logo
لماذا غاب التطبيع السعودي عن جولة ترامب.. هل غيرت امريكا حساباتها الاستراتيجية؟

لماذا غاب التطبيع السعودي عن جولة ترامب.. هل غيرت امريكا حساباتها الاستراتيجية؟

الصحراءمنذ 4 أيام

في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى للرياض عام 2017، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في الرياض يوم 13 مايو 2025، مستهلاً جولة خليجية تشمل قطر والإمارات، الاستقبال كان فخماً: سيوف ذهبية، خيول عربية، ومراسم ملكية، عكست دفء العلاقة بين ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكن خلف هذه المظاهر، يبدو أن هنالك معادلة جديدة تتشكّل لتغيير معالم المنطقة من جهة، وتُعيد رسم الأدوار الفاعلة من جهة أخرى.
من جديد وضعت فلسطين على رقعة الشطرنج الإقليمية، كحجرٍ تُحرّكه القوى الكبرى وفق مصالحها. في وقتٍ يبدو فيه صوت الشعب الفلسطيني بعيداً عن مراكز القرار. فهل سيكون هذا التحول بداية مرحلة جديدة من التصفية لقضية فلسطين، أم أن هناك بصيص أمل لإعادة تسليط الضوء على حقوقها في هذه الصراعات المتشابكة؟
في ظل الزيارة التي بدأها ترامب إلى الرياض، أبو ظبي، والدوحة، فأصبح واضحاً أن أبرز ما تمخضت عنه الزيارة هو توقيع اتفاقيات اقتصادية استثمارية ضخمة مع السعودية بقيمة 600 مليار دولار، تشمل قطاعات الدفاع، التكنولوجيا، والطاقة، والاسلحة، في حين تأتي القضايا السياسية ثانياً.
في هذه السياق، ينظر إلى الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين، الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، كأحد أكبر التحولات في المنطقة. فهذه الخطوة تشير إلى الرغبة الأمريكية في تغيير حساباتها الاستراتيجية في المنطقة، حيث تجد نفسها تتفاوض مع جماعة كانت تعتبرها في السابق من 'قوى الظلام'. ورغم أن هذا الاتفاق لا يشمل تطبيعاً سعودياً إسرائيلياً، إلا أنه يكشف عن تزايد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تُعاد صياغتها في الخليج بعيداً عن التنسيق مع تل أبيب.
إن اللافت في هذه الجولة أنها لم تشمل إسرائيل، ما أثار تساؤلات حول موقع تل أبيب في أولويات واشنطن الجديدة. ففي الوقت الذي تسعى فيه السعودية لتحديث قدراتها الدفاعية والتكنولوجية، يبدو أن التطبيع مع إسرائيل لم يعد شرطاً مسبقاً لهذه الصفقات، خاصة مع استمرار الحرب في غزة ورفض الحكومة الإسرائيلية وقف العمليات العسكرية أو القبول بحلول الشرعية الدولية. كما أن ميل ترامب لتجاوز المواقف الإسرائيلية ظهر جلياً ليس فقط في استبعاد تل أبيب من مشهد الصفقة، بل أيضاً في انفتاحه على ملفات لم تكن على طاولته في الآونة الأخيرة كرفع العقوبات عن سوريا، والدخول في مفاوضات مع طهران، والتوصل إلى تفاهمات مع الحوثيين بدون التنسيق المسبق مع نتنياهو.
هذه التحولات الإقليمية والاتفاقات الجديدة تأتي في وقتٍ غابت فيه مصر، ولبنان، سوريا عن أي دور بارز في المفاوضات بالرغم من تصريح رفع العقوبات عن الاخيرة يُلاحظ تراجع الدور العربي التقليدي الذي كان يشكّل حجر الزاوية في الملفات الإقليمية، لصالح دول الخليج التي باتت تُدير دفة اللعبة السياسية والاقتصادية في المنطقة.
فغياب هذه الدول، التي طالما شكّلت قلب الحراك العربي، يزيد من تعقيد المشهد، ففلسطين التي كانت دائماً على رأس جدول الأعمال في أي قمة عربية أو لقاء إقليمي، باتت اليوم على هامش الطاولة ' حضورها في هذه المعادلات لم يعد كقضية مركزية بل كورقة تُستخدم عند الحاجة، وحجر يُنقل على رقعة الشطرنج، بينما اللاعبين يتبدّلون، واللعبة تستمر'.
في خضم هذه الجولة جاء الإفراج المفاجئ عن عيدان ألكسندر، الأسير الأمريكي-الإسرائيلي المحتجز لدى حركة حماس. لم يكن التوقيت عابراً، فقد سبقه تصريح غير مسبوق من ترامب وصف فيه الحرب على غزة بـ 'الوحشية'، وهو الذي لطالما منح إسرائيل الضوء الأخضر لإنهاء ما يسميه بـ 'المهمة' مهما كانت التكاليف هذا التحول الخطابي قد لا يكون عاطفياً بقدر ما هو انعكاس لتحولات استراتيجية أوسع.
ترى هل الولايات المتحدة بصدد تغيير توجهاتها بشأن دعم إسرائيل، أم أنه مجرد تصعيد إعلامي يسبق خطوات سياسية جديدة؟
في الوقت نفسه، يبدو أن إسرائيل ستظل تلعب دوراً مركزياً في لعبة الشطرنج الإقليمية، ولكن قد يكون دوراً مختلفاً، حيث تستمر في استغلال الفرص الاقتصادية التي تتيحها لها الصفقات الخليجية، والدعم العالمي لها دون أن تكون مضطرة للوفاء بتعهدات سياسية ملموسة بشأن فلسطين.
يبدو أن الرهانات على فلسطين اليوم تزداد تعقيداً، حيث تحاول القوى الكبرى الوصول إلى تسويات لا تشمل الحقوق الفلسطينية الحقيقية، وإنما تسعى إلى تجاوز الصراع لصالح مصالحها الاقتصادية والتجارية.
في حقيقة الامر فلسطين اليوم هي الورقة الأضعف في هذه المعادلة، إذ بقيت رهينة لقرارات دولية بعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني نفسه وبعيداً عن الإرادة الفلسطينية، تتحرك القوى الإقليمية والدولية على رقعة الشطرنج كما لو أن القضية الفلسطينية قد انتهت إلى مجرد تفاصيل ثانوية في صفقات أكبر. في الوقت نفسه، يتوجب على الفلسطينيين أن يواجهوا هذه المتغيرات بوعي وإصرار على عدم التفريط في حقوقهم، وأن يسعى الجميع إلى تحقيق مقاومة سياسية حقيقية تضمن بقاء القضية الفلسطينية على رأس أولويات المنطقة.
لا يبدو أن النظام الإقليمي الجديد الذي يُبنى اليوم سيكون مفيداً لفلسطين بشكل حقيقي، إذا ظل القرار السياسي مرهوناً بمصالح الدول الكبرى فالصفقات الاقتصادية التي تُعقد في الخليج قد توفر مكاسب اقتصادية للدول العربية، لكنها لا تضمن تحقيق العدالة لفلسطين، خاصة إذا كانت هذه الصفقات تتجاهل الحقوق السياسية الأساسية للفلسطينيين.
في هذا الوقت الذي يظل فيه الفلسطينيون يقاتلون بصمت على أرضهم، تتحكم القوى الكبرى في مصيرهم لكن السؤال الذي يبقى بلا إجابة: هل ستظل فلسطين مجرد قطعة شطرنج؟ أم أنها ستستعيد مكانتها كلاعب سياسي في المنطقة؟
هذه المعادلة المعقدة تجعل من فلسطين أكثر من مجرد حجر، بل جزءاً من حلم مستمر للمستقبل، رغم كل المحاولات لتجاوزها أو إقصائها من التاريخ.
كاتب فلسطينية
نقلا عن رأي اليوم

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

Tunisie Telegraph الدكتور غازي بن أحمد يرد على مقال لفريد بلحاج حول أمريكا ترامب
Tunisie Telegraph الدكتور غازي بن أحمد يرد على مقال لفريد بلحاج حول أمريكا ترامب

تونس تليغراف

timeمنذ 5 ساعات

  • تونس تليغراف

Tunisie Telegraph الدكتور غازي بن أحمد يرد على مقال لفريد بلحاج حول أمريكا ترامب

في مقاله الذي يحمل عنوان 'عالم في حالة تصدع: أمريكا ترامب في مواجهة خطوط الصدع للنظام الدولي'، الصادر اليوم 20 ماي 2025 عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، يُقدّم فريد بالحاج المسؤول السابق بالبنك الدولي قراءة نقدية للاضطرابات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، مع التركيز على تأثير عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. Ferid Belhaj's piece cloaks ideology in analysis. Its real value lies more in tone than substance — a sweeping condemnation of the West, especially the U.S., framed as if Donald Trump singlehandedly shattered a perfect post-1945 order. The claim of U.S. 'credibility erosion'… — Dr. Ghazi Ben Ahmed (@Gbaghazi) May 20, 2025 وحول هذا المقال كتب الدكتور غازي بن أحمد مدير مركز أبحاث التنمية المتوسطية ردا حول ما طرحه فريد بلحاج ليؤكد عبر تغريدة له عبر منصة أكس أن ' مقال فريد بلحاج يُخفي الأيديولوجية في التحليل. تكمن قيمته الحقيقية في أسلوبه أكثر من جوهره – إدانة شاملة للغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، تُصوَّر كما لو أن دونالد ترامب حطم بمفرده نظامًا مثاليًا لما بعد عام 1945. يقول السيد غازي بن أحمد 'يفتقر ادعاء 'تآكل مصداقية' الولايات المتحدة إلى الدقة. فهو يتجاهل عقودًا من الغموض الاستراتيجي الناجم عن القوى الصاعدة، ويُبالغ في تقدير التراجع الأمريكي، بينما يُقلل من شأن إخفاقات المؤسسات العالمية نفسها. تفوح من المقال رائحة معاداة الغرب الانفعالية. فهو ينتقد البراغماتية الأمريكية، لكنه يتجاهل الدبلوماسية الصينية القائمة على المعاملات، والنزعة التحريفية الروسية. والأسوأ من ذلك، أنه يُضفي طابعًا رومانسيًا على وحدة 'الجنوب العالمي' الوهمية. لنكن صادقين: لن يكون هناك أبدًا موقف عربي أو أفريقي موحد – لأن هذه الوحدة ببساطة غير موجودة، ولم تكن موجودة قط. هذه ليست واقعية. إنها غضب انتقائي مُتنكر في صورة بصيرة. وكان من الأفضل لبلحاج أن يفكر في الدعم المستمر الذي يقدمه البنك الدولي للأنظمة الديكتاتورية ــ وهو الأمر الذي شهده بنفسه.' Mon dernier article Un monde en fracture : l'Amérique de Trump face aux lignes de faille de l'ordre international — Ferid Belhaj (@FeridBelhaj) May 20, 2025 ففي مقاله يشير بالحاج إلى أن النظام الدولي الذي تأسس بعد عام 1945، والقائم على التعددية والمؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يواجه تفككًا متسارعًا. هذا التفكك ناتج عن تناقضات داخلية، ووعود غير محققة، وعجز عن استيعاب دول الجنوب العالمي. عودة ترامب إلى البيت الأبيض تُسرّع هذا الانهيار، حيث يتبنى نهجًا واقعيًا يُعيد تشكيل العلاقات الدولية بناءً على القوة والمصالح الوطنية الضيقة، مع تهميش القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف. التحول نحو الهيمنة الأمريكية الجديدة تحت إدارة ترامب، تُستخدم المؤسسات المالية الدولية كأدوات لتحقيق الولاء الجيوسياسي، في إطار ما يُسميه بالحاج بـ'عقيدة بيسانت'. كما يتم توسيع 'عقيدة مونرو' لتشمل العالم بأسره، بهدف السيطرة على البنى التحتية، وسلاسل الإمداد، والمعايير الدولية، بما يخدم الهيمنة الأمريكية. صعود نظام بديل بقيادة الصين في مواجهة هذه الهيمنة، تسعى الصين إلى بناء نظام دولي بديل، يعتمد على الاستقلال المالي من خلال أنظمة مثل CIPS واليوان الرقمي، وتطوير البنى التحتية الاستراتيجية عبر مبادرة الحزام والطريق، وتشكيل تحالفات بديلة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومجموعة بريكس+. ومع ذلك، يلاحظ بالحاج أن الصين تفتقر إلى مشروع أيديولوجي عالمي، مما يجعلها قوة براغماتية أكثر من كونها بديلًا مؤسسيًا شاملًا. تحديات دول الجنوب العالمي يُبرز المقال أن دول الجنوب العالمي، رغم كونها محركًا للنمو الاقتصادي العالمي، لا تزال تعاني من التبعية المالية والتكنولوجية والمعيارية. وللانتقال من النمو إلى السيادة، يجب على هذه الدول كسر حالة السلبية، وبناء أدواتها الخاصة للحكم، وتأكيد مكانتها كفاعلين استراتيجيين في عالم يُهيمن عليه من يمتلك أدوات القوة الفعلية. يُختتم المقال بتأكيد على أن العالم يشهد نهاية دورة التعددية العالمية، وبروز نظام جديد قائم على القوة، والولاء المشروط، والتجزئة الاستراتيجية. التحدي الرئيسي للقرن الحادي والعشرين هو إعادة تأسيس النظام العالمي، سواء بالتعاون مع القوى الحالية أو بالرغم منها، لضمان نظام أكثر عدالة وشمولية.

زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا
زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

الصحراء

timeمنذ 13 ساعات

  • الصحراء

زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

شكّلت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، تحولاً حاسماً واستراتيجياً للعلاقات السعودية - الأميركية، إذ أثمرت نتائج فاقت التوقعات. فخلال الزيارة وُقّعت مجموعة من الاتفاقيات الكبرى عكست توافقاً استثنائياً لمصالح البلدين، وأكّدت مكانة المملكة الرفيعة في القيادة الإقليمية. وكانت لإشادة ترمب اللافتة بولي العهد محمد بن سلمان وثنائه على برنامج الإصلاحات في المملكة، وتأييده غير المشروط لسياسة المملكة تجاه القضايا الإقليمية مثل العراق وسوريا، وكذلك قضية التعاون الأمني دلالة على تحول واضح في الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وليست نتائج الزيارة في صالح أولويات المملكة فحسب، بل تجاوزتها، مما يمهد لعهد سعودي جديد من النفوذ والاستثمار والتواصل الدبلوماسي. كما أعرب ترمب عن دعمه المطلق لولي العهد، وأثنى على قيادة المملكة الإقليمية، وأكّد توافق المواقف الأميركية مع المملكة تجاه القضايا المتعلقة بالدفاع والاستثمار وقضية إيران وسوريا وأمن الخليج. وأثمرت الزيارة توقيع استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الأميركية، مثل الطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية والتقنية المتقدمة. وأصبحت هذه الاستثمارات - التي سبق الاتفاق المبدئي عليها - قيد التنفيذ، مما يعزز الترابط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يخدم ذلك أهداف التنويع الاقتصادي في إطار «رؤية المملكة 2030». وستستفيد الشركات الأميركية من تدفق رأس المال، ومن الشراكات الصناعية ومشاريع الابتكار المشتركة. كما أكّد حضور عدد من الرؤساء التنفيذيين الأميركيين، مثل إيلون ماسك وجين - سون هوانغ، ولاري فينك، في «المنتدى السعودي - الأميركي للاستثمار» الذي عُقد خلال زيارة ترمب، تنامي ثقة القطاع الخاص الأميركي في مسار المملكة الاقتصادي. ووُقّعت أيضاً اتفاقيات في قطاعات، مثل الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والخدمات اللوجيستية والتصنيع المستدام، مما يعزّز الدور القيادي الأميركي بمجال التقنية في خطط المملكة التنموية. وفي مجال الدفاع، وُقّع اتفاق تسليح بقيمة 142 مليار دولار، وهو حجر أساس لأجندة استراتيجية جديدة، إذ يمنح المملكة قدرات متقدمة في الدفاع الجوي والصاروخي، ومنظومة المسيّرات والأمن السيبراني والتصنيع المحلي للأسلحة. وكل ذلك يصب في تعزيز قدرات الردع والجاهزية العملياتية للمملكة، وهي حاجة مُلحّة في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، واستمرار النزاعات في المنطقة. ويُمثّل هذا الاتفاق من دون شك تجديداً للثقة الأميركية في مكانة المملكة بصفتها ركيزة لأمن الخليج، وبالمثل فإن تأكيدات ترمب حول التعاون العسكري الأميركي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستعداد واشنطن لحماية حلفائها في الخليج، تعيد الثقة التي اهتزت خلال فترات الإدارات الأميركية السابقة. كما أكّدت الزيارة توافق وجهات النظر الأميركية - السعودية بشأن إيران، إذ تحدث ترمب عن المخاوف السعودية، وأوضح أن أمام طهران مسارين: إعادة الاندماج في المنطقة من خلال تغيير سلوكها، أو استمرار سياستها وعزلتها الدولية. وأكد ترمب في خطابه خلال القمة الخليجية - الأميركية على التباين بين سياسة الإصلاح التي تتبناها وتقودها المملكة وبين سياسات إيران في المنطقة، مما أعطى دلالة واضحة على التقارب الاستراتيجي. وتواصل الولايات المتحدة فرض الضغوط على برنامجي إيران النووي والصاروخي، وعلى وكلائها الإقليميين، أما المملكة فقد تبنت سياسة متوازنة تجمع بين القنوات الدبلوماسية التي فتحها الاتفاق مع إيران بوساطة صينية، وبين خط ردع متين يستند إلى علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وترسل القمة الأخيرة رسالة مفادها أنّ إطاراً أمنياً خليجياً جديداً قيد التشكل، يقوم على عزم الإرادة السعودية، وتجدد الدعم الأميركي. وكان أبرز ثمار الزيارة هو تحول الموقف الأميركي تجاه سوريا، إذ جمع ولي العهد ترمب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في جلسة غير رسمية، وشكّل ذلك تأييداً فعلياً لجهود التطبيع مع سوريا التي تقودها الدول العربية. وأسفر الاجتماع عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وإفساح المجال للدول الإقليمية للمساعدة في مسألة الانتقال السياسي السوري، بما يعني إقراراً ضمنياً من واشنطن بدور الرياض المحوري في دبلوماسية الأزمات. ولهذا الدور القيادي ما يبرره، إذ شكّلت الرياض الإجماع على دعم سوريا في الجامعة العربية، وأعطت الأولوية لإعادة الإعمار، والاستقرار والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية. ويؤكد ذلك على الدور السعودي المتنامي في قضايا الوساطة الدبلوماسية، والقدرة على الموازنة بين التوافق العربي والتوجهات الدولية. وفيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أيّد ترمب جهود السلام، ولم يربط إقامة دولة فلسطينية أو العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل، وقال إن التطبيع مسألة تقررها دول المنطقة بنفسها، سواء المملكة العربية السعودية أو سوريا، في التوقيت المناسب لها. كما أكد قادة دول الخليج، خلال القمة الخليجية - الأميركية، وولي العهد على الخصوص، على مركزية حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، على أساس حدود 1967، وهو ما تنص عليه مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة عام 2002. وأيضاً، فإن غموض سياسة ترمب تجاه تسوية السلام في الشرق الأوسط يمنح المملكة هامشاً استراتيجياً، ويتيح لها فرصة إعادة التأكيد على موقفها الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين؛ وفقاً لمبادرة السلام العربية، وفرصة النظر في التطبيع وفق وتيرة تحددها هي، بعيداً عن أي تدخل خارجي، أو ربط ذلك بمفاوضات السلام النهائية. وهذا النهج يعزز المرونة الدبلوماسية السعودية، ويرسخ مكانة المملكة بصفتها قوة قيادية مستقلة وموثوقة في جهود السلام الإقليمية. وإذا ما نظرنا إلى ثمار الزيارة بشمولية، فإنها تشير إلى توافق عام في السياسات الأميركية - السعودية، وابتعاد العلاقة بين البلدين من الارتكاز على روابط الطاقة والدفاع التقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاستثمار والدبلوماسية الإقليمية والتنسيق الأمني؛ إذ تتولى الرياض القيادة في كثير من المبادرات الإقليمية، فيما تُعيد الولايات المتحدة تشكيل صورتها ودورها بوصفها شريكاً داعماً وموثوقاً. ويتضح هذا التحول في التصريحات الثنائية، وكذلك في خطاب ترمب ورمزية زيارته، سواء في تصريحاته في «منتدى الاستثمار»، أو في التنسيق المدروس للقمة. وكذلك يتضح التحول في تأكيد ترمب تضامن الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي خلال زيارته للدوحة وأبوظبي بعد الرياض، وفي الاتفاقيات التي وقّعها هناك. وعلى مر العقود صمدت الشراكة السعودية - الأميركية أمام تحديات كثيرة، بدءاً من الحرب الباردة، وأزمات النفط والإرهاب، وصولاً إلى التوترات الدبلوماسية. وفي مشهد يكرر ولايته الأولى، فإن زيارة ترمب الأخيرة للرياض تعكس متانة هذا التحالف، وتمثل تصحيحاً لسياسة الانسحاب الأميركية السابقة من الشرق الأوسط. ولا يشير دعم ترمب الواضح لـ«رؤية المملكة 2030»، وسياساتها المتعلقة بالإصلاح الاجتماعي، وكذلك سياساتها الإقليمية، سوى إلى التحول الكبير في المملكة من السياسة المحافظة القائمة على النفط إلى كونها لاعباً ديناميكياً متعدد العلاقات الدولية. ويرسل تأكيد البيت الأبيض على الدور القيادي للمملكة رسالة عامة مفادها أنه لا غنى عن المملكة بسياستها الإصلاحية والموثوقة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. فلطالما أكدت السياسة الخارجية السعودية على التوازن والتنويع، إذ عززت المملكة علاقاتها بالصين، وعمّقت علاقاتها النفطية والاستثمارية مع الهند، وعملت مع روسيا في مسألة تنسيق سياسات «أوبك بلس»، وكل ذلك مع محافظتها على شراكتها الأساسية مع واشنطن. وليس هذا التعدد الاستراتيجي في العلاقات رفضاً سعودياً للقيادة الأميركية، بل هو انعكاس للاستقلالية المتنامية للمملكة. وتشجيع ترمب لهذا النهج المرن، بدلاً من النظر إليه كأنه تهديد، هو تأكيد براغماتي على ضرورة إدارة التحالفات في عالم متعدد الأقطاب. ورغم استمرار بعض الخلافات، خصوصاً بشأن أسعار النفط وتدفق العملات والتوجهات الدولية، فإنها تظل قابلة للإدارة ضمن إطار التعاون الجديد، إذ تربط البلدين الآن مصالح جوهرية أكثر من أي وقت، تتمثل في قيادة مشتركة لضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتعاون السيبراني، والتوافق الاقتصادي بعيد الأمد. كما أن الاستثمار السعودي في قطاعي البنية التحتية والتقنية الأميركيين يقدم عوائد ملموسة للعمال والشركات هناك، بينما تسهم الخبرات الأميركية في تسريع تجاوز المملكة للاقتصاد النفطي. وفي الفترة المقبلة، تتطلع الرياض إلى اتساق استراتيجي واستمرارية مؤسسية من واشنطن، وفي المقابل فإنها تقدم رأس المال والقيادة الإقليمية، والتزاماً مشتركاً بالأمن والابتكار. وفي حال استمرار الطرفين على هذا المسار، فإن زيارة ترمب ستُخلد ذكرى دخول العلاقات السعودية - الأميركية عهداً جديداً، بعيداً عن التبعية أو الاعتمادية، يقوم على الاحترام المتبادل، والرؤى المشتركة، والمسؤولية المشتركة حول مستقبل الشرق الأوسط وما بعده. نقلا عن الشرق الأوسط

الدوحة تُهدي ترامب طائرة فخمة: رئيس الوزراء القطري يُعلق
الدوحة تُهدي ترامب طائرة فخمة: رئيس الوزراء القطري يُعلق

جوهرة FM

timeمنذ 14 ساعات

  • جوهرة FM

الدوحة تُهدي ترامب طائرة فخمة: رئيس الوزراء القطري يُعلق

أثار خبر الهدية التي قدّمتها قطر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتمثلة في طائرة بوينغ 747-8 تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، جدلا كبيرا. وصرّحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أمس الاثنين، أن الطائرة القطرية الفاخرة المثيرة للجدل التي أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتزامه قبولها هي "مشروع القوات الجوية" وأن ترامب "لا علاقة له بها". وقالت ليفيت: "لنكن واضحين تمامًا، حكومة قطر، والعائلة القطرية، عرضت التبرع بهذه الطائرة للقوات الجوية الأمريكية، وسيتم قبول هذا التبرع وفقًا لجميع الالتزامات القانونية والأخلاقية.. سيتم تحديثها وفقًا لأعلى المعايير من قِبل وزارة الدفاع والقوات الجوية الأمريكية - هذه الطائرة ليست تبرعًا شخصيًا أو هدية لرئيس الولايات المتحدة، وعلى كل من كتب ذلك الأسبوع الماضي تصحيح أخباره، لأن هذا تبرع لبلدنا وللقوات الجوية الأمريكية". من جهته، اعتبر رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن تقديم الدوحة طائرة "بوينغ 747-8" هدية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أمر طبيعي يحدث بين الحلفاء". وأضاف خلال منتدى اقتصادي عقد في الدوحة، الثلاثاء: "عندما يتعلق الأمر باتهامات سابقة بالرشوة فإنه لا يوجد دليل على ارتكاب قطر أي خطأ". وتابع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "آمل أن تنظر الولايات المتحدة إلى قطر باعتبارها شريكا موثوقا في الدبلوماسية لا يحاول شراء النفوذ".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store