
القنابل الخمس التي يستخدمها الكيان في إبادة غزة
مع نهاية شهر يناير 2025، أفصح موقع "أكسيوس" الأميركي، نقلا عن ثلاثة من كبار المسؤولين الصهاينة عن قرار اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقضي برفع الحظر الذي كانت قد فرضته إدارة سلفه جو بايدن على إمدادات القنابل الثقيلة التي تزن ألفَيْ رطل المخصصة لإسرائيل.
ووفق ما نُقل، فإن ما يقارب 1800 قنبلة من طراز "مارك 84″، كانت ترقد في مستودعات عسكرية أميركية، قد تقرّر تحميلها على متن سفينة نقل عسكرية، في رحلة موجَّهة إلى السواحل الصهيونية.
وبحلول منتصف فبراير الماضي، لم يبقَ الأمر سريا، إذ أعلنت وزارة الأمن الصهيونية استلام الشحنة بالفعل، في وقت خرج فيه وزير دفاع الكيان يسرائيل كاتس ليُعلن أن هذه القنابل تُمثِّل "إضافة إستراتيجية مهمة".
تنتج قنبلة "مارك 84" التي تُصنّعها أميركا انفجارا هائلا يمكنه تدمير الهياكل الكبيرة وإحداث فجوات كبيرة في الأرض (أسوشيتد برس)
"مارك 84"
ليست هذه الواقعة إلا حلقة من سلسلة طويلة تتكرر، فبين عامي 2023 و2025، وفي ظل الهجمات الجوية الصهيونية المكثفة على قطاع غزة، كان السلاح الأميركي حاضرا بوضوح في خلفية المشهد، وكانت قنابل "مارك 84" تتصدر هذا المشهد، حتى غدت الأكثر استخداما.
لقد بلغ اتساع نطاق استخدامها حدًّا لم يعد يمكن تجاهله، وأضحى شاهدا دامغا على خروقات الكيان المتكررة للقانون الإنساني الدولي عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية.
وفي أكتوب 2024، أُعلنت نتائج دراسة دقيقة غاصت في تفاصيل تلك الهجمات، لتكشف أنه ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسقط طيران جيش الاحتلال ما لا يقل عن600 قنبلة من طراز "مارك 84″، كلٌّ منها تزن 2000 رطل (الرِّطْل يساوي 0.453 كيلوغرام)، على مناطق مأهولة وشديدة الحساسية، بما في ذلك المستشفيات. ليست هذه مجرد أرقام، بل هي مشاهد متكررة لأبنية منهارة، وأرواح أُزهقت تحت الركام.
وقد خلص الباحثون إلى أن إسرائيل تبنَّت نمطا ممنهجا في إسقاط هذه القنابل العملاقة قرب المستشفيات، في مسافات مدروسة تكفي لإلحاق أضرار جسيمة ووفيات مقصودة، وأوضحوا أن هذا النوع من التدمير لا يُخلِّف فقط آثارا فورية على النظام الصحي، بل يمتد أثره طويلا على كل مفصل من مفاصل الحياة في غزة.
قنبلة "مارك 84" هي أحد أبناء سلسلة "مارك 80" الأميركية، تلك العائلة من القنابل العامة التي تتفاوت أوزانها بين 250 و2000 رطل. لكنها، دون مبالغة، تُمثِّل الشقيق الأكبر والأشد تدميرا في هذه السلسلة. صُمِّمت لتكون متعددة المهام، قادرة على الانطلاق من طائرات عسكرية مختلفة، واستهداف بنى تحتية، وهياكل أرضية ضخمة.
لكن وجهها الأكثر رعبا يظهر في لحظة انفجارها؛ فهي تُحدث انفجارا هائلا قادرا على تسوية أبنية بالأرض، وإحداث فجوات ضخمة في عمق الأرض يصل حتى 11 مترا، وبعرض يصل إلى 20 مترا، بينما تمتد موجات الضغط التي تولِّدها إلى محيط كبير، مهددةً كل ما يقع في نطاقها بالتحطم.
ومع كل هذه القدرات التدميرية، تبقى "مارك 84" قنبلة "غبية"، أي إنها لا تحتوي على أنظمة توجيه ذكية، بل تعتمد على السقوط الحر، فبمجرد أن تُلقى من الطائرة، تتبع مسارا قوسيا بفعل الجاذبية، مما يجعلها أقل دقة، خاصة عندما تُلقى من ارتفاعات شاهقة.
من مفارقات هذه القنبلة أيضا أن بساطة تصميمها وقلة تكلفتها مقارنة بالذخائر الذكية الموجهة تجعلها خيارا مفضلا للدول التي تسعى لتقليل نفقات الحرب، حتى لو كان الثمن حياة المدنيين.
والواقع أن أحد التقارير الاستخباراتية الأميركية كشف أن نصف القنابل التي أسقطتها إسرائيل فوق غزة كانت من هذا النوع غير الموجَّه، رغم الكثافة السكانية الهائلة في القطاع، في مؤشر على نية متعمَّدة للإضرار بالمدنيين.
تتكون "مارك 84" من هيكل فولاذي انسيابي، يخبئ في داخله نحو 429 كيلوغراما من مادة "تريتونال" الشديدة الانفجار، وهي مزيج من ثلاثي نترو التولوين "تي إن تي" (TNT) ومسحوق الألمنيوم، يضاعف قدرة القنبلة على توليد الحرارة والانفجار. تتفجر هذه القنبلة عند ارتطامها بالهدف، أو بعده بلحظات، لتخترق الخرسانة أو طبقات الأرض، قبل أن تُطلق جحيمها.
لكن استخدامها في غزة، وهي منطقة مكتظة بالبشر، لا يتماشى مع ما صُنعت له، إذ صُمِّمت هذه القنابل بالأساس لتُستخدم في ساحات قتال مفتوحة، ضد أهداف عسكرية كبيرة، وليس فوق أحياء سكنية أو بالقرب من المستشفيات.
ولمزيد من فهم الآثار التدميرية لهذا النمط من استخدام القنابل، دعنا نقارن بين احتمالات سقوط قنبلة غير موجَّهة على منطقة ما، وأخرى موجَّهة. في الحالة الأولى يمكن أن تدمر القنبلة أي مكان تقع عليه ضمن منطقة مساحتها تصل إلى 125 ألف متر مربع، بما يساوي مساحة نحو 18 ملعب كرة قدم، بينما تنخفض تلك المساحة مع القنابل الذكية لتصل إلى 314 مترا مربعا.
"ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" هي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة (شترستوك)
ذخيرة الهجوم المباشر
وإلى جانب القنابل "الغبية" التي ترميها المقاتلات الإسرائيلية على قطاع غزة، هناك نوع آخر لا يقل خطرا، بل يتفوق عليها دقة وفعالية، يُعرف باسم "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك" [جي دي إيه إم] (JDAM)، وهي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل هي عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.
هذه المنظومة التقنية لا تُميّز بين قنبلة صغيرة تزن 250 رطلا، أو أخرى ثقيلة مثل "مارك 84" بوزن ألفَيْ رطل، فبمجرد أن تُزوَّد القنبلة بجهاز التوجيه هذا تتحول إلى قنبلة ذكية، فمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على "مارك 84" تتحول إلى قنبلة سُميت "بي إل يو 109" (BLU-109/MK 84K) قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، حتى في الظلام أو في الطقس العاصف.
تقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) وملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس" (INS)، وتُضاف زعانف توجيهية في الذيل لتُصحح مسار القنبلة أثناء سقوطها.
قبل أن تُقلع الطائرة الحربية، تقوم بتحميل إحداثيات الهدف في نظامها الإلكتروني. وفي أثناء الطيران، يمكن للطاقم تعديل هذه الإحداثيات يدويا، أو عبر أجهزة الاستشعار المتطورة على متن الطائرة، ما يمنحها قدرة على التعامل مع الأهداف المتغيرة أو المفاجئة. وبمجرد إطلاق القنبلة، تُصبح كالسهْم الهادف، تتّبع المسار المُحدد بدقة، حتى تهبط في قلب الهدف المقصود، بهامش خطأ لا يتجاوز في أفضل حالاته 5 إلى 10 أمتار فقط.
بدأ التفكير الجاد في هذا النوع من الذخائر بعد دروس من حرب الخليج الثانية، فقد كشفت سُحب الدخان والعواصف الرملية عن عجز خطير في قدرة القنابل التقليدية على إصابة أهدافها بدقة، خاصة حين تُطلَق من ارتفاعات عالية.
وفي عام 1992، بدأت الأبحاث، لتُتوَّج في أواخر التسعينيات باختبارات ناجحة حققت معدل دقة بلغ 9.6 أمتار، ومعدل موثوقية وصل إلى 95%، وهو رقم هائل في معايير سلاح الجو.
لكن كما هو حال كل ما يُصنَّع بدقة، يأتي هذا السلاح الذكي بتكلفة مرتفعة، إذ يبلغ سعر الواحدة منها قرابة 40 ألف دولار، مقابل تكلفة تتراوح بين 3 و16 ألف دولار لقنبلة "مارك 84" التقليدية، التي تُترك لمصيرها مع الجاذبية، متأرجحة في الهواء دون توجيه.
وتلك الفجوة في السعر تُقابلها فجوة مماثلة في الدقة، فبينما تهبط "جي دي إيه إم" (JDAM) في نطاق 5-10 أمتار من الهدف، قد تُخطئ "مارك 84" الهدف بمئات الأمتار، وهو ما يُترجَم في ميادين القتال إلى مزيد من الضحايا المدنيين، ومبانٍ تُدمَّر دون تمييز.
ورغم ما تحمله هذه الذخائر من "سمعة نظيفة" بوصفها قنبلة ذكية، فإن استخدامها في أماكن مأهولة يحولها إلى أداة قتل لا تقل فتكا عن القنابل العمياء. وفي غزة، حيث لا حدود تفصل بين المسكن والمستشفى وساحة المعركة، يبقى الفرق بين قنبلة "غبية" و"ذكية" مجرد وهم.
سبايس
وتستخدم إسرائيل مجموعة أخرى من أطقم القنابل الدقيقة التوجيه التي طورتها شركة "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة، تسمى "سبايس"، ومثل ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل "البسيطة" العادية مثل فئة "مارك" (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة، تبدأ أسعارها من 50 إلى 150 ألف دولار.
في مقدمة القنبلة، تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفا بصور مفصلة للهدف، أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة. وبفضل دمجها بين نظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس"، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى في غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.
ويُقاس نجاح القنابل الموجَّهة بما يُعرف بـ"احتمال الخطأ الدائري"، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا، تتفاخر "سبايس" بدقة تُقاس بأقل من 3 أمتار.
في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، في منطقة مواصي خان يونس، حيث خُيّل للنازحين أنها "منطقة آمنة"، انقضّ صاروخ من طراز "سبايس 2000″، يزن طنين من الحُمم، على خيام المدنيين.
فبحسب شهادات ثلاثة خبراء تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، واستنادا إلى نمط الشظايا وعمق الحفر، تأكد أن القنبلة التي استُخدمت في تلك المجزرة كانت من هذا الطراز، وبلغ عدد الشهداء ما لا يقل عن 90 فلسطينيا، بينما امتلأت المستشفيات بمئات المصابين، حسب وزارة الصحة في غزة.
ورغم أن القنبلة مُصمَّمة لتكون دقيقة، فإن استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان يفقدها أي قيمة أخلاقية أو قانونية، فحتى لو أصابت هدفها المحدد، فإن محيطها يمتلئ بالبشر الآمنين، ولم يتردد جيش الاحتلال في استخدامها بكثافة، حتى في المناطق التي طلبت من سكانها مسبقا النزوح إليها بحجة أنها "مناطق إنسانية".
سبايس-2000
القنبلة نفسها "سبايس 2000" شُوهدت مجددا في سماء بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أُبلغ عن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في حي الطيونة، أسفرت عن تسوية مبنى مكوّن من عشرة طوابق بالأرض.
ورغم أن شركة "رافائيل" هي الجهة المنتجة لـ"سبايس"، فإن الحرب تتطلب نهما لا تُشبعه المخازن المحلية. لذلك، في وقت مبكر من العدوان على غزة، وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل شحنات ضخمة من هذه القنابل، عُرفت بـ"مجموعات قنابل طائرة شراعية من طراز سبايس فاميلي"، بقيمة 320 مليون دولار، بحسب ما أفادت "نيويورك تايمز".
تبدأ تكلفة القنبلة الواحدة من 50 ألف دولار، وقد تصل إلى 150 ألفا، حسب نوع الهدف والمهمة، لكنها تظل، في رأي البعض، أرخص من إطالة أمد الحرب أو فشل المهمة العسكرية.
كل ما سبق (وما يلي) من قنابل، تنطلق غالبا من نوعين أساسيين من الطائرات أميركية الصنع التي تستخدمها إسرائيل بكثافة في الحرب الحالية على غزة، وهما "إف-15" و"إف-16″، تتميز الأولى بقدرتها على السيطرة على الأجواء بفضل محركاتها القوية وسرعتها التي تتجاوز ضِعْف سرعة الصوت، كما أنها تتمكن من تحمُّل كمية ضخمة من الأسلحة والتحليق لمسافات بعيدة، وتتميز الثانية برشاقتها وقدرتها العالية على المناورة، وتصميمها الذي يسمح بتنفيذ ضربات دقيقة بتكلفة تشغيل منخفضة نسبيا مقارنة بالطائرات الأثقل.
خارقات الحصون
خلال عملياتها في غزة، استخدم جيش الاحتلال قنابل خارقة للتحصينات (bunker-buster) بهدف تدمير الأنفاق التي ظلَّت عصية على الاختراق، هذه القنابل تطلق غاز أول أكسيد الكربون القاتل عند الانفجار، وهو غاز عديم اللون والرائحة، يسبب الاختناق داخل الأنفاق.
ولم تكن هذه الإستراتيجية وليدة اللحظة، بل بدأت بوادرها عام 2017، حين اكتشف جيش الاحتلال أن بعض قنابله تطلق غازات فتاكة عند الانفجار في الأماكن المغلقة، لتُجرَّب لأول مرة على أرض غزة عام 2021.
ولأن الأنفاق شبكة خفية صعبة الكشف، لا تُرى ولا تُرسم على الخرائط، ابتكر الإسرائيليون سياسة "التبليط" (Tiling)، التي تقوم على إسقاط سيلٍ من القنابل الخارقة للتحصينات زنة 2000 رطل على منطقة واسعة يُعتقد أنها تحتوي على شبكة أنفاق، حتى لو لم تكن هناك إحداثيات دقيقة.
القصف إذن لا يُوجَّه إلى نقطة، بل إلى محيط كامل، يصل مداه إلى مئات الأمتار. يُغطى الحيّ كما يُفرش البلاط، قنبلة تلو الأخرى، وكانت هذه العمليات تُنفَّذ بموافقة إسرائيلية وتنسيق أميركي مباشر، رغم إدراك الجميع الكامل والواضح أن القنابل لن تميّز بين مقاتل ومدني، وأن مئات الفلسطينيين قد يكونون "أضرارا جانبية" لهذا الجنون الهندسي.
بين عامي 2023 و2025، وخلال الصراع في غزة، استخدم الاحتلال عدة أنواع من القنابل الخارقة للتحصينات لاستهداف المنشآت المحصنة تحت الأرض، مثل قنابل "بلو-109 ب"، بوزن 2000 رطل، وقنابل "جي بي يو 28" (GBU-28)، الموجَّهة بالليزر، مع وزن 5000 رطل.
عادة ما تُعرف القنابل الخارقة للتحصينات بأنها تلك القنابل المُصمَّمة لاختراق الهياكل المحصنة والمخابئ تحت الأرض، مثل قنبلة "جي بي يو 28" التي يمكنها اختراق ما يصل إلى أكثر قليلا من 30 مترا من الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
صُمِّمت هذه القنابل لتكون ثقيلة نسبيا وتتحرك بسرعات عالية، ولذلك فإن أوزان بعض الأنواع من هذه القنابل تتخطى الطن للقنبلة الواحدة، وتؤدي الكتلة والسرعة العاليتان إلى كمية هائلة من الطاقة الحركية، مما يساعد القنبلة على اختراق الأرض أو الهياكل الخرسانية بعمق قبل أن تنفجر.
وتستخدم بعض القنابل الخارقة للتحصينات، خاصة تلك المُصمَّمة للاختراق العميق، معززات صاروخية تُنشَّط أثناء مرحلة الهبوط النهائية إلى الهدف، لزيادة سرعتها إلى أقصى حد.
إلى جانب ذلك، تُصمَّم القنابل بغلاف خارجي طويل نسبيا ونحيف ومقوَّى، وغالبا ما يكون مصنوعا من مواد مثل الفولاذ عالي القوة أو التنغستن أو في بعض الحالات يورانيوم منضب (وهو ناتج ثانوي لتخصب اليورانيوم)، تمتلك هذه المواد من الكثافة والشدة ما يركز الطاقة الحركية في مساحة سطح صغيرة، وهو ما يرفع قدرتها على اختراق الخرسانة والأرض.
وتتمثل إحدى السمات الرئيسية لقنابل اختراق التحصينات في الفتيل الذي يعمل متأخرا، فبدلا من الانفجار عند التلامس مثل القنابل التقليدية، تُبرمَج القنبلة للانفجار فقط بعد أن تخترق القنبلة الهدف بعمق، وهذا يضمن إطلاق الطاقة المتفجرة داخل الهيكل، مما يزيد من الضرر.
يمنع التفجير المتأخر القنبلة من الانفجار قبل الأوان على السطح، مما قد يؤدي إلى تبديد الطاقة إلى الخارج بدلا من تركيزها على الجزء الداخلي من المخبأ. وبمجرد اختراق القنبلة الهدف، فإنها تستخدم رأسا حربيا شديد الانفجار، مصنوعا عادة من مركبات قوية مثل "إتش إم إكس" أو "آر دي إكس"، بحيث يولد الانفجار موجة صدمة شديدة، مما يخلق ضغطا زائدا قويا وحرارة داخل المساحة الضيقة المستهدفة.
هيلفاير
في ربيع عام 2024، سجّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مشهدا يفوق الوصف في قطاع غزة، إذ رُصدت أجسادٌ لم تُقتل فحسب، بل بدت وكأنها تبخّرت أو ذابت في مكانها، عقب قصف إسرائيلي استهدف منازل سكنية. هذه الملاحظات دفعت المرصد للإشارة إلى أنه "يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليا، بما فيها القنابل الفراغية".
فما القنبلة الفراغية؟ إنها ليست مجرد قنبلة، بل جحيم تقني. هي سلاح لا يكتفي بانفجار واحد، بل يصنع عاصفة نارية تبدأ بسحابة من وقود معلق في الهواء، ثم يشعلها ليُولِّد انفجارا يفوق المتفجرات التقليدية بمراحل، ضغطا وحرارة ودمارا.
تُعرف القنابل الفراغية أيضا باسم الأسلحة الحرارية الباريّة، وتعمل على مرحلتين: تفجير أولي يُطلِق سحابة دقيقة من الوقود، على شكل قطرات أو مسحوق، تنتشر في الهواء، ثم تفجير ثانوي يُشعل هذه السحابة بعد أن تختلط بالأكسجين، فتتحول إلى كرة لهب حرارتها قد تتجاوز 3000 درجة مئوية، تُطلِق موجة ضغط هائلة تلتهم كل ما في نطاقها، خصوصا في الأماكن المغلقة مثل الأنفاق والملاجئ.
منصات التواصل الاجتماعي لم تكن بعيدة عن ساحة الحرب، فقد التُقطت صورة لطائرة أباتشي إسرائيلية مُحمَّلة بذخيرة تتدلّى منها شرائط حمراء، وهي إشارة معتمدة في نظام الشفرة الأميركي للدلالة على نسخة حرارية أو فراغية من صواريخ "هيلفاير".
يحتوي صاروخ "هيلفاير" من نوع "آي جي إم-114 إن" على رأس حربي حراري، مُصمَّم خصوصا لزيادة القوة القاتلة في الأماكن الضيقة، مثل المخابئ والكهوف والبيئات الحضرية.
وعلى عكس الرؤوس الحربية التقليدية التي تعتمد فقط على الانفجار والتفتت، فإن صاروخ "هيلفاير" الحراري يخلق موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية لزيادة الضرر إلى أقصى حدٍّ داخل منطقة مغلقة. ويَستخدم هذا الصاروخ شحنة معدنية متفجرة معززة، تُشتِّت مزيج الوقود والهواء ثم تُشعله، وينتج عن هذا انفجار ثانوي أكبر يعزز بشكل كبير من الضغط والتأثيرات الحرارية.
ما جرى في غزة لم يكن الحادثة الأولى، بل حلقة جديدة في سلسلة من الاستخدامات المثيرة للريبة. ففي حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، اتُّهِمت إسرائيل باستخدام هذه القنابل، وهو ما أثار انتقاد منظمة العفو الدولية، التي أعلنت أن "القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي".
ولا يُنسى مشهد من عام 1982، أثناء حصار بيروت، إذ أسقطت طائرات إسرائيلية قنبلة فراغية على مبنى سكني اعتقدوا أن ياسر عرفات يختبئ داخله. لم يكن عرفات هناك، بل 200 إنسان قُتلوا في لحظة واحدة.
وكالات

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 5 ساعات
- اليمن الآن
احتجاجات شعبية واسعة وانتقادات نخبوية أمريكية ودولية ضد هجمات ترمب على إيران.. لماذا؟
يمن إيكو|تقارير: لليوم الثاني على التوالي، تشهد الولايات المتحدة موجة احتجاجات شعبية واسعة شملت عشرات المدن ضد الغارات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، والتي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنسيق مع إسرائيل. وفقاً لما نشرته وسائل إعلام أمريكية ودولية ورصده وترجمه موقع 'يمن إيكو'. في ساعات مبكرة من فجر أمس الأحد، شنت الإدارة الأمريكية هجوماً جوياً مباشر على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث (فوردو، نطنز، وأصفهان'، مستخدمة طائرات B‑2 الشبح المعروفة بـ'قاذفات القنابل الاستراتيجية' وصواريخ توماهوك من الغواصات، في خطوة اعتبرت تصعيداً محورياً في الحرب القائمة بين إسرائيل وإيران منذ 13 يونيو الجاري، وقوبلت بإدانات دولية واسعة، وأدت إلى انقسام في الأوساط النخبوية وفي الرأي العام الأمريكي. كما أتت هذه الهجمات المفاجئة بالتزامن مع تصاعد المخاوف من خرق واضح للصلاحيات المشتركة بين الرئيس والكونغرس واتجاه نحو حرب جديدة، ترفضها النخب الأمريكية، التي اعترضت بقوة على سياسات ترامب وحروبه التجارية والعسكرية التي يمارسها خارج صلاحياته المقرة في الدستور الأمريكي. وظهرت انتقادات حادة لقرارات ترمب، في صفوف النخب السياسية، حيث وصفت عضو مجلس النواب الأمريكي ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، قرار ترامب ضرب إيران بدون موافقة الكونجرس بأنه انتهاك جسيم للدستور، قد يُشكل أساساً لعزله. ونشرت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي 'إكس': إن 'القرار الكارثي للرئيس بقصف إيران بدون تفويض من الكونجرس يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور ولصلاحيات الكونجرس في شؤون الحرب'. وأضافت: 'ترامب وضع البلاد على حافة حرب قد تؤثر على عدة أجيال'. وتعتقد أوكاسيو-كورتيز، 'أن هذا يُمثل سبباً واضحاً لا لبس فيه لعزل الرئيس'. ونقلت وكالة رويترز عن خبراء في الأسواق قولهم: إن هذه الخطوات عززت حالة القلق المالي، ودفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار، في وقت كانت الأسهم الأمريكية على وشك أن تتلقى ضربة لثقة المستهلكين. وأشار خبراء من مورغان ستانلي إلى أن ارتفاع أسعار النفط نتيجة التكهنات بمحاذير في مضيق هرمز سيمثل ضغوطاً إضافية تضخم التكاليف على الأسر الأمريكية، وقد يبطئ صعود الناتج المحلي الإجمالي، حسب وكالة رويترز. وصدر بعد الهجمات تحذيرات من المؤسسات الدولية من خطورة تداعيات التدخل الأمريكي إلى جانب إسرائيل ضد إيران، حيث أكدت مديرة صندوق النقد الدولي أن أي تصعيد قد يهدد نمو الاقتصاد العالمي، مع احتمال وصول أسعار النفط إلى مستوى 110 دولارات للبرميل في حال أغلقت إيران مضيق هرمز، فيما نقلت «فاينانشيال تايمز» عن محليين تأكيدهم أن هذا القرار قد يمثل بداية مشاركة أمريكية مباشرة وغير مسبوقة في النزاع، مع ما يترتب عليه من مخاطر طويلة الأمد.


المشهد اليمني الأول
منذ 5 ساعات
- المشهد اليمني الأول
ماذا بعد العدوان الأمريكي - "الإسرائيلي" الغادر على إيران؟
ماذا بعد أن نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده بالاعتداء على إيران مستهدفا، ليل الجمعة- السبت الماضي، أهم منشآتها النووية الأساسية (فوردو ونطنز واصفهان)، بوابل من القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات 'GBU-57' وبعدد من صواريخ 'التوماهوك'، عبر سرب من القاذفات الاستراتيجية 'B-2' الشبحية، والمدعومة بعشرات القاذفات المقاتلة 'F-35″ و'F-22' ؟؟. في الواقع، هناك كثير من المعطيات والتساؤلات الحساسة التي فرضها هذا العدوان، تستوجب الإشارة إليها؛ وهي: أولاً- مرة جديدة، تثبت الإدارة الأميركية أنها لا تعطي للقانون الدولي ومؤسساته أيّ قيمة، وهي تتجاوز – ساعة تجد مصلحتها وأين تجدها – القوانين والمؤسسات الدولية كلها، والتي تدعي- أي الولايات المتحدة الأمريكية- أنها شريكة أساسية في نشآتها وفي وجودها. لقد انقسم الداخل الأميركي حيال مشروعية هذا العدوان أو عدم مشروعية، وفي جدواه أو عدم جدواه، حيث اتفقت أغلب دول العالم على عدم مشروعية هذا العدوان، ووضعته ضمن مسار الخداع التاريخي الذي تشتهر به الإدارة الأميركية لتسويغ اعتداءاتها على الدول، بحجج واهية، تختلقها بكل سهولة واستهتار بالوقائع الصحيحة والفعلية. ثانيًا- على الرغم من إدعاء الإدارة الأميركية- بشخص رئيسها ترامب- أن العدوان حقق هدفه بتدمير القدرة النووية السلمية الإيرانية بكاملها، وبتدمير النواة العسكرية لهذه القدرة، يمكن الاستنتاج من أغلب المصادر والمعطيات الجدية، سواء الإيرانية أم الدولية، وخاصة بسبب عدم ورود أي إفادة عن أي تسرب إشعاعي من أي من المنشآت المستهدفة، وبتأكيد أكثر من مصدر للحركة الضخمة لشاحنات نقل وُجدت في المواقع المستهدفة قبل تنفيذ العدوان، بأن هذا الأخير كان أشبه باستعراض إعلامي سياسي عسكري، وبأن البنية الأساسية للقدرات النووية الإيرانية، لناحية أجهزة التخصيب الحديثة أو لناحية كميات اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، قد نقلت إلى أمكنة بعيدة وآمنة وسرية، وأن الكادر الفني والهندسي العلمي النووي الايراني، على الرغم من استشهاد بعض مهندسيه غدرًا في الاعتداءات 'الإسرائيلية'، ما يزال موجودًا وقادرًا على متابعة عمله السيادي، ساعة تريد القيادة الإيرانية، وفي المكان المناسب. ثالثًا- على الرغم من هذا العدوان الأميركي على منشآت إيران النووية، تابعت طهران وبتصاعد لافت، مناورتها الصاروخية ضد كيان الاحتلال، محدثة تدميرًا غير مسبوق وغير منتظر، في كل مدن الكيان. ومع إدخالها صواريخ جديدة ومتطورة، في دقتها وفي قدرتها التدميرية، وفي إمكاناتها الواسعة على الإفلات من أكثر منظومات الدفاع الجوي الحديثة 'الإسرائيلية' والأميركية، أثبتت إيران إن قدرتها على التأثير وعلى الردع في مواجهة العدو 'الإسرائيلي' تنمو وتتطور وتتوسع، وبأن هذه القدرات مستقلة تمامًا عن القدرة النووية التي استهدفها العدوان الاميركي، وهي غير مرتبطة بها بتاتًا. انطلاقا من ذلك كله؛ وبمعزل عن المسار الديبلوماسي الذي ما يزال استئنافُه واردًا وبقوة، والذي لم ترفضه أصلاً إيران يومًا، لم يعطِ هذا العدوان الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية أي نقطة إيجابية لمصلحة أمن كيان الاحتلال وتوازنه وموقفه، لا بل تزداد يومًا بعد يوم حال اليأس والخوف بين المستوطنين، وتضعف يومًا بعد يوم ثقة هؤلاء بمسؤوليهم وبقدرتهم على حمايتهم وعلى تثبيت وجودهم الآمن أو حمايته في الأراضي التي يحتلونها، والأهم من ذلك كله، أن هذا العدوان الأميركي قد حرر إيران من قيود منظمات دولية معنية بالطاقة الذرية أو بغيرها، لم تكن يومًا إلّا ذراعًا خبيثًا للولايات المتحدة الأمريكية وللصهاينة. شارل أبي نادر عميد متقاعد في الجيش اللبناني


اليمن الآن
منذ 6 ساعات
- اليمن الآن
"إلى الأبد".. تصريح مفاجئ من (ترامب)!
أخبار وتقارير (الأول) وكالات: أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة "إن بي سي نيوز" بأنه يتوقع أن يستمر وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، الذي أعلنه يوم الإثنين، "إلى الأبد". وقال ترامب للشبكة الأميركية: "أعتقد أن وقف إطلاق النار غير محدود. سيستمر إلى الأبد". ووصف وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بأنه "يوم رائع للعالم". وكانت "رويترز" قد نقلت عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن ترامب "توسط في اتفاق وقف إطلاق النار في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". ووفق المسؤول في البيت الأبيض فإن إسرائيل "وافقت على وقف إطلاق النار ما لم تشن إيران هجمات أخرى، وبعد أن أبلغت إيران أميركا بأنها لن تشن المزيد من الهجمات". وأضاف المسؤول أن "نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث ستيف ويتكوف عقدوا محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الإيرانيين للتوسط في وقف إطلاق النار". ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول قوله إن رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ضمن موافقة إيران على اقتراح وقف إطلاق النار الأميركي في مكالمة مع مسؤولين إيرانيين بعد الهجمات الإيرانية على قاعدة "العديد" الأميركية في قطر يوم الإثنين. وأشار المسؤول المطلع على المفاوضات إلى أن الرئيس ترامب أبلغ أمير قطر بأن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار وطلب مساعدة قطرية لإقناع إيران بالموافقة أيضا. وأعلن ترامب، الإثنين، الاتفاق على على وقف كامل لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وكتب ترامب في منشور على حسابه في "تروث سوشيال"، أنه "بعد مرور 24 ساعة تكون النهاية الرسمية للحرب بين إسرائيل وإيران". وأوضح ترامب أن إيران ستلتزم وقف النار "بعد حوالي ست ساعات من الآن"، تليها إسرائيل بعد 12 ساعة من ذلك. وحسبما ذكر ترامب فإن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران "يبدأ رسميا الساعة 4 من فجر الثلاثاء بتوقيت غرينتش". وتابع الرئيس الأميركي قائلا: "منعنا حربا كانت ستمتد سنوات". وشدد على أن "الحرب بين إيران وإسرائيل كانت ستؤدي إلى دمار المنطقة لو استمرت. أود أن أهنئ البلدين، إسرائيل وإيران، على امتلاكهما للقدرة والشجاعة والذكاء لإنهاء ما ينبغي أن تسمى حرب الاثني عشر يوما". واختتم ترامب منشوره قائلا: "بارك الله إسرائيل وإيران والشرق الأوسط".