
شبح حرب العراق يلوح في أفق الخلاف القائم بين ترامب ورئيسة جهاز استخباراته
Getty Images
ترامب مع رئيسة جهاز الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد
إن الحديث عن مدى اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي، يثير السؤال المحوري الذي يُخيّم على قرار دونالد ترامب بشأن الانضمام إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية.
هذه القضية المُشوبة بمخاوف تهديدات وشيكة للولايات المتحدة والاستقرار الإقليمي، أحدثت شرخاً واضحاً في العلاقات بين الرئيس وأحد كبار مستشاريه الأمنيين.
لمعرفة آخر تطورات تبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران، تابعنا على واتساب (
).
وتُعيد هذه القضية إلى الأذهان حُججاً ساقها مسؤول جمهوري آخر في البيت الأبيض خلال أزمة أخرى في الشرق الأوسط قبل أكثر من عشرين عاماً.
فعلى متن طائرة الرئاسة الأمريكية، وخلال عودته المُفاجئة من قمة مجموعة السبع الكندية، سُئل ترامب عمّا إذا كان يُوافق على الشهادة التي أدلت بها رئيسة جهاز الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، في مارس/ آذار، التي أفادت بأن إيران لا تُصنّع قنبلة نووية.
قال ترامب للصحفيين "لا أُبالي بما قالته"، مُضيفاً أنه يعتقد أن إيران "قريبة جداً" من امتلاك قنبلة نووية.
وخلال شهادتها البرلمانية، قالت تولسي غابارد إن الاستخبارات الأمريكية خلُصت إلى أن إيران لم تستأنف برنامجها للأسلحة النووية الذي أوقفته عام 2003، حتى مع وصول مخزون البلاد من اليورانيوم المخصب - وهو أحد مكونات هذه الأسلحة - إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.
وعقب تصريحات ترامب، يوم الثلاثاء، أشارت تولسي إلى مستوى تخصيب اليورانيوم كدليل على أنها والرئيس "متفقان" في تبادل المخاوف.
BBC
قال ترامب من على متن طائرة الرئاسة الأمريكية، خلال عودته المُفاجئة من قمة مجموعة السبع الكندية،إنه لا يبالي بما قالته رئيسة جهاز الاستخبارات الوطنية بخصوص أن إيران لا تُصنّع قنبلة نووية، مُضيفاً أنه يعتقد أنها "قريبة جداً" من امتلاك قنبلة نووية.
وقد شهد اختيار تولسي غابارد لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية الكثير من الجدل بعد تولي ترامب منصب الرئيس، نظراً لانتقاداتها السابقة للاستخبارات الأمريكية، ولتصريحاتها السابقة بأنها لا تمانع اللقاء بخصوم الولايات المتحدة كالرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، ولآرائها الصريحة المناهضة لسياسة التدخل الخارجي لأمريكا.
وكانت تولسي، المرشحة الرئاسية الديمقراطية السابقة التي أيدت السيناتور بيرني ساندرز في حملته الانتخابية، قد انشقت عن الحزب الديمقراطي في عام 2022، وأيدت ترامب العام الماضي.
واعتُبر تأكيد مجلس الشيوخ لها في فبراير/ شباط، بأغلبية 52 صوتاً مقابل 48، دليلاً على أن ترامب يمنح الانعزاليين، الذين لا يؤيدون التدخل في شؤون الدول الأخرى، صوتاً في البيت الأبيض.
وعلى الرغم من تأكيدات تولسي المنافية لذلك، فإن تصريحات الرئيس تُمثل رفضاً قاطعاً لشهادة رئيسة استخباراته تحت القسم، وقد تكون مؤشراً على أن المتشددين تجاه إيران لهم اليد العليا في البيت الأبيض.
وقد دافع نائب الرئيس، جيه دي فانس، وهو أيضاً من مؤيدي عدم التدخل، عن تولسي، إلا أنه أبدى أيضاً دعمه لأي قرار يتخذه ترامب في إيران.
وكتب فانس على موقع إكس، الثلاثاء: "أعتقد أن الرئيس قد اكتسب بعض الثقة في هذه القضية. أؤكد لكم أنه مهتم فقط باستخدام الجيش الأمريكي لتحقيق أهداف الشعب الأمريكي".
BBC
شاهد طوابير مرورية ضخمة من سيارات الناس الفارين من العاصمة الإيرانية طهران
كما انتقل الخلاف الواضح بين ترامب وتولسي إلى الخلاف المتفاقم داخل حركة "أمريكا أولاً" التي يتبناها ترامب حول ما إن كان ينبغي للولايات المتحدة التدخل في الصراع الإسرائيلي الإيراني أم لا.
ويستشهد أولئك الذين يعتقدون أن إيران على وشك امتلاك قنبلة نووية - بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيغسيث، وصقور إيران في الكونغرس، والحكومة الإسرائيلية - بقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي بأن إيران انتهكت معاهدة حظر الانتشار النووي لأول مرة منذ 20 عاماً.
بينما يزعم دعاة عدم التدخل الأمريكي، مثل المعلق المحافظ، تاكر كارلسون، وعضوة الكونغرس، مارجوري تايلور غرين، أن الأدلة التي تدعم امتلاك إيران قنبلة نووية، مُبالغ فيها لتبرير تغيير النظام الإيراني والمغامرات العسكرية للبلاد.
وكتب كارلسون على منصة إكس الأسبوع الماضي أن "الانقسام الحقيقي ليس بين من يدعمون إسرائيل ومن يدعمون إيران أو الفلسطينيين، بل الانقسام الحقيقي هو بين من يشجعون العنف، ومن يسعون لمنعه".
ويشير هؤلاء أيضاً إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 - ويقولون إن شن الولايات المتحدة هجوماً على إيران، التي هي دولة أكبر بثلاث مرات من العراق، وعدد سكانها ضعف عدد سكان العراق، سيكون قراراً كارثياً بالمثل في السياسة الخارجية.
BBC
وكانت إدارة الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، قد بررت غزوها للعراق عام 2003 بتحذيرات من تهديدات جسيمة للولايات المتحدة من أسلحة الدمار الشامل العراقية، مستشهدةً بنتائج استخباراتية ثبت في النهاية أنه لا أساس لها من الصحة.
وقال بوش في خطاب متلفز في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 "في مواجهة أدلة دامغة على الخطر، لا يسعنا انتظار الدليل النهائي - الدليل القاطع - الذي يكون واضحاً وضوح الشمس في كبد السماء".
حينها أرسلت الإدارة الأمريكية وزير الخارجية، كولن باول، إلى الأمم المتحدة، حيث رفع قارورة صغيرة قال إنها لا تمثل سوى جزء صغير من بكتيريا الجمرة الخبيثة المُستخدمة كسلاح بحوزة العراقيين.
وقال باول "هذه ليست ادعاءات، ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات مبنية على معلومات استخباراتية موثوقة".
الشكوك حول صحة تلك النتائج الاستخباراتية، بالإضافة إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي لم يُقدم أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل، ولم يُسفر عنه أي دليل على وجودها، أدت إلى مكاسب انتخابية للديمقراطيين في الانتخابات اللاحقة، وإلى تنامي المعارضة الداخلية بين الجمهوريين.
Getty Images
دافع كولن باول، وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق، جورج بوش الإبن، عن القرارالأمريكي بشن حرب على العراق
وبحلول عام 2016، كان استياء الجمهوريين من مؤسستهم السياسية تمهيداً للطريق أمام ترامب، الناقد لحرب العراق، للفوز بترشيح حزبه للرئاسة، والوصول إلى البيت الأبيض.
والآن وبعد تسع سنوات، يفكر ترامب في التدخل العسكري في الشرق الأوسط مجدداً، بناءً على استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وليس مدفوعاً منها.
وبينما يقول محافظون، مثل السيناتور، ليندسي غراهام، من ولاية كارولينا الجنوبية، إن الوقت قد حان لتغيير النظام، يبدو أن البيت الأبيض لا يرحب بمثل هذا النوع من الغزو الشامل وجهود بناء الدولة التي شهدها العراق عام 2003.
ومع ذلك، يمكن أن تتطور العمليات العسكرية بطرق غير متوقعة.
ورغم أن ترامب يعيش ظروفاً مختلفة - ويفكر في مسار عمل مختلف - عن سلفه الجمهوري، فإن عواقب قراراته بالاعتماد على نتائج مستشاريه الاستخباراتيين أو رفضها قد تكون بالقدر ذاته من الأهمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ 23 دقائق
- عين ليبيا
بعد قصف صاروخي إيراني مكثف.. إصابات خطيرة في حيفا وتل أبيب
شهدت الأراضي الإسرائيلية، الجمعة، تصعيداً عسكرياً غير مسبوق بعد إطلاق إيران عشرات الصواريخ البعيدة المدى، ما أدى إلى دوي صفارات الإنذار في كل أرجاء البلاد وسقوط إصابات خطيرة، وسط دعوات للجمهور بالدخول إلى المناطق المحمية، ويأتي هذا التصعيد في إطار عملية 'الوعد الصادق 3' التي أعلن عنها الحرس الثوري الإيراني، والتي استهدفت مواقع عسكرية وحيوية في إسرائيل، منها مقر شركة 'مايكروسوفت' في بئر السبع، في رد واضح على تصعيد الضربات الإسرائيلية داخل إيران، وعلى الجانب الآخر، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي بتكثيف الهجمات داخل طهران بهدف زعزعة النظام الإيراني، فيما تزامنت هذه التطورات مع استئناف المفاوضات النووية في جنيف وسط أجواء متوترة تعكس صراعاً إقليمياً متصاعداً يحمل تداعيات واسعة على الاستقرار الإقليمي والدولي. في التفاصيل، أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، عن رصد إطلاق عدد من الصواريخ من إيران باتجاه الأراضي الإسرائيلية، مشيراً إلى عمل منظومات الدفاع الجوي لاعتراض التهديد. ودعا الجيش في بيان له الجمهور إلى دخول المناطق المحمية والالتزام بالتعليمات الأمنية حتى إشعار آخر، محذراً من مغادرة هذه المناطق إلا بتوجيه صريح من قيادة الجبهة الداخلية. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بسماع صفارات الإنذار في جميع أنحاء البلاد، مع تقديرات تشير إلى إطلاق نحو 25 صاروخاً إيرانياً، وسجلت إصابات خطيرة في حيفا وبلدة شفاعمرو، إلى جانب إصابات في تل أبيب، حسبما نقل مراسلونا عن مصادر طبية وإسعافية إسرائيلية، حيث أكد الإسعاف الإسرائيلي إصابة 12 شخصاً في حيفا بينهم اثنان بحالة حرجة. وجاء الرد الإيراني على الهجمات على لسان المرشد علي خامنئي الذي قال عبر منصة 'إكس' إن إسرائيل 'تلاقي جزاءها الآن'، واصفاً النظام الإسرائيلي بأنه ارتكب 'خطأً فادحاً' وعواقبه ستكون 'بائسة'. فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني إطلاق الموجة السابعة عشرة من الصواريخ، ضمن عملية 'الوعد الصادق 3″، مستهدفًا الأراضي الإسرائيلية باستخدام صواريخ بعيدة المدى وثقيلة، بالإضافة إلى طائرات مسيرة هجومية وانتحارية. وجاء في بيان رسمي للحرس الثوري أن هذه الموجة استهدفت الأهداف العسكرية، الصناعات العسكرية، ومراكز القيادة التابعة لـ'الكيان الإسرائيلي'، مشيرًا إلى تنفيذ الهجمات بصواريخ فائقة الوزن وطائرات مسيرة متطورة. وأكد البيان أن الحرس الثوري أرسل تحذيرًا مسبقًا قبل استهداف مقر البث الميداني للقناة 14 في حيفا بصواريخ 'سجيل 3″، مشددًا على أن 'دفاعنا المقدس سينتصر بدعم الشعب' مع دعوة العالم لانتظار 'مفاجآت' إضافية. في المقابل، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تعليمات بتكثيف الهجمات داخل إيران مع التركيز على الأهداف الحكومية في العاصمة طهران بهدف زعزعة استقرار النظام الإيراني، داعياً إلى إخلاء شامل لسكان طهران. كما أكد استمرار استهداف المنشآت والعلماء المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، مشيراً إلى أن الهدف المعلن هو منع إيران من تطوير أسلحة نووية وصواريخ، مع تلميحات إلى احتمالية تحقيق أهداف أوسع في العملية العسكرية. وزير الخارجية الإيراني يلتقي ممثلي 'الترويكا' الأوروبية في جنيف للتفاوض حول الملف النووي وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجمعة، إلى جنيف لعقد مباحثات مع نظرائه من دول 'الترويكا' الأوروبية، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لبحث تطورات الملف النووي وسط تصاعد التوتر في الصراع الإيراني – الإسرائيلي. ويضم الوفد الأوروبي وزراء خارجية ألمانيا يوهانس فاديفول، وفرنسا جان-نويل بارو، وبريطانيا ديفيد لامي، بالإضافة إلى مشاركة رئيسة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي أكدت أن هدف مشاركتها يتمثل في تخفيف التوتر وإيجاد حلول دبلوماسية للملف النووي الإيراني. وتأتي هذه المحادثات عقب إعلان رؤساء حكومات الدول الثلاث، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بنية تقديم 'عرض تفاوضي كامل لإيران' لإحياء المحادثات النووية وتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق. إيران تعلن استهداف مقر 'مايكروسوفت' في إسرائيل بصاروخ أثناء عملية 'الوعد الصادق 3' أعلنت إيران، عبر المتحدث باسم عملية 'الوعد الصادق 3' إيمان تاجيك، استهداف مكتب شركة 'مايكروسوفت' في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل بصاروخ واحد، وذلك ردًا على تعاون الشركة مع الجانب الإسرائيلي. ونقلت وكالة 'إرنا' عن تاجيك قوله: 'تم تدمير مكتب مايكروسوفت بصاروخ واحد فقط في بئر السبع. كل مساعدة موجهة لإسرائيل ستواجه عقابًا'. من جهتها، أكدت صحيفة 'تايمز أوف إسرائيل' سقوط الصاروخ بالقرب من مقر الشركة ومجمعات سكنية، ما أدى إلى اندلاع حرائق في عدة سيارات. وأفاد ممثل خدمات الإسعاف الإسرائيلية 'ماجين دافيد أدوم' بوقوع ستة إصابات على الأقل نتيجة القصف الصاروخي الإيراني في بئر السبع صباح الجمعة.


الوسط
منذ 37 دقائق
- الوسط
شاهد.. صاروخ إيراني يضرب مستعمرة إسرائيلية في الضفة الغربية
سقط صاروخ إيراني، اليوم الجمعة، على مستعمرة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وأظهر مقطع فيديو متداول على منصة «إكس» تصاعد عمود دخان ضخم من موقع سقوط الصاروخ. - وضربت صواريخ إيرانية عدة أخرى مدنا إسرائيلية، ظهر اليوم، منها تل أبيب وحيفا وبئر السبع. يشار إلى أن سلطات الاحتلال تفرض رقابة عسكرية واسعة على الإعلام، وتحظر نشر معلومات عن المواقع التي تصيبها الصواريخ الإيرانية. لحظة سقوط أحد الصواريخ على مستوطنة الكانا الإسرائيلية بالضفة الغربية — عمر مدنيه (@Omar_Madaniah)


الوسط
منذ ساعة واحدة
- الوسط
بعد ستة أشهر من سقوط حكم الأسد، لماذا لا يريد لاجئون سوريون في الأردن العودة لبلادهم؟
"أحن لسوريا، لكن عندما أفكر في العواقب أقول لنفسي: خليني هون أحسن"، هكذا تعبر اللاجئة السورية في الأردن ريهام عن رفضها للعودة لبلادها حالياً وفي المستقبل القريب. وهذا هو حال اللاجئة السورية رانيا أيضاً، والتي تقول: "لا شيء يشجعني على العودة". منذ سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وحركة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم متسارعة من مختلف دول العالم، ومنها الأردن. لكن بعضهم لا يزال متوجسا من الإقدام على تلك الخطوة حاليا، والانتقال من حالة اللجوء إلى المواطنة. ويرى تقرير "الاتجاهات العالمية" الذي يقدم تصوراً سنوياً لأوضاع النازحين قسراً في العالم، الصادر منذ أيام عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن الجانب المشرق الوحيد يكمن في انتعاش العودة الطوعية إلى الوطن، لا سيما إلى سوريا. وبلغ عدد الأفراد اللاجئين العائدين إلى سوريا منذ سقوط حكم الأسد، وحتى 12 يونيو/حزيران 577,266 لاجئاً. وخلال تلك الفترة، عاد أكثر من 86 ألف لاجئ سوري من الأردن إلى بلادهم. ونشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في فبراير/شباط الماضي مسحاً إقليمياً حول تصورات ونوايا اللاجئين السوريين في أربع دول، منها الأردن، بشأن العودة إلى سوريا. وأعرب فيه 27 في المئة فقط من اللاجئين السوريين المشاركين في المسح عن نيتــهم العودة خلال 12 شهراً مقبلة، مقارنة مع 1.7 في المئة في مسح العام الماضي. "بيتي على الأرض" Getty Images مبنى مدمر في مخيم اليرموك قرب دمشق، في الأول من فبراير/شباط 2025 تنحدر ريهام، وهو اسم مستعار، من قرية خربة غزالة في محافظة درعا السورية، لكنها كانت تسكن في مخيم اليرموك قرب دمشق، قبل وصولها للأردن بصحبة أفراد من عائلتها في 2013، عقب اندلاع "الثورة السورية". وسكنت ريهام (39 عاماً) في مخيم الزعتري شمالي الأردن، بعد أن فقدت زوجها برصاص قناص خلال أحداث العنف في سوريا، فبقي لها من عائلتها طفلان اصطحبتهما إلى الأردن، حيث كانت تسعى للأمان. بعد أكثر من عقد من اللجوء وأشكال معاناته، لا تفكر ريهام في العودة لبلادها بعد سقوط حكم الأسد، وتساءلت: أين سأسكن؟ "ما عندي بيت، وما عندي مصاري (مال) … بيتي في مخيم اليرموك قرب دمشق على الأرض بعد دماره بشكل كامل خلال الحرب، ومنطقة سكني لا يوجد بها أحد"، تقول ريهام لبي بي سي. ورأى 66 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن أن المخاوف بشأن توافر الممتلكات تمنعهم من العودة خلال عام. أما رانيا الخالدي (45 سنة) من مدينة حلب، والتي وصلت إلى عمّان في 2012 قادمة من سوريا بعد عام من اندلاع "الثورة"، لا تبدي رغبة في العودة لوطنها لأسباب عدة. تعيل رانيا عائلتها بعد وفاة زوجها منذ عام، من خلال إكمال عمله في مجال صنع الصابون الذي تشتهر به حلب، وتقوم ببيعه في عمّان. تقول رانيا لبي بي سي: "بيتي ومشغل زوجي الخاص بالصابون في حلب مدمران بشكل كامل". "أولادي متعلقون بالأردن" Getty Images أطفال سوريون يلعبون في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016 تضيف رانيا: "لا شيء يشجعني على العودة، وأولادي متعلقون بالأردن… جميع أقاربي في حلب غير موجودين بسبب الوفاة أو السفر والشتات". وأشارت رانيا إلى دراسة أولادها في الأردن. أما ريهام تشير إلى أن نجلها يدرس في الجامعة في تخصص الأمن السيبراني، والآخر يدرس في الصف العاشر. وترى ريهام أن التعليم في سوريا ليس جيداً، مضيفةً: "لا يوجد في سوريا تخصص أمن سيبراني حتى يكمل ابني دراسته، ولا توجد وظائف مناسبة لتخصصه الدراسي". وعبر 41 في المئة من اللاجئين السوريين بالأردن المشاركين في المسح، أن المخاوف بشأن توافر الخدمات، مثل الصحة، والتعليم، والمياه، والكهرباء، والبنية التحتية، تمنعهم من العودة لبلادهم خلال عام. وتتواصل ريهام مع أشخاص في سوريا يخبرونها بمشاكل حالية تتعلق بالكهرباء والمياه. أما أحمد نعسان الذي يسكن عمّان، فعبر لبي بي سي عن قلقه من عدم توافر المستلزمات الطبية للعلاج والرعاية الصحية. مخاوف أمنية ولا يرى أحمد (55 عاماً) الذي وصل إلى الأردن عام 2012، أن السلم الأهلي متوافر في سوريا ومنطقته في ريف دمشق، وهو ما يثير المخاوف لديه. وتتشارك ريهام مع أحمد في المخاوف الأمنية، متحدثة عن "وجود اغتيالات وقتل" وتصفية حسابات في بلادها. وتشكل المخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن مانعاً لنحو 51 في المئة من المشاركين في المسح في الأردن، من العودة لسوريا خلال عام. "مهنتي تعد من الكماليات في سوريا" يعمل أحمد في فن الأرابيسك والمشغولات اليدوية الخاصة بهذا الفن، ويبيع أعماله، ويدرب آخرين في هذا المجال، ولديه مشغل في عمّان. "لا أفكر في العودة…وقد تعرض بيتي ومشغلي في سوريا للدمار"، يقول أحمد الذي لديه أيضاً مخاوف اقتصادية. ويضيف: "مهنتي تعد في سوريا حالياً من الكماليات، لأن سوريا في مرحلة البناء". ويبدو على أحمد التعلق بالأردن، ويشير إلى أنه لا يسعى إلى قطع ارتباطه بالأردن حتى في حال عودته. وتشكل التحديات الاقتصادية في سوريا مانعاً لـ36 في المئة من المشاركين في المسح في الأردن، من العودة لسوريا خلال عام. وتعمل السلطات السورية الجديدة، بعد رفع عقوبات غربية عن البلاد، على دفع عجلة التعافي الاقتصادي تمهيداً لبدء مرحلة الإعمار الذي تقدّر الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس. ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في نهاية يناير/كانون الثاني، المجتمع الدولي إلى دعم إعادة الإعمار في سوريا لتسهيل عودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى ديارهم. قرار "طوعي" وتؤكد ماريا ستافروبولو ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، لبي بي سي، أن قرار العودة للاجئين هو طوعي ويعود للاجئ نفسه. وتحدثت ستافروبولو لبي بي سي، عن نوعين من المخاوف، الأول يتعلق بالاستقرار والأمن، والثاني يتعلق بالظروف الاقتصادية وفرص كسب العيش، والحصول على الخدمات الأساسية. "الأمر يعتمد على المكان الذي يقصدونه، ومدى شعورهم بالأمان الكافي، ويعتمد الأمر على ما هو متاح لهم من خدمات أساسية"، وفق ستافروبولو. "تهيئة الظروف" يضغط الأردن الذي يشترك مع سوريا في حدود برية تمتد إلى نحو 375 كيلومتراً، من أجل "ضرورة الاستمرار في دعم اللاجئين والمنظمات التي تعنى بهم والدول المستضيفة، بالتزامن مع العمل المكثّف على تهيئة البيئة التي تتيح عودتهم الطوعيّة إلى بلدهم"، وفق تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. وهو الأمر الذي تطرق له العاهل الأردني عبدالله الثاني في فبراير/شباط الماضي، عندما بحث مع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في عمّان "تهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين". وانسجاماً مع ذلك، أكدت المفوضية في أبريل/نيسان، عدم تخطيطها لإغلاق مخيمي الأزرق والزعتري، وهما أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن. ويسكن في المخيمين قرابة 108 آلاف لاجئ سوري. ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن 534,694 منهم 111 ألف في 4 مخيمات للاجئين السوريين، وفق سجلات المفوضية في مطلع الشهر الحالي. وتقول عمّان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في البلد المجاور، وذلك في ظل وجود عدد كبير من اللاجئين غير المسجلين لدى الأمم المتحدة. مبادرة لتوفير خدمات نقل مجانية تتوقع المفوضية عودة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري من الخارج منهم 200 ألف من الأردن بحلول نهاية 2025. وأطلقت المفوضية في يناير/كانون الثاني 2025 مبادرة لتوفير المواصلات، وفق حديث الناطق الإعلامي للمفوضية في الأردن يوسف طه، لبي بي سي. ويوفر برنامج النقل التابع للمفوضية خدمات نقلٍ مجانية للاجئين السوريين الذين يتقدمون بطلباتٍ للعودة الطوعية إلى سوريا. وقدمت المفوضية حتى الآن مساعدةً في النقل لقرابة 2800 لاجئ، بحسب طه. وتُقدم المفوضية استشاراتٍ للعودة، تشمل مشاركة معلومات مُحدثة ومُوثّقة حول الأوضاع في مناطق العودة، وتقديم المساعدة القانونية، وضمان الدعم عند المعابر الحدودية، بحسب طه. وتقول المفوضية إن هذه الجهود تهدف إلى مساعدة اللاجئين على اتخاذ قراراتٍ مستنيرة والعودة بطريقة تحفظ حقوقهم وسلامتهم. كما تشمل الخدمات فحوصات طبية قبل المغادرة، واستشارات فردية حول الأوضاع في سوريا، وحول مراكز المفوضية المجتمعية والخدمات المتاحة للعائدين في سوريا.