
خطة عراقية واعدة لإنتاج كبير للكهرباء وتحقيق الاكتفاء الذاتي
بغداد – في خطوة تهدف إلى معالجة أزمة نقص الطاقة الكهربائية المزمنة في العراق ، أعلنت وزارة الكهرباء -على لسان وزيرها زياد علي فاضل، في 6 أبريل/ نيسان الجاري- عن الشروع في تنفيذ مشاريع تعتمد بشكل أساسي على الوقود المحلي بديلاً عن المستورد.
وتتزامن هذه الخطوة مع جهود وزارة النفط لاستثمار الغاز المحلي، في مسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل الاعتماد على الخارج.
ويأتي الإعلان في ظل معاناة العراق من نقص حاد بالطاقة الكهربائية تفاقم بفعل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ، والتي أدت إلى توقف استيراد بغداد للغاز الإيراني الضروري لتشغيل محطات توليد الطاقة، وقد حذر مختصون من أن الصيف المقبل قد يكون الأصعب على العراقيين ما لم يتم التوصل إلى حلول عاجلة لهذه الأزمة.
وتزود إيران العراق بنحو 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، بما يغطي نحو ثلث احتياجات البلاد، وهو ما يكفي لإنتاج نحو 6-7 آلاف ميغاواط من الكهرباء.
وأعلنت وزارة الكهرباء في أبريل/نيسان من العام الماضي زيادة حجم الطاقة المنتجة بحدود 3 آلاف ميغاواط، في حين أشارت إلى سعيها للوصول إلى حجم إنتاج يبلغ 27 ألف ميغاواط.
كهرباء بلا وقود
أكد علي فاضل أن وزارته أطلقت مشاريع تعتمد على الدورات المركبة والطاقة الشمسية لمعالجة مشكلة توفير الطاقة الكهربائية، مشيرا إلى أن العراق يحتاج إلى حوالي 50 ألف ميغاواط من الطاقة وفقاً لمركز السيطرة الوطني، بينما يتراوح الإنتاج الفعلي لوزارة الكهرباء بين 28 و29 ألف ميغاواط خلال فصل الصيف.
وقال -في تصريح للجزيرة نت- إن ثمة مشاريع قائمة للدورات المركبة على أرض الواقع تعتمد على انبعاثات الغاز، وتُعرف باسم "كهرباء بلا وقود" مشيراً إلى أن رئيس الوزراء أطلق مشاريع في محافظات بابل والديوانية والنجف والحلة وعكاز للدورات المركبة بقدرة 4 آلاف ميغاواط تعتمد على الانبعاثات.
ويُشار إلى أن الدورة المركبة في عملية توليد الكهرباء تتكون من محركات حرارية تعمل بالتتابع بنفس مصدر الحرارة التي تحول بدورها مصدر الحرارة هذا لطاقة ميكانيكية تُستخدم مباشرة في توليد الكهرباء باستخدام مولدات كهربائية.
وأضاف أن وزارة الكهرباء أعلنت مؤخراً عن النموذج المالي للمحطات البخارية التي تعتمد على الوقود المحلي (النفط الثقيل) وأن هذه المحطات ما زالت قيد الدراسة وطرح العروض على الشركات المتقدمة، وقد أحالت الوزارة بعض العروض إلى استشاري، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة الشمسية.
وأوضح أن ثمة جداول زمنية للمشاريع، لكن كل مشروع يختلف جدوله الزمني عن الآخر، مشيراً إلى مشروع توتال الذي يؤمل أن يدخل الخدمة بقدرة 250 ميغاواط بحلول نهاية العام الحالي.
وفيما يتعلق باستثمار الغاز المصاحب، لفت فاضل إلى أن وزارة النفط تعمل على استثمار الغاز المصاحب من 5 حقول نفطية في البصرة، من خلال إنشاء محطة لمعالجة الغاز بطاقة 600 مليون قدم مكعب قياسي يومياً، تُنفذ على مرحلتين:
الأولى: طاقتها 300 مليون قدم مكعب خلال 3 سنوات.
الثانية: طاقتها 300 مليون قدم مكعب خلال 5 سنوات.
وأضاف الوزير أن الاستثمارات "تشمل تطوير حقل المنصورية الغازي بطاقة 300 مليون قدم مكعب يومياً، بهدف تزويد محطات الكهرباء وتقليل الاعتماد على الاستيراد وفق خطط زمنية معدة لهذا الغرض.
كهرباء بالوقود المحلي
من جانبه، أكد المستشار الحكومي علاء الفهد أن وزارة الكهرباء تستهدف إنشاء محطات توليد بخارية بطاقة إجمالية تصل إلى أكثر من 15 ألف ميغاواط، تعتمد بالكامل على الوقود المحلي.
وأوضح الفهد -في تصريح للجزيرة نت أن الوزارة لم تحدد جدولاً زمنياً دقيقاً لكل مرحلة من هذه المشاريع. ومع ذلك، فإن الوزارة ماضية في تنفيذها ضمن خطة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
وأضاف المستشار الحكومي أن خطة الوزارة تتوزع حول المحاور التالية:
محطات غازية: 2430 ميغاواط.
منظومات الدورة المركبة: 3811 ميغاواط.
محطات بخارية: 8759 ميغاواط.
مشروع تنمية الغاز المتكامل مع "توتال إنيرجي": يشمل استخراج النفط، واستثمارات الغاز، ومشروع حقن المياه، ومشروعا للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى ألف ميغاواط.
تطوير حقل المنصورية الغازي في ديالى: بطاقة إنتاجية تبلغ 300 مليون قدم مكعب يومياً، بهدف تزويد محطات الكهرباء وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
استثمار الغاز المصاحب بحقول البصرة وميسان وذي قار: تستهدف إضافة أكثر من مليار قدم مكعب قياسي يومياً إلى الإنتاج الوطني.
وأشار الفهد إلى أن هذه المشاريع تمثل جزءاً من إستراتيجية الحكومة لتطوير قطاع الكهرباء وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
5 سنوات
رجح خبير الطاقة حمزة الجواهري أن تكتمل مشاريع تطوير الطاقة الكهربائية المخطط لها بالعراق خلال فترة زمنية لا تتجاوز 5 سنوات قادمة، مؤكداً على وجود تحركات جادة لتجاوز التحديات السابقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وقال الجواهري في حديث للجزيرة نت إن وزارتي الكهرباء والنفط تعملان حالياً على تنفيذ مشاريع إستراتيجية تهدف إلى معالجة الغاز المصاحب المحروق، مشيراً إلى أن استكمال هذه المشاريع بحلول نهاية 2028 أو مطلع 2029 سيوفر للعراق طاقة تقدر بنحو 1600 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يومياً، وهو ما يمثل إضافة نوعية وكبيرة لمنظومة الطاقة.
ونوه بأن العراق أبرم مؤخراً عقوداً جديدة مع الجانب الأميركي لإنشاء محطات كهربائية حديثة تعمل بنظام الدورة المركبة، بطاقة إنتاجية تصل إلى 5 غيغاواط، كما يجري العمل مع الجانب الأميركي كذلك على مشاريع لإنتاج 3 غيغاواط من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، متوقعاً ألا يستغرق إنجاز هذه المشاريع من 4 إلى 5 سنوات.
وعلى صعيد نقل الطاقة، لفت الخبير النفطي إلى مشروع مد خطوط نقل كهرباء ذات جهد عالٍ بطول إجمالي يبلغ 1000 كيلومتر عبر أنحاء العراق، بالتعاون مع الجانب الأميركي ويهدف إلى تعزيز شبكة التوزيع الكهربائي في البلاد.
وأشار الجواهري إلى مشروع هام آخر قيد التنفيذ مع شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية لإنتاج 1000 ميغاوات من الكهرباء من الطاقة الشمسية بمحافظة البصرة.
وأكد أن مجمل هذه المشاريع، سواء المنفذة بالشراكة مع الجانب الفرنسي أو الأميركي أو الشركات المحلية، يتوقع أن تكتمل على مراحل مختلفة خلال فترة لا تتجاوز الـ5 سنوات القادمة، أي بحلول عام 2030، مع توقع إنجاز بعضها أعوام 2027 و2028 و2029.
ويأمل الجواهري أن تتسم هذه المشاريع بالجدية والمتابعة الفعالة، وأن تتجنب معوقات الفساد التي شابت مشاريع سابقة، خاصة بعد أن تأكد العراق من صعوبة الاعتماد على استيراد الغاز من الخارج، وأصبح التوجه نحو الاعتماد على الذات أمراً حتمياً.
وأشار إلى أن العراق يمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز المصاحب والغاز الحر، مع وجود حقول جاهزة للتطوير مثل المنصورية وعكاز وحقول في الشمال ومحافظة ديالى، والتي تم التعاقد على تطويرها مع شركات صينية. كما لفت إلى الاتفاق المبدئي مع شركة دانة غاز وشقيقتها الإماراتية العاملة في حقل خورمر لتزويد مناطق الوسط والجنوب بالغاز، نظراً لوجود احتياطيات كبيرة وقابلة للزيادة.
وانتقد الجواهري التدخلات الخارجية التي عطلت تنفيذ مشاريع الطاقة في السنوات السبع أو الثماني الماضية، مؤكداً أن التوجه الحالي يبدو أكثر جدية وعزماً على تجاوز هذه المعوقات، خاصة مع تزايد حاجة العراق إلى الغاز لتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء.
وأكد أن العراق بحاجة إلى أكثر من 20 غيغاواط من الكهرباء لتحقيق الاكتفاء الذاتي الحقيقي، سواء لتلبية الاستهلاك الداخلي أو تشغيل المشاريع التنموية الكبيرة التي يعتزم تنفيذها، معتبراً أن الوصول إلى هذا الرقم بحلول عام 2030 سيكون ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
تطوير ميناء اللاذقية هل يُحدث تحولا في اقتصاد سوريا؟
دمشق – وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا اتفاق تطويرِ وتشغيلِ ميناء اللاذقية مع شركة "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) الفرنسية ضمن خطة للنهوض بواقع الموانئ السورية وتحسين كفاءتها التشغيلية. وقالت الهيئة السورية إن مدة الاتفاق 30 عاما، وهي المدة المعتمدة عالميًا لمثل هذا النوع من الاستثمارات، لضمان الجدوى الاقتصادية وتحقيق الأهداف التطويرية المنشودة، مُبيِّنة أن الشركة الفرنسية ستباشر خلال هذه المدة بضخ استثمارات أولية بقيمة 30 مليون يورو (33.9 مليون دولار) خلال السنة الأولى، مخصَّصة لتطوير البنية التحتية والفوقية، وصيانة المعدات الحالية والأرصفة، بالإضافة إلى إدخال أنظمة تشغيل وتكنولوجيا حديثة تعتمدها الشركة في موانئ عالمية أخرى، كما ستضخ في السنوات الثلاث التالية استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو (226 مليون دولار). وأشارت إلى أن الاتفاق يمنح الشركة الفرنسية مسؤولية إدارة وتشغيل محطة الحاويات، في حين تحتفظ الدولة بحق الرقابة والتقييم، وتبقى كافة حقوق السيادة الوطنية محفوظة بالكامل ضمن الإطار القانوني الناظم للعقود الاستثمارية البحرية. ويندرج الاتفاق ضمن أحكام القانون السوري للاستثمار، مع الاحتكام إلى غرفة التجارة الدولية في لندن للتحكيم عند النزاعات، ما يعكس الثقة الدولية ويعزز الموثوقية القانونية للعقد. آلية تصاعدية وحسب الهيئة البحرية، تم وضع آلية تصاعدية لتوزيع الأرباح، إذ سترتفع نسبة الدولة من العائدات كلما زاد حجم المناولة وعدد الحاويات. ووفقًا للاتفاق، تبدأ حصة الدولة عند مستوى معين، ثم ترتفع تدريجيًا حتى تصل إلى 70%، مقابل 30% للشركة المشغلة، كما أن كافة النفقات التشغيلية ستكون من مسؤولية الشركة، ما يضمن أقصى قدر من الفائدة الاقتصادية للدولة. في السياق، أكد مدير العلاقات في الهيئة، مازن علوش في حديث للجزيرة نت أن أهمية الاتفاقية تكمن في كونها ستجلب استثمارات ضخمة خلال السنوات الأولى، ما سيسهم بشكل مباشر في تحسين البنية التحتية البحرية ورفع كفاءة عمليات المرفأ، مشيرا إلى أن الاتفاق سيعزز من تنافسية سوريا في قطاع النقل البحري، كما يُتوقع أن يسهم التعاون في خلق فرص عمل، وتحسين الإنتاجية، ودعم قطاعَي التصدير والاستيراد. وشدد على أن جميع العمليات ستتم تحت إشراف الدولة ووفق القوانين النافذة، من دون منح أي امتيازات تشغيلية استثنائية للشركة الفرنسية، موضحًا أن العمل سيعتمد على الكوادر السورية، مع تنفيذ برامج تدريب وتأهيل تعتمد أحدث الأنظمة التشغيلية. وكشف علوش عن وجود مشاريع جديدة قيد الدراسة تهدف إلى تحديث البنية التحتية البحرية وإعادة تأهيل المرافئ السورية، من بينها إمكانية تنفيذ استثمارات مماثلة في مرفأ طرطوس وبعض المنافذ البرية الحيوية. وحسب علوش، شهدت محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية اهتمامًا كبيرًا من عدة شركات دولية، وعُرضت عدة مقترحات للاستثمار، إلا أن عرض الشركة الفرنسية كان الأكثر تميزًا من حيث الكفاءة الفنية والمالية، مما يضمن استمرارية التشغيل دون حدوث اضطراب في العمليات. وتمت مراجعة جميع العروض المقدمة من قبل الشركات ضمن إطارٍ من الشفافية التامة، لضمان تحقيق أفضل النتائج لسوريا، بحسب وكالة الأنباء العربية السورية (سانا). وبيّنت الوكالة أنه تمت متابعة المفاوضات من قبل فريق متخصص من الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، إضافةً إلى فرق مختصة في مؤسسة الرئاسة السورية، لضمان أعلى مستويات الدقة والمهنية في تقييم العرض ومتابعة التنفيذ وفق القوانين السورية. أول استثمار حقيقي وقال رئيس مركز "قاضي للاستشارات" الاقتصادية والإدارية والمالية في كندا وسوريا، أسامة القاضي في حديث خاص للجزيرة نت، إن الاستثمار الجديد في ميناء اللاذقية يُعد أول استثمار حقيقي بهذا الحجم في سوريا منذ عقود. وأشار إلى أن هذا المشروع قد يمثل تحولا اقتصاديا كبيرا في ظل الإدارة الجديدة للميناء. وأوضح القاضي أن هذا الاستثمار، الذي تقوده شركة "سي إم إيه سي جي إم" الفرنسية، يعكس اهتمامًا دوليًا متجددًا بسوريا كموقع لوجستي مهم في شرق البحر المتوسط ، مضيفا أن توسيع الميناء سيزيد من قدرته الاستيعابية، إذ يمكِن أن ترتفع الطاقة من نصف مليون حاوية إلى ما بين 2.5 و3 ملايين حاوية سنويًا. ونوّه القاضي إلى أن الميناء كان يعاني من ضعف البنية التحتية، خاصة في ظل غياب الاستثمارات لعقود طويلة، إضافة إلى تعرضه لأضرار كبيرة نتيجة القصف وبعض العمليات العسكرية، بما في ذلك هجمات إسرائيلية خلال السنوات الأخيرة. وقال "الميناء بحاجة إلى أرصفة جديدة وتوسعة شاملة، مثل الأرصفة التي تتراوح بين 15 و17 مترًا، لتسهيل استقبال السفن الضخمة". وفي مقارنة مع تجربة الصين في ميناء بيريوس اليوناني، حيث استثمرت بكين حوالي 600 مليون يورو (678 مليون دولار)، أوضح القاضي أن "سي إم إيه" الفرنسية ستستثمر نحو ثلث هذا المبلغ في اللاذقية، وهو رقم معقول لكنه يتطلب جهودًا أكبر لتطوير الميناء بشكل فعّال. وتوقف القاضي عند البعد الرمزي لهذا الاستثمار، مشيرًا إلى أن مالك الشركة، رودولف سعادة، هو حفيد رجل أعمال سوري من مدينة اللاذقية، وقال "رودولف سعادة الجد غادر سوريا إلى لبنان ثم إلى فرنسا ، وتزوج هناك من فرنسية. أما ابنه، جاك سعادة، فقد أسس واحدة من أكبر شركات الشحن البحري في العالم، ليقود الحفيد اليوم الشركة التي تعود للاستثمار في مسقط رأس الأسرة". بدوره، يطالب الباحث السياسي عبد الله الخير بنشر تفاصيل مثل هذه الاتفاقات في الإعلام الرسمي وخصوصا أن الشركة خاصة وليس لها علاقة بالحكومة الفرنسية، بهدف أن يطّلع عليها الشعب السوري وتحقق الشفافية. وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الشركة تعود لعائلة سورية، وهو أمر مهم، لكن ذلك لا يمنع من خلق جو تنافسي مع الشركات الأجنبية من خلال طرح هذه العقود الاستثمارية ضمن مزاد علني وشفاف، لأن الشعب قد سئم من الاتفاقات العلنية التي تصدر عن نظام الأسد والتي تُهدر فيها خيرات سوريا.


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
ما انعكاسات التوتر الهندي الباكستاني على التجارة الأفغانية؟
أغلقت باكستان حدودها التجارية المهمة مع الهند عبر معبر عطاري-واغا للمرة الثانية خلال 6 سنوات، مما أدى إلى تعليق الصادرات الأفغانية إلى الهند ووجود عقبات أمام استيراد السلع منها. وبينما تتصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين، (الهند وباكستان) تجد أفغانستان نفسها مجددًا تدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا لصراع لا تشارك فيه بشكل مباشر. وقال خان الكوزي عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية -للجزيرة نت- إن إغلاق معبر عطاري-واغا بين باكستان والهند "أدى إلى توقف التجارة" مع نيودلهي بشكل كبير. وأضاف "تُعد هذه الحدود الأقل تكلفة للصادرات الأفغانية إلى الهند، حيث يتم نقل نحو 80% من الصادرات الأفغانية، وخاصة الفواكه المجففة، إلى الأسواق الهندية. وهذه ليست المرة الأولى التي يُغلق فيها المعبر أمام التجارة الأفغانية بسبب التوترات بين إسلام آباد ونيودلهي". العلاقات التاريخية مهددة يُعد معبر عطاري-واغا، الذي تم افتتاحه عام 2005، طريقًا رئيسيًا للتجارة ليس فقط بين باكستان والهند، بل وأيضًا بين أفغانستان والهند عبر الأراضي الباكستانية. وشهد هذا المعبر تقلبات عديدة في السنوات الأخيرة بسبب التوترات الثنائية، ومع ذلك استمرت الهند في استيراد السلع من أفغانستان حتى خلال حكم طالبان الأول (1996-2001). حجم التجارة بين أفغانستان والهند بلغ حجم التجارة الثنائية بين أفغانستان والهند 997.74 مليون دولار، وهو ما يمثل 0.09% فقط من إجمالي التجارة الخارجية للهند. بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة عام 2021، ارتفعت واردات الهند من أفغانستان إلى مستوى قياسي بلغ 642.29 مليون دولار. تراجعت صادرات الهند إلى أفغانستان إلى 355.45 مليون دولار، وهو أدنى مستوى لها خلال الـ16عامًا الماضية. ومع تصاعد التوترات في منطقة كشمير المتنازع عليها، يظل مستقبل التجارة بين كابل ونيودلهي غامضًا، إذ أثار إغلاق المعبر البري الوحيد المخصص لتبادل السلع بين الطرفين مخاوف جدية بشأن الاستقرار الإقليمي. وقد تسبب ذلك في زيادة الضغوط على الشركات الصغيرة والصناعات التي تعتمد على السلع المستوردة من الهند. ويقول الخبير الاقتصادي شاكر قيومي للجزيرة نت "إذا استمر الوضع الراهن، سيضطر التجار إلى البحث عن طرق بديلة، رغم أنها ليست اقتصادية أو قصيرة مثل طريق واغا. والبدائل مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا وتجار الفواكه والخضراوات الطازجة يتكبدون حاليًا خسائر فادحة، ويفكرون في استخدام طرق أخرى لمواصلة أعمالهم التجارية". بدائل تواجه تحديات عام 2019، أصدرت الحكومة الهندية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي مرسومًا رئاسيًا ألغى المادة 370، منهية بذلك الوضع الخاص لإقليم كشمير. وهذا تسبب في قطع العلاقات التجارية مع باكستان ، مما دفع أفغانستان للبحث عن طرق بديلة للحفاظ على علاقاتها التجارية مع الهند، فاتجهت الحكومة الأفغانية السابقة إلى استخدام ميناء تشابهار الإيراني وافتتاح ممر جوي مباشر. ويقول وزير المالية الأفغاني السابق أنوار الحق أحدي، للجزيرة نت "استثمرت الهند في ميناء تشابهار الإيراني لتقليل اعتمادها على الطريق الباكستاني". وهو خيار جيد للتجارة بين كابل ونيودلهي، لكنه يواجه قيودًا بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران ، بالإضافة إلى امتناع العديد من البنوك الدولية عن التعامل مع البنوك الإيرانية. ويضيف "التبادل التجاري يمر بأزمة حقيقية، وإغلاق الحدود قد يؤدي إلى شلل أكبر في حركة التجارة". وتُعد الهند أحد أهم أسواق الصادرات الأفغانية، حيث تستورد ما يلي: إعلان ما يقرب من 90% من احتياجاتها من التين المجفف. %50 من الزعفران والمشمش المجفف. إضافة إلى السجاد والأعشاب الطبية، وكل هذه السلع تمر غالبًا عبر معبر عطاري-واغا. وتشير التقديرات إلى أن هذا الإغلاق سيؤدي إلى تراجع كبير في حجم التجارة بين البلدين خلال الأشهر المقبلة، لا سيما أن أفغانستان تعتمد بشكل كبير على هذا الطريق لاستيراد سلع أساسية من الهند. وقد صرّح المتحدث باسم وزارة التجارة الأفغانية عبد السلام جواد -للجزيرة نت- أن إغلاق معبر عطاري-واغا "لم يؤثر فقط على التجارة الأفغانية، بل وجه أيضًا ضربة قوية للهند، إذ ارتفعت أسعار الفواكه المجففة بالأسواق الهندية بنسبة 20%. وأضاف "بلغ حجم التجارة بين البلدين 703 ملايين دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، منها 541 مليونا صادرات أفغانية و222 مليونا واردات. ويتم تصدير معظم الفواكه المجففة عبر هذا المعبر، وإغلاقه يعطل سلاسل التوريد الحيوية". رؤية دبلوماسية وسط الصراع تُعد العلاقات التجارية بين أفغانستان والهند من أقدم العلاقات في المنطقة، وتعود جذورها إلى العصور القديمة، حيث لعبت كابل دورًا إستراتيجيًا في ربط شبه القارة الهندية بآسيا الوسطى عبر طرق التجارة. وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية المتكررة، استمرت هذه العلاقات بوتيرة مستقرة نسبيًا.


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
تفاؤل أوكراني بعد "اتفاقية المعادن".. ماذا تتوقع كييف من واشنطن؟
كييف- بعد عقبات وتوترات كثيرة وغير مسبوقة بين كييف وواشنطن، وبعد خلافات ومشادّة حادة بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترامب ، رأت " اتفاقية المعادن النادرة" ضوءا في نهاية النفق، وتنفس الجميع الصعداء. ويعمّ تفاؤل كبير بين الأوكرانيين، ساسة وعامة، بعد نحو 100 يوم من مخاوف وشكوك فرضتها عودة ترامب، وكأنما ارتووا بعد طول ظمأ في الصحراء الأميركية، بحثا عن استمرار الدعم بالمال والسلاح. حتى أن الرئيس زيلينسكي قال إن "الاتفاق هو النتيجة الأولى للاجتماع مع ترامب في الفاتيكان"، الذي دام نحو 15 دقيقة فقط، على هامش جنازة البابا فرانشيسكو في 26 أبريل/نيسان المنصرم. يرى الأوكرانيون أن بنود الاتفاقية التي نشرتها نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد يوليا سفيريدينكو، "عادلة"، ويعتقدون أنه على عكس ما كان متوقعا، لم تتنازل فيها كييف أمام ضغوط واشنطن. وباختصار، يشرح مدير معهد البحوث والاستشارات الاقتصادية في كييف إيهور بوراكوفسكي أهم ما جاء فيها قائلا إن "الاتفاقية تقضي بإنشاء صندوق استثماري لإعادة الإعمار، يسهم كل طرف فيه بنسبة 50%، وهو صندوق يبقي ملكية الأراضي والمنشآت والشركات لأوكرانيا، ولا يحتسب المساعدات المالية والعسكرية السابقة كديون عليها". وأضاف في حديث للجزيرة نت "تم توسيع مجال الاتفاقية لتشمل 57 معدنا، إضافة إلى النفط والغاز، التي حال العجز والفساد عن استثمارها طيلة 34 سنة، حتى أصبح اسمها (اتفاقية باطن الأرض)". وفي السياق ذاته أيضا، يقول الكاتب في الشأن الاقتصادي، سيرهي فورسا للجزيرة نت، إن "أهم ما في الاتفاق أنه لا ضرر فيه لنا أو تبعية استعمارية كما أراد ترامب، وأننا لا نعترف فيه بديْن وهمي حدده ترامب في رأسه، ولا نلتزم بسداده ما حيينا". الجانب العسكري لكن الجانب الاقتصادي للاتفاقية، على أهميته، قد لا يعني الأوكرانيين بقدر ما يعنيهم الحصول على ما يدعم جبهات القتال، ويحمي المدن من الضربات الروسية، ويلحق بالروس أوجاعا أكبر. والاتفاقية، رغم مطالب الأوكرانيين، لم تشر إلى أية ضمانات أمنية أميركية، لكنها تأخذ بعين الاعتبار أن تكون المساهمة الأميركية على شكل "أسلحة ودفاعات جوية". وقال رئيس الوزراء دينيس شميهال، إن "اتفاقية باطن الأرض ستسمح بحماية سمائنا بشكل أفضل، وذلك بفضل أنظمة الدفاع الجوي الأميركية". ليس هذا فحسب، فبعد ساعات من توقيع الاتفاقية، قالت صحيفة "كييف بوست" إن "إدارة ترامب وافقت على أول عملية تصدير أسلحة لأوكرانيا، بقيمة 50 مليون دولار". تحول أميركي هذه المستجدات كلها تتزامن مع تحول كبير في الموقف الأميركي، لا سيما فيما يتعلق بجهود الوساطة بين أوكرانيا وروسيا لإيقاف الحرب وإحلال السلام. ومن دلالات هذا التحول، كما يراه الأوكرانيون، تسليم نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس ، بأن "أفق الحرب بلا نهاية واضحة، والمهمة صعبة قد تحتاج إلى 100 يوم أخرى". بينما لوّحت واشنطن بسحب جهودها، وغيّر ترامب نبرته تجاه الروس، فصار يتذمر من مماطلة بوتين، وتوعده فعلا في حال عدم التوصل إلى اتفاق قريب لوقف إطلاق النار وبداية المفاوضات، قائلا "سنعطي زيلينسكي الكثير، وأكثر مما حصل عليه في أي وقت مضى"، في إشارة مباشرة إلى الدعم الأميركي. وإزاء هذه التطورات، يرى رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا" فولوديمير فيسينكو "أن ترامب فهم أن بوتين خدعه، وأن الأخير لا يريد السلام، حتى وإن قال وأظهر غير ذلك". همّ مشترك من وجهة نظر بعض الخبراء، تُشرك الاتفاقية الموقعة الولايات المتحدة في تحمل "الهمّ" الأوكراني، وتمنعها من الضغط على أوكرانيا ودفعها نحو سلام لا يواتيها. وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية ورئيس "مركز التنسيق المشترك" أوليغ ساكيان، إن "واشنطن باتت معنية وبشكل مباشر بإحلال السلام، دون أن تخسر كييف مزيدا من الأراضي". وأضاف موضحا "يخشى ترامب تحمل التبعات إذا تراجع دعم بلاده واستطاعت روسيا سحق أوكرانيا. وكذلك لن يستطيع ترامب إجبار أوكرانيا على إبرام اتفاق يعود بالضرر على الحكومة والشركات الأميركية التي ستساهم في "الصندوق الاستثماري المشترك". ومن وجهة نظره، "بعد واشنطن، ستزيد الدول الغربية الضغوط على بوتين في المرحلة المقبلة" ويعتقد أن هذه الدول، ستزيد وتشدد العقوبات على روسيا بعد الاحتفال الأوكراني بـ 9 أيار/مايو (ذكرى يوم النصر على النازية)". الوساطة باقية وعلى أساس ما سبق، يستبعد مسؤولون أوكرانيا انسحاب الولايات المتحدة فعليا من جهود الوساطة وإحلال السلام، حتى وإن تعثرت تلك الجهود ولمّحت واشنطن إلى غير ذلك. في حديث لموقع "آر بي كا"، قال مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولاك، في تلميح غير مباشر للأميركيين "إذا كانت لديكم اتفاقية شراكة إستراتيجية، وكانت لديكم أصول أو أرباح هنا، فلن تُسلموا هذه المنطقة لمنافس مباشر، خاصة في مجالات صناعية تعنيكم، وتخص المعادن الأرضية النادرة. ستحمون أصولكم، وهذا سيعود عليكم بالنفع".