logo
العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)‎

العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)‎

الجريدة 24٠٥-٠٤-٢٠٢٥

أمينة المستاري
تحرر العقلاء من نظام الانتقاء البيولوجي
كباقي الكائنات الحية، خضع العقلاء لقوى فيزيائية وتفاعلات كيميائية وعمليات انتقاء طبيعي، وقدم هذا الانتقاء للعاقل المجال للمناورة لكنه ظل محدودا، وكانت النتيجة أن ظل العقلاء عاجزين عن التحرر من حدودهم المقدرة بيولوجيا. لكن بحلول القرن 21 تجاوز العاقل تلك الحدود بل وبدأ بخرق قوانين الانتقاء الطبيعي، ليستبدلها بقوانين التصميم الذكي.
يشير هراري إلى أن أول صدع في النظام القديم خلال الثورة الزراعية، بعد أن اكتشف العقلاء أنه إذا تزاوجت الدجاجة الأسمن مع الديك الأبطأ فبعض ذريتهما سيكون بطيئا وسمينا ...فكانت تلك السلالة نتيجة تصميم ذكي إنساني لا إلهي، لكنها تظل مهارة محدودة مقارنة مع الإله الكلي القدرة، فهم لم يستطيعوا إدخال خصائص جديدة تماما كانت موجودة أصلا في التركيبة الوراثية للدجاج البري.
يضيف هراري أن نظام الانتقاء الطبيعي ذو 4 مليارات سنة يواجه تحديا مختلفا، إذ يهندس العلماء في مختبرات حول العالم كائنات حية، وهم يخرقون قوانين الانتقاء الطبيعي بمأمن من العقاب. ففي سنة 2000م قرر فنان بيولوجي برازيلي "إدواردو كاك" أن يخلق عملا فنيا عبارة عن أرنبا خضراء فلورية، وتواصل مع مختبر فرنسي قام بزرع جينوم مأخوذ من قناديل البحر الفلورية الخضراء وزرعوه في جينوم أرنب أبيض وسمي الأرنب "ألبا".
اعتبر الكاتب أن هذا الأمر يعتبر إرهاصا لأمور مقبلة، وقد تثبت الثورة العلمية أنها أكبر من مجرد ثورة تاريخية وأنها الثورة البيولوجية الأهم على كوكب الأرض، وستقف ألبا عند فجر عصر كوني جديد، وستحكم فيه الحياة بتصميم ذكي، وعندها يمكن أن يعاد تفسير التاريخ البشري بأكمله.
يؤكد يوفال هراري أن علماء الأحياء يخوضون معركة مع حركة التصميم الذكي التي تعارض رؤى التطور الدارويني في المدارس، وتدهي أن التعقيد البيولوجي يثبت أن هناك خالق فكر في كل التفاصيل البيولوجية مسبقا. فعلماء الأحياء على حق فيما يتعلق بالماضي ، لكن أنصار التصميم الذكي على حق فيما يتعلق بالمستقبل. ويمكن الاستعاضة عن الانتقاء الطبيعية، حسب هراري، بالتصميم الذكي: الهندسة البيولوجية، هندسة الحيوالة أي الحيوان-الآلة، هندسة الحياة غير العضوية.
فئران ورجال
يعتبر هراري أن الهندسة البيولوجية تعد تدخلا قصديا على المستوى البيولوجي كزرع جين بهدف تغيير شكل كائن أو قدراته أو احتياجاته أو رغباته...وهذه استخدمها الناس منذ آلاف السنين لإعادة تشكيل الكائنات أو أنفسهم كالخصاء (الحيوانات)، خصي الشباب حتى يمكنهم الإشراف على حريم السلطان...بل وتم تغيير جنس الرجل بعلاجات جراحية وهرمونية، بل وزرع أذن في ظهر فأر ولربما تصنع آذان اصطناعية يمكن زرعها لاحقا في البشر.
هذه الهندسة تثير مجموعة من الإشكالات الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية، ويشترك الموحدون مع الملحدون في رفض أن يقوم الإنسان بممارسة دور الرب، ورفوا تدخل العلماء في عمل الطبيعة، وعارض نشطاء حقوق الحيوان تعريضه للتجارب ويخشى نشطاء حقوق الإنسان أن تستخدم الهندسة الوراثية في خلق بشر خارقين يستعبدوننا، ويقدم المتنبؤون رؤى مروعة لدكتاتوريات بيولوجية تستنسخ جنودا شجعانا وعمالا مطيعين...فالقدرة على تحوير الجينات تفوق القدرة على استخدامها بحكمة.
فالعلماء يعملون على هندسة كائنات كالنباتات والفطريات والبكتيريا والحشرات، ويجربون تحويل الخنازير ذات الدهون السيئة أميغا6 إلى دهون صحية أوميغا3، بعد أن تمكنوا من تمديد متوسط عمر نوع من الديدان إلى 6 أضعاف، وأيضا فئران عبقرية ذات ذاكرة ومهارات محسنة جدا...ويتم العمل على تحويل الفئران المتعددة العلاقات إلى فئران وفية لشريك واحد، ولربما يطبق ذلك على البشر بل وهندسة بناهم الاجتماعية؟
عودة إنسان النياندرتال
يؤكد هراري أن العلماء يهدفون إلى إحياء كائنات منقرضة، فقد رسموا خارطة جينوم الماموث القديم وهو يخطون لأخذ خلية بويضة مخصبة من فيل معاصر واستبدال الحمض النووي للفيل بالحمض النووي المعاد بناؤه للماموث، وزرع البويضة في رحم فيل، وبعد 22 شهر يتوقعون ولادة أول ماموث منذ 5000سنة.
يشير الكاتب إلى أن البروفيسور البريطاني جورج تشيرش إقترح إمكانية زرع الحمض النووي للنياندرتال المعاد بناؤه في بويضة إنسان عاقل للحصول على أول طفل نياندرتال منذ 30 ألف سنة، بتكلفة 30 مليون دولار وتطوعت نساء لصبحن أمهات بديلات. ويعلل البعض أن هذه التجربة تمكن من الإجابة عن سؤال أصل وتفرد الإنسان العاقل. إضافة إلا أنه إذا كان الإنسان من قضى على النياندرتال فعليه إعادته إلى الحياة، فيما علل البعض أن وجود بعض النياندرتال في بعض المصانع سيمكن القيام بعمل إثنان من العقلاء.
يقول الكاتب أنه لربما تعدى الأمر تصميم إنسان عاقل باعتبار أن جيناته معقدة على غرار جينات الفئران، ولربما تمكن الهندسة الوراثية من خلق بشر عباقرة بإجراء تغييرات في وظائف الأعضاء والنظام المناعي والقدرات الفكرية والعاطفية...؟ واعتبر من الصعب للحجج الأخلافية أن تكبح الخطوات التالية لإنتاج بشر خارقين أو إطالة عمر الإنسان أو قهر الأمراض المستعصية ...
يخلص هراري إلى القول أنه لن تؤدي عمليات ترقيه الجينات إلى قتلنا بالضرورة، لكن قد نحور الإنسان العاقل حتى لن نكون بعد بشرا عقلاء .
شارك المقال

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجينوم المرجعي المغربي: تقدم علمي منشور في مجلة Communications Biology
الجينوم المرجعي المغربي: تقدم علمي منشور في مجلة Communications Biology

يا بلادي

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • يا بلادي

الجينوم المرجعي المغربي: تقدم علمي منشور في مجلة Communications Biology

في العاشر من أبريل 2025، يسجل المغرب إنجازًا بارزًا في مجال البحث الطبي الحيوي مع نشر أولى نتائج مشروع الجينوم المغربي في مجلة «كومينيكيشنز بيولوجي» التابعة لمجموعة «نيتشر». تمثل هذه الدراسة الطموحة الأساس لإنشاء جينوم مرجعي وطني، وهو أداة جوهرية لتطوير طب دقيق يتماشى مع الخصائص الجينية للمغاربة. أُنجز المشروع بفضل جهود مؤسسة محمد السادس للعلوم الصحية، من خلال مركزها للبحث والابتكار (CM6RI)، حيث تم تسلسل جينوم 109 أشخاص من مختلف مناطق المملكة. وقد أسفرت النتائج عن تحديد أكثر من 27 مليون متغير جيني، من ضمنها 1.4 مليون متغير لم يُسجل من قبل على المستوى العالمي. وتمكن الباحثون من تحديد 15,378 طفرة متكررة تميز السكان المغاربة، وقاموا بتصميم جينوم مرجعي أطلقوا عليه اسم MMARG (الجينوم المرجعي للأليل الرئيسي المغربي)، والذي يعتبر أكثر ملاءمة من المعيار الدولي GRCh38 الذي لا يعكس بدقة الخصائص المحلية. اعتمدت هذه الدراسة على خبرات متقدمة في علم الجينوم والمعلوماتية الحيوية والطب، بالإضافة إلى استخدام أنظمة متطورة لإدارة البيانات بشكل آمن. ويمثل هذا العمل خطوة هامة نحو فهم أعمق للعوامل الوراثية المسببة للأمراض في المغرب. وتتضمن الخطوات المقبلة من البرنامج توسيع العينة المدروسة لتحسين النموذج الجيني المرجعي وتعزيز أسس الطب الشخصي في المغرب.

العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)
العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)

الجريدة 24

time٠٨-٠٤-٢٠٢٥

  • الجريدة 24

العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)

أمينة المستاري الآلة الحيوية هندسة الحيوالة تكنولوجيا جديدة قد تغير قوانين الحياة، يقول يوفال هراري، والحيوالة كائنات تتكون من أجزاء عضوية وأخرى غير عضوية، مثل إنشان بيدين إلكترونيتين ميكانيكيتين. ويشبه الكاتب الإنسان الحالي كآلة حيوية ، لأنه يدعم حواسه الطبيعية بأجهزة كالنظارات وأجهزة ضبط نبضات القلب...خصائص تحور قدراته ورغباته وشخصيته وهويته..لتجعله أقرب من آلة حيوية فعلا. في هذا الصدد، يشير هراري إلى مشاريع بحوث تقوم بها وكالة البحوث الدفاعية القومية الأمريكية، وهي ذات أهداف عسكرية، يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية وأجهزة كشف معالجات في جسم صراصير أو ذباب..تمكن الإنسان أي المشغل من التحكم في حركاتها عن بعد وتجعلها تجمع المعلومات وتنقلها. ويمكن تسخيرها في أعمليات التجسس، ونفس الأمر بالنسبة لأسماك القرش... بالنسبة للإنسان العاقل، يذكر الكاتب الجيل الأحدث من مساعدات السمع "آذان آلية حيوية"، وشبكية عين اصطناعية تسمح للمكفوفين بالرؤية الجزئية، الذراعين الآليين الحيويتين التي تداران بالأفكار فقط، هذه الأذرع بديلا سيئا لأذرعنا العضوية الأصلية لكنها تمتلك إمكانيات غير محدودة للتطور....مشاريع عدة تحدث عنها هراري لكن أهمها محاولة ابتكار منصة حاسوبية دماغية ثنائية الاتجاه مباشرة تسمح للحاسوب بقراءة الإشارات الكهربائية لدماغ بشري، وترجع إشارات كهربائية يمكن للدماغ قراءتها في المقابل. ويتساءل الكاتب عما سيحدث للسيرة الذاتية لكل شخص؟ لمفاهيم مثل النفس والهوية الجنسية حين تصبح العقول جماعية؟ لن يصبح الحيوال بشريا ولا حتى عضويا، سيكون شيئا مختلفا. أما الطريقة الثالثة لتغيير قوانين الحياة فهي كائنات غير عضوية كفيروسات الحاسوب وبرامجه التي قد تخضع لتطور مستقل. ولعل أهم برنامج مثير للاهتمام في علوم الحاسوب البرامج الجينية والذي يحاكي طرق التطور الجيبي ... مشروع دماغ الإنسان الذي يهدف إلى إعادة إنشاء دماغ إنسان كامل داخل حاسوب بدوائر إلكترونية في الحاسوب تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ... أسئلة عديدة حول مآل مشاريع وينتظر أن يحصل على جواب في وقت ما . يستطرد هراري قائلا أن هندسة العالم داخل أجسامنا وعقولنا آخذة في التطور بسرعة فائقة، والعديد من المجالات تتعرض لهزات تخرجها من ثباتها، ويجب على جهات عديدة التعامل مع ألغاز الهندسة الحيوية والحيوالات والحياة غير العضوية. يضيف الكاتب أنه من المحتمل أن يكون سادة العالم المستقبليون أكثر اختلافا عنا من الختلافنا عن إنسان النياندرتال، ففي حين نشترك مع هذا الأخير في كوننا بشرا فإن ورثتنا سيكونون أشباه آلهة" خارقون". نبوءة فرانكنشتاين أصبحت قصة فرانكنشتاين من تأليف ماري شيلي سنة 1818م، التي تحكي قصة عالم يخلق كائنا اصطناعيا يخرج عن السيطرة ويتسبب في فوضى، أصبحت دعامة مركزية في أساطيرنا العلمية الجديدة. فالقضة تبدو كما لو تحذرنا من محاولة أدائنا دور الرب وهندسة الحياة، فسنعاقب بشدة لكن القصة لها معنى أعمق. تواجه أسطورة فرانكنشتاين الإنسان العاقل بحقيقة مفادها أن الأيام الأخيرة تقترب بسرعة، ما لم تتدهل الكوارث النووية أو البيئية، فوثيرة التقنية ستؤدي إلى استبدال الإنسان العاقل بكائنات مختلفة تماما من حيث العواطف والمعرفة والبنى...بشكل يخالفنا وسيشغل مكاننا بأشكال حياة غريبة تتقزم قدراتنا أمامها. سيكون من الصعب تقبل أن العلماء يمكنهم هندسة الأرواح مثل هندسة الأجسام، لكن يعود الكاتب للقول أن المستقبل غير معروف، على الرغم من كل ما سبق ذكره، وقد لا يتحقق ما نخافه لوجود عقبات غير متوقعة، ويؤكد هراري أن ما يجب أخذه على محمل الجد أن المرحلة القامة من التاريخ لن تشمل فقط التحولات التقنية والتنظيمية، بل أيضا تحولات أساسية في الوعي والهوية البشريتين، ولا يمكن معرفة كم نملك من الوقت، ويضيف أن البعض يتوقع أن يكون بعض البشر مع حلول 2050 "صعبي الفناء". يطرح هراري سؤال : ماذا نريد أن نصبح؟ ويقول أن هذا السؤال يجعل جميع المناقشات التي تشغل بال العلماءء والسياسيين والفلاسفة...عديمة الأهمية، وستختفي جميع النقاشات بين الأديان والأيديولوجيات باختفاء الإنسان العاقل. كما أن المناقشات العظيمة للتاريخ مهم لأن الجيل الأول من أشباه الآلهة سيتشكلون على الأقل بالأفكار الثقافية لمصمميهم البشريين. يفضل معظم الناس عدم التفكير في الأمر، فمجال أخلاقيات البيولوجيا يفضل التطرق لسؤال :" ما هي الأمور المحظورة؟" هل من المقبول أن تجرى تجارب على جينات الطائنات الحية؟ على أجنة أجهضت؟ على الخلايا الجذعية؟ هل أخلاقيا استنساخ الأغنام والشنابز والبشر؟؟؟ يعتبر هراري أنه من السذاجة الضغط على الفرامل لإيقاف مضل هذه المشاريع العلمية التي تقوم بتحديث الإنسان العاقل إلى نوع مختلف من الوجود، وذلك لارتباطها بمشروع جلجامش. وإذا تم طرح أسئلة على العلماء كسبب دراسة الجينوم أو إيصال الدماغ بالحاسوب ستحصل على نفس الأسئلة: علاج الأمراض، إنقاذ حياة البشر وهي أجوبة لا يجادل أحد فيها، رغم أن مشروع جلجامش هو الذي يقود العلم ومن الصعب إيقاف جلجامش وبالتالي إيقاف فرانكنشتاين، والطريقة الوحيدة التي يمكن فعلها هو التأثير على الاتجاه الذي سيسلكانه. الحيوان الذي أصبح إلها يخلص هراري في خاتمة كتابه "العاقل" إلى القول أنه قبل 70 ألف سنة، كان الإنسان العاقل حيوانا لا أهمية له، ثم حول نفسه إلى سيد للكوكب ورعب للنظام البيئي، وها هو يقف على عتبة أن يصبح إلها، ليس فقط الوصول للخلود بل الاستحواذ على القدرات الإلهية للخلق والتدمير. يؤكد هراري أن الإنسان لم ينتج الكثير ليفخر به، لكن هل قلل من المعاناة في العالم؟ يجيب "لم يحسن الإنسان الزيادة الهائلة في سلطة البشر رفاه الأفراد، وعادة سببت معاناة هائلة للحيوانات الأخرى. وفي الوقت الذي حققنا تقدما فيما يتعلق بشروط حياة الإنسان، تدهورت حالة الحيوانات. لكن يبقى البشر غير متأكد من أهدافه وغير راض عن نفسه، ورغم التقدم ودرجة القوة التي وصلنا إيها إلى أن لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ يعتبر الإنسان نفسه آلهة لا يوجد من يسائله، فهو يعيث فسادا برفاقه من الحيوانات وبالنظام البيئي المحيط، فهل هناك أكثر خطورة من آلهة غير راضية وغير مسؤولة ولا تعرف ماذا تريد؟ سؤال يبقى معلقا. شارك المقال

العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)‎
العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)‎

الجريدة 24

time٠٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الجريدة 24

العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)‎

أمينة المستاري تحرر العقلاء من نظام الانتقاء البيولوجي كباقي الكائنات الحية، خضع العقلاء لقوى فيزيائية وتفاعلات كيميائية وعمليات انتقاء طبيعي، وقدم هذا الانتقاء للعاقل المجال للمناورة لكنه ظل محدودا، وكانت النتيجة أن ظل العقلاء عاجزين عن التحرر من حدودهم المقدرة بيولوجيا. لكن بحلول القرن 21 تجاوز العاقل تلك الحدود بل وبدأ بخرق قوانين الانتقاء الطبيعي، ليستبدلها بقوانين التصميم الذكي. يشير هراري إلى أن أول صدع في النظام القديم خلال الثورة الزراعية، بعد أن اكتشف العقلاء أنه إذا تزاوجت الدجاجة الأسمن مع الديك الأبطأ فبعض ذريتهما سيكون بطيئا وسمينا ...فكانت تلك السلالة نتيجة تصميم ذكي إنساني لا إلهي، لكنها تظل مهارة محدودة مقارنة مع الإله الكلي القدرة، فهم لم يستطيعوا إدخال خصائص جديدة تماما كانت موجودة أصلا في التركيبة الوراثية للدجاج البري. يضيف هراري أن نظام الانتقاء الطبيعي ذو 4 مليارات سنة يواجه تحديا مختلفا، إذ يهندس العلماء في مختبرات حول العالم كائنات حية، وهم يخرقون قوانين الانتقاء الطبيعي بمأمن من العقاب. ففي سنة 2000م قرر فنان بيولوجي برازيلي "إدواردو كاك" أن يخلق عملا فنيا عبارة عن أرنبا خضراء فلورية، وتواصل مع مختبر فرنسي قام بزرع جينوم مأخوذ من قناديل البحر الفلورية الخضراء وزرعوه في جينوم أرنب أبيض وسمي الأرنب "ألبا". اعتبر الكاتب أن هذا الأمر يعتبر إرهاصا لأمور مقبلة، وقد تثبت الثورة العلمية أنها أكبر من مجرد ثورة تاريخية وأنها الثورة البيولوجية الأهم على كوكب الأرض، وستقف ألبا عند فجر عصر كوني جديد، وستحكم فيه الحياة بتصميم ذكي، وعندها يمكن أن يعاد تفسير التاريخ البشري بأكمله. يؤكد يوفال هراري أن علماء الأحياء يخوضون معركة مع حركة التصميم الذكي التي تعارض رؤى التطور الدارويني في المدارس، وتدهي أن التعقيد البيولوجي يثبت أن هناك خالق فكر في كل التفاصيل البيولوجية مسبقا. فعلماء الأحياء على حق فيما يتعلق بالماضي ، لكن أنصار التصميم الذكي على حق فيما يتعلق بالمستقبل. ويمكن الاستعاضة عن الانتقاء الطبيعية، حسب هراري، بالتصميم الذكي: الهندسة البيولوجية، هندسة الحيوالة أي الحيوان-الآلة، هندسة الحياة غير العضوية. فئران ورجال يعتبر هراري أن الهندسة البيولوجية تعد تدخلا قصديا على المستوى البيولوجي كزرع جين بهدف تغيير شكل كائن أو قدراته أو احتياجاته أو رغباته...وهذه استخدمها الناس منذ آلاف السنين لإعادة تشكيل الكائنات أو أنفسهم كالخصاء (الحيوانات)، خصي الشباب حتى يمكنهم الإشراف على حريم السلطان...بل وتم تغيير جنس الرجل بعلاجات جراحية وهرمونية، بل وزرع أذن في ظهر فأر ولربما تصنع آذان اصطناعية يمكن زرعها لاحقا في البشر. هذه الهندسة تثير مجموعة من الإشكالات الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية، ويشترك الموحدون مع الملحدون في رفض أن يقوم الإنسان بممارسة دور الرب، ورفوا تدخل العلماء في عمل الطبيعة، وعارض نشطاء حقوق الحيوان تعريضه للتجارب ويخشى نشطاء حقوق الإنسان أن تستخدم الهندسة الوراثية في خلق بشر خارقين يستعبدوننا، ويقدم المتنبؤون رؤى مروعة لدكتاتوريات بيولوجية تستنسخ جنودا شجعانا وعمالا مطيعين...فالقدرة على تحوير الجينات تفوق القدرة على استخدامها بحكمة. فالعلماء يعملون على هندسة كائنات كالنباتات والفطريات والبكتيريا والحشرات، ويجربون تحويل الخنازير ذات الدهون السيئة أميغا6 إلى دهون صحية أوميغا3، بعد أن تمكنوا من تمديد متوسط عمر نوع من الديدان إلى 6 أضعاف، وأيضا فئران عبقرية ذات ذاكرة ومهارات محسنة جدا...ويتم العمل على تحويل الفئران المتعددة العلاقات إلى فئران وفية لشريك واحد، ولربما يطبق ذلك على البشر بل وهندسة بناهم الاجتماعية؟ عودة إنسان النياندرتال يؤكد هراري أن العلماء يهدفون إلى إحياء كائنات منقرضة، فقد رسموا خارطة جينوم الماموث القديم وهو يخطون لأخذ خلية بويضة مخصبة من فيل معاصر واستبدال الحمض النووي للفيل بالحمض النووي المعاد بناؤه للماموث، وزرع البويضة في رحم فيل، وبعد 22 شهر يتوقعون ولادة أول ماموث منذ 5000سنة. يشير الكاتب إلى أن البروفيسور البريطاني جورج تشيرش إقترح إمكانية زرع الحمض النووي للنياندرتال المعاد بناؤه في بويضة إنسان عاقل للحصول على أول طفل نياندرتال منذ 30 ألف سنة، بتكلفة 30 مليون دولار وتطوعت نساء لصبحن أمهات بديلات. ويعلل البعض أن هذه التجربة تمكن من الإجابة عن سؤال أصل وتفرد الإنسان العاقل. إضافة إلا أنه إذا كان الإنسان من قضى على النياندرتال فعليه إعادته إلى الحياة، فيما علل البعض أن وجود بعض النياندرتال في بعض المصانع سيمكن القيام بعمل إثنان من العقلاء. يقول الكاتب أنه لربما تعدى الأمر تصميم إنسان عاقل باعتبار أن جيناته معقدة على غرار جينات الفئران، ولربما تمكن الهندسة الوراثية من خلق بشر عباقرة بإجراء تغييرات في وظائف الأعضاء والنظام المناعي والقدرات الفكرية والعاطفية...؟ واعتبر من الصعب للحجج الأخلافية أن تكبح الخطوات التالية لإنتاج بشر خارقين أو إطالة عمر الإنسان أو قهر الأمراض المستعصية ... يخلص هراري إلى القول أنه لن تؤدي عمليات ترقيه الجينات إلى قتلنا بالضرورة، لكن قد نحور الإنسان العاقل حتى لن نكون بعد بشرا عقلاء . شارك المقال

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store