logo
العلم يقول كلمته ويحسم 4 سنوات من الجدل.. «المومياء الحامل» في وارسو «وهم أثري كبير»

العلم يقول كلمته ويحسم 4 سنوات من الجدل.. «المومياء الحامل» في وارسو «وهم أثري كبير»

بوابة الأهرام٢٨-٠٢-٢٠٢٥

محمود الدسوقي
طيلة أربعة أعوام من الجدل العلمي المستمر حول الإدعاء بوجود حمل في مومياء مصرية قديمة من مجموعة جامعة وارسو (UW)، والمعروضة في المتحف الوطني في وارسو (NMW)، تم أخيرًا حل هذه القضية بواسطة فريق دولي من الخبراء.
موضوعات مقترحة
وقد أثارت هذه القضية اهتماماً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، حيث تناقلتها العديد من وسائل الإعلام العالمية، وطرحت فرضيات مثيرة حول الحمل ثم السرطان في هذه المومياء المصرية القديمة.
دراسات د. سحر سليم حول المومياء المصرية في وارسو
من هنا كانت البداية..
بدورها تقول الدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة وخبيرة المومياوات فى تصريح لـ"بوابة الأهرام"، إنه في عام 2021م، نشر اثنان من علماء الآثار في مشروع مومياء وارسو، وهما ووجيخ إيسموند (من معهد الثقافات البحر الأبيض المتوسط والشرقية في الأكاديمية البولندية للعلوم) ومارزينا أوزاريك-شيلك، دراسة علمية في مجلة الآثار الأمريكية، أدعيا فيها أن المرأة المُحنطة كانت حاملًا في الشهر السابع، وأن الجنين كان يتخلل حوضها؛ نتيجة لتفاعلات كيميائية غير عادية!.
انتشرت هذه النتائج على نطاق واسع في الأوساط الإعلامية والبحثية، وأصبح "المومياء الحامل من بولندا" حديث الساعة في مجالات الآثار.
وتضيف سليم، أنه بلإضافة إلى ذلك، في نفس العام، طرح الباحثون فرضية جديدة مفادها أن المرأة المحنطة عانت من سرطان البلعوم الأنفي تركت أثرًا على جمجمتها، الأمر الذي أثار ضجة إعلامية إضافية، وادعى الباحثون أن وفاتها كانت نتيجة لهذا السرطان؛ مما جعل "المومياء الحامل" موضوعًا مثيرًا في الأوساط العلمية والعامة على حد سواء.
دراسات د. سحر سليم حول المومياء المصرية في وارسو
دحض الادعاءات
ومع ذلك، لم يستشر العلماء في مشروع مومياء وارسو أي خبير في الأشعة المقطعية أو أي مختص في هذا المجال لتحليل صور الأشعة المقطعية للمومياء، هذه النقطة كانت محورية في دحض الادعاءات التي أثارها هؤلاء الباحثون، فقد نفت العديد من الدراسات المستقلة هذه الفرضيات بناءً على تحليل دقيق للأشعة المقطعية.
دراسات د. سحر سليم حول المومياء المصرية في وارسو
الرد العلمي
أول من دحض هذا الادعاء كانت الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، التي تعتبر من أبرز خبراء المومياوات في العالم، بعد عدة أشهر من نشر هذا التقرير في عام ٢٠٢١م، حيث قامت دبنشر رد علمي في نفس المجلة العلمية، لتفنيد ادعاءات الباحثين البولنديين، نفت فيها الدكتورة سحر سليم وجود أي جنين داخل المومياء، مؤكدة أن ما اعتقده الباحثون جنينًا لم يكن سوى حشوات تحنيط وضعت داخل بطن المومياء أثناء عملية التحنيط.
ومن الجدير بالذكر أن دكتورة سليم هي أيضًا خبيرة عالمية في فحص الأجنة باستخدام الرنين المغناطيسي، بالإضافة إلى أنها من صممت أول بروتوكول علمي لفحص مومياوات الأجنة المصرية القديمة من خلال دراستها لمومياوتين لأجنة هما ابنتا الملك توت عنخ آمون نشرتها في مجلة الأشعة الامريكية عام 2011م.
دراسات د. سحر سليم حول المومياء المصرية في وارسو
انتقادات من وارسو
أعقب تقرير دكتورة سحر سليم اعتراض قوي على نظرية الحمل والسرطان في المومياء من قبل المنسقة الرئيسية لمشروع مومياء وارسو للمتحف الوطني في وارسو (NMW) والمشاركة في تأسيس المشروع - كامِيلا براولينسكا (من جامعة وارسو).
انتقدت براولينسكا عدم استشارة أي خبير في الأشعة المقطعية وتحقيق السعي وراء الإثارة الذي تبناه عضوان آخران في مشروع مومياء وارسو، بدلاً من احترام البحوث المتعلقة ببقايا البشر، فنشرت كامِيلا وزملاؤها في عام 2022 مقالاً لنفي وجود أي جنين في المومياء، أكدت من خلاله أن نتائج الأشعة المقطعية لا تدعم أيًا من الادعاءات المتعلقة بالحمل أو السرطان، كما شارك في البحث د. لوكاش كوفناكي خبير الأشعة الذي عمل فحص الأشعة للمومياء.
وفي سياق التحقيقات المتعمقة في القضية، قامت دكتورة سحر سليم مؤخرًا مع فريق من علماء متخصصين من مختلف البلدان بإجراء فحوصات مستقلة للأشعة المقطعية للمومياء في دراسة بقيادة كامِيلا براولينسكا من وارسو.
وجاءت نتائج هذه الدراسة التي تم نشرها مؤخرًا لتنفى جميع الادعاءات السابقة بوجود جنين أو سرطان داخل المومياء.
د. سحر سليم
وقد أكد جميع العلماء المشاركون في الدراسة أن الفحوصات أظهرت أن ما كان يُعتقد أنه جنين ما هو إلا مجموعة من المواد المستخدمة في تحنيط المومياء، وأن ما تم اعتقاده أنه سرطان كان مجرد وهم لا أساس له.
المشاركون في الدراسة الدولية شارك في الدراسة الدولية خبراء من 9 دول من بينها مصر (الدكتورة سحر سليم)، بالإضافة إلى النمسا، كندا، كرواتيا، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، سويسرا، الولايات المتحدة، ينتمون إلى عشرة مراكز علمية عالمية، حيث قاموا بتحليل الصور الإشعاعية للمومياء الشهيرة من بولندا بطريقة شفافة ومستقلة.
أسفر عمل الفريق الدولي عن نشر المقالة الأخيرة في مجلة "العلوم الأثرية والأنثروبولوجية" بعنوان "النهج الابتكاري للتحقق من الحمل المزعوم والسرطان في مومياء وارسو: دراسة حالة دولية مع بحث موسع.
د. كاميلا تفحص المومياء
وتضيف سحر سليم، أنها ممتنة للغاية للعلماء المتميزين وخاصة مؤلفي المشاركين من جميع أنحاء العالم، على الدعم الكبير الذي قدموه في إعداد هذا المشروع الفريد، الذي يهدف إلى تثبيت الحقيقة العلمية حول مومياء وارسو أخيرًا"، مؤكدة على أن هذا النشر العلمي الذي شاركت فيه يؤكد أنه لا صحة لأي من الادعاءات المتعلقة بالحمل أو السرطان، مشيرة إلى أن هذه الحادثة هي مثال على أهمية الاعتماد على المختصين وخبراء الأشعة في دراسة فحوصات المومياوات والتعاون بين مختلف التخصصات العلمية لتفسير الاكتشافات الأثرية بشكل دقيق. كما تظهر أهمية التحليل العلمي المستقل في دحض الادعاءات التي قد تؤثر على سمعة الاكتشافات الأثرية وتزعم وجود حقائق علمية غير دقيقة.
وأضافت أن الحضارة المصرية ومومياواتها تظل دائمًا موضوعًا للنقاشات العلمية، وأن الدراسات الجادة هي التي تؤكد أن الفهم العلمي المدروس هو الأساس للوصول إلى الحقيقة.
و تضيف دكتورة سحر سليم إن هذه القصة تؤكد على أهمية البحث العلمي الدقيق في مجال الآثار وعلم الأشعة، وتحث على ضرورة الاستعانة بالخبرات المتخصصة عند التعامل مع الاكتشافات الأثرية الهامة. كما أن دحض هذه الادعاءات يعيد الأمل في أن العلم سيظل المرجعية الأساسية لفهم تاريخنا البشري.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري
بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري

الإمارات اليوم

timeمنذ 19 دقائق

  • الإمارات اليوم

بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري

اكتفى فريقا بني ياس وكلباء بنقطة التعادل الإيجابي 2-2، اليوم، على استاد الشامخة، ضمن الجولة الختامية لدوري أدنوك للمحترفين لكرة القدم، في مواجهة حملت طابع التوازن والرغبة في إنهاء الموسم بصورة إيجابية، لينهي بذلك «السماوي» الموسم في المركز الـ12 برصيد 27 نقطة، بينما حافظ كلباء على المركز التاسع برصيد 32 نقطة. ورغم أن المواجهة لم تكن مؤثرة على موقع الفريقين في جدول الترتيب بعد ضمان البقاء رسمياً، فإنها شهدت ندية وأهدافاً جميلة أسعدت الجماهير، في ظل تألق نجوم الفريقين لخوض اللقاء بدون أي ضغوط. وافتتح اتحاد كلباء التسجيل مبكراً في الدقيقة 25 عبر هدافه الإيراني المتألق مهدي قائدي من ركلة جزاء، مؤكداً من جديد تأثيره الكبير في صفوف «النمور» بعد موسم استثنائي سجل فيه 16 هدفاً وسبع تمريرات حاسمة. ومع بداية الشوط الثاني، عاد أصحاب الأرض إلى أجواء اللقاء، حين أدرك القائد فواز عوانه التعادل في الدقيقة 55 بضربة رأس متقنة استغل فيها عرضية زميله أندريه بوركا. وواصل بني ياس ضغطه الهجومي، لينجح بيرنارد فاي في تسجيل الهدف الثاني في الدقيقة 68 بعد هجمة منظمة أنهاها بتسديدة مباشرة داخل الشباك. وفي الوقت الذي فرض فيه بني ياس سيطرته على مجريات اللقاء بصورة أكبر استطاع كلباء أن يخطف هدف التعادل بواسطة شهريار موغانلو الذي أعاد المباراة إلى نقطة التعادل في الدقيقة 75، مستغلاً كرة مرتدة من الحارس فهد الظنحاني تابعها بتسديدة ناجحة إلى المرمى.

لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير
لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير

المشهد العربي

timeمنذ 19 دقائق

  • المشهد العربي

لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير

وافقت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية على صفقة بقيمة 20 مليار دولار تقضي باستحواذ شركة فيريزون كوميونيكيشنز على مزودي خدمات الإنترنت بالألياف الضوئية، فرونتير كوميونيكيشنز. وكانت فيريزون قد اتفقت على شراء فرونتير في سبتمبر الماضي مقابل حوالي 9.6 مليار دولار، بالإضافة إلى تحمل 10 مليارات دولار من ديون فرونتير. وأوضح بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، أن الموافقة على هذه الصفقة ستضمن استفادة الأمريكيين من سلسلة من المزايا، وستطلق مليارات الدولارات في مشروعات بناء بنى تحتية جديدة في مختلف أنحاء البلاد. وكان كار قد أعلن في فبراير الماضي عن فتح تحقيق مع فيريزون بشأن ترويجها لبرامج التنوع والمساواة والشمول، مشيرًا إلى أنها قد تكون عاملاً في صفقة فرونتير. وفي رسالة إلى كار اطلعت عليها رويترز، أكدت فيريزون أنها ستزيل موقعها الإلكتروني المخصص لـ "التنوع والشمول"، وستحذف الإشارات إليه من تدريب الموظفين، وستجري تغييرات أخرى على ممارسات التوظيف والتطوير المهني وتنوع الموردين والرعاية المؤسسية، كما أكدت أن جميع هذه الأحكام ستُطبق أيضًا على فرونتير.

اقتصادنا.. تحديات وآمال
اقتصادنا.. تحديات وآمال

جريدة الرؤية

timeمنذ 19 دقائق

  • جريدة الرؤية

اقتصادنا.. تحديات وآمال

حاتم الطائي ◄ انعكاسات الزخم الاقتصادي ما تزال غير ملموسة بالدرجة الكافية على المواطن ◄ مشروعات التطوير العقاري والسياحي تفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات النوعية ◄ لا بُد من التخلي عن ثقافة العمل الريعي والاتكالية وتمجيد السلبية والتوجه نحو الإنتاجية والإنجاز لا أحد يُنكر الزخم الذي يكتسبه اقتصادنا الوطني عامًا وراء عام، وما نُحققه من مُنجزات على صعيد الاقتصاد الكُلي من نمو في الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي واستقرار معدلات التضخم، وغيرها من المؤشرات، علاوة على التحسُّن الواضح في المالية العامة مع نجاح خطة التوازن المالي في ضبط الإنفاق العام وزيادة الإيرادات وخفض العجز المالي، والذي تحوَّل إلى فائض مالي خلال السنتين الماليتين الأخيرتين، مع تقديرات بمواصلة تحقيق هذا الفائض المالي في الموازنة العامة للدولة للعام الجاري 2025. لكن في المُقابل، فإنَّ انعكاسات هذا الزخم الاقتصادي على معيشة المواطن ما تزال غير ملموسة بالدرجة الكافية، ما يؤكد أنَّ ثمّة خللٍ يواجه النموذج الاقتصادي والتنموي الذي نسير عليه، ليس فقط من حيث تأثيراته على الحياة اليومية للمواطن، ولكن أيضًا فيما يتعلق بمعدلات نمو بعض المؤشرات، وفي مُقدمتها مؤشر الباحثين عن عمل الذي ما يزال يُراوح مكانه، فأعداد الباحثين عن عمل ما تزال مُرتفعة، وما يتم توفيره من وظائف كل عام لا يتماشى أبدًا مع العدد المُتزايد من الخريجين، أضف إلى ذلك أعداد المُسرَّحين من أعمالهم، وإن كانوا لا يمثلون عددًا كبيرًا، لكنهم يضيفون إلى العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل، وهو المسمى الذي يجب أن نستخدمه بكل واقعية. نقول ذلك، وقد شهدنا خلال الأسبوع الماضي إطلاق حُزم من المشاريع العقارية والسياحية العملاقة، والتي تستقطب استثمارات بأكثر من 2.3 مليار ريال، تتضمن إنشاء مُدن ذكية ومشروعات عقارية وسياحية، يُنفذها أكبر المطورين العقاريين على مستوى الشرق الأوسط، ومن المؤكد أنَّ هذه المشاريع ستضُخ دماءً جديدة في شرايين اقتصادنا الوطني، وستعمل على توفير المزيد من فرص العمل للشباب، وستُحدث انتعاشة مأمولة، خاصة وأن الاستثمار في القطاع العقاري يُعد الأكثر أمانًا، لما يُحقِّقه من قيمة مضافة؛ سواءً للمالك (المستثمر) أو المنظومة الاقتصادية ككُل، علاوة على أنَّ هذه المشاريع تُسهم في تطوير العديد من المناطق، وتُحقق الاستغلال الأمثل لما يملكه وطننا الحبيب من مقومات. ولا ريب أنَّ مشروع "الجبل العالي" في الجبل الأخضر وما يُتيحه من إمكانية التملك الحُر، سيلقى الكثير من النجاح؛ كون ولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، منطقة استثنائية على مستوى دول الخليج، من حيث اعتدال الطقس وما تنعم به من هدوء في أحضان الطبيعة الخلابة، وسيكون "الجبل العالي" أهم منتجع سياحي في دول الخليج قاطبةً، وسيُنافس كل المنتجعات السياحية، ليس مستوى دولنا فقط، ولكن على مستوى الشرق الأوسط وآسيا، خاصة في ظل المعايير العالمية التي سيتم تنفيذ المشروع وفقها، وما يتضمنه من منتجات تُلبي احتياجات الأفراد، سواء من الوحدات السكنية أو الترفيهية. لقد كتبنا كثيرًا عن ضرورة تحقيق التنمية السياحية في الجبل الأخضر، وأهمية تحويل هذه الجنَّة الخضراء إلى منتجعات سياحية ومجمعات سكنية مُتكاملة، لكي نُحقق التنمية المُستدامة والشاملة، ويستفيد أبناء الجبل الأخضر من هذه التنمية، في صورٍ عدة. ومثل هذه المشاريع لا تخدم جهود التنمية وحسب؛ بل إنها تفتح الباب أمام جذب المزيد من الاستثمارات، وتنويع المشاريع، والعمل على التوجه نحو نموذج أكثر تطورًا واستدامةً في التنمية السياحية والعقارية؛ الأمر الذي سيعود بالنفع على اقتصادنا الوطني، ويخلق المزيد من فرص العمل، ويضمن توسعة القاعدة الاقتصادية للقطاع الخاص. ونظرًا لأنَّ الاقتصاد يعمل وفق تأثير "الدوائر المترابطة" التي تتأثر ببعضها البعض، فمن الضروري العمل على مواجهة التحديات التي تواجه تمكين القطاع الخاص، مثل: تبسيط الإجراءات وإتاحة التمويل منخفض التكلفة عبر طرح حلول تمويلية بأسعار فائدة لا تتعدى 3%، حتى يتمكن هذا القطاع الحيوي من النهوض بمسؤولياته في بناء الوطن وخلق فرص العمل للشباب، وهي القضية الأكثر إلحاحًا؛ إذ إنه رغم ما أطلقه البنك المركزي العُماني، مشكورًا، من مبادرات طموحة، إلّا أنَّ القطاع الخاص يترقب المزيد من التفاصيل والآليات للاستفادة من هذه المبادرات الطموحة، والتي تعوِّل عليها الشركات كثيرًا من أجل تحقيق الانتعاشة المأمولة. ومن بين الحلول التي نأمل اتخاذها لإنعاش الاقتصاد، ضرورة مواصلة زيادة رأس مال بنك التنمية؛ حيث إن الزيادة التي شهدها خلال العام الماضي، يجب أن تتبعها زيادات تُسهم في تذليل عقبات التمويل وإتاحته أمام أكبر عدد ممكن من المستثمرين، وأداء دوره الوطني كمموِّل للمشاريع التنموية. كما يتعين العمل على تحديث التشريعات بصفة مستمرة، لضمان مواكبتها للمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، والتي بدأت تؤثر على اقتصادنا، دون أن يكون لنا أي علاقة بها. ولا شك كذلك أن أي قرار اتُخذ خلال الفترة الأخيرة، لم يخدم الصالح العام ولا بيئة الاستثمار، يجب التراجع عنه فورًا، والبحث عن حلول بديلة، لا سيما القرارات الشعبوية التي لم تهدف إلّا إلى إلقاء مزيد من الأعباء على القطاع الخاص، ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي أُجزمُ أنها إذا ما كانت مُستعدة بالدرجة الكافية لتوظيف الباحثين لسارعت إلى ذلك دون تردد. وهُنا، أهمسُ في أذن الشباب وكذلك المسؤولين، بأهمية تغيير ثقافة العمل، من خلال تبنِّي مفهوم مُغاير للعمل، يقوم على تقديس قيمة العمل، وترسيخ المهنية والجودة في كل تفاصيل أعمالنا. كما أُسدي النصح إلى أصحاب الأعمال- وتحديدًا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- بأن يبتعدوا عن ثقافة العمل الريعي الذي لا مجهود فيه، وأن يتجهوا إلى العمل القائم على العطاء اليومي والإنتاجية، وهذا يتطلب الكف عن تمجيد التفكير السلبي والاتكالية، كما يجب على أصحاب المشاريع أن يبتعدوا عن المظاهر والشكليات والزخرفة التي لا تُضيف لمعنى الحياة أي جديد. وفي هذا السياق، ومن موقعي في عالم الإعلام، أؤكد أنَّ لوسائل الإعلام دور فاعل للغاية في إبراز قصص النجاح التي تقوم على الجدية والمثابرة في العمل، ولنا مثال بتجربة شباب نزوى في تطوير "حارة العقر" وتحويلها من خرابات إلى نقاط جذب سياحي، وفرص عمل للشباب، ونأمل أن تكون نموذجًا يُحتذى به في تطوير المواقع التراثية والاستفادة منها في تحقيق عائد اقتصادي مُجدٍ في مختلف الولايات. وعندما نتحدث عن الولايات والمُحافظات، لا بُد من الإشارة إلى أدوار المُحافظين في إدارة الملف الاقتصادي وتطوير اقتصاد المحافظات بما يُلبي الطموحات؛ حيث إنَّ كل محافظة تتمتع بميزة تنافسية، ما يُسهم في خلق التكامل الاقتصادي بين المحافظات. وفي هذا الإطار، لا بُد من بذل كل الجهود من أجل التخلص من البيروقراطية، والتركيز على الإنجاز الحقيقي، وأن يخرج المسؤولون من مكاتبهم وينتقلون إلى أرض الواقع لمتابعة أنشطة مؤسساتهم التي يُديرونها، خاصةً وأنا نُعاني من تضخم الإجراءات الإدارية على حساب الإنجاز. وعلى صعيد التعاون الدولي، نؤكد مُجددًا أنَّ الدبلوماسية الاقتصادية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- تُحقق نجاحات غير مسبوقة، لكن في الوقت نفسه على الوزارات المعنية الاستفادة من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون التي نوقعها مع مختلف الدول، وكذلك الحال بالنسبة للتحالفات الاقتصادية الدولية، من خلال تعزيز التعاون مع عدد من المجموعات والتحالفات الدولية، مثل مجموعة آسيان، و"بريكس" وغيرها، لتعميق الأداء الاقتصادي. ويبقى القول.. إنَّ مواجهة التحديات ضرورة وطنية، تستلزم تكاتف الجهود والسعي الحثيث من أجل تنفيذ مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، وذلك يتطلب إرادة صلبة وجدية في العمل، من أجل بناء اقتصادنا، خاصة وأنَّه صغير نسبيًا، ما يعني وجود فرص هائلة من أجل التطوير والنهوض الحقيقي به، لضمان تنوُّعه واستدامته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store