
بعد 100 يوم على حكم ترمب... 8 وعود انتخابية لم تتحقق
على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين الذين حرصوا على أداء هادئ لقضاء شهر عسل مع جمهور أكثر استعداداً لرؤيتهم في صورة إيجابية، عمل دونالد ترمب بوتيرة مذهلة، ونفذ خلال 100 يوم وعده الذي أطلقه في خطاب تنصيبه الثاني بموجة كاسحة من التغييرات اجتاحت أميركا والعالم. ومع ذلك خالف بصورة جوهرية كثيراً من التعهدات التي قطعها خلال حملته الانتخابية، ولم يتمكن من إظهار نفوذه في السياسة الخارجية، إذ تعثرت جهوده من أجل السلام في أوكرانيا، وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف قصف غزة بعنف أكبر بعدما نجح في وقف القتال مرحلياً، وشرع في حرب تجارية عالمية وبخاصة مع الصين، ثم بدا متراجعاً معها، مما أدى إلى تراجع شعبيته بسرعة، فلماذا وصفت سياسات ترمب بالفوضى وكسر القواعد؟ وهل تعكس مبادئ السياسة الواقعية أم نتيجة لصراعات الجمهوريين حول السياسة الخارجية؟
100 يوم تاريخية
على رغم أن الأيام الـ100 الأولى لأي رئيس لا تتجاوز سوى سبعة في المئة من إجمال 1461 يوماً في دورة رئاسية واحدة، فإنها تشكل علامة إرشادية مهمة لما ستكون عليه هذه الرئاسة خلال بقية أيامها. لكن نهج ترمب المتسرع وكسر القواعد الذي حظي باهتمام كبير في فترة وجيزة، أحدثا تحولاً جذرياً يتجاوز بكثير التغييرات النمطية التي تحدث كل أربعة أو ثمانية أعوام، بل وأكبر حتى مما فعله ترمب نفسه عام 2017 عندما تولى منصبه للمرة الأولى، فقد غير بصورة جذرية كيفية عمل الاقتصاد الأميركي وكيفية إدارة الدبلوماسية العالمية وكيفية إنفاذ قوانين الهجرة، وأعاد تشكيل البيروقراطية الفيدرالية، وتجاوز حدود السلطة الرئاسية، وشن حرباً على النظام القضائي.
أداة ترمب لتحقيق ذلك تمثلت في 142 أمراً تنفيذياً تقترب مما فعله جو بايدن على مدى أربعة أعوام، لكنه لم يوقع سوى تشريع واحد وافق عليه الكونغرس واستضاف 14 زعيماً أجنبياً وألقى أطول خطاب أمام الكونغرس في التاريخ الحديث وتحدث إلى الصحافيين يومياً تقريباً، فضلاً عن عشرات المنشورات التي حدد من خلالها سياساته عبر منصته "تروث سوشيال".
وفي حين أن بعض خططه أدت إلى تغييرات بالفعل، إلا أن كثيراً منها لم يتحقق بعد، إذ وجد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" يتتبع 31 وعداً انتخابياً رئيساً، أن ثمانية منها لم تتحقق، وأن خمسة منها تواجه عقبات، في ظل ما يصفه بعض المراقبين بفوضوية شاملة ووتيرة سريعة من القرارات المثيرة للجدل لم يظهرها أي رئيس خلال الأيام الـ100 الأولى لحكمه منذ فرانكلين روزفلت عام 1933، كما تشير أستاذة التاريخ في جامعة ولاية مونتانا والرئيسة السابقة لمركز دراسات الرئاسة جوان هوف.
ويبدو أن هذا الاضطراب وما صاحبه من نكث للعهود وبخاصة ما يتعلق بالتضخم والاقتصاد، هو السبب في ما يعانيه ترمب من انخفاض تاريخي في شعبيته، إذ أظهرت ثلاثة استطلاعات رأي خلال الأيام القليلة الماضية، أن نسبة تأييد سياسات ترمب بلغت 39 في المئة وفقاً لـ"إبسوس" و"واشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي"، و41 في المئة وفقاً لشبكة "سي أن أن"، و45 في المئة وفقاً لشبكة "فوكس نيوز" وهذه النسبة أقل من نسبة بايدن وباراك أوباما وجورج دبليو بوش في 100 يوم من ولايتهم، بل إنها أقل بنقطة واحدة من نسبة الموافقة على أداء ترمب في ولايته الأولى.
نشر ترمب عشرات المنشورات حدد من خلالها سياساته عبر منصته "تروث سوشيال" (أ ف ب)
عدم اهتمام بالسلام
خلال حملته الانتخابية، كان الرئيس ترمب يصور نفسه كمرشح سلام. ففي خطاب تنصيبه، أعلن أنه يريد أن يكون صانع سلام ومع ذلك فإن سياسته الخارجية غير المنتظمة تقف في طريق السلام وتوسع الصراعات حول العالم، إذ أظهر ترمب عدم اهتمامه بصنع السلام، وأثبت أن وعوده بإنهاء الصراعات المميتة ليست أكثر من محاولات مكشوفة لتحقيق مكاسب في انتخابات 2024، سواء كان ذلك في أوكرانيا أو في غزة، إذ لم يتوصل حتى الآن إلى حل للحرب في أوكرانيا، وهو أمر قال إنه قادر على إنجازه خلال 24 ساعة من توليه منصبه، كذلك فشل في تثبيت الهدنة بين إسرائيل و"حماس" التي تمكن من إنجازها قبيل أيام من وصوله إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن ترمب انحاز إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، ويبدو أنه غير راغب في ممارسة الضغط على روسيا لالتزام وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه يقوض حلف "الناتو" الذي حافظ على السلام لأكثر من مليار شخص في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية لما يقارب قرناً، بحسب ما تقول مديرة الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأميركي أليسون ماكمانوس.
من أوكرانيا إلى غزة وإيران
في غضون 100 يوم فحسب، أدارت إدارة ترمب ظهرها لحلفاء الولايات المتحدة وقوضت الأمن القومي، وعبر خطابه في مؤتمر ميونيخ للأمن، انتقد نائب الرئيس جي دي فانس الحلفاء الأوروبيين في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة وأوروبا تهديداً من روسيا، بل إن فانس ضاعف مع ترمب من ضغوطهما عندما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن العاصمة، فقط لنصب ما بدا أنه مكمن من خلال تكرار ما يسرده الكرملين دائماً من أجل إجباره للتوقيع على تنازل عن الموارد الأوكرانية في صفقة معادن نادرة وغير متوازنة.
وفي الشرق الأوسط، فشل الرئيس ترمب في فرض وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل و"حماس"، حيث استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية الضخمة بمزيد من القنابل الأميركية زنة 2000 رطل التي حجبتها إدارة بايدن وأعاد ترمب تزويد الإسرائيليين بها، مما أسفر عن مقتل مزيد من المدنيين الفلسطينيين ومن دون تعزيز أمن الإسرائيليين أو الإفراج عن الرهائن لدى "حماس".
كما هدد ترمب بشن ضربات عسكرية ضد إيران إذا لم توافق على اتفاق نووي، وعلى رغم بدء المحادثات بصورة مباشرة وغير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين، فمن غير الواضح ما إذا كان بإمكانهم التوصل إلى أي اتفاق بحلول الموعد النهائي الذي حدده ترمب وهو شهران، مما يثير قلقاً من أن فشل المحادثات قد يولد قدرة على خلق حوافز للانتشار النووي وإثارة شبح التصعيد الإقليمي، كما يقول خبير الأمن القومي والسياسة الدولية روبرت بنسون.
إضعاف الولايات المتحدة وانعزالها عن حلفائها التقليديين يهددان بإعادة رسم خريطة التحالفات المستقبلية في العالم (أ ف ب)
وضع أمني حرج
كل هذه التحركات وضعت الولايات المتحدة في وضع أمني حرج، فقد أضعفت إجراءات إدارة ترمب التحالفات ذاتها التي توفر الردع ضد الخصوم، مما منح المنافسين ميزة استراتيجية وترك أميركا تقف وحيدة في مواجهة التهديدات العالمية المتزايدة.
وبينما أظهرت إدارة ترمب نهجاً انعزالياً في بعض جوانب سياستها الخارجية، فقد انتظمت أيضاً في خطاب يفسره كثر بأنه إمبريالي من خلال التهديد بعمل عسكري في المكسيك ضد عصابات المخدرات، والدعوة إلى استعادة قناة بنما بالقوة العسكرية، فيما يواصل ترمب التحريض على ضم كندا وغرينلاند التابعة للدنمارك، وكلاهما حلفاء في "الناتو"، على غير رغبة شعبيهما.
وعلى رغم أن هذا الخطاب ربما لا يكون أكثر من مجرد كلام خشن، فإن التصعيد وتكرار إثارة الموضوع وزيارة فانس إلى غرينلاند، كلها أسباب تلحق ضرراً حقيقياً بمكانة الولايات المتحدة العالمية، وتحول موارد الأمن القومي الثمينة بعيداً من التحديات الحقيقية، وتعرض أميركا لخطر سوء تقدير دبلوماسي قد يؤدي سريعاً إلى صراع.
إضعاف الولايات المتحدة
ومن الطبيعي أن يستنتج حلفاء الولايات المتحدة أن تهديدات ترمب بالانسحاب من حلف "الناتو"، ورفضه الالتزام بضمانات المادة الخامسة، وتباهيه بأنه لن يحمي أعضاء "الناتو" الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، لا تقوض الردع فحسب، بل تدعو خصوم الغرب إلى سوء التقدير في بيئة يشير فيها الغموض إلى الضعف، مما يزيد من خطر التصعيد الكارثي، بما في ذلك المواجهة النووية إذا افترضنا أن موسكو يمكن أن تسعى إلى التوغل داخل "الناتو".
والدليل على مدى الانزعاج الأوروبي أن ألمانيا وبولندا تناقشان علناً إطاراً أوروبياً لتقاسم الأسلحة النووية، وتستكشف فرنسا وبريطانيا توسيع نطاق الردع النووي الخاص بهما لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. ويمتد هذا التباعد بين الحلفاء إلى شرق آسيا أيضاً، إذ يفقد شركاء الولايات المتحدة القدامى، مثل كوريا الجنوبية، ثقتهم في ضمانات واشنطن ويعيدون النظر بهدوء في الخيارات النووية التي كانت محرمة في السابق، حيث تجادل أصوات متزايدة الآن في سيول بأن كوريا الجنوبية يجب أن تسعى إلى امتلاك رادعها النووي الخاص في حال تراجع الحماية الأميركية، وهذا كله يعني إضعاف الولايات المتحدة وانعزالها عن حلفائها التقليديين مما يهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات المستقبلية في العالم.
تفكيك القيادة الأميركية
أعاد نهج ترمب في السياسة الخارجية تشكيل هذا النظام الدولي بسرعة، مما أدى إلى تفكيك أسس القيادة الأميركية في العالم. فقد هدد عمداً حلفاء أميركا وشركاءها التجاريين، وجعل الولايات المتحدة أكثر عزلة على الساحة العالمية بعدما انتظم في حروب تجارية أدت إلى رفع الكلفة على المستهلك وانهيار الأسواق، وعرضت الشراكات الاقتصادية للخطر.
وزاد الطين بلة، تفكيك برامج المساعدات الخارجية الأميركية التي تجسد القيادة الأميركية وتولد الاستقرار العالمي، بما في ذلك إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كذلك انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقات العالمية في شأن المناخ والصحة وحقوق الإنسان التي تجعل العالم مكاناً أكثر أماناً للجميع. وفي حين أن هذه الأفعال تؤثر بلا شك في ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، فقد كان لها بالفعل تأثيرات حقيقية في الداخل الأميركي، مما عرض أمن الأميركيين للخطر وسبب صراعاً اقتصادياً في غضون أسابيع قليلة.
ألمانيا وبولندا تناقشان علناً إطاراً أوروبياً لتقاسم الأسلحة النووية (أ ف ب)
عودة الواقعية السياسية
وفيما تتباين الرؤى حول دوافع إحداث هذه التغييرات الجذرية، تبرز فكرة أن إدارة ترمب تسعى إلى عودة حازمة إلى السياسة الواقعية، التي تعطي الأولوية للصين ونصف الكرة الغربي على أوروبا والشرق الأوسط، ولهذا ينظر إلى علاقة الإدارة المضطربة مع حلفائها الأوروبيين على أنها جزء من تكرار محاولة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون لإعادة التوازن في الالتزامات الاستراتيجية الأميركية بعد فترة من التجاوز.
ووفقاً لهذا المنظور، لا تتخلى إدارة ترمب عن القيادة الأميركية لنظام دولي قائم على القواعد، بل تقر بأن مصالح الولايات المتحدة ستظل دائماً أهم من مثل ليبرالية غامضة كالديمقراطية أو حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال، يبدو الضغط الأميركي على الحلفاء لإنفاق مزيد على الدفاع، ومحاولة إخراج الولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا من خلال تسوية تفاوضية مع روسيا، سياستان فضلهما الواقعيون على الدوام. كذلك يبرز نموذج الواقعية السياسية الذي يتبعه ترمب، في استعداده لاستخدام أدوات الحكم كوسيلة ضغط على الخصوم والحلفاء بما يعكس نهجاً قائماً على الندية والتعامل بالمثل مع العالم، كذلك فإن التهديد بالرسوم الجمركية لإكراه كندا أو المكسيك أو الاتحاد الأوروبي على قضايا سياسية، ربما يكون أمراً إشكالياً على المدى الطويل، ولكنه قد يحقق مكاسب سريعة اليوم.
حتى الاهتمام المفاجئ والظاهر للإدارة الأميركية بنصف الكرة الغربي يندرج ضمن هذا النموذج، فجولة وزير الخارجية ماركو روبيو في أميركا اللاتينية بعد فترة وجيزة من تنصيبه، ومخاوف الإدارة من الوجود الصيني في قناة بنما وما حولها، وحتى فكرة ضم غرينلاند التي تبدو غريبة، جميعها تستند إلى مبررات القوة الصلبة، في حين أن عدداً من كبار معاوني ترمب، بمن فيهم نائبه فانس، يتبنون بوضوح رؤية واقعية للعالم.
غير أن هذا النموذج الواقعي السياسي يتعثر في مجالات أخرى، فهو لا يفسر السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل، كما تقول كبيرة الباحثين في برنامج إعادة تصور الاستراتيجية الأميركية الكبرى في مركز "ستيمسون"، إيما أشفورد، ولا يفسر أيضاً بسهولة انهيار وكالات السياسة الخارجية، إذ تجاهلت الإدارة الأميركية إلى حد كبير المناشدات القائلة إن تدمير إذاعة "صوت أميركا" أو "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" سيخلق فراغاً ستملأه روسيا أو الصين، مع أنه يفترض أن إدارة تركز على منافسة القوى العظمى لن تسعى إلى تقويض أسس القوة الناعمة الأميركية.
دوافع داخلية
هناك نموذج ثان قد يفسر السياسة الخارجية لإدارة ترمب، وهو النموذج الذي تبرزه وسائل الإعلام ذات التوجه الديمقراطي وهو أن السياسة الخارجية مدفوعة في المقام الأول بأجندات محلية، أو أنها تهدف إلى زيادة ثراء الأغنياء كما يكرر السيناتور بيرني ساندرز، إذ يمكن تفسير تصرفات وزارة كفاءة الحكومة (دوج)، والعداء الواضح الذي تشعر به الإدارة الجديدة تجاه البيروقراطية الفيدرالية، على أنها استمرار لمحاولات الجمهوريين الطويلة الأمد لتقليص حجم الحكومة، وهو ما كان ولا يزال يحظى بشعبية لدى الناخبين والمانحين الجمهوريين.
في الوقت نفسه تثير السياسة الاقتصادية الخارجية لإدارة ترمب قلق "وول ستريت" ومجتمع الأعمال لدرجة أن الأسواق في حال انهيار فعلي، وهناك غموض كبير حول الهدف من الرسوم الجمركية، وما إذا كانت تلك هي وسيلة ضغط لتحسين الصفقات التجارية مع آسيا، أم للحصول على تنازلات في مجال الهجرة أو سياسة المخدرات مع المكسيك وكندا، أم أنها استراتيجية شاملة لإضعاف الدولار وتعزيز إعادة التصنيع المحلي في أميركا؟
مع ذلك فإن هذا المنظور لا يفسر خيارات إدارة ترمب إلا قليلاً، فهو لا يفسر تركيز الإدارة المستمر على الشرق الأوسط، ولا استعدادها لمنح إسرائيل حرية مطلقة، إذ تشير حملة القمع المستمرة ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين إلى علاقة عكسية بين السياسة الخارجية والداخلية، بمعنى أن تفضيل إسرائيل في صراعها بغزة يؤدي إلى قمع حرية التعبير داخل الولايات المتحدة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة خارجية جمهورية
يقدم نموذج ثالث تفسيراً لسياسة ترمب الخارجية وهو رأي يسود بين الجمهوريين في الكونغرس، إلى جانب الدبلوماسيين المقيمين في واشنطن العاصمة، الذين يجادلون بأنه على غرار إدارة ترمب الأولى بين عامي 2016 و2020، ستفسح الفوضى التي سادت الأشهر الأولى المجال قريباً لإدارة جمهورية تقليدية في معظمها، تركز على أولويات السياسة الخارجية الجمهورية التي تعود إلى إدارة جورج دبليو بوش، والتي تؤكد السيادة والأحادية والقوة العسكرية المتشددة. ويجادل بعض المراقبين بأن هذه الإدارة تتجه نحو نوع من توليفة "ترمب - ريغان" التي تجعل الحزب أكثر انسجاماً مع تفضيلات ترمب، مع الحفاظ على معظم توجهات ريغان التقليدية في السياسة الخارجية.
وعلى رغم الانحراف الجذري لترمب عن العقيدة الجمهورية في الأيام الـ100 الأولى، فإنه يمكن إلقاء اللوم فيها على شخصية ترمب، إذ يمكن تفسير الانفتاح على روسيا بتفضيلات ترمب الشخصية للتفاوض شخصياً مع الزعماء الأقوياء، وربما رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، لكن مع اتضاح عدم قدرته على التوصل إلى اتفاق سلام سريع، سيتجه ترمب إلى نهج أكثر تقليدية تجاه أوكرانيا، وفي السياسة الخارجية بصورة عامة.
ومع ذلك فإن التناقضات في هذه النظرية واضحة أيضاً، ففي حين أن القاعدة في دوائر السياسة الخارجية الجمهورية التقليدية هي الدعم غير المقيد لإسرائيل، إلا أن إدارة ترمب كافحت للتوفيق بين دعمها الصريح لإسرائيل وأولويات ترمب الأخرى، مثل توسيع وتمديد اتفاقات السلام التي يعوقها الصراع المستمر في غزة، كما جادل فانس علناً بأن الولايات المتحدة لا مصلحة لها في حرب مع إيران، ويقال إن ترمب نفسه رفض دعم رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهي مواقف تضع الإدارة في خلاف مع صقور الجمهوريين الأكثر تقليدية في الكونغرس، الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد إسرائيل على توجيه ضربات إلى البرنامج النووي الإيراني ومواصلة تسليح أوكرانيا والحفاظ على شبكة التزامات التحالفات الأميركية المترامية الأطراف.
الصراع بين الجمهوريين
هناك أيضاً نموذج رابع وأخير لفهم سياسة إدارة ترمب الخارجية وهي أن الفوضى التي نشهدها هي جزئياً نتيجة للصراع الداخلي بين الجمهوريين حول السياسة الخارجية. فمن ناحية، نشهد جناحاً قومياً حمائياً صاعداً في الحزب يركز على الصين، وعلى رغم أنه ليس انعزالياً، فإنه ليس من المحافظين الجدد، وهذا الجناح ممثل تمثيلاً جيداً في وزارة الدفاع، وحول نائب الرئيس فانس، وحتى مع إيلون ماسك، وبين فريق الإدارة في وادي السيليكون.
ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة من الجمهوريين الأكثر تقليدية وأكثر تشدداً وأكثر دعماً لدور أميركا العالمي، وهؤلاء يريدون إعادة توجيه الإدارة نحو تفضيلاتهم مثل وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز.
لكن يبدو أن غرائز ترمب تميل نحو المجموعة الأولى القومية الحمائية، على رغم أنه غالباً ما يكون من السهل إقناعه، وإذا كان هذا النموذج دقيقاً، فإن ارتباك وفوضى السياسة الخارجية لترمب يعودان إلى التباين بين الفصائل داخل الإدارة في تنافسها على التعيينات والتأثير في السياسة.
القضايا التي تتصارع فيها هذه الجماعات ليست بالهينة، فهي تختلف اختلافاً جوهرياً حول روسيا وإيران، وحتى إلى حد ما حول إسرائيل، وهو ما يفسر فوضى الأيام الـ100 الأولى، بخاصة أن ترمب نفسه بدا أقل استعداداً لقبول توجيهات المستشارين مقارنة بدورته الرئاسية السابقة. وهناك تقارير تفيد بأن والتز يعاني حقيقة أن آراءه تتباعد كثيراً عن آراء الرئيس، وإذا استمر هذا التوجه، فمن المرجح أن تتجه إدارة ترمب نحو تفضيل الواقعية السياسية والدوافع الداخلية دعماً لشعار "أميركا أولاً" بدلاً من تفضيل السياسة الخارجية التقليدية للجمهوريين،
ويعني هذا أن الأعوام الأربعة المقبلة ستكون على الأرجح بفوضى الـ100 يوم الماضية نفسها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
علاقات هارفرد القوية بالصين تتحول إلى عائق أمام الجامعة
أصبحت علاقات جامعة هارفرد الأميركية بالصين، التي كانت دائماً مصدر دعم للجامعة، عائقاً أمامها مع اتهام إدارة الرئيس دونالد ترمب للمؤسسة التعليمية بأنها تخضع لعمليات تأثير مدعومة من بكين. وتحركت الإدارة الأميركية، الخميس الماضي، لوقف قدرة جامعة هارفرد على تسجيل الطلاب الأجانب، قائلة إنها تعزز معاداة السامية وتنسق مع الحزب الشيوعي الصيني. وقالت الجامعة، إن الصينيين شكلوا نحو خمس عدد الطلاب الأجانب الذين التحقوا بهارفرد في عام 2024. وأوقف قاضٍ أميركي، أول أمس الجمعة، قرار إدارة ترمب موقتاً بعد أن رفعت الجامعة الواقعة في كامبريدج بولاية ماساتشوستس دعوى قضائية. والمخاوف بشأن نفوذ الحكومة الصينية في جامعة هارفرد ليست جديدة، إذ عبر بعض المشرعين الأميركيين، وكثير منهم جمهوريون، عن مخاوفهم من أن الصين تتلاعب بجامعة هارفرد للوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة والتحايل على القوانين الأمنية الأميركية وخنق الانتقادات الموجهة إليها في الولايات المتحدة. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ"رويترز"، أول من أمس الجمعة، "سمحت هارفرد لفترة طويلة جداً للحزب الشيوعي الصيني باستغلالها"، مضيفاً أن الجامعة "غضت الطرف عن المضايقات التي قادها الحزب الشيوعي الصيني داخل الحرم الجامعي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولم ترد هارفرد بعد على طلبات للتعليق. وقالت الجامعة، إن الوقف كان عقاباً على "وجهة نظر هارفرد" التي وصفتها بأنها انتهاك للحق في حرية التعبير كما يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي. وعلاقات هارفرد بالصين، التي تشمل شراكات بحثية ومراكز أكاديمية تركز على الصين، هي علاقات طويلة الأمد. وأثمرت هذه الروابط عن مساعدات مالية كبيرة ونفوذ في الشؤون الدولية ومكانة عالمية للجامعة. ووصف رئيس جامعة هارفرد السابق لاري سامرز الذي انتقد الجامعة في بعض الأحيان، خطوة إدارة ترمب بمنع الطلاب الأجانب بأنها أخطر هجوم على الجامعة حتى الآن. وقال في مقابلة مع "بوليتيكو"، "من الصعب تخيل هدية استراتيجية أكبر للصين من أن تضحي الولايات المتحدة بدورها كمنارة للعالم".


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
الأسهم العالمية تتراجع مع فرض رسوم 50 % على واردات الاتحاد الأوروبيالذهب يرتفع 5 % مع انتعاش الطلب وتجدد تهديدات التعريفات الجمركية
ارتفعت أسعار الذهب 5.1 % خلال الأسبوع الماضي لتُلامس أعلى مستوى لها في ستة أسابيع، مع إقبال المستثمرين على الملاذ الآمن وسط تجدد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية، وضعف الدولار. ارتفع سعر الذهب الفوري يوم الجمعة بنسبة 2.1 % ليصل إلى 3,362.70 دولارًا للأوقية (الأونصة). وارتفعت السبائك بنسبة 5.1 % الأسبوع الماضي لتُلامس أعلى مستوى لها في أكثر من أسبوعين، واستقرت العقود الآجلة للذهب الأميركي على ارتفاع بنسبة 2.1 % عند 3,365.8 دولارًا. وقال تاي وونغ، وهو تاجر معادن مستقل: "كان ترمب في حالة من الترقب خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وقال: "إن تجدد المخاوف بشأن الرسوم الجمركية، في يومٍ يشهد انخفاضًا في السيولة قبل عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، قد يُعزز التحركات". تراجعت الأسهم العالمية بعد أن أوصى ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على واردات الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من 1 يونيو، كما صرّح ترمب بأن شركة آبل ستدفع رسومًا جمركية بنسبة 25 % على أجهزة آيفون المبيعة في الولايات المتحدة وغير المصنعة هناك. وانخفض مؤشر الدولاربنسبة 0.9 %، مما جعل الذهب المُقَيَّم بالدولار أرخص لحاملي العملات الأجنبية، وأقرّ مجلس النواب الأميركي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، مشروع قانون شامل للضرائب والإنفاق من شأنه أن يضيف تريليونات الدولارات إلى ديون البلاد. وتزداد جاذبية الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. وقال دانيال بافيلونيس، كبير استراتيجيي السوق في ار جيه او فيوتشرز: "إذا تجاوزنا مستوى 3500 دولار، فقد نشهد ارتفاعًا قويًا إلى 3800 دولار". وجاء ارتفاع أسعار الذهب يوم الجمعة، نتيجة لأثارة المخاوف بشأن تزايد الديون الأميركية، قلق المستثمرين، مما دفعهم إلى التوجه نحو المعدن النفيس الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا. وأقر مجلس النواب الأميركي بفارق ضئيل مشروع قانون ترمب الضخم لتخفيض الضرائب والإنفاق يوم الخميس، لينتقل الآن إلى مجلس الشيوخ، الذي سيكون قادرًا على إجراء تعديلات عليه أو الموافقة عليه. وهناك مخاوف من أن التخفيضات الضريبية والإنفاق المقترح في مشروع القانون سيزيد من عبء الدين الأميركي، وصرح مكتب الميزانية بالكونغرس أن المقترحات قد تضيف 3.8 تريليونات دولار إلى عجز الموازنة الفيدرالية الأميركية على مدى العقد المقبل. بالإضافة إلى ذلك، شهد مزاد سندات الحكومة الأميركية لأجل 20 عامًا، والمعروفة باسم سندات الخزانة، طلبًا ضعيفًا يوم الأربعاء، مما يشير إلى قلق المستثمرين من تنامي الدين الأميركي. وقد أدت هذه المخاوف بشأن تزايد مستويات الدين الأميركي إلى موجة بيع مكثفة للسندات هذا الأسبوع. وقال ريتشارد هانتر، رئيس الأسواق في شركة إنتراكتيف إنفستور: "إن موجة البيع المكثف للسندات تدفع الأسعار إلى الانخفاض، وبالتالي ترتفع العائدات، مما يؤثر على الاقتراض بشكل عام. في الواقع، يمكن أن تزيد أقساط الديون بشكل كبير، مما سيزيد العبء على عجز الموازنة الأميركية المتضخم أصلًا". وقال: "في وقت سابق من الأسبوع، عُقدت مزادات سندات في كل من الولايات المتحدة واليابان، وكشفت كلتاهما عن نقص في الطلب، حيث أصبح المستثمرون بحاجة واضحة إلى سداد أعلى لتمويل اقتراض هذه الحكومات على مدى عقود". وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، جددت التخفيضات الأخيرة للتصنيف الائتماني الأميركي ترويج "بيع أميركا" الذي يتزايد بقوة". وأضاف هانتر أن "هذا دفع أيضا إلى تجديد الاستثمارات في الملاذ الآمن، حيث استأنف الذهب صعوده ليرتفع بنسبة 26 % حتى الآن هذا العام". من بين المعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت أسعار الفضة الفورية بنسبة 1.1 % لتصل إلى 33.44 دولارًا، بينما انخفض البلاديوم بنسبة 1.6 % ليصل إلى 998.89 دولارًا. وحقق كلا المعدنين مكاسب أسبوعية. وارتفع البلاتين بنسبة 1.2 % ليصل إلى 1094.05 دولارًا بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له منذ مايو 2023 في وقت سابق من الجلسة. وقال جيوفاني ستونوفو، محلل في يو بي إس: "انخفضت مخزونات البلاتين فوق سطح الأرض إلى مستويات منخفضة للغاية، وهذا يُسبب ضغوطًا مادية على السوق". وفي تحليل الأسواق عن أحمد عسيري استراتيجي الأبحاث في بيبرستون، قال إن الذهب يتداول أعلى من مستويات 3300 بشكل واثق، مرتفعاً بنحو 4 % منذ بداية الأسبوع، أثناء البيع في الأسهم الأميركية، التي قد تكون متوسطة ولكن الأكثر حدة خلال أسبوعين، والتي ترافق معها انخفاض الدولار إلى مستويات 99.5. ويظهر أن المحفز عبر الأصول المختلفة يصب في مصلحة ارتفاع المعدن الأصفر، ولو أن المنطقة التي يتداول عندها الذهب حالياً، بالقرب من 3350 دولارا، تشكل منطقة المقاومة الأبرز، وذلك لأن المستويات أعلى من ذلك تظهر حركة أسعار سريعة ولم تُشكّل مناطق تقوية تدعم النطاق الأعلى، على الأقل في الفترة الحالية، ولو أن الأسعار في 22 إبريل وصلت إلى مستويات 3500 بشكل وجيز. ومن المعدن الأصفر، الصديق الوفي في فترة التقلبات، إلى البيتكوين، الأصل غير الملموس والأكثر مخاطرة. ولكن على أرضية التداول، يعطي ذلك جرعة من الأدرينالين التي قد تشجع على اللحاق بالبيتكوين والشراء عند المستويات الحالية والأعلى تاريخياً، عند رقم مميز يتكون من ست خانات. بالرغم من غياب مؤشرات اقتصادية واضحة أو محفزات تقود معنويات الأسواق، الترند الأخير الصاعد والذي استمر نحو ست جلسات من الصعود المتتالي، حيث لوحظ إعادة التموضع إلى القطاعات الدفاعية بداية الأسبوع، حيث كانت الأسواق لا تزال تشتري الضعف في الزخم، وهو ما تم عكسه خلال الجلسة الماضية، حيث انخفض بمقدار 1.6 % في الجلسة الثانية على التوالي، متخلياً عن مستويات 5900، ولكن حافظ على التوازن تحت خط الدفاع الأول ومحافظاً على مستويات 5800 أثناء الجلسة، مغلقاً مع تحسن جانبي. وكانت حركة الأسعار تشير إلى ضعف الزخم وفقدان قوته مطلع الأسبوع، ولكن السبب الأكثر وضوحاً وراء عمليات جني الأرباح والبيع هو ارتفاع عوائد السندات إلى مستويات مرتفعة مقارنة بالبيانات التاريخية، وهو ما بطبيعة الحال يضغط على تقييمات الأسهم لأنه يقدم عوائد مغرية وبدون مخاطر. وهناك تحرك واستشعار لعمليات بيوع للآجال الطويلة في السندات الأميركية، وخصوصاً آجال الـ30 سنة (5.08 %)، وعشر سنوات (4.59 %)، حيث يبدو أن السلوك الحالي لحركة الأسعار يؤسس لجعل السقف السابق أرضية لعوائد السندات خلال الفترة المقبلة. وكان هناك اختبار في شهر أكتوبر عام 2023، حيث ارتفعت العوائد إلى هذه المستويات ولكن لمدة زمنية وجيزة، حيث شكلت فرصة للتمركز في منحنى العائد على الآجال الطويلة. وهذه المرة قد تكون حلقة أخرى من ارتفاع العوائد عند هذه المستويات لفترة وجيزة، أو قد يكون تغيراً هيكلياً في سوق سندات الدخل الثابت، حيث يتم تسعير استمرار العجز في الميزانية الحكومية الأميركية، وخصوصاً مع الأخذ في الاعتبار خفض الضرائب، والذي سوف يقلل من تدفق الأموال في شرايين الخزانة الأميركية. من هذه الضرائب التي تبدو تحت المجهر هي ضرائب الدخل للطبقة المتوسطة، والتي لا تزال في المطبخ السياسي الأميركي، ولكن بعض التخفيضات بالفعل دخلت حيز التنفيذ مثل إعفاء الضرائب على الأعطيات في قطاع الضيافة مثل المطاعم وخدمات العناية الشخصية ونحوها، ولو أن ذلك يأتي عند حد أعلى بمقدار 25,000 دولار سنوياً، وهو ما أعتقد أنه كان فوزاً سهلاً لترمب للوفاء بوعود الحملة الانتخابية، ولكن بالتأكيد سوف يفرض على واشنطن عجزا إضافياً في الميزانية الأميركية التي تعاني من تفاقم العجوزات في الأصل. واستمرار عدم وضع لمسات حقيقية تخفض العجز في الموازنة الفيدرالية، سوف يؤدي إلى ارتفاع الدين، ومن هذه الناحية سوف يطلب المستثمرون عوائد مرتفعة تقابل المخاطر التي تتوافق مع المستوى المتوقع للمخاطر. وفي هذه البيئة، عندما ترتفع العوائد إلى أكثر من 5 % في سندات تُعرف بجودتها وانعدام مخاطرها، يشكل ذلك ضغطاً على سوق الأسهم، سواء كان ذلك أسهم القيمة والتي تتسم بتوزيعات نقدية عادة، أو حتى على السوق ككل -وهو ما نراه الآن- حيث تُحفِّز على البيع وإعادة التمركز في السندات، لأن عوائدها مغرية مقارنة بالأسهم، التي عند تقييماتها الحالية لا تزال عند تقييمات مرتفعة تاريخياً. وهكذا، هذه العلاقات التاريخية المتصلة ببعضها البعض، ستلعب دوراً أكثر بروزاً خلال الفترة القادمة، مع قرب انتهاء فترة تأجيل التعريفات الجمركية والعمل على تخفيضات الضرائب المتوقعة. وفي تحليل لسوق العملات، قالت رانيا جول ، كبيرة محللي الأسواق في إكس اس دوت كوم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شهد الدولار الأميركي مؤخراً تراجعًا ملحوظًا مقابل الين الياباني، حيث كسر زوج الدولار/الين مستوى الدعم النفسي الهام عند 144.00، وهو ما يمثل علامة فارقة في تحركات هذا الزوج، ويعكس بوضوح حالة القلق والضعف التي تحيط بالدولار. ولم يكن هذا الانخفاض مفاجئًا بالنسبة للأسواق، إذ بدأت بوادر التراجع في الظهور منذ بداية التوترات المالية الأميركية وتصاعد المخاوف المتعلقة بالسياسة المالية في واشنطن. وأن هذا الاختراق يمثل نقطة تحول حاسمة، وقد يشير إلى تحول في هيمنة الدولار على الساحة العالمية، على الأقل على المدى المتوسط. والسبب الرئيس وراء هذا التراجع يعود إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من قبل وكالة موديز، والتي لحقت بخطى ستاندرد آند بورز وفيتش. فهذا التخفيض يعكس فقدان الثقة في المسار المالي طويل الأجل للولايات المتحدة، خاصة في ظل مقترحات الرئيس دونالد ترمب المتعلقة بمشروع قانونه الضريبي الجديد، والذي قد يضيف ما يصل إلى 3.8 تريليونات دولار إلى العجز خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا المشروع لا يشير فقط إلى زيادة حادة في الدين العام، بل يهدد أيضًا استقرار سوق السندات الأميركية التي طالما اعتُبرت ملاذًا آمنًا. المستثمرون الآن باتوا أكثر حذرًا في تقييمهم للدولار، وينظرون إلى المخاطر السياسية والمالية كعوامل تهديد حقيقية. ومن ناحية أخرى، يشهد الين الياباني انتعاشًا تدريجيًا، مستفيدًا من صورته كملاذ آمن، بالإضافة إلى التغييرات الجارية في السياسة النقدية اليابانية. فبنك اليابان، الذي كان يُعتبر لفترة طويلة آخر معاقل السياسات النقدية التيسيرية في الاقتصادات المتقدمة، بدأ يظهر إشارات واضحة على استعداده لتشديد السياسة النقدية تدريجيًا. وهذه الإشارات، إلى جانب التضخم المرتفع وزيادة الأجور المحلية، تعزز التوقعات بإمكانية رفع أسعار الفائدة في اليابان هذا العام. وأعتقد أن هذا التحول في السياسة اليابانية يمثل تطورًا جوهريًا، من شأنه أن يعيد رسم العلاقة بين الدولار والين، ويدفع المتداولين نحو إعادة تقييم مراكزهم الاستثمارية. والتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الياباني كازو أويدا حول ضرورة تضييق الفجوة بين أسعار الفائدة الأميركية واليابانية تؤكد هذه النظرة. وهذه الفجوة ظلت لعقود أحد العوامل الرئيسة التي أضعفت الين أمام الدولار، إلا أن الوقت قد حان لإعادة التوازن. وإذا استمر التضخم في اليابان واستمرت الضغوط على الأسعار، فإن أي رفع للفائدة سيكون له تأثير مزدوج: دعم الين من جهة، وتقليص فاتورة الواردات المرتفعة نتيجة ضعف العملة من جهة أخرى. لذلك، تظل اليابان في طريقها لاستعادة بعض من قوة عملتها، خاصة إذا ظل البنك المركزي الأميركي مترددًا في رفع الفائدة أو حتى بدأ بالحديث عن خفضها. وفي المقابل، لا يزال الغموض يغطي قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ورغم التصريحات المتحفظة من مسؤوليه، إلا أن المخاوف بشأن توقعات التضخم والضغوط على سوق السندات، خاصة في الشريحة الطويلة الأجل، بدأت تلقي بظلالها على السياسات النقدية الأميركية. والتحذير الأخير من صندوق النقد الدولي بشأن "العبء المالي المتزايد للولايات المتحدة" يأتي ليؤكد هذه التحديات، ويزيد من الضغوط على الدولار، ويضعف قدرته على الصمود أمام عملات مثل الين أو حتى اليورو. وأن التردد في رفع الفائدة الأميركية، إلى جانب تصاعد الدين العام، قد يقلل ثقة الأسواق العالمية في الدولار على المدى المتوسط. ففي الوقت الذي نشهد فيه ارتفاعًا في عوائد السندات طويلة الأجل في كل من الولايات المتحدة واليابان، فإن السياق مختلف تمامًا. في اليابان، كان الدافع هو ضعف مزاد السندات الحكومية وتزايد التوقعات بشأن إنهاء سياسة التحكم في منحنى العائد، بينما في الولايات المتحدة، يرتبط الارتفاع بتزايد القلق من العجز المالي وتراجع شهية المستثمرين نحو السندات الحكومية. وهذه الحالة تشير إلى أن الدولار قد يواجه فترة مطولة من الضعف، خاصة إذا لم تتمكن الحكومة الأميركية من إقناع الأسواق بجديتها في معالجة الأزمة المالية المقبلة. ولا يمكن إغفال العامل الجيوسياسي. فالاختلال المستمر في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة واليابان، وخاصة في ظل احتمالية عودة رسوم ترمب الجمركية، قد يُعيد الخلافات التجارية والتوترات حول سياسات العملة. فالتصريحات الأولية عن إمكانية مناقشة ضعف الين الياباني في المفاوضات التجارية الثنائية تُوحي بأن العملة ستبقى عنصرًا رئيسيًا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهو ما يجعل من المتوقع أن نشهد مزيدًا من التصريحات والمواقف المتضاربة التي قد تُحدث تقلبات كبيرة في سوق العملات.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
من الرياض إلى الشام لحظة فرح
في مشهد سيظل محفوراً في ذاكرة الأمة، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من الرياض برفع العقوبات عن سوريا عقب زيارته التاريخية للمملكة، ليحمل في طياته فرحة غامرة لم تقتصر على الشعب السوري وحده، بل امتدت إلى قلوب العرب من الخليج إلى المحيط. لم يكن هذا القرار إلا ثمرة موقف سعودي مؤمن بقضية أهلنا في سوريا. وحهود صادقة قادها سيدي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله ورعاه، الذي حمل على عاتقه همّ الأمة، وتحدث باسمها بثقة القائد الذي لن يتأخر أو يتردد في السعي لرفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق ونصرة القضايا العربية. كلنا شاهدنا مع العالم حين نُطق القرار، كيف تلألأت الفرحة في عيني سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان، لا فرحة انتصار شخصي، بل فرحة قائد عربي يرى ثمرة جهوده تنعكس أملًا في وجوه أطفال الشام، وتباشير فرج في بيوت السوريين الذين أنهكهم الحصار والضيق، لم تكن لحظة بروتوكول، بل كانت لحظة صدق، جسّدت ملامح السياسة السعودية القائمة على الوفاء والعدل ونصرة القضايا العربية والإسلامية. لقد كانت زيارة ترمب إلى الرياض محورية، أعادت رسم توازنات كثيرة، ورسخت مكانة المملكة كقلب العالمين العربي والإسلامي. وكان من أبرز نتائجها ليس فقط تعزيز العلاقات الدولية، بل تمكين الصوت العربي من التأثير الحقيقي في القرارات الدولية، ومنها هذا القرار الذي أنعش آمال السوريين في بداية جديدة. لقد عبّرت مشاعر الفرح العارمة التي اجتاحت السوريين عن عمق التقدير للمملكة، واعتراف شعبيّ بأن في الرياض قيادة لا تنسى الشقيق مهما طال الألم، ولا تتخلى عن دورها العربي مهما تغيرت الحسابات. نعم، السعودية اليوم ليست فقط في موقع التأثير، بل في موقع الإلهام. قيادة تصنع القرار، وتبني الثقة، وتقدم للعالم أنموذج الدولة التي توظف قوتها لنصرة الحق.