
دار الإفتاء توضح كيفية الإجابة على سؤال: أين الله؟
وقالت دار الإفتاء ، في إجابتها على السؤال إنه إنْ قُصد بهذا السؤال طلب معرفة الجهة والمكان لذات الله تعالى بما تقتضي إجابته إثبات الجهة والمكان لله سبحانه فإنه لا يصحُّ، إذ لا يليق بالله أن يُسأَل عنه بـ "أين" بهذا المعنى؛ لأن الجهة والمكان من الأشياء النسبية الحادثة، بمعنى أننا حتى نصف شيئًا بجهة معينة يقتضي أن تكون هذه الجهة بالنسبة إلى شيء آخر، فإذا قلنا مثلًا: السماء في جهة الفوق، فستكون جهة الفوقية بالنسبة للبشر، وجهة السفل بالنسبة للسماء التي تعلوها وهكذا، وما دام أن الجهة نسبية وحادثة فهي لا تليق بالإله الخالق سبحانه وتعالى.
وذكرت دار الإفتاء أن من ثوابت عقيدتنا أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحدّه زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".
وقد تواردت عبارات السلف الصالح التي تُقرر ذلك المعنى:
يقول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: "مَنْ زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا، ولو كان من شيء لكان مُحْدَثًا" اهـ.
وقيل ليحيى بن معاذ الرازي: "أَخْبِرْنا عن الله عزَّ وجلَّ، فقال: إلهٌ واحدٌ، فقيل له: كيف هو؟ قال: ملكٌ قادرٌ، فقيل له: أين هو؟ فقال: بالمرصاد، فقال السائل: لم أسألك عن هذا؟ فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صفته فما أخبرت عنه" اهـ.
وسُئِل ذو النون المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، فقال: "أثبت ذاته ونفى مكانه؛ فهو موجود بذاته والأشياء بحكمته كما شاء" اهـ.
وأوضحت أن المسألة هنا هي في فهم اللغة، والقرآن نزل بلغة العرب، والعربي عندما يسمع وصف الله تعالى بأنه ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فإنه يفهم منه أنه سبحانه وتعالى قَهَر كلَّ شيء، وأن كل المخلوقات تحت سلطانه وقدرته؛ لأنه إذا كان العرش مقهورًا تحت قدرته وهو أعظم المخلوقات فغيره من المخلوقات من باب أولى؛ يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (22/ 9-10، ط. دار إحياء التراث العربي-بيروت): [لما خاطبنا الله تعالى بلسان العرب وجب أنه لا يريد باللفظ إلا موضوعه في لسان العرب، وإذا كان لا معنى للاستواء في اللغة إلا الاستقرار والاستيلاء، وقد تعذّر حمله على الاستقرار، فوجب حمله على الاستيلاء، وإلا لزم تعطيل اللفظ، وهذا غير جائز، ولما قامت الدلالة العقلية على امتناع الاستقرار، ودل ظاهر لفظ "الاستواء" على معنى الاستقرار، فليس أمامنا إلا أربعة مسالك؛ إما أن نعمل بكلِّ واحدٍ من الدليلين، وإما أن نتركهما معًا، وإما أن نرجح النقل على العقل، وإما أن نرجح العقل ونؤول النقل.
والأول: باطل، وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد منزَّهًا عن المكان وحاصلًا في المكان؛ وهو محال.
والثاني: أيضًا محال؛ لأنه يلزم رفع النقيضين معًا وهو باطل.
والثالث: باطل؛ لأن العقل أصل النقل فإنه ما لم يثبت بالدلائل العقلية وجود الصانع وعلمه وقدرته وبعثته للرسل لم يثبت النقل، فالقدح في العقل يقتضي القدح في العقل والنقل معًا، فلم يبق إلا الرابع، وهو أن نقطع بصحة العقل ونشتغل بتأويل النقل، وهذا برهان قاطع في المقصود.
وعليه: يكون ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه مرادًا بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر؛ لأنه تعالى منزَّهٌ عن مشابهة المخلوقين، وليست صفاته كصفاتهم، وليس في صفة الخالق سبحانه ما يتعلق بصفة المخلوق من النقص، بل له جل وعلا من الصفات كمالُها ومن الأسماء حُسْنَاها، وكل ما خطر ببالك فالله تعالى خلاف ذلك، والعجز عن درك الإدراكِ إدراكُ، والبحث في كنه ذات الرب إشراكُ، فسبحان مَن لم يجعل للخلق سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
وزارة الأوقاف تقيم أمسية دينية بمناسبة الهجرة في مسجد غمرة المنوفي بالشرابية
أقيمت منذ قليل أمسية دينية تحت رعاية الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، بجامع غمرة المنوفي بحي الشرابية بالقاهرة، وذلك ضمن احتفالات وزارة الأوقاف بالهجرة النبوية، وتوعية المواطنين بالدروس المستفادة من الهجرة وأثرها على بناء المجتمع وتربية الأبناء. حاضر في الأمسية كل من الدكتور فتحي الجوهري مدير إدارة أوقاف جنوب القاهرة، والشيخ أحمد خالد خطيب وإمام بالأوقاف، والقارئ عبدالله عماد الدين خطيب وإمام بالأوقاف. وافتتحت الأمسية بآيات من الذكر الحكيم، ثم تناولت الحديث عن أهم الدروس والعبر من الهجرة وأهمية التخطيط والأخذ بالأسباب، وعدم التواكل والتكاسل وانتظار المدد من الله، فالهجرة تعلم المسلمين ضرورة السعي والأخذ بالأسباب مع التوكل على الله وصدق اليقين بالله. وتأتي هذه الأمسية ضمن جهود وزارة الأوقاف المستمرة لعمارة بيوت الله تعالى وإحياء الأجواء الروحانية التي تعزز الإيمان والسكينة في نفوس رواد المساجد ومرتاديه، خاصة خلال أيام المواسم الدينية.


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
أستاذ بالأزهر: الصدقة عند الله ليست بالكثرة بل بالإخلاص
أكد الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف، أن العبرة في الصدقة ليست في الكم والكثرة، ولكن في الإخلاص والصدق ونقاء المصدر، مشددًا على أن حسابات الله تختلف تمامًا عن حسابات البشر، وأن الله لا يقبل من المال إلا ما كان طيبًا وحلالًا. وقال الدكتور هاني تمام، خلال تصريح تليفزيوني، إن بعض الناس يظنون أن "الصدقة الكثيرة هي الأجدى بالثواب حتى وإن كان المال فيه شبهة أو غير طيب"، مؤكدًا أن هذه نظرة خاطئة لأن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبًا. واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، والله لا يقبل إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل". وأوضح أن النبي ﷺ شبّه أثر الصدقة القليلة الطيبة كأنها فرس صغير يُربى حتى يصير كبيرًا، فهكذا يُربي الله عز وجل الصدقة القليلة المخلصة حتى تتحول يوم القيامة إلى جبل من الحسنات، فيندهش العبد ويسأل: من أين جاء هذا الجبل؟ فيُقال له: هذه التمرة التي تصدقت بها بصدق وإخلاص. وأضاف أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت أن تتصدق بمال، كانت تطيّبه بالعطر قبل إخراجه، وحين سُئلت عن ذلك قالت: "إن هذا المال يقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير". وتابع: "عايز تتصدق وتكسب الثواب الكبير، اجعل صدقتك من مال حلال، وأخرجها وأنت محبٌّ لها، مخلص فيها، صادق النية أن تكون لله وحده"، مؤكدًا أن النية الصافية والمال الطيب هما ما يجعل الصدقة تنمو وتتضاعف عند الله.


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
هاني تمام: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك
قال الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف، إن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح في حديثه الشريف درجات النفقة والثواب، فقال: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته في عتق رقبة، ودينار أنفقته على أهلك، وأعظمها أجرًا عند الله الذي أنفقته على أهلك". وأضاف هاني تمام، خلال تصريح تليفزيوني، أن هذا الحديث الشريف يرسخ قيمة النفقة على الأهل باعتبارها أعظم ثوابًا عند الله حتى من الصدقة على المساكين أو النفقة في الجهاد، لأن النفقة على الزوجة والأولاد نفقة واجبة، وهي مقدمة على غيرها، بل إن الإنفاق على الأسرة امتثال لقوله ﷺ: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". وأوضح أن البعض يخطئ حين ينفق خارج بيته بينما والديه أو أبناؤه أو إخوته في حاجة، مشيرًا إلى أن الكمال في الخير أن يبدأ الإنسان بأهله الأقربين، ولا ينتظر حتى يستحقوا الزكاة ليعطيهم. وأضاف: "يجوز شرعًا إخراج الزكاة للأخ أو الأخت، لكن عيب أن أتركهم حتى يحتاجوا للزكاة مني". وحدد أن ثلاثة لا يجوز إعطاؤهم الزكاة المفروضة، وهم الأب والأم لأن النفقة عليهما واجبة، و الابن أو الابنة لأن نفقتهم واجبة على الوالد، و الزوجة لأن الرجل ملزم شرعًا بنفقتها. وأكد أن الإنفاق الواجب والمحب على الأهل مقدم عند الله في الأجر والثواب، وأن على المسلم ألا يغفل حق أهله ويتوجه للغير، قائلاً: "ابدأ بأهلك، فهم أولى بالمعروف والرحمة قبل أي صدقة خارجة".