
مرايا الحكم ، حين نحاكم الآخرين نكتب مصيرنا بأيدينا، بقلم: رانية مرجية
في عمق كل روح بشرية، توجد محكمة صامتة، تجلس فيها النفس على المنصة وتحاكم الآخرين في الخفاء. نصدر الأحكام على من نراهم 'أقل'، 'مذنبين'، 'مختلفين'، دون أن ننتبه أننا نحن المتهمون القادمون.
كأن الحكمة الإلهية تهمس في داخلنا: 'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' (إنجيل متى 7: 1) – كلمات خالدة، ليست مجرد وصية بل قانون روحي ونفسي واجتماعي يتردد صداه في كل الأديان.
لماذا ندين؟
من منظورٍ نفسي، تمثل الإدانة آلية دفاعية نحاول بها إسقاط مشاعرنا المكبوتة على الآخرين. نحكم على من حولنا لنخفي صراعاتنا الداخلية. كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:
'من نظر في عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلّ سيف البغي قُتل به.'
ندين لأننا نرفض مواجهة هشاشتنا. نحكم على الضعيف كي لا نعترف بضعفنا. نحاكم المختلف لأننا نخشى الاختلاف فينا.
الإدانة في ميزان الدين
في الإسلام، تأتي آيات عديدة تحذّر من الحكم على الآخرين، ومنها قول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: 12)
تتجلى هذه الآية كدرع أخلاقي يحمي الإنسان من الوقوع في فخ إصدار الأحكام. الظن، التجسس، والغيبة ليست سوى صور مختلفة من الإدانة المغلّفة.
في المسيحية، يُذَكّرنا بولس الرسول أيضًا:
'فإذًا أنت بلا عذر أيها الإنسان، كل من يدين، لأنك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها' (رومية 2: 1)
وفي كلمات الحلاج – الصوفي المتصوف الشهيد:
'ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله فيه' – فكيف يمكن أن تدين مخلوقًا يسكنه الله، أو تتعالى على من يحمل من النور ما تحمله أنت؟
المجتمع: محكمة مفتوحة
في عالم تسوده المقارنات والنماذج المثالية الزائفة، تتحول الإدانة إلى عادة جماعية. نحن نعيش في ثقافة تخشى الاختلاف، فتصنع من الأحكام جدرانًا. نحكم على المرأة إذا لبست، ونحكم عليها إذا تحجّبت. نحاكم الفقير، ونزدري الثري، دون أن نسأل: من نحن حتى نصدر هذه الأحكام؟
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال:
'من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة' (رواه مسلم)
والستر نقيض الإدانة. الساتر يرحم، والقاضي يعاقب، فأيّ الطريقين نسلك؟
هل نعرف الحقيقة أصلًا؟
كل إنسان قصة لا نعرف فصولها. نحكم عليه من لقطة عابرة، من كلمة، من موقف مجتزأ، وننسى أن الحقيقة أعمق مما نراه. كم من مذنب في نظرنا كان بريئًا؟ وكم من 'قديس' كان يخفي ظلامًا داخليًا؟
الرب وحده يرى القلوب، أما نحن فلا نرى سوى الوجوه.
النهاية: لنُنزِل الأحكام من قلوبنا
'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' ليست فقط تحذيرًا سماويًا، بل نداء للسلام الداخلي. عندما نتوقف عن إدانة الآخرين، نصغي أخيرًا إلى أنفسنا. حين نُمارس الرحمة، نُشفى. حين نفهم الآخر، نفهم ضعفنا. كما قال يسوع للمرأة الزانية التي كادت تُرجَم:
'من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها أولًا بحجر' (يوحنا 8: 7)
فلنكن نحن من يُلقي الحجر جانبًا. لنكفّ عن بناء محاكم خفية داخل أرواحنا. لنجعل من قلوبنا أماكن سماح لا ساحات حرب.
فكل حكم تُصدره، ستدور دائرته، وربما يعود إليك يومًا في وقت ضعفٍ لم تتخيله.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


قدس نت
منذ 8 ساعات
- قدس نت
لم يبق سوى انسحاب «حماس» ...!
بقلم: أكرم عطا الله الكاتب: أكرم عطا الله بألم شديد قال صديقي المستشار وعزيز القوم كما كل أبناء غزة الأعزاء أنه لم يأكل الخبز منذ أسبوع، ويحاول أن يضع في معدته أي شيء لتخفيف وجع الجوع بعد وجعه بفقدان ابنه خريج كلية القانون، أما أختي التي فقدت ابنها أيضاً، فهي لا تستطيع الحصول على الدقيق الذي يتم سرقته وعرضه في الأسواق بأسعار أكبر من قدرة العائلات، وهكذا وقعنا بين عدو مجرم لا يتورع عن استخدام أبشع الوسائل وأشدها قذارة وانحطاطاً ضد شعب أعزل، وبين تنظيم مغامر لم يدرك بعد فداحة ما تسبب به نتيجة مغامراته. هل تستطيع حماس حماية شعبنا؟ الواقع كان أصدق من كل الشعارات، هل تستطيع حماس طرد إسرائيل من غزة وإزاحة الخرائط المعروضة في المفاوضات؟ فتلك أكبر كثيراً من طاقتها وقدراتها وأزمتها أنها صورت نفسها أمام المواطن أنها تستطيع، هل تستطيع حماس إنهاء هذه المقتلة؟ بالتأكيد ليس لديها من القوة حتى يمكن ذلك. وبالتالي ليس من المصادفة أن تستمر المذبحة لأكثر من واحد وعشرين شهراً دون قدرة على وقفها. لن تقبل اسرائيل بوجود حماس ولا بسلاحها، هل في هذا ما يساعدنا على فهم حقيقة الحدث وتداعياته والخلاص منه؟ فالأمر يتعلق بالفكرة الوجودية نفسها لدولة مدججة بالأسلحة تعيش بسيكلولوجية الخوف، وحدث ما يصدق ذعرها والخوف من طوفان آخر ولو بعد حين، يعني أن حماس تقاتل بمعادلة صفرية في ظل خلل فادح بموازين القوى، ما يعني انتحاراً لها وللشعب، وهذا ما حدث ويحدث. لماذا تتلكأ صفقة الأسرى أو تهدئة الستين يوماً؟ هناك طرفان أحدهما يملك القوة للقتل والسحق والضغط، يتصرف كمنتصر ليس في غزة وحدها، ولأنه يسيطر على الميدان، وطرف آخر ممثلاً بحركة حماس لا تريد أن تسلم بنتائج الميدان التي لم تمكنها لا من رد العدوان ولا حماية شعبها ولا شيء، فما الحل إذن؟ هدنة تشبه ما طرحه ويتكوف قبل أربعة أشهر، كان يجب أن ندرك متأخراً بفارق سبعة آلاف شهيد أن ليس لدينا ممكنات تحسينها في ظل شعب يتضور جوعاً، يتكالب عليه الاحتلال والتجار والمرابون والقتلة والنصابون والكاذبون، لا يعرف من أين ستأتيه الضربة الأخيرة، ومع تكاتف كل هؤلاء وصل الشعب حالة الاستسلام. لا يُخفي نتنياهو أنه إذا ما نجحت صفقة الستين يوماً سيعود للحرب لتفكيك حماس وسلاحها، أي سيستمر في القتل والإبادة وزيادة السيطرة على القطاع، وحين يعود لن تستطيع حماس التصدي له، ينتهي خلالها حكم الحركة الذي كان يجب أن تعلنه مبكراً، وبعدها يحتل القطاع أو كما تقول يغرق الاحتلال في رمال غزة، تبدأ المقاومة بتوجيه ضرباتها للاحتلال وقد يستمر هذا عقداً أو أكثر، حينها يستنزف الاحتلال ولا يعود قادراً على الاستمرار بالسيطرة على غزة، فيرحل إلى خارج حدوده وتعود حركة حماس منتصرة تحكم غزة، لكن الاحتلال يستمر في محاصرة غزة لعقود، وهكذا في كوميديا سوداء متصلة. هل هذا سيناريو واقعي؟ ربما يكون الأكثر تفاؤلاً بالنسبة لحركة ارتكبت ما يكفي من المغامرات، وفي كل مرة تقول لم نكن نعرف النتائج، وأن الامور خرجت عن سيطرتنا، بدءاً من مغامرة السيطرة على غزة والتسبب بحصارها مع وعد مزمن بفك الحصار، إلى أن تفكك المجتمع مروراً بمغامرة السابع من أكتوبر التي ضربت إسرائيل، لكنها أكملت تدمير ما تبقى من بنية مجتمع لعقود قادمة، وتنتهي باستدعاء الإسرائيلي لاحتلال غزة بعد سحق القطاع وتدميره. لا يقال هذا لمحاكمة حماس أو انتقادها، فقد فات الأوان على هذا ولم يعد مجدياً، فالكابوس تحقق والكارثة تمت والشعب هائم على وجهه في الخيام والشوارع، بعد أن هُدّمت بيوته، وهو يحتضن حزنه بعد أن فقد الأحبة، يتوق لكسرة خبز ولا يجدها، فحماس أصدرت على نفسها حكم التاريخ ولا يفيد الاستئناف عليه، لا تجميله بالشعارات أو بالكلام، أو لا يزيده مراجعات أو ملاحظات، فهذا تاريخ يتحرك للأمام ولا ينتظر من يخطئ الحسابات دوماً، فما بالنا حين يكرر الأخطاء بعمى شديد، بل هذا مهم لمعرفة أين تقف اللحظة، وما هي ممكنات قوتها وضعفها، وهل يمكن اختصار رحلة الآلام أم حُكم على الغزيين استمرار النزيف حتى الموت، نتاج قلة حيلة وجهل حسابات من يصر على الاستمرار وكأن شيئاً لم يكن، وكأنه لم يستدع لهم كل هذا الخراب؟ أما الفرصة التي وفرتها حماس للخراب الإقليمي فأشد وطأة، وتصيب المراقب بالحزن على ما حدث لحزب الله وإيران وسورية. فلسطينياً أمام مجاعة الأهل ماذا ينتظر غزة؟ وهل تعتقد الحركة الفلسطينية أن ما لم تحققه بمائتي أسير ستحققه بعشرات الأسرى؟ إذا كانت تعتقد ذلك فهذا يعني مزيداً من خساراتنا، لأن هناك قراراً إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً وعربياً وبعضه فلسطيني، يضاف له الفئة الأكبر من الغزيين بإنهاء وجود حماس وسلاحها، فعلى ماذا تراهن لمواجهة ذلك؟ محور المقاومة؟ خرج جريحاً من المعادلة.... الشعب؟ أضعف وأكثر هشاشةً، فهو على حافة الحياة، ولم يعد دمه ولا موته يؤثر أو يشكل عامل ضغط لا دولياً ولا عربياً ولا اسلامياً على إسرائيل لوقف الحرب، هكذا قالت التجربة الطويلة، ولم يبق سوى أن تنسحب حماس من المشهد تراجع نفسها. فالوقت من دم ومن أمعاء أكثر قسوةً ومن موت بالآلاف بلا حيلة.. كلام صعب لكن يجب أن يُقال ...! جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


فلسطين أون لاين
منذ 8 ساعات
- فلسطين أون لاين
الضَّيف… قائد الظِّل الذي أرهق العدوَّ ثلاثين عاماً
ثلاثون عاماً ظلّ فيها اسمه يهمس في دهاليز أجهزة المخابرات، ويهدر في ساحات المعارك. ثلاثون عاماً شكّل فيها محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، أسطورة حيّة يلاحقها الاحتلال الصهيوني بلا كلل. في الذكرى الأولى لاستشهاده، يظلّ الرجل الحاضر الغائب، رمزاً لمقاومة أرهقت العدو وهزّت أركانه، وألهمت أجيال الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية. «مهما حاول الطغاة قلعنا ستنبت البذور، أنا هنا في أرضي الحبيبة الكثيرة العطاء، ومثلها عطاؤنا يواصل الطريق لا يُخفي المسير».. هكذا خطّ الضيف آخر كلماته، واضعاً اللمسات الأخيرة على أعظم معركة في تاريخ المقاومة الفلسطينية: «طوفان الأقصى». مع ارتقائه شهيداً، طُوي بعض الستار عن ذلك الغموض الكثيف الذي غلّف مسيرته. شخصيته العسكرية الرفيعة، وحنكته الأمنية الفائقة، جعلتا منه المطلوب الأول للاحتلال الصهيوني، الذي أفنى سنوات يفتّش عن أثره، أو صورة جديدة له، أو خيط يقوده إلى مكانه. صوت الطوفان في صباح السابع من أكتوبر 2023، خرج الضيف بصوته الجهوري في تسجيل دوّى في الآفاق، معلناً انطلاق معركة «طوفان الأقصى». قال إن الضربة الأولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية صهيونية، وإن المقاومة أطلقت خلالها خمسة آلاف صاروخ وقذيفة في الدقائق العشرين الأولى وحدها. أكد الضيف أن «طوفان الأقصى» جاء رداً على جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، والتنكر للقوانين الدولية، والدعم الغربي للعدو الصهيوني، مؤكداً: «لقد انتهى زمن عربدة الاحتلال دون محاسب». رجل الظل قلّ أن شهد التاريخ قائداً توارى عن الأعين كما توارى الضيف. قليلون رأوه وجهاً لوجه، وكثيرون سمعوا صوته يقضّ مضاجع العدو. حياته كانت ساحة دائمة للحيطة والحذر، محصّنة بإجراءات أمنية بالغة التعقيد، جعلت اغتياله أمنية عصيّة على الاحتلال لعقود طويلة. وحتى استشهاده لم يعرف العالم عنه سوى ثلاث صور: إحداها التقطت له شاباً يافعاً، والثانية وهو ملثّم، والثالثة ظله فقط في تسجيلات مصوّرة، ليبقى الرجل لغزاً يتردد بين الظلال والصدى. ويؤكد الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة، في تغريدة له في ذكرى استشهاد القائد الكبير محمد الضيف 'أبو خالد' بأن إخوان الضيف وأبناؤه ومحبوه في كل بقاع العالم يواصلون طريقه، ويكبّدون الاحتلال كل يومٍ مزيداً من الخسائر الاستراتيجية، وسيبقى طيفه كابوساً يؤرق مجرمي الحرب واللصوص؛ الذين لن يهنؤوا بعيشٍ في أرض فلسطين بعد أن خطّ الضيف وإخوانه بدمهم الفصل الأخير في سِفْر تحرير فلسطين. بصمة أفعال لم يكن الضيف رجلاً كثير الكلام، بل كان رجلاً تصنع أفعاله المجد. بصمته ظاهرة في تطوير أداء كتائب القسام، وفي استراتيجياتها وأساليبها التي أربكت العدو الصهيوني، وأذلّت جيشها المدجج بالسلاح. اعتمد «أسلوب الإعداد الصامت»، فكانت معاركه تأتي مباغتة، موجعة، حاملة مفاجآت تكسر حسابات العدو. تجلّى ذلك بأوضح صورة في «طوفان الأقصى»، التي كشفت للعالم كيف ارتقى العمل الاستخباري والعسكري للقسام إلى مستوى غير مسبوق، ودوّى وقعها في أروقة قيادة الجيش الصهيوني. الجذور الأولى وُلد محمد ذياب المصري «أبو خالد» في غزة عام 1965، لعائلة هجّرها الاحتلال من قرية كوكبا. نشأ في خان يونس جنوب القطاع، وتلقى تعليمه في مدارسه، قبل أن يتخرج في الجامعة الإسلامية بغزة حاملاً شهادة البكالوريوس في الأحياء. تزوج عام 2001 من غدير صيام ولم يُرزق منها بأطفال، ثم تزوج عام 2007 من وداد عصفور ورُزق منها بأربعة أبناء. وقدّر الله أن تحمل زوجته الأولى لاحقاً بثلاثة توائم. تربّى الضيف في مساجد خان يونس، وانخرط مبكراً في العمل الدعوي، ثم في صفوف الكتلة الإسلامية بالجامعة، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومنها إلى حركة حماس مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987. اعتقلته سلطات الاحتلال عام 1989 لنشاطه العسكري، وأُفرج عنه بعد ستة عشر شهراً في صفقة تبادل أسرى. ميلاد القسام بعد خروجه من السجن، ساهم الضيف في تأسيس كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، وأشرف مع رفاقه على العمليات النوعية ضد الاحتلال ومستوطنيه. تسلّم قيادة الكتائب بعد اغتيال القائد العام صلاح شحادة في يوليو 2002، لكنه اضطر للابتعاد جزئياً عن القيادة بين 2006 و2012 بسبب إصابات بالغة أُصيب بها في محاولات اغتيال، فتولى نائبه الشهيد أحمد الجعبري القيادة الفعلية للكتائب في تلك الفترة. سبع محاولات سعى الاحتلال لاغتياله سبع مرات بين 2001 و2014. آخرها كانت في أغسطس 2014، حين أغارت طائرات الاحتلال على منزل بحي الشيخ رضوان بغزة، فاستشهدت زوجته الثانية واثنان من أطفاله. أصيب الضيف إصابتين بالغتين؛ الأولى عام 2002 في شارع الجلاء وسط غزة وفقد فيها عينه اليسرى، والثانية عام 2006 حين استُهدف منزله، فأصيب بحروق وكسور أثّرت على قدرته على المشي. استُشهد شقيقه عبد الفتاح المصري، ونجله مدحت، وأحد أحفاده، وزوجة أحد أبنائه في غارة صهيونية على منزل العائلة في خان يونس في 11 أكتوبر 2023. حضور الصوت ظهر الضيف أول مرة في تسجيل مصوّر عام 1994، معلناً أسر الجندي الصهيوني ناحشون فاكسمان، كاشفاً هويته وسلاحه، ومطالباً بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وأسرى آخرين. توالت تسجيلاته لاحقاً، فأعلن في معركة «حجارة السجيل» عام 2012 أن المقاومة جاهزة للرد بعد اغتيال أحمد الجعبري. وفي يوليو 2014، ظهر في معركة «العصف المأكول» قائلاً إن «موازين المعركة تغيّرت لصالح شعبنا». وفي 2021، حذّر الاحتلال من استمرار الاعتداءات في حي الشيخ جراح، وأطلق معركة «سيف القدس» دفاعاً عن القدس والأقصى. وكان ظهوره الأشد وقعاً في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، حين أعلن انطلاق «طوفان الأقصى»، ثم عاد في تسجيل آخر يدعو الشعوب العربية والإسلامية للزحف نحو فلسطين. الشهادة والإعلان نال الضيف الشرف الذي أفنى عمره لأجله، إذ استُشهد خلال معركة «طوفان الأقصى» جراء غارات صهيونية في الثالث عشر من يوليو 2024. غير أن كتائب القسام آثرت إبقاء استشهاده طيّ الكتمان لأسباب أمنية وعسكرية، حتى أعلنت عنه رسمياً في الثلاثين من يناير 2025 عبر المتحدث العسكري باسمها، أبو عبيدة، الذي زفّ نبأ استشهاد قائد هيئة أركان الكتائب محمد الضيف وعدد من رفاقه. رحل محمد الضيف، لكن ظله ما يزال مخيماً على سماء فلسطين. اسمه يتردّد في كل خلية للمقاومة، وفي كل حسابات العدو. سيظل قائد الظل رمزاً لعصر من الصمود والدهاء، حاضراً في الذاكرة، وفي ساحات المواجهة القادمة، شاهداً على أن للحرية رجالاً لا يُهزمون حتى وهم في رحيلهم، لتعبّد حماس بدماء قادتها العظام الطريق نحو حرية فلسطين كل فلسطين. المصدر / فلسطين أون لاين


جريدة الايام
منذ 15 ساعات
- جريدة الايام
ضد مَن نقاتل؟
خلال الـ 12 يوما من الحرب ضد ايران، عرف الجمهور الإسرائيلي الكثير عن ايران، ولعله أيضا استوعب أن الشعب الإيراني يعارض في غالبيته الساحقة نظام آيات الله. هذه الحقيقة هي احد الأسباب التي توحد الغالبية الفارسية الشيعية – العلمانية، والأقليات غير الفارسية الكبرى في الدولة. كما أن هذا احد الأسباب التي جعلت وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، يضطر ليتراجع عن قوله غير الأخلاقي والضار في أثناء الحرب: "سكان طهران سيدفعون الثمن وقريبا"، قول كشف مرة أخرى البوصلة الأخلاقية الشوهاء لأعضاء كثيرين في الحكومة الحالية. كاتس ليس وحيدا. كثيرون في إسرائيل يجدون صعوبة في التمييز الاستراتيجي والأخلاقي وبين المدنيين و"المخربين"، وبين القيادات والشعوب. 64% من الجمهور، حسب استطلاع مركز أكورد، يتفقون بقدر كبير مع القول، "لا يوجد أبرياء في غزة". هذا شعار المعركة الذي أصبح حجة لتبرير الأذى الواسع بالمدنيين في غزة. أطفال وشيوخ، كلهم في القارب الغزي الذي كله؟ حماس". هكذا يريد كثيرون جدا أن يؤمنوا. لعل هذا يساعدهم في تهدئة الضمير. لكن هذا ليس صحيحا بل ضار. أحد واضعي هذه الفكرة هو اللواء المتقاعد والسياسي المتشكل غيورا آيلند، الذي يشرح بألا معنى للتمييز بين "حماس" وغزة مثلما هو محظور على حد قوله التمييز بين "حزب الله" ولبنان، أو بين الحوثيين وسكان اليمن. من المريح جدا لآيلند أن يضع المدنيين في قارب مقصوف واحد مع زعمائهم، هكذا لا تكون حاجة للتورط بمفاهيم معيقة مثل "قانون دولي"، "مسؤولية أخلاقية"، أو "قيم يهودية". هذه الفكرة أدت إلى خلق آلية المساعدات الشوهاء لسكان غزة، والتي تستهدف زعما منع "حماس" من السيطرة على الغذاء والوصول إلى تحريك السكان إلى منطقة صغيرة في القطاع لكنها عمليا تتسبب بقتل يومي لسكان مجوعين. لا يشتري معظم العالم عدم التمييز الإسرائيلي بين المدنيين والقيادة، وعن حق. يتبين أن ما هو صعب فهمه هنا، مفهوم تماما في دول ديمقراطية ليبرالية. العقوبات البريطانية الأخيرة على بن غفير وسموتريتش، والتي انضمت إليها كندا، استراليا، نيوزيلندا والنرويج هي المثال على التمييز بين حكومة متطرفة للتفوق اليهودي وبين مدنيين يحاولون البقاء على قيد الحياة تحت قيادتها إلى أن تغيب عن العالم. فور نشر العقوبات العادلة، الطفيفة والرمزية بحد ذاتها، جاءت الشكوى الدائمة للمقاطعين وشركائهم في الائتلاف، انضم اليهم بيني غانتس الذي ادعى بأن هذا "إخفاق أخلاقي عميق". بالعكس يا بيني. التشوش الأخلاقي العميق هو عندك. هذه العقوبات الشخصية هي بالضبط الأمر الأخلاقي، الصحيح الأكثر تأييدا لإسرائيل يمكن لأصدقائنا في العالم أن يقدموه لنا. بدلاً من الشجب علينا أن نقاتل ضد "المخربين"، الجيوش، والحكومات وليس ضد المدنيين. خيراً نفعل إذا عمدنا بكل ما يتعلق بإيران، لبنان، سورية، اليمن وغيرها ألا نقع مرة أخرى في الفخ ذاته، الذي لم يؤدِ فقط إلى موت أطفال، نساء، شيوخ وغير مشاركين آخرين في غزة، بل دفع دولة إسرائيل ولا سيما حكومتها إلى زاوية الدول غير الشرعية في العالم.