
مناشدات للخروج من مخيم الهول السوري وإنهاء الاحتجاز
تعيش آلاف العائلات في مخيمات ومراكز احتجاز شمال شرق سورية، الواقعة في مناطق خاضعة لسيطرة
الإدارة الذاتية
، ولا سيّما في مخيم الهول وكذلك مخيم روج الواقعَين جنوبي محافظة
الحسكة
، أوضاعاً بالغة السوء، إذ إنّ الظروف المعيشية قاسية وسط تراجع الاستجابة الإنسانية وضعف الخدمات الأساسية. وقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً شاملاً حول هذه القضية، أمس الثلاثاء، شدّدت فيه على وجوب أن تشكّل "الفوضى الناجمة عن التقليص العشوائي للتمويل الأميركي حافزاً عاجلاً لتخفيض عدد الأشخاص المحتجزين تعسفياً ولأجل غير مسمّى في شمال شرق سورية"، على خلفية علاقتهم بتنظيم داعش.
وتتصاعد مناشدات العالقين في مخيم الهول ذائع الصيت للخروج منه، علماً أنّه يضمّ الآلاف من عائلات مقاتلي تنظيم داعش المتحدّرين من 60 دولة، وفقاً لما تشير إليه تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ولا سيّما من العائلات السورية و
العائلات العراقية
. وفيما يمضي العراق في استعادة مواطنيه من مخيم الهول، كانت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية قد أعلنت في بداية العام الجاري فسحها المجال أمام النازحين السوريين الذين لجأوا إلى مخيم الهول للعودة إلى مناطقهم. وفي بيان أُصدر حينذاك، أفادت هيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين في الإدارة بأنّ "مع سقوط نظام الأسد، دخلت سورية مرحلة جديدة، وباتت بعض الملفات الإنسانية تفرض نفسها، ومن بين الملفات التي كانت تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الإدارة ملف النازحين واللاجئين"، وأوضحت أنّها ستقدّم كلّ التسهيلات اللازمة وتؤمّن رحلات للعائلات الراغبة في العودة.
وبغضّ النظر عن إعلان الإدارة الذاتية الصادر قبل نحو أربعة أشهر، راح يُسجَّل خروج عائلات سورية من مخيم الهول بناءً على وساطات عشائرية من وجهاء في الرقة السورية والإدارة الذاتية، بكفالة الوجهاء. لكنّ كثيرين ما زالوا "محتجزين" في هذا المخيم، من بينهم الثلاثينية نجوى؛ أم محمد. وتشكو المرأة السورية، التي تعود أصولها إلى ريف الرقة والتي فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة، من أنّ المخيم يفتقر إلى خدمات كثيرة، من قبيل رفع النفايات وتوفير مساحات للأطفال. وتخبر "العربي الجديد" أنّ لديها "ابناً يبلغ من العمر تسعة أعوام، يقضي أيامه متجوّلاً مع باقي الأطفال مصطحبين الأغنام في المخيم المسيّج"، وتشير إلى أنّ "النفايات تنتشر في كلّ مكان، وكذلك الذباب". تضيف أن "ثمّة شائعات تردنا على الدوام بأنّنا سنغادر المخيم، لكنّ شيئاً لم يحدث" حتى الآن.
وتقول أم محمد إنّ "الظروف أجبرتني على القدوم إلى المخيم، ولم أكن أعلم أنّني سأقضي سنوات فيه"، موضحةً أنّ "بعد اختفاء زوجي في الرقة في عام 2016، اتّهموه بأنه ينتمي إلى تنظيم داعش. لكن ما ذنبي أنا وما ذنب ابني؟". تتابع بأنّ "في وقت سابق، خرجت عائلات بوساطة العشائر، لكنّ أيّ جديد لم يحدث منذ فترة"، مشدّدةً على أنّنا "لا نريد وساطات. نريد أن نغادر المخيم بإرادتنا، هذا المخيم سجن بشكله الحالي".
قضايا وناس
التحديثات الحية
تخفيض المساعدات الأميركية يعوق إعادة العراقيين من مخيم الهول
وتزداد أوضاع المقيمين في مخيم الهول وباقي مخيمات شمال شرقي سورية سوءاً، بعد تراجع الدعم المقدَّم إلى هذه المخيمات. وكانت القائمة بأعمال السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن قد أفادت، في وقت سابق، بأنّ "المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية لإدارة وتأمين مخيمات في شمال شرق سورية تضمّ سجناء مرتبطين بتنظيم داعش لا يمكن أن تستمرّ إلى الأبد"، لافتةً إلى أنّ واشنطن تحمّلت أعباءً كثيرة في مخيّمَي الهول وروج. أضافت أنّ "في نهاية المطاف، لا يمكن أن تظلّ المخيمات مسؤولية مالية أميركية مباشرة"، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.
من جهتها، وصلت فاطمة الحمادي إلى مخيم الهول من ريف دير الزور الشرقي، تحديداً من منطقة هجين. تقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا حينها ووصلنا إلى المخيم، ونحن نقيم فيه منذ عام 2019. ومنذ أشهر، قالوا إنّهم سمحوا للعائلات بمغادرة المخيم، لكنّهم لم يسمحوا لي بذلك"، مشيرةً إلى أنّ "زوجي مفقود منذ سنوات، ولا علاقة له بأيّ طرف، ولا يسمحون لنا بالمغادرة". وتروي الحمادي أنّ "قبل نحو عامَين، غادرت صديقة لي مخيم الهول من طريق التهريب، بعدما يئست عائلتها من إمكانية خروجها مع أطفالها، وقد دفعت ثلاثة آلاف دولار للمهرّبين لتغادر". وتؤكد: "نريد أن نغادر المخيم، لكن ليس بدفع المال".
آن الأوان لحلّ أزمة مخيم الهول
في تقريرها الأخير المشار إليه آنفاً، أوضحت منظمة العفو الدولية أنّ بعد أكثر من ستّة أعوام على "الهزيمة الإقليمية" لتنظيم داعش، ما زالت سلطات الإدارة الذاتية، بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش، "تحتجز عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بطريقة غير مشروعة"، وذلك على خلفية "الاشتباه في انتمائهم" إلى تنظيم داعش، في أكثر من 20 منشأة احتجاز، ولا سيّما في مخيّمَي الهول وروج. وبيّنت منظمة العفو الدولية أنّ "من بين المحتجزين ناجين من جرائم يشملها القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الاتّجار بالبشر التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، مضيفةً أنّ أيّ تهم "لم تُوجّه إلى المحتجزين بمعظمهم، ولم يُمنح هؤلاء الفرصة للطعن في قانونية احتجازهم، كذلك تعرّض عدد منهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيّئة".
وبحسب ما تفيد بيانات منظمة العفو الادولية، يُقدَّر عدد السوريين والعراقيين وغيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين في منشآت الاحتجاز في شمال شرق سورية بنحو 46 ألفاً و500 شخص، معظمهم من النساء والأطفال. ومن بين الرجال المحتجزين في هذه المرافق، يراوح عدد المواطنين الأجانب بين 2,000 و3,100 شخص، فيما يُحتجَز نحو 2,000 سوري لم يُعرَضوا على المحاكمة حتى الآن. وبعد سقوط نظام الأسد، وضعت سلطات الإدارة الذاتية، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، خطة تهدف إلى إفراغ المنشآت من العراقيين والسوريين في خلال عام 2025، علماً أنّ هاتَين الفئتَين تمثلان نحو 80% من السكان البالغ عددهم 36 ألفاً في مخيم الهول.
The mayhem created by recent haphazard US funding cuts must prompt the rapid reduction in the number of people arbitrarily and indefinitely detained in north-east Syria for their perceived affiliation to the Islamic State (IS) armed group.
https://t.co/C9InCo068U
— Amnesty MENA (@AmnestyMENA)
May 20, 2025
ولفتت منظمة العفو الدولية، في تقريرها، إلى أنّ "القرار المفاجئ وغير المخطط له الذي اتخذته إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب بتقليص التمويل إلى حالة من الفوضى العارمة، ترافقت مع تدهور ملحوظ في الخدمات الأساسية" في المنشآت، ولا سيّما في مخيّمَي الهول وروج. أضافت أنّ "مع نفاد الموارد المؤقتة والتلويح بتقليصات إضافية في التمويل، تتفاقم حالة الاضطراب" لدى سكان تلك المنشآت، مذكّرةً بما وثّقه تقريرها في العام الماضي حول كيفية عيش أشخاص في المخيّمَين المذكورَين وسط "ظروف غير إنسانية تعرّض حياتهم للخطر، نظراً إلى محدودية سبل الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية".
وفي التوصيات، رأت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار أنّ "الأوان آن لوضع حدّ لنظام الاحتجاز غير المشروع"، مضيفةً أنّ "مع استعداد الولايات المتحدة الأميركية لتقليص وجودها العسكري في سورية، لا يجوز ترك سكان تلك المنشآت يواجهون مصيرهم وحدهم. وشدّدت على ضرورة أن "تباشر الدول، التي لها رعايا في شمال شرق سورية، فوراً، بتسيير رحلات جوية لإجلاء المدنيين من الأطفال ومقدّمي الرعاية لهم، والضحايا المحتملين لجرائم الاتّجار بالبشر". أما بخصوص "البالغين المتبقين"، فقالت كالامار إنّه لا بدّ من إخضاعهم لفحص أمني من أجل تحديد من منهم "ينبغي التحقيق معه أو ملاحقته قضائياً لارتكابه جرائم يشملها القانون الدولي أو جرائم خطرة بموجب القانون المحلي"، ودعت إلى "إطلاق سراح البقية"، مبيّنةً أنّه "يتعيّن على الحكومة السورية وحكومات الدول الأخرى مساعدة هؤلاء العاجزين عن العودة إلى بلدانهم".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
خلاصة «رسائل» الأمن القومي الأردني: سيناريو النأي بالنفس بين «تعريف المجرم» وتصفيق الشارع لـ «صواريخ البعبع»
عمان- «القدس العربي»: خلاصة الاجتماع المنعقد في عمان، السبت، تحت لافتة «مجلس الأمن القومي» الأردني، يمكن تكثيفها سياسياً وإعلامياً في 3 رسائل مرجعية وسيادية، تشرح «سردية الاردن» والزاوية التي تقرأ من خلالها تطورات المشهد العسكري بين إيران وإسرائيل. الرسالة الأولى عبر عنها عاهل البلاد شخصياً الملك عبد الله الثاني، وهو يوجه اللوم بصراحة لإسرائيل ويحملها مسؤولية التصعيد العسكري والاعتداء على إيران، ثم ينتقل الأردن بخطابه الرسمي هنا إلى تفصيلة أهم تتمثل في الاتجاه وبكثافة بعد «إدانة إسرائيل صراحة»، إلى العمل وبنشاط على «تخفيض التصعيد وبأسرع وقت». هنا لاحظ الجميع بأن وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي، تحدث مع أكثر من 24 وزير خارجية عربياً وأجنبياً على الأقل في إطار دعوات خفض التصعيد حتى لا تتورط المنطقة بـ «الحرب المفتوحة». ونشاط الوزير الصفدي، ينسجم مع «التوجيهات العليا» والمرجعية التي نوقشت أيضاً في مجلس الأمن القومي قبل ظهور الرسالة السياسية الثانية لإيران تحديداً وجزئياً للرأي العام المحلي بعنوان «الحياد العملياتي والجغرافي» واتباع سياسة «النأي بالنفس» عن الصراع لوجستياً مع الحرص على «مجاملة» طهران بعبارات تقول بوضوح إن الأردن يدين العدوان الإسرائيلي ويصنف بأن إسرائيل هي التي خالفت القانون الدولي في صيغة تقترب مما سمعته «القدس العربي» من الخبير القانوني الدولي أنيس القاسم، عن قاعدة «شرعية الرد» بعد «اعتداء يخالف القوانين». في التعبير السياسي للموقف الأردني اتجهت عمان إلى منطقة واسعة في التنديد باستفزازات وعدوانات إسرائيل. وباتت القناعة أكبر وسط سياسيين أردنيين وأحياناً وسط مراكز صنع القرار، بأن هدف إسرائيل هو فتح جبهة لحرب إقليمية كبيرة وواسعة تتورط فيها الولايات المتحدة، وهدفها النهائي حسم الصراع في فلسطين المحتلة. يقول الساسة الأردنيون المقربون بقراءة تشير إلى حرب بدأها بضوء أخضر الرئيس دونالد ترامب، بجهل، ولا يملك مفتاح إيقافها، وبقراءة موازية تتحدث عن دخول مربك ولا يستهان به على الخط لدولة نووية مثل الباكستان شكلت رادعاً قوياً خلف الستائر أمام أي هجوم نووي حاسم إسرائيلياً على إيران. التقديرات الأردنية المغلقة أقرب إلى توقعات بأن تغرق المنطقة بممرات ظلام استراتيجية في حال السماح لليمين الإسرائيلي بإكمال مشروعه التصعيدي ضد إيران، ما يستلزم تحركاً سريعاً من الجميع، وفقاً للمعادلة التي وردت في خطاب ملكي أردني مباشر على هامش اجتماعات الأمن القومي. وعليه، تبرز الرسالة الثالثة في سياق المشهد، وهي تلك التي تختص بتجهيز سيكولوجيا الشارع الأردني لأحداث قد تصبح درامية أكثر لاحقاً على المستوى الإقليمي، وسط وضع معقد فلسطينياً وإقليمياً وعربياً واقتصادياً، فيما تكشف الملابسات والخيوط جميعها أن عمان في الواقع خارج نطاق التأثير في القرارين الأمريكي والإسرائيلي مرحلياً، وهوامش المناورة في التأثير بمجريات المواجهة مع الإيرانيين بات في أضيق الزوايا. في معادلة الجاهزية المحلية خطاب ملكي مباشر على هامش تقييمات الأمن القومي يأمر الحكومة بالعمل على جاهزية الربط والتنسيق بين جميع مؤسسات الدولة بما يضمن العبور الآمن من الأحداث الحالية وحصر واحتواء الآثار، وبما يضمن أيضاً لأول مرة تفعيل إجراءات الحرص على سلامة المواطنين ودفعهم إلى تلقي الإرشادات للتعامل مع الأجسام الطائرة ومسارات الحدث. التركيز على التوصية الأخيرة مرجعياً يعني وجود ملاحظات بأن الحكومة لا تقوم بواجبها بالصورة الواجبة، بدلالة بروز صعوبات التفريق بين الإجراء اللوجستي على الأرض الأردنية باعتباره لازمة وضرورة أمنية، وبين توقعات ومشاعر المواطنين التي يخفق الإعلام الرسمي في احتوائها وهي تبتهج بالصواريخ الإيرانية لا بل تترقبها وهي تعبر لضرب الكيان الإسرائيلي. الحكومة الأردنية تخفق إعلامياً في تخفيف مؤشرات الاحتفاء الشعبي المفهوم بالصواريخ الإيرانية، لكن المسار السيادي في الدولة يحافظ على معادلة «الحياد العملياتي والجغرافي» بطريقة لافتة وواضحة وفنية لا يمكن إنكارها، وإن كانت تثير بعض التساؤلات السياسية خصوصاً على المستوى الشعبي أو حتى الشعبوي. كرر ملك الأردن مجدداً أمس الأول، أن أولوية بلاده حماية وتأمين الوطن والمواطن، وأن بلاده «لن تسمح» بأن تتحول إلى مسرح صراع عسكري بين كل الأطراف. والمعادلة الأخيرة في الحياد العملياتي والحرص على اعتزال الصراع مع توجيه جملة انتقادية حادة لإسرائيل وتفهم التعاطي مع إيران كضحية مستهدفة، هي الإطار ثلاثي الزوايا الظاهر للعيان في استراتيجية التعاطي الأردني مع الحدث. في الزاوية الأولى، يتلمس الأردن مسبقاً أن يتضح للطرف الإيراني بأن كلفة الحياد العملياتي؛ بمعنى منع إسرائيل من استعمال المجال الجوي الأردني وبصلابة، هي حصراً التدخل عبر الدفاع الجوي لإسقاط ما يمكن إسقاطه من مسيرات وصواريخ عابرة من إيران أو غيرها، باعتبارها أجساماً طائرة تخترق المجال الأردني بصورة غير مسموح بها. في الزاوية الثانية، تقول عمان إن الحرب تتحمل إسرائيل مسؤوليتها بجرأة لا تطابق العديد من الدول العربية، لا بل تعتبر إسرائيل بالنص الصريح الطرف المعتدي، ما ساهم في تواصل هاتفي من وزير الخارجية الإيراني يعبر فيه عن الشكر للموقف الرسمي الأردني. وفي الزاوية الثالثة، التحرك وبسرعة وإصرار على فتح ثغرة تسمح بفلسفة «خفض التصعيد». تلك عملياً زوايا الاشتباك الأردني مع تطورات الحدث على المستوى السياسي والإقليمي. لكن بالتوازي على المستوى المحلي، لم تصل سردية التصدي للأجسام الطائرة بعد إلى وجدان الجمهور وسط حالة دعائية مضادة تشكلت لتشويه الموقف الأردني، وزاد تأثيرها في الواقع بسبب صعوبة إقناع الرأي العام ليس باحتياجات «الحياد العملياتي» ولكن بالطرق العملياتية والفنية المهنية البحتة التي تستطيع العسكرية السلطات عبرها في غرف العمليات والخبرة، تحديد متى تسقط جسماً طائراً وأين وفي أي مرحلة؟ طبعاً، تلك أسئلة لا يمكن القول إنها من حقوق العامة، وتتطلب الغرق في التفصيل، لكن الرواية الرسمية يخفق الإعلام المتشبك بإيصالها وعكسها؛ لأن الشارع الأردني في الواقع لم يسمع بعد لوسائل الإعلام الوطني، وهي تجيبه على السؤال التالي: ما كلفة اتباع سياسات عملياتية أقل تساهلاً في مواجهة رغبة شعبوية بأن يسمح للصواريخ الإيرانية بالعبور فوق الأردنيين؟ السؤال الأخير لا ينبغي -سياسياً- طرحه أصلاً، والسلطات في المسألة الإيرانية تعرف هوية المجرم والمعتدي ومن وضع الجغرافيا الأردنية عموماً وسط «تقاطعات سيادية»، والآن عسكرية واستراتيجية، ألا وهو «الشريك الإسرائيلي» وليس «البعبع الإيراني»… تلك أصبحت حقيقة متفقاً عليها ومن الصعب إنكارها، ولا تقود لأي استنتاج يعاكس حقوق الدولة الأردنية في التموقع رغم كل التشكيك الموسمي في مساحة عملياتية تعزل البلاد والعباد عن صراع الأجندتين.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
هذا الانتقال الديمغرافي في تونس
مرّ على أوّل تعداد عامّ للسكّان عرفته تونس ما يزيد عن قرن. كان ذلك سنة 1921 تحت الاحتلال، حين عمدت السلطات الاستعمارية الفرنسية، في نطاق إحكام سيطرتها على المجتمع وضبط هياكله الاجتماعية، إلى إجراء هذا التعداد الأوّل من نوعه. وحين استقلّت البلاد عمدت مباشرة إلى إجراء أوّل إحصاء للسكّان سنة 1956، واستمرّت هذه العملية تقريباً وبشكل دوري. ففي كلّ عقد تجري هذه العملية بشكل يكاد يكون منتظماً. كان آخر إحصاء في 2014، أي بعد ثلاث سنوات تقريباً من الثورة، وها هي تونس تعود، بعد ما يناهز عقد، إلى تكرار أكبر عملية إحصائية دقيقة تسمّى رسمياً "التعداد العام للسكّان والسُكنى". انطلقت عملية التعداد هذه في إبريل/ نيسان 2024، ليتم بعد سنة تقريباً تقديم أبرز النتائج. اعتمد هذا التعداد لأوّل مرّة، وبشكل مكثّف، على تكنولوجيات رقمية متطوّرة، من شأنها أن تعزّز دقّة المعطيات في كامل مسارها، من الجمع إلى المعالجة، فضلاً عن التثبّت من صحّتها ومراقبتها في جلّ مراحلها. لم تقابل (كالعادة) النتائج بتشكيك رغم تحفّظات بعضهم على المؤسّسة الوطنية التي تشرف عليه بشكل مباشر، وهي المعهد الوطني للإحصاء، وقد خضع بشكل كبير إلى هيمنة السلطة التنفيذية، وحُدّ من استقلاليته، ويتجلّى ذلك من خلال التعيينات المتتالية لمديره العام على خلفية صدور أرقام بين حين وآخر لا ترضي السلطة السياسية، تعلّقت عموماً بنسب التضخّم والعجز التجاري... إلخ. ومع ذلك، حظيت نتائج التعداد بقبول واسع نتيجة عدّة اعتبارات، لعلّ أهمها ما رافق جلّ الخطوات من رقابة تقنية وعلمية أمّنها خبراء يشهد لهم بالخبرة والحياد. تؤجل التونسيات الزواج لمتابعة مسارهن المهني أو التعليمي، ولديهن قناعات متزايدة بأن ذلك يحقّق لهن عماد استقلالهن واعتمادهن على الذات كان عدد السكّان (بحسب هذا التعداد) يناهز 11 مليوناً و900 ساكن تقريباً، في حين كان سنة 2014 في حدود 11 مليونَ ساكنٍ، أي بمعدّل نموٍّ منخفضٍ كان في حدود 0.87 %. غير أن مؤشّرات عديدة (ونتائج أخرى) شكّلت مفاجأةً لفئات واسعة من الرأي العام، والحال أنها ظلّت متوقّعة لدى المختصّين والخبراء، سواء في الديمغرافيا أو الاقتصاد. وقد أمكن التنبّه لها من خلال إسقاطاتٍ عديدة كانت منذ أكثر من عقدَين تتوقّع حدوث مثل هذه السيناريوهات. لعلّ أولى تلك النتائج الهرم السكّاني الذي ضرب الهيكل العمري العامّ للتركيبة السكانية. لقد دخلت البلاد انتقالها الديمغرافي الحادّ، إذ تراجعت نسب الولادات وتوسّعت قاعدة كبار السنّ. وذلك ناجم من عدّة عوامل، لعلّ أهمها ارتفاع مأمول الحياة عند الولادة نتيجة الخدمات الصحّية، التي شملت هذه الفئات، فإذا كانت النسبة سنة 1966في حدود 5.6%، فإنها بلغت سنة 2014 ما يناهز 17%. النتيجة الثانية، تراجع نسبة الخصوبة لدى النساء، إذ بلغت حدود 1.6%، وهي النسبة التي لا تسمح بتجدّد الأجيال وفق النسق الطبيعي، وهي نتيجة ناجمة من عدّة عوامل، لعلّ أهمها تأخّر سنّ الزواج لدى النساء (العزوبة) المرتبط مباشرة بمسألة الخصوبة لديهن، فالنساء في هذه الفترة الفضلى للإنجاب عادةً ما يكنَّ (منذ أكثر من عقدَين) بصدد بناء مسارهن الدراسي أو المهني، ممّا يدفعهن إلى تأجيل الزواج، خصوصاً وقد نمت لديهن قناعات متزايدة (وراسخة) أن ذلك المنهج يحقّق لهن عماد استقلالهن واعتمادهن على الذات. النتيجة الثالثة، وظلّت محل استغراب الرأي العام، تقلّص حجم الأسرة والانتقال بلا مواربة إلى أسرة نووية متقلّصة الحجم، فقد بيّنت الأرقام أن حجم الأسرة الحالي في حدود 3.45، وهي أسرة قليلة العدد عادة، إمّا تكون زواجية تحتضن ابناً أو بنتاً أو أسرةً تتكوّن من عائل وحيد، قد يكون الأب أو الأم، مع ابنَين ضمن أشكال متعدّدة لم تكن مألوفةً سابقاً، وهو ما يفيد بأن المجتمع التونسي يغادر بشكل سافر العائلة الممتدّة، رغم تواصلها في مناطق داخلية، وإن كان بشكل متقلّص، وضمن تمثّلات وممارسات مختلفة عمّا عهدناه قديماً في هذا النوع من العائلة التقليدية. وأخيراً، النتيجة التي ظلّت حاضرةً في أذهان الناس أن الهوّة العميقة ظلّت تحفر أكثر أخدوداً عميقاً بين السواحل والدواخل من حيث حجم السكّان، إذ كانت المدن الأكثر سكّاناً تونس وبن عروس ونابل وسوسة وصفاقس، وكلّها مدن ساحلية تتوزّع شريطاً يستأثر بجلّ الاستثمارات الاقتصادية، والمرافق الصحّية والاجتماعية، في حين تدفع مناطق الداخل سكّانها إلى الهجرة، طاردة لهم، بسبب الإقصاء والتهميش اللذين عانتهما (ولا تزل)، ولا تبدو في الأفق القريب أو المتوسّط لتفادي هذا الشرخ الاجتماعي الحادّ. حظيت نتائج التعداد بقبول واسع نتيجة ما رافق جلّ الخطوات من رقابة تقنية وعلمية أمّنها خبراء يشهد لهم بالخبرة والحياد تدخل تونس بحدّة انتقالها الديمغرافي، الذي عادة إمّا أن يكون مريحاً وإما عسيراً، بحسب ما تم التخطيط له، وتوفير ما يسنده من سياسات اقتصادية وتنموية واجتماعية دقيقة، ضمن ما يطلق عليه هندسات اجتماعية استباقية، ولكن لا يبدو أن البلاد بإمكانها إدارة هذا الانتقال بشكل يسير وسلس. فهذا الهرم السكّاني ستعانيه البلاد في ظلّ أعباء كبيرة تثقل كاهل صناديق الحماية الاجتماعية، ممّا يجعلها عرضةً لصعوبات جمّة تخصّ ميزانياتها، خصوصاً في ظلّ التفكّك الأسري المتواصل، الذي سيفاقمه تراجع حجم الأسر كما أشرنا سابقاً. كما أن تراجع الولادات بحدّة، رغم بعض مزاياه، سيفقد المجتمع قدرته على التجدّد، خاصّة قوّته العاملة والمنتجة، ممّا يجعل إمكانية الاستعانة قادماً بيد عاملة أجنبية أمراً وارداً، وهو سيناريو ستعارضه بشدّة إرادة سياسية شعبوية، ترى في ذلك مؤامرةً تستهدف تغيير هُويَّة البلاد.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
مصر تعتمد "أبوظبي القابضة" مؤسسة حكومية وتعفيها من ضريبة الأرباح
وافق مجلس النواب المصري ، اليوم الأحد، على القرار الرئاسي رقم 211 لسنة 2025، المتعلق بالموافقة على البروتوكول رقم 2 الملحق بالاتفاقية المبرمة بين حكومتي مصر والإمارات بشأن تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب من الضرائب في ما يخص الضرائب على الدخل. وتنص الاتفاقية على اعتماد "شركة أبوظبي التنموية القابضة" و"صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية" بكونهما مؤسستين حكوميتين. وبموجب هذا الاعتماد، تستفيد المؤسستان من الإعفاءات الضريبية المنصوص عليها في اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي الموقعة في العاصمة الإماراتية أبوظبي بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، التي وافق عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2020. ويُعد البروتوكول مكملًا للاتفاقية الأصلية، وتُعتبر نصوصه جزءًا لا يتجزأ منها، حيث يتضمن تعريفًا موسعًا لمصطلح "الحكومة" لأغراض تطبيق حكم المادة الرابعة والعشرين المتعلقة بالدخل العائد للحكومة والجهات التابعة لها. بالنسبة إلى مصر، يشمل مصطلح "الحكومة" صندوق مصر السيادي باعتباره المالك المستفيد الحقيقي، بالإضافة إلى الكيانات التي يملكها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة لا تقل عن 50% من رأسمالها، وذلك في حدود نسبة الملكية، مع نسب الملكية غير المباشرة إلى الصندوق. أما بالنسبة إلى دولة الإمارات، فيتضمن التعريف شركة أبوظبي القابضة بصفتها المالك المستفيد الحقيقي، وكذلك الكيانات المملوكة لها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة لا تقل عن 50% من رأسمالها، وذلك في حدود نسبة الملكية، مع نسب الملكية غير المباشرة إلى الشركة. وتشمل الإعفاءات الضريبية المنصوص عليها في الاتفاقية بين الدولتين ما يتعلق بأي دخل ناتج من: توزيعات الأرباح (المادة الـ10)، والفوائد (المادة الـ11)، والأرباح الرأسمالية (المادة الـ13). ويشمل مصطلح "الحكومة" كلًّا من الحكومات المحلية وأجهزتها ومؤسساتها المالية الحكومية التابعة لها، والمصرف المركزي التابع للدولة المتعاقدة الأخرى، وأية مؤسسة أو هيئة يُتَّفَق عليها بين حكومتي الدولتين من وقت لآخر. أسواق التحديثات الحية أسواق الخليج تنزف بأول جلسة بعد حرب إيران وإسرائيل.. أسوأ أداء بمصر وأشار تقرير مجلس النواب إلى أن البروتوكول يُشجّع على الاستثمار ، ويزيد من فرص العمل بين مصر والإمارات، ويُسهم في تحقيق الأهداف المنشودة من الاتفاقية الأصلية، ومن المتوقع أن يُعزز الشراكة الاقتصادية بين البلدين ويدفع عجلة التنمية. وكان جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في مصر قد وافق في وقت سابق على مجموعة من عمليات استحواذ شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ) على حصص في ثلاث شركات بترول مصرية، ضمن مجموعة من الصفقات الأخرى. وقد أسهمت صفقة ضخمة مع الشركة، البالغة قيمتها 35 مليار دولار، في دعم الاقتصاد المصري وسط أزمة ديون متفاقمة خلال العام الماضي. وتُعد "أبوظبي القابضة" أحد صناديق الثروة السيادية الرئيسية في إمارة أبوظبي. وفي فبراير/شباط 2024، أُعلن مشروع "رأس الحكمة" باستثمارات تصل إلى 24 مليار دولار نقدًا، مقابل حق تطوير الأرض الواقعة على ساحل البحر المتوسط. ويتضمن المشروع إنشاء مرافق سياحية ومنطقة حرة، بالإضافة إلى منطقة استثمارية وخمسة مراسٍ بحرية، ومنطقة سكنية تمتد على مساحة 80 مليون متر مربع، وتستوعب نحو 190 ألف فيلا وشقة، بما يُوفر سكناً ترفيهيًا لنحو مليوني نسمة. وتقع منطقة رأس الحكمة على بُعد 200 كيلومتر إلى الغرب من مدينة الإسكندرية، بالقرب من مناطق منتجعات صيفية فاخرة ذات شواطئ رملية بيضاء، تحظى بشعبية كبيرة بين الأثرياء من المصريين.