سراب تحقيق المشاريع والاستثمارات في الشرق العربي
وقبل أن نتكلم عن أي استثمارات وأحلام تتصل بمشاريع مستقبلية تنهض باقتصاديات المنطقة، خاصة منطقة بلاد الشام التاريخية ، فإنه يجب الوعي والادراك أن مثل هذه المشاريع الاقتصادية الضخمة والتي سوف تنجح في حال نُفذت، فانه سوف لا يمكن لأي من المشاريع والاستثمارات النجاح عملياً وبالقدر المرجو منها ، دون احلال السلام والأمن والاستقرار السياسي وترسيخ سيادة الدول في تقرير مصيرها باختيار السلم أو الحرب، ودون وجود لأي سلطة أحزاب أو قوى خارجية تهيمن على هذه الأحزاب وتعطل أي تقدم سياسي أو اقتصادي في بلدان الشرق العربي، ناهيك أيضاً عن حالة الفساد الاداري واستغلال هذه الأحزاب لموارد الدولة، طبعاً لمصلحتها الخاصة وعلى حساب مؤسسات الدولة وشعبها، ومنعها أي تقدم سياسي واقتصادي والذي سيأتي بالمشاريع الخارجية والاستثمارات للنهوض بهذه الدول ، فعلى سبيل المثال لبنان الذي عانى الكثير من هيمنة حزب الله سياسياً واقتصادياً على سيادة الدولة اللبنانية ، فأنه يترافق معه واقع الأزمة المالية العصيبة التي تمر بها المصارف اللبنانية ، والتي لم تتمكن من دفع واسترجاع أموال المودعين والمستثمرين الخارجيين في المصارف اللبنانية.
ان هيمنة ايران على الحزب و وجود أي قوى خارجية من شأنها تعطيل إمكانية أي تقدم اقتصادي في الدولة ، ولهذا السبب لا يوجد أي تقدم أو اي استثمارات تُذكر وملموسة ومنفذة في المنطقة ، وللأسف الاوضاع تزداد سوءاً من الناحية السياسية والاقتصادية ، وفي نفس السياق المتراجع نجد أن سوريا الآن نسمع بشأنها وعود لإقامة مشاريع واستثمارات ضخمة تلوح مؤخراً في الأفق، وبشكل يوازي هذه الجهود المتصلة بمساعي اقامة وتشجيع المشاريع مثل مشروع مترو دمشق ( subway) وغيره ، فإن هناك أيضاً توترات أمنية متلاحقة وعميقة ، وقد رافقها أحداث الساحل السوري والسويداء وغيرها من المناطق السورية، والتي من الواضح أن هناك وجود لبصمة صراع طائفي وعرقي ومناوشات هنا وهناك وفي مختلف مناطق الجغرافية السورية ، وعدم قدرة الحكومة المؤقتة على ضبط الأمور أمنياً على كامل امتداد الجغرافية السورية. والسؤال هنا ، هل يوجد في منطقة الشرق العربي مناخ مواتي ومشجع لقيام أي استثمارات خارجية أو مشاريع ضخمة يمكن تنفيذها ؟، وللأسف الجواب ، هو لا يوجد في الوضع الراهن مناخ مشجع ومساعد لأي مستثمر على تحقيق أي استثمار في ظل الوضع الأمني الحالي المتردي في المنطقة ؟، وللأسف أيضاً منطقة الشرق العربي مرهونة لقوى خارجية تهيمن على سيادة بعض الدول ، فعلى سبيل المثال العراق يعيش واقع الهيمنة الايرانية وسلطة الميليشيات على سيادة الدولة ، ومن الناحية الاقتصادية وجود حالة من الهيمنة على المصارف والبنوك العراقية وعلى كافة مداخيل النفط المتبخرة ، والتي يرافقها أوجه متعددة للفساد الاداري والمشاريع الوهمية ، التي يتزامن معها فساد مالي ، وهو أمر يؤثر بوضوح على إقتصاد الدولة ككل ، ومع ذلك يوجد في العراق بالطبع استثناء ، هو إقليم كردستان والذي نجح في مشاريع التنمية وزيادة الاستثمارات فيه ، الى جانب الحد من الفساد مقارنة مع العاصمة بغداد ، وهذا كان واضحاً في موجة الحر الماضية ، حيث شهد الاقليم ديمومة للكهرباء وعدم انقطاع، بخلاف ما كان في بغداد والتي شهدت انقطاعاً وأزمة .
وللأسف نلاحظ أنه بدلاً من أن تشهد المنطقة انتعاشاً بالاستثمارات الخارجية والمشاريع ، التي سوف توفر مستقبلاً وظائف للأفراد، خاصة لفئة الشباب الذين أصبحوا يتخرجون وبأعداد كبيرة من الجامعات والمعاهد دون القدرة على خوضهم لتجربة العمل وتطبيق ما يتعلمونه في الجامعات ، وللأسف فإن معدلات البطالة تتزايد يوماً بعد يوم، وبالمقابل تتقلص نسبة الاستثمارات الخارجية وتنسحب الكثير من القائمة منها بل وتتقلص، والسبب الأساسي لذلك هو عدم وجود حالة الأمن والأمان المفروض ، والذي استبدل بصراعات طائفية وعرقية وهيمنة لبعض الاحزاب المدعومة من خارج الدول ، والتي تفتك وتسرق مقدرات الدولة على حساب شعبها وغياب تحقيق المصلحة العليا الداخلية للاقتصاد الوطني ، وبالتالي تقويض أي مناخ مستقر يمكن له أن يجلب المستثمرين .
وبالتالي يبدو أن هناك واقع من سراب ، ومجرد أحلام بخصوص المشاريع الاستثمارية الضخمة في المنطقة، حيث نلاحظ عملياً وسنة بعد سنة بأن الأمور الاقتصادية باتت تتدهور تجاه الاسوأ ، وهناك نقص في السيولة وتزايد في العبء المعيشي على المواطنين ، الذين لم تتم أي زيادة على رواتبهم ومداخيلهم ، وفي الوقت نفسه يزاد عليهم معدل غلاء المعيشة وكلفة الحياة الكريمة ، الى جانب تدهور ملموس في منظومة التعليم وبشكل خاص في ظل الصراعات والحروب التي تساهم في تأخير التقدم والبحث العلمي ، على حساب انتشار التطرف وزيادة الانغلاق ، الأمر الذي يؤثر على ظاهرة عدم قبول الاخرين في الوطن الواحد ، ويرافق ذلك كما نلاحظ انتشار وتزايد للمخدرات وتجارتها في منطقة الشرق العربي وهو ما يعني التأثير على المستوى الانتاجي في المجتمع .
والسؤال هنا ، ما هي الحلول المرجوه لتحسين وضع دول الشرق العربي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً ؟
الحل الأول والاساسي هو تقليص، بل وقف النفوذ الخارجي الذي يدعم بعض الأحزاب والاشخاص ، ومنعهم من التحكم أوخلخلة سيادة الدولة ، فاذا لم تتمكن بعض الدول من بسط سيادتها على دولتها والتخلص من نفوذ الأحزاب والميليشيات فيها والتي تتدخل في قرارات الدولة ، فانه لا يوجد عندها حل أو أمل لأي تقدم سياسي واقتصادي وتعليمي مستقبلي كحال أي دولة تهيمن عليها قوى ودول خارجية ، إذ يجب أن لا يتحكم أحد في مداخيل ومقدرات أي دولة من دول الشرق العربي، لصالح دعم هيمنة أي دولة طاغية عليها أمنياً واقتصادياً .
نحن الان وفي هذه المرحلة أجدني لا أريد الخوض في أي موضوعات أو نقاط مفصلية أخرى ، دون معالجة مشكلة تراجع امكانية اقامة الاستثمارات والمشاريع الضرورية للتنمية والنهوض الوطني ، بمعنى لا يمكن تخطي هذه الامور التي أوضحتها في مقالي بإعتبارها أساس للتقدم نحو المرحلة التي تليها ، والسؤال الأهم ، هو هل سيتمكن العراق ولبنان من تقليص هيمنة الأحزاب والميليشيات المدعومة من الدول الخارجية ؟، وذلك حتى تتمكن هذه الدول من إعادة هيكلة مفاصل الدولة ، وبسط سيادتها واستقرارها لتتمكن من بناء الاقتصاد وخلق مناخ سليم ، كفيل بجذب الاستثمارات وتحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي ، الذي سوف يكون حينها محطة مهمة لتأسيس بيئة استثمارية قوية .
وهل ستتمكن سوريا من وأد الصراعات الداخلية وبسط سلطة الدولة وفرض الأمن الداخلي ، خاصة الصراعات العرقية والطائفية ؟، وذلك لكي تتمكن بعدها من إنجاز المشاريع والاستثمارات المرجوة ، وفي بيئة لا يوجد فيها أي صراعات أو حروب، بل استقرار وأمن لمعظم دول الشرق العربي المترابط ببعضه ، وبالتالي أيضاً نطرح السؤال الأهم اليوم ، وهو ألا يوجد أمل من الانتعاش وجلب أي استثمارات ومشاريع ضخمة للمنطقة ؟.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 10 دقائق
- سرايا الإخبارية
الأردن يدين ويستنكر إقدام نتنياهو على اقتحام الضفة الغربية المحتلة
سرايا - أدانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بأشدّ العبارات إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي على اقتحام الضفة الغربية المحتلة وتصريحاته حول منع إقامة الدولة الفلسطينية من إحدى المستوطنات الاستعمارية غير القانونية المقامة على أرضٍ فلسطينية محتلة، باعتبارها خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، وتحدّيًا للإرادة الدولية الداعمة لحل الدولتين. وشدّد الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير د. سفيان القضاة على أنه لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة، مؤكّداً رفض المملكة المطلق وإدانتها الشديدة للممارسات والتصريحات الاستفزازية المتواصلة لمتطرفي الحكومة الإسرائيلية التي تكرّس الاحتلال والاستيطان الاستعماري غير القانوني الذي ينتهك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي وخصوصًا القرار 2334 الذي يدين جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ، بما فيها القدس الشرقية، إضافة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي أكّد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبطلان ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحذّر السفير القضاة من استمرار إجراءات الحكومة الإسرائيلية الأحادية اللا شرعية والتصريحات والإجراءات الاحادية الرامية إلى فرض وقائع جديدة بالقوة، ومواصلة تنفيذ خططها التوسّعية في الضفة الغربية المحتلة والتصعيدية في المنطقة، التي تشجّع على استمرار دوّامات العنف والصراع، الأمر الذي يتطلب موقفًا دوليًّا واضحًا بإدانتها والتحذير من عواقبها الوخيمة على أمن المنطقة واستقرارها. وجدّد السفير القضاة دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإلزام إسرائيل وحكومتها المتطرفة وقف عدوانها على غزة، وتصعيدها الخطير في الضفة الغربية المحتلة وتصريحات مسؤوليها التحريضية، وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني وتلبية حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني، ووقف الجرائم بحقه ومحاسبة مرتكبيها.


خبرني
منذ 10 دقائق
- خبرني
الأردن… خطأ مطبعي في الجريدة الرسمية يجعل من الرمثا المحافظة الـ13
خبرني - احتوى العدد الجديد (رقم 6004) من الجريدة الرسمية، الصادر يوم أمس الأحد (17/8/2025)، على خطأ مطبعي جعل من لواء الرمثا المحافظة الثالثة عشرة في الأردن. وصدر في الجريدة الرسمية نظام رقم (53) لسنة 2025، نظام التنظيم الإداري لوزارة الأشغال العامة والإسكان. وجاء في أحد بنود النظام أن إدارة شؤون المحافظات تتكون من 15 مديرية، من بينها "مديرية أشغال محافظة الرمثا".

عمون
منذ 10 دقائق
- عمون
القطاع الصناعي يُثمن إعلان ولي العهد إعادة تفعيل "خدمة العلم"
عمون - ثمن رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان المهندس فتحي الجغبير، إعلان سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، إعادة تفعيل "خدمة العلم"، مشددا على ان القطاع الصناعي الأردني يدعم مثل هذه القرارات التي من شأنها أن أن تسهم في تعزيز الهوية الوطنية وارتباط الشباب بأرضهم. وأضاف الجغبير أن تطبيق خدمة العلم سيسهم في تهيئة الشباب وإعدادهم ليكونوا جاهزين لخدمة الوطن والدفاع عنه ومواجهة التحديات المحيطة به، وخصوصا في ظل ما تشهده المنطقة من غطرسة وانفلات لقوات الاحتلال الاسرائيلي. واشار الجغبير إلى أن نشامى القوات المسلحة سيسهمون في تطوير مهارات وقدرات مكلفي خدمة العلم لتكون لديهم القدرة على تحمل الصعاب ومواجهة التحديات. موضحا "أن خدمة العلم تعمل على صقل شخصية الشباب من خلال تعزيز الانضباطية والمسؤولية، والعمل الجماعي، وتنمية روح العمل التطوعي لديهم، كما أنها توفر لهم فرصًا لاكتساب مهارات جديدة، وتهيئتهم ليكونوا جاهزين لخدمة الوطن والدفاع عنه في كل الأوقات والظروف"، وكذلك يمكن لهذه الخدمة ان تسهم في اعدادهم لسوق العمل، من خلال تعليمهم الالتزام والانضباط والجدية.