logo
"الوخز بالإبر".. ظاهرة غامضة تُقلق فرنسا وتُهدد الاحتفالات ووسائل النقل العام

"الوخز بالإبر".. ظاهرة غامضة تُقلق فرنسا وتُهدد الاحتفالات ووسائل النقل العام

الشرق السعودية٠٧-٠٧-٢٠٢٥
تشهد فرنسا ظاهرة تثير قلق الناس والسلطات الأمنية والصحية، تتمثل باعتداءات تحدث في مناطق عامة من خلال قيام مجهولين بوخز ضحاياهم، وسط مخاوف من أن تكون هذه الأدوات ملوّثّة بأوبئة أو جراثيم، أو مواد مؤذية، وهو ما دفع وزارة العدل إلى طلب "ردود جنائية سريعة وحازمة".
وبينما أعلنت السلطات توقيف 12 شخصاً بتهمة ارتكاب هذا النوع من الاعتداءات، يرتفع مستوى القلق مع بدء فصل الصيف والعُطلات وتنظيم المهرجانات والحفلات، بما فيها احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، وما يرافقه من تجمعات كبيرة في مختلف أرجاء البلاد، وخاصة جادة الشانزليزيه بالعاصمة باريس،
ورغم أن هذه الظاهرة بدأت عام 2022، إلا أنها تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة، إذ أُبلغ عن حالات وخز في حفلات مهرجان "عيد الموسيقى" التي أقيمت في 21 يونيو الماضي، ومهرجان "برانتان دو بورج"، وكذلك نوادٍ ليلية بمدن فرنسية عدة، من بينها العاصمة باريس، وبيزييه، وجرونوبل، ونانت، وبيريجو، وغيرهم.
وبحسب وسائل إعلام فرنسية، قُدّمت شكاوى من شبان وشبات عن تعرضهم لوخز بالإبر، ما دفع السلطات القضائية إلى فتح تحقيقات بهذه الحوادث، وسط تصاعد القلق الشعبي، خاصة بين الذين يستخدمون وسائل النقل العام في تحركاتهم مثل القطارات، حيث تم الإبلاغ عن حصول اعتداءات مشابهة.
وخلال احتفالات عيد الموسيقى في يونيو، انتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتنفيذ هجمات وخز واسعة، ولاسيما ضد النساء والفتيات، وفي اليوم التالي لانطلاق المهرجان أبلغ 145 شخصاً عن تعرضهم للوخز، إلا أن الشرطة لم تستطع تأكيد ما إذا تعرضوا حقاً لأي حالات حقن، ولم تُوجّه أي اتهامات لأي مشتبه بهم، خاصة من تناقلوا الدعوات عبر صفحاتهم على مواقع التواصل.
وانتشرت بعض الشهادات لشبان وفتيات عن تعرضهم للوخز، وقالت إحداهن: "لقد تعرّضتُ لوخز في عيد الموسيقى"، وكانت تتحدث بنبرة مقتضبة ومُتعَبة مضيفة أنه "في لحظة ما، مرّ أحدهم بجانبي، وشعرتُ بلسعةٍ لاذعة".
وتداول البعض مقاطع لأنفسهم على أسرّة المستشفيات، وقال أحدهم :"أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بحفلةٍ رائعة.. أنا شخصياً لم أستمتع بها".
أعراض الإصابة بالوخز
خلال دراسة شملت عدة مئات من بين 1200 شخصاً اشتكوا عام 2024 أنهم تعرضوا للوخز، تبين ظهور أعراض متنوعة على المُصابين.
وفي البداية، شعر بعض الضحايا بالوخز في الذراع أو الفخذ، ثم لاحظوا ظهور علامات، أحياناً لونها زرقاء. كما ظهرت لدى آخرين أعراضٌ مختلفة بعد ذلك، مثل الدوخة، أو "الهبات الساخنة"، أو الصداع الشديد.
وفي حديث لـ"الشرق"، أشار البروفسور جوزف بكاش المختص بالأمراض المعدية إلى أنه لم يتم التحقق بعد مما إذا حصلت بالفعل عمليات حقن، ولا سيما للفتيات، لأن الفحوصات السريرية والمخبرية لم تمكنهم من الحصول على إثباتات.
وقال بكاش إن "المهمة الأصعب بالنسبة لنا هي متابعة نوع الإبرة المُستخدمة في الوخز، خاصة أن هناك حُقن يمكن أن تنقل أمراضاً معدية ومزمنة، مثل الإيدز والتهاب الكبد فئة B، وهذه أمراض يمكن أن تنتقل عبر الدم".
وأضاف: "الخوف الحقيقي بالنسبة لنا يبقى في القطارات التي يستخدمها ملايين المواطنين يومياً، في كل أنحاء فرنسا"، لافتاً إلى أنه في حال تعرض أحدهم للوخز في القطار في ساعات الزحمة، فإنه من الصعب معرفة من قام بذلك.
وتابع: "نحن نواصل إجراء الفحوصات المخبرية التي تستلزم المراقبة الدائمة وتأخذ وقتاً لمعرفة المادة التي تم حقنها، إذا ما تم التأكد من أن الوخز قد حصل".
وأوضح بكاش أنه على خلاف المخدرات، بعض المواد القابلة للحقن يصعُب كشفها. كما أعرب عن مخاوف من أمر خطير يتمثل في الوخز بإبر مستعملة ربما تكون ملوثة.
ردود جنائية سريعة ودعم للضحايا
في إطار ردة الفعل الرسمية، أعلن وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانين، أنه طلب من جميع المدّعين العامين ورؤساء المحاكم، تقديم "ردود جنائية سريعة وحازمة" بشأن ظاهرة الوخز.
ودعا في تعميم نشرته وسائل الإعلام إلى رد سريع من السلطات لمواجهة هذا الظاهرة، واتخاذ "إجراءات تحقيق محددة فور وقوع الحوادث لضمان الحفاظ على الأدلة اللازمة".
وفيما يتعلق بحالات الاشتباه في حصول وخز بمواد كيميائية، طلب وزير العدل عدم التساهل ومساعدة كل من يتعرض لاعتداء بأن تتم متابعته من قبل المختصين، مشيراً في التعميم نفسه إلى أن "أجهزة التحقيق تتمتع بإمكانية الوصول الفوري إلى مختبر تحليل السموم التابع للدائرة الوطنية للطب الشرعي ومعهد البحوث الجنائية التابع للدرك الوطني".
وأكد دارمانين على ضرورة دعم الضحايا، قائلاً: "يجب أن يكون الاهتمام بالضحايا، سواء كانوا بالغين أو قاصرين، في جميع مراحل الإجراءات، ويتطلب إنشاء سلسلة دعم شاملة ومتعددة التخصصات لتشجيعهم على تقديم شكاوى وضمان دعمهم طوال العملية القضائية"، مشدداً على أن يتبع ذلك استجابات جنائية "سريعة وحازمة".
وأضاف: "إذا أشارت التحاليل التي أُجريت على الضحايا إلى حقنهم بمواد، فسيكون من المناسب الإبقاء على جريمة إعطاء مواد ضارة محل اهتمام القضاء لمحاسبة الفاعلين والمرتكبين. أما في حالة ثبوت اللدغة من دون تحديد أي مادة ضارة، فإنه يجوز اعتبار ما حصل في خانة جريمة العنف المتعمد باستخدام سلاح".
بلديات قلقة وإجراءات محدودة
بعض رؤساء البلديات في فرنسا رأوا في ما يحصل "مصدر قلق حقيقي لمنظمي الحفلات والمهرجانات".
وفي تصريح لـ"الشرق"، أعرب رئيس بلدية مدينة شاتو (غرب باريس) ميشال جرويي، عن قلق كبير، لا سميا وأن الإبلاغ عن إصابات بالوخز تزداد كل عام.
وتستعد شاتو لتنظيم مهرجان "Electric Park" في أغسطس المقبل، والذي يستقبل الآلاف سنوياً، ويُعد من أكبر المهرجانات لهذا النوع من الموسيقى في فرنسا.
وبشأن الإجراءات التي يتم اتخاذها لمنع مثل هذه الاعتداءات، اعترف جرويي أنه من الصعب جداً اتخاذ إجراءات تمنع ذلك، نظراً "لعدم معرفتنا بنوع الحقن، وأيضاً يمكن استخدام حقن صغيرة جداً مثل دبوس أو غيره، لذلك".
وأضاف: "لذلك بدأنا بإعداد وتدريب رجال الشرطة على إجراءات تفتيش غير روتينية، للحيلولة، قدر الإمكان، دون وقوع حوادث من هذا النوع، خاصة وأنه في عام 2022 استطعنا، وبناء على بلاغات من شبان في المهرجان، توقيف شخصين يحملان الجنسية البرازيلية بتهمة القيام بهذه الاعتداءات، إلا أن التحقيقات لم تثبت تورط أي منها".
ولفت رئيس بلدية شاتو إلى أن "الشرطة عثرت مع الشابين على قارورة تحتوي على سائل أخضر، لكن لم يكن في حوزتهما أي حُقن، كما تعذر تحليل السائل لإثبات ما إذا كان يحتوي على مواد مخدرة أو مُعدية".
وبالنسبة إلى من ادعوا تعرضهم لعمليات وخز، قال: "شاهدنا على أجساد بعض الشابات والشبان نوع من اللسعات والنقاط الحمراء، إلا أن الفحوصات لم تُثبت تعرضهم لأي مادة كيمائية أو مخدرة أو إصابتهم بأمراض مُعدية".
تطبيقات للإبلاغ الفوري عن الاعتداءات
ولمعالجة وتطويق ما يمكن أن يحصل من اعتداءات بالوخز، بدأ منظمو المهرجانات باللجوء إلى تطبيقات للمراقبة والمعالجة السريعة.
وهذه الاستجابة أدت إلى تراجع القلق لدى رواد الاحتفالات والمهرجانات.
وأشار رئيس بلدية شاتو إلى أنه تم وضع نظام "Safer"، الذي يوفر تطبيقاً يتيح الإبلاغ عن أي هجوم فوراً أو إطلاق تنبيه. ثم بعد ذلك، يتوجه أعضاء الفريق لمقابلة الضحية المحتملة لمساعدتها. حيث يُرافقونها إلى منطقة استقبال بوجود أخصائي نفسي طوال فترة المهرجان.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل «تأسف» لقرار القضاء الفرنسي الإفراج عن جورج عبد الله
إسرائيل «تأسف» لقرار القضاء الفرنسي الإفراج عن جورج عبد الله

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

إسرائيل «تأسف» لقرار القضاء الفرنسي الإفراج عن جورج عبد الله

أبدت السفارة الإسرائيلية في باريس «أسفها» لقرار القضاء الفرنسي، اليوم الخميس، الإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبد الله، بعد سجنه 40 عاماً في قضية اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وآخر أميركي في باريس. وقالت السفارة، في بيان، إن جورج عبد الله «إرهابي مسؤول عن قتل الدبلوماسي الإسرائيلي ياكوف بار سيمان توف على مرأى من زوجته وابنته، والدبلوماسي الأميركي تشارلز راي. ينبغي أن يمضي إرهابيون كهؤلاء، أعداء العالم الحر، حياتهم في السجن»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ونفى جورج إبراهيم عبد الله دوماً الاعتراف بهاتين الجريمتين، ورفض توصيف ما حصل بأنه عمل إرهابي؛ إذ وضعه في خانة أعمال «المقاومة» ضد «القمع الإسرائيلي والأميركي»، في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978. ويفترض أن ينهي جورج عبد الله رحلةً دامت 41 عاماً في السجون الفرنسية، جعلت منه أقدم سجين في سجون فرنسا، وأحد أقدم السجناء في العالم، بعد أن حُكم عليه عام 1984 بالسجن المؤبد في قضايا جنائية، منها اغتيال ومحاولة اغتيال دبلوماسيين على الأراضي الفرنسيّة.

محكمة الاستئناف الفرنسية تتيح إطلاق جورج إبراهيم عبد الله وترحيله إلى لبنان
محكمة الاستئناف الفرنسية تتيح إطلاق جورج إبراهيم عبد الله وترحيله إلى لبنان

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

محكمة الاستئناف الفرنسية تتيح إطلاق جورج إبراهيم عبد الله وترحيله إلى لبنان

إذا لم يحصل أمر طارئ، فإن اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، المسجون في فرنسا منذ العام 1984، سيكون طليقاً يوم الجمعة 25 يوليو (تموز) بأمر من محكمة الاستئناف في باريس التي استجابت لطلب إطلاقه المقدم منه عبر محاميه جان لويس شالانسيه. وبذلك يكون القضاء قد صحح، أخيراً، خطأ بحق عبد الله الذي كان يحق له الخروج المشروط من السجن منذ العام 1999، إلا أن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ومجموعات الضغط الموالية لهما حالت دون ذلك رغم الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية على أعلى المستويات والمساندة التي لقيها من لجنة الدعم، ومن العديد من السياسيين اليساريين، لا بل أيضاً من رجال قضاء وقانون سابقين. وكان موقع «ويكيليكس» نشر وثائق أظهرت أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، نشطت في العام 2013 لمنع إطلاق سراح عبد الله بعد موافقة محكمة الاستئناف على إطلاق سراحه شرط أن يصدر أمر عن وزير الداخلية الفرنسي لترحيله. لذا، اتصلت كلينتون بنظيرها الفرنسي، لوران فابيوس، في محاولة لإيجاد مسوغ قانوني يستجيب لمطلبها. وكانت النتيجة أن مانويل فالس، وزير الداخلية الاشتراكي وقتها الذي أصبح لاحقاً رئيساً للحكومة، لم يوقع قرار الترحيل، وبالتالي ظل عبد الله في السجن. اثنتا عشرة محاولة فاشلة قام بها عبد الله البالغ من العمر اليوم 74 عاماً خلال السنوات الماضية. وبحسب أوساط قضائية فرنسية، فإن الحجج الحكومية تفاوتت بين خطورة الإفراج عنه، أو فرض شروط تعرقله، أو يصعب على السجين الاستجابة لها. جانب من سجن لانزمان في جنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب) وعلى سبيل المثال، فقد ربطت محكمة الاستئناف في شهر فبراير (شباط) الماضي قرار إطلاق سراحه بأن يعمد إلى دفع تعويضات للضحايا الذين سقطوا أو أصيبوا بسببه. وكان ذلك يعني، عملياً، أن يقدم تعويضات مالية للحكومة الأميركية ولإسرائيل، الأمر الذي رفضه بشكل مطلق باعتبار أن عمله الثوري كان موجهاً، منذ البداية، ضد هاتين الدولتين، وأن حكم السجن المؤبد الذي صدر بحقه في العام 1987 كان بسبب إدانته في قتل الملحق العسكري الأميركي تشارلز راي والدبلوماسي الإسرائيلي ياكوف بارسيمتنتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال القنصل الإسرائيلي في مدينة ستراسبورغ في العام 1984. وفي أي حال، نفى جورج إبراهيم عبد الله دوماً الاعتراف بهاتين الجريمتين، ورفض توصيف ما حصل بأنه عمل إرهابي، إذ وضعه في خانة أعمال «المقاومة» ضد «القمع الإسرائيلي والأميركي» في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978. محامي جورج إبراهيم عبد الله خارجاً من قاعة محكمة الاستئناف الخميس بعد قرار المحكمة الموافقة على خروجه من السجن شرط أن يُرحّل إلى لبنان (إ.ب.أ) وتميز حكم إطلاق سراحه الجديد عن الحكمين السابقين بأن الشرط الوحيد المفروض عليه تلبيته هو مغادرة الأراضي الفرنسية إلى غير رجعة. والملاحظة الثانية أن بوسع النيابة العامة الطعن بقرار محكمة الاستئناف ونقل الملف إلى محكمة التمييز. غير أن هذه الإمكانية لا تعني وقف تنفيذ قرار محكمة الاستئناف. مما يعني أنه لا شيء، عقلانياً وعملياً، يمكن أيضاً أن يحول دون إطلاق سراحه هذه المرة. إذا سارت الأمور على هذا النحو، فمن المقرر أن يغادر سجنه القائم في بلدة لانزمان في مقاطعة هوت-بيرينه بجنوب غربي فرنسا، وقريباً من الحدود الإسبانية. ولإقناع فرنسا، تكفل لبنان، خطياً ومنذ فترة طويلة، لدى محكمة الاستئناف بتحمل أعباء نقل السجين المحرر إلى لبنان. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصادر لم تسمها أن عبد الله سوف ينقل من سجنه إلى مطار مدينة تارب الواقعة جنوب البلاد إلى مطار رواسي-شارل ديغول «شمال باريس» حيث سيستقل رحلة متجهة إلى بيروت. ومع رحيله، تكون فرنسا قد «خسرت» أحد أقدم سجنائها. وما يبرر إطلاق سراحه اليوم، إضافة إلى الجوانب القانونية، كون إبقائه في السجن يخالف هذه القوانين، أن عبد الله، مع مرور أربعين عاماً من وجوده وراء القضبان، قد تحول إلى «عبء» على السلطات الفرنسية، فهو بات يحظى بدعم متزايد من نواب يساريين، ومنهم من لا يتردد في زيارته في سجنه مثل النائب عن كتلة «فرنسا الأبية» أريك كوكريل. سجن لانزمان الواقع جنوب غربي فرنسا قريباً من الحدود الفرنسية-الإسبانية حيث أمضى جورج إبراهيم عبد الله سنوات طويلة في إحدى زنزاناته (أ.ف.ب) واللافت أكثر أنه أخذ يحظى بدعم من شخصيات بعيدة كل البعد عن اليسار، ومنها إيف بونيه، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الفرنسية، أو ألان مارسو، القاضي المعروف المتخصص في قضايا الإرهاب الذي أبدى أيضاً تأييده للإفراج عن عبد الله. وعد محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه، مباشرة بعد خروجه من الجلسة المغلقة لمحكمة الاستئناف أن القرار «انتصار قضائي (من جهة) وفضيحة سياسية (من جهة ثانية) في أنه لم يخرج (من السجن) في وقت سابق، بسبب سلوك الولايات المتحدة وجميع الرؤساء الفرنسيين». أما «مجموعة الدعم» فقد رأت في القرار «انتصاراً» لـعبد الله، وهو ما اعتبره أيضاً توم مارتن، العضو في مجموعة «فلسطين ستنتصر». ففي نظره أن عبد الله «بقي على الدوام، رغم اعتقاله أربعين عاماً، وفياً لمبادئه السياسية، ولهويته...». حقيقة الأمر أن عبد الله لم يدفع «ثمن ما قام به، بل أيضاً ثمن ما نسب إليه، ولم يكن مسؤولاً عنه. ففي العام 1985 وما بعده، حصلت عدة أعمال إرهابية في فرنسا، وأشهرها عملية في عام 1986، في باريس، في شارع رين الواقع في قلب العاصمة والتي أوقعت 13 قتيلاً والعديد من الجرحى. ودارت حملة إعلامية حملت عبد الله الموقوف في السجن منذ العام 1984 مسؤولية ما حصل بحيث تحول إلى «العدو رقم واحد» للشعب الفرنسي. مظاهرة في باريس الأربعاء للمطالبة بالإفراج الفوري عن جورج إبراهيم عبد الله (رويترز) وفي هذا السياق، حوكم أمام محكمة الجنايات الخاصة التي قضت بسجنه مدى الحياة. ولكن بعد شهرين من الحكم الثقيل الصادر بحقه تبين أن مسؤولية الأعمال الإرهابية تعود لإيران، ولا علاقة لعبد الله بها. كذلك تتعين الإشارة إلى أن المخابرات الفرنسية كانت تريد أساساً استخدامه ورقة للمقايضة من أجل إطلاق سراح رهائن فرنسيين محتجزين في لبنان، وتحديداً جيل بيرو، مدير المركز الثقافي في طرابلس، إذ لم يكن بحوزة القضاء الكثير ضده، بل فقط حيازته جوازي سفر مزورين. لكن الأمور تبدلت بعد اكتشاف أسلحة في شقة كان يشغلها في مدينة ليون، وتبين أنها استخدمت في اغتيال الأميركي والإسرائيلي. وقبل توقيفه، كان عبد الله يظن أن المخابرات الإسرائيلية (الموساد) كانت تلاحقه، بينما الحقيقة أن المخابرات الفرنسية هي التي كانت تتابعه. وعبد الله المولود في قرية في منطقة عمار «شمال لبنان» انخرط في العمل السياسي باكراً، وتنقل في العديد من الأحزاب والمنظمات الفلسطينية قبل أن يؤسس مع مجموعة من معارفه وأقربائه «الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية»، ويختار العمل العسكري. وجاء قرار محكمة الاستئناف أن عبد الله بات «رمزاً من الماضي للنضال الفلسطيني، وأن مجموعته باتت منحلة، ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984».

أمرت فرنسا بالإفراج عنه بعد 40 عاما من سجنه.. من هو جورج عبدالله؟
أمرت فرنسا بالإفراج عنه بعد 40 عاما من سجنه.. من هو جورج عبدالله؟

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

أمرت فرنسا بالإفراج عنه بعد 40 عاما من سجنه.. من هو جورج عبدالله؟

أمر القضاء الفرنسي، الخميس، بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبدالله الذي حكم عليه العام 1987 في قضية اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وآخر أميركي في باريس، ويعتبر من أقدم السجناء في أوروبا. وسيفرج عن عبدالله في 25 تموز/يوليو الحالي بعد أربعين عاما أمضاها خلف القضبان. وأصدرت محكمة الاستئناف قرارها في جلسة غير علنية في قصر العدل في باريس في غياب جورج إبراهيم عبدالله البالغ 74 عاما والمسجون في لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه بجنوب فرنسا. وفي لبنان، أعرب شقيقه روبير عبدالله عن "سعادته" بالقرار "بعدما جرت عرقلة إطلاق سراحه أكثر من مرة"، مؤكدا أنه لم يتوقع أن "يأتي يوم يصبح فيه حرا". مدى الحياة وحُكم على جورج إبراهيم عبد الله البالغ حاليا 74 عاما، سنة 1987 بالسجن مدى الحياة بتهمة الضلوع في اغتيال دبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي عام 1982. وبات مؤهلا للإفراج المشروط منذ 25 عاما، لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه رُفضت كلها. وفي أثناء محاكمته بفرنسا، قال جورج مقولته المشهورة: "أنا مقاتل ولست مجرماً"، مؤكداً أن اختياره هذا الطريق كان "رداً على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين"، وأن ما فعله "مقاومة". ولم تعرف تفاصيل الإفراج عنه في 25 من الشهر، لكن إطلاق سراحه مشروط بأن يغادر الأراضي الفرنسية ولا يعود إليها. ومن المتوقع بحسب عدة مصادر قبل الجلسة أن تقتاد قوات حفظ النظام عبدالله إلى مطار تارب (جنوبا) قبل نقله إلى مطار رواسي بضاحية باريس، من حيث سيستقل رحلة إلى بيروت. وكان لبنان الذي يطالب السلطات الفرنسية منذ سنوات بإطلاق سراحه، أكد لمحكمة الاستئناف في وثيقة خطية أنه سيتكفل بتنظيم عودته إلى البلد. ومن الممكن للنيابة العامة الطعن في قرار محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز، لكن هذا لن يعلق تنفيذ الحكم ولن يمنع بالتالي جورج عبد الله من العودة إلى لبنان. ولم يكن سبب هذا الاهتمام قضية اغتيال الدبلوماسيين، بل لأنه اعتبر لفترة طويلة مسؤولا عن موجة اعتداءات شهدتها باريس في 1985-1986 وأوقعت 13 قتيلا ناشرة الخوف في العاصمة الفرنسية. وبعد شهرين من الحكم على عبد الله بالسجن مدى الحياة، تم التعرف على المسؤولين الحقيقيين عن هذه الاعتداءات وهم على ارتباط بإيران. ولم يُقرّ جورج عبد الله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال "المقاومة" ضد "القمع الإسرائيلي والأميركي" في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978. وجاء في الحكم أن عبد الله بات "رمزا من الماضي للنضال الفلسطيني"، مشيرا إلى أن المجموعة الصغيرة التي كان يتزعمها عبد الله وتضم مسيحيين لبنانيين علمانيين وماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين تحت اسم "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، باتت منحلة "ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984". من هو؟ وُلد جورج إبراهيم عبد الله في عام 1951 ببلدة القبيات الشمالية من عائلة لبنانية مارونية متوسطة، وكان والده عنصراً بالجيش اللبناني. وفي الـ15 من عمره، انضم جورج عبد الله إلى صفوف الحزب "القومي السوري الاجتماعي"، وكان مناصراً للقضية الفلسطينية في ظل الحرب الأهلية، التي كانت دائرة في لبنان. منذ صغره تميَّز جورج عبد الله بذكائه وسرعة بديهته وعشقه للقراءة، ما مكَّنه من التخرج في "دار المعلمين" في الأشرفية ببيروت وهو في سن الـ19 من عمره عام 1970، ثم بدأ حياته المهنية مدرساً في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وبدأ آنذاك وعيه يتبلور نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة. أصيب جورج عبدالله أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الحركة اليسارية التي كان يتزعمها جورج حبش. مناهض لـ"الإمبريالية" ومناصر للفلسطينيين وعُرف عن عبد الله وقتها تقربه الشديد بوديع حداد مؤسس فكرة الجبهة، وتأثره بأفكاره الثورية الماركسية. وفي عام 1979 قرر الانفصال عن الجبهة، وتأسيس تنظيمه الخاص، فأطلق تنظيم "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، وضم عدداً صغيراً من أشقائه وأقربائه وأصدقائه المقربين. وهو تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية. ونُسبت إلى الحركة مجموعة من أعمال الاغتيال، بما في ذلك مقتل تشارلز راي، نائب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بفرنسا، ويعقوب بارسيمانتوف المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية. كما كانت لديه اتصالات مع حركات وشخصيات صُنفت "إرهابية" مثل «العمل المباشر» (فرنسا) و«الألوية الحمراء» (إيطاليا) ومع كارلوس الفنزويلي، وفصيل «الجيش الأحمر» (ألمانيا)، بحسب فرانس برس. الاعتقال كان جورج عبد الله يقيم في سويسرا، قبل أن يذهب إلى فرنسا لتسليم وديعة شقة استأجرها، ودخل في عام 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالباً الحماية من عناصر "موساد" يطاردونه. واعتقلته الشرطة الفرنسية في مدينة ليون في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1984 بتهمة حيازة جواز جزائري مزور، وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن لانميزان. ورداً على اعتقاله، اختطفت مجموعته المسلحة الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في 23 مارس (آذار) 1985، ووافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، غير أنها لم تفِ بوعدها بإطلاق سراح جورج عبد الله. عبدالله الذي كان حينها يحمل جواز سفر جزائريا، استخدم من قبل جوازات سفر من مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص. لكن مديرية مراقبة الأراضي الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو اسمه الحركي. وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال. وفي مارس 1987، حُكم على جورج عبد الله بالمؤبد بتهمة "التواطؤ في أعمال إرهابية"، والمشاركة في اغتيال الدبلوماسيَّين الأميركي والإسرائيلي. وبحسب محاميه ومناصريه، فإن محاكمة عبد الله كانت موجهة من قبل قوة أجنبية - في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية - عارضت طلبات الإفراج عنه. ونفى عبد الله التهم وأكد "لستُ سوى مقاتل عربي" لكن القضاء حكم عليه بالسجن مدى الحياة، بعدما طلب النائب العام سجنه عشر سنوات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store