عودة الرئيس ترمب إلى عاصمة القرار
مر هذا التحالف الصلب بمراحل عديدة كان من أبرزها وأهمها في السياق التنموي، انعقاد الاجتماع الافتتاحي للجنة الاقتصادية الأميركية السعودية المشتركة -بلير هاوس- خلال زيارة الرئيس نيكسون إلى المملكة العربية السعودية عام 1974. أتت تلك الزيارة التاريخية لأول رئيس أميركي تأكيدًا على عمق العلاقة والتعاون بين البلدين. فقد اتسمت العلاقات السعودية الأميركية بتناغم كبير حيث دأب البلدان ومؤسساتهما العريقة على الحفاظ على علاقة متينة لم تقتصر فائدتها على البلدين فحسب، بل تعدّت إلى ضمان إمدادات الطاقة الآمنة، واستقرار الاقتصاد العالمي، وتعزيز الأمن والتنمية في الشرق الأوسط وخارجه.
الولايات المتحدة ليست مجرد شريك عادي؛ فهي تُعدّ أحد أهمّ حلفاء المملكة الاقتصاديين، ووجهةً مفضلةً للاستثمار السعودي. تحتلّ الولايات المتحدة المرتبة الثانية في الصادرات السعودية، والمرتبة الأولى في الواردات، بينما لا تزال المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بفائض في الميزان التجاري لصالح الرياض على مدى العقد الماضي. تستثمر أكثر من 500 شركة أميركية في المملكة، ويبلغ عدد المشروعات الأميركية السعودية المشتركة قرابة 609 مشروعات، بقيمة استثمارية تُقارب 62 مليار دولار.
وتستقبل المملكة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في لحظة فارقة. فقد مر ما يقرب من عقد زمني على إطلاق رؤية 2030، خطة التحول الاجتماعي والاقتصادي الجريئة في المملكة العربية السعودية. ولم تتجرأ على تطبيق مثل هذا التغيير الجذري -من الفطام عن الاعتماد على النفط إلى انفتاح المجتمع- بهذا الحجم والسرعة إلا قليلة من الدول في هذا العالم الحديث. من خلال رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد أعادت المملكة العربية السعودية تعريف نفسها كصانع شراكات. وفي ترمب، تجد الرياض قائدًا يُدرك قيمة التحالفات الراسخة المبنية على المصلحة المشتركة.
تُسفر الجهود المتضافرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز العلاقات السعودية الأميركية، وإعادة تنظيمها اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، عن سلسلة من الاتفاقيات والاستثمارات التي تُبشّر بالتكامل الاقتصادي، وتوطين الصناعات، وتحقيق أقصى عوائد لكلا البلدين. تُحوّل المملكة العربية السعودية اقتصادها الذي كان يعتمد في السابق على النفط إلى دولة مُنْعَشَة اجتماعيًا واقتصاديًا، قائمة على الإنتاجية، مع مجموعة واسعة من فرص الأعمال الجديدة.
مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية كأول وجهة خارجية له بعد توليه الرئاسة يدخل التحالف حقبة جديدة تحمل في طياتها آفاقًا من الفرص الاستثمارية والأمنية. هذه الزيارة التي تغير صياغة المشهد السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وفق بوصلة القيادة السعودية، تعد ختم اعترافٍ على من يملك صناعة القرار في المنطقة بلغة الندّ.
في الرياض ، لن تعقد مجرد قمة، بل ستُعاد كتابة تعريف النفوذ وتوزيع الصوت السيادي ورأس المال الاستثماري. وفي هذا السياق كتبت صحيفة نيويورك بوست: "فيما كانت الوجهات الأولى للرؤساء الأميركيين تقليديًا إلى بريطانيا أو كندا ، تغير الاتجاه اليوم نحو السعودية، وباتت المملكة العربية السعودية نقطة التقاء الاقتصاد والسياسة العالمية، فبوصلة العالم تتجه شرقًا وبالتحديد عاصمة القرار- الرياض".
يعود الرئيس دونالد ترمب إلى أرض مألوفة في المملكة العربية السعودية، حيث اختار السعودية كوجهة لأول رحلة خارجية له في ولايته الثانية، تمامًا كما فعل في عام 2017، متجاوزًا مرة أخرى الحلفاء التقليديين الذين استضافوا الرؤساء عادة، وهو ما يخالف تقليدًا طويلاً. ويؤكد هذا القرار على استراتيجية أوسع نطاقا ينتهجها البيت الأبيض بقيادة ترمب، حيث تعطي الأولوية للتأثير الاقتصادي والاستراتيجي. وفي هذا الصدد أشار المحللون إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت الآن منطقة محورية في استقرار الاقتصاد العالمي، إذ تربط بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا. أما على الصعيد الأمني، استضافت السعودية الجهود الدبلوماسية الأميركية المستمرة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث لعبت دور الوسيط منذ بداية الصراع الروسي-الأوكراني، بما في ذلك تسهيل المحادثات.
لقد اتخذت المملكة بالفعل موقفًا دبلوماسيًا أكثر حزمًا، وأصبحت مركزًا للوساطة الدولية، بدءًا من تسهيل قنوات هادئة بين واشنطن وكييف وموسكو -كما ذكرنا-، وصولًا إلى تشجيع إيقاف إطلاق النار وتبادل الأسرى في مناطق الصراع المنسية. وحيثما يُؤجج الآخرون الفوضى، تعمل المملكة على احتوائها ووضع حد لها.
في ولايته الثانية الرئيس ترمب يدرك أنه بحاجة إلى كتابة مرحلة جديدة واستثنائية في عمر العلاقة الفريدة والتحالف الصلب بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية؛ لذلك ستضع هذه الزيارة التي أعادت إلى الأذهان الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون كلا البلدين في صدارة التحول العالمي في العديد من المجالات، في مقدمتها الطاقة بكل أشكالها.
القيادة الأميركية تدرك جيدًا بأن السعودية باتت تمثل بوابة الشرق الأوسط الحقيقي، دولة مستقرة ذات نفوذ اقتصادي جيوسياسي، وروح قيادية متجددة. إن عودة الرئيس ترمب تشكل تأكيدًا على الثقة المتبادلة، والتوافق الاستراتيجي، والإيمان المشترك بالدبلوماسية البراغماتية القائمة على المصالح والتي كانت دائمًا ركيزة أساسية للعلاقات السعودية الأميركية.
تحليل - عزام المشعل

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الجمعة إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على السلع المقبلة من الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل، مشيراً إلى أن التعامل مع التكتل في شأن التجارة صعب. وذكر ترمب على منصة "تروث سوشيال" التي يمتلكها، أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية، صعب جداً... مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة!". وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز" اليوم أن المفاوضين التجاريين للرئيس الأميركي يضغطون على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأميركية. ووفقاً للصحيفة، فإن المفاوضين يقولون إنه من دون تنازلات لن يحرز الاتحاد تقدماً في المحادثات لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20 في المئة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها القول إن الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي ماروش شفتشوفيتش اليوم بأن "مذكرة توضيحية" قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية. ولم تتمكن وكالة "رويترز" من التأكد من صحة التقرير على الفور، ولم يرد مكتب الممثل التجاري الأميركي بعد على طلب الوكالة للتعليق الذي أرسل خارج ساعات العمل الرسمية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة أولوف جيل لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني "أولوية الاتحاد الأوروبي هي السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة... اتفاق تستحقه علاقاتنا التجارية والاستثمارية الضخمة". وأضاف أن الاتحاد يواصل التفاعل بصورة نشطة مع الولايات المتحدة، وأنه من المقرر أن يتحدث شفتشوفيتش مع جرير اليوم. وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل إلى نص إطاري متفق عليه بصورة مشتركة للمحادثات، لكن الجانبين لا يزالان متباعدين إلى حد كبير. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) و20 في المئة على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل (نيسان). وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20 في المئة إلى النصف حتى الثامن من يوليو (تموز)، مما أعطى مهلة 90 يوماً لإجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً في شأن الرسوم الجمركية. ورداً على ذلك، علق الاتحاد الذي يضم 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأميركية، واقترح إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية من كلا الجانبين، غير أن إعلان ترمب اليوم يشكل مواجهة جديدة في العلاقات التجارية بين الطرفين.


الموقع بوست
منذ ساعة واحدة
- الموقع بوست
الذهب يتجه لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر
يتجه الذهب خلال التعاملات، اليوم الجمعة، لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال على الملاذ الآمن. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.2 بالامئة إلى 3299.79 دولار للأونصة (الأوقية). وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.2 بالمئة أيضا إلى 3299.60 دولار. وارتفع المعدن النفيس بنحو ثلاثة بالمائة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ أوائل أبريل.


الوئام
منذ 2 ساعات
- الوئام
هل تنهار العلاقة الأطول؟.. كندا تتحدى سياسات ترمب الحمائية
خاص – الوئام في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وأوتاوا، وفي وقت تتداعى فيه أسس النظام التجاري الغربي بسبب سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الحمائية، اجتمع مسؤولون أمريكيون وكنديون في محاولة لإعادة الاستقرار إلى العلاقات الثنائية التي طالما شكلت حجر زاوية في الاقتصادين. اللقاءات الجانبية ضمن قمة مجموعة السبع في بانف بكندا تعكس أهمية اللحظة ومحاولة احتواء التصعيد قبل أن يتحول إلى أزمة استراتيجية طويلة الأمد. محاولة لخفض التوتر على هامش قمة مجموعة السبع في بانف، التقى وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت مع وزير المالية الكندي فرانسوا فيليب شامبان لمناقشة التوترات التجارية المستمرة. ورغم التكتم على تفاصيل المحادثات، وصف شامبان اللقاء بالإيجابي، مشيرًا إلى 'تقدم ملموس وإحساس بالوحدة' بين دول المجموعة. من جانبه، صرّح بيسنت بأن اليوم كان 'مثمرًا جدًا'. اتفاق اقتصادي وأمني جديد في الوقت ذاته، كان الوزير الكندي المكلّف بالعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، دومينيك لوبلان، يجتمع مع مسؤولين من إدارة ترمب في واشنطن لبحث اتفاق اقتصادي وأمني جديد. وشدد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في أوتاوا على أن حكومته 'لن تتعجل لكنها مصممة على تحقيق أفضل صفقة لكندا. قمة السبع تبحث الاستقرار العالمي تركز اجتماعات مجموعة السبع على تنسيق الجهود بين الاقتصادات الغربية الكبرى لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي. غير أن السياسات التجارية الحمائية التي ينتهجها ترمب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من الحلفاء، أثارت مخاوف في الأسواق المالية، ودفعت الشركات لتقليص استثماراتها وخطط التوظيف. وتشهد العلاقات التجارية بين كندا والولايات المتحدة توترًا مستمرًا منذ أشهر. بينما تحتفظ واشنطن بتعريفات بنسبة 25% على سلع لا تدخل ضمن اتفاق التجارة الأمريكي المكسيكي الكندي، ردّت كندا بتعريفات انتقامية على واردات أمريكية بقيمة 43 مليار دولار. ومع ذلك، منحت أوتاوا إعفاءات مؤقتة لقطاعات السيارات والصناعات التحويلية لتسهيل التحول نحو مورّدين جدد. لا اتفاقات جديدة أفادت مصادر مطلعة أنه لا توجد خطط أمريكية حالية للإعلان عن اتفاقيات تجارية جديدة مع بقية دول مجموعة السبع عند اختتام القمة المالية. لكن اللقاء الثنائي بين بيسنت وشامبان يشير إلى سعي حثيث من قبل الطرفين لتجنب تصعيد إضافي. وسط هذه الأجواء، حذّر كارني من أن نمط العلاقات الاقتصادية التقليدية بين كندا والولايات المتحدة، وخصوصًا سلاسل التوريد المتكاملة، قد أصبح شيئًا من الماضي. واعتبر شامبان، في مداخلته الافتتاحية بالقمة، أن التجارة الحرة والعادلة أمر أساسي لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي، رغم اعترافه بأن سياسات الرسوم الأمريكية تخلق توترات داخل المجموعة. التأثيرات الاقتصادية تشير البيانات الأولية إلى أن الاقتصاد الكندي بدأ يعاني من آثار السياسات التجارية الأمريكية، لاسيما الرسوم الجمركية على السيارات والفولاذ والألمنيوم. هذا التأثير بات ملموسًا في سوق العمل الكندية، في ظل اعتماد البلاد على السوق الأمريكية التي تشكل نحو خُمس الناتج المحلي الكندي.