
ما مستقبل التجارة بين باكستان والهند في ظل التوترات بين البلدين؟
إسلام آباد – يلقي التوتر السياسي والعسكري بين باكستان و الهند ظلاله على العلاقات التجارية بينهما، إذ أصبحت أحد مجالات التوتر بين البلدين، خاصة بعد أغسطس/آب 2019، عقب إلغاء الهند المادة 370 من الدستور الهندي، وتقضي بمنح حالة خاصة من الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير المتنازع عليه مع باكستان.
ومنذ ذلك التاريخ توقفت التجارة الرسمية بين باكستان والهند، وبقيت معلقة حتى التوتر الأخير بين البلدين والذي بدأ فعليا في 22 أبريل/نيسان إثر هجوم باهلجام في الجزء الهندي من كشمير، حيث اتهمت الهند باكستان بالتورط فيه، وهو ما نفته الأخيرة.
وفي تصريح صحفي في مارس/آذار من العام الماضي، قالت الخارجية الباكستانية إن التجارة مع الجانب الهندي معلقة رسميا، وأنه لا يوجد تغير في موقف باكستان من هذا الأمر.
تطور تدريجي ثم انقطاع
تمر العلاقات بين باكستان والهند بمراحل من الصعود والهبوط، ويلقي ذلك ظلاله على حجم التبادلات التجارية بين البلدين، فقد توترت العلاقات بين البلدين عقب حرب كارجيل عام 1999، وأثر ذلك تأثيرا كبيرا على التجارة بين البلدين، ثم عادت العلاقات تدريجياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2003، إذ شهد حجم التجارة بين البلدين تطوراً ملحوظاً استمر حتى عام 2019.
ووفقاً لبيانات المفوضية الهندية العليا في إسلام آباد، فإن إجمالي التجارة في السنة المالية 2003-2004 وصل إلى 344.68 مليون دولار، بزيادة وصلت إلى 79.87% عن العام السابق.
ووفقاً للبيانات نفسها، التي ترصد تسلسل حجم التجارة بين البلدين لجميع الأعوام منذ 2003-2004 حتى عام 2018-2019، حيث بلغ الحجم الكلي للتجارة 2561.44 مليون دولار.
إعلان
وبعد الإجراء الهندي عام 2019، انقطعت التجارة الرسمية بين البلدين، وهو ما يعني عدم وجود تبادل تجاري رسمي بينهما، إلا أن بعض التبادلات التجارية الخاصة ظلت مستمرة، لكن بنسب ضئيلة جداً مقارنة بالأعوام السابقة.
وفقاً لبيانات مجلس الأعمال الباكستاني، فإن عام 2018 هو آخر عام يشهد تبادلات تجارية بين البلدين طبيعيا، بالرغم من بعض القيود، حيث انخفض حجم التجارة انخفاضا حادا عام 2019، ووفقاً لبيانات المجلس، في عام 2018، بلغت قيمة واردات الهند من باكستان 549.3 مليون دولار، وبلغت صادرات الهند إلى باكستان 2.35 مليار دولار. وفي عام 2019، بلغت الصادرات الباكستانية 67.3 مليون دولار، بينما الواردات من الهند بلغت 1.2 مليار دولار.
وقد استمرت في الانخفاض حتى وصلت عام 2022، إلى 20 مليون دولار حجم الصادرات الباكستانية إلى الهند، مقابل 629.5 مليون دولار حجم الواردات من الهند.
وفي تطورات المشهد خلال التوتر الأخير، أصدرت وزارة التجارة الباكستانية في 4 مايو/أيار الماضي، إشعاراً رسمياً قالت فيه إنها "تحظر واردات السلع ذات المنشأ الهندي أو المستوردة من الهند من دول ثالثة عبر البحر والبر والجو، مروراً بباكستان، أو صادرات دول أخرى إلى الهند عبر البحر والبر والجو، مروراً بباكستان".
كانت التجارة مجالا يُنظر إليها على أنها من المجالات التي يمكن أن تخفف من التوترات بين البلدين، وهي توترات مستمرة منذ إنشاء باكستان عام 1947.
وفي هذا السياق يقول الباحث المختص في الشأن الاقتصادي في معهد الدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد أحمد سالك، إن التجارة، التي كانت تُعدّ جسرًا بين البلدين قد طغت عليها النزاعات السياسية العالقة، لا سيما بشأن كشمير، فكل مواجهة دبلوماسية أو مناوشة عسكرية، سواءً كانت أزمة بولواما-بالاكوت عام 2019 أم التصعيدات الأحدث بعد باهالجام، جلبت معها انفصالاً اقتصادياً، بما فيه تعليق التجارة الثنائية.
وأضاف سالك في حديث للجزيرة نت، بأن الأمر الأكثر إحباطًا هو القرارات السياسية التي تُتخذ أحياناً كرد فعل على ضغوط داخلية، وكان لها عواقب اقتصادية طويلة الأمد.
ويتابع سالك حديثه، "فمع إغلاق الحدود وتوقف طرق التجارة، ازدهرت التجارة غير الرسمية والتهريب، وعانت الأعمال التجارية المشروعة على كلا الجانبين".
من جهته يقول الخبير الاقتصادي شاهد محمود، إن السبب الرئيسي في تراجع التجارة المتبادلة بين باكستان والهند، هو الخلافات الجيوسياسية بين البلدين، وتعنت الهند في التعامل التجاري مع باكستان.
ويضيف شاهد محمود للجزيرة نت، بأن الهند تُنهي، من جانب واحد وفجأة، العديد من الاتفاقيات بين البلدين، سواء في المجال الرياضي أم التجاري. وهذا يُثير حالةً من عدم اليقين بشأن التجارة الثنائية بين البلدين.
وتابع "إن تجارة الهند الكبيرة مع الدول الأخرى تُمكّنها من تجاوز التجارة مع باكستان دون عواقب تُذكر على اقتصادها أو أعمالها".
ويضرب محمود مثالاً بالتجارة المتبادلة بين الهند والصين إذ يقول إنه من المثير للاهتمام أن الصين غائبة عن هذا النوع من التعامل الانتقائي من جانب الهند، حيث خاضت عدة مناوشات مع الهند -بما فيها مناوشات تسببت بخسائر في الأرواح- ورغم هذه الخسائر، استمرت التجارة بين الصين والهند في الازدياد. وهذا يُظهر نهج الهند الانتقائي.
مستقبل محفوف بالمخاطر
في ظل الوضع الراهن تبدو التجارة المتبادلة بين الطرفين غامضة، خاصة في ظل تعليق الهند لاتفاقية مياه نهر السند، وإغلاق باكستان مجالها الجوي أمام الطيران الهندي، وإغلاق الهند بعض المعابر المشتركة بين البلدين.
ويقول أحمد سالك، إنه بالنظر إلى الوضع الراهن، وخاصةً بعد التصعيد العسكري الأخير في مطلع الشهر الماضي، لا يزال مستقبل التجارة بين باكستان والهند محفوفًا بالمخاطر. فهناك تجميدٌ للعلاقات الدبلوماسية، مع محدودية كبيرة لقنوات الاتصال.
إعلان
ويعتقد سالك، أنه في هذا المناخ، تبدو حتى فكرة تطبيع التجارة حساسةً سياسياً وغير مرغوبة شعبياً. حيث إن الثقة هشة، ومع الانتخابات والخطابات الوطنية التي غالباً ما تُشكّلها القومية المفرطة، فإن أي تحرك نحو إعادة الارتباط الاقتصادي يُخاطر بأن يُؤطّر على أنه استرضاء.
ومع ذلك يرى أحمد سالك، أنه لا ينبغي استبعاد آفاق التجارة بين باكستان والهند تماماً حيث إن هناك مجالا للتفاؤل الحذر، خاصة إذا تم النظر إلى التجارة ليس فقط كنشاط اقتصادي، بل كأداةٍ محتملة للسلام والاستقرار الإقليمي.
ويضيف، أنه للمضي قدمًا، يحتاج كلا الجانبين إلى فصل التجارة عن السياسات العليا إلى حد ما بدءاً بتدابير بناء ثقة صغيرة خاصة بقطاعات محددة، مثل استئناف التجارة الزراعية أو الطبية المحدودة.
ويعتقد أنه يمكن لدبلوماسية المسار الثاني (Track II diplomacy) والتفاعلات بين الشركات أن تساعد في إعادة بناء الثقة تدريجياً. وعلى المدى البعيد، يجب إعادة تصور التكامل الإقليمي -من خلال منصات مثل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي أو حتى الممرات الاقتصادية غير الرسمية- كهدف مشترك.
من جهته يرى شاهد محمود، أن الآفاق قاتمة للغاية، بالنظر إلى المناوشات الأخيرة وتزايد احتمالات وقوع المزيد من المناوشات في المستقبل.
ويرى أن الطريقة الوحيدة للتحسين، هي التوصل إلى اتفاق بين البلدين، والذي يضمن الالتزام الطويل الأمد بحل القضايا من خلال الحوار.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
"أوبن إيه آي" تسعى لجذب استثمارات من السعودية والإمارات
أجرت " أوبن إيه آي" صانعة نموذج " شات جي بي تي" محادثات مع عدة جهات، من بينها صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries) الهندية إلى جانب صندوق "إم جي إكس" الإماراتي، وذلك من أجل الحصول على تمويل يصل إلى 40 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته "رويترز". وتأتي هذه المحادثات ضمن مساعي "أوبن إيه آي" لتعزيز نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها فضلا عن تنفيذ مشروع "ستارغيت" (Stargate) الطموح الذي تقود تمويله "سوفت بانك" (SoftBank). كما أشار التقرير إلى مقابلة أجراها سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" مع وزير تكنولوجيا المعلومات الهندي لمناقشة مساعي البلاد في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك قبل زيارة الإمارات لمناقشة الاستثمار الجديد من صندوق "إم جي إكس". وأكد التقرير أن "أوبن إيه آي" تسعى لجمع 100 مليون دولار من كل مستثمر على الأقل مع توقعات بأن تحتاج الشركة إلى 17 مليار إضافيين بحلول عام 2027. وتجدر الإشارة إلى أن صندوق "إم جي إكس" الاستثماري شارك في الجولة الاستثمارية السابقة لشركة "أوبن إيه آي" التي تمت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وجمعت 6.6 مليارات دولار من عدة مستثمرين كان من بينهم " نفيديا" و" مايكروسوفت" و"سوفت بانك"، وذلك بحسب تقرير سابق من "رويترز".


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
كاتب أميركي: حرب إسرائيل وإيران اختبار صعب للهند
أوضح مقال تحليلي نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية أن الهند التي لطالما درجت على تبني سياسة خارجية قائمة على موازنة علاقاتها مع الدول المتنافسة خلال الأزمات، رفضت الأسبوع الماضي التوقيع على بيان أقرته البلدان المنضوية في منظمة شنغهاي للتعاون يدين الهجمات الإسرائيلية على إيران. وأشار مايكل كوغيلمان -كاتب الموجز الأسبوعي بالمجلة الذي يتناول الأحداث في منطقة جنوب آسيا- إلى أن قرار نيودلهي يعكس مدى الصعوبات الدبلوماسية التي ستواجهها في التعامل مع صراع جديد خطير في الشرق الأوسط. وقال إن الهند ظلت لعقود من الزمن تتوخى الحفاظ على علاقات ودية مع كل من إيران والسعودية، والإسرائيليين والفلسطينيين، والولايات المتحدة وروسيا، مستندة في ذلك على سياسة قائمة على الاستقلال الاستراتيجي. اختبار صعب لكن الهند تعرضت في السنوات الأخيرة إلى اختبارات كبيرة على صعيد الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أنها اجتازتها بنجاح، إذ لا تزال علاقاتها مع هذه الدول تتسم بالدفء، وإن كان بعضها أكثر دفئا من البعض الآخر. بيد أن الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران يعد -وفق المقال- أحد أصعب الاختبارات التي تمر بها الهند حتى الآن. فقد أصبحت إسرائيل من أقرب شركائها، بدءا من تجارة الأسلحة، حيث تعتبر الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية، كما أن تل أبيب أكبر مُصدِّر لنيودلهي. وقد شهد التبادل التجاري بين البلدين طفرة هائلة بمقدار 33 ضعفا في العقد الماضي. وأوضح كوغيلمان في تحليله أن الهند تستورد رقائق أشباه الموصلات من إسرائيل وتتعاون ثنائيا في مجال التقنيات الزراعية الموفرة للمياه، ذاكرا أن مجموعة أداني -التي يملكها الملياردير ورجل الأعمال الهندي غوتام أداني- تدير ميناء حيفا الإسرائيلي. ولفت إلى أن سياسات وأساليب الحكم التي ينتهجها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غالبا ما تكون متوافقة. يشار إلى أن نتنياهو مطلوب المحكمة الجنائية بتهم بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. مصالح كبيرة وكشف الكاتب الأميركي أن المسؤولين الهنود يبدون سرا إعجابهم بالتزام الحكومة الإسرائيلية المكشوف باستخدام التكتيكات القوية لاستهداف الخصوم والسعي لتحقيق مصالحها الأمنية، ويقدِّرون لها أنها من بين القلائل من الدول التي دعمت الهند خلال صراعها الأخير مع باكستان. ولكن للهند مصالح كبيرة أيضا مع إيران ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط. وأكد الكاتب أن الهند قلصت وارداتها من الطاقة من إيران تفاديا للعقوبات الأميركية، مضيفا أن حجم التجارة الثنائية بين الدولتين ظل متواضعا. وفي الوقت نفسه، يعد الشرق الأوسط -في نظر المحلل كوغيلمان- مصدرا رئيسيا للطاقة والتجارة والاستثمار بالنسبة للهند، التي لها شركاء مهمين في تلك المنطقة، مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي ظل هذه التشابكات، يرى كاتب المقال أن نهج تعامل الهند مع الصراع الإسرائيلي الإيراني يشبه موقفها من الحرب في أوكرانيا، فمن ناحية لن تدين إسرائيل وقادتها على الهجمات، ومن ناحية أخرى ستؤكد على ضرورة تهدئة حدة المواجهات بين البلدين، وإفساح المجال للدبلوماسية لإنهائها. ويشرح الكاتب أن الصراع الإسرائيلي الإيراني -كما هو الحال مع الحرب في أوكرانيا- سيخدم مصالح الهند إلى حد كبير.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
أمنستي تناشد الهند وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئي الروهينغا
دعت منظمة العفو الدولية السلطات الهندية إلى التوقف الفوري عن ترحيل اللاجئين الروهينغا قسريا، والاعتراف بهم بوصفهم لاجئين، وضمان كرامتهم وحمايتهم كما يقتضي القانون الدولي لحقوق الإنسان. جاء ذلك تزامنا مع اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف 20 يونيو/حزيران من كل عام. وحسب العفو الدولية، رحّلت السلطات الهندية خلال الشهر الماضي نحو 40 لاجئا روهينغيا، بينهم أطفال ومسنون، وذلك بإجبارهم على مغادرة سفينة تابعة للبحرية الهندية ومنحهم سترات نجاة قبل التخلي عنهم في المياه الدولية قرب ميانمار. وفي واقعة منفصلة، أجبرت السلطات أكثر من 100 لاجئ روهينغي على عبور الحدود الشرقية إلى بنغلاديش دون اتباع أي إجراءات قانونية أو مراجعة طلبات اللجوء. وعلق أكار باتيل، رئيس مجلس أمناء العفو الدولية في الهند، قائلا: "ما دامت الهند ملاذا للهاربين من الاضطهاد، لكن سلوك الحكومة الأخير المتمثل في رمي الروهينغا في البحر وترحيلهم دون إجراءات مناسبة، يُشكل خيانة لهذا التقليد العريق". وأضاف أن "التاريخ سيحكم على الطريقة التي عاملت بها السلطات المضطهدين عندما طرقوا بابنا بحثا عن الأمان". وكان روهينغيان قد تقدما يوم 17 مايو/أيار الماضي بعريضة إلى المحكمة العليا الهندية لوقف الترحيلات، غير أن المحكمة رفضت الطلب دون النظر في الأدلة. وقال أحد اللاجئين الروهينغيين في الهند للعفو الدولية -طالبا عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام- "نعيش في خوف دائم من الترحيل ، حتى من يحملون بطاقات لاجئ من المفوضية يُعاملون مجرمين. خلال الأشهر الماضية، تم أخذ كثير من أقاربي وأصدقائي دون سابق إنذار وترحيلهم إلى ميانمار… كيف يمكن للحكومة الهندية أن تعيدنا إلى مكان الموت فيه شبه مؤكد؟". ويواجه الروهينغا في ميانمار واحدة من أسوأ حملات الاضطهاد منذ 2017، بينما يعاني عشرات الآلاف في مخيمات بنغلاديش من نقص الغذاء والمأوى والرعاية الصحية بسبب تقليص المساعدات الإنسانية مؤخرا.