
العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)
أمينة المستاري
الآلة الحيوية
هندسة الحيوالة تكنولوجيا جديدة قد تغير قوانين الحياة،
يقول يوفال هراري، والحيوالة كائنات تتكون من أجزاء عضوية وأخرى غير عضوية، مثل إنشان بيدين إلكترونيتين ميكانيكيتين. ويشبه الكاتب الإنسان الحالي كآلة حيوية ، لأنه يدعم حواسه الطبيعية بأجهزة كالنظارات وأجهزة ضبط نبضات القلب...خصائص تحور قدراته ورغباته وشخصيته وهويته..لتجعله أقرب من آلة حيوية فعلا.
في هذا الصدد، يشير هراري إلى مشاريع بحوث تقوم بها وكالة البحوث الدفاعية القومية الأمريكية، وهي ذات أهداف عسكرية، يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية وأجهزة كشف معالجات في جسم صراصير أو ذباب..تمكن الإنسان أي المشغل من التحكم في حركاتها عن بعد وتجعلها تجمع المعلومات وتنقلها. ويمكن تسخيرها في أعمليات التجسس، ونفس الأمر بالنسبة لأسماك القرش...
بالنسبة للإنسان العاقل، يذكر الكاتب الجيل الأحدث من مساعدات السمع "آذان آلية حيوية"، وشبكية عين اصطناعية تسمح للمكفوفين بالرؤية الجزئية، الذراعين الآليين الحيويتين التي تداران بالأفكار فقط، هذه الأذرع بديلا سيئا لأذرعنا العضوية الأصلية لكنها تمتلك إمكانيات غير محدودة للتطور....مشاريع عدة تحدث عنها هراري لكن أهمها محاولة ابتكار منصة حاسوبية دماغية ثنائية الاتجاه مباشرة تسمح للحاسوب بقراءة الإشارات الكهربائية لدماغ بشري، وترجع إشارات كهربائية يمكن للدماغ قراءتها في المقابل.
ويتساءل الكاتب عما سيحدث للسيرة الذاتية لكل شخص؟ لمفاهيم مثل النفس والهوية الجنسية حين تصبح العقول جماعية؟ لن يصبح الحيوال بشريا ولا حتى عضويا، سيكون شيئا مختلفا.
أما الطريقة الثالثة لتغيير قوانين الحياة فهي كائنات غير عضوية كفيروسات الحاسوب وبرامجه التي قد تخضع لتطور مستقل.
ولعل أهم برنامج مثير للاهتمام في علوم الحاسوب البرامج الجينية والذي يحاكي طرق التطور الجيبي ... مشروع دماغ الإنسان الذي يهدف إلى إعادة إنشاء دماغ إنسان كامل داخل حاسوب بدوائر إلكترونية في الحاسوب تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ... أسئلة عديدة حول مآل مشاريع وينتظر أن يحصل على جواب في وقت ما .
يستطرد هراري قائلا أن هندسة العالم داخل أجسامنا وعقولنا آخذة في التطور بسرعة فائقة، والعديد من المجالات تتعرض لهزات تخرجها من ثباتها، ويجب على جهات عديدة التعامل مع ألغاز الهندسة الحيوية والحيوالات والحياة غير العضوية.
يضيف الكاتب أنه من المحتمل أن يكون سادة العالم المستقبليون أكثر اختلافا عنا من الختلافنا عن إنسان النياندرتال، ففي حين نشترك مع هذا الأخير في كوننا بشرا فإن ورثتنا سيكونون أشباه آلهة" خارقون".
نبوءة فرانكنشتاين
أصبحت قصة فرانكنشتاين من تأليف ماري شيلي سنة 1818م، التي تحكي قصة عالم يخلق كائنا اصطناعيا يخرج عن السيطرة ويتسبب في فوضى، أصبحت دعامة مركزية في أساطيرنا العلمية الجديدة. فالقضة تبدو كما لو تحذرنا من محاولة أدائنا دور الرب وهندسة الحياة، فسنعاقب بشدة لكن القصة لها معنى أعمق.
تواجه أسطورة فرانكنشتاين الإنسان العاقل بحقيقة مفادها أن الأيام الأخيرة تقترب بسرعة، ما لم تتدهل الكوارث النووية أو البيئية، فوثيرة التقنية ستؤدي إلى استبدال الإنسان العاقل بكائنات مختلفة تماما من حيث العواطف والمعرفة والبنى...بشكل يخالفنا وسيشغل مكاننا بأشكال حياة غريبة تتقزم قدراتنا أمامها.
سيكون من الصعب تقبل أن العلماء يمكنهم هندسة الأرواح مثل هندسة الأجسام، لكن يعود الكاتب للقول أن المستقبل غير معروف، على الرغم من كل ما سبق ذكره، وقد لا يتحقق ما نخافه لوجود عقبات غير متوقعة، ويؤكد هراري أن ما يجب أخذه على محمل الجد أن المرحلة القامة من التاريخ لن تشمل فقط التحولات التقنية والتنظيمية، بل أيضا تحولات أساسية في الوعي والهوية البشريتين، ولا يمكن معرفة كم نملك من الوقت، ويضيف أن البعض يتوقع أن يكون بعض البشر مع حلول 2050 "صعبي الفناء".
يطرح هراري سؤال : ماذا نريد أن نصبح؟ ويقول أن هذا السؤال يجعل جميع المناقشات التي تشغل بال العلماءء والسياسيين والفلاسفة...عديمة الأهمية، وستختفي جميع النقاشات بين الأديان والأيديولوجيات باختفاء الإنسان العاقل. كما أن المناقشات العظيمة للتاريخ مهم لأن الجيل الأول من أشباه الآلهة سيتشكلون على الأقل بالأفكار الثقافية لمصمميهم البشريين.
يفضل معظم الناس عدم التفكير في الأمر، فمجال أخلاقيات البيولوجيا يفضل التطرق لسؤال :" ما هي الأمور المحظورة؟" هل من المقبول أن تجرى تجارب على جينات الطائنات الحية؟ على أجنة أجهضت؟ على الخلايا الجذعية؟ هل أخلاقيا استنساخ الأغنام والشنابز والبشر؟؟؟
يعتبر هراري أنه من السذاجة الضغط على الفرامل لإيقاف مضل هذه المشاريع العلمية التي تقوم بتحديث الإنسان العاقل إلى نوع مختلف من الوجود، وذلك لارتباطها بمشروع جلجامش. وإذا تم طرح أسئلة على العلماء كسبب دراسة الجينوم أو إيصال الدماغ بالحاسوب ستحصل على نفس الأسئلة: علاج الأمراض، إنقاذ حياة البشر وهي أجوبة لا يجادل أحد فيها، رغم أن مشروع جلجامش هو الذي يقود العلم ومن الصعب إيقاف جلجامش وبالتالي إيقاف فرانكنشتاين، والطريقة الوحيدة التي يمكن فعلها هو التأثير على الاتجاه الذي سيسلكانه.
الحيوان الذي أصبح إلها
يخلص هراري في خاتمة كتابه "العاقل" إلى القول أنه قبل 70 ألف سنة، كان الإنسان العاقل حيوانا لا أهمية له، ثم حول نفسه إلى سيد للكوكب ورعب للنظام البيئي، وها هو يقف على عتبة أن يصبح إلها، ليس فقط الوصول للخلود بل الاستحواذ على القدرات الإلهية للخلق والتدمير.
يؤكد هراري أن الإنسان لم ينتج الكثير ليفخر به، لكن هل قلل من المعاناة في العالم؟ يجيب "لم يحسن الإنسان الزيادة الهائلة في سلطة البشر رفاه الأفراد، وعادة سببت معاناة هائلة للحيوانات الأخرى. وفي الوقت الذي حققنا تقدما فيما يتعلق بشروط حياة الإنسان، تدهورت حالة الحيوانات. لكن يبقى البشر غير متأكد من أهدافه وغير راض عن نفسه، ورغم التقدم ودرجة القوة التي وصلنا إيها إلى أن لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟
يعتبر الإنسان نفسه آلهة لا يوجد من يسائله، فهو يعيث فسادا برفاقه من الحيوانات وبالنظام البيئي المحيط، فهل هناك أكثر خطورة من آلهة غير راضية وغير مسؤولة ولا تعرف ماذا تريد؟ سؤال يبقى معلقا.
شارك المقال

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة 24
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- الجريدة 24
العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)
أمينة المستاري الآلة الحيوية هندسة الحيوالة تكنولوجيا جديدة قد تغير قوانين الحياة، يقول يوفال هراري، والحيوالة كائنات تتكون من أجزاء عضوية وأخرى غير عضوية، مثل إنشان بيدين إلكترونيتين ميكانيكيتين. ويشبه الكاتب الإنسان الحالي كآلة حيوية ، لأنه يدعم حواسه الطبيعية بأجهزة كالنظارات وأجهزة ضبط نبضات القلب...خصائص تحور قدراته ورغباته وشخصيته وهويته..لتجعله أقرب من آلة حيوية فعلا. في هذا الصدد، يشير هراري إلى مشاريع بحوث تقوم بها وكالة البحوث الدفاعية القومية الأمريكية، وهي ذات أهداف عسكرية، يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية وأجهزة كشف معالجات في جسم صراصير أو ذباب..تمكن الإنسان أي المشغل من التحكم في حركاتها عن بعد وتجعلها تجمع المعلومات وتنقلها. ويمكن تسخيرها في أعمليات التجسس، ونفس الأمر بالنسبة لأسماك القرش... بالنسبة للإنسان العاقل، يذكر الكاتب الجيل الأحدث من مساعدات السمع "آذان آلية حيوية"، وشبكية عين اصطناعية تسمح للمكفوفين بالرؤية الجزئية، الذراعين الآليين الحيويتين التي تداران بالأفكار فقط، هذه الأذرع بديلا سيئا لأذرعنا العضوية الأصلية لكنها تمتلك إمكانيات غير محدودة للتطور....مشاريع عدة تحدث عنها هراري لكن أهمها محاولة ابتكار منصة حاسوبية دماغية ثنائية الاتجاه مباشرة تسمح للحاسوب بقراءة الإشارات الكهربائية لدماغ بشري، وترجع إشارات كهربائية يمكن للدماغ قراءتها في المقابل. ويتساءل الكاتب عما سيحدث للسيرة الذاتية لكل شخص؟ لمفاهيم مثل النفس والهوية الجنسية حين تصبح العقول جماعية؟ لن يصبح الحيوال بشريا ولا حتى عضويا، سيكون شيئا مختلفا. أما الطريقة الثالثة لتغيير قوانين الحياة فهي كائنات غير عضوية كفيروسات الحاسوب وبرامجه التي قد تخضع لتطور مستقل. ولعل أهم برنامج مثير للاهتمام في علوم الحاسوب البرامج الجينية والذي يحاكي طرق التطور الجيبي ... مشروع دماغ الإنسان الذي يهدف إلى إعادة إنشاء دماغ إنسان كامل داخل حاسوب بدوائر إلكترونية في الحاسوب تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ... أسئلة عديدة حول مآل مشاريع وينتظر أن يحصل على جواب في وقت ما . يستطرد هراري قائلا أن هندسة العالم داخل أجسامنا وعقولنا آخذة في التطور بسرعة فائقة، والعديد من المجالات تتعرض لهزات تخرجها من ثباتها، ويجب على جهات عديدة التعامل مع ألغاز الهندسة الحيوية والحيوالات والحياة غير العضوية. يضيف الكاتب أنه من المحتمل أن يكون سادة العالم المستقبليون أكثر اختلافا عنا من الختلافنا عن إنسان النياندرتال، ففي حين نشترك مع هذا الأخير في كوننا بشرا فإن ورثتنا سيكونون أشباه آلهة" خارقون". نبوءة فرانكنشتاين أصبحت قصة فرانكنشتاين من تأليف ماري شيلي سنة 1818م، التي تحكي قصة عالم يخلق كائنا اصطناعيا يخرج عن السيطرة ويتسبب في فوضى، أصبحت دعامة مركزية في أساطيرنا العلمية الجديدة. فالقضة تبدو كما لو تحذرنا من محاولة أدائنا دور الرب وهندسة الحياة، فسنعاقب بشدة لكن القصة لها معنى أعمق. تواجه أسطورة فرانكنشتاين الإنسان العاقل بحقيقة مفادها أن الأيام الأخيرة تقترب بسرعة، ما لم تتدهل الكوارث النووية أو البيئية، فوثيرة التقنية ستؤدي إلى استبدال الإنسان العاقل بكائنات مختلفة تماما من حيث العواطف والمعرفة والبنى...بشكل يخالفنا وسيشغل مكاننا بأشكال حياة غريبة تتقزم قدراتنا أمامها. سيكون من الصعب تقبل أن العلماء يمكنهم هندسة الأرواح مثل هندسة الأجسام، لكن يعود الكاتب للقول أن المستقبل غير معروف، على الرغم من كل ما سبق ذكره، وقد لا يتحقق ما نخافه لوجود عقبات غير متوقعة، ويؤكد هراري أن ما يجب أخذه على محمل الجد أن المرحلة القامة من التاريخ لن تشمل فقط التحولات التقنية والتنظيمية، بل أيضا تحولات أساسية في الوعي والهوية البشريتين، ولا يمكن معرفة كم نملك من الوقت، ويضيف أن البعض يتوقع أن يكون بعض البشر مع حلول 2050 "صعبي الفناء". يطرح هراري سؤال : ماذا نريد أن نصبح؟ ويقول أن هذا السؤال يجعل جميع المناقشات التي تشغل بال العلماءء والسياسيين والفلاسفة...عديمة الأهمية، وستختفي جميع النقاشات بين الأديان والأيديولوجيات باختفاء الإنسان العاقل. كما أن المناقشات العظيمة للتاريخ مهم لأن الجيل الأول من أشباه الآلهة سيتشكلون على الأقل بالأفكار الثقافية لمصمميهم البشريين. يفضل معظم الناس عدم التفكير في الأمر، فمجال أخلاقيات البيولوجيا يفضل التطرق لسؤال :" ما هي الأمور المحظورة؟" هل من المقبول أن تجرى تجارب على جينات الطائنات الحية؟ على أجنة أجهضت؟ على الخلايا الجذعية؟ هل أخلاقيا استنساخ الأغنام والشنابز والبشر؟؟؟ يعتبر هراري أنه من السذاجة الضغط على الفرامل لإيقاف مضل هذه المشاريع العلمية التي تقوم بتحديث الإنسان العاقل إلى نوع مختلف من الوجود، وذلك لارتباطها بمشروع جلجامش. وإذا تم طرح أسئلة على العلماء كسبب دراسة الجينوم أو إيصال الدماغ بالحاسوب ستحصل على نفس الأسئلة: علاج الأمراض، إنقاذ حياة البشر وهي أجوبة لا يجادل أحد فيها، رغم أن مشروع جلجامش هو الذي يقود العلم ومن الصعب إيقاف جلجامش وبالتالي إيقاف فرانكنشتاين، والطريقة الوحيدة التي يمكن فعلها هو التأثير على الاتجاه الذي سيسلكانه. الحيوان الذي أصبح إلها يخلص هراري في خاتمة كتابه "العاقل" إلى القول أنه قبل 70 ألف سنة، كان الإنسان العاقل حيوانا لا أهمية له، ثم حول نفسه إلى سيد للكوكب ورعب للنظام البيئي، وها هو يقف على عتبة أن يصبح إلها، ليس فقط الوصول للخلود بل الاستحواذ على القدرات الإلهية للخلق والتدمير. يؤكد هراري أن الإنسان لم ينتج الكثير ليفخر به، لكن هل قلل من المعاناة في العالم؟ يجيب "لم يحسن الإنسان الزيادة الهائلة في سلطة البشر رفاه الأفراد، وعادة سببت معاناة هائلة للحيوانات الأخرى. وفي الوقت الذي حققنا تقدما فيما يتعلق بشروط حياة الإنسان، تدهورت حالة الحيوانات. لكن يبقى البشر غير متأكد من أهدافه وغير راض عن نفسه، ورغم التقدم ودرجة القوة التي وصلنا إيها إلى أن لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ يعتبر الإنسان نفسه آلهة لا يوجد من يسائله، فهو يعيث فسادا برفاقه من الحيوانات وبالنظام البيئي المحيط، فهل هناك أكثر خطورة من آلهة غير راضية وغير مسؤولة ولا تعرف ماذا تريد؟ سؤال يبقى معلقا. شارك المقال


الجريدة 24
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- الجريدة 24
العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)
أمينة المستاري تحرر العقلاء من نظام الانتقاء البيولوجي كباقي الكائنات الحية، خضع العقلاء لقوى فيزيائية وتفاعلات كيميائية وعمليات انتقاء طبيعي، وقدم هذا الانتقاء للعاقل المجال للمناورة لكنه ظل محدودا، وكانت النتيجة أن ظل العقلاء عاجزين عن التحرر من حدودهم المقدرة بيولوجيا. لكن بحلول القرن 21 تجاوز العاقل تلك الحدود بل وبدأ بخرق قوانين الانتقاء الطبيعي، ليستبدلها بقوانين التصميم الذكي. يشير هراري إلى أن أول صدع في النظام القديم خلال الثورة الزراعية، بعد أن اكتشف العقلاء أنه إذا تزاوجت الدجاجة الأسمن مع الديك الأبطأ فبعض ذريتهما سيكون بطيئا وسمينا ...فكانت تلك السلالة نتيجة تصميم ذكي إنساني لا إلهي، لكنها تظل مهارة محدودة مقارنة مع الإله الكلي القدرة، فهم لم يستطيعوا إدخال خصائص جديدة تماما كانت موجودة أصلا في التركيبة الوراثية للدجاج البري. يضيف هراري أن نظام الانتقاء الطبيعي ذو 4 مليارات سنة يواجه تحديا مختلفا، إذ يهندس العلماء في مختبرات حول العالم كائنات حية، وهم يخرقون قوانين الانتقاء الطبيعي بمأمن من العقاب. ففي سنة 2000م قرر فنان بيولوجي برازيلي "إدواردو كاك" أن يخلق عملا فنيا عبارة عن أرنبا خضراء فلورية، وتواصل مع مختبر فرنسي قام بزرع جينوم مأخوذ من قناديل البحر الفلورية الخضراء وزرعوه في جينوم أرنب أبيض وسمي الأرنب "ألبا". اعتبر الكاتب أن هذا الأمر يعتبر إرهاصا لأمور مقبلة، وقد تثبت الثورة العلمية أنها أكبر من مجرد ثورة تاريخية وأنها الثورة البيولوجية الأهم على كوكب الأرض، وستقف ألبا عند فجر عصر كوني جديد، وستحكم فيه الحياة بتصميم ذكي، وعندها يمكن أن يعاد تفسير التاريخ البشري بأكمله. يؤكد يوفال هراري أن علماء الأحياء يخوضون معركة مع حركة التصميم الذكي التي تعارض رؤى التطور الدارويني في المدارس، وتدهي أن التعقيد البيولوجي يثبت أن هناك خالق فكر في كل التفاصيل البيولوجية مسبقا. فعلماء الأحياء على حق فيما يتعلق بالماضي ، لكن أنصار التصميم الذكي على حق فيما يتعلق بالمستقبل. ويمكن الاستعاضة عن الانتقاء الطبيعية، حسب هراري، بالتصميم الذكي: الهندسة البيولوجية، هندسة الحيوالة أي الحيوان-الآلة، هندسة الحياة غير العضوية. فئران ورجال يعتبر هراري أن الهندسة البيولوجية تعد تدخلا قصديا على المستوى البيولوجي كزرع جين بهدف تغيير شكل كائن أو قدراته أو احتياجاته أو رغباته...وهذه استخدمها الناس منذ آلاف السنين لإعادة تشكيل الكائنات أو أنفسهم كالخصاء (الحيوانات)، خصي الشباب حتى يمكنهم الإشراف على حريم السلطان...بل وتم تغيير جنس الرجل بعلاجات جراحية وهرمونية، بل وزرع أذن في ظهر فأر ولربما تصنع آذان اصطناعية يمكن زرعها لاحقا في البشر. هذه الهندسة تثير مجموعة من الإشكالات الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية، ويشترك الموحدون مع الملحدون في رفض أن يقوم الإنسان بممارسة دور الرب، ورفوا تدخل العلماء في عمل الطبيعة، وعارض نشطاء حقوق الحيوان تعريضه للتجارب ويخشى نشطاء حقوق الإنسان أن تستخدم الهندسة الوراثية في خلق بشر خارقين يستعبدوننا، ويقدم المتنبؤون رؤى مروعة لدكتاتوريات بيولوجية تستنسخ جنودا شجعانا وعمالا مطيعين...فالقدرة على تحوير الجينات تفوق القدرة على استخدامها بحكمة. فالعلماء يعملون على هندسة كائنات كالنباتات والفطريات والبكتيريا والحشرات، ويجربون تحويل الخنازير ذات الدهون السيئة أميغا6 إلى دهون صحية أوميغا3، بعد أن تمكنوا من تمديد متوسط عمر نوع من الديدان إلى 6 أضعاف، وأيضا فئران عبقرية ذات ذاكرة ومهارات محسنة جدا...ويتم العمل على تحويل الفئران المتعددة العلاقات إلى فئران وفية لشريك واحد، ولربما يطبق ذلك على البشر بل وهندسة بناهم الاجتماعية؟ عودة إنسان النياندرتال يؤكد هراري أن العلماء يهدفون إلى إحياء كائنات منقرضة، فقد رسموا خارطة جينوم الماموث القديم وهو يخطون لأخذ خلية بويضة مخصبة من فيل معاصر واستبدال الحمض النووي للفيل بالحمض النووي المعاد بناؤه للماموث، وزرع البويضة في رحم فيل، وبعد 22 شهر يتوقعون ولادة أول ماموث منذ 5000سنة. يشير الكاتب إلى أن البروفيسور البريطاني جورج تشيرش إقترح إمكانية زرع الحمض النووي للنياندرتال المعاد بناؤه في بويضة إنسان عاقل للحصول على أول طفل نياندرتال منذ 30 ألف سنة، بتكلفة 30 مليون دولار وتطوعت نساء لصبحن أمهات بديلات. ويعلل البعض أن هذه التجربة تمكن من الإجابة عن سؤال أصل وتفرد الإنسان العاقل. إضافة إلا أنه إذا كان الإنسان من قضى على النياندرتال فعليه إعادته إلى الحياة، فيما علل البعض أن وجود بعض النياندرتال في بعض المصانع سيمكن القيام بعمل إثنان من العقلاء. يقول الكاتب أنه لربما تعدى الأمر تصميم إنسان عاقل باعتبار أن جيناته معقدة على غرار جينات الفئران، ولربما تمكن الهندسة الوراثية من خلق بشر عباقرة بإجراء تغييرات في وظائف الأعضاء والنظام المناعي والقدرات الفكرية والعاطفية...؟ واعتبر من الصعب للحجج الأخلافية أن تكبح الخطوات التالية لإنتاج بشر خارقين أو إطالة عمر الإنسان أو قهر الأمراض المستعصية ... يخلص هراري إلى القول أنه لن تؤدي عمليات ترقيه الجينات إلى قتلنا بالضرورة، لكن قد نحور الإنسان العاقل حتى لن نكون بعد بشرا عقلاء . شارك المقال


الجريدة 24
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- الجريدة 24
كيف تطورت القدرات العقلية للبشر منذ 70 الف سنة ؟
كتاب "العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري" من تأليف يوڤال نوح هراري، يقدم ملخصاً شاملاً لتاريخ البشرية من ظهور الإنسان الأول إلى العصر الحديث. الكتاب حضي باهتمام واسع، ودفع بيل غيتس إلى تقديم نصيحة لكل مهتم بتاريخ الجنس البشري أن يقرأه، وبيعت منه ملايين النسخ، وقام بترجمته حسين العبري وصالح بن علي الفلاحي. قسم الكاتب مؤلفه إلى أربعة أجزاء رئيسية (الثورة الذهنية، الثورة الزراعية، توحيد البشر، الثورة العلمية)، ثورات مهمة في مسار التاريخ، حيث قدحت الثورة الأولى زناد التاريخ قبل 70 ألف سنة، وسرعته الثورة الثانية قبل 12 ألف سنة، وقد تنهيه الثورة العلمية التي ظهرت قبل 500 سنة. يستعرض هراري تأثير تلك الثورات في البشر والكائنات المرتبطة بهم، وأهم المراحل التي شكلت تطور الجنس البشري وتأثيرها على المجتمع، والثقافة، والبيئة، وعلاقات البشر ببعضهم. الثورة الإدراكية أو الذهنية في هذا الجزء، يناقش هراري كيفية تطور القدرات العقلية للبشر منذ حوالي 70,000 سنة، مما ميزهم عن بقية الكائنات الحية. يشير إلى أن البشر لم يكونوا الأذكى أو الأقوى جسدياً، لكنهم اكتسبوا ميزة الإدراك والتعاون من خلال اللغة والخيال، مما ساعدهم في بناء مجتمعات أكبر وتبادل الأفكار وتطوير الثقافات. ويرى هراري أن هذه القدرة على التفاعل والتفاهم سمحت للبشر بتأسيس ميثولوجيا وأساطير مشتركة، والتي ساهمت في توحيد المجموعات البشرية في جماعات أكبر، وساعدتهم في التعاون بطرق غير مسبوقة. في هذا الفصل، يتناول هراري المرحلة التي بدأت منذ حوالي 70 ألف سنة، حيث خضعت أدمغة البشر لتغيرات جذرية في القدرة على التفكير والتخيل والتواصل. يوضح أن هذه الثورة سمحت للبشر العاقلين (هومو سابينس) بتطوير لغة معقدة، الأمر الذي مكنهم من نقل المعلومات بسرعة وتشكيل مجتمعات أكبر وأكثر تعقيدًا. يشير الكتاب إلى أن اللغة والقصص المشتركة مهدت الطريق للتعاون الكبير وظهور الحضارات. حيوان لا أهمية له ظهر البشر قبل وجود التاريخ، لم يكن متميزا، ولم يكن يعلم بمقدراته الإدراكية التي قادته سلالته لاكتشاف الذرة... الكتاب مزج بين البيولوجيا والميثولوجيا....وقد أرجع أصل الإنسان العاقل إلى فصيلة النسانون الكبار التي تتميز بصخبها، وتشكل الشنابر والغوريلات والأورانجوتانات أقرب أقاربه الأحياء، وأحفاد لإحدى النسانات التي عاشت قبل 6 ملايين سنة. هياكل عظمية في الخزانة يؤكد الكاتب أن للإنسان العاقل أبناء عمومة من الشنابز أو الغير متحضرين، بل وإخوة أيضا ولخص كلمة إنسان في "حيوان ينتمي لجنس الإنسان"، فهناك أجناس إلى جانب الإنسان العاقل، وحرص على استخدام مصطلح "العاقل والعقلاء" للتمييز بين الجنسين. يرجع هراري أن تطور البشر بدأ قبل حوالي مليوني ونصف سنة، فقد رحل الرجال والنساء إلى شرق إفريقيا وأوروبا وآسيا، وضع العلماء لكل صنف إسما فمنها "إنسان نياندرتال" الضخم الذي تكيف مع مناخ العصر الجليدي البارد، و"الإنسان المنتصب، الذي استوطن شرق آسيا، إضافة إلى "إنسان سولو" الذي عاش في جزيرة جاوا بأندونيسيا. في جزيرة فلورس بإندونيسيا، وبعد أن انخفاض مستوى البحر، استقبلت بعض البشر الذين علقوا فيها، وبسبب قلة الطعام مات منهم الأكبر حجما، وبقي منهم الأصغر حجما حتى أصبحوا أقزاما، بحيث لم يتجاوز طولهم مترا واحدا. تحدث هراري عن عظمة الأصبع التي وجدت بكهف بسيبيريا تعود لإنسان مجهول أطلق عليه " إنسان دينيسوفا"...مجموعة من البشر الذين تطوروا بأوروبا وآسيا وشرق إفريقيا، وتنوعت التسميات بين إنسان رودولف، الإنسان العامل، والإنسان العاقل....واختلفت أشكالهم وطرق حياتهم وتنقلاتهم لكنهم كانوا جميعهم بشرا. كلفة التفكير يميز هراري الإنسان "العاقل" عن باقي الأنواع البشرية بالآلة التفكير "دماغه الكبير"، التي دفع البشر الغابرون ضريبته، فقد أنفقوا وقتا في البحث عن الطعام وضمرت عضلاتهم. وأيضا يتميز الإنسان بالمشي منتصب القامة، وتحررت بذلك اليدين للقيام بأعمال أخرى كإنتاج واستخدام أدوات معقدة، وطرح الأمر تحديا آخر وهو حمل العمود الفقري جمجمة كبيرة وبالتالي ظهور آلام الظهر وتصلب العنق، وتقلصت قناة الولادة لدى النساء بسبب وركين ضيقين، وازدادت حالات وفاة المواليد أو عدم اكتمالهم، وفاة النساء، عدم اكتمال نمو الأطفال... لكن رغم هذه الميزات التي ميزت البشر، إلا أنهم ظلوا كائنات هامشية وضعيفة، خاصة الخوف من الحيوانات، لكن مع بروز الإنسان العاقل في 100 ألف سنة الأخيرة تحول إلى قمة السلسلة الغذائية، لكنه لم يتأقلم مع تطورات النظام البيئي، وتميز بالخوف والقلق على عكس الحيوانات المفترسة، وهو ما جعل البشر قساة، يقول هراري، ونتج عنه الحروب والكوارث البيئية... سباق الطباخين للوصول إلى القمة، كان على البشر استخدام النار وترويضها، وذلك قبل 800 ألف سنة، وتمكن من توفير الضوء والتدفئة والسلاح بمواجهة الأسود والحيوانات الخطيرة وتمكن من الحصول على غذائه ( حيوانات، مكسرات...) بحرق الغابات، ومكنته النار من طهي ما لم يستطع أكله نيئا بقتل الجراثيم والطفيليات المتواجدة بها، ومكن من خفض وقت المضغ وبالتالي عدم استهلاك طاقة أكثر سواء بالنسبة للدماغ أو للأمعاء. قيمون على إخوتنا يؤكد هراري على أن الحيوانات المصنفة كإنسان عاقل عاش بأرخبيل إندونيسيا وشبه جزيرة إيبيريا وبشرق إفريقيا، قبل 150 ألف سنة، وانتشر إلى شبه الجزيرة العربية قبل 70 ألف سنة، في حين كانت هناك أنواع بشرية أخرى استوطنت أوراسيا. طرح هراري تساؤلا حول مصير تلك الأنواع، ووضع فرضية التهجين، أي تزاوج المهاجرون الأفارقة بمجموعات بشرية أخرى كالنياندرتال أصحاب الأدمغة الكبيرة، وهو ما يرجح أن الأوراسيين ليسوا عاقلين أنقياء، فقد اختلطوا فيما بينهم، وهو شأن العقلاء الذين تزاوجوا مع المنتصبين المحليين بشرق آسيا( الكوريين والصينيين). يورد هراري نظرية مضادة، وهي نظرية الإحلال التي ترجح نظرية الإبادة الجماعية، بوجود فجوة جينية لا تسمح بالخصوبة بين النياندرتال والعقلاء، وبموت الأول تموت جيناته معه وبالتالي حل العقلاء محل المجموعات البشرية الأخرى، وأصبحت أنساب كل البشر المعاصرين "عقلاء أنقياء"، وهي النظرية التي نشرت نتائجها سنة 2010 وتوصلت إلى أن النياندرتال والدينيسوفا ساهما بنسبة قليلة في جينوم العقلاء، وكون الاتصال بينهم وبين العقلاء كان نادرا جدا. لا ينفي هراري بناء على ما تم التوصل إليه من طرف علماء الجينات أن هناك مناطق رمادية، وليس فقط بيضاء و سوداء، فقد كانت المجموعتين قادرتين على التناسل والإنجاب بشكل نادر قبل أن تصبحا مختلفتين وسارتا في طرق تطورية منفصلة، وكان الإنسان العقلاء مختلفين أيضا بالقدرات الذهنية والاجتماعية، يقول هراري:" كانت هناك فرض نادرة لإنتاج ذرية خصبة بين العقلاء والنياندرتال...إنه لأمر مقلق أن نفكر في أننا نحن الإنسان العاقل عاشرنا مرة حيوانا وأنجبنا منه أطفالا معا". يعود لطرح سؤال سبب اختفاء النياندرتال والدينيسوفا ؟ يورد هراري احتمالات حول فرضة الانقراض التي تسبب فيها العقلاء بالصيد والحصول على الطعام في وقت عجز المجموعتين عن توفيره وتضاءل عددهم إلى أن أصابهم الفناء، باستثناء واحد أو اثنين التحقا بالعقلاء، أما الاحتمال الثاني فهو وقوع مذابح جماعية أو تطهير عرقي بسبب المنافسة على الموارد، خاصة وأن العقلاء لم يكونوا متسامحين خاصة بسبب اختلاف اللون أو الجلد أو الدين وهو حال العقلاء في لعصور الحديثة فما بالك بالعصور الغابرة. أسئلة عديدة طرحها هراري حول ماذا لو اندمجت هذه المجموعات مع العقلاء؟ فقد ساد الاعتقاد أن الإنسان العاقل النوع البشري الوحيد وأنه صفوة الخلق، طبعا فقد قام بمحو وإبادة النياندرتال من على وجه الأرض، يؤكد المؤلف، الذي يضيف أن العقلاء كانوا لا يصلون إلى منطقة إلا وتنقرض المجموعات المحلية هناك، ويستشهد ببقايا إنسان سولو التي رجحت لحوالي 50 ألف سنة، وإنسان دينيسوفا بعد ذلك، ثم النياندرتال قبل 30 ألف سنة أما الإنسان شبيه الأقزام فقد اختفى من جزيرة فلورس قبل 12 ألف، وذلك بناء على مجموعة من بقايا عظام وأدوات حجرية وبعض الجينات...مجموعة من الأسئلة طرحها هراري حول سبب استقواء العاقل ورجح أن اللغة ميزته وجعلته يغزو العالم.