logo
حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه

حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه

الجزيرةمنذ 4 ساعات

في 19 مارس/ آذار 2024، ألقى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خطابًا في العاصمة الفرنسية باريس، ظهر فيه على منصة دعائية خُصصت لفعالية تحمل خريطة مثيرة للجدل، تضم فلسطين، والأردن تحت مسمى واحد: "إسرائيل".
الخريطة التي كانت تحمل شعار إحدى المنظمات الصهيونية، تعكس تصورًا أيديولوجيًا توسعيًا يقوم على أن "إسرائيل الكبرى" تمتد لتشمل كامل الأراضي بين البحر والنهر، بل وتمتد أيضًا لتشمل الضفة الشرقية لنهر الأردن.
وجاء هذا المشهد متقاطعًا مع خطاب آخر للرئيس الأميركي دونالد ترامب في 15 أغسطس/ آب 2024، أعرب فيه عن دهشته من ضآلة مساحة "إسرائيل"، مقارنة باتساع المنطقة المحيطة، متسائلًا: "هل من طريقة يمكن أن تحصل بها إسرائيل على مزيد من الأراضي؟".
هذه التساؤلات وإن جاءت مغلّفة بلغة سياسية معاصرة، إلا أنها تعكس امتدادًا لخطاب استيطاني إحلالي قديم، لطالما استهدف شرق الأردن كجزء من الطموحات التوسعية الصهيونية.
البدايات الاستعمارية للفكرة: من لينش إلى أوليفانت
منذ منتصف القرن التاسع عشر، استهدفت المشاريع الاستعمارية الغربية -وفي مقدمتها المشروع الصهيوني- الأراضي الأردنية باعتبارها امتدادًا طبيعيًا لفلسطين التوراتية.
فقد أرسلت الحكومة الأميركية عام 1848 بعثة بحرية بقيادة الضابط وليم فرانسيس لينش إلى نهر الأردن والبحر الميت، في أول مهمة رسمية ذات أهداف تتجاوز الجانب العلمي، وصولًا إلى البحث في إمكانية إنشاء وطن قومي لليهود في شرق الأردن، بما يشمل "ترحيل السكان المحليين إلى محميات بشرية"، على حد تعبير الوثائق المعاصرة.
لينش، في تقاريره، لم يُخفِ انحيازه الأيديولوجي. فقد شبّه السكان المحليين بـ"الهنود الحمر" في أميركا، وعقد مقارنة مثيرة بينهم وبين السكان الأصليين في أميركا "الهنود الحمر"، الذين رأى أنهم كانوا متوحشين وتحولوا إلى متمدّنين بفضل الاستيطان الأوروبي.
وبهذا المنطق الاستعماري، استنتج لينش أن سكان شرق الأردن "عكسوا" تلك المسيرة، وأن استبدالهم ضروري لتحقيق التقدم. في تقريره، تنبأ لينش بأن "تفكك الإمبراطورية العثمانية"، سيُمهد لعودة اليهود إلى فلسطين، وصرح عقب رفع العلم الأميركي في المنطقة بأن ذلك "قد يبشّر بإحياء الشعب اليهودي".
لم تكن أفكار لينش استثناءً. في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، ظهرت دعوات مماثلة. فقد دعا يهوشع يلين، أحد مؤسسي مستوطنة "نحلات شيفع" في القدس، إلى توسيع الاستيطان نحو شرق الأردن.
وفي عام 1871، أسس شركة بالتعاون مع رجال أعمال يهود، وادعى أنهم توصلوا إلى اتفاق مع بعض شيوخ عشيرة "عرب النمر" لفلاحة أراضي غور النِّمرين شمال شرقي البحر الميت.
وفي السياق نفسه، قدّم الضابط البريطاني في سلاح الهندسة السير تشارلز وارن، وهو أحد الباحثين المرتبطين بـ"صندوق استكشاف فلسطين"، مقترحًا صريحًا لتوسيع الاستيطان اليهودي شرقي نهر الأردن.
دعا وارن إلى تأسيس شركة استيطان تستأجر الأراضي من الدولة العثمانية مقابل سداد جزء من ديونها الخارجية، وذلك ضمن إطار رؤية استعمارية تجمع بين الطموح الصهيوني، والمصالح الإمبريالية البريطانية.
ومن أبرز الشخصيات الأوروبية التي قدمت دعمًا نظريًا وميدانيًا للمشروع الاستيطاني الصهيوني في شرق الأردن كان لورانس أوليفانت. ففي عام 1889، نشر الطبعة الأولى من كتابه النادر: "أرض جلعاد"، والذي دوّن فيه مشاهداته وآراءه عقب رحلته إلى لبنان، وسوريا، وفلسطين، وشرق الأردن في عام 1880.
رأى أوليفانت في أراضي شرق الأردن "مساحات خصبة صالحة لأقصى درجات التطوير الزراعي"، مؤكدًا أن توفر الموارد الطبيعية والظروف المناخية، يجعل من هذه المنطقة هدفًا استثماريًا جذابًا للمهاجرين اليهود.
في تحليله للسكان المحليين، أشار أوليفانت إلى أن العشائر الأردنية المتجولة "لا تملك سندًا قانونيًا للأرض"، مما يجردهم -من وجهة نظره- من أي شرعية في الوجود.
بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين وصفهم بأنهم نشروا "الخراب والفوضى"، وأن تهجيرهم إلى الصحراء التي جاؤُوا منها هو "الحل المنطقي"، على حد تعبيره.
أما المنطقة التي اقترحها للاستيطان اليهودي، فشملت كامل إقليم البلقاء من وادي الموجب جنوبًا إلى نهر الزرقاء شمالًا، وتمتد شرقًا إلى درب الحاج، وحتى أجزاء من عجلون شمال نهر يبوق (الزرقاء)، بمساحة تقارب مليونًا ونصف المليون هكتار، بحدود غربية تصل إلى نهر الأردن وساحل البحر الميت.
مشروع أرض مدين
لم تكن المحاولات الصهيونية للتمدد شرق نهر الأردن حكرًا على لورانس أوليفانت، بل مثّلت جزءًا من توجّه استعماريّ أوسع تجاوز الشخصيات الفردية وتحول إلى مشاريع متكاملة تقودها شخصيات، وجمعيات، ومؤسسات.
في مطلع تسعينيات القرن التاسع عشر، حاول الثري اليهودي الألماني الأصل، بول فريدمان، تنفيذ مشروع استيطاني استعماري مشابه، ولكن هذه المرّة في منطقة مدين جنوب شرق الأردن، بدلًا من "جلعاد" التي كان أوليفانت يركز عليها.
نشر فريدمان في عام 1891 كُتيبًا من 18 صفحة بعنوان: "أرض مدين" في برلين، عارضًا فيه تصورات جغرافية واقتصادية وسكانية عن المنطقة، مدعومة بإحصاءات تفيد بأن عدد سكانها الأصليين حينها بلغ نحو 23 ألف نسمة.
وقد وُجّه هذا الكتيب إلى شخصيات يهودية نافذة في بريطانيا، والنمسا، وألمانيا بهدف كسب الدعم السياسي والمالي للمشروع. حاول فريدمان إقناع المهاجرين اليهود بأن السكان المحليين سيرحبون بهم، زاعمًا أن سكان العقبة ينحدرون من عشيرة يهودية تُدعى "بني سبت" احتفظت ببعض التقاليد الدينية اليهودية، واستنتج أن مدين كانت في الماضي جزءًا من الكيان اليهودي القديم.
قام فريدمان بتجنيد خمسين متطوعًا من علماء ومهندسين وجغرافيين، إضافة إلى ثلاثين عائلة يهودية مهاجرة. تلقى هؤلاء تدريبات عسكرية في معسكرات خاصة بهنغاريا، والنمسا، بإشراف ضابط ألماني يُدعى لوثر فون سيباخ، بمشاركة ضباط يهود من النمسا.
وخصص فريدمان يختًا تجاريًا أطلق عليه اسم "إسرائيل"، حمّله بالمتطوعين، وكميات كبيرة من الذخائر والأسلحة وفّرها له الجيش النمساوي، ثم أبحر من ميناء ساوثهامبتون البريطاني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1891، تحت العلم النمساوي. انضمّ إلى الحملة خلال توقفها في الإسكندرية عدد من اليهود المصريين الناطقين بالعربية، وتوجهت السفينة إلى منطقة "الطور" قرب مدين، حيث نُصبت الخيام وأُنشئ معسكر في وادٍ قريب.
نجح فريدمان في شراء قطعة أرض قرب قلعة المويلح، وشرع بمحاولات إضافية لشراء مزيد من الأراضي في المنطقة. ومع أن المشروع انهار في نهاية المطاف، بعد أن كلّفه ما يعادل 170 ألف مارك ألماني، إلا أن فريدمان أصر على "إنقاذ الشرف اليهودي"، وفقًا لتعبيره، ورفع دعوى ضد الحكومة المصرية مطالبًا بتعويض قدره 25 ألف جنيه إسترليني، كما حاول إعادة تمويل المشروع لاحقًا.
مشاريع استيطانية
في ذات العام (1891)، أعلن إلياهو شيد، المسؤول عن مستوطنات البارون روتشيلد، نية البارون شراء أراضٍ شرقَ الأردن لتوطين ألف مستوطن، يليهم لاحقًا آلاف آخرون. أُثيرت تساؤلات حول البنية التحتية، فأكد شيد أن خططًا قائمة لتعبيد الطرق، بل وتُدرس مشاريع مثل مدّ خط سكة حديد أو قناة مائية تربط البحر الأبيض المتوسط ببحيرة طبريا.
وفي السياق ذاته، قام الحاخام شموئيل موهيلبر، أحد مؤسسي حركة "أحباء صهيون" في روسيا، بجولة ميدانية شرق الأردن، وأعد تقريرًا خلص فيه إلى أن الاستيطان هناك أفضل من الجليل، من حيث جودة الأرض وتكلفة شرائها، شرط وجود "مائة عائلة قادرة على مواجهة أخطار البدو".
ومن روسيا أيضًا، كتب يهوشع سيركن، أحد زعماء الجماعات اليهودية في مينسك، تقريرًا يؤكد فيه خصوبة الأراضي ورخصها شرق الأردن، معتبرًا أن مخاوف الاعتداءات البدوية لا أساس لها من الصحة، وداعيًا إلى توطين عشرات الآلاف من الصهاينة فيها.
وقد أبدت جماعة يهودية من مدينة فيلنه السوفياتية اهتمامًا مباشرًا بالاستيطان، إذ قررت إرسال ممثل لدراسة شروط الإقامة في شرق الأردن. وفي مايو/ أيار 1891، قدمت عشرون عائلة يهودية ميسورة من باكو طلبًا إلى أ. زافشتاين، تستفسر فيه عن إمكانية شراء أراضٍ للاستيطان في المنطقة.
تكررت هذه المحاولات لاحقًا. ففي عام 1893، حاول هنري دي أفيغدور شراء أراضٍ في منطقة حوران لتأسيس قاعدة استيطانية، إلا أن المشروع فشل نتيجة رفض الدولة العثمانية، وغياب الدعم اليهودي الكافي.
وفي العام نفسه، قدم أفيغدور، بالتعاون مع صموئيل مونتاغو وباسم جمعية "أحباء صهيون"، التماسًا إلى السلطان عبدالحميد الثاني للسماح بالاستيطان شرق الأردن، بعد أن فُرضت قيود على شراء الأراضي داخل فلسطين.
كما طرح الدكتور بوهلندورف خطة لجمع عدد كبير من اليهود في شرق الأردن، وتنظيم عمليات مقاومة مسلحة ضد السكان البدو، بهدف تهجيرهم وتأسيس قاعدة لما وصفه بـ"الدولة اليهودية".
في خضم هذه التحركات، برزت قضية الأراضي السلطانية (الجفالك) التي نُقلت ملكيتها من السلطان عبدالحميد إلى الخزينة العامة عقب عزله عام 1909. وقد طلب نجيب إبراهيم الأصفر – إحدى الشخصيات اللبنانية النافذة- امتيازًا لاستئجار هذه الأراضي مقابل قرض بمائة مليون فرنك، شريطة استصلاحها وبيعها لاحقًا للزراع. لاحقًا، تبيّن أن شركة بلجيكية ذات صبغة صهيونية كانت المستأجر الفعلي، في محاولة للالتفاف على التشريعات العثمانية.
كشفت صحف سورية وفلسطينية، على رأسها جريدة الكرمل، هذه الصفقة، محذّرة من خطورة المشروع على الوجود العربي في جنوب سوريا، وفلسطين، وشرق الأردن، ومسلّطة الضوء على دور جمعية "فلسطين اليهودية" خلف الكواليس.
خطة روتنبرغ (1936): الترحيل الممنهج
في عام 1936، قدّم بنحاس روتنبرغ، أحد أبرز رموز المشروع الصهيوني الاقتصادي، خطة استيطانية طموحة تستهدف جانبي وادي نهر الزرقاء في شرق الأردن. قامت الخطة على تقسيم استيطاني دقيق، حيث تُخصّص الضفة الجنوبية للفلاحين العرب، فيما تُخصّص الضفة الشمالية للمستوطنين اليهود.
جاء هذا المشروع ضمن سياق أوسع يسعى لخلق تواصل جغرافي بين المستوطنات اليهودية في غور بيسان والباقورة، من جهة، والمناطق المستهدفة شرقي نهر الأردن، من جهة أخرى، بما يعزز السيطرة الصهيونية على مفاصل زراعية ومائية حيوية.
واقترحت الخطة إنشاء شركة خاصة برأس مال يصل إلى مليوني جنيه فلسطيني، يُخصص نصف هذا المبلغ لتمويل عملية إعادة توطين الفلاحين الفلسطينيين المُرحّلين من أراضيهم داخل فلسطين إلى أراضٍ جديدة في شرق الأردن، بينما يُخصص النصف الآخر لتوطين المستوطنين الصهاينة في المنطقة نفسها.
تُظهر خطة روتنبرغ هذا المزج الدقيق بين الطابع الاستيطاني الإحلالي والآليات الاقتصادية الحديثة، التي تسعى لإضفاء مشروعية إدارية واستثمارية على مشروع جغرافي- سياسي قائم على الترحيل الطوعي للعرب والتوطين المنظم لليهود.
كما تعكس الخطة انخراطًا صهيونيًا متقدمًا في معادلة شرق الأردن، في وقت كان يُفترض فيه أن هذا الإقليم خارج حدود "وعد بلفور" المعلن رسميًا عام 1922.
أخيرًا، رغم فشل تلك المخططات المتعددة والمتتالية، فإن الأطماع الصهيونية في شرق الأردن لم تنتهِ، بل ظلت كامنة وتظهر كلما توفرت الفرصة، كما في التصريحات العلنية الأخيرة لرموز سياسية إسرائيلية، والتي تؤكد أن الأردن، بموقعه وحدوده، لا يزال في "عين العاصفة" ضمن التصور التوسعي للمشروع الصهيوني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سلاح حزب الله في السياقين اللبناني والإقليمي
سلاح حزب الله في السياقين اللبناني والإقليمي

الجزيرة

timeمنذ 38 دقائق

  • الجزيرة

سلاح حزب الله في السياقين اللبناني والإقليمي

ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها، حتى تصدّر سلاح حزب الله أجندة السجالات اللبنانية الداخلية، وتقدم على غيره من العناوين، "الأولى بالرعاية"، من قبل الموفدين والمبعوثين العرب والدوليين، تارة تحت شعار "نزع الذرائع"، وأخرى تحت عنوان "حصرية السلاح" بيد الدولة، التي تمتلك وحدها قرار الحرب والسلم. ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، دخل "سلاح المخيمات" على خط السجال متعدد الأطراف، بانتظار زيارةٍ يَنظر لبنانيون كثر إليها بوصفها "محطة تاريخية"، حيث من المقرر أن يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال أيام، إلى بيروت، لإجراء محادثات مع الرئاسات اللبنانية الثلاث، حول نزع السلاح الفلسطيني. خريطة المواقف المحلية من مسألة "السلاح" معروفة تمامًا، جذورها ضاربة في زمن حروب الطوائف، الأهلية قبل نصف قرن، وتعمقت أكثر في مناخات "الفالق الزلزالي المذهبي" الذي ضرب البلاد والمنطقة في ربع القرن الأخير. بيدَ أن جديدًا طرأ على حراك المواقف والمواقع اللبنانية، لم يعهده حزب الله منذ تأسيسه، وأعني به انتقال الدولة بمؤسساتها السيادية، من رئاسة وحكومة وغالبية نيابية، إلى تبني مطلب "حصرية السلاح" و"احتكار قرار الحرب والسلم"، بعد إسقاط ما كان يسميه الحزب بـ"المعادلة الذهبية": شعب وجيش ومقاومة. هذه المعادلة لم تعد قائمة اليوم، ولم يعد السلاح يحظى بالمظلة الرسمية / الشرعية التي تمتع بها سنوات طوالًا. جديدٌ آخر طرأ على المشهد اللبناني، يتمثل في انتقال الجدل حول "السلاح" إلى داخل حزب الله و"الثنائي الشيعي" والبيئة الاجتماعية الحاضنة. ما كان يقال بالأمس، همسًا وعلى الهوامش، بات يقال اليوم، علنًا وفي المتن، والأسئلة المكتومة من قبل، أخرجتها الحرب ونتائجها المروّعة إلى العلن من بعد، لا سيما مع تفاقم مأزق "فراغ القيادة" الذي خلّفه رحيل القائد الكاريزمي للحزب "والمحور"، السيد حسن نصرالله. وثمة تقديرات جادة، أخذت تستشرف تحولات وتبدلات في الحزب وبيئته، تسمح بالاعتقاد بأن تجربة احتكار "الثنائي" للتمثيل الشيعي في لبنان، قد لا تستمر طويلًا، وأن الباب بات مفتوحًا لنشوء قوى ومراكز جديدة على الساحة "الشيعية السياسية اللبنانية"، ولنا فيما واجهه الحزب والثنائي من تحدي العائلات والمجتمع المدني والمستقلين في الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة في لبنان، ما يمكن أن يُعدّ بواكير وإرهاصات مرحلة جديدة. في موضوع "السلاح" حصرًا، وبمعزل عن المراجعات التي يشهدها الحزب وحلفاؤه وبيئته حول مختلف الشعارات والمُسلمات التي حكمت مواقفه وسلوكه وأداءَه في الحرب، يرى مقرب من الحزب أن من المشروع طرح السؤال حول وظيفة السلاح من جديد، بعد سنوات من النظر إليه بوصفه مسلمة من المسلمات، وواحدة من ثوابت المعادلة اللبنانية الداخلية والإقليمية. فهذا "السلاح" كانت له ثلاث وظائف: الردع، الحماية والتحرير، وكانت كل وظيفة منها كافية لـ"شرعنته"، وتسويق الاستمساك به وتسويغه، بيد أن أيًا منها لم يعد قائمًا اليوم، فإسرائيل نجحت في "تكسير" معادلة "الردع المتبادل" التي أنشأها الحزب بعد حرب 2006، ولبنان من جنوبه إلى بقاعه، مرورًا بضاحيته، بات بلا حماية، وعرضة لاستباحة وعربدة إسرائيل. أما التحرير فقد بات مهمة أجيال قادمة، إن ظل الحال على هذا المنوال، والمؤكد أنه ليس مطروحًا على جدول الأعمال "العملي" للحزب وأنصاره، وإن كان ما زال مدرجًا في الخطاب و"المبادئ". ويستشعر الحزب مأزقًا في خياراته. فالصبر و"ضبط النفس" و"كظم الغيظ"، لا تقلل من المخاطر المترتبة على استمرار إسرائيل في استنزاف الحزب في بنيته المادية والبشرية، ولا من تداعيات هذه الاستباحة على روح ومعنويات بيئته الشعبية، وتفضي إلى تآكل متسارع في منسوب الثقة بالحزب وسلاحه، موقعه ودوره. وفي المقابل، فإن قيام الحزب بالرد على الغطرسة الإسرائيلية المتمادية، ليس من شأنه سوى إشعال فتيل حرب جديدة، ستُمارس خلالها آلة الحرب الإسرائيلية أعلى درجات "التوحش"، ومن دون رقيب وحسيب، بل ربما بتشجيع من أطراف محلية وعربية ودولية، تريد لمهمة استئصال الحزب وسلاحه، أن تكتمل، وإن على طريقة نتنياهو. بين هذين الخيارين المُرين، اعتمد الحزب خيارًا ثالثًا، إذ وضع مسؤولية وقف الحرب ومعالجة تداعياتها، وإخراج الإسرائيليين من النقاط الخمس وتحرير الأسرى، في عهدة الدولة اللبنانية، وهو لا يكف عن ممارسة الضغوط على مؤسساتها، لكي تفعّل دبلوماسيتها وتستخدم ما بحوزتها وبحوزة أصدقاء لبنان، من أوراق لإنجاز هذه الأهداف، وهو في سبيل تسهيل المهمة على الدولة، يلتزم ضبط النفس الكامل، ويتعاون مع الجيش اللبناني جنوبي الليطاني، في عملية تسليم الأسلحة والمواقع، ما أتاح لرئيس الجمهورية القول إن 90 بالمئة من مهمة الجيش في الجنوب، قد أنجزت تمامًا، ومن دون معوقات. لكن الحزب، وهو يراهن على "خيار الدولة" في تحقيق ما أخفق هو في تحقيقه: وقف العدوان، الانسحاب الكامل وتحرير الأسرى، يعرف في دواخله الحدود الضيقة لما يمكن للدبلوماسية أن تجترحه من معجزات، وهو يعرف في قرارة نفسه، أن الدولة لكي تنجح في مسعاها، عليه هو بالذات، أن يدفع الثمن، ودائمًا من "كيس سلاحه"، ليس في الجنوب فحسب، بل وفي كل الأراضي اللبنانية، وليس سلاحه وحده، بل سلاح حلفائه من لبنانيين وفلسطينيين كذلك. هي معضلة خيارات، أحلاها مُرّ، تضع الحزب في حالة من "التيه". ومما يزيد طين الحزب وخيارته، بِلّةً، أن ليس ثمة من خيار سهل لدمج سلاحه ومسلحيه في أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، فليس ثمة من "نظرية للأمن الوطني اللبناني"، متفقٍ عليها، أو تحظى بدعم غالبية وازنة من اللبنانيين، وليس ثمة من "إستراتيجية دفاعية" طال الحديث فيها وعنها من دون أن ترى النور حتى الآن. فلا سيناريو "الحشد الشعبي" مقبول من الرئاستين؛ الأولى والثالثة ومعهما فريق وازن من اللبنانيين، ولا صيغة الإدماج الفردي للمقاتلين في صفوف الجيش والأمن، مقبولة كذلك، بالنظر لأنها ستهدم أركان نظام "المحاصصة" في الوظائف والتشكيلات والتعيينات المعتمدة في لبنان، دع عنك جانبًا "الفيتوهات" التي ستنهال على لبنان من الخارج، حال الأخذ بأي صيغة من الصيغتين. يمكن لخيار "الدمج الفردي" لعناصر من الحزب أن يوفر حلولًا جزئية للمعضلة، بيد أنه لا يعالج مستقبل "جيشٍ" من المقاتلين الأشداء والمجربين، الذي أنشأه الحزب على امتداد عقود أربعة. ومثلما يجد الحزب صعوبة بالغة في تسويق بقاء السلاح والحفاظ عليه لدى جمهرة الخصوم، وحتى بعض الحلفاء الذين أخذوا ينفضون من حوله، تجد الدولة نفسها في مأزق خيارات للتعامل معه ومع سلاحه. فثمة في الداخل والخارج، من يستعجل "نزع السلاح"، ويضعه شرطًا مسبقًا للفرج والانفراج. وثمة أطراف متشددة، لا تمانع اللجوء إلى "خيار القوة" لفعل ذلك. لكن لبنان ما زالت لديه كثرة من العقلاء- في مقدمهم رئيس الجمهورية- الذين يرون أن "الحوار" وليس "القوة"، هو السبيل الوحيد لفعل ذلك، وأن اللجوء لخيارات عنيفة، محمّل بنذر عودة الحرب الأهلية، وخراب لبنان، على يد أبنائه هذه المرة، بعد أن ألحقت به إسرائيل خرابًا عميمًا في أشهر الحرب الوحشية عليه. والأهم من كل هذا وذاك، أن خيار اللجوء إلى القوة، قد لا ينتهي بنزع سلاح الحزب، وإنما بتسليح بقية الأحزاب والأطياف والطوائف اللبنانية، وتلكم نتيجة يخشاها معظم اللبنانيين، الذين استذكروا بالأمس القريب فقط، الذكرى المؤلمة لحافلة عين الرمانة، شرارة الحرب الأهلية قبل خمسين عامًا. تطوران إقليميان/ دوليان، قيد التشكل والتظهير، أثّرا، وسيؤثران على مسألة "السلاح" ومستقبله: الأول؛ نشأ إثر سقوط نظام الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الفائت، وما عناه ذلك، من انفراط عقد "المحور" بعد سقوط "واسطته"، وتجفيف مصادر وقنوات المال والسلاح التي تغذى عليها الحزب منذ نشأته، وكانت سببًا في بناء قوته واقتداره. وتشاء تطورات المشهد السوري أن تأتي إلى السلطة في دمشق، بفريق سياسي/ عقائدي، بينه وبين الحزب "ما صنع الحداد". بيد أن ذلك، لم يُسقط رهانات بعض أعضاء الحزب وأصدقائه، على أن التطورات السورية قد تعيد الاعتبار لسلاح الحزب من جديد، وتجدد الحاجة للاحتفاظ به والحفاظ عليه، ولقد لاحظنا بعد أحداث الساحل السوري، وما ترتب عليها من موجة نزوح "مذهبية" إلى قرى وبلدات بقاعية وشمالية في لبنان، وما سبقها ولحق بها، من مناوشات على الحدود السورية اللبنانية، أن البعض ظنّ أن بالإمكان حفظ هذا السلاح لمواجهة "التهديد" القادم من الشرق والشمال هذه المرة، وربما ظنّ هذا البعض كذلك، أن هذه السردية قد تفلح في تبديد مخاوف فريق من اللبنانيين: (مسيحيين ودروز وعلويين)، من استمرار الحزب بالاحتفاظ بسلاحه. لكن التطورات المتسارعة في المشهد السوري، وبالأخص بعد جولة ترامب الخليجية ورفع العقوبات عن سوريا، وقمة الشرع – ترامب برعاية سعودية – تركية، قد أضعفت هذا الرهان تمامًا، إن لم تكن قد أسقطته، ورأينا على النقيض من ذلك، أقاويل وتنبُؤات، تنتشر في أوساط لبنان السياسية والإعلامية، بأن ثمة توجهًا إقليميًا- دوليًا، لا يمانع في إعادة "تلزيم" لبنان لسوريا الجديدة، في استعادة غرائبية لفصل من فصول العلاقة بين البلدين، امتدت زمن حكم الأسدين، ولا سيما بعد مؤشرات إلى أن سوريا في طريقها لإبرام تفاهمات مع إسرائيل حول الوضع في الجنوب، واستعادة اتفاقية فك الاشتباك (1974)، وربما الالتحاق بالقطار الأبراهامي في محطةٍ لاحقة. ومن غرائب المشهد اللبناني، أن الذين قاوموا شعار الأسد عن "تلازم المسارين" اللبناني والسوري منذ اتفاق 17 مايو/ أيار بين لبنان وإسرائيل في ثمانينيات القرن الفائت، هم أنفسهم الذين يميلون للأخذ بهذا الشعار من جديد، ولكن في سياق إقليمي متغير، يراهن على أن ينتهي بانتهاء ظاهرة المقاومة والسلاح، والدخول في ترتيبات وتفاهمات، من "قماشة أبراهامية" كذلك، فهل هذا هو ما قصده الأميركيون وهم يتحدثون عن عدد من الدول العربية التي ستلتحق بالقطار الأبراهامي قريبًا؟ الثاني؛ ويتصل بمفاوضات مسقط بين إيران والولايات المتحدة، التي يَرقُبها الحزب بخاصة، ولبنان بعامة، بكل اهتمام بالنظر لتداعياتها المباشرة على راهن ومستقبل هذا البلد. فإن توّجت المفاوضات بالوساطة العُمانية، بالوصول إلى اتفاق يعيد دمج إيران بالمجتمع الدولي والنظام الاقتصادي والمالي العالمي، فإن "السلاح" سيكون قد تحرر من دوره "الإقليمي"، ويصبح شأنًا لبنانيًا منفصلًا عن تداعيات الإقليم ومحاوره وعلاقاته الشائكة، أما إن انتهى مسار مسقط إلى الفشل، وعادت طبول الحرب لتقرع من جديد، فإن من المرجح أن يطيل ذلك أمد الحسم، وقد يَبقى الحزب ولبنان عالقين بانتظار انقشاع غبار الحرب والضربات العسكرية التي ستكون خيارًا أوحدَ متاحًا أمام إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، كما تشير لذلك معظم المواقف والتقديرات. في مطلق الأحوال، يواجه الحزب في لبنان، ما تواجهه حماس في غزة: الضغط بورقة المساعدات والعقوبات وإعادة الإعمار، وهو سلاح أشد مضاءً من الحرب المباشرة، لا سيما أنه يستهدف البنى والأعيان المدنية لبيئة هذه الأطراف، ويلحق به أكبر الضرر وأشد المعاناة. ولقد بات واضحًا، وموضع إجماع نادر، عربيًا ودوليًا، أن قرار "الإفراج" عن لبنان، لن يُتخذ قبل أن يتخذ الأخير قرارين إستراتيجيين: أولهما، وأهمهما، نزع السلاح، وثانيهما، إجراء ما يلزم من إصلاحات مالية واقتصادية وتشريعية، تضع حدًا للفساد والإفساد والهدر وخراب الإدارة العامة. وإذا كان الحزب قد نجح في ختام حرب 2006، في إدارة معركة "جهاد البناء"، متوفرًا على ما يكفي من موارد من حلفائه، بالذات إيران، وفي ظروف لبنانية وإقليمية ودولية مواتية، فإن الحزب يقف اليوم عاجزًا عن إنجاز المهمة بقدراته الذاتية، أو بالاستناد إلى حلفائه، الذين تقطعت بهم سبل الوصول إليه وإمداده، تلكم معضلة، إن طالت واستطالت، ستخلق أزمة بين الحزب وبيئته، وستطعن في صدقية وعود التعافي والتعويض وإعادة الأعمار التي قطعها لجمهوره.. والمشهد اليوم، مختلفٌ تمامًا عمّا كان عليه قبل عشرين عامًا.

دعوات أممية ودولية للتحقيق في إطلاق نار على دبلوماسيين بجنين
دعوات أممية ودولية للتحقيق في إطلاق نار على دبلوماسيين بجنين

الجزيرة

timeمنذ 43 دقائق

  • الجزيرة

دعوات أممية ودولية للتحقيق في إطلاق نار على دبلوماسيين بجنين

دعت الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية إسرائيل إلى التحقيق في حادثة إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على وفد من الدبلوماسيين الأوروبيين والعرب أثناء زيارتهم أمس إلى مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش يعرب عن قلقه إزاء هذه التقارير التي تُفيد بأن جنودا إسرائيليين أطلقوا طلقات تحذيرية على الوفد الدبلوماسي، بمن فيهم موظفون من الأمم المتحدة. وشدد على وجوب عدم إطلاق النار على الدبلوماسيين الذين يؤدون عملهم أو مهاجمتهم، مضيفا "من الواضح أنه يجب دائما احترام سلامتهم وأنشطتهم الحيوية. وأي استخدام للقوة ضدهم أمر غير مقبول". ودعا دوجاريك السلطات الإسرائيلية إلى إجراء تحقيق شامل في الحادث، مؤكدا أنه ينبغي مشاركة النتائج مع الأمم المتحدة واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الأعمال. وكان وفد من 35 دبلوماسيا يقوم بجولة ميدانية أمس الأربعاء في محافظة جنين للاطلاع على الأوضاع الإنسانية فيها، وتعرضوا لإطلاق نار أثناء زيارتهم إلى مخيم جنين رغم أن الزيارة كانت منسقة مع الجيش الإسرائيلي. إدانات دولية وعقب الحادثة توالت الإدانات الدولية، حيث اعتبر رئيس الوزراء الكندي أن الطلقات التحذيرية بالضفة "مرفوضة بالكامل"، واستدعت الخارجية القطرية السفير الإسرائيلي في أوتاوا لمطالبته بإجابات. كما أعلنت المكسيك أمس أنها ستطلب "توضيحات" من إسرائيل في أعقاب الحادث، وقالت وزارة الخارجية المكسيكية إنه ليس هناك ما يفيد بأن الدبلوماسيين دخلوا إلى منطقة غير مرخص لهم الدخول إليها. وأعلنت وزارة خارجية أوروغواي أنها استدعت أمس الأربعاء السفيرة الإسرائيلية في مونتيفيديو"لتوضيح الحقائق المبلغ عنها" في أعقاب إطلاق جنود الاحتلال أعيرة نارية تحذيرية باتجاه الدبلوماسيين الأجانب. كما أعلنت وزيرة الخارجية الكندية أمس أنها طلبت من المسؤولين في السفارة استدعاء السفير الإسرائيلي "لإبلاغه بمخاوف كندا الجدية" وطالبت بتحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين عن الحادثة. بدوره قال الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هاميش فاكونر إن مثل هذه الأحداث "غير مقبولة" داعيا إلى "إجراء تحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين". وكذلك وصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الحادث بأنه "غير مقبول" واستدعت سفير إسرائيل في باريس للتوضيح، كما استنكرت وزارة الخارجية الألمانية ما وصفته "بإطلاق النار غير المبرر". وأعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أنها استدعت السفير الإسرائيلي في روما "للاحتجاج" و"طلب تفسيرات". من جهتها أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس علمها بالواقعة وحثت إسرائيل على التحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. وفي أنقرة، قالت وزارة الخارجية التركية إن إطلاق النار على الدبلوماسيين، وبينهم أتراك، "دليل آخر على تجاهل إسرائيل المنهجي للقانون الدولي وحقوق الإنسان". رفض عربي واستنكرت دول عربية إطلاق جنود الاحتلال النار على الوفد الدبلوماسي ودعت إلى محاسبة دولية وتوضيحات إسرائيلية، وذلك وفق مواقف رسمية صدرت عن السعودية وقطر ومصر والأردن وفلسطين، معتبرة أن ما جرى يمثل انتهاكا للقوانين والمواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية. وتأتي الواقعة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة والسماح بوصول المساعدات إلى السكان الذين يقول خبراء الأمم المتحدة إنهم على شفا المجاعة بعد حصار إسرائيلي استمر 11 أسبوعا.

"رابطة مكافحة التشهير" من الدفاع عن اليهود إلى الدفاع عن جرائم إسرائيل
"رابطة مكافحة التشهير" من الدفاع عن اليهود إلى الدفاع عن جرائم إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

"رابطة مكافحة التشهير" من الدفاع عن اليهود إلى الدفاع عن جرائم إسرائيل

منظّمة يهودية أميركية مستقلة، تأسست عام 1913. تعرّف نفسها بأنها منظمة حقوقية مدنية هدفها "وقف التشهير باليهود وضمان العدالة والمساواة للجميع"، وباتت من أقوى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، ولها دور بارز في توجيه الرأي العام وصياغة السياسة الوطنية، وأصبحت صوتا مؤثرا لدى الحكومة الأميركية والإعلام والمؤسسات التعليمية وأجهزة إنفاذ القانون والقطاع الخاص. تستخدم الرابطة نفوذها بقوة لدعم إسرائيل وإسكات الأصوات المناهضة لها ول جرائم الحرب و الإبادة الجماعية التي ترتكبها، وتعمل على قمع النشطاء والمنظمات المناصرة للحق الفلسطيني، من خلال المراقبة والتجسس غير القانوني والترهيب وتشويه السمعة واستخدام المال للضغط على المشرعين والتأثير في قراراتهم. وتصنف الرابطة نفسها "منظمة رائدة عالميا في مجال مناهضة الكراهية"، ولديها نحو 30 مكتبا في الولايات المتحدة الأميركية ، فضلا عن المقر الرئيسي في نيويورك ، ومكتب في إسرائيل ، ولها ممثلون في روما و موسكو ، وتدير شبكة من المنظمين وجماعات الضغط المحلية، وتتولى العديد من البرامج التدريبية والتعليمية. النشأة والتأسيس تأسست رابطة مكافحة التشهير في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة عام 1913، على يد المحامي سيغموند ليفينغستون، بدعم من منظمة بناي بريث، أقدم وأكبر منظمةِ خدمات يهودية في العالم، وكان الهدف من إنشاء الرابطة في حينها هو مكافحة "معاداة السامية". ويتصل إنشاء الرابطة بشكل مباشر بالأحداث المتعلقة بقضية ليو فرانك، الذي كان رئيسا لمنظمة بناي بريث في أتلانتا، وفي عام 1913، أُدين بقتل فتاة في الـ13 من عمرها، وعلى إثر تخفيف المحكمة حكم الإعدام الصادر بحقه، ثارت موجة غضب شعبي، انتهت بإقدام مجموعة منهم على شنقه. وقد دفعت "مظاهر التمييز والتحامل" التي أحاطت بالقضية ليفينغستون لتأسيس الرابطة، التي أراد من خلالها "وقف التشهير بالشعب اليهودي، عبر اللجوء إلى العقل والضمير، أو اللجوء إلى القانون إذا لزم الأمر"، وهو ما يضمن برأيه العدالة والمساواة للجميع. وانصبت جهود الرابطة في بداية نشأتها على التصدي للمجموعات العنصرية، ومحاربة الصور النمطية والتعبيرات المعادية للسامية، الصادرة عن وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية كالمسرح والسينما والصحافة. وراسلت الرابطة رؤساء تحرير الصحف في أنحاء الولايات المتحدة مطالبة إياهم بالامتناع عن استخدام أي عبارات مسيئة لليهود في منشوراتهم. وبعد مرور عقد على تأسيسها، كان تأثيرها قد تنامى، وفي أواخر عشرينيات القرن العشرين، مارست ضغوطا لإدانة صحيفة ديربورن إندبندنت، بعد نشرها وثيقة تزعم وجود مؤامرة يهودية وماسونية للسيطرة على العالم. واستعانت في حملتها ضد الصحيفة بالرئيس الأميركي آنذاك، وودرو ويلسون، إلى جانب شخصيات بارزة، مما أدى في نهاية المطاف إلى إغلاق الصحيفة وإجبارها على تقديم اعتذار رسمي. وحفّز اعتلاء أدولف هتلر السلطة في ألمانيا في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين ظهور جماعات فاشية في الولايات المتحدة، منها "البوند الألماني الأميركي" و"الجبهة المسيحية"، ولمواجهة التهديدات الناجمة عن انتشار هذه الجماعات، أطلقت الرابطة حملات توعية. ترسيخ الحقوق المدنية قادت رابطة مكافحة التشهير مع نهاية الحرب العالمية الثانية حملة داعمة لتشريع الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وانضمت إلى منظمات الحقوق المدنية الأخرى للمطالبة بإنهاء التمييز في السكن والتوظيف والتعليم، ودعمت كلا من قانون الحقوق المدنية الذي صدر عام 1964، وقانون حقوق التصويت الذي صدر عام 1965. وبذلت جهودا كبيرة لضمان الفصل بين الدين والدولة وحماية حقوق الأقليات الدينية في النظام التعليمي، إذ قدمت مذكرة قانونية للمحكمة العليا عام 1948 ضد مجلس التعليم، احتجت فيها على بعض "القوانين التمييزية"، مثل تطبيق نظام الحصص، الذي كان يحد من قبول الطلاب اليهود في الكليات والجامعات. مكافحة "معاداة السامية" ركزت الرابطة حتى سبعينيات القرن العشرين جهودها بشكل أساسي على متابعة نشاطات "المنظمات المتطرفة التقليدية المعادية للسامية"، وقد استعانت في مطلع الستينيات بمختصين في علم الاجتماع لإنجاز استطلاعات للرأي تقيس مستوى "المشاعر المعادية للسامية" في الولايات المتحدة. وأسفر المشروع عن مجموعة من الدراسات التي أصبحت مرجعا مهما في "معاداة السامية" في الولايات المتحدة، وأسهمت في إدانة المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 معاداة السامية ورفضه تحميل اليهود مسؤولية قتل المسيح. وفي سبعينيات القرن العشرين، باشرت رابطة مكافحة التشهير تطوير برامج تثقيفية موجهة إلى المدارس والجامعات والشركات وقوات الشرطة بهدف توعية الناس حول الهولوكوست. ومنذ نهاية ذلك العقد تُعد الرابطة مسحا سنويا لكافة أنواع "معاداة السامية" في الدولة، بما يشمل العنف والمضايقة والتهديد، وهذا التقرير السنوي من أهم أدوات التأثير لديها، إذ تعتمده وسائل الإعلام والحكومة على نطاق واسع لتقييم "معاداة السامية". وفي نهاية الثمانينيات شاركت في الضغط على الحكومة من أجل قانون إحصاء جرائم الكراهية، الذي صدر عام 1990، والذي يوجب تحديد دافع الجريمة سواء أكان عرقيا م دينيا أم توجه الضحية الجنسي، ثم توثيقه على قاعدة بيانات فدرالية، ويسمح بمشاركة تلك البيانات مع مسؤولي إنفاذ القانون في أنحاء البلاد. تقدم رابطة مكافحة التشهير دعما قويا للاحتلال الإسرائيلي، وتتصدى للأفراد والجماعات التي تنتقد سياسات إسرائيل واحتلالها الضفة الغربية وعدوانها على قطاع غزة. وصرح موظف في الرابطة لم يكشف عن هويته في تقرير لصحيفة غارديان البريطانية نُشر في 5 يناير/كانون الثاني 2024 بأن الرابطة لديها "تحيز لإسرائيل، ولديها أجندة لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين". وقد باشرت الرابطة دعمها لدولة الاحتلال منذ الخمسينيات من القرن العشرين، وسخرت نفوذها في الإعلام للدفاع عن إسرائيل، وبحلول السبعينيات، بات دورها في هذا الشأن أكثر وضوحا وبروزا. وبمرور الوقت تبنت مفهوما أوسع لمعنى "معاداة السامية"، إذ أصبح يتضمن معاداة الصهيونية ، وهكذا أصبح في نظرها "معاديا للسامية" كل من يعارض المبادئ التي تأسست عليها إسرائيل وينتقد سياساتها، بما في ذلك احتلال الضفة الغربية وغزة، ونظام إسرائيل القائم على الفصل العنصري وقمع الشعب الفلسطيني. ولتحقيق هذا المسعى تحالفت مع الجماعات المناصرة لإسرائيل، لا سيما المسيحيين الإنجيليين، الذين يدعمون الاحتلال لأسباب لاهوتية، فقد بنت علاقات وثيقة معهم، وأيدت دعمهم غير المشروط لفلسطين. وفي تقرير نُشر في 30 أغسطس/آب 2002 على موقع أخبار اليهود في شمال كاليفورنيا، كتب مدير الرابطة آنذاك أبراهام فوكسمان "لا ينبغي لليهود الأميركيين الاعتذار أو الدفاع عن أنفسهم بشأن تعزيز الدعم الإنجيلي لإسرائيل … ولحسن الحظ، فإن الدعم الإنجيلي ساحق ومستمر وغير مشروط". وفي حملة منظمة ومنسقة لإسكات أي خطاب ينتقد سياسات إسرائيل في قمع الفلسطينيين، تستهدف الرابطة بشكل مستمر جماعات التضامن مع القضية الفلسطينية، وتعمل على شيطنة الناشطين والمنظمات المدافعة عن الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة، وتصفهم بأنهم معادون للسامية، وتعمل على قمع نشاطاتهم وتأليب السلطات عليهم. ويشمل ذلك العرب الأميركيين والمسلمين واليهود الليبراليين والتقدميين وحركة "حياة السود مهمة"، وغيرها من الحركات المناصرة لفلسطين. وقد أبدت الرابطة استعدادا لانتهاك الحقوق المدنية، وتشويه سمعة نشطاء العدالة العرقية، وإلحاق الضرر بالحركات التقدمية من أجل تعزيز هدفها في ضمان استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القمعية دون رادع. وفي القمة الوطنية السنوية للرابطة عام 2022، قال رئيسها التنفيذي جوناثان غرينبلات "إن جماعات التضامن مع فلسطين هي الوجه الآخر لليمين المتطرف"، ووعد بأن محاربتها ستصبح أكثر مركزية في مهمته، وتوعد بمحاسبتها من خلال القضاء واستخدام نفوذ الرابطة الدعائي لدفع صناع القرار إلى اتخاذ إجراءات ضدهم. وقال في خطابه إن الرابطة تعتبر منظمتي " الصوت اليهودي من أجل السلام" و"الطلاب من أجل العدالة في فلسطين"، إضافة إلى "مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)" جماعات متطرفة. وكان هجومه على المنظمات بسبب دعواتها المناهضة لإسرائيل والصهيونية، وصرح في الخطاب نفسه بأن "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"، رغم أن المنظمة طالما أكدت سابقا أن معاداة الصهيونية ليست بالضرورة معاداة للسامية. مهاجمة حركات العدالة الاجتماعية تصف رابطة مكافحة التشهير نفسها بأنها منظمة حقوق مدنية، ولكنها في حقيقة الأمر كثيرا ما تعمل على تقويض الحقوق المشروعة لمجتمعات مثل السود والمهاجرين والمسلمين والعرب والفلسطينيين. وأدى انحياز الرابطة لإسرائيل إلى اتهامها بالتخلي عن رسالتها الأصلية في مجال الحقوق المدنية، وعدم تمييزها بين النقد المشروع لإسرائيل ومعاداة السامية، ودخلت في صراع مع جماعات عربية وإسلامية ومنظمات سلام ونشطاء مؤيدين للقضية الفلسطينية. وفي سبيل توجهها المنحاز لإسرائيل شقت لنفسها طريقا سياسيا، يتصادم في كثير من الأحيان مع تحقيق الحقوق المدنية، وبحسب حركة الصوت اليهودي من أجل السلام، فإن الرابطة "تقدم مخاوفها بشأن الحكومة الإسرائيلية على مخاوفها بشأن حقوق الإنسان". وقد دعمت الرابطة نظام الفصل العنصري، ووصفت حزب نيلسون مانديلا بأنه "معادٍ لإسرائيل ولأميركا"، ودعمت الإبادة الجماعية في غزة، وتغافلت عن حقوق الشعب الفلسطيني، ودأبت على تعزيز ظاهرة " الإسلاموفوبيا" في الولايات المتحدة، وتشويه سمعة العرب والمجتمعات العربية، لا سيما عندما نظّموا أنفسهم وأصبحوا قوة انتخابية في أميركا. وقمعت الرابطة الحركات المناهضة للعنصرية والمهاجرين وغيرها من الحركات التي تنادي بالعدالة الاجتماعية، وكثيرا ما هاجمت القادة السود الذين لديهم تاريخ طويل في دعم المجتمعات المهمشة. وردا على تحيزها المستمر ضد منظمات العدالة الاجتماعية، أطلقت مجموعة من المنظمات الثقافية والتقدمية وجماعات العدالة الاجتماعية والحريات المدنية وغيرها في عام 2020 حملة دعت مجتمع التقدميين إلى وقف التعامل مع الرابطة، وقد وصل عدد الجهات المنضمة للحملة حتى 21 أغسطس/آب 2024 نحو 300 مجموعة ومنظمة. إعلان وذكر الموقع الرسمي للحملة أن الرابطة "لديها تاريخ ونمط مستمر في مهاجمة حركات العدالة الاجتماعية التي تقودها مجتمعات من ذوي البشرة الملونة والمثليين والمهاجرين والمسلمين والعرب وغيرهم من الفئات المهمشة، مع تحالفها (الرابطة) مع الشرطة وقادة اليمين ومرتكبي عنف الدولة". التجسس والمراقبة غير القانونية تجسست الرابطة منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين لصالح الشرطة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، وتزايد نشاطها الاستخباراتي على مدى العقود اللاحقة. وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست ، نشر في أكتوبر/تشرين الأول 1993، كتب المدير الوطني السابق للرابطة، بنيامين إبستاين عام 1961 إلى مسؤول في منظمة "بناي بريث" أن الرابطة تتابع دبلوماسيين وناشطين عربا في أميركا، وتشارك معلوماتها مع حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة. وفي عام 1993 واجهت الرابطة دعوى قضائية جماعية، وتحقيقا من قِبل مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، بشأن شبكة استخبارات وطنية طورتها الرابطة على مدى عدة عقود، تضمّ "عملاء سريين" يتبادلون المعلومات بانتظام مع الشرطة ووكالات إنفاذ القانون الفدرالية. وشمل التجسس ما لا يقل عن 10 آلاف من الأميركيين، من ضمنهم أعضاء في الكونغرس وأميركيون عرب ونشطاء سياسيون ومعارضون لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وعلاوة على ذلك تجسست الرابطة على أكثر من 700 من منظمات حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والجماعات التي اعتبرتها الرابطة معادية للسامية أو معادية لإسرائيل. ووجدت شرطة سان فرانسيسكو عند تفتيش مكاتب للرابطة، وثائق تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، مثل: مواد سرية قانونية تتعلق بنشطاء سياسيين، ونسخ مسربة من تقارير إنفاذ القانون السرية، وبطاقات بصمات الأصابع، والتاريخ الجنائي الفردي المستمد من سجلات الشرطة. وفي عام 1999، أُغلقت القضية عبر تسوية مع المحكمة الفدرالية، مُنعت بموجبها الرابطة من الوصول بطريقة غير قانونية إلى معلومات عن موظفي الدولة والمسؤولين. ورغم ذلك، واصلت نشاطها التجسسي، وقد أثبتت مذكرة داخلية للرابطة أرسلت عبر البريد الإلكتروني في مايو/أيار 2020، تعقُبها أفرادا وتسجيل ملفاتهم الشخصية، وإرسال تقييمات تهديد لهم. وجاء في المذكرة التي كشفت عن فحواها صحيفة غارديان أن الرابطة جمعت معلومات عن الناشطة تاتيانا ريبيل، التي عملت في حملة التبادل القاتل، وهي حملة ضد برنامج تدعمه الرابطة، يقوم بإرسال مسؤولين من الشرطة الأميركية للتدريب مع الجيش الإسرائيلي. مصدر غير موثوق تضررت مصداقية الرابطة بشدة بصفتها منظمة للحقوق المدنية، بسبب موقفها المنحاز لإسرائيل، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي الذي بدأ على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد توصل محررو موسوعة ويكيبيديا في عام 2024 إلى أن رابطة مكافحة التشهير لم تعد موثوقة في المعلومات حول معاداة السامية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وصوتت الغالبية العظمى منهم لحظرها، بسبب تصرفها من موقع منظمة مناصرة لإسرائيل، وميلها إلى تصنيف ما يعتبرونه نقدا مشروعا "معاداة للسامية". وركز المحررون في تقييمهم لسلوك الرابطة، على الفترة التي أعقبت معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والعدوان الإسرائيلي اللاحق على غزة، وما نجم عنه من مظاهرات الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية. وقد عدّت الرابطة المظاهرات التي تُردد هتافات وشعارات معادية للصهيونية معادية للسامية، على الرغم من أن بعض هذه الاحتجاجات قادها أو حضرها يهود تقدميون، وكثير منهم ينتقدون إسرائيل. وفي تحليل أجرته منظمة فوروارد المستقلة، التي تُعني بالقضايا التي تهم اليهود الأميركيين، يتناول تقريرا للرابطة أصدرته مطلع عام 2024، ذكرت أكثر من 3 آلاف حادثة "معادية للسامية"، وقالت فوروارد إن نسبة كبيرة من الحوادث كانت تعبيرا عن العداء تجاه إسرائيل، وليست ضمن الأشكال التقليدية لمعاداة السامية. وكان نحو ثلثي الحوادث في التقرير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول مرتبطا بالحرب في غزة، بحسب ما أفادت المنظمة، وقد شكلت الحوادث التي وقعت في الحرم الجامعي أكثر من 500 حادثة، تضمنت هتافات تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية أو تدعو إلى فلسطين حرة. وقالت صحيفة تيارات يهودية (Jewish Currents) بعد تحليل بيانات تقرير الرابطة: "إن إعادة تقييم بيانات المنظمة سطرا بسطر يلقي الضوء على العيوب في منهجيتها"، وتوصل التحليل إلى أن "البيانات تضمنت تطبيقا خاطئا لمعايير المنظمة نفسها"، وقال إن الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية يشوّه البيانات. جماعة ضغط إسرائيلية تمارس رابطة مكافحة التشهير ضغوطا شديدة على الحكومة والمؤسسات التعليمية ووكالات إنفاذ القانون والشركات في الولايات المتحدة، من أجل تبني مفهوم يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وتضغط الرابطة على المدارس والحكومات الفدرالية والمحلية لقمع أنشطة المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في الولايات المتحدة، بما في ذلك الجماعات الطلابية وحركة "حياة السود مهمة" وجماعات يهودية مثل "صوت اليهود من أجل السلام" و"إن لم يكن الآن". وانضمت المنظمة إلى دعوات الجمهوريين في الكونغرس لإنفاذ القانون لإغلاق مخيمات التضامن مع غزة في الحرم الجامعي، بحجة أن هذه المخيمات هي بؤر للكراهية المعادية للسامية، ودعت إلى تدخل الشرطة لفض الاعتصامات. ودعمت تشريعات الكونغرس والولايات الهادفة إلى قمع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، الأمر الذي يعد غير قانوني، ويتعارض مع الحق في حرية التعبير المكفولة بالدستور الأميركي. وذكرت صحيفة غارديان في تقرير نشرته في 16 مايو/أيار 2024 "أنفقت رابطة مكافحة التشهير مبالغ قياسية في السنوات الأخيرة، للضغط على مشاريع قوانين يقول المعارضون إنها تهدف إلى معاقبة الانتقادات الموجهة لإسرائيل واستهداف جماعات السلام اليهودية وحقوق الفلسطينيين". ووافق مجلس النواب في أواخر أبريل/نيسان 2024 على قانون التوعية بمعاداة السامية، الذي ضغطت رابطة مكافحة التشهير من أجله، والذي يُقنن تعريفا لمعاداة السامية من شأنه أن يحد من حرية التعبير. وقد مُنحت الرابطة سلطة مراقبة المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فهي تُدقق في محتوى يوتيوب و غوغل ، وتعمل على تصفية المنشور على تويتر و فيسبوك و مايكروسوفت. وقد مارست ضغوطا لإصدار قرار حظر تيك توك، الذي وقّعه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2024، بحجة تجاهل المنصة منشورات اعتبرتها معادية للسامية ومحرضة على الكراهية منذ استحواذ إيلون ماسك عليها، وذلك على خلفية عدم حذف المنصة جميع المنشورات المُبلّغ عنها من قبل الرابطة، لعدم توافقها مع معايير المنصة. وقد أدى الحظر إلى تضرر المنصة، وقال ماسك إن إيراداتها تراجعت في الولايات المتحدة بنسبة 60%، بسبب ضغط الرابطة على المعلنين لسحب إعلاناتهم. دعم عسكرة الشرطة أطلقت الرابطة منذ عام 2004، برنامجا لتدريب مشترك مع الشرطة والجيش الإسرائيلي، يتم من خلاله إرسال وفود من عناصر إنفاذ القانون الأميركية بشكل دوري إلى إسرائيل لتلقي تدريبات من الشرطة والجيش الإسرائيليين. وقد ذكر تقرير الرابطة السنوي لعام 2016، أن جميع إدارات شرطة المدن الكبرى في الولايات المتحدة قد أرسلت مشاركين إلى إسرائيل ومدرسة التدريب المتقدم التابعة لها في مجال مكافحة الإرهاب. وفي أعقاب مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس عام 2020، بسبب استخدام القوة المفرطة، نقلت مذكرة داخلية مسربة أن بعض كبار قادة الرابطة ناقشوا ما إذا كان برنامج التدريب قد أدى إلى تفاقم وحشية الشرطة الأميركية، ورغم ذلك اكتفت الرابطة بوقف مؤقت للبرنامج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store