
عندما تشعل الخِيرة شموع الحيرة
بعض القرارات تستحق التريث والتفكير العميق بالفعل، لكن الإشكال يبدأ حين تتحول كل القرارات -مهما كانت- إلى حالة من الحيرة الثنائية، سواء أكان لها بديل حقيقي، أم كانت مجرد ثنائية مفتعلة بسبب قيود زمنية أو مالية أو نفسية. عندها يصبح الإنسان ضحية لهذا النمط من التفكير، الذي -وإن كان أحيانًا محفزًا للنضج- قد يجر وراءه صفات سلبية تعرقل المسير.
علينا أن نعترف بحقيقة بسيطة: كل قرار -خاصة المصيري- له احتمال النجاح والفشل. التفكير والتحليل والتخطيط أدوات ضرورية، بل وأساسية، لكنها ليست ضمانًا للنتيجة
صوت الندم المؤجل: حين نخاف من الخطأ أكثر من الفشل
أن تجد نفسك في حيرة بين خيارين ليس مجرد قلق عابر، بل هو في الغالب انعكاس لصوت داخلي يقول: "لا طاقة لي بندمٍ قد يأتيني لو اخترت هذا وضيّعت ذاك".
هذا الصوت لا يأتي من فراغ، بل من تراكم التجارب التي مر بها الإنسان، تجارب حفرت في ذاكرته آثارًا، وشكّلت لديه حساسية مفرطة تجاه الخطأ. فيغدو أسيرًا لتجاربه، يحاكم كل قرار على ضوء ما مضى، يخاف من التكرار، ويخشى السقوط مرة أخرى.
وقد لا تقتصر الحيرة على الاختيار بين خيارين، بل تمتد أحيانًا إلى التردد بين التغيير والثبات، بين المغامرة والبقاء، بين الرجاء والخوف من المجهول. وهنا، تتحول الحيرة من حالة عقلية إلى عبء نفسي ثقيل، يغذيها هوس بالمثالية، وتضخيم لنتائج المستقبل.
التفكير سبب النجاح أم بوابة الفشل؟
علينا أن نعترف بحقيقة بسيطة: كل قرار -خاصة المصيري- له احتمال النجاح والفشل. التفكير والتحليل والتخطيط أدوات ضرورية، بل وأساسية، لكنها ليست ضمانًا للنتيجة.
قد يبدو غريبًا أن يكون التفكير من أسباب النجاح، وهو في ذات الوقت أحد مداخل الفشل، لكن المسألة تتعلق بدرجة الاستخدام؛ فالتفكير المعتدل يفتح البصيرة، أما الإفراط فيه فقد يحبس الإنسان داخل دائرة لا تنتهي من التردد والخوف، كأن يُغرق نفسه في الحسابات، ويتوهم أنه اتخذ القرار الصحيح، بينما الحقيقة أنه كان رهينة للقلق لا العقل.
الخطأ الحقيقي ليس في النتيجة -فكل قرار قابل للتقويم- بل في أن نُخدع ونظن أننا قررنا بناءً على حكمة، بينما كنا نركض خلف هواجس متخفية في ثوب "التحليل العقلاني".
الحيرة بين أن تكون حكمة أو أن تكون غطاء
الحكمة والتأني صفتان نبيلتان.. لا شك، ومن يتحلّى بهما يُحسب له رجاحة العقل، ووزن الكلام، وحسن التدبير. لكن الحيرة حين تتحول إلى عادة، وتتكرر مع كل صغيرة وكبيرة، فإنها تتحول إلى نوع من القلق النفسي المرهق؛ يصبح الإنسان مشلولًا، لا يقوى على اتخاذ قرار، ولا يستطيع التراجع عنه.
الحكيم لا يُهلك نفسه في كل شاردة وواردة؛ فهو يعلم أن التقدير بيد الله، وأن جهده لا يعني بالضرورة تحقق ما يريد، فإن جاءته النتيجة كما تمنى حمد، وإن خالفته رضي.
حين تشتعل شموع التفكير وتحرق البيت
نعم، من مزايا الحيرة أنها توقظ فينا أدوات التفكير والبحث والمقارنة، لكنها أدوات وُجدت لتُستخدم بوعي وحدود.. تركها مشتعلة دون ضبط قد يؤدي إلى اشتعالها في غير موضعها، كشمعة سقطت على أثاث البيت فأحرقته.
حين نغرق في التفكير إلى الحد الذي نستهلك فيه أنفسنا وأعصابنا، فإننا لا نكسب وضوحًا، بل نخسر فرصًا وتجارب ربما كانت ستغيّر مجرى حياتنا.
كثير من الهواجس التي تتردد في أذهاننا ليست سوى أوهام، تغلفها مخاوف سابقة ومثالية زائدة، وقد لا نكتشف عبثها إلا حين نختبر الواقع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
وعكة صحية تؤجل حفل محمد منير بمهرجان العلمين
اضطر المغني المصري محمد منير إلى تأجيل مشاركته في النسخة الثالثة من مهرجان العلمين، حيث كان من المقرر أن يحيي حفلاً غنائيًا يوم 16 أغسطس/آب الجاري، وذلك نتيجة تعرضه لوعكة صحية في الفترة الأخيرة. وكشف منير الملقب جماهيريا بـ"الكينغ" أنه غادر المستشفى بعد استقرار وضعه الصحي، وطمأن جمهوره على حالته معلنا استعداده لتسجيل باقي أغنيات ألبومه الجديد. وجاء ذلك بعد ساعات من إعلانه تأجيل حفله في العلمين بسبب تعرضه لأزمة صحية، مشيرًا إلى أنه ما زال في مرحلة استكمال العلاج، وسيواصل قريبًا تسجيل بقية أغنيات الألبوم واستئناف نشاطه الفني، بما في ذلك الحفلات. وفي بيان رسمي، أعربت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عن تمنياتها بالشفاء العاجل لمنير، مؤكدة أنه يُعد أحد رموز الغناء المصري والعربي، وصاحب بصمة فريدة في قلوب ملايين المحبين داخل مصر وخارجها. وقد أفادت تقارير صحفية بأن منير، البالغ من العمر 70 عامًا، نُقل إلى المستشفى إثر تعرضه لأزمة صحية طارئة. وكان من المفترض أن يخضع لمتابعة طبية دورية، إلا أن انشغاله بتحضيرات ألبومه الجديد حال دون ذلك، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية. يُذكر أن منير كان قد افتتح النسخة الثانية من مهرجان العلمين في 12 يوليو/تموز 2024، حيث قدم مجموعة من أشهر أغنياته، من بينها "يونس" و"علموني عنيكي". وخلال السنوات الماضية، تعرض المطرب المصري -الذي انطلقت مسيرته منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي إلى العديد من الأزمات الصحية، استدعت سفره إلى الخارج لتلقي العلاج اللازم، حيث سافر إلى فرنسا وألمانيا أكثر من مرة، بسبب معاناته مع آلام الكبد والكلى، وهو ما أدى إلى زيادة ملحوظة في وزنه خلال السنوات الماضية، ونصحه الأطباء بضرورة التزام الراحة وعدم الإجهاد. وكانت آخر المشاركات الغنائية لمنير قبل أسابيع من خلال دويتو جمعه بالمغني تامر حسني بعنوان "الذوق العالي" من كلمات تامر حسين وألحان الراحل محمد رحيم. كما طرح في يونيو/حزيران الماضي أغنية "ملامحنا" التي حققت نسب استماع مرتفعة عبر مختلف المنصات الرقمية.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
22 شهيدا في قصف إسرائيلي لشقق سكنية وخيم نزوح بغزة
واصلت إسرائيل اليوم الخميس قصف المنازل وخيم النزوح في قطاع غزة ، مما أدى إلى سقوط 22 شهيدا، وفق حصيلة أولية. وأفادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد 22 عشر فلسطينيا في غارات على مناطق عدة بالقطاع منذ فجر اليوم. واستشهد 4 فلسطينيين، بينهم طفلتان، في قصف إسرائيلي على شقة سكنية غربي مخيم النصيرات وسط القطاع. كما استشهد 3 آخرون في قصف إسرائيلي على شقة سكنية بحي الشيخ رضوان شمالي غزة. وأعلن مجمع ناصر الطبي سقوط 6 شهداء في قصف من مسيرة إسرائيلية على خيمة نازحين بمنطقة المواصي غربي مدينة خان يونس جنوب القطاع. وأدت غارة إسرائيلية على شقة سكنية بمخيم الشاطئ إلى سقوط 4 شهداء. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية باستشهاد مواطن وزوجته وأبنائه جراء قصف الاحتلال منزلهم في المعسكر الغربي غرب مدينة خان يونس. وأشارت إلى استشهاد 5 مواطنين وإصابة آخرين من منتظري المساعدات شرق مدينة دير البلح وسط القطاع، بعد أن استهدفهم جيش الاحتلال منتصف الليلة الماضية. وفي تطورات أزمة المجاعة ، أفاد مجمع ناصر الطبي بوفاة طفل من مدينة خان يونس نتيجة سوء التغذية وعدم توفر العلاج. وذكر مدير الإغاثة الطبية في غزة للجزيرة أن القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة مساعدات يوميا لمواجهة المجاعة. من جهته، قال مسؤول بالاتحاد الأوروبي لرويترز، اليوم الخميس، إن الوضع الإنساني في غزة لا يزال خطيرا جدا، مبينا أن غياب بيئة عمل آمنة يقوض العمليات الإنسانية وإيصال المساعدات. وأوضح أن هناك تطورات إيجابية بشأن الاتفاق الذي توصل إليه التكتل الأوروبي مع إسرائيل الشهر الماضي بما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لغزة. وأضاف أن هذه التطورات تشمل توريد الوقود وإعادة فتح بعض الممرات وارتفاع عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يوميا وإصلاح بعض البنى التحتية الحيوية. ورغم الوعود الإسرائيلية والأميركية بإدخال المساعدات إلى المجوعين بغزة، لا يزال سكان القطاع يعانون مجاعة قاتلة أزهقت أرواح العشرات حتى اليوم. إعلان ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة 61 ألفا و158 شهيدا و151 ألفا و442 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ودمارا هائلا شمل معظم مدن القطاع.


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
دراسة: التلوث الكيميائي يشكل تهديدا مماثلا لتغير المناخ
حذّر علماء من أن التلوث الكيميائي يشكل تهديدا لازدهار البشر والطبيعة، وهو تهديد مماثل للاحتباس الحراري وتغير المناخ، لكنه لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام والوعي العام، ولا تتخذ تدابير جدية لاحتوائه. وأفادت دراسة جديدة أجرتها مؤسسة "ديب ساينس فينتشرز" (DSV) بأن الاقتصاد الصناعي قد أوجد أكثر من 100 مليون مادة كيميائية جديدة، أي غير موجودة في الطبيعة، منها ما بين 40 ألفا و350 ألفا تعتبر قيد الاستخدام والإنتاج التجاري على نطاق واسع. ولا تحظى الآثار البيئية والصحية لهذا التلوث الواسع النطاق للمحيط الحيوي باهتمام كبير حسب الدراسة، على الرغم من تزايد الأدلة التي تربط السمية الكيميائية بمسببات أمراض كثيرة، من بينها العقم والسرطان. وقال هاري ماكفيرسون، كبير الباحثين في شؤون المناخ في "ديب ساينس فينتشرز" لصحيفة الغارديان: "أعتقد أن هذه هي المفاجأة الكبرى بالنسبة لبعض الناس". وفقا للتقرير، يوجد في أجسام البشر أكثر من 3600 مادة كيميائية صناعية من المواد الخاصة بإعداد الأطعمة، وهي المواد المستخدمة في تحضير الطعام وتغليفه، من بينها 80 مادة مثيرة للقلق على نحو شديد. ويُستخدم أكثر من 16 ألف مادة كيميائية في البلاستيك، الذي يستخدم لحفظ الأغذية غالبا بما في ذلك الحشوات والأصباغ ومثبطات اللهب والمثبّتات، وقد قُدِّر الضرر الصحي الناجم عن 3 مواد كيميائية بلاستيكية فقط، وهي ثنائي الفينيل متعدد الكلور، وثنائي الفينول "أ"، وثنائي إيثيلين هيدروكلوريد (DEHP) بنحو 1.5 تريليون دولار سنويا. وعُثر على مركبات "المواد الكيميائية الدائمة" (PFA) في جميع البشر الذين خضعوا للاختبار تقريبا، وهي الآن منتشرة في كل مكان حتى أن مياه الأمطار تحتوي في العديد من المواقع على مستويات تُعتبر غير آمنة للشرب. وفي الوقت نفسه، يتنفس أكثر من 90% من سكان العالم هواء يخالف إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن التلوث. وعندما تُلوِّث هذه المواد الكيميائية الهواء وأجسام البشر فقد تكون النتائج كارثية، حسب الدراسة. وكشفت الدراسة وجود علاقة ارتباطية أو سببية بين المواد الكيميائية المُستخدمة على نطاق واسع وتأثيرات تُصيب الأجهزة التناسلية، والمناعية، والعصبية، والقلبية، والتنفسية، وكذلك وظائف الكبد، والكلى، والأيض لدى البشر. وقال ماكفيرسون: "من أبرز النتائج التي برزت بقوة هي الروابط بين التعرض للمبيدات الحشرية ومشاكل الإنجاب. لقد رصدنا روابط قوية بين الإجهاض وصعوبة الحمل لدى بعض الأشخاص". وتضاف نتائج الدراسة إلى النتائج السابقة لمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، والتي تُشير إلى أننا تجاوزنا بالفعل الحدّ الآمن للكوكب فيما يتعلق بالملوثات البيئية، بما في ذلك البلاستيك بأنواعه وخصوصا الجسيمات الدقيقة منه. وقبيل مفاوضات دولية حول وضع "معاهدة البلاستيك" تجري في جنيف بسويسرا، حذّر تقرير آخر من أن العالم يواجه "أزمة بلاستيك"، تُسبب الأمراض والوفيات من الطفولة إلى الشيخوخة، وسط تسارع هائل في إنتاج البلاستيك. وسلطت الدراسة الضوء أيضًا على أوجه القصور الحرجة في أساليب تقييم السمية والبحث والاختبار الحالية، وكشفت عن الطرق التي تفشل فيها الضوابط والتدابير الحالية في حماية صحة الإنسان والكوكب. وقال ماكفيرسون: "إن الطريقة التي أجرينا بها الاختبارات عادةً أغفلت الكثير من التأثيرات". وأشار تحديدًا إلى تقييم المواد الكيميائية المُعطِّلة للغدد الصماء، وهي مواد تتداخل مع الهرمونات، مُسببةً مشاكل تتراوح من العقم إلى السرطان. وقد وُجد أن هذه المواد تُدحض الافتراض التقليدي بأن الجرعات المنخفضة تُقلل من التأثيرات حتمًا. ولا تحظى السمية الكيميائية بالاهتمام كقضية بيئية، أو مقارنة بالتمويل المخصص لتغير المناخ، وهو تفاوت يرى ماكفيرسون أنه ينبغي تغييره. وقال: "من الواضح أننا لا نريد تمويلا أقل للمناخ والغلاف الجوي. لكننا نعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التقدير والاهتمام".