
تفاصيل التوتر بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم سابقا
ووجه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي -في خطاب تلفزي- تحذيرا "لكل من تسول له نفسه الوقوف مع العدو الإسرائيلي من أدوات الخيانة والغدر والإجرام" مؤكدا أن موقفهم سيكون "حازما وحاسما مع تلك الأدوات".
وعقب الخطاب، دشن إعلام ونشطاء وقادة من الحوثيين حملة تفصح عن كشف "مخطط لاستهداف الجبهة الداخلية اليمنية، من خلال أدوات محلية مدعومة من الخارج، تتحرك ضمن عناوين حزبية ومطلبية، ظاهرها مصلحة المواطن والتعبير والتظاهر وإقامة الفعاليات والأنشطة الحزبية، وباطنها التآمر والخيانة خدمة للصهاينة".
مخطط
وأكد عضو المكتب السياسي للحوثيين حزام الأسد أن "المغامرة ليست تخمينا، بل مخطط يتم تفعيله حاليا، ويراد له أن يبدأ بشكل متدرج ابتداء من أغسطس/آب الجاري، الذي يصادف ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، مرورا بسبتمبر/أيلول القادم وحتى ديسمبر/كانون الأول المقبل الذي شهد عام 2017 فتنة ومقتل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح".
وقال الأسد عبر صفحته بمنصة إكس إن "أدوات المؤامرة تستخدم ذكرى تأسيس الحزب كنقطة انطلاق لتأجيج وتحريك الشارع اليمني وبعض العناصر المرتبطة ببقايا مشروع صالح، عبر رفع شعارات تستغل المعاناة الاقتصادية كمطالب مدنية، لكنها في حقيقتها هي ذراع استخباري لخدمة مشاريع العدو الإسرائيلي، هدفها إحداث حراك داخلي شعبي ثم تحرك عسكري خارجي ضد أنصار الله وموقف صنعاء المساند للمقاومة في غزة".
واعتبر أن تحذير الحوثي ليس فقط ردعا "بل إشارة مبكرة لكشف المؤامرة قبل وقوعها، وأن من أسقط فتنة ومؤامرة 2017 سيسحق مؤامرة 2025 وستفشل أمام وعي الشعب وصلابة الجيش ويقظة الأمن وتماسك القيادة".
ويبدو أن فيلما وثائقيا بثته قناة إخبارية عربية قد استفز الحوثيين، خاصة وأنه تحدث عن "المعركة الأخيرة" للرئيس الراحل علي صالح، سردت فيه رواية مقتله على يد الحوثيين في كمين مسلح خارج صنعاء بينما كان يحاول الوصول إلى حصن عفاش بمسقط رأسه وقبيلته بمنطقة سنحان، خلال معركة ديسمبر/كانون الأول 2017.
وظهر في الفيلم "مدين" نجل صالح وتحدث عن رواية مقتل والده وعن "خيانات واختراقات" تعرض لها والده عقب تنحيه عن السلطة عام 2011 بعد 33 عاما من الحكم نتيجة ثورة الشباب الشعبية، إبان ما عُرف بثورات الربيع العربي.
ترتيبات
ولاحظ مراقبون أن تزامن بث الفيلم مع قرب ذكرى تأسيس حزب المؤتمر وظهور مدين، الذي كان مرافقا لوالده في اللحظات الأخيرة وخاض معه "المعركة الأخيرة" ضد الحوثيين الذين كان شريكا لهم في السلطة بصنعاء، فيه إشارات إلى ترتيبات إقليمية لإعادة تغيير المشهد اليمني بإدخال عناصر ورموز تحظى بنفوذ وقبول في الشارع اليمني، وفي مركز القوة في صنعاء من جيش وأمن وقبائل وقوى حزبية.
وتزامن هذا الأمر مع ورود معلومات عن توجهات لدى الحزب للاحتفاء بذكرى تأسيسه في 24 من الشهر الجاري، وحشد جماهيره وأنصاره ومؤيديه في ميدان السبعين أكبر ميادين العاصمة صنعاء، لإظهار "شعبية وقوة الحزب وأنه الجسم السياسي الأكبر في اليمن".
وتفاجأ كثير من اليمنيين بإصدار المحكمة العسكرية المركزية في صنعاء حكما بإعدام أحمد علي عبد الله صالح النجل الأكبر لصالح والوريث المحتمل سابقا لوالده في حكم البلاد، وكان يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري ونائب رئيس الحزب، بتهمة "الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو والفساد" وأمرت بمصادرة ممتلكاته واسترداد الأموال المنهوبة.
ويرى الباحث السياسي عبد العزيز المجيدي أن هذا الحكم يبرز "صورة مفارقة كبيرة، فهو لم يتبنّ موقفا واضحا حيال الحوثيين بعد مقتل صالح، وأحمد علي يشغل منصب نائب رئيس الحزب في صنعاء، وهو ما تبقى من الحزب الذي يتمسك بشراكته مع الحوثيين ويشكو من إقصائه من السلطة، فيما يشغل رئيس المؤتمر صادق أبو راس نائبا للقيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم بصنعاء)".
ويقول المجيدي للجزيرة نت إن الحوثيين يستبقون هواجسهم بشأن ميراث علي صالح وجسمه السياسي ممثلا بالمؤتمر الشعبي، لذلك يبادرون بين الحين والآخر لاتخاذ خطوات، رغم جمود أنشطة وتحركات الحزب وانعدام جاذبية أحمد علي كوريث محتمل لوالده "فضلا عن حالة السبات التي يعيشها".
وأشار إلى غياب أي مبررات لتفسير إصدار حكم الإعدام "غير صناعة قضية تسمح للحوثيين بالتصعيد واتخاذ إجراءات أمنية مبنية على المزاعم أكثر منها حقائق، خاصة وأنهم متوجسون دائما، ويعيشون داخل حالة قلق مستمر من أي تطورات محلية أو إقليمية أو دولية".
تحرك دولي
ولا يستبعد المجيدي أن "أكثر ما يؤرق الحوثيين هو النفوذ الذي كان يحظى به صالح داخل الجيش ودفعه لمشاركتهم في السيطرة على صنعاء، وصار الجيش بأغلب قدراته البشرية والتسليحية تحت سيطرتهم".
إعلان
وتابع "ليس هناك سبب ظاهر يشير إلى رغبة إقليمية أو دولية لرعاية دور سياسي لنجل صالح، ولم يستجد أي شيء يدعو لقلق الحوثيين. والفيلم الوثائقي عن المعركة الأخيرة لصالح معهم ربما أراد أن يقول شيئا، لكن أحمد علي ليس ذلك البطل الذي أراد الفيلم بصورة غير مباشرة الحديث عنه".
ومن جانبه، يرى القيادي بحزب المؤتمر عادل الشجاع أن الحوثيين "برغم الفترة الطويلة التي قضوها في مصادرة مؤسسات الدولة واستخدام القوة المفرطة لقمع الناس بقوة السلاح، إلا أنهم يشعرون أنهم جسم منفصل عن الشعب وأنهم لا يمتلكون حاضنة شعبية تقبل بهم، فيعيشون حالة الخوف المستمر".
وفي حديث للجزيرة نت، قال الشجاع إن "أهم كيان يخشاه الحوثيون هو المؤتمر الشعبي العام كونه متغلغلا في الوسط العسكري والقبلي والإداري والشعبي، وهو صاحب انتفاضة 2 ديسمبر/كانون الأول التي فصلت بين الجمهوريين والإماميين".
وفيما يتعلق بمسألة الحكم بالإعدام على نجل صالح، رأى أن الحوثيين "يدركون حضور أحمد علي في كل المستويات السياسية والعسكرية، والتحرك الدولي الذي يبحث عن قيادة بديلة لما هو موجود تتحلى بالشعبية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 دقائق
- الجزيرة
حزب الله والانقلاب الإستراتيجي الهادئ
في لحظة سياسية دقيقة من تاريخ لبنان الحديث، أقدمت الحكومة اللبنانية على خطوة غير مسبوقة منذ اتفاق الطائف، حين كلفت الجيش اللبناني بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة، ضمن مهلة زمنية تنتهي مع نهاية العام الجاري. القرار الذي تم تداوله خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لم يكن إجراء عاديا أو بيانا رمزيا، بل عبر عن تحول فعلي في المقاربة الرسمية تجاه قضية السلاح، وخصوصا في ظل ما تشهده المنطقة من تغييرات إستراتيجية وتبدلات في موازين القوى الإقليمية والدولية، والأهم أن القرار يترجم بالشكل والمضمون المهمة التي أتت من أجلها الحكومة الحالية. الخطوة الحكومية جاءت نتيجة تراكم ضغوط دولية وعربية، كانت في مقدمتها المساعي الأميركية التي تقودها واشنطن عبر مبعوثها توم باراك، مترافقة مع عرض متكامل يتضمن خارطة طريق على مراحل تمتد 120 يوما، تبدأ من شمال الليطاني ولا تنتهي إلا بسحب السلاح من البقاع وبيروت، مقابل انسحاب إسرائيلي من المناطق الحدودية المحتلة، وإطلاق مسار تفاوضي لترسيم الحدود مع كل من إسرائيل وسوريا. اللافت أن هذا المسار، الذي بُني على قاعدة الجمع بين الضغوط والضمانات، وجد هذه المرة تجاوبا سياسيا داخليا، حتى من أطراف محسوبة تاريخيا على ما يُعرف بـ"محور المقاومة". ما ساهم في ترسيخ هذا التوجه هو الدور المتقدم والفاعل الذي لعبته المملكة العربية السعودية، من خلال المبعوث الخاص الأمير يزيد بن فرحان، الذي أجرى اتصالات مباشرة مع حلفاء حزب الله، وفي مقدمتهم جبران باسيل وسليمان فرنجية وطلال أرسلان، وحزب الطاشناق. لم تكن الاتصالات تقليدية أو بروتوكولية، بل حملت رسالة واضحة تدعو إلى إصدار مواقف سياسية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة، والمساهمة في حماية القرار الحكومي بهذا الشأن، وهو ما بدأت بوادره بالظهور فعلا من خلال تصريحات بعض هؤلاء القادة والنواب. في موازاة هذا التحرك، كان حزب الله يدرك أن مقاربة الدولة لمسألة السلاح قد دخلت مرحلة جديدة. بيد أن رد الفعل لم يأتِ على هيئة مواجهة مباشرة أو رفض صريح، بل عبر عنه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بخطاب حاول فيه تأطير موقع المقاومة داخل الدولة، مشددا على أن السلاح ليس منفصلا عن مؤسسات الشرعية، وأن اتفاق الطائف والدستور اللبناني يعترفان بدور المقاومة. وهنا تحديدا، لا بد من التوقف عند طبيعة الخطاب الذي لم ينزلق إلى التصعيد، بل ترك الباب مفتوحا أمام الحوار، مشيرا إلى إمكانية التفاهم على إستراتيجية دفاعية وطنية تشمل الجميع، برعاية الرئاسة ووفق رزنامة زمنية داخلية، وليست خارجية. في العمق، لا يمكن فصل هذا التطور اللبناني الداخلي عن التحولات التي يشهدها الإقليم، والتي طالت أولا بنية المحور الذي ارتكز عليه حزب الله لعقود. فإيران اليوم منشغلة في الداخل، تعيد ترتيب أولوياتها بعد حرب استنزفت قدراتها الاقتصادية والعسكرية. أما سوريا، التي شكلت عمقا إستراتيجيا للحزب، فقد دخلت بدورها مرحلة انتقالية تُعيد فيها بناء علاقتها بجوارها العربي والدولي، في ظل واقع جديد لا يمنح الأولوية لملف دعم الفصائل المسلحة بقدر ما يركز على تثبيت الدولة المركزية وإعادة الإعمار. بهذا المعنى، فإن البيئة التي كان الحزب يتحرك ضمنها، ويستند إليها، لم تعد كما كانت. بل إن لبنان نفسه لم يعد كما كان. وفي موازاة الجدل الدائر في الداخل، برز تموضع جديد لحزب الله يستند إلى التحولات الجارية في سوريا، حيث يُعبر الحزب في مجالسه ومواقفه عن قلق متزايد من النظام السوري الجديد، وما قد يحمله من تهديدات إستراتيجية. ويعتبر الحزب أن انهيار التوازنات السابقة في سوريا، لا سيما في مناطق الساحل والسويداء، وتقدم قوى مخاصمة تاريخيا "لمحور المقاومة"، يُعيد طرح أسئلة كبرى عن أمن المكونات الطائفية في المشرق. ومن هذا المنطلق، يقدم الحزب سلاحه بوصفه أداة حماية للأقليات من مشاريع الإقصاء أو الهيمنة كما يعتبر الحزب، ويرى أن أي نقاش داخلي في لبنان حول تسوية أمنية أو دفاعية لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي، وعن الضمانات المفترضة لهذه المكونات ضمن معادلات الحكم والنظام في كل من لبنان وسوريا. بهذا المعنى، يُوظف الحزب ما يجري في سوريا كجزء من دفاعه الإستراتيجي عن سلاحه، ليس فقط من باب المقاومة، بل أيضا من باب حماية الوجود والدور والهوية. والسؤال الذي يُطرح بهدوء في بعض الأوساط السياسية، ومن دون صخب أو اتهام، هو التالي: هل يفكر حزب الله فعلا بإعادة تعريف موقعه داخل الدولة اللبنانية؟ هل يُمكن أن يُقدم على ما يشبه الانقلاب الإستراتيجي الهادئ، فيتحول إلى قوة سياسية لبنانية خالصة، تستمد قوتها من شعبيتها وتاريخها، لا من سلاحها؟ هذا التحول، إن حصل، لن يكون بمثابة انكفاء أو استسلام، بل قد يُمثل خيارا واقعيا لحماية بنية الحزب وضمان استمراره كلاعب سياسي أساسي في المشهد اللبناني. التحول من حركة مقاومة مسلحة إلى شريك سياسي ضمن المؤسسات ليس مسارا بسيطا، خصوصا مع وجود تاريخ طويل من التضحيات والتشابك الإقليمي. لكن التحولات الجارية، والضغوط المتزايدة، قد تجعل من "العودة للبنان" ضرورة وجودية للحزب، لا مجرد خيار سياسي. والأهم، أن مثل هذا التحول لا يُقصي الحزب عن دوره، بل قد يمنحه موقعا جديدا أكثر رسوخا داخل المنظومة السياسية اللبنانية، عبر شراكة وطنية قائمة على التفاهمات لا على التوازنات القسرية. الحزب يدرك أن المناخ الدولي يسير في اتجاه إقفال ملفات النزاع المفتوح، وأن المنطقة كلها تخضع لإعادة ترتيب أدوار ومواقع القوى غير الرسمية. لذلك، فإن دعوته إلى الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية، وتأكيده على ضرورة التوافق، قد يُشكلان مدخلا إلى تسوية واسعة، تتيح إعادة دمج سلاح الحزب تدريجيا ضمن المؤسسات الشرعية، مقابل ضمانات أمنية وسياسية داخلية، وربما حتى نقاشات دستورية تحفظ توازنات ما بعد الطائف. لكن في المقابل، ثمة تحديات حقيقية على هذا المسار. فالجيش اللبناني، الذي كُلف إعداد خطة لنزع السلاح، يواجه نقصا في الموارد والتجهيزات، ويحتاج إلى دعم دولي كبير ليتمكن من تنفيذ المهمة. كذلك، فإن غياب التوافق الوطني الشامل قد يُضعف فاعلية الخطة، خصوصا إذا شعر الحزب بأن المسار يُدار من طرف واحد، أو أنه يستهدفه حصريا. ولذلك، فإن أي مقاربة ناجحة يجب أن تأخذ بالاعتبار هواجس حزب الله، وتفتح الباب أمام تسوية تحفظ موقعه ضمن الدولة لا خارجها. وفي هذا الإطار، يبرز مجددا الدور العربي كعنصر ضامن للاستقرار. فالموقف السعودي والخليجي في هذه المرحلة لا يهدف إلى التصعيد أو المواجهة، بل إلى الدفع باتجاه حل وطني جامع، يضمن سيادة الدولة من جهة، ويحفظ التوازنات الداخلية من جهة أخرى. وقد أثبتت التحركات السعودية الأخيرة أن المملكة لا تزال قادرة على لعب دور جامع، يقرب المسافات بين القوى اللبنانية، ويعزز الإجماع الداخلي على الأولويات السيادية. لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة إنتاج العلاقة بين الدولة والمقاومة، ضمن صيغة وطنية تحمي المؤسسات وتستوعب المتغيرات. قد لا تكون الطريق سهلة، وقد تتخللها مراحل تفاوض معقدة، ومساومات داخلية وخارجية، لكنها للمرة الأولى تبدو ممكنة. ليس المطلوب انتزاع سلاح أو فرض معادلات قسرية، بل بناء مسار تدريجي للتكامل بين مكونات الدولة، بما في ذلك التي تحمل سلاحا، على قاعدة الشراكة والحوار والمسؤولية المشتركة. في النهاية، لا أحد ينتصر في لبنان بالضربة القاضية. والانتصارات الحقيقية تُبنى بالتفاهم، لا بالتحدي. وقد تكون هذه اللحظة، رغم حساسيتها، فرصة ثمينة لتثبيت منطق الدولة، من دون إقصاء أو استبعاد، بل بفتح أبواب جديدة لإعادة التلاقي على مشروع وطني جامع، طال انتظاره.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تركيا تفكّك أكبر شبكة تزوير للوثائق والشهادات الرسمية الإلكترونية
أنقرة- في واحدة من أضخم قضايا التزوير التي شهدتها تركيا ، كشف مكتب المدعي العام في أنقرة ، الثلاثاء الماضي، عن تفكيك شبكة منظمة استطاعت التسلل إلى أنظمة حكومية وأكاديمية حساسة، عبر استنساخ التواقيع الإلكترونية لمسؤولين رفيعي المستوى. ووفقا للمدعي العام، استغل أفراد الشبكة هذه المفاتيح الرقمية لإصدار مئات الوثائق الرسمية المزورة، من شهادات جامعية وثانوية إلى رخص قيادة، في عملية احتيال واسعة النطاق امتدت أشهرا. وأسفرت التحقيقات، المستمرة منذ نحو عام، عن فتح دعاوى بحق 199 شخصا، واعتقال 37 منهم، وسط تحذيرات رسمية من أن الحادثة تمثل تهديدا مباشرا لمصداقية المؤهلات والوثائق الصادرة في تركيا. اختراق واسع وتعود خيوط القضية إلى أغسطس/آب 2024 حين تلقت النيابة العامة في أنقرة بلاغا عن استخدام توقيع إلكتروني مزور لمسؤول حكومي، لتبدأ تحقيقات سرية بالتعاون مع وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، شملت تحليل الأدلة الرقمية وسجلات الدخول للأنظمة الحكومية. وخلال نحو عام من التحريات، تبين أن شبكة إجرامية منظمة تسلّلت إلى أنظمة معلومات حكومية وأكاديمية حساسة، مستغلة تواقيع إلكترونية صادرة بأسماء مسؤولين كبار، منهم رئيس هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونائبه، ورئيس قسم التعليم في مجلس التعليم العالي، ومسؤولون في وزارة التربية، إضافة إلى مديري شؤون طلابية في قرابة 15 جامعة. أتاح هذا الاختراق للعصابة إدراج شهادات جامعية مزورة في قاعدة بيانات مجلس التعليم العالي، حيث ظهرت على بوابة الحكومة الإلكترونية وكأنها صادرة عن جامعات رسمية، فضلا عن التلاعب باختبارات القيادة بتسجيل راسبين ناجحين، ومنح رخص لأميّين مقابل مبالغ مالية. كما طالت التلاعبات السجلات الأكاديمية في بعض الجامعات، برفع معدلات طلاب تؤهلهم للانتقال إلى تخصصات مرموقة لا تسمح معدلاتهم الحقيقية بالالتحاق بها. تفصل لائحة الاتهام الصادرة عن مكتب المدعي العام في أنقرة أسلوبا بالغ التعقيد استخدمته الشبكة الإجرامية لاختراق نظام إصدار التواقيع الإلكترونية الموثقة في تركيا. ووفقا للتحقيقات، لجأ أفراد العصابة إلى تزوير بطاقات هوية ورخص قيادة لتقديم طلبات رسمية للحصول على تواقيع إلكترونية من فروع شركات التصديق الإلكتروني المعتمدة. وتمكنت الشبكة من إصدار ما لا يقل عن ستة تواقيع إلكترونية لمسؤولين حكوميين باستخدام بياناتهم الحقيقية، مع إحضار أفراد ينتحلون شخصياتهم لإتمام إجراءات الإصدار. وهكذا حصلت العصابة على مفاتيح رقمية قانونية المظهر تخولها التمتع بكامل صلاحيات أصحابها الشرعيين، ما أتاح لها الدخول إلى أنظمة حكومية وإدخال بيانات مزورة دون إثارة أي شبهة. وتشير بيانات النيابة إلى أن هذه الاختراقات مكنت المتهمين من إصدار وتسجيل عشرات الوثائق الرسمية المزورة عبر الأنظمة الإلكترونية، منها 57 شهادة جامعية في تخصصات متنوعة تشمل الهندسة والعلوم الإنسانية والحقوق والصيدلة، و4 شهادات ثانوية عامة، إضافة إلى 108 رخص قيادة أدرجت في سجلات مديرية الأمن على أنها سليمة. من جانبه، قال الباحث في الأمن السيبراني يونس كويونجو، إن الفضيحة الأخيرة تكشف حاجة تركيا الماسة إلى مراجعة شاملة للإطار التشريعي والتنظيمي للتوقيع الإلكتروني، بحيث يشمل ذلك تحديث القوانين وتعزيز آليات الرقابة والتنفيذ. ويؤكد كويونجو في حديثه للجزيرة نت، أن الإصلاح ينبغي أن يقوم على محورين، أولهما تعديل التشريعات لتوسيع تعريف الجرائم الإلكترونية، وتشديد العقوبات على موظفي شركات التصديق المتورطين أو المهملين، وإلزام هذه الشركات بمعايير أمنية دولية صارمة مع تدقيق مستقل. أما المحور الثاني، فيتمثل في إجراءات رقابية وقائية، منها التدقيق المفاجئ لشركات التصديق، والتحقق البيومتري عند إصدار التوقيع (التحقق من صفات بيولوجية كالبصمة وعدسة العين)، وفصل الصلاحيات بين الموظفين، والمراقبة الفورية لأي نشاط مشبوه، إلى جانب تدريب إلزامي للكادر الفني وإجراء اختبارات اختراق دورية. توقيف المتورطين ومع اتساع تداعيات قضية التزوير، تحركت السلطات التركية بسرعة لتنفيذ عمليات أمنية واسعة ومتزامنة، استهدفت الإطاحة بأفراد الشبكة ومنعهم من إتلاف الأدلة أو الفرار. وأعلن وزير الداخلية علي يرلي كايا، تنفيذ حملتين أمنيتين منسقتين، الأولى في 23 ولاية بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني الماضي، والثانية في 16 ولاية أخرى يوم 23 مايو/أيار، أسفرتا مجتمعتين عن توقيف 197 مشتبها به على صلة مباشرة بالقضية. وفي ضوء ما كشفته التحقيقات من أبعاد خطِرة، أعلن وزير العدل ييلماز تونتش أن النيابة العامة في أنقرة أتمت إعداد لوائح الاتهام، ورفعت دعاوى قضائية على 199 متهما حتى الآن، لدورهم في هذه العملية الاحتيالية واسعة النطاق. وأوضح تونتش، أن القضايا جمعت أمام الدائرة الجنائية الـ23 في أنقرة، حيث من المقرر أن يمثل المتهمون جميعا لدى المحكمة في جلسة موحدة بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول القادم. وتضم لوائح الاتهام تهما مشددة، أبرزها تزوير مستندات رسمية، والدخول غير المشروع إلى أنظمة المعلومات، والإخلال بنزاهة الامتحانات الرسمية، إضافة إلى انتهاك قانون التوقيع الإلكتروني، بينما يواجه بعض المتهمين عقوبات قد تصل إلى السجن 45 عاما في حال إدانتهم. نفي شائعات وأثارت القضية جدلا واسعا بعد تداول مزاعم تفيد أن نحو 400 أكاديمي حصلوا على وظائف جامعية استنادا إلى شهادات مزورة وفرتها لهم الشبكة الإجرامية، ما أثار القلق على معايير التوظيف الأكاديمي. غير أن السلطات سارعت إلى نفي هذه المزاعم ووصفتها بأنها "معلومات مضللة"، مؤكدة أن التحقيقات شملت 220 مشتبها، دون أن يكون منهم أي عضو هيئة تدريس أو معلم، وأن قصة "400 أكاديمي مزيف" استندت فقط إلى أقوال غير موثقة لأحد الموقوفين. وشددت الجهات الرسمية على أن الضرر المباشر على المؤسسات الأكاديمية محدود، إذ لم تستخدم الشهادات المضبوطة في إجراءات توظيف رسمي أو ممارسة المهنة، باستثناء حالتين فرديتين. وفي موازاة ذلك، نفت المديرية العامة للأمن مزاعم عن اختراق أنظمة مكافحة المخدرات باستخدام توقيع إلكتروني مزور لمسؤول أمني، مؤكدة أن هذه الأنظمة مؤمنة بطبقات حماية وتعمل عبر شبكات داخلية مغلقة، ولا يمكن الولوج إليها من خارج منظومة الشرطة. تهديد رقمي في السياق، يرى المحلل السياسي علي أسمر، أن أخطر ما في هذه القضية هو أنها طالت صميم النظام الإلكتروني الحكومي في تركيا، والذي طالما اعتُبر نموذجا ناجحا وسريعا في إنجاز المعاملات وإصدار الوثائق دون الحاجة لمراجعة المؤسسات. ويشير أسمر في حديثه للجزيرة نت، إلى أن نجاح المنظومة الرقمية لا يلغي ما تحمله من مخاطر كامنة، إذ أظهر الاختراق الأخير، أن قراصنة قادرون على تحميل وثائق مزورة داخل قاعدة بياناتها، وهو ما يهدد الثقة الشعبية بها ويفتح الباب لاحتمال التلاعب بمعلومات شديدة الحساسية تخص المواطنين. ويؤكد أسمر أن مواجهة هذا الخطر تستدعي تعزيز قدرات جهاز مكافحة الجرائم الإلكترونية، بانتقاء كوادر عالية الكفاءة، وتطوير أنظمة حماية متعددة الطبقات تستلهم تقنيات متقدمة مثل الـ"بلوكتشين" المعروفة بدقتها وصعوبة اختراقها، والتي اعتمدتها بعض الدول في أنظمتها الرسمية.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
الحكومة العراقية تحيل 4 وزراء للقضاء بسبب "شبهات"
أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إحالة 4 وزراء إلى القضاء بسبب "شبهات رافقت أداءهم"، كما أشار إلى أن التعديل الوزاري الذي كان قد وعد به واجه عرقلة سياسية في بعض الأحيان، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية. وقال السوداني في مؤتمر تقييم الأداء الحكومي في بغداد ، اليوم السبت إنه "تم إنجاز 1135 عملية تقييم نصف سنوية أسفرت عن إعفاء 41 مديرا عاما بالأصالة وإنهاء تكليف 89 كانوا يعملون بالوكالة". وأضاف أنه "تمت إحالة 4 وزراء للقضاء بسبب مؤشرات وشبهات رافقت أداءهم"، من دون تفاصيل عن هذه الشبهات. وفي المجمل، أوضح السوداني أن عملية تقييم الأداء الحكومي أفضت إلى تغييرات بنسبة 21% في المناصب التي شملتها. وذكر رئيس الوزراء أن "الحكومة لم تتلكأ بتنفيذ التعديل الوزاري الموجود في البرنامج الحكومي"، وأن لجنة التقييم أوصت بتغيير 6 وزراء. وأضاف أن "مؤشرات الفساد كانت تعامل بإجراءات فورية، وهي خارج التقييم الذي واجه عرقلة سياسية في بعض الأحيان". وحقق العراق تقدما نسبيا في مكافحة الفساد العام الماضي حيث انتقل من المرتبة 154 إلى المرتبة 140 في مؤشر مدركات الفساد ل منظمة الشفافية الدولية من بين 180 دولة.