلع على صيغة اللفظ الذي لا يمكن التأويل فيه ." الا عن طريق السياسة" والاقصاء التي اتبعها الخلفاء بعد النبي {ص} وقد توصلنا إلى أهمّ الصياغات أنَّها عدَّت الخلفاء بالاثني عشر خليفةً، وأنَّهم كعدد نقباء بني إسرائيل، وقطعت بكونهم من (قريش)، ومن (بني هاشم بالتحديد)، وأنَّ الإسلام منيع بوجودهم، وفي تعابير أخرى أنَّ الدين عزيز منيع وقائم بوجودهم، وأنَّ أمر الأمّة مستقيم وصالح بوجودهم، وقد يأتي التعبير بأمر الناس، وأنَّ الدين ظاهر على الأعداء بوجودهم، ولا يضرّهم عداوة من عاداهم، {وأنَّ أمرهم سيبقى قائماً إلى قيام الساعة} وإذا ما قدّر عدم وجودهم فإنَّ الأرض تموج بأهلها، ويسودها الهرج، ونصّت الروايات على أنَّ أولهم علي بن أبي طالب{ع}، وأخرهم الإمام المهدي{عج} منهم الحسن والحسين، والتسعة الباقين من ولد الحسين{ع} ورد التصريح بأسمائهم جميعاً في روايات من مصادر السنة. رَوَى سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، بالإسناد إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): " يا جابر إن أوصيائي أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ـ ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ـ ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم، اسمه اسمي و كنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض و مغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من إمتحن الله قلبه للإيمان " ينابيع المودة: 2/ 593،"
منها ما ورد في (ينابيع المودة) عن (جابر بن سمرة) أنَّه قال كنت مع أبي عند النبي (ص) فسمعته يقول :بعدي اثنا عشر خليفة. ثم أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي صوته؟ قال: قال: كلُّهم من بني هاشم) .القندوزي الحنفي، ينابيع المودة، ج: 3، الباب: السابع والسبعون، ص: 445.وجاء في (سنن أبي داود) بإسناده إلى (عامر) عن (جابر بن سمرة) أنَّه قال: (سمعتُ رسول الله (صَ) يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفةً. فكبَّرَ الناس وضجُّوا، ثم قال كلمة خفية، قلت لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال:{كلُّهم من قريش) .أبو داود، سنن أبي داود، ج: 4، كتاب: المهدي، ح: 4280، ص: 106.
وفي (المستدرك على الصحيحين) بإسناده إلى (مسروق) أنَّه قال: (كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود يقرؤنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن هل سألتُم رسولَ الله{ص} كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال ابن مسعود: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه، فقال: اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل) . الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج:4 ، كتاب: الفتن والملاحم، ص: 501. وانظر: (ينابيع المودَّة) للقندوزي الخنفي، ج: 3، الباب: السابع والسبعون، ص: 445،.
عن الشعبي عن (مسروق) قال: (بينا نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه، إذ قال له فتىً: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنَّك لحديث السنّ، وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم، عهد إلينا نبينا (صَ) أنَّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل).وفي (كنز العمّال) عن (ابن مسعود) أنّ رسول الله (صَ) قال: (يملك هذه الأمة اثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل). المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمّال، ج: 12، ح: 33857، ص: 33.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ ساعة واحدة
- شفق نيوز
ما هي مراحل توسعة الحرم المكي عبر التاريخ؟
يُعتبر المسجد الحرام من أبرز معالم مدينة مكة المكرمة ومركز توجه ملايين المسلمين حول العالم، وهو يشهد باستمرار توسعات شاملة تعزز من سعة استيعابه للزوار وتطور مرافقه. فقبل نحو مئة عام، كان المسجد الحرام لا يتسع لأكثر من 50 ألف مصلٍّ في وقت واحد. أما اليوم، وبفضل أكبر توسعة في تاريخه، وصلت الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام إلى 3 ملايين مصل في الوقت الواحد، ونحو 107 آلاف طائف في الساعة. الحرم المكيّ سُمي الحرم لأنه مكانٌ يُحرّم فيه ما يباح في مكان غيره، وتعد مكة المكرمة حرماً اختاره الله واختصه بمكانةٍ مقدسة، ويجب على المسلم احترام قدسيته وعظمته. وبحسب وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية، تمتد حدود الحرم المكي في أربعة اتجاهات محددة، حيث تصل شمالاً إلى مسجد السيدة عائشة على بُعد خمسة كيلومترات من مكة. أما جنوباً، فتشمل المنطقة مسافة تصل إلى عشرين كيلومتراً باتجاه جبل عرفة. وإلى الغرب، تمتد حدود الحرم نحو جدة حتى تصل إلى حي الحديبية، على بعد ثمانية عشر كيلومتراً. وفي اتجاه الشرق يمتد إلى جعرانة على مسافة تقارب أربعة عشر ونصف كيلومتر. في عام 2018، بلغ عدد الحجاج من داخل المملكة 217,187 حاجاً، بينما وصل عدد الحجاج القادمين من الخارج إلى 1,795,131 حاجاً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الحج. وبحسب بحث لجامعة أم القرى بعنوان "تاريخ وعمارة الحرمين الشريفين"، بدأت العمارة في مكة منذ قدوم النبي إبراهيم إلى المنطقة، حيث أمره الله ببناء الكعبة لتكون مقصداً للحجاج. وكانت أول عملية توسعة شهدها المسجد الحرام خلال فترة الخلافة الراشدة، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إذ قام بشراء منازل محيطة به لزيادة مساحته، بعد أن قدّر أن المطاف قد ضاق بالمصلين في داخل المسجد، "فعمل على توسعة المطاف في السنة السابعة عشر من الهجرة بهدم الدور المحيطة بالكعبة المشرفة، فعارضه بعض ملاك الدور من الهدم فأمر بهدمها وتعويضهم بالمال" بحسب البحث. كما أحاط بن الخطاب المسجد بجدار قصير، لتصبح للمسجد خصوصية تفصله عن الدور من حوله، ووضع مصابيح تضيء صحن المسجد. ثم جاء ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، وأضاف الأروقة المسقوفة والأعمدة الرخامية لتعليق مصابيح الإنارة عليها. وتواصلت أعمال التوسعة على مر العصور، ومع قيام الدولة الأموية، أدخل خلفاءها الأعمدة التي جلبت من مصر وسوريا في بناء المسجد، وتبعهم في ذلك الخلفاء العباسيون والعثمانيون. إذ اهتم سلاطين العصر العثماني بعمارة المسجد وأصبح يطلق على السلطان العثماني "خادم الحرمين الشريفين"، لتتوقف بعد سقوط الدولة العثمانية أعمال التوسعة لبعض الوقت، واقتصرت الأعمال على الترميم والإصلاح . ومنذ تأسيس الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، شهد المسجد الحرام خطوات تطويرية مهمة، حيث أمر الملك المؤسس في عام 1927 بوضع المظلات في صحن المسجد لحماية المصلين من حرارة الشمس، وفي العام التالي أُنير المسجد كاملاً بالإضاءة الكهربائية. كما صُنع في عهده باب جديد للكعبة من الفضة الخالصة، نُقشت عليه آيات قرآنية بالذهب. وفي عام 1955، انطلقت رسمياً أول توسعة للمسجد الحرام، بمبادرة من الملك سعود بن عبد العزيز. وقد شهدت هذه التوسعة، التي امتدت لعدة سنوات، مضاعفة مساحة الحرم لتصل إلى 160 ألف متر مربع، بطاقة استيعابية بلغت نحو 400 ألف مصلٍ. وشملت الأعمال توسعة مكان الطواف، وتغطية أرضيته برخام مقاوم للحرارة، كما أضيف 64 باباً موزعاً على مختلف جهات المسجد. وبعد مرور ثلاثة عقود، قام الملك فهد بن عبد العزيز بجولة أخرى من التوسعة بدأت عام 1988، شهد خلالها الحرم إدخال السلالم الكهربائية واستخدم نظام تكييف مركزي حديث مع تحسين شبكات المياه وأنظمة الصوت. وأُضيف جزء جديد إلى المسجد الحرام من الجهة الغربية، حيث أصبحت المساحة الإجمالية لكامل المسجد نحو 366 ألف متر مربع بطاقة استيعابية وصلت إلى 820 ألف مصل. وخلال تلك التوسعة أيضاً، استخدم الذهب والكريستال والزجاج والجرانيت لتزيين المسجد. ووفقاً للبحث الذي نشرته جامعة أم القرى، شهد عهد الملك سعود عام 1955 بناء المسعى بين الصفا والمروى بطابقين، بهدف استيعاب أعداد أكبر من المصلين والساعين. ومع تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين، بدأت المملكة العربية السعودية بأمر من الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2011 بتنفيذ أضخم توسعة يشهدها المسجد الحرام منذ تأسيسه، واستُكملت أعمالها في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2015. وخلال هذه التوسعة، اتسعت مساحة الحرم المكي لتصل إلى نحو 1.5 مليون متر مربع. ولم تقتصر التوسعة على زيادة المساحات فقط، بل شهدت إدخال تقنيات حديثة متطورة داخل الحرم الشريف. فقد تم استخدام أنظمة رقمية مثل الكاميرات والحساسات لمراقبة أعداد المصلين وتنظيم التدفق لتفادي الازدحام. كما اعتمدت التوسعة على الذكاء الاصطناعي من خلال روبوتات لتوزيع مياه زمزم وتعقيم الساحات، بالإضافة إلى تطبيقات إرشادية وشاشات تفاعلية متعددة اللغات، بهدف تسهيل تجربة الزوار داخل المسجد الحرام. وعلى مر التاريخ، شهد الحرم المكي عدداً من المحطات التي استدعت في بعض الأحيان إغلاقه مؤقتاً، وتعد حادثة جهيمان العتيبي عام 1979، من أكثر الحوادث شهرة في العصر الحديث. ففي صباح 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، تجمع حوالي خمسين ألف مسلم لأداء صلاة الفجر في ساحة الكعبة، بينهم مئتا رجل يتبعون جهيمان العتيبي، حيث سيطروا على الحرم المكي لمدة أسبوعين، مما دفع السلطات السعودية إلى إغلاقه وتنفيذ عملية عسكرية لاستعادته، منهية بذلك واحدة من أبرز الأحداث في تاريخ الحرم. وفي عام 2020 مع انتشاء وباء كورونا أغلقت السعودية المسجد الحرام لنحو أربعة أشهر قبل أن تعيد فتحه في موسم الحج مع فرض إجراءات احترازية مشددة، ثمّ عاد المسجد للعمل بكامل طاقته الاستيعابية عام 2021.


وكالة أنباء براثا
منذ 2 ساعات
- وكالة أنباء براثا
كتاب الامام الباقر قدوة وأسوة للسيد المدرسي والقرآن الكريم (ح 2)
الدكتور فاضل حسن شريف جاء في کتاب الإمام الباقر عليه السلام قدوة و أسوة المؤلف للسيد محمد تقي المدرسي: وعلم أئمة أهل البيت عليهم السلام لا يخرج من دائرة هذه السنن أيضاً، فإما أنَّه مستوحىً من الوحي أو بالإلهام. ويتصل علم الأئمة بالوحي عبر السبل التالية: أولًا: العلم من كتاب الله، بالتدبر فيه وتأويل آياته على الحقائق والوقائع. أليس في القرآن علم ما كان وما يكون، وفصل ما هو كائن؟ ومن أولى بكتاب الله ممن أُنزل في بيوتهم وزُقُّوا علمه مع اللبن زقاً؟ وقد كان الأئمة عليهم السلام شديدي الوَلَهِ بالقرآن، عظيمي الاحترام له، وكانوا يختمونه في كل ثلاثة أيام مرة، وربما في كل يوم، وكانوا يقولون: إنهم يستفيدون منه علماً جديداً كلما أعادوا قراءته، حتى أنهم استفادوا علم الآفاق من آياته الكريمة، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام فيما روي عنه: (وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، وَأَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ، وَأَعْلَمُ مَا فِي الدُّنْيَا، وَأَعْلَمُ مَا فِي الْآخِرَة). فَرَأَى تَغَيُّرَ جَمَاعَةٍ فَقَالَ وهو يخاطب بكير بن أعين: (يَا بُكَيْرُ إِنِّي لَأَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89)). ثانياً: أحاديث الرسول صلى الله عليه واله والتي توارثوها من آبائهم عبر جدهم الأعلى الإمام أمير المؤمنين، وجدتهم الطاهرة فاطمة الزهراء عليهم السلام. فقد جاء في الحديث المأثور عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال لجابربن عبد الله: (يَا جَابِرُ! إِنَّا لَوْ كُنَّا نُحَدِّثُكُمْ بِرَأْيِنَا وَهَوَانَا لَكُنَّا مِنَ الهَالِكِينَ، وَلَكِنَّا نُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثَ نَكْنِزُهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله كَمَا يَكْنِزُ هَؤُلَاءِ ذَهَبَهُمْ وَوَرِقَهُم). ومعروف أن خزائن علم النبوة كانت قد انتقلت إلى رسول الله صلى الله عليه واله، وورثها أهل بيته عليهم السلام. ويبدو أنها كانت مكنونة في جفر عظيم. حيث جاء في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إِنَّ عِنْدِي الجَفْرَ الْأَبْيَضَ). فلما سأله الرواي: فَأَيُّ شَيْءٍ فِيهِ؟ قَال: (زَبُورُ دَاوُدَ، وَتَوْرَاةُ مُوسَى، وَإِنْجِيلُ عِيسَى، وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ، وَالحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ، مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً، وَفِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَلَا نَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ، حَتَّى فِيهِ الجَلْدَةُ وَنِصْفُ الجَلْدَةِ وَرُبُعُ الجَلْدَةِ وَأَرْشُ الخَدْش) الحديث. وعن علم الإلهام يقول آية الله السيد محمد تقي المدرسي: إذا كان العلم نور الله يقذفه في قلب من يشاء فما الذي يمنع عن قذف نور العلم في قلب أوليائه؟ هكذا كان من مصادر علم الأئمة عليهم السلام الإلهام، والذي ترافقه سكينة تجعلهم يثقون بأنه من عند الله. كذلك روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ وَمَزْبُورٌ وَنَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ. فَقَالَ: أَمَّا الْغَابِرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا، وَأَمَّا المَزْبُورُ فَمَا يَأْتِينَا، وَأَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ فَإِلهَامٌ، وَأَمَّا النَّقْرُ فِي الْأَسْمَاعِ فَأَمْرُ المَلَك). وروى زرارة مثل هذا الحديث وأضاف: (قُلْتُ: كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ المَلَكَ وَلَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ لَا يَرَى الشَّخْصَ قَالَ: (إِنَّهُ يُلْقَى عَلَيْهِ السَّكِينَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ المَلَكِ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ اعْتَرَاهُ فَزَعٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ- يَا زُرَارَةُ- لَا يَتَعَرَّضُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْر). وعلم الإمام الباقر عليه السلام- كما سائر أئمة الهدى عليهم السلام- انبعث من هذه الروافد، فلم يكن غريباً، ما أظهر الله على لسانه من معارف الدين. حتى قال الشيخ المفيدJ : (لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن وسيرة وفنون الآداب ما ظهر عنه). من هنا ترى عظماء الفقه والحديث يعترفون بالمصدر الإلهي لعلمه الغزير، فقد جاء في كشف الغمة عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه (معالم العترة الطاهرة) عن الحكم بن عتيبة (وكان من كبار فقهاء عصره) أنه قال في تفسير قوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ" (الحجر 75). قال: كان والله محمد بن علي منهم). ويستطرد سماحة السيد المدرسي في كتابه عن علم الالهام قائلا: لقد كان عبد الله بن نافع بن الأزرق واحداً من قادة الخوارج الذين كانوا أشد الفرق عداءً للإمام علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام، وكان يقول: (لَوْ أَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ بَيْنَ قُطْرَيْهَا أَحَداً تُبْلِغُنِي إِلَيْهِ المَطَايَا يَخْصِمُنِي أَنَ عَلِيًّا عليه السلام قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُوَ لَهُمْ غَيْرُ ظَالِمٍ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: وَلَا وَلَدَهُ. فَقَالَ: أَفِي وُلْدِهِ عَالِمٌ؟ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَوَّلُ جَهْلِكَ. وَهُمْ يَخْلُونَ مِنْ عَالِمٍ؟ فقَالَ: فَمَنْ عَالِمُهُمُ الْيَوْم؟ قِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِبْنِ عَلِيٍّ عليه السلام. قَالَ: فَرَحَلَ إِلَيْهِ فِي صَنَادِيدِ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى المَدِينَةَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَقِيلَ لَهُ: هَذَا عَبْدُاللهِ بْنُ نَافِعٍ. فَقَالَ: وَمَا يَصْنَعُ بِي وَهُوَيَبْرَأُ مِنِّي وَمِنْ أَبِي طَرَفَيِ النَّهَار؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ الْكُوفِيُّ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَيْنَ قُطْرَيْهَا أَحَداً تُبْلِغُهُ المَطَايَا إِلَيْهِ يَخْصِمُهُ أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُوَ لَهُمْ غَيْرُ ظَالِمٍ لَرَحَلَ إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: أَتَرَاهُ جَاءَنِي مُنَاظِراً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا غُلَامُ اخْرُجْ فَحُطَّ رَحْلَهُ وَقُلْ لَهُ: إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأْتِنَا. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ عَبْدُاللهِ بْنُ نَافِعٍ غَدَا فِي صَنَادِيدِ أَصْحَابِهِ، وَبَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلَى جَمِيعِ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَغَّرَيْنِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ، فَقَالَ: (الحَمْدُ لِلَّهِ مُحَيِّثِ الحَيْثِ وَمُكَيِّفِ الْكَيْفِ وَمُؤَيِّنِ الْأَيْنِ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي "لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ" (البقرة 255) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه واله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِنُبُوَّتِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِوَلَايَتِهِ. يَا مَعْشَرَ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ! مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَنْقَبَةٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلْيَقُمْ وَلْيَتَحَدَّثْ). قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ فَسَرَدُوا تِلْكَ المَنَاقِبَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَنَا أَرْوَى لِهَذِهِ المَنَاقِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ عَلِيٌّ الْكُفْرَ بَعْدَ تَحْكِيمِهِ الْحَكَمَيْنِ، حَتَّى انْتَهَوْا فِي المَنَاقِبِ إِلَى حَدِيثِ خَيْبَرَ: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ، حتى لَا يَرْجِعُ [حَتَّى] يَفْتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ). فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَال: هُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَكِنْ أَحْدَثَ الْكُفْرَ بَعْدُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ أَحَبَّهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: لَا، كَفَرْتَ. قَالَ: فَقَالَ: قَدْ عَلِمَ، قَالَ: فَأَحَبَّهُ اللهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِمَعْصِيَتِهِ؟ فَقَالَ: عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَتِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: فَقُمْ مَخْصُوماً. فَقَامَ وَهُوَ يَقُولُ: "حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ" (البقرة 187)، "اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" (الأنعام 124)).


وكالة أنباء براثا
منذ 3 ساعات
- وكالة أنباء براثا
لماذا يبعث رسول الله (ص) سلامه لطفل لم يولد بعد؟؟
طاهر باقر نحن اليوم نريد ان نعرف كيف بقر الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام العلم بقرا كما أبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جابر بن عبد الله الأنصاري بذلك وقال : " يا جابر يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم النبيين بقرا، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام " (1) غير ان السؤال المحير هو كيف سنثبت ان الامام كان اعلم زمانه؟ فعامة الناس هم عاجزون عن تشخيص التفوق والارجحية لاي احد من الناس، وربما العلماء الكبار يمتلكون المعايير الصحيحة لتشخيص ذلك! وهذا هو ماحصل بالضبط للامام الباقر عليه السلام مع عالم النصارى!. فقد نقل المؤرخون رواية مطولة عن الامام الصادق عليه السلام ونحن نوردها بتمامها وكمالها لانها تبين بوضوح الكثير من الحقائق التي لايعرفها اغلب الناس عن تلك الفترة العصيبة التي عاشها ائمة الهدى صلوات الله عليهم وكيف كان الطغاة يحصون عليهم انفاسهم ويحرمونهم حتى من الحديث الى الناس وهنا ينقل الرواة والمؤرخون قصة استدعاء الملك الاموي هشام بن عبد الملك بن مروان للامام الباقر عليه السلام وابنه الصادق عليهما السلام من المدينة الى الشام من اجل التنكيل بهما لحديث سمعه عنهما. عن الصادق عليه السلام قال: (حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد عليهم السلام فقال جعفر بن محمد عليهما السلام: الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه، فالسعيد من اتبعنا و الشقي من عادانا وخالفنا. ثم قال: فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا ( لم يعرض لنا : لم يتعرض الينا) حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريدا (انفذ : ارسل) إلى عامل المدينة بإشخاص (اشخاص : استدعاء) أبي واشخاصي معه فأشخصنا، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا، (حَجَبَ فلانًا: منعه من الدخول) ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا، وإذا قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطان (سماطان : صفان) متسلحان، وقد نصب البرجاس (البرجاس: هدف يُنصب على رمح أو سارية ) حذاة وأشياخ قومه يرمون (يرمون القوس والسهم) ، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه، فنادى أبي وقال: يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض، (الغرض : الهدف) فقال له: إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني، فقال: وحق من أعزنا بدينه ونبيه محد صلى الله عليه وآله لا أعفيك، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما، فوضعه في كبد القوس، ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه ( فواق السهم : موضع الوَتَر) إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال: أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم، هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي، ثم أدركته ندامة على ما قال). اراد هشام ان يسخر من الامام الباقر عليه السلام فحصل خلاف ذلك واظهر الامام من القوة مايعجز عنه الابطال وقد تعارف العرب ان الإجادة في استخدام السلاح هي واحدة من المهارات التي يجب ان يتمتع بها القائد، وهنا ارتكب هشام زلة ادت الى اظهار براعة الامام في الرماية بالقوس لم يكن یعرفها الناس واصبحوا يعرفونها على طول التاريخ. ويضيف الامام الصادق عليه السلام ( وكان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته، فهمّ به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له، فلما طال وقوفنا غضب أبي فهمّ به، وكان أبي عليه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي، قال له: إلي يا محمد! فصعد أبي إلى السرير، وأنا أتبعه، فلما دنا من هشام، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه، فقال له: يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، لله درك، من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ فقال أبي: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه، فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت وما ظننت، أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي، أيرمي جعفر مثل رميك؟ فقال: إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه صلى الله عليه وآله في قوله: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها. قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه، فقال لأبي: ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال: أليس الله جل ثناؤه بعث محمد صلى الله عليه وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى " ولله ميراث السماوات والأرض " إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟ فقال: من قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " لا تحرك به لسانك لتعجل به " الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله " وتعيها اذن واعية " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم ففتح كل باب ألف باب، خصه رسول الله صلى الله عليه وآله من مكنون سره بما يخص أمير المؤمنين أكرم الخلق عليه، فكما خص الله نبيه صلى الله عليه وآله خص نبيه صلى الله عليه وآله أخاه عليا من مكنون سره بما لم يخص به أحدا من قومه، حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا. فقال هشام بن عبد الملك: إن عليا كان يدعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحدا، فمن أين ادعى ذلك؟ فقال أبي: إن الله جل ذكره أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وفي قوله: " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " وفي قوله: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي. ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه السلام، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: أقضاكم علي أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحده غيره. فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال: سل حاجتك، فقال: خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي فقال: قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم، سر من يومك، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي، ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه). وهنا نصل الى صلب القضية التي نحن بصددها ونستكمل الرواية حتى نتأكد من تفوق الامام الباقر عليه السلام في العلم على بقية البشر في زمانه ويضيف الامام الصادق عليه السلام (وإذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير، قال أبي: من هؤلاء؟ فقال الحجاب هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي، فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي، ورفع ذلك الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي، فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه، فجاؤوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه، وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم، فأدار نظره ثم قال: لأبي: أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟ فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة فقال: من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي: لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا. ثم قال له: أسألك؟ فقال له أبي: سل، فقال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث، قال: فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا، ثم قال: هلا زعمت أنك لست من علمائها؟ فقال له أبي: ولا من جهالها، وأصحاب هشام يسمعون ذلك. فقال لأبي: أسألك عن مسألة أخرى فقال له أبي: سل. فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع، فاضطرب اضطرابا شديدا، ثم قال: هلا زعمت أنك لست من علمائها؟ فقال له أبي: ولا من جهالها. فقال له: أسألك عن مسألة؟ فقال: سل، فقال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار. فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى، ويرقد فيها الساهر، ويفيق المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين التاركين لها. قال: فصاح النصراني صيحة ثم قال: بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عن مسألة لا تهدي إلى الجواب عنها أبدا. قال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك. فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا. فقال له أبي: ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عام، مر عزير على حماره راكبا على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها " قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها " وقد كان اصطفاه وهداه فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره، وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن خمس وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور، ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمسة وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك! فمن أهل السماء أنت؟ أم من أهل الأرض؟ فقال: يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة، ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد. فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقاموا - النصارى - على أرجلهم فقال لهم عالمهم: جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني وأعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة، ولا قعدت لكم إن عشت سنة، فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك الخبر إلى هشام. فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس، لان الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين: محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين فيما يظهران من الاسلام وردا علي ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفر دين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الاسلام، ورأي أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة) المفارقة العظيمة تجد ان عالم النصارى ادرك بما لديه من العلم والمعرفة ان الامام الباقر عليه السلام هو عالم كبير ويتفوق عليه في هذا الامر ونفس الحقيقة ذاتها اكتشفها الملك الاموي هشام بن عبد الملك لكن الاخير لم يشأ الاعتراف بهذه الحقيقة وحاول ان يحاصر الامام ويفرض عليه المقاطعة من خلال الدعاية الاعلامية الكاذبة بان الشيعة لديهم دين غير دين الاسلام نفس الشائعات التي نسمعها هذه الايام ضد المذهب الشيعي ليس لعدم معرفتهم بحقيقة مذهب الامامية بل هي محاولة منهم لتعمية الجمهور عن حقيقة اهل البيت وعن الاسلام الحقيقي. وهنا يضيف الامام الصادق عليه السلام ويقول: (فورد البريد إلى مدينة مدين فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشروا لدوابنا علفا، ولنا طعاما، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا: لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين لهم القول وقال لهم اتقوا الله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون فاسمعونا، فقال لهم: فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس، فقالوا: أنتم شر من اليهود والنصارى والمجوس لان هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون، فقال لهم أبي: فافتحوا لنا الباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم، فقالوا: لا نفتح ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا أو تموت دوابكم تحتكم، فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا قال: فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وجسده، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلا صوته " وإلى مدين أخاهم شعيبا " إلى قوله " بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين " نحن والله بقية الله في أرضه، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح، وأبي مشرف عليهم، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنظر إلى أبي على الجبل، فنادى بأعلا صوته: اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السلام حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم وقد أعذر من أنذر، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا، وكتب بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله رحمة الله عليه وصلواته، وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شیئ)(2) الرواية المطولة التي ذكرناها تحتوي على الكثير من الافكار والاحداث والعبر وتكشف لنا حماقة الطغاة الذين مع معرفتهم بحقيقة اهل البيت صلوات الله عليهم لكن لم ينقطعوا عن تسبيب الاذى لهم ومحاولة التخلص منهم لانهم كما لاحظنا مع هشام بن عبد الملك انه كان غاضبا من الامام لكن لايستطيع ان يقتله الا سرا، لانه يعرف بالضبط ان القادة الذين يمثلون الامة هم اهل البيت وليس الحكام لان القائد الحقيقي هو الذي يحكم قلوب الناس لا ان يحكمهم بالعنف والقوة. والآن من حقنا ان نتساءل ماهي الرسالة التي اراد رسول الله صلى الله عليه وآله ابلاغها للمسلمين من خلال السلام الذي بعثه الى حفيده محمد الباقر عليه السلام؟! بقلم : طاهر باقر الهوامش: ======================================== (1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ٢٩٦ (2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ٣٠٦