
4 مخاطر كبرى تهدد سوريا الآن.. ما هي؟
إيطاليا تلغراف
كمال أوزتورك
كاتب وصحفي تركي
بما تكون سوريا من بين الدول صاحبة التاريخ الأكثر مأساوية في الإقليم. فقد عاش شعبها 61 عامًا تحت وطأة قمع أسرة الأسد الوحشي، ثم قاسى خلال 13 عامًا ويلات الحرب الأهلية، حيث قتل أكثر من مليون شخص، وهُجِّر 12 مليونًا آخرون من ديارهم، وتحولت مدن بأكملها إلى أنقاض.
وأخيرًا، تمكّن أبناء الشعب السوري من الإطاحة بالطاغية الأسد والوصول إلى السلطة، لكن معاناتهم لم تنتهِ بعد. إذ لا تزال سوريا تواجه الاحتلال الإسرائيلي الفعلي، إلى جانب الاحتلال الأميركي لشمال البلاد عبر مليشيات PYD. كما أن العمليات الإرهابية التي تغذيها هاتان الدولتان أصبحت في الأيام الأخيرة من أبرز الأزمات التي تهدد استقرار الحكومة الجديدة في دمشق.
يبدو أن إسرائيل، بمجرد أن تكون جارًا لها دون أن تكون صديقًا، تفرض عليك هذا المصير. فلبنان وغزة ومصر جميعها عانت من أزمات لا تنتهي، ويعود ذلك، ولو جزئيًا، إلى كونها دولًا تحد إسرائيل.
وبالنسبة للإدارة السورية الجديدة، فإن أكبر التحديات التي تواجهها بطبيعة الحال هو الاحتلال الإسرائيلي وسياسته العدوانية، ولكن هناك مشكلات أخرى لا تقل خطورة. والآن لنلقِ نظرة عليها واحدةً تلو الأخرى.
1- الاحتلال الإسرائيلي وسياسات زعزعة الاستقرار
إذا كنت جارًا لإسرائيل، ولا تنفذ أوامرها بحذافيرها، فليكن الله في عونك. عليك أن تتوقع أسوأ أنواع الشرور التي ستُمارس ضدك. والواقع أنه حتى توقيع اتفاقيات معها، والسعي إلى التوافق، والانصياع لما تمليه، قد لا يكون كافيًا لإنقاذك. فمصر والأردن، وهما من الدول التي لا تشكل تهديدًا لإسرائيل، ووقعتا معها اتفاقيات، تواجهان اليوم تهديدًا بترحيل مليوني فلسطيني إلى أراضيهما.
مشكلة الشرق الأوسط الكبرى هي إسرائيل، وهذه المشكلة تؤثر على جيرانها بشكل مباشر. إن التاريخ حافل بالأمثلة التي تثبت هذا الواقع المرير. ولهذا، فإن إسرائيل تمثل أكبر تهديد للثورة السورية.
منذ اندلاع الثورة، قامت إسرائيل بقصف البنية التحتية العسكرية لسوريا، واحتلت أراضيها الإستراتيجية، ولا تزال توسع احتلالها حتى الآن.
وإلى جانب الاحتلال الفعلي، بدأت في الشهر الأخير بتنفيذ سياسة جديدة لزعزعة استقرار سوريا. فمن خلال إشعال المواجهات بين الطوائف المختلفة، كان لإسرائيل دور واضح في الأحداث التي شهدتها اللاذقية والساحل، حيث اصطدم الدروز والعلويون مع الحكومة في دمشق.
لم تحقق إسرائيل نجاحًا كبيرًا في استمالة الدروز كما كانت تأمل، لكنها حاولت تحريض العلويين عبر تحريك فلول جيش الأسد المجرم، الذين بدؤوا تنفيذ عمليات إرهابية.
ورغم أن هذه الهجمات لا تملك فرصة حقيقية لإسقاط الحكومة، فإن إسرائيل تدرك ذلك تمامًا. غايتها الحقيقية ليست إسقاط النظام، بل خلق فوضى تمنع استقرار سوريا وتعافيها.
يجب على حكومة دمشق أن تتخذ تدابير لمواجهة سياسات زعزعة الاستقرار التي تنتهجها إسرائيل. ومن بين القضايا الأكثر إلحاحًا، والتي يمكن أن تكون مدخلًا سهلاً للتدخل الإسرائيلي، هي قضية الأقليات.
2- الأقليات كخط صدع هشّ
كما رأينا خلال الشهر الأخير، فإن إسرائيل والولايات المتحدة وإيران جميعها تمتلك القدرة على التأثير على التوازن الهش للأقليات في سوريا. فسوريا، بتركيبتها المجتمعية المتنوعة، تحتضن عشرات المجموعات العرقية والدينية.
قد لا يكون الكلدان والإيزيديون والتركمان من الفئات التي يمكن استغلالها بسهولة، لكن هناك مجموعات أخرى أكثر عرضة للتأثر بالمؤثرات الخارجية، مثل الأكراد والدروز والعلويين.
في شمال سوريا، تسيطر قوات PYD المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل على مساحة شاسعة من الأراضي، بما في ذلك مناطق غنية بالنفط، وأراضٍ زراعية خصبة، ومصادر مياه رئيسية.
ورغم أن القائد المؤسس لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان دعا هذه المليشيات إلى التخلي عن السلاح، فإنهم رفضوا ذلك، لأنهم يتلقون أوامرهم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذه القوة العسكرية، رغم أنها لا تمثل كل الأكراد السوريين، تشكل تهديدًا حقيقيًا للحكومة في دمشق.
التعامل مع هذه الأزمة لا يمكن أن يتم عبر مواجهة عسكرية مباشرة، لأن أي صدام مع PYD سيعني إعطاء إسرائيل مبررًا لتسريع احتلالها مناطق الجنوب السوري. لذا، يجب أن تتحرك الحكومة السورية وفق إستراتيجية متعددة المحاور:
أولًا، يجب أن تتخذ إجراءات عاجلة لضمان حقوق الأكراد الثقافية والسياسية، وتعزيز اندماجهم في المجتمع السوري، وتسريع العمل على الدستور الجديد لتحقيق ذلك.
ثانيًا، ينبغي العمل على عزل PYD جغرافيًا عبر قطع طرق الإمداد التي لا تزال مفتوحة أمامها، خصوصًا عبر العراق، بالتنسيق مع الحكومة العراقية.
ثالثًا، يجب أن تمتنع الحكومة السورية عن الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا إذا قررت الأخيرة التدخل ضد PYD، بل يمكنها حتى أن تساعد في ذلك بشكل غير مباشر، نظرًا لأن أنقرة تعتبر PYD تهديدًا أمنيًا رئيسيًا، وقد أعلنت أنها لن تتردد في التدخل عسكريًا إذا لم تتخلَّ هذه المليشيات عن السلاح.
أما بالنسبة للدروز، فرغم أنهم أظهروا في الأحداث الأخيرة عدم استعدادهم للانجرار إلى صراع مع دمشق، فإنهم لا يزالون يمثلون نقطة ضعف حساسة. لذا، يجب على الحكومة أن تضمن في الدستور الجديد ترتيبات تجعلهم يشعرون بأن الدولة السورية هي دولتهم، وتستجيب لمطالبهم بما لا يهدد وحدة البلاد.
3- الجرح الذي لم يلتئم: الصراع الطائفي
إحدى أخطر الكوارث التي خلفها حكم عائلة الأسد هي الطائفية التي زرعها في المجتمع السوري. فقد حكمت الأقلية العلوية البلاد لمدة 61 عامًا، مسيطرةً على 90% من السكان عبر دكتاتورية قمعية. وعندما اندلعت الثورة، حول التدخل الإيراني وحزب الله النزاع إلى حرب طائفية بكل معنى الكلمة.
العناصر الأكثر ولاءً للأسد من جيشه الملطخ بالدماء لم تختفِ تمامًا، بل تحولت إلى العمل السري، والآن، وبدعم من إسرائيل وإيران، بدأت تعود إلى السطح من جديد، ناشرةً الفوضى والإرهاب. في الأحداث الأخيرة، قُتل أكثر من 700 شخص في أعمال عنف، ورغم أن الحكومة تمكنت من احتواء الوضع، فإن الخطر لا يزال قائمًا.
إذا أرادت دمشق إبطال الورقة الطائفية التي تستخدمها إسرائيل وإيران، فعليها أن تضمن عدم تكرار أخطاء الأسد، وألا تكتفي ببناء نظام قائم على سيطرة الأغلبية السنية.
يجب أن تعمل على تحسين الظروف الاقتصادية للأقليات، وإشراك الشخصيات العلوية غير المتورطة في جرائم الأسد في الحكم، وتقديم ضمانات دستورية لحقوقهم، حتى لا تترك مجالًا لاستغلالهم من قبل القوى الخارجية.
4- الدستور والانتخابات: مفتاح الاستقرار أم خطر التأجيل؟
إن التغلب على جميع هذه المخاطر ليس أمرًا سهلًا بالنسبة لدولة خرجت حديثًا من حرب مدمرة، وتعاني من انهيار اقتصادي، ودمار في بنيتها التحتية، وفقدان كامل لقوتها العسكرية تحت الضربات الإسرائيلية.
بيد أن ما يمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة للنهوض هو تمكنها من كسب دعم السعودية وقطر ومصر وتركيا في الوقت ذاته، فضلًا عن حصولها على تأييد كامل من الجامعة العربية ومعظم الدول الإسلامية. إن استثمار هذا الدعم يمكن أن يجعل عملية التعافي أسهل وأسرع.
لا يمكن تنظيم انتخابات في بلد نزح منه 12 مليون شخص، ولكن تأجيلها لمدة أربع سنوات قد ينطوي على مخاطر جسيمة. لهذا، فإن الشرط الأول لتسريع العملية الانتخابية هو الإسراع في اعتماد الدستور الجديد. حاليًا، هناك لجنة تعمل على إعداد الدستور، لكن لم يتم تحديد جدول زمني لإنجازه، ومع ذلك، فمن الضروري الإسراع في إتمام هذه العملية.
إن الطريقة الأهم لحماية البلاد من الانقسامات العرقية والطائفية تكمن في إدخال الإصلاحات الدستورية المناسبة، ولهذا السبب، ينبغي تكثيف الجهود لإنهاء هذه المهمة في أقرب وقت ممكن.
10عودة اللاجئين المنتشرين في الخارج إلى سوريا فورًا ليست بالأمر الممكن حاليًا، والانتخابات مرتبطة جزئيًا بهذه المسألة. لكن من الممكن إيجاد حلول تتيح مشاركة هؤلاء اللاجئين في العملية الانتخابية، وذلك من خلال توفير آليات للتصويت خارج البلاد. ويمكن تحقيق ذلك في تركيا والأردن، حيث تتواجد أكبر نسبة من اللاجئين السوريين. ومن خلال هذه الإجراءات، سيكون من الممكن تقديم موعد الانتخابات.
أيام صعبة تنتظر السوريين قبل أن تنتهي معاناتهم الطويلة، لكن على الدول الإقليمية أن تدرك أن استمرار عدم الاستقرار في سوريا يشكل خطرًا كبيرًا عليها أيضًا. لهذا، يجب عليها تقديم المزيد من الدعم لسوريا. وقد كان الاجتماع الأخير الذي عُقد في عمّان مثالًا جيدًا على ذلك.
اجتماع عمّان كان بداية جيدة
إن توصل كل من تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان إلى اتفاق بشأن محاربة تنظيم الدولة يمثل تطورًا بالغ الأهمية. فهذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها دول إسلامية إنشاء كيان مشترك فيما بينها لمحاربة تنظيم الدولة، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
وسيتم إنشاء مركز عمليات في سوريا، وستكون إدارته تحت إشراف الحكومة السورية، مما سيتيح محاربة التنظيم ضمن إطار إقليمي، دون الحاجة إلى تدخل القوى الغربية.
إن تأسيس هذا الكيان يشير إلى إمكانية إنشاء هياكل تعاون أخرى مستقبلًا، وهو ما يجعله مبادرة بالغة الأهمية. كما أن هذه الخطوة تعدّ تقدمًا إيجابيًا نحو تمكين سوريا من الوقوف على قدميها، وتقليل نفوذ الدول الغربية في المنطقة.
نأمل أن يكون هذا الاجتماع مجرد بداية لمزيد من التعاون في المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
منذ 7 ساعات
- الخبر
ضوابط النشر الإلكتروني عبر منصات التواصل الاجتماعي
لقد فتح الله تعالى على عباده فتحا عظيما في التقنية والاختراعات، لاسيما في عالم الاتصالات، ومما ظهر مع الهواتف الذكية ما يسمى بمواقع التواصلِ الاجتماعي التي تربط الناس في مجموعات ومتابعات، وتيسر التواصل مع العالم كله بأخباره وصوره ودقائقه، وهي كثيرة تتوالد وتتزايد. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من أعظم النعم التي أنعم الله عز وجل بها على عباده، فهذه الحقيقة ينبغي أن يستشعرها المسلم وهو يتعامل مع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فيمكن استخدامها في الخير واستخدامها في الشر. وإنها نعمة كبيرة حينما يوظفها الإنسان توظيفا نافعا سليما، غير أنها سرعان ما تتحول إلى نقمة؛ إذا لم تُضبط بالضوابط الشرعية والأخلاق المرعية والقوانين السائدة. ومن يتأمل هذه المواقع يجد فيها عددا من المزايا والفوائد، منها: سهولة التواصلِ بين الناس، وتوفير المال والوقت في الاتصال وتبادل المعلومات، والحصول على المعلومات والفوائد والأخبارِ بسرعة وسهولة. ومع ما سبق من إيجابيات وفوائد إلا أنها انطوت على سلبيات ومخاطر، منها: فتح باب الشهوات والانحرافات الأخلاقية، وإضاعة الوقت، ونشر الشبهات والأفكار الخطيرة والشائعات والتعرض لأعراض الناس وخصوصياتهم... ويجب على كل من يرغب في النشر الإلكتروني عبر منصات التواصل الاجتماعي الالتزام بجملة من الضوابط الدينية والأخلاقية والقانونية، تحكم ما ينشره من آراء أو صور أو أخبار حتى لا يقع تحت طائلة الإثم الشرعي والمساءلة القانونية والجنائية، ذلك أننا نتابع يوميا أخبار الكثير من (المؤثرين) الذين يتم توقيفهم نتيجة تجاوزهم الخطوط الحمر المرسومة لمثل هذه المشاركات. تحظى أخلاقيات النشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأهمية بالغة، وبالتالي وجب على الجميع تحري الدقة، والحذر عند نقل أو تداول المعلومات، ويجب على ناقل الأخبار أن يتحلى بقدر عال من المسؤولية الشخصية والإنسانية. وفي ضوء المبادئ الدينية والقواعد الأخلاقية والقانونية لمجتمعنا الجزائري المحافظ، يمكننا وضع مجموعة من أخلاقيات النشر الإلكتروني التي يجب أن يلتزم بها مستخدمو هذه الوسائط: التأكد من دقة المعلومة وصحتها ودقة البيانات والتصريحات والوقائع، الرجوع للمصدر الرئيس للخبر أو المعلومة، التريث وعدم استباق الجهات الرسمية خاصة الصحية والأمنية خلال الأزمات، عدم النقل عن شبكات التواصل الاجتماعي دون التثبت من المصدر وذكره بشكل واضح، عدم المبالغة والتهويل وعدم التسرع في النشر، عدم التعاطي مع الصفحات المشبوهة وعدم نشر الأخبار دون التحري، الابتعاد عن التشويه والتشهير واحترام خصوصية الأفراد وعدم نشر أمورهم الخاصة، الالتزام بالموضوعية والحيادية في نشر الأخبار ونقلها، ومراعاة الحساسية الأمنية والمجتمعية عند النشر وعدم نشر ما يضر بالسلم الاجتماعي. كما أشار الخبراء أيضا إلى بعض الأخلاقيات الأساسية الواجب توافرها في القائم بالنشر الإعلامي على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي: التحلي بالروح الوطنية والحرص على تماسك المجتمع، ضرورة التحلي بالفضيلة والآداب والأخلاق العامة للمجتمع والقيم الدينية الصحيحة، الرقابة الذاتية والمسؤولية الاجتماعية عند القائم بالنشر، تقبل الرأي الآخر والتفاعل الإيجابي والسماح بالتعليقات على ما ينشر، ثقافة الاعتذار والتعديل لأي خلل في النشر، عدم استخدام المواد الإعلامية في غير الأغراض التي أنشئت لأجلها، واحترام حرمة وخصوصية أفراد المجتمع واحترام الكرامة والإنسانية. وإن المحافظة على القیم الأخلاقية وعدم الخروج عن الحدود الأخلاقية والقانونية في التواصل وتجنب السب والذم أو القدح تجاه الآخرين، یسهم في زیادة الأمانة والمصداقية عند المجتمع ویعزز من المحافظة على الآداب العامة. ولقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي (القرار رقم 52 (6/3) في فبراير 2023) فتوى تُحرّم نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، وكل ما يضر بالمجتمع في أمنه واستقراره وسلامة دينه وعقيدته وأخلاقه. وندعو في الأخير السلطة التشريعية في بلادنا وضع لوائح قانونية واضحة لضبط عملية استخدام مواقع التواصل والنشر الإلكتروني بشكل كامل، من أجل التزام الجميع بالمهنية وقواعد النشر، سواء كانت صحفا إلكترونية أو أفرادا، مما ستُخضِع أصحابها المخالفين للمساءلة والعقوبة في حال انتهاكهم سياسات النشر، سواء تمثل ذلك بتلفيق الأخبار أو نشر الإشاعات. ونذكر أنه ينبغي أن يسعى كل مشارك وناشر إلى مرضاة الله، وأن يكون قصده إرضاء رب العالمين في كل خطوة يخطوها، سواء كان إلى مكان من الأمكنة أو فتح صفحة على المواقع الإلكترونية على مثل هذه الصفحات، وبضرورة مراقبة الله عند الكتابة والمشاركة.


الشروق
منذ 10 ساعات
- الشروق
الحداثويون وقصة تجديد التراث!
إن 'تجديد التراث' دعوة حق في كثير من الأحيان يُراد بها باطل حين يرفع رايةَ التجديد في تراثنا العربي الإسلامي ثلةٌ من الباحثين المتأدلجين -بدرجات متفاوتة- من الذائبين في المناهج الغربية إلى حد الغرق، غايتهم من هذا التجديد هدم بناء التراث -الذي علا بنيانه قرونا- باسم 'الحداثة' وبدعوى 'العقلانية' فيتحول العقل إلى سلطة حاكمة تقرر تفكيك الأصول المعبِّرة أساسا عن هوية تراثنا ثم تقوم بإلغاء ما تراه في زعمها قابلا للإلغاء أو تقوم بتأويل ما تراه قابلا للتأويل مُسايرة للمنهج الغربي الحداثوي الذي 'يؤنسن' المقدس أو للهوى السياسي للأسف في عالم أصبح رجل العلم فيه تابعا لرجل السياسة المكيافللي البراغماتي. ويحاول بعض هؤلاء الداعين إلى إعادة نقد التراث خاصة ما تعلق بالموروث الديني الإسلامي أداء الدور ذاته الذي أدّاه العقلانيون الغربيون المقَعِدُون للعلمانية في مناهضتهم للكنيسة والفكر المسيحي الذي أراد أن يسوس الحياة الغربية بشمولية وقمع للفكر العلمي الحرّ، والدارس للدكتور محمد أركون مثلا سيجد ملامح هذا التقمُّص في نقده للتراث الإسلامي ظاهرا في كثير من مصطلحاته التي أفرزها المنهج النقدي التنويري لـلتراث الغربي المسيحي في القرن الثامن عشر… إن دعاة التجديد في التراث من أصحاب التوجه الغربي المعادين للهوية الإسلامية هم خصومٌ أشداء للتراث الإسلامي؛ فهم يقودون حملتهم لهدم أصوله عن طريق نقد يلبس لباس العلم مبني على مناهج لا تتوافق مع البيئة العقدية والفكرية التي نشأ فيها هذا التراث الذي يملك خصوصيته في دائرة العقائد والتشريع والأخلاق والأعراف بل وحتى التاريخ والجغرافيا، وما له علاقة بالدائرة الإنسانية المشتركة، فإن السياقات بين المواريث الإنسانية التي تؤسسها الفطرة في كثير من الأحيان تتلاقى وفي أحيان أخرى تتعاكس لتأثير البيئة العقلية والروحية… فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه' متفق عليه. ويعتمد هؤلاء الناقدون للتراث في العملية النقدية المنهجية بالتركيز على إشاعة أن التراث بأصوله وفروعه وتنوّعه ما هو إلا إنتاج إنساني تاريخي قابل للنقد والتغيير بعمومه، ويدخل في هذا المعنى عند هؤلاء المتعصّبة للمنهج الغربي الحداثي حتى نصوص القرآن الكريم والسنة، صحيحة الثبوت، وصريحة الدلالة، وهذا ما عبّر عنه الدكتور نصر حامد أبو زيد حين وصف القرآن في كتابه [نقد النص ] بأنه 'منتَج ثقافي أنتجه واقعٌ بشري تاريخي'. وقال وهو يدعو إلى التحرر من سلطة القرآن في كتاب ه[الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية]: 'وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر، لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان'. وفي هؤلاء قال الأديب الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله:'إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر'، وأشار إليهم شاعر الإسلام محمد إقبال، حين قال:'إن جديدهم هو قديم أوروبا' ثم قال: 'إن الكعبة لا تُجدَّد، ولا تُجلَب لها حجارةٌ من الغرب'! إن الحداثويين من دعاة التجديد يجتزئون من التراث ما يخدم آراءهم ولهذا نجد الكثير منهم يستعينون بالتراث الصوفي الحلولي لجعله الوجه الراقي الحر للفكر الإسلامي فيحتفون بـالحلّاج وابن عربي وقريبا منهما إلى حد كبير التوحيدي، وغيرهم من أشباههم، ويستمدون مرجعيتهم من مثل هذه الشخصيات المقلقة في تاريخنا التراثي، ويضيقون بأمثال الإمام الشافعي أول مُقَعّد لعلم الأصول والإمام ابن تيمية وباقي علماء الإسلام من محدثين ومفسرين وفقهاء. إن الاعتقاد الذي يسوّق له الحداثويون بأن التراث العامّ الذي تراكم بين أيدينا مع مرور القرون لا بد من التعامل معه من منطلق أنه وحدة قابلة كلها للنقد العقلي وحرية الاجتهاد في تأويل ما لا يقبل التأويل، مثل النصوص الدينية صريحة الدلالة، وفق مناهج مستورَدة من بيئات مختلفة باسم 'الحداثة' و'ما وراء الحداثة' هو ضربٌ من الجنون المركّب، فجلّ نتائج الحداثويين العقلية في تعاملهم بالأخص مع التراث الإسلامي أشبه ما تكون بـ'وحش فرانكنشتاين' الذي أوجده الكميائي 'فيكتور فرانكنشتاين' أحد أبطال الرواية الخيالية التي كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي [1797-1851]، وانتهى به المطاف بعد سلسلة من الجرائم التي اقترفها على طوف جليدي في القطب الشمالي سرعان ما غاب وهو يطفو عليه في الظلام إلى الأبد. إن الحداثويين من دعاة التجديد يجتزئون من التراث ما يخدم آراءهم ولهذا نجد الكثير منهم يستعينون بالتراث الصوفي الحلولي لجعله الوجه الراقي الحر للفكر الإسلامي فيحتفون بـالحلّاج وابن عربي وقريبا منهما إلى حد كبير التوحيدي، وغيرهم من أشباههم، ويستمدون مرجعيتهم من مثل هذه الشخصيات المقلقة في تاريخنا التراثي، ويضيقون بأمثال الإمام الشافعي أول مُقَعّد لعلم الأصول والإمام ابن تيمية وباقي علماء الإسلام من محدثين ومفسرين وفقهاء ويتهمونهم بأنهم يتحدثون انطلاقا من 'السياج الدوغماتي'… وعلى أساس هذا المنهج فهم ينتقدون تفسير جهابذة العلم من علماء الإسلام المعتبرين في الأمة، ولكنهم يثقون في التفسير الاستشراقي للنصوص التراثية ومنها القرآن والسنة كما يدعونها، ولا يخجلون من الاعتماد على الأساطير والروايات الضعيفة والموضوعة في تقريرهم لمجموعة من المفاهيم والأفكار التي يسمونها 'حقائق علمية'! على أن معارضة التجديد الذي يربط الإنسان المسلم بواقعه بالتمكين للأصول التي لا تقبل تغييرا وتحفظ هويته وتفسح له المجال للإبداع والتطور والتأثير في عالم الأفكار والأشياء، أمرٌ لا بد منه لكي لا يكون المسلم حبيس 'الأبائية' التي هي اتجاه مقابل لاتجاه 'الحداثوية'، وبين الاتجاهين اتجاهٌ ثالث يسعى للتوفيق والتلفيق بينهما بإيجاد بدائل من التراث تتوافق مع ما عند الطرف الغربي، ومحاولة إيجاد الحلول من داخل الموروث نفسه لمشكلات معاصرة، غير أن هذا الاتجاه متَّهم بالفشل في إيجاد مشروع إصلاحي ينتشل الأمة من نكستها الحضارية. ومهما يكن من أمر فإن تراثنا هو مجموعة من المواريث المتنوعة المتراكمة، منها جزء كبير مواريث مرتبطة بالسماء لإعمار الأرض وإصلاحها وخدمة الإنسان أولا ليحقق العبودية التي من أجلها خلقه الله… و'الميراث السماوي' فيه مساحة كبيرة أتاحت للعقل مهتديا بالنقل أن يجتهد فيها ليوجد حلولا تناسب التوقيت الذي يعيشه، وفي المواريث الإنسانية جزء كبير من التجارب والخبرات 'الحكمة' التي قد تنفع ولا تضر خاصة في الجانب المرتبط بـ'التقنية' فالمسلم أولى بالاستفادة منها لخدمة المقاصد الكبرى التي عليها تقوم الحياة.


حدث كم
منذ 19 ساعات
- حدث كم
عبد اللطيف حموشي يستقبل منتسبي أسرة الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني القاصدين الديار المقدسة لأداء فريضة الحج
استقبل المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي، اليوم الثلاثاء ، منتسبي أسرة الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني القاصدين الديار المقدسة بالمملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج برسم سنة 2025. ويبلغ عدد المستفيدين من أداء فريضة الحج هذه السنة، 286 مستفيدا من أسرة الأمن الوطني، من بينهم 199 حاجة وحاجا حصلوا على التغطية الشاملة لجميع مصاريف ونفقات الحج، و87 حاجة وحاجا سيستفيدون من التغطية الجزئية بناء على الطلبات التي تقدموا بها لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني. وقد تم تعزيز وتوسيع قاعدة المستفيدين من فريضة الحج هذه السنة، لتشمل بشكل متزايد أرامل ومتقاعدي أسرة الأمن الوطني، إذ ناهز عدد الأرامل اللواتي حصلن على التغطية الشاملة 31 مستفيدة، وعشر أرامل من التغطية الجزئية، بينما بلغ عدد المتقاعدين المستفيدين من التغطية الشاملة 41 متقاعدا و31 مستفيدا من التغطية الجزئية. وقدم المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني بهذه المناسبة، منحة مالية عبارة عن دعم استثنائي لجميع المستفيدات والمستفيدين، وذلك لتمكينهم من أداء الركن الخامس للإسلام وتأدية جميع المناسك والشعائر الدينية في أحسن الظروف. وفي كلمة توجيهية بمناسبة توديع حجاج أسرة الأمن، شد د عبد اللطيف حموشي على أهمية الأمن الروحي الذي يشمل أداء فريضة الحج، باعتباره 'واحد ا من أهم مرتكزات العمل الاجتماعي المخصص لأسرة المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني'. وعزا حرصه الدائم على استقبال وتوديع حجاج أسرة الأمن إلى 'التزام شخصي ومسؤولية مؤسساتية'، مبتهلا إلى الله العلي القدير ' أن يبلغ الحجاج الرحاب المقدسة وهم يرفلون في رداء الصحة والعافية، ويلهمهم السداد والرشاد والقوة والعون لأداء المناسك والشعائر الدينية في أحسن الظروف'. كما أكد المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني أنه أسدى التوجيهات الضرورية لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن، من أجل توفير كافة الظروف المواتية وتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لحجاج قطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، داعيا إياهم في المقابل إلى الدعاء بالأمن والأمان لبلادنا العزيزة، وبموفور الصحة والعافية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. ح/م/الصورة من الارشيف