
الدكتور عطيفي يكتب: تقرير دي ميستورا.. الواقعية السياسية للحكم الذاتي ونهاية الطوباوية الانفصالية في نزاع الصحراء
د. توفيق عطيفي – أستاذ وباحث في القانون العام والعلوم السياسية
أحدث تصريح ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى الصحراء، بشأن انتهاء خيار الاستفتاء كآلية لحل النزاع، إنعطافة نوعية في مسار مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصحراء المغربية.
وهو تصريح لا يمكن قراءته بمعزل عن تطورات التوازنات الإقليمية، وصعود نهج دبلوماسي مغربي براغماتي يتأسس على الواقعية السياسية كخلفية استراتيجية.
في هذا السياق، يطرح هذا المقال فرضية مفادها أن المغرب نجح في توظيف مقومات النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، لتوجيه مسار النزاع نحو تسوية تستجيب لموازين القوة، وتعيد صياغة الشرعية الدولية وفق منطق المشروعية الفعلية، لا اليوتوبيا القانونية.
وتشكل سنة 2007 نهاية وهم الاستفتاء، حيث لم يعد خطاب مجلس الأمن يتضمن إشارة صريحة إلى الاستفتاء، بل تم تعويضه بمصطلح 'حل سياسي واقعي، دائم ومقبول من الأطراف' سواء في القرار 1754 لسنة 2007 أو في القرار 2654 لسنة 2022، ليكون بذلك تصريح دي مستورا إشارة لحسم هذا التحول، مؤكدًا انسداد الأفق أمام مشروع 'البوليساريو'، وانتهاء دوره كفاعل مؤثر.
إن هذا التحول الأممي يعبّر عن منطق واقعي يُعلي من شأن الاستقرار فوق حسابات تقرير المصير الجامد، تمامًا كما أشار هانس مورغنثاو في مؤلفه Politics Among Nations حين قال: 'القانون الدولي لا يخلق القوة، بل القوة هي التي تمنح القانون شرعيته.' مما جعل من المغرب وبلغة العلاقات فاعلا واقعيا يعيد تشكيل التوازنات، إنطلاقا من تبنّى مقاربة متعددة المستويات، تحولت من الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي، من خلال طرح مبادرة الحكم الذاتي، وتكثيف حضوره السياسي والاقتصادي والأمني في إفريقيا وأوروبا.
– في إفريقيا: أضحى المغرب فاعلًا مؤسسًا في مشاريع الأمن الطاقي، والتنمية المستدامة، والشراكات الأمنية. وسحب أكثر من 20 دولة إفريقية اعترافها بـ'الجمهورية الصحراوية'، ما يعكس تآكل النفوذ الجزائري داخل الاتحاد الإفريقي.
– في الفضاء الأطلسي: حافظ المغرب على شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي اعترفت بمغربية الصحراء سنة 2020، كما عمّق تعاوناته مع حلفاء واشنطن في أوروبا ووسط القارة العجوز.
وينسجم هذا الانتشار الاستراتيجي للأطروحة المغربية مع ما سماه جون ميرشايمر في أطروحته في أدبيات العلاقات الدولية بالواقعية الهجومية 'The Tragedy of Great Power Politics'، حيث الدول تسعى نحو تقوية خياراتها وشرعية خياراتها الإقليمية لأنها الوسيلة الأنجع لضمان أمنها.
وإذا كانت أعلى سلطة في المملكة المغربية في شخص الملك محمد السادس قد نهج سياسة اليد المفتوحة ديبلوماسيا تجاه الجارة الجزائر منذ اليوم الأول منذ خطاب تربعه لعرش الدولة الأمة المغربية، فإن الدبلوماسية المغربية استطاعت في ظرف قياسي عزل الجزائر كهدف استراتيجي للضغط الواقعي، بعد أن أدرك المغرب وبناء على ما تشكل لديه من أدلة بقوة الحجية التاريخية والواقعية السياسية، أن تحقيق التسوية النهائية رهين بإجبار الجزائر على التخلي الكامل عن دعم البوليساريو، ولهذا عمل على بناء جبهة دبلوماسية قوية داخل إفريقيا، ونسج تحالفات مع فاعلين دوليين مؤثرين، لرفع تكلفة التموقع الجزائري في هذا النزاع.
وعليه، فإن التحركات المغربية الأخيرة، سواء في تحجيم البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي، أو في إعادة التموضع في الفضاء الأطلسي، تُجسد ممارسة واعية لمنطق توازن القوى (Balance of Power)، كأحد المبادئ الجوهرية في المدرسة الواقعية.
كما أن هذا العزل السياسي لا يأتي عبر التصعيد المباشر، بل عبر توظيف أدوات القوة الذكية والناعمة، من الأمن الإقليمي، والاقتصاد الأخضر، إلى محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، ما يجعل المغرب شريكًا لا غنى عنه إقليميًا.
من الشرعية إلى المشروعية
واذا كان الملك محمد السادس، قد استطاع تعزيز شرعية نظام الحكم بشرعية الإنجاز الى جانب الشرعيات التقليدية، فإن لهذا التعزيز امتداد على مستوى السياسة الخارجية، من خلال النجاح في تحويل 'الشرعية التاريخية' إلى 'مشروعية واقعية' مبنية على السيطرة الفعلية، والتنمية المستدامة، ودعم المجتمع الدولي وافتتاح القنصليات الأجنبية في العيون والداخلة، والاستثمارات الجارية في الأقاليم الجنوبية، وكلها ليست مجرد خطوات رمزية، بل دلائل على السيادة الواقعية.
وكما يقول مورغنثاو: 'لا يمكن للدولة أن تطبق المبادئ الأخلاقية إن لم تكن قادرة على البقاء'، مما يجعل من المغرب اليوم يجسد هذه القدرة بكفاءة سياسية عالية.
في عالم تحكمه موازين القوى، لم يعد الاستفتاء إطارًا واقعيًا لتقرير المصير، بل مجرد سردية تجاوزها الزمن، المغرب أدرك هذا التحول مبكرًا، واشتغل عليه استراتيجيًا، وفق مقاربات واقعية ناضجة، حولته من 'طرف في نزاع' إلى 'فاعل سيادي' يدير توازنات الإقليم، أما الجزائر، فلا خيار أمامها سوى مراجعة مواقفها، وإعادة تموضعها بما يخدم مصالحها، بعيدًا عن خطاب انفصالي فقد مبرراته التاريخية والواقعية معًا.
وإذا كانت بعض القراءات تختزل تقرير دي ميستورا في ماهيته التقنية، فإن تفكيك مستوياته وقراءة ترابطاته واللامقول فيه، يجعل منه تقريرا لإعادة تموقع سياسي يعكس تحولات في المنظور الأممي للنزاع، ويعيد ترتيب أوراقه الجيوسياسية خاصة وأنه تضمن دعوة لأطراف النزاع بالجلوس على طاولة الحوار تحت سقف المناقشة التفصيلية والمعمقة لآليات الحكم الذاتي.
كما أنه يقوّي موقف المغرب كفاعل إقليمي يحظى بدعم متنامٍ من قوى دولية وازنة، ويجعل من مبادرة الحكم الذاتي الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
أما على المستوى الإفريقي، فيواصل نزيف عزلة الكيان الانفصالي ويفتح الباب أمام تحول تدريجي نحو الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة 24
منذ 7 ساعات
- الجريدة 24
معهد إسباني: كوريا الجنوبية اختارت دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية لأن الرباط شريك موثوق
فيما دعمت كوريا الجنوبية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، أفاد مركز دراسات إسباني بأن هذا الأمر يعد "تحولا كبيرا في السياسة الخارجية لسيول ويعزز مكانة الرباط كشريك رئيسي في إفريقيا". وفي تقرير له أفاد "معهد تطوير المجتمعات البشرية"، بأن النهج الدبلوماسي الجديد لكوريا الجنوبية لا يعزز الشرعية الدولية للمملكة المغربية فقط، بل يفتح أيضا آفاقا جديدة في الإطار الجيو-اقتصادي الأفرو-آسيوي"، مشيرا إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين شهدت تطورا ملحوظا في السنين الأخيرة. وحسب التقرير المنجز من لدن المعهد المعروف اختصارا بـ"IDUHS"، فإن سيول وبتعبيرها رسميا عن دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي قدمته الرباط للأمم المتحدة في عام 2007، يعكس تحولا كبيرا في موقف كوريا الجنوبية التقليدي المحايد بشأن هذا النزاع المصطنع. وحسب التقرير التحليلي يكسر اعتراف كوريا الجنوبية بدعمها للمغرب، المسافة المتساوية التي سبق واتخذتها في مواجهة أطراف النزاع المفتعل، وبذلك"اختارت كوريا الجنوبية، التي تعد إحدى القوى الاقتصادية والتكنولوجية الرائدة في شرق آسيا، أن تتماشى بشكل أكثر صراحة مع النهج الذي تروج له الأمم المتحدة لحل النزاعات، وخاصة المعايير التي حددها قرار مجلس الأمن رقم 1754، والذي يدعو إلى حل تفاوضي وواقعي". وإن كانت العلاقات المغربية الكورية قوية في شقها الاقتصادي فإنها ومن منظور جيو- سياسي، يمكن تفسير هذا التحول الدبلوماسي من جانب سيول باعتباره جزءا من براغماتية استراتيجية ا تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي"، كما أورد التقرير مضيفا بأن "المغرب يقدم نفسه كضامن للنظام والأمن ومحركا للتنمية". ولفت التقرير الانتباه إلى أن كوريا الجنوبية سبق واستبعدت جبهة "بوليساريو" من "المنتدى الكوري الإفريقي" الذي انعقد في سيول في عام 2024، وبذلك أرسلت الحكومة الكورية الجنوبية إشارة واضحة مفادها أنها "ملتزمة بالتعاون مع الجهات الفاعلة المعترف بها وترفض الأطراف التي تدعو إلى التشرذم وعدم الاستقرار". وأكد تقرير "معهد تطوير المجتمعات البشرية"، على أن التوافق الكوري الجنوبي مع الموقف المغربي لا يعزز شرعية المملكة المغربية على الصعيد الدولي فحسب، بل قد يؤثر أيضا على سلوك دول آسيوية أخرى، والتي تراقب عن كثب الموقف الجديد لكوريا الجنوبية. وأحال معهد "IDUHS"، على أن من شان اليبابان والهند ودول أخرى جنوب شرق آسيا، أن تسلك نفس المنحى متى تأكد لها أن "النهج المغربي يسمح بالوصول إلى الفرص الاقتصادية دون التعرض لمخاطر جيو-سياسية مرتفعة"، مشيرا إلى أن الدعم الكوري الجنوبي لمبادرة الحكم الذاتي لا يمثل مبادرة معزولة. ووفق نفس المصدر فإن هذه المبادرة تجسد انعكاسا لاستراتيجية أكثر طموحا للتموضع العالمي وتنويع التحالفات، فكما أن المغرب يعزز بذلك شرعيته الدولية، ستستطيع كوريا الجنوبية بذلك تقوية مكانتها في إفريقيا من خلال شريك موثوق، هو المملكة الشريفة.


العيون الآن
منذ 11 ساعات
- العيون الآن
ميمونة الدليمي: آن أوان إنهاء احتكار البوليساريو للمشهد الصحراوي
العيون الآن. شاركت حركة 'صحراويون من أجل السلام' لأول مرة في أشغال قمة المرأة الاشتراكية الدولية المنعقدة في تركيا، وذلك من خلال وفد نسائي يقوده الاتحاد النسائي للحركة، برئاسة ميمونة الدليمي، عضوة اللجنة المركزية ورئيسة اتحاد النساء، إلى جانب المناضلات فاطمة داود، المختارة العريبي، وسعداني محمد أبا. وشكلت هذه المشاركة محطة دبلوماسية مهمة للحركة، التي حصلت على صفة عضو مراقب داخل الاشتراكية الأممية بداية العام الجاري. وقد استثمر وفد الحركة هذا الحضور النوعي لطرح موقفه من النزاع في الصحراء، مؤكدا على ضرورة إيجاد تسوية سلمية تضمن للصحراويين مستقبلًا أفضل، خصوصًا من يعانون أوضاعًا صعبة في مخيمات تندوف. وفي مداخلتها خلال القمة، شددت ميمونة الدليمي على أهمية كسر هيمنة جبهة البوليساريو على المشهد السياسي الصحراوي، معتبرة أن احتكارها للتمثيل السياسي لأزيد من خمسين عامًا لا يخدم تطلعات الصحراويين في التعددية والحرية. كما أكدت على الدور الذي تلعبه حركة 'MSP' في ترسيخ قيم الديمقراطية وإعطاء صوت جديد للصحراويين التواقين للتغيير. وعقد الوفد الصحراوي على هامش القمة سلسلة لقاءات ثنائية مع عدد من الوفود المشاركة، واختتم مشاركته باجتماع خاص مع رئيسة مجلس المرأة الاشتراكية الدولية، جانيت كاميلو، في خطوة تفتح أمام الحركة آفاقا جديدة على الساحة السياسية الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن الاشتراكية الأممية تعد من أبرز المنظمات السياسية العالمية، وتضم في عضويتها نحو 130 حزباً وتنظيماً يمثلون الطيف الديمقراطي والاجتماعي التقدمي عبر القارات.


منذ 13 ساعات
عامل إقليم شيشاوة: المبادرة الوطنية ورش ملكي متجدد لترسيخ كرامة المواطن وتعزيز الرأسمال البشري
توفيق عطيفي – مراكش الآن في كلمة تأطيرية بمناسبة تخليد الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أكد عامل إقليم شيشاوة، رئيس اللجنة الإقليمية للمبادرة، اليوم الأربعاء 21 ماي، أن هذه الذكرى تشكل لحظة تأمل واستحضار للرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى النهوض بكرامة الإنسان المغربي، وتحقيق الاندماج الاجتماعي عبر فلسفة تنموية قائمة على التشارك والواقعية والالتقائية في تنزيل المشاريع. وأوضح عامل الإقليم أن هذا الورش الملكي، الذي انطلق سنة 2005، يعكس بُعدًا استشرافيًا عميقًا، كما ورد في الخطاب التأسيسي للمبادرة، ما مكن من مواجهة عدد من التحديات البنيوية، وتعزيز أسس التنمية المحلية، لا سيما من خلال الارتكاز على تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، والرفع من مؤشرات الولوج إلى الخدمات الأساسية. واستعرض المسؤول الترابي، في هذا السياق، مراحل تطور المبادرة، مبرزًا أن المرحلة الأولى (2005-2010) ركزت على التقليص من الفوارق المجالية والاجتماعية، وتيسير الولوج إلى شبكتي الماء والكهرباء، وإحداث مراكز لفائدة الأشخاص في وضعية هشاشة. أما المرحلة الثانية (2011-2018)، فوسعت مجال تدخلها لتشمل البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، تأكيدًا للبعد الاجتماعي للمبادرة. بينما جاءت المرحلة الثالثة، التي انطلقت منذ 2019، لتولي اهتمامًا خاصًا بتنمية الرأسمال البشري، من خلال دعم التعليم الأولي، وتعزيز كفاءات المواطنين، والعناية بصحة الأم والطفل، ومحاربة مظاهر الهشاشة. وفي معرض حديثه عن حصيلة الإنجازات، كشف عامل إقليم شيشاوة عن إنجاز 2366 مشروعًا بمختلف الجماعات الترابية بالإقليم، بغلاف مالي إجمالي ناهز مليار درهم، ما يعكس حجم المجهودات المبذولة والتعبئة الشاملة لمختلف الفاعلين المحليين. كما نوه المسؤول ذاته بكافة المتدخلين من سلطات محلية، ومصالح خارجية، ونسيج جمعوي، داعيًا الجميع إلى مواصلة الانخراط الفاعل والجاد في هذا الورش الوطني المفتوح، وفاءً للرؤية الملكية السامية، وضمانًا لتمكين تنموي منصف ومستدام.