
رحيل الممثلة المصرية القديرة سميحة أيوب عن 93 عاماً
القاهرة-رويترز: توفيت الممثلة المصرية سميحة أيوب امس، عن عمر ناهز 93 عاماً بعد مسيرة فنية طويلة امتدت لأكثر من سبعة عقود.
ووصف وزير الثقافة المصري أحمد هنو في بيان الراحلة بأنها "كانت نموذجاً للفنانة الوطنية المخلصة والمبدعة، التي أعطت للفن حياتها، ووهبت جمهورها مشواراً استثنائياً من الإبداع والتفرد".
كما نعاها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، والهيئة العربية للمسرح، ونقابة المهن التمثيلية.
ولدت سميحة أيوب عام 1932 وتخرجت في المعهد العالي للتمثيل، حيث تتلمذت على يد زكي طليمات وشقت طريقها نحو المسرح الذي قدمت له أكثر من 150 مسرحية من أبرزها (سكة السلامة) و(السبنسة) و(الفتى مهران) و(دماء على ستار الكعبة) حتى صارت تلقب "سيدة المسرح العربي".
شغلت منصب مدير المسرح القومي في 1975 ولمدة 14 عاما كما تولت إدارة المسرح الحديث.
وفي السينما، شاركت في عشرات الأفلام منها (المتمردة) و(بين الأطلال) و(أدهم الشرقاوي) و(فجر الإسلام) و(الليلة الكبيرة).
حققت نجاحا على شاشة التلفزيون عبر مجموعة كبيرة من المسلسلات من أشهرها (العودة) و(أوان الورد) و(الضوء الشارد) و(الطاووس).
تزوجت من الممثل محسن سرحان ثم من الممثل محمود مرسي لكن أطول فترة زواج لها كانت من الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة الذي قدمت معه عدداً من الأعمال منها مسرحيتا (كوبري الناموس) و(بير السلم).
حصلت على جائزة النيل، وهي أرفع جوائز الدولة المصرية، في الفنون عام 2015 كما نالت تكريمات متعددة من سورية وتونس وفرنسا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 7 أيام
- جريدة الايام
رحيل الممثلة المصرية القديرة سميحة أيوب عن 93 عاماً
القاهرة-رويترز: توفيت الممثلة المصرية سميحة أيوب امس، عن عمر ناهز 93 عاماً بعد مسيرة فنية طويلة امتدت لأكثر من سبعة عقود. ووصف وزير الثقافة المصري أحمد هنو في بيان الراحلة بأنها "كانت نموذجاً للفنانة الوطنية المخلصة والمبدعة، التي أعطت للفن حياتها، ووهبت جمهورها مشواراً استثنائياً من الإبداع والتفرد". كما نعاها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، والهيئة العربية للمسرح، ونقابة المهن التمثيلية. ولدت سميحة أيوب عام 1932 وتخرجت في المعهد العالي للتمثيل، حيث تتلمذت على يد زكي طليمات وشقت طريقها نحو المسرح الذي قدمت له أكثر من 150 مسرحية من أبرزها (سكة السلامة) و(السبنسة) و(الفتى مهران) و(دماء على ستار الكعبة) حتى صارت تلقب "سيدة المسرح العربي". شغلت منصب مدير المسرح القومي في 1975 ولمدة 14 عاما كما تولت إدارة المسرح الحديث. وفي السينما، شاركت في عشرات الأفلام منها (المتمردة) و(بين الأطلال) و(أدهم الشرقاوي) و(فجر الإسلام) و(الليلة الكبيرة). حققت نجاحا على شاشة التلفزيون عبر مجموعة كبيرة من المسلسلات من أشهرها (العودة) و(أوان الورد) و(الضوء الشارد) و(الطاووس). تزوجت من الممثل محسن سرحان ثم من الممثل محمود مرسي لكن أطول فترة زواج لها كانت من الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة الذي قدمت معه عدداً من الأعمال منها مسرحيتا (كوبري الناموس) و(بير السلم). حصلت على جائزة النيل، وهي أرفع جوائز الدولة المصرية، في الفنون عام 2015 كما نالت تكريمات متعددة من سورية وتونس وفرنسا.


شبكة أنباء شفا
٠٣-٠٦-٢٠٢٥
- شبكة أنباء شفا
الإسلام السياسي ومعضلة الأمن القومي العربي ، بقلم : علاء عاشور
الإسلام السياسي ومعضلة الأمن القومي العربي ، بقلم : علاء عاشور في خضم التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة العربية، تبقى معضلة الأمن القومي واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الدولة القومية. ويُعد الإسلام السياسي، في أحد أوجهه، عاملاً رئيسًا في تعميق هذا التحدي، نظراً لارتباطاته الإقليمية العابرة للحدود، خاصة مع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، فضلاً عن دعم خفي أو علني من بعض الدول العربية الثرية ذات الأجندات الخاصة. لقد أنتج هذا التداخل المركب بين الحركات الإسلامية والسياسات الخارجية الإقليمية خللاً بنيويًا في مفهوم الدولة القومية، وضربًا صريحًا في أساس شرعيتها ووحدة أراضيها، عبر تغذية النزاعات الطائفية والدفع بأيديولوجيات تتصادم مع مفاهيم التعايش والدولة المدنية. ومن جهة أخرى، لعب التطرف الديني، وما صاحبه من تشدد تجاه الآخر المختلف دينيًا وثقافيًا، دورًا مدمّرًا في تقويض الاستقرار المجتمعي والسياسي. فالعنف باسم الدين لم يعد مجرد تهديد أمني، بل أصبح أداة لتفكيك المجتمعات من الداخل وإضعاف مؤسسات الدولة. في المقابل، ما تزال غالبية الدول العربية تتبنى شكلاً من العلمانية الجزئية أو 'البراغماتية'، لا تتعارض في جوهرها مع روح الإسلام الوسطي، ولا تنفصل عن إرث تاريخي يمتد إلى فترات ازدهار حضاري كما في العهدين الأموي والعباسي، حيث كانت السياسة تُدار بمنطق الدولة، بينما ظل الدين مرجعية روحية وأخلاقية بعيدة عن صراعات السلطة. السياسة بطبيعتها تقوم على موازين القوى، والمصالح، والتكتيك، وليس على الميتافيزيقا أو الغيبيات. ولهذا فإن العلمانية — بوصفها إطارًا تنظيميًا يفصل بين المجالين الديني والسياسي — تُعد اليوم ضرورة استراتيجية وليست ترفًا فكريًا. إنها الضامن الأول لبناء دول مستقرة، متماسكة، عصيّة على الاختراق الخارجي والأجندات العابرة للحدود. وعلى الرغم من محاولات حركات الإسلام السياسي تجديد خطابها، إلا أن منحنى التأييد الشعبي لها في تراجع واضح، سواء في العالم العربي أو حتى على مستوى اليمين الديني العالمي. فالعالم، بكل تعقيداته، بات يطالب بمنهج اقتصادي وسياسي عصري قائم على الليبرالية الرشيدة، والشفافية، وكفاءة الإدارة، لا على الخطابات الشعبوية أو الأوهام الخلاصية. إن المستقبل العربي الآمن يمرّ عبر بوابة الدولة المدنية، والدولة المدنية لا تقوم إلا على قاعدة من العقلانية السياسية، والتعايش، والمواطنة الكاملة. وهذه القيم لا يمكن أن تزدهر في ظل خلط مريب بين الدين والسياسة، بل عبر بناء نظام سياسي يفصل السلطات، ويؤمن بحرية الضمير، ويحصّن الأوطان من العبث الخارجي، مهما اختلفت مسمياته. ولا تقتصر إشكاليات الإسلام السياسي على البعد النظري أو العلاقة مع الخارج فحسب، بل تتجلى أيضًا في قضايا مصيرية كالقضية الفلسطينية. لقد آن الأوان أن يُدرك الإسلاميون في فلسطين أن قضيتهم الوطنية العادلة — التي تمثل وجدان الأمة ومحور صراعها الوجودي — أكبر من أي إطار أيديولوجي أو ارتباط تنظيمي عابر للحدود. إن استمرار ارتباط بعض الفصائل الفلسطينية بجماعة الإخوان المسلمين، بمواقفها وتحالفاتها ومشروعها العابر للدولة الوطنية، قد أضرّ بالمشروع الفلسطيني، لا سيما حين تقاطعت هذه الأجندات مع حسابات إقليمية لقوى ليست بالضرورة منحازة للمصلحة الفلسطينية الخالصة. على الإسلاميين الفلسطينيين أن يتحرروا من هذا الإرث الحزبي، وأن ينخرطوا في مشروع وطني شامل يتجاوز الانقسامات الفكرية والعقائدية، ويضع فلسطين أولاً، فوق كل اعتبار. فالقضية الفلسطينية ليست ميدانًا لصراع الأيديولوجيات، بل ساحة لنضال تحرري ينبغي أن يتوحد فيه الجميع، على اختلاف أطيافهم، تحت راية الدولة الفلسطينية المستقلة، الديمقراطية، والمتصالحة مع تنوع مجتمعها وعمقها العربي والإنساني. إن التحرر من قيود التنظيمات العابرة للحدود، والعودة إلى منطق الدولة والمصلحة الوطنية العليا، هو ما يمكن أن يعيد البوصلة الفلسطينية إلى اتجاهها الصحيح، ويعزز من حضورها في المعادلة الدولية. فالقضية الفلسطينية بحاجة إلى وحدة القرار، لا تعدد المرجعيات، وإلى خطاب عقلاني جامع، لا شعارات تفرّق الداخل وتربك الخارج. وبذلك، تكتمل معادلة الأمن القومي العربي: دولة مدنية قوية، تفصل الدين عن السياسة، وتقدّم المواطن على العقيدة، والوطن على التنظيم.


شبكة أنباء شفا
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة أنباء شفا
دانشمند … ملحمة الخروج من المتاهة ، بقلم : بروين حبيب
دانشمند … ملحمة الخروج من المتاهة ، بقلم : بروين حبيب كتب الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو يوما – وكان يرى قراءة الرواية مثل تسلق جبل: اقترح عليَّ أصدقائي الناشرون أن أتخفف من الصفحات المئة الأولى من اسم الوردة التي وجدوها عسيرة وتحتاج إلى كثير من الصبر. ودون أن أعيد التفكير رفضت، لأن تلك الصفحات المئة الأولى هي أشبه بكفّارة أو تدريب، وإذا لم يحببها المرء فالأمرُ أمره، وسيبقى عند سفح التل. خطر لي هذا الرأي لأيكو وأنا أنهي قراءة رواية دانشمند للروائي الموريتاني أحمد فال الدين، التي حجزت لها مقعدا ضمن ست روايات وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية هذه السنة. فحجم الرواية (630 صفحة) والموضوعات التي تناولتها تجعل القارئ المعتاد على الروايات ذات المئتي صفحة، والموضوعات العاطفية والاجتماعية، يتهيّبها، ولكن ما أن يدخل أجواءها حتى تتكشف له عوالم روائية مختلفة تشده بتفاصيلها وأحداثها، خاصة أنها تروي سيرة حياة غير عادية، لواحد من علماء الإسلام الكبار، الذي لا يزال تأثيره راهنا. فالإمام أبو حامد الغزالي لا يقل جاذبية علمية عن الشافعي أو عن شيخه الجويني كما لا يقل جاذبية صوفية عن ابن عربي وجلال الدين الرومي. ولم يكن أحمد فال الدين الروائي الوحيد الذي استلهم شخصية الإمام الغزالي في عمل روائي، فقد سبقه الروائي المغربي عبد الإله بن عرفة، باثني عشر عاما، لما كتب روايته طواسين الغزالي وإن كان ركز في روايته على الرموز وحساب الجمّل واحتجاز الغزالي في قلعة الحشاشين، كما ربط بين تصوف الحلاج صاحب الطواسين وتصوف الغزالي وهذا واضح بدءا من عنوان الرواية. أما الرواية الثانية التي استلهمت شخصية الغزالي فهي الغواص للروائية المصرية ريم بسيوني، وقد صدرت بعد سنة من رواية أحمد فال الدين، وكذلك كانت لها رؤيتها الخاصة لشخصية الغزالي، مع منح مساحة أكبر لحضور المرأة في حياته، خاصة زوجته. وهذه الروايات الثلاث تدخل ضمن خط بدأ يتسع في معمار الرواية العربية يستلهم الشخصيات التاريخية الكبرى، خاصة العرفانية منها، وما كتب عن جلال الدين الرومي وابن عربي يغنينا عن الأمثلة. ورواية دانشمند تقع ضمن هذا السياق، وهي تلفت انتباه القارئ من عتبتها الأولى مثيرة التساؤل حول معنى هذا العنوان الغريب. نقرأ في الغلاف الخلفي أن هذه الكلمة الفارسية تعني عالم العلماء، وقد وضح أحمد فال الدين في بعض لقاءاته المصورة، أنه اللقب الذي كان ينادي به تلاميذ الغزالي أستاذهم ومنهم تلميذه الفقيه الأندلسي أبو بكر بن العربي، ورغم أن الغزالي ملقب في الأدبيات الإسلامية بحجة الإسلام إلا أن لقب دانشمند أكثر غرابة وجاذبية، وأصلح أن يكون عنوانا لنص إبداعي، وقد نجح في لفت النظر إلى الرواية، كما نجحت العتبة الثانية كذلك في إثارة فضول القارئ، وهي أشبه بالمقدمة، حيث استلّ الروائي الفصل 55 من روايته وافتتح به كتابه، وأعطاه عنوان الميلاد الثاني فكانت هذه الطريقة أشبه بالإعلان الترويجي المصور للأفلام، وحسنا فعل أحمد فال الدين، فلولا ذلك لبدأت الرواية بداية تقليدية من طفولة الغزالي، التي كانت الميلاد الأول، لكنه قدّم الميلاد الثاني على الأول لأنه اللحظة المحورية التي قلبت حياة الغزالي رأسا على عقب أي لحظة التحول من عالِم مشهور يجالس الخلفاء والسلاطين، ويفحم الخصوم ويتبعه التلاميذ، إلى درويش صوفي يلبس المرقّعة وتدمى رجلاه من السير حافيا ويعاني من الفقر والجوع، تاركا وراءه حياة كاملة فيها زوجة وبنتان صغيرتان، يرى كل ما مضى من حياته غزْلا فاسدا لا بد من نقضه خيطا خيطا. وهذه الحيلة الفنية بتقديم هذا الفصل تغري القارئ بولوج عوالم الرواية بحثا عن فك لغز هذا التحول. قسم أحمد فال الدين روايته إلى خمسة أقسام هي: اليتيم، دانشمند، الهارب، الناسك، بقلب سليم. تتجزّأ هذه الأقسام بدورها إلى 95 فصلا مرقّما، بعض هذه الفصول مسبوق بأقوال مفتاحية لجلال الدين الرومي وغيره. وقد بدأت الرواية من الطابران -وهي جزء من مدينة طوس التاريخية قرب مدينة مشهد الإيرانية حاليا – سنة 456هـ وانتهت في المدينة نفسها سنة 505هـ ، وهو تاريخ وفاة الغزالي، أي غطت نصف قرن من حياته التي امتدت خمسا وخمسين سنة. أما مداها المكاني فقد امتد من كليرمونت في فرنسا إلى القدس مرورا بالقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وكبرى المدن الإسلامية في القرن الخامس الهجري، كنيسابور وأصفهان وبغداد ودمشق، وكان كل فصل يفتتح باسم المكان والزمان، الذي جرت فيه الأحداث وكأننا أمام كتاب حوليات. لا تكتفي هذه الرواية التاريخية العرفانية بتتبع حياة الغزالي ممّا بعد الولادة إلى الوفاة فقط، بل هي سجل دقيق لنصف قرن مائج بالأحداث السياسية والعسكرية والحروب والمؤامرات ووصف للمدن القديمة بأسواقها وحاراتها وبيوتها، بل حتى طعام أهلها وشرابهم ولبسهم، في دلالة واضحة على الجهد البحثي الكبير الذي سبق كتابة الرواية، حيث بنى أحمد فال الدين عوالم القرن الخامس حتى كأن القارئ يراها رأي العين، مما يغفر له استغراقه أحيانا في التفاصيل التي أثثت نصه الروائي. تقوم رواية دانشمند على صراعين خارجي وداخلي، فالصراع الخارجي متعدد الوجوه نجده بين المذاهب الإسلامية كالحنفية والشافعية في نيسابور وأصفهان، وبين الحنابلة والشيعة في بغداد، كما نجده بين السنّة ممثلين بالخليفة العباسي في بغداد، أو السلطان السلجوقي وبين الفرقة الباطنية وعلى رأسها حسن الصبّاح، ونجده أيضا بين السلطان السلجوقي ملكشاه مدفوعا من زوجته تركان خاتون، ووزيره الذي رباه نظام الملك، بل بين أبناء ملكشاه أنفسهم بعد وفاة والدهم وتقاتلهم على الملك، وأسوأ الصراعات ما كان بين الصليبيين الذين قادوا حملة لأخذ القدس، والمسلمين الذين أضعفتهم الانقسامات وأنهكهم الاقتتال في ما بينهم، ما يدفع القارئ إلى عقد مقارنة مع واقعنا الحالي وهو تشابه ذكره أحمد ولد فال في لقاء له وحصره في ستة أوجه: الغزو الأجنبي، الشقاق السياسي، الباطنية الدينية، الخلاف المذهبي، غياب خليفة مركزي، تسلط العساكر. ويتجلى واضحا هذا الإسقاط على الواقع في مشهد دخول الصليبيين إلى القدس، حيث يطابق ما حدث ويحدث الآن في هذه المدينة المقدسة فنقرأ في الرواية، كان صراخ النساء والأطفال الذين لاذوا بالمسجد يملأ المكان، مختلطا بأدعية العبّاد.. وحيث كانت الأصوات ترتفع من كل أطراف المدينة، صرخات استغاثة ممزوجة بأصوات المطعونين، ولكن في النهاية توغلت الخيول الصليبية داخل المسجد فما أشبه اليوم بالبارحة. أما الصراع الداخلي فقد استغرق القسم الأكبر من الرواية، في رحلة بدأت بالشك في جدوى حياته أستاذا مرموقا في المدرسة النظامية، يعيش في راحة مادية يجالس الخليفة ووزير السلطان، ويؤلف الكتب الرائجة، ولكن كل هذا لم يمنحه السكينة الروحية إلى متى هذه الحيرة وهذا العناء؟ إلى متى ستظل يدي ممدودة إلى السماء وهي تزداد بعدًا وتمنعا؟، وبعد حوارات طويلة داخلية استبطن فيها الروائي نفسية الغزالي الذي تقلب فيها من الفلسفة إلى التصوف ليصل إلى مرحلة التصالح مع الذات ووضوح الرؤية، وهي الفترة التي ألف فيها كتابه الأشهر إحياء علوم الدين. وفي أثناء تتبع حياة الغزالي من طفولته إلى مماته يحرص أحمد فال الدين على الإضاءة على الجوانب الإنسانية من حياة دانشمند فهو يتأثر بالحضور النسوي حين يقول مثلا: لماذا أجدني صلبا أمام كل شيء إلا النساء، حتّى إذا مرّت فتاة ريع قلبي، أو فاح عطر من أردان امرأة كاد فؤادي يطير، كما كانت له قطة يعطف عليها شعرت بوفاته فخرجت تموء مواء منكرا، إضافة إلى مقاطع كثيرة من الرواية تعرض إلى علاقته بزوجته خلوب التي كانت جارية أهداها له الوزير نظام الملك وولدت له ابنتين. عوالم الرواية متشعبة مكتوبة بلغة عالية تقمصت روح ذلك العصر، تُميّزها عن الكثرة الغالبة من الروايات التي نقرأها، وبعض كلماتها أصبحت غير متداولة في عربيتنا الحالية مثل (الدرّاعة، صكّت الباب، معتجرين، الخدلة، الشيضم، عيبة الملابس، من قُلّة إلى قُلّة)، ولم يثقل الرواية في رأيي سوى الاستفاضة في نقل بعض النصوص مثل النقول عن كتب الباطنية، أو فقرات من كتاب سياست نامه لنظام الملك، أو المناظرات الطويلة مثل مناظرته مع الشيخ صفي الدين الهمداني أو مناظرته عن قدم العالم وحدوثه مع العالم النصراني حتى البغدادي، أو بعض القصص الفرعية المقحمة التي كان يمكن الاستغناء عنها، مثل قصة الرجل الميت الذي حين أرادوا تغسيله وجدوه منقبض اليد على ورقة كأنها وصيته. وهذه الملاحظة لا تقدح في رواية جعلتنا نعيش مع الصوفية في الخانقاه، والعلماء في النظامية، والحكام في قصورهم، والعامة في معايشهم، والحشاشين في جحورهم، والصليبيين في خيامهم، بل جعلتنا نستذكر بعد أن نتم 630 صفحة من داشمند، جملة لأيكو أيضا يقول فيها تسلّق الجبال متعب طبعا، لكنه يجذب لأنه متعب. تلك هي اللذة التي تمنحنا إياها الأعمال الجيدة.