
في يوم تخليد ذكراه.. "سعدي الشيرازي" ملك الكلام وشاعر الإنسانية
هو مشرف الدين بن مصلح الدين السعدي، ولد في مدينة شيراز حوالي عام580هـ وتوفى عام691هـ (القرن السابع الهجري) . والسعدي هو الاسم الذي اشتهر به نسبة الي سعد بن زنكي حاكم شيراز.
رحل إلى بغداد قبل سنة 623 هـ ودرس في المدرسة النظامية، وأخذ عن عدد من علماء بغداد منهم عمر بن محمد السهروردي. بسبب هجمات المغول آثر الشيرازي الرحيل والسياحة فذهب إلى دمشق والقدس ومكة وشمالي أفريقيا. ويذكر أنه حين فارق بلاد الشام نحو سنة 634 هـ وقع أسيرا في يد الفرنجة، ففرضوا عليه أن يعمل في جبل الطين ونقل الحجارة، إلى أن لقيه أحد رؤساء حلب فافتداه. ثم عاد إلى مسقط رأسه شيراز سنة 654 هـ، وتوفي فيها بين سنة 690 و694 هـ.
ومع أن الشاعر قد طبقت شهرته الآفاق منذ نشأته، وسمع عن فضله منذ شبابه، وجرت أشعاره على الألسنة. فإن أهم ما قام به في ذلك العهد أنه نهض للتأليف والتدوين. وأول منظوماته الهامة والمشهورة هي (بوستان) وهو ديوان يشتمل على قصص شعري غاية في الإبداع، وهو في هذا الديوان شاعر إنساني ومعلم اخلاقي، وبعد سنة من إتمامه، ألّف ديوانه الآخر (كلستان) وهو أجود ما كتب في النثر الفارسي، وأسلوب كلستان يطابق عنوانه (روضة الورد).
وتنتظم فيه القصص، والأمثلة، والحكم، والنصائح الأخلاقية والاجتماعية في عبارات لطيفة متينة حتى لتستطيع أن تقول إن ال كلستان شعر منثور، أو نثر مجرد عن الزوائد والحشو.
أما غزليات السعدي فيمكن أن تقول إنه مبتكر فيها، فقد تضمنت أبدع الاحساسات، في روح صوفية، فلم يبلغ شاعر آخر ما بلغه فيها. مع أنه يتضح من حكايات السعدي، وحكمه أنه اندمج في زمرة رجال الصوفية، لكن لم يكن من أولئك الذين نقضوا أيديهم من شؤون الحياة، ولا من الذين لجأوا إلى الاعتزال، بل كان له لطافة أفكارهم، وإشراق نفوسهم، في حياة معتدلة، وعمل متزن.
وقد أبدع سعدي الشيرازي روائع لازال الأدب الفارسي يحتفى بها، أخرج إلى الناس أجمل النصوص الأدبية التي تمزج بين الفائدة والمتعة، وجعلها قمة بلاغية، سهلة ممتنعة، سهلة حين تقترب منها، لكنها ممتنعة حين تتجرأ على مجاراتها، فأضحى سعدي مدرسة أدبية قائمة بذاتها، إذ اعتبر أب النثر الفارسي، استطاع كذلك أن يمزج بين خلاصات تجاربه، بعد ثلاثة عقود تنقل فيها بين الكثير من البلدان والثقافات، لذلك تأهل ليكون رمز المحبة الإنسانية، واستحق أن يزين مبني مقر الأمم المتحدة في نيويورك بأبياته الشهيرة:
بني آدم اعضـاي يكديگـرنـد
كـه در آفرينش زيك گوهـرنـد
چـو عضوي بـدرد آورد روزگار
دگـر عضـوها را نمـاند قـرار
تـو گر محنت ديگران بي غمـي
نشايد كـه نامت نهند آدمـي
أي:
«بنو آدمٍ جسد واحد
إلى عنصر واحدٍ عائد
إذا مس عضواً أليم السقام
فسائر أعضائه لا تنام
إذا أنت للناس لم تألم
فـكيـف تسميـت بالآدمـي
وقدم سعدي نماذجا رائعا للوحدة الحضارية بين الايرانيين والعرب، وما هوالا رمز من رموز وحدتنا الحضارية ، فمزجه بين اللغتين العربية والفارسية هو من مظاهر اهتمامه بهذه الوحدة، وفضلا عن خطابه الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، واستطاع ان يقدم النموذج الرائع للامتزاج الحضاري بين هاتين الامتين.
كتب عنه الفيلسوف الفرنسي ديدرو واقتبس منه هوغو ولافونتين، وأشاد به الشاعر الأمريكي امرسن بينما وضع الفيلسوف الأمريكي الكت آثاره إلي جانب أعمال سقراط وأفلاطون ودانتي وشكسبير وملتون. وشبهه الشاعر بايرون بالشاعر الغنائي الروماني كاتولوس وتأثر به غوته، في المقابل ظل سعدي الشيرازي إلي اليوم غريبا بين المثقفين العرب.
ونقل جبرائيل بن يوسف المخلّع كلستان إلى العربية، وطبعت الترجمة بعنوان «كتاب ترجمة الجلستان الفارسي العبّاره، المشير إلى محاسن الآداب بألطف إشاره»، وطبعت في مطبعة بولاق سنة 1236 هـ.كما نقل كلستان الشاعر محمد الفراتي بعنوان «روضة الورد» وصدرت عن دار طلاس (دمشق). كما نقلها الهندي سجاد حسين. أما «بوستان»، فقد نقله محمد موسى هنداوي بعنوان «سعدي الشيرازي شاعر الانسانية»، (القاهرة، 1951 م) مع مقدمة ودراسة مطولة عن حياة الشيرازي وآثاره ونقله أيضا المصري محمد خليفة التونسي.
كما ترجم كلستان إلى الهنديه عدة مرات. وأما في اللغة التركية، فقد دخلت آثاره مبكرا، حيث ترجم التفتازاني (ت. 792 هـ) بوستان إلى التركية، وبقيت تأثير وأصداء شعر سعدي إلى فترة الأدب الحديث في تركية.
أما في الغرب، فقد ذاع صيت كلستان أول ما ذاع بفضل الترجمة الفرنسية للمستشرق دي ريير (باريس، 1634 م). ثم أعقبت هذه الترجمة بنسخة لاتينية (بقلم Gentiuss، أمستردام، 1651 م) وثم إلى الألمانية بقلم أولياريوس سنة 1651 م. وثم بالهولندية (نقلا عن ترجمة أولياريوس) وبالإنكليزية بقلم Sullivan (لندن، 1774 م). ووصل ديوانه بوستان إلى اوروبا في القرن السابع عشر الميلادي. فقد ذُكر أن الإنكليزي توماس هايد نقلها، وأول ترجمة مطبوعة ظهرت بالهولندية، نقلها هاڤرث (D.H. Avart)، وكان ذلك سنة 1688 م.
ومرقد الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين سعدي الشيرازي يقع على مسافة ٤ كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس الايرانية وهذا المرقد يقع في سهل جبل في نهاية طريق البوستان والى جوار حديقة غناء، وكان مرقد سعدي في البداية تكية للشيخ كان يقضي فيها اواخر عمره حتى مات ودفن فيها ومنذ ۳۰۰ عام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اذاعة طهران العربية
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- اذاعة طهران العربية
في يوم تخليد ذكراه.. "سعدي الشيرازي" ملك الكلام وشاعر الإنسانية
هو مشرف الدين بن مصلح الدين السعدي، ولد في مدينة شيراز حوالي عام580هـ وتوفى عام691هـ (القرن السابع الهجري) . والسعدي هو الاسم الذي اشتهر به نسبة الي سعد بن زنكي حاكم شيراز. رحل إلى بغداد قبل سنة 623 هـ ودرس في المدرسة النظامية، وأخذ عن عدد من علماء بغداد منهم عمر بن محمد السهروردي. بسبب هجمات المغول آثر الشيرازي الرحيل والسياحة فذهب إلى دمشق والقدس ومكة وشمالي أفريقيا. ويذكر أنه حين فارق بلاد الشام نحو سنة 634 هـ وقع أسيرا في يد الفرنجة، ففرضوا عليه أن يعمل في جبل الطين ونقل الحجارة، إلى أن لقيه أحد رؤساء حلب فافتداه. ثم عاد إلى مسقط رأسه شيراز سنة 654 هـ، وتوفي فيها بين سنة 690 و694 هـ. ومع أن الشاعر قد طبقت شهرته الآفاق منذ نشأته، وسمع عن فضله منذ شبابه، وجرت أشعاره على الألسنة. فإن أهم ما قام به في ذلك العهد أنه نهض للتأليف والتدوين. وأول منظوماته الهامة والمشهورة هي (بوستان) وهو ديوان يشتمل على قصص شعري غاية في الإبداع، وهو في هذا الديوان شاعر إنساني ومعلم اخلاقي، وبعد سنة من إتمامه، ألّف ديوانه الآخر (كلستان) وهو أجود ما كتب في النثر الفارسي، وأسلوب كلستان يطابق عنوانه (روضة الورد). وتنتظم فيه القصص، والأمثلة، والحكم، والنصائح الأخلاقية والاجتماعية في عبارات لطيفة متينة حتى لتستطيع أن تقول إن ال كلستان شعر منثور، أو نثر مجرد عن الزوائد والحشو. أما غزليات السعدي فيمكن أن تقول إنه مبتكر فيها، فقد تضمنت أبدع الاحساسات، في روح صوفية، فلم يبلغ شاعر آخر ما بلغه فيها. مع أنه يتضح من حكايات السعدي، وحكمه أنه اندمج في زمرة رجال الصوفية، لكن لم يكن من أولئك الذين نقضوا أيديهم من شؤون الحياة، ولا من الذين لجأوا إلى الاعتزال، بل كان له لطافة أفكارهم، وإشراق نفوسهم، في حياة معتدلة، وعمل متزن. وقد أبدع سعدي الشيرازي روائع لازال الأدب الفارسي يحتفى بها، أخرج إلى الناس أجمل النصوص الأدبية التي تمزج بين الفائدة والمتعة، وجعلها قمة بلاغية، سهلة ممتنعة، سهلة حين تقترب منها، لكنها ممتنعة حين تتجرأ على مجاراتها، فأضحى سعدي مدرسة أدبية قائمة بذاتها، إذ اعتبر أب النثر الفارسي، استطاع كذلك أن يمزج بين خلاصات تجاربه، بعد ثلاثة عقود تنقل فيها بين الكثير من البلدان والثقافات، لذلك تأهل ليكون رمز المحبة الإنسانية، واستحق أن يزين مبني مقر الأمم المتحدة في نيويورك بأبياته الشهيرة: بني آدم اعضـاي يكديگـرنـد كـه در آفرينش زيك گوهـرنـد چـو عضوي بـدرد آورد روزگار دگـر عضـوها را نمـاند قـرار تـو گر محنت ديگران بي غمـي نشايد كـه نامت نهند آدمـي أي: «بنو آدمٍ جسد واحد إلى عنصر واحدٍ عائد إذا مس عضواً أليم السقام فسائر أعضائه لا تنام إذا أنت للناس لم تألم فـكيـف تسميـت بالآدمـي وقدم سعدي نماذجا رائعا للوحدة الحضارية بين الايرانيين والعرب، وما هوالا رمز من رموز وحدتنا الحضارية ، فمزجه بين اللغتين العربية والفارسية هو من مظاهر اهتمامه بهذه الوحدة، وفضلا عن خطابه الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، واستطاع ان يقدم النموذج الرائع للامتزاج الحضاري بين هاتين الامتين. كتب عنه الفيلسوف الفرنسي ديدرو واقتبس منه هوغو ولافونتين، وأشاد به الشاعر الأمريكي امرسن بينما وضع الفيلسوف الأمريكي الكت آثاره إلي جانب أعمال سقراط وأفلاطون ودانتي وشكسبير وملتون. وشبهه الشاعر بايرون بالشاعر الغنائي الروماني كاتولوس وتأثر به غوته، في المقابل ظل سعدي الشيرازي إلي اليوم غريبا بين المثقفين العرب. ونقل جبرائيل بن يوسف المخلّع كلستان إلى العربية، وطبعت الترجمة بعنوان «كتاب ترجمة الجلستان الفارسي العبّاره، المشير إلى محاسن الآداب بألطف إشاره»، وطبعت في مطبعة بولاق سنة 1236 هـ.كما نقل كلستان الشاعر محمد الفراتي بعنوان «روضة الورد» وصدرت عن دار طلاس (دمشق). كما نقلها الهندي سجاد حسين. أما «بوستان»، فقد نقله محمد موسى هنداوي بعنوان «سعدي الشيرازي شاعر الانسانية»، (القاهرة، 1951 م) مع مقدمة ودراسة مطولة عن حياة الشيرازي وآثاره ونقله أيضا المصري محمد خليفة التونسي. كما ترجم كلستان إلى الهنديه عدة مرات. وأما في اللغة التركية، فقد دخلت آثاره مبكرا، حيث ترجم التفتازاني (ت. 792 هـ) بوستان إلى التركية، وبقيت تأثير وأصداء شعر سعدي إلى فترة الأدب الحديث في تركية. أما في الغرب، فقد ذاع صيت كلستان أول ما ذاع بفضل الترجمة الفرنسية للمستشرق دي ريير (باريس، 1634 م). ثم أعقبت هذه الترجمة بنسخة لاتينية (بقلم Gentiuss، أمستردام، 1651 م) وثم إلى الألمانية بقلم أولياريوس سنة 1651 م. وثم بالهولندية (نقلا عن ترجمة أولياريوس) وبالإنكليزية بقلم Sullivan (لندن، 1774 م). ووصل ديوانه بوستان إلى اوروبا في القرن السابع عشر الميلادي. فقد ذُكر أن الإنكليزي توماس هايد نقلها، وأول ترجمة مطبوعة ظهرت بالهولندية، نقلها هاڤرث (D.H. Avart)، وكان ذلك سنة 1688 م. ومرقد الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين سعدي الشيرازي يقع على مسافة ٤ كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس الايرانية وهذا المرقد يقع في سهل جبل في نهاية طريق البوستان والى جوار حديقة غناء، وكان مرقد سعدي في البداية تكية للشيخ كان يقضي فيها اواخر عمره حتى مات ودفن فيها ومنذ ۳۰۰ عام.


موقع كتابات
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل
يقول أحمد خالد توفيق : (( مُشكلتي ياصديقي هي التفاصيل , أنا لا أُجيد تجاهل التفاصيل , كلمة واحدة في حديثٍ طويل تجعلني حزيناً , التفاصيل الصغيرة التي أراها و أتذكرها و أتمعنها تقتلني بوحشيّة )) , للأسف حقيقية متعبة , وآفة تتلف الروح وتجعل الجسد مسكونا بالهواجس , ((الشيطان يكمن في التفاصيل ((The devil is in the details , عبارةٌ تُشير إلى خدعةٍ أو عنصرٍ غامضٍ مخفيٍّ في التفاصيل , وتشير إلى أن الأمر قد يبدو بسيطًا , لكن في الواقع التفاصيل مُعقّدةٌ ومن المُحتمل أن تُسبّب مشاكل , وهناك من يقول God is in the details الله في التفاصيل , وهي مقولة معاكسة تؤكد على أهمية التفاصيل في تحقيق الكمال والجودة , وغالبًا ما تُستخدم في سياقات إيجابية . هناك مصطلح لاتيني أكثر شيوعًا للتعبير عن هذا المعنى هو : (( Diabolus in machina est )) , مرتبط بمفهوم أن الأخطاء والمشاكل غالبًا ما تكمن في التفاصيل الصغيرة التي يتم تجاهلها , وهذه العبارة تعني حرفيا : (( الشيطان في الآلة )) , وعلى الرغم من أنها ليست ترجمة حرفية للمقولة الإنجليزية ((The devil is in the details )) , إلا أنها تحمل معنى مشابهًا جدًا , ففكرة (( الشيطان في الآلة )) , تشير إلى أن المشكلة أو الخلل يكمن في جزء صغير أو تفصيلة دقيقة داخل نظام أو عملية ما , وقد لا يكون واضحًا للوهلة الأولى , لذا , يمكن اعتبار المصطلح اللاتيني يعبر عن نفس فكرة أن المشاكل غالبًا ما تختبئ في التفاصيل. يقول المعمارى الألمانى ( لودويج ميز) المولود فى القرن التاسع عشر: (( إن الله يكمن فى التفاصيل )) , وقد سبقه إلى هذا المعنى الروائى الفرنسى (( جوستاف فلوبرت )) الذى ولد قبل ( ميز) بنحو 65 عاما , تحولت العبارة فى استخدامات علوم إنسانية حديثة مثل الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارة إلى مقولة : (( إن الشيطان يكمن فى التفاصيل )) وعلى أى حال فمقصود العبارتين واحد , وهو أن كثيرا من الأمور تبدو سهلة ومباشرة حتى تتبين التفاصيل , فالله فى التفاصيل دلالة على الإلمام والإحاطة وحسن التقدير , والشيطان بدوره فيها دلالة على التربص ووضع العقبات والعراقيل, وإنك لتقتحم التفاصيل كل يوم حتى تصيب بعلمك وعملك شيئا يسيرا من أحلامك وأمانيك. إذا أعمتك نجاحاتك الصغيرة فى تجاوز العقبات الروتينية عن إدراك موقعك الحقيقى من الإنجاز , فقد وقعت فى فخ التفاصيل , وإذا ظننت أن جميع الأزمات يمكن حلها برسم خط مستقيم بين نقطتين , فأنت واهم , ولا تعرف شيئا عن شيطان التفاصيل , خيط رفيع فقط يفصل بين هذا وذاك , لقد أهمل الدبلوماسيون العرب التدقيق قي قرار مجلس الأمن (( 242 )) الصادر بعد معركة حزيران 1967 , ولم ينتبهوا الى ضرورة تطابق النصين العربي والأنكليزي للقرار , حيث أن الأمم المتحدة تأخذ بالنص الأنكليزي في حال ألأختلاف بالترجمة بين النصوص , وفي حين ورد النص العربي : (( ألانسحاب الفوري للقوات الأسرائيلية من ألأراضي العربية المحتلة بعد الرابع من حزيران 1967)) , ذكر النص الأنكليزي : ((Immediate Israel forces withdrawal from Arab occupied lands after the fourth June 1967)) , وحاجج الوفد الصهيوني حينها ان الأنسحاب من أراض عربية Arab lands , كما وردت بالنص الأنكليزي , وليست ألأراضي العربية The Arab lands . في عالمنا المعاصر, الذي يتسم بالتعقيد والتداخل في كل شيء , تزداد أهمية مقولة (( الشيطان يكمن في التفاصيل )) بشكل ملحوظ , فهي حكمة عميقة تتجاوز معناها الحرفي لتلامس جوهر الكثير من جوانب حياتنا , إنها تحذير من مغبة إهمال الجوانب الصغيرة والدقيقة في أي مسعى , مؤكدة على أن الإغفال اليسير قد ينقلب إلى كارثة عظيمة , وأن النجاح الحقيقي غالبًا ما يتوارى خلف ستار من الاهتمام الدقيق بكل جزئية , وسواء كنا نتحدث عن مشروع تجاري ضخم , أو تصميم هندسي دقيق , أو حتى علاقة إنسانية عميقة , فإن التفاصيل الصغيرة هي اللبنات الأساسية التي تحدد جودة البناء ومتانته , وقد يبدو التركيز على هذه التفاصيل مضيعة للوقت أو ضربًا من ضروب الوسوسة , لكن التجربة تثبت مرارًا وتكرارًا أن إهمالها هو الباب الخلفي الذي يتسلل منه الفشل. هناك أبيات شعرية عربية تحمل معاني قريبة من مقولة (( الشيطان يكمن في التفاصيل )) , وإن لم تستخدم هذا التعبير الحرفي , وغالبًا ما تتناول هذه الأبيات أهمية الدقة , والحذر من الإهمال , والتأثير الكبير للأمور الصغيرة , فمن قصيدة (( لا تشتكِ )) لإيليا أبو ماضي : (( كنوز الأرض لا تغنيكَ نفعًا إذا أنتَ لم تكنْ نفسًا قنوعا أتُحسبُ أنَّكَ بالجُهدِ تُدرِكُ مَا تَبغي إذا أغفلتَ اليسيرا؟ )) , وهناك بيت من الشعر العربي القديم (غير محدد القائل بدقة) : (( صغيرُ الجُرمِ يأتي بالعظيمِ كما النارُ العظيمةُ من شَرَرِ )) , وهذا البيت يوضح كيف أن أمرًا صغيرًا أو تفصيلة دقيقة (مثل الشرارة) يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عظيمة أو كارثة كبيرة (مثل الحريق) , وهذا يتماشى مع فكرة أن التفاصيل الصغيرة قد تحمل في طياتها عواقب وخيمة , (( وفي دقيقِ الصنعِ سرُّ البقاءِ فلا تحسبْ صغيرَ الأمرِ هباءُ )) , هذا البيت يؤكد على أن سر الاستمرار والنجاح يكمن في دقة الصنع والاهتمام بالتفاصيل , محذرًا من الاستهانة بالأمور الصغيرة.


موقع كتابات
١٣-١٢-٢٠٢٤
- موقع كتابات
الووو داد ..إياك أن تُشغِلَ بالك بصاد عن صاد !
لاشك أن واحدة من درر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك في كتابه المعروف بـ 'منهج المسالك الى ألفية ابن مالك 'هو ذلكم البيت الشعري الرائع الذي قرأته عشرات المرات ولكنه وفي كل مرة يغمرني بعصف ذهني،ويزيدني بمضمونه ودلالاته إبهارا وكأنني أسمعه واقرأه لأول مرة . هذا البيت الشعري الذي يصف الذئب'أبو سرحان'وكيف ينام ويغفو بعين فيما يراقب ويتابع ويرصد عن كثب كل ما حوله بأخرى، وذلك في رمزية واشارة الى الإنسان الذكي النبيه الحاذق ليس بالخب ولا الخب يخدعه،الانسان الذي لا يلدغ من جحر واحد مرتين ، الانسان الذي لا يشغله شيء مهم جدا عن شبيه ومناظر لايقل أهمية عنه البتة ، البيت الشعري يصف الذئب بالآتي : يَنَامُ بإحدى مقلتيه ويتقي …بأخرى المنايا فهو يقظان نائم وبالقياس على ما تقدم أقول 'على المتلقي العربي في أيامنا المعاشة تلك أن لا يشغله صاد عن صاد إطلاقا' بمعنى أن لا تشغله وبرغم أهميتها القصوى التي لايختلف على اجرامها اثنان ،ولا يتناطح في هولها وفجورها ومجونها كبشان ، صاد – صيدنايا – عن صاد 'ص.ه.ي.و.ن' وقد إزداد عبثا وتجبرا وغيا وعلى بعد كيلو مترات قليلة من الأولى حيث مجازره في القطاع قد ارتفعت وتيرتها هولا وبشدة وعلى نحو متسارع وغير مسبوق بالمرة ، أما في سورية فإنه لم يبق مطارا ولا مصنعا ولا منشأة عسكرية سورية لم يسوها بالارض من خلال التجريف الجوي العنيف وبمختلف أنواع الذخائر الامريكية المحرمة ما أسفر عن ' تدمير 2700 دبابة +500 طائرة حربية + 45 قطعة بحرية عسكرية + جميع الرادارات + جميع الدفاعات الأرضية المعتبرة ، وذلك خلال هجومه المباغت على 26 مطارا في طول البلاد وعرضها اضافة الى ميناء اللاذقية، وبما رجح معه مراقبون إخراج الجيش السوري كليا وفي القريب العاجل من مؤشر 'غلوبال فاير باور' لتصنيف الجيوش في العالم وادراجه ضمن أضعف 10 جيوش أسوة بجمهورية أفريقيا الوسطى وجيبوتي وغيرها ، زيادة على قضم الكيان وابتلاعه لأراض جديدة وتغوله وتوغله لمسافات شاسعة داخل العمق السوري بعد كسر الحاجز الأمني الحدودي وطرد قوات الأمم المتحدة مسبوقا باحتلال كامل جبل الشيخ وهضبة الجولان وضمها وعلى لسان النتن جدا والى الأبد الى الكيان، ليحقق بذلك حلمه المشؤوم 'من النيل الى الفرات 'وقد أصبح على مشارف نهر الفرات فعليا، كل ذلك بظرف 48 ساعة فقط لا غير وبما لم يتسن له فعل ذلك من قبل خلال الحروب الثلاث مجتمعة 'حرب 1948 ، 1967 ، 1973″،وسط صمت مطبق للأمم – الضعيفة المنبطحة المستأنسة ،تقابلها الدول الاستدمارية المتغولة والمتمددة – والمسماة زورا بالأمم المتحدة ' بلا متحدة بلا بطيخ ، وأخبار فضائح اجرام الدول المتجبرة الكبرى وسحقها للضعيفة الصغرى وصل الى المريخ '،ولايختلف الحال مع صنوها مجلس – العفن- الدولي، ومنظمة -التهاون – الاسلامي ،كذلك 'الجامحة'العربية ، المسماة جزافا بالجامعة العربية ،علاوة على أم – العهر – ريكا ، ومنظمة 'الهشك بشك والتذبذب وعدم الارتكاز' المعروفة بدول عدم الانحياز ، وبما بات واضحا بأن الكيان الصهيوني اللقيط يخشى تماما من وقوع هذه الترسانات وإن كانت قديمة وتقليدية ومتهالكة بيد النظام السوري الجديد وذلك في رسالة صارخة وواضحة وضوح الشمس وبما لا يحجب بغربال وعلى الجميع أن يقرأها ويعيها جيدا ومفادها 'لا جيش قويا من حولنا وبالقرب منا البتة 'وكان الأولى بنظام الصنم الزائل أن يستخدم كل هذه الترسانة أو بعضها على الأقل ولو لمرة واحدة في حياته ضد الكيان الغاصب بدلا من استخدامها ضد الشعب السوري المغصوب ،ولكن هيهات أن يفعل فترساناتنا الشرق أوسطية وكما يعلم القاصي والداني مخصصة للشعوب المغلوبة على أمرها من جهة ،ولمحاربة بعضنا بعضا من جهة أخرى،وليس لأعدائنا على الإطلاق ! وأن لا تشغله الـ 'صاد ' الأولى برغم فظاعاتها ولا إنسانيتها عن 'صاد'صِدام الجماعات والقوميات والأقليات العنيف حاليا شمال شرقي ،وشمال غربي سورية وبما يعد بمثابة الخطوة واللبنة الأولى وخط الشروع لتقسيم الشام ضمن مخطط خارطة الشرق الأوسط الجديد ، والتي تعد امتدادا لخارطة ' برنارد لويس ' عن الصادين الأوليين قيد أنملة ! وأن لاتشغله صاد ملهاة 'صبايا' السوشيال ميديا والفن والإعلام الهابط وقد زيد من تسليط الأضواء على هرائهنَّ وأجسادهنَّ بشكل مكثف ومريب للغاية لحرف الأنظار عن الصادات الثلاث السابقة . وأن لاتشغلك الصادات الأربع السالفة عن الصاد الأخطر المتمثلة بما يسمى بـ شعار'صبر استراتيجي'و ديباجته على الدوام هي 'نحتفظ بحق الرد وسنرد في المكان والزمان المناسبين' وقد كررها إعلام الأسد على مسامعنا عشرات المرات من دون أن يرد لا في الزمان ولا في المكان المناسب ، لأنه وعلى قول سعد زغلول 'مفيش فايدة يا صفية ..غطيني !' أو وعلى قول المثل الشعبي الدارج مع بعض التحريف ' أسمع كلامك أصدقك …أشوف فراشك ولحافك وأسمع غطيطك و شخيرك وضرا – طوووط – الذي يصم الآذان أستعجب' . أما عن الصاد السادسة والمتمثلة بـ'صمت النخب'إزاء الأحداث الجسام بزعم البعد عن صداع الرأس،والنأي بالنفس عن كل ما يعكر صفو أمزجتهم مؤثرين العيش داخل شرنقة الطوباويات واليوتوبيات الحالمة المنفصلة عن الواقع وعن الديستوبيات المعاشة كليا ، بل والفرار من الجماهير المعذبة تماما بزعم الزهد في الحياة والتفرغ بدلا من ذلك للعطاء الأدبي والفكري والنضالي مفضلين التغريد خارج السرب والسباحة عكس التيار والهرب. كذلك الحال مع الصاد السابعة المتمثلة بـ 'صخب الدهماء' الغارقين بمستنقعات الإثنيات و الطائفيات مشفوعا بترديد الإشاعات والخزعبلات كالببغاوات،إثارة الفرقة والنعرات كالعجماوات،النفح في تنور الفتن الصماء العمياء وبقية الانحطاطات والسفالات ! وأن لا تشغلك الصاد الثامنة المتمثلة بـ' صنم السلطة الزائل' عن 'صنم العدوان الأجنبي الخارجي الصائل' ولكل صنم ولا غرو أجنداته وبروباغنداته ومخططاته لتخنيع الشعوب وتركيعها وتجويعها وإفقارها واذلالها وتضليلها بهدف تدجينها ونهب ثرواتها وتهريب خيراتها،محو قيمها وهويتها ، طمس مثلها وأخلاقياتها ، تمزيق نسيجها وتقطيع أوصالها و وشائجها . وأختم بالصاد التاسعة وأعني بها صاد ' صحوة الضمير المتأخرة ' ففي غضون اليومين الماضيين نشرت زوجة السفاح رفعت الاسد ، وهو عم بشار ، ورئيس ما يسمى بـ سرايا الدفاع ، سيئة الصيت والسمعة ، رفعت الاسد الملقب بجزار حماه التي ذهب ضحيتها أكثر من 40 الف مواطن سوري معظمهم من النساء والشيوخ والاطفال وبطريقة بشعة للغاية ارتكبت عام 1982 ،أقول لقد نشرت زوجته على صفحتها علم الثورة السورية بدلا من العلم القديم ، وبالمناسبة فإن علم الثورة السورية الحالي هو العلم الأصلي للبلاد ما قبل الوحدة مع مصر ، فيما خرج علينا ابنه ريبال في لقاء متلفز من خارج البلاد زاعما معارضته لنظام ابن عمه بشار على خطى أبيه رفعت الجزار ، لنسمع بتصريحات ونشاهد تغريدات روسية – ايرانية جاءت على خلاف المألوف ، وجلها تتحدث عن مقترحات ونصائح روسية ، وأخرى إيرانية كانت قد قدمت للاسد لرفع قدرات جيشه ، وتحسين واقع بلده لصالح السوريين بزعمهم وليس لتحقيق مصالحهم فقط لا غير ،وبما أثار تسونامي من السخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي كافة مازال صداها يتردد في الآفاق ، لتخرج علينا مزاعم عربية مناظرة تفترض بأنها قد قدمت عروضا مغرية جدا للاسد لاعادة بناء وإعمار بلده ، وتحسين اقتصاده ، مقابل العودة الى الحضن العربي ، وابقائه على الكرسي ، وقطع العلاقات مع كل من روسيا وايران إلا أنه قد رفض وبما أثار موجة مماثلة من السخرية والاستهجان كذلك ! باختصار وحتى لانطيل وإن كان بودي أن أطيل وأطيل وبما يتماهى مع حجم الظلم والندب والرثاء والنعي والعويل، وأقول أيها المشاهد والمتلقي العربي، أو بالأحرى أيها 'المُلَقَن العربي'الذي يصنع الإعلام الموجه وعيه بقوة استنادا الى علم النفس الاجتماعي الذي وصفه أحد حمقانا يوما متهكما بـ' علم النَفَس والأركيلة 'فيذكي جانبا منه فيما يخدر الآخر منه وفي ذات التوقيت ، لايختلف في ذلك أمي أو جاهل إلا ما رحم ربك ، وبما يحلو لي تسميته بـ ' عملية التخدير والإذكاء السياسي المزدوج ..أو التنويم والإيقاظ الإعلامي الشبيهة بالاضطراب النفسي ثنائي القطب'،وأرجوك راقب المشهد الداخلي بعين وابك إن شئت أو نم بها، ولكن اتق بالأخرى مؤامرات ومخططات الأعادي وكن يقظا كالذئب حتى في نومه وأثناء فترة سكونه وهجوعه، وإياك وبأي حال من الأحوال أن تذهل أو أن تغفل أو أن تنسيك مأساة عربية لاحقة لنظيرة لها سابقة ، أو أن تمحو فاجعة اقليمية هائمة من قائمة اهتماماتك شبيهة لها يحاول الإعلام تعميتها وغض الطرف إزاءها وحرف البوصلة عنها مع أنها ما تزال قائمة، وأنصح وكلما تابعت مأساة سجن صيدنايا وأمثاله من سجون الطاغية المخلوع،أن تستدعي وعلى الفور وأن تقرنها بمأساة سجون الكيان البشعة وأخص منها سجن جلبوع، وعليك أن لا تنسى في خضم ذلك كله البحث الدؤوب والتقصي والكتابة عن بشاعات وفظاعات بقية السجون في جميع الدول من حولك وفي كل الربوع وجلها عبارة عن مسالخ بشرية وعن باستيلات شرق أوسطية مظلمة لم يحن أوان كشفها ' ص.ه.ي.و امريكيا 'بعد الى أن يحين دورها تباعا و بحسب الحاجة والطلب ،يديرها إما جلاد سادي مفزوع ،أو سفاح دموي جربوع ،أو حمار وحشي خنوع ، واياك أن تتبنى ما قال المتنبي يوما لظروف موضوعية وطريقة حياة تخصه وحده : أنام ملء جفوني عن شواردها ..ويسهر الخلق جراها ويختصم أودعناكم أغاتي