حَقِيقَةُ النَّاسِ في الثَّقَافَةِ العَرَبيَّة: أَسْئِلَةٌ مَنْفِيَّة وخِطَابٌ مَهْزُوم

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 3 أيام
- الدستور
حَقِيقَةُ النَّاسِ في الثَّقَافَةِ العَرَبيَّة: أَسْئِلَةٌ مَنْفِيَّة وخِطَابٌ مَهْزُوم
مُحمَّد عبد الفتَّاح حليقاويفي البَدْء كانَ الإنسان، وفي النِّهَاية يكون الإنسان، وفيما بينهما يَنْعَقِدُ الاتِّفَاق على أنَّ التحدِّي الحَقيقيَّ الذي يُوَاجِهُ العَرَبيَّ، قَدِيمَاً وحَديثاً، هو تأسيسُ سُلْطَته الفِكْريَّة مُبَاشَرَة مِنْ ثَقَافتهِ وخُصُوصيَّته وتُرَاثه، دُونَ وَسَاطَةٍ، أو وِصَايةٍ، أو شَريكٍ استراتيجيّ، ولا سيَّما إذا كانَ هذا الإنسانُ يَحْمِلُ لِوَاء العِلْمِ والنَّهْضَة، ودَاعِيَاً إلى التَّحديثِ الاجتماعيِّ والسياسيِّ، إذْ لَيْسَ وَرَاءه سَنَدٌ مِنْ تُرَاثٍ يَشدُّ مِنْ أزره سوى ثقافتهِ وحضارته، ولَيْسَ أمَامَه سِوَى نِضَال طويل لتجديدِ العَقْل، وبِنَاءِ المُجْتَمَع، لأنَّ نُخْبَة المُجْتَمَع العَرَبيّ المُعَاصِرِ تَعلَّقوا بِكُلِّ شَيءٍ مَا عَدَا الشَّيء الذي يَضْمَنُ تحقيق المَنْهَجِيَّة العِلْمِيَّة في التفكير والتَّخطيط والتنفيذ، وكانَ عليهم أنْ يجعلوا هَذِهِ المَنْهَجِيَّة على رَأْسِ أولويَّاتهم، ليْسَ فقط لأنَّها المَدْخَل الأمْثَل الذي دَعَتْ إليْهِ الحَقيقة، بل لأنَّها الشَّرْط الأوَّل لِجَعْلِ التنويرِ والعِلْم والاجتهاد أبجديَّات في حَياة الإنسانِ العَرَبيِّ، إلى جَانِبِ الخُروجِ مِنْ عَوَالِم التِّيهِ، والأوهام، والنَّظريَّات الوَاهِيَة، إلى مَيْدَان الفِعْل، والإنجاز، والنَّقْد العِلْميِّ، والخُرًوج مِنْ دَهَاليز فِكْرِ وثَقَافَة الاستِلَاب والهزيمة.واسْتِظْهَار مَفْهُوم النَّاس مِنَ الخطوات الأساسيَّة التي تُحدِّد المَجَالَ السياسيَّ العربيَّ والإسلاميّ، ويُشكِّلُ أبرز المُكوِّنَات التي تُلَازِمُ، ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، كُلَّ بَاحِثٍ في الفِكْرِ السياسيِّ، لأنَّ المَرْءَ يَقِفُ مَذْهُولاً أمَام نُدْرَة الكتب والأفكار التي دَرَسَتْ الموضوع، مِمَّا يَجْعَلُ أيَّ دِرَاسَةٍ اجتماعيَّةٍ للعَرَب تبدو عسيرةً جدَّاً، بيدَ أنَّ المُفَارَقَة تَكْمُنُ في أنَّ النَّاسَ حَصَلوا على قِسْطٍ وَافِرٍ مِنَ المادَّة المكتوبة عنهم ولكنْ مِنْ زاويةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا، أو بكلمةٍ أدقّ، تَكْمُنُ الإجابة في طَبيعةِ الخِطَابِ السياسيّ في ثنايا كُتُب الآدَاب السُّلْطَانيَّة، إذ الخِطَابُ لَيْسَ مُوجَّهاً إلى النَّاس، بل لا يُؤبَهُ لهم، وإنَّما هو، كما يَبْدُو جَلِيَّاً في مُقدِّمَات كُتُب الآدَاب السُّلْطَانيَّة ومُحْتَويَات نُصُوصِها، وضَمَائِر المُخَاطَبَة فيها، مُوجَّهٌ إلى الرَّاعي في مَوْضُوع رعيَّتهِ، وأكثر مِنْ ذلك، لا يَتَعَامَل هذا الخِطَابُ السياسيّ مع النَّاسِ بوصفهم كِيَانَاً قَائِمَاً بِذَاتِه، ولا يعتبرهم ذَاتَاً مُستَقلَّةً تَسْتحقُّ خِطَابَاً لائِقَاً بِقَدْرِ ما هُمْ « مَوْضُوعٌ « و» ذَاتٌ « تَخصُّ السُّلْطَان وَحْده، وهم كذلك جُزْءٌ مِنْ مُقْتَنَيَاتِهِ الشخصيَّة، أو إقْطَاعٌ أبَدِيٌّ تتوارثه أجيال السُّلْطَة السياسيَّة بصورةٍ مَكْرُورَةٍ وعَجيبة.ومِمَّا زَادَ في الفِتْنَة المَفْهُوميَّة المُرْتَبِطَة بالنَّاس، وتَعدُّد مَدَاخِل القَوْل في دَلالاتهم، عَدَم انتظام أهميَّة وخُصُوصيَّة هؤلاء الذين لا فَائِدَة منهم إلَّا عندما يكون جُهْدُهُم، وإنْتَاجُهُم، وطَاعَتُهُم، وطُمُوحَاتُهُم، ضِمْنَ السِّيَاق المَرْسُوم لَهُم في تَصوُّرَات السُّلْطَة ونُخْبَتِهَا، مع أنَّ القرآن الكريم رسَّخ تكريم الإنسان، وأعَادَ إلى النَّاس، كُلّ النَّاس، مَكَانتهم، وحُقُوقهم، فقد وَرَدَ لَفْظ النَّاس في القرآن الكريم أزْيَد مِنْ 230 مرَّة، والنَّاسُ اسْمُ جَمْعٍ لا مُفْرَد لهُ مِنْ لَفْظِهِ ومُفْرَدهُ إنسان، ونِدَاء النَّاس في القرآن الكريم ظَهَرَ في 21 مَوضِعَاً ضِمْنَ تِسْعِ سُوَرٍ، ومِنْ هُنَا، لَيْسَ يخفى بهاء جَوْهر قول مُحمَّد الطَّاهِر بن عَاشُور بأنَّ لَفْظَ «النَّاس» عُرِّفَ بأل في القرآن الكريم كَيْمَا يَشْمَل كلَّ أفراد مُسمَّاه، لأنَّ الجموع المُعرَّفة باللام للعموم، وهي في العمومِ أنصُّ مِنْ عمومِ المُفْرَد المُحلَّى بأل، وإنْ: «نَظَرْتَ إلى صُورةِ الخِطَابِ فهو إنَّما وَاجَه بهِ نَاسَاً سَامعينَ فعمَّموه لِمَنْ لَمْ يَحْضُر وقتَ سَماعِ هذه الآية، ولِمَنْ سيوجد مِنْ بَعْد، يَكونُ بِقَرينةِ عُمُوم التكليف، وعَدَم قَصْدِ تَخْصيص الحَاضِرين، وذلك أمرٌ تَوَاتَرَ نَقْلَاً ومَعْنَى فلا جَرَمَ أنْ يَعُمَّ الجميع مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى القِيَاس، وإنْ نَظَرْتَ إلى أنَّ هذا مِنْ أَضْرُبِ الخِطَابِ الذي لا يكون لِمُعيَّن، فيُتْرَكُ فيه التعيين لِيَعُمَّ كلَّ مَنْ يَصْلُحُ للمخاطبةِ بذلك»، مِمَّا يدلُّ على سمو مَقَاصِد الشَّريعة والثَّقافة العربيَّة، وعمومهما، ومضامينهما الرَّاقية، وشُمُولهما للجميع في كُلِّ زمانٍ ومَكان.وعلى المستوى الفِقْهيّ يرى الإمام الشَّاطِبيّ أنَّ العامَّة هُم غير المتخصِّصين في العلومِ الفِقْهيَّة، والذين ليْسَ لهم إلْمَامٌ بأحكامهِ، وتُمثِّل العامَّة مجموعة مِنَ النَّاسِ البُسَطاء الذين يتلقُّون الأحكام الشرعيَّة، أمَّا الجَّاحظ فهو يرى أنَّ العامَّة لهم لُغَة خاصَّة بهم تمتاز بضعفها، وذلك يعود إلى تكوينهم الشخصيِّ والاجتماعيِّ الضعيف أصْلاً، وهذه الفوضى اللغوية تليقُ بهم، وُصُولاً إلى تعريف العامَّة بأنهم سَواد النَّاس الذين لَمْ يكونوا يتمتَّعون بأيِّ سُلْطَة، والذين كانوا يعملون في شتَّى حقول الكَسْب، وكانت لهم عوالمهم الخاصَّة بهم فكريَّاً ودينيَّاً، والتي مِنَ المؤكَّد أنَّها أدنى مِنْ عوالم الطبقة الخاصَّة، ولمَّا كَانَ الفَقْر رَفيق هَذهِ الفِئَة المَسْحُوقَة مِنَ النَّاس أُطلقَ عليهم في العَصْر العباسيِّ مصطلح « الشُّطَّار والعيَّارين «، وعليه، فإنَّ مصطلح العامَّة يتبلور على مَلْحَظيْن: مَلْحَظ يتعلَّق بإجماعِ السُّلْطَة وأتباعها على تهميشِ وإقصاءِ النَّاس عموماً عن كلِّ شيءٍ يتعلَّق بحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومَلْحَظ مُؤْلم يتمثَّل في أنَّ المساواة تتحقَّق بصورةٍ مُذْهلةٍ مِنْ خلال النَّظر إليهم بمنظورِ السُّلْطَة وأتباعها مِنَ العُلَمَاءِ والفُقَهَاءِ والأدباءِ والسياسيين حيث أنَّ العَرَبيَّ والفارسيَّ والتركيَّ والسُنِّيَّ والشيعيَّ كلُّهم في صَعيدٍ واحدٍ ما داموا مِنَ العامَّة، مع أنَّ الفُرْقَة، والانْقِسَام، والاسْتِقْطَاب، مَطَالبٌ أساسيَّة مع هؤلاء إذا اقتربوا مِنْ عَالَم الخاصَّة، وخاصَّة الخاصَّة، في التَّاريخ والحَاضِر والمُسْتَقْبَل.ومِنْ قَرَائِنِ الإنْصَافِ أنْ نُشير إلى أنَّ التُّرَاثَ السياسيّ العَرَبيّ قد تحدَّث عن الدَّوْلَة التي عَاشَ في ظِلَالها، أو حتَّى كانَ يطمح إلى ذلك، وهذا التُّرَاثُ هو الشَّاهِد، وربَّما الوحيد، على ما يُسمَّى «الدولة العربيَّة»، وهو المُعبِّر أيضاً عن مُفارَقَة تاريخيَّة كُبْرَى تتمثَّل في الحضورِ الفِعْليّ والماديّ لهذهِ الدَّوْلَة، في ذَاتِ الوقت الذي تَغيبُ فيه جوهريَّاً في الجانب الأخلاقيِّ، أو بعبارةٍ أُخْرَى، صُعُوبة تحقُّق مثالها كما هو الحال في التَّاريخِ البشريِّ، ما دَامَ هذا التَّاريخُ مَجَال صِرَاعٍ وقِتَال، وما دَامَ الإنْسَانُ العَرَبيُّ كذلك لَمْ يتحوَّل إلى مَلَاك، مِنْ أجل هذا كلِّه، فإنَّنا عندما نتحدَّث عَنْ الدولة السُّلْطَانيَّة أو قادتها بمختلف مُسمَّياتهم مِنَ الخُلَفَاء والأُمَرَاء والسَّلاطين، فالمَقْصُود هو «الواقع» ولَيْسَ «المِثَال»، والنِّظَام السُّلْطَانيُّ هو الشَّكلُ الوحيدُ للدَّوْلَة الذي عَرَفتهُ الأرض العَرَبيَّة، في مشرقها ومغربها، مُنْذُ أنْ تحوَّلتْ الخِلَافة إلى مُلْك، وهي كما صَوَّرها التُّرَاث السياسيّ العَرَبيّ، وعرَّفها ابن خَلْدُون، دَوْلًةُ قَهْرٍ وشَوْكَةٍ واستبدادٍ وعَصَبيَّة، وهذا على النَّقيضِ تماماً ممَّا يدَّعيه البعض حول « مثال « الدَّوْلَة الإسلاميَّة، حيث يبدو الخَلْطُ بيَّناً بَيْنَ إسلامٍ مِعْيَاريٍّ، وإسلامٍ واقعيّ، بصورةٍ قَاطِعَة وأبديَّة. ومِنَ التكرير، ولكنَّه مِنَ التذكير أيضاً، الإشَارَة إلى ما قرَّره مُحمَّد عَابِد الجَابريّ لدى مقارنتهِ بَيْنَ الفِكْرِ الشَّرْقيّ القديم والفِكْرِ العَرَبيّ بأنَّ ما يَجْمَعه الرَّاعي الشَّرْقيّ هُمُ الأفراد المُتَناثرون الذين يَخْضَعُون لِنِدَاءِه إذا دَعَاهم بِصَوْتهِ أو «صَفِيره»، وبِمُجرَّد انشغالهِ أو غِيَابهِ يَطْغَى الشَّتاتُ على وُجُودِ الرَّعِيَّة، ولمَّا تَصِلُ المُقَارَنَةُ إلى المُجْتَمَع العَرَبيِّ يقول: «إنَّنا نَنْسَى، بسبب كَثْرَةِ الاستعمال، أنَّ الرَّعِيَّة تَعْني في اللُّغَة العَرَبيَّة نفسها «المَاشِيَة»، القَطِيعُ مِنَ الأكباشِ والنِّعَاج، وقليلاً ما نَنْتَبِهُ إلى أنَّ «الرَّاعي» عندنا، الوَاحِدُ الأَحَد، كثيراً ما يَعْتَبِر تعدُّد الرُّعَاة على رَعيَّةٍ وَاحِدةٍ، حتَّى لو كانوا قليلي العَدَد، بِمَثَابَة تَعدُّد الآلهة»، وهذا هو السَّطْو التَّاريخيّ على النَّاسِ الذي مَارَسَتْهُ السَّلْطَة السياسيَّة وسوَّغهُ كتَّاب الآدَاب السلطانيَّة طيلة تاريخنا.وقد تفطَّنَ عزّ الدِّين العَلَّام إلى أنَّ الرَّعِيَّة في الأدبيَّات السُّلْطَانيَّة تَنْتَظِمُ في تصنيفيْنِ اثنيْنِ: الأوَّل تصنيفٌ أخلاقيٌّ ثُلَاثيّ الأطراف، والثاني تصنيفٌ إلى فئتيْنِ هما الخاصَّة والعامَّة وهُوَ تصنيفٌ لا يَعْتَرِف أو يهتمّ سِوَى بالخاصَّة، والتصنيفُ الأخلاقيُّ الثلاثيُّ يبدأُ مع أبي بَكْرٍ المُرَاديّ في أبرز كتبهِ:» الإشَارَة في تدبير الإمَارَة «، وابن رضوان المَالِقيّ في كتابهِ:» الشُّهُب اللامِعَة في السياسة النَّافِعَة «، حيث يرى هؤلاء النَّاس على ثَلاثَةِ أصْنَافٍ هي: كَريمٌ فَاضِلٌ، ولَئيمٌ سَافِلٌ، ومُتوسِّطٌ بينهما، ولِسَان الدِّين بن الخطيب في كتابه:» مَقَامَة السياسة « يقترب منهم بقوله:» العَليُّون والأوساط والسَّفَلة «، وكتَّاب الآداب السلطانيَّة يطرحون هذه التقسيمات مِنْ أجلِ التأكيد على أنَّ كلَّ فِئَةٍ مِنَ الرَّعِيَّة يحتاج صِنْفَاً مُعيَّناً مِنَ السياسة، ويبقى السُّؤَال مَطْرُوحَاً في سِيَاقِ المِعْيَارِ الأخلاقيِّ: كيف نُحدِّد الفَاضِل مِنَ اللئيمِ أو الخَيِّر مِنَ الشِّرير؟، ومَنْ يملك تلكم المعايير؟، وهل قَامَ الفُقَهَاء والكتَّابِ والأدباءِ باستلهام هذه التقسيمات مِنَ مرجعيَّاتهم الحقيقيَّة، التي جَاءَتْ أساساً مِنْ أجلِ الحُريَّة، والعَدَالة، والمُسَاوَاة، أمْ القضيَّة انطلقتْ مِنْ حقيقةِ الرَّغبةِ بالسيطرةِ المُطْلَقَة على السُّلطةِ إلى الأبَد باسمِ الشَّريعة، أو الثَّقَافَة العَرَبيَّة، أو المَصَالحِ العليا، أو امتلاكِ الحقيقة المُطْلَقة؟.ولا يُدَاخِلنَّكَ شَكٌّ في أنَّ الرَّابِطَ بَيْنَ المُفكِّرِ أو الأديبِ أو الفقيهِ، السُلْطَانيِّ، مِنْ زاوية، والسُّلطةِ السياسيَّةِ ومتطلَّباتها مِنْ زاويةٍ ثانية، قَطَعَ أشواطاً شَاسِعَةً مِنَ التكيُّفِ، إلى التَجَاورِ، إلى التَّعَايُشِ، إلى الترويضِ، وصولاً إلى القناعات الذاتيَّة، والمُبَادَرات الخَلَّاقة، في خِدْمَةِ السُّلْطَة، وتسويغ وجودها في تاريخنا، وعندما ظَهَرَتْ الحَاجَة إلى إرْسَاءِ قواعد التنظيمِ السياسيِّ في الدولة العَرَبيَّة، تَنَاسَى الطَّامِحُون إلى السلطة المَبَادئ والقِيَم « ووضعوا رِمَاحَهُم في خِدْمَة الخليفة لأنَّه بدورهِ أفضل فَرْدٍ في الجَمَاعة، أيْ خَليفَةُ الله في أرضه «، وبهذا تمَّ ترسيخ لحظة ما قبل السياسةِ في الأدَبِ السُّلْطَانيِّ، وذلك مِنْ خلالِ تدعيم خِطَاب الدِّين والأخلاق بميثولوجيا الزُّهدِ الإسلاميَّة، وبالتالي لَمْ تتمكَّن الآدَابُ السُلْطَانيَّة مِنْ تجاوزِ السَّقفِ الذي رُسِمَتْ مَلامحه خلال التَّاريخ العَرَبيّ، واستمرَّت على الدوام تنظر إلى السُّلَطَة باعتبارها شأناً مُقدَّسَاً، والنَّظَر إلى الطَّاعَة باعتبارها أمْرَاً دينيَّاً، وهو ما حوَّل العَقِيدَة في الثَّقَافَة السياسيَّة السُّلْطَانيَّة إلى سَقْفٍ في التبرير السياسيِّ، بل أصبحت الآدَاب السُّلْطَانيَّة تشبه الألغَاز التي لها خَلْطُها واخْتِلَاطُهَا، استمرَارُها وتِكْرَارُهَا، توظيفها لأنماطٍ فِكْريَّةٍ مُتعدِّدة ومُتَنَاقِضَة، تسييسها للمُتَعَالي، ورَفْعِهَا مِنْ شَأنِ السياسيِّ، توتُّرها الأخلاقيُّ بَيْنَ الأخلاق والمعايير، والأخلاق والأقنعة، وما يزال الفِكْرُ العَرَبيُّ أسير هَذهِ المتوالية المُزْمِنَة على الرَّغم مِنْ مُحَاوَلاتِ بعض المُفكِّرين والعُلَمَاء الانْعِتَاق منها وتجاوزها.وإنَّما يَعْنينا ويُعنِّينا ذلك الأمَل المُرْتَبِط بأدوارِ العُلَماءِ والفُقَهَاءِ والمُفَكِّرين تجاه النَّاسِ في مُجْتَمَعِنَا عبر مَرَاحِلهِ التَّاريخيَّة جَمْعَاء، إذْ مُحَاولة فَصْل السياسة عن السُّلْطَة العِلْميَّة، إجمالاً، مُحَاوَلة فَاشِلَة في التصوُّر الدِّينيّ والتَّاريخيِّ والاجتماعيِّ للدول العَرَبيَّة، بل إنَّ محاولات تفكيكِ المؤسَّسات أدى إلى حُدوثِ شُرُوخٍ قاتلةٍ في بِنْية الدَّوْلَة العَرَبيَّة، وتاريخ الاستبداد هو تاريخ إقْصَاء السُّلْطَة العِلْميَّة الحقيقيَّة عن دورها في المجتمع والدولة، وما تزال ثُلَّة تسعى إلى رَسْمِ ملامحِ التغيير، والاجتهادِ، والعَقْلِ، والمنهجيَّةِ، والالتزامِ بقضايا النَّاس وحقوقهم، بيد أنَّ تُرَاث ومَرْجعيَّة ومُنْجَزَات وآفاق هؤلاء يتمُّ تغييبها مقابل طغيان الأدوار والمشاريع والرُّؤَى التي تتماهى مع السُّلْطَة وطموحاتها وأدواتها وأتباعها في المجتمع منذ العَصْر الأُمَويّ.وحَسْبُنَا أنْ نَعْلَم أنَّ التَّاريخ مِفْتَاح العَقْل، والسُّلْطَة هِيَ مِفْتَاح التَّاريخ، ولذا بَرَزَت هذه الحقيقة في تاريخ الدولة العربيَّة منذ القرن الهِجْريّ الأوَّل بصورةٍ خاصَّة، عندما مَارَسَت السُّلطة السياسيَّةُ بشكلٍ مُبَاشر أو غيْر مباشر دوراً جبروتيَّاً طاغياً في تشكيلِ العَقْلِ الجَمْعيِّ العَرَبيّ، وانعكستْ التأثيرات القَهْريَّة للسُّلطة على شتَّى مجالاتِ الفِكْرِ والعِلْمِ والسياسةِ والاقتصاد وغيرها، ولقد فَعَلَت السُّلطة كثيراً في التَّاريخ، وفَعَلَ التَّاريخُ كثيراً في العَقْلِ، وصَارَ الإنسانُ العربيُّ أسيراً للفِعْلَيْنِ معاً، فِعْلُ السُّلطة في التَّاريخ «تاريخ السُّلطة»، وفِعْلُ التَّاريخ في العَقْلِ «سلطة التَّاريخ»، وانبثقَ عن هذا كلِّه العَقْل العربيّ الخَاضِعُ للسُّلْطَة بصورةٍ شِبه مُطْلَقة، كما أورثته سُلْطَة التَّاريخ خضوعاً شبه كليٍّ للماضي ومخرجاته كافَّة، وفي خضمِّ هذه الثنائيات باتَ الإنسانُ العربيُّ تائهاً بَيْنَ تاريخٍ بدأ جميلاً ولَنْ يعود، وحاضرٍ لا يملك منهُ شيئاً، ومستقبلٍ لا يعلم عنه شيئاً أيضاً، والنتيجة هيَ تكريس القبول بالواقع السياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ منذ تمَّ تغييب النَّاس بذريعة الحفاظ عليهم، وأصبح، بالتالي، الإقصاء هو المشروع البديل لحياة النَّاس، وشتَّان.


الوكيل
منذ 3 أيام
- الوكيل
رئيس أركان الجيش الباكستاني يؤدي التحية العسكرية لشيخ...
الوكيل الإخباري- اضافة اعلان أدى رئيس هيئة الأركان الباكستاني الفريق أول ساهر شمشاد مرزا التحية العسكرية لشيخ الأزهر أحمد الطيب في تقليد غير اعتيادي.وفي مستهل اللقاء، أكد الطيب عمق العلاقات التي تربط الأزهر الشريف بجمهورية باكستان الإسلامية، مشيرًا إلى أن الطلاب الباكستانيين الوافدين للدراسة في الأزهر لعبوا دورًا كبيرًا في توثيق هذه العلاقات وتعزيزها.وأضاف أن باكستان تُعد نموذجًا لتقدم العقل الإسلامي وقوته، وأن الأزهر حريص على رفع مستوى التعاون العلمي والثقافي مع باكستان، واستعداده لافتتاح مراكز لتعليم اللغة العربية هناك خدمةً لأبناء باكستان في تعلّم لغة القرآن الكريم.كما أعلن استعداد الأزهر لزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الباكستانيين، التي يبلغ عددها حاليًا 30 منحة سنويًا، بما يُلبي احتياجات الشعب الباكستاني، مع إمكانية تخصيص جزء من هذه المنح لدراسة العلوم التطبيقية مثل الطب والصيدلة والهندسة، إلى جانب العلوم الشرعية. وأعرب عن ترحيب الأزهر باستقدام وفود جديدة من أئمة باكستان للتدريب في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وصقل مهاراتهم في تفنيد الشبهات المعاصرة والتعامل مع القضايا الفكرية الراهنة.وصرح شيخ الأزهر أن الحديث عن معاناة أهل غزة هو حديث ذو شجن يثير الألم والحزن في النفوس، بما يمثله من جرح ينزف في ضمير الإنسانية. وأكد أن الوقت قد حان لاتحاد الأمة الإسلامية والالتفاف حول القضية الفلسطينية، التي أصبحت اليوم قضية العالم.وقال: "لا استقرار في الشرق الأوسط، بل في العالم كله، دون حل عادل للقضية الفلسطينية، يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".وأشار الطيب إلى غياب القضية الفلسطينية عن مناهج التعليم في معظم دول العالم الإسلامي، مما أثر سلبًا على وعي الأجيال بأهمية هذه القضية، في الوقت الذي يحرص فيه الطرف الآخر على تدريس روايته المزيفة في جميع المراحل التعليمية.من جانبه، أعرب الفريق أول ساهر شمشاد مرزا عن سعادته بلقاء الطيب، وتقدير باكستان قيادةً وشعبًا لمكانة الأزهر الشريف. وقال: "لقاؤكم يمثل شرفًا كبيرًا، فأنتم رمز لوسطية الإسلام، وتبعثون الأمل في نفوس المسلمين بمواقفكم الشجاعة". وأضاف أن الشعب الباكستاني يثق بمنهج الأزهر، ويتابع مواقفه باهتمام واحترام بالغ، ويدعم رؤيته تجاه قضايا العالم الإسلامي.كما أعرب رئيس الأركان الباكستاني عن شكره العميق للأزهر الشريف على ما يقدمه من رعاية واهتمام بالطلاب الباكستانيين الدارسين فيه، مثمنًا مبادرة الأزهر بإنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية في باكستان. وأشار إلى أن الأجيال الباكستانية السابقة اعتادت على دراسة اللغة العربية كمادة أساسية في المدارس، نظرًا لأهميتها في فهم القرآن الكريم. كما أشاد بدور الأزهر في دعم العلوم التطبيقية إلى جانب العلوم الشرعية، مؤكدًا أن بناء الأمم لا يكتمل إلا بالتقدم في مجالات الطب والهندسة وسائر العلوم الحديثة.وفي ختام اللقاء، قدم رئيس الأركان الباكستاني دعوة رسمية إلى الطيب لزيارة باكستان، مؤكدًا أن الشعب الباكستاني يتطلع لهذه الزيارة بكل شوق. وقد رحب الطيب بالدعوة، مؤكدًا عزمه على تلبيتها في أقرب فرصة ممكنة.


جو 24
منذ 4 أيام
- جو 24
تربية الأغوار الجنوبية تحتفل باختتام البرنامج الوطني الصيفي" بصمة" 2025
جو 24 : رعى متصرف لواء الأغوار الجنوبية الدكتور منجد القاضي ومدير التربية والتعليم للواء الأغوار الجنوبية الأستاذ عوده الضرابعة وبحضور نخبة من التربويين ورئيس مجلس التطوير التربوي الدكتور محمد الهويمل والجهات الأمنية ووجهاء المجتمع المحلي الحفل الختامي لبرنامج الوطني الصيفي "بصمة" 2025 في مدرسة الحديثة الثانوية للبنات. وبدأ الحفل بالسلام الملكي وسماع آيات عطرة من القرآن الكريم ، ورحب الضرابعة براعي الحفل والحضور وشاكرا حضورهم ومشاركتهم هذا الحفل الوطني بصمة 2025، وثمن جهود المشرفين والإداريين على المتابعة وإنجاح البرنامج. واكد الضرابعة على اهمية البرنامج في تعزيز الهوية الوطنية لدى الطلبة وتعزيز قيم الولاء والانتماء للوطن والقيادة واستثمار أوقات فراغهم خلال الفترة الصيفية وتعزيز ثقافة المشاركة والعطاء المجتمعي من خلال مجموعة من البرامج والفعاليات والأنشطة التي تستثمر طاقاتهم وأوقاتهم بما هو مفيد، مما ينعكس إيجاباً على سلوكهم ويترك أثراً إيجابياً على الوطن. وبين الضرابعة بأن هذا البرنامج أظهر تعرف الطلبة والطالبات المشاركين على المسار التقني المهني BTEC ، وتطبيق مضامين ورسائل المبادرة الملكية السامية لمدرستي أنتمي. وعبر الطلبة المشاركين عن ارتياحهم لهذا البرنامج باكسابهم مهارات متنوعة في حب الوطن والولاء والانتماء له وللقيادة الهاشمية ، والعمل بروح الفريق الواحد ، والانخراط في العمل التطوعي واكتشاف المواهب في الفن والرسم وأهمية التمارين الرياضية والكشافة والإرشاد وتوعية الطلبة في الحقوق والواجبات. وتخلل الحفل على تقديم فقرات تربوية ووطنية هادفة بأداء مميز من قبل الطالبات المشاركات والتي اشتملت على أناشيد واغاني وطنية وتراثية ومسرحيات جسدت ماهية هذا البرنامج، وافتتاح المعرض الفني بصمة 2025 والذي احتوى على مجموعة من الرسومات والأعمال اليدوية للطلبة والتي تم عملها خلال مشاركتهم في البرنامج. تابعو الأردن 24 على