«المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام
تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لحماية النظم البيئية البحرية وضمان أمن الاقتصاد البحري «الاقتصاد الأزرق»، الذي يُنتظر أن يُسهم بما يقارب 22 مليار ريال ويوفّر نحو 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
وفي ظل هذا التوجه الطموح تبرز التحديات البيئية، وعلى رأسها تهديد الأنواع البحرية الغازية التي تنتقل إلى البيئات الجديدة عبر حركة الشحن أو أنشطة الاستزراع السمكي؛ مما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على النظم البيئية الساحلية، وقد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدّر بعشرات المليارات عالميًّا سنويًّا.
وللتصدي لهذا التحدي البيئي؛ شرعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنفيذ مشروع علمي يُعنى برصد هذه الأنواع وتحليل مخاطرها؛ بهدف بناء قاعدة بيانات معرفية تُسهم في تحصين السواحل السعودية وتعزيز استدامة مواردها البيئية والاقتصادية.
وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد قربان، أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل خطرًا بيئيًّا واقتصاديًّا متزايدًا، مبينًا أن حماية النظم البيئية البحرية أصبحت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل توسّع قطاعات حيوية مثل السياحة الساحلية، والاستزراع السمكي، والبنية التحتية المرتبطة بالبحر.
وأشار إلى أن الشراكة البحثية مع كاوست تدعم قدرات المملكة في التعامل مع هذه التهديدات من خلال تطوير أدوات تقييم علمي، ونماذج مخاطر، وأنظمة إنذار مبكر، تُسهم في استباق التحديات البيئية، وتعزيز الأمن الأحيائي البحري.
ويُنفّذ الباحثون ضمن هذا التعاون مسوحات بيئية في 34 موقعًا على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، نتج عنها جمع أكثر من 10 آلاف عينة بحرية، حُدد من خلالها نحو 200 نوع يُحتمل أن يكون غازيًا، منها أكثر من 70 نوعًا غير محلي رُصد فعليًّا في المياه السعودية، وهو ما يعكس مدى تنوع التهديدات البحرية وضرورة التصدي لها بأساليب علمية متقدمة.
وتقود الفريق البحثي الدكتورة سوزانا كارفالو، التي أوضحت أن المشروع يُمثّل خريطة معرفية شاملة للتنوع البيولوجي في البيئات الساحلية، إذ تُسجّل كل كائن حي بحسب زمان ومكان وجوده؛ مما يتيح تطوير برامج رصد ومراقبة دقيقة، ويُمهّد لتأسيس أنظمة فعالة للإنذار المبكر والاستجابة السريعة عند رصد أي تغيّرات بيئية ناتجة عن الكائنات الغازية.
وفي إطار تأهيل الكوادر الوطنية شارك عدد من منتسبي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في ورشة عمل تخصصية نظمتها كاوست في مايو الماضي، تناولت بروتوكولات تقييم مخاطر الأنواع الغازية، وأثرها على البيئة والصحة العامة والصناعات البحرية، إلى جانب التدريب على تقنيات متقدمة مثل تحليل الحمض النووي البيئي (eDNA)، الذي يُعد من الأدوات الحديثة في الكشف المبكر والدقيق عن هذه الأنواع.
من جهته أوضح مدير إدارة المحافظة على البيئة البحرية بالمركز عبدالناصر قطب، أن المشروع يستند إلى نهج علمي مزدوج يجمع بين البحث الميداني والتقنيات الحيوية المتقدمة، بما يُعزز قدرة المملكة على التعامل مع التحديات البيئية المستجدة.
وأشار إلى أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للتنوّع البيولوجي والمصايد والبنية التحتية الساحلية، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات وطنية فعّالة للاستجابة السريعة، وبناء كوادر مدرّبة تملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الأخطار.
ويُجسّد هذا التعاون نموذجًا تكامليًّا بين المؤسسات البحثية والجهات البيئية الوطنية، لتعزيز المعرفة العلمية بالبيئة البحرية في المملكة، وتطوير سياسات مستدامة تُسهم في حماية التنوع الأحيائي، وضمان استمرارية النمو في قطاعات الاقتصاد الأزرق.
إلى ذلك تدعم التنوع البيولوجي والسياحة والاقتصاد الأزرق. ومع امتداد ساحلي يزيد على 1,800 كيلومتر، تلعب المنطقة دورًا حيويًا في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على البيئة. وتركز رؤية 2030 على حماية الموارد البحرية واستخدامها المستدام، لضمان توافق التنمية مع أهداف الحفظ العالمية. وتركز الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر على الحفاظ على البيئة البحرية، والسياحة البيئية، والنمو الاقتصادي المسؤول، مما يوازن بين التنمية والاستدامة البيئية طويلة الأجل. ومن خلال إنشاء مناطق بحرية محمية، واستعادة المواطن الطبيعية، والمشروعات المستدامة المبتكرة، تهدف المملكة إلى تعزيز مكانتها كقائد في مجال الاستدامة البحرية، مع دعم المجتمعات المحلية وتنويع الاقتصاد.
يشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد أطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر ، الهادفة لحماية النظام البيئي للبحر الأحمر، وتعزيز أطر التعاون لاستدامته، وتمكين المجتمع ودعم التحول إلى اقتصاد أزرق مستدام بما يحقق التنوع الاقتصادي ويتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار التي أُطلقت مسبقًا، وأهمها استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية.
ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزًا وتنوعًا بيولوجيًا، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، وخط ساحلي بطول 1,800 كيلومتر، ورابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وموطن ل 6.2 % من الشعاب المرجانية في العالم، وأرخبيلًا يحتضن مئات الجزر.
وتضع الإستراتيجية إطارًا وطنيًا شاملًا يوضح كيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة. وتوضح الإستراتيجية إسهام حماية البيئة الطبيعية في إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة والبدء في التحول إلى الاقتصاد الأزرق، مما يوجد فرصًا استثمارية للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية ومصايد الأسماك والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة.
ولدعم الاقتصاد الوطني، تستهدف الإستراتيجية بحلول عام 2030 زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3 % إلى 30 %، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50 % من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشروعات السياحية في المناطق الساحلية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وتستند الإستراتيجية على 5 أهداف إستراتيجية، هي: الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية جرى تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة به. ويوضح إعلان الإستراتيجية الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم اليوم، وترسم مسارًا جديدًا يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.
يُنفّذ الباحثون مسوحات بيئية على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي
تقرير - حازم بن حسين
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ يوم واحد
- سعورس
«المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام
يوفّر 100 ألف فرصة عمل العام 2030 تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لحماية النظم البيئية البحرية وضمان أمن الاقتصاد البحري «الاقتصاد الأزرق»، الذي يُنتظر أن يُسهم بما يقارب 22 مليار ريال ويوفّر نحو 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030. وفي ظل هذا التوجه الطموح تبرز التحديات البيئية، وعلى رأسها تهديد الأنواع البحرية الغازية التي تنتقل إلى البيئات الجديدة عبر حركة الشحن أو أنشطة الاستزراع السمكي؛ مما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على النظم البيئية الساحلية، وقد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدّر بعشرات المليارات عالميًّا سنويًّا. وللتصدي لهذا التحدي البيئي؛ شرعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنفيذ مشروع علمي يُعنى برصد هذه الأنواع وتحليل مخاطرها؛ بهدف بناء قاعدة بيانات معرفية تُسهم في تحصين السواحل السعودية وتعزيز استدامة مواردها البيئية والاقتصادية. وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد قربان، أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل خطرًا بيئيًّا واقتصاديًّا متزايدًا، مبينًا أن حماية النظم البيئية البحرية أصبحت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل توسّع قطاعات حيوية مثل السياحة الساحلية، والاستزراع السمكي، والبنية التحتية المرتبطة بالبحر. وأشار إلى أن الشراكة البحثية مع كاوست تدعم قدرات المملكة في التعامل مع هذه التهديدات من خلال تطوير أدوات تقييم علمي، ونماذج مخاطر، وأنظمة إنذار مبكر، تُسهم في استباق التحديات البيئية، وتعزيز الأمن الأحيائي البحري. ويُنفّذ الباحثون ضمن هذا التعاون مسوحات بيئية في 34 موقعًا على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، نتج عنها جمع أكثر من 10 آلاف عينة بحرية، حُدد من خلالها نحو 200 نوع يُحتمل أن يكون غازيًا، منها أكثر من 70 نوعًا غير محلي رُصد فعليًّا في المياه السعودية، وهو ما يعكس مدى تنوع التهديدات البحرية وضرورة التصدي لها بأساليب علمية متقدمة. وتقود الفريق البحثي الدكتورة سوزانا كارفالو، التي أوضحت أن المشروع يُمثّل خريطة معرفية شاملة للتنوع البيولوجي في البيئات الساحلية، إذ تُسجّل كل كائن حي بحسب زمان ومكان وجوده؛ مما يتيح تطوير برامج رصد ومراقبة دقيقة، ويُمهّد لتأسيس أنظمة فعالة للإنذار المبكر والاستجابة السريعة عند رصد أي تغيّرات بيئية ناتجة عن الكائنات الغازية. وفي إطار تأهيل الكوادر الوطنية شارك عدد من منتسبي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في ورشة عمل تخصصية نظمتها كاوست في مايو الماضي، تناولت بروتوكولات تقييم مخاطر الأنواع الغازية، وأثرها على البيئة والصحة العامة والصناعات البحرية، إلى جانب التدريب على تقنيات متقدمة مثل تحليل الحمض النووي البيئي (eDNA)، الذي يُعد من الأدوات الحديثة في الكشف المبكر والدقيق عن هذه الأنواع. من جهته أوضح مدير إدارة المحافظة على البيئة البحرية بالمركز عبدالناصر قطب، أن المشروع يستند إلى نهج علمي مزدوج يجمع بين البحث الميداني والتقنيات الحيوية المتقدمة، بما يُعزز قدرة المملكة على التعامل مع التحديات البيئية المستجدة. وأشار إلى أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للتنوّع البيولوجي والمصايد والبنية التحتية الساحلية، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات وطنية فعّالة للاستجابة السريعة، وبناء كوادر مدرّبة تملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الأخطار. ويُجسّد هذا التعاون نموذجًا تكامليًّا بين المؤسسات البحثية والجهات البيئية الوطنية، لتعزيز المعرفة العلمية بالبيئة البحرية في المملكة، وتطوير سياسات مستدامة تُسهم في حماية التنوع الأحيائي، وضمان استمرارية النمو في قطاعات الاقتصاد الأزرق. إلى ذلك تدعم التنوع البيولوجي والسياحة والاقتصاد الأزرق. ومع امتداد ساحلي يزيد على 1,800 كيلومتر، تلعب المنطقة دورًا حيويًا في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على البيئة. وتركز رؤية 2030 على حماية الموارد البحرية واستخدامها المستدام، لضمان توافق التنمية مع أهداف الحفظ العالمية. وتركز الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر على الحفاظ على البيئة البحرية، والسياحة البيئية، والنمو الاقتصادي المسؤول، مما يوازن بين التنمية والاستدامة البيئية طويلة الأجل. ومن خلال إنشاء مناطق بحرية محمية، واستعادة المواطن الطبيعية، والمشروعات المستدامة المبتكرة، تهدف المملكة إلى تعزيز مكانتها كقائد في مجال الاستدامة البحرية، مع دعم المجتمعات المحلية وتنويع الاقتصاد. يشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد أطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر ، الهادفة لحماية النظام البيئي للبحر الأحمر، وتعزيز أطر التعاون لاستدامته، وتمكين المجتمع ودعم التحول إلى اقتصاد أزرق مستدام بما يحقق التنوع الاقتصادي ويتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار التي أُطلقت مسبقًا، وأهمها استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية. ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزًا وتنوعًا بيولوجيًا، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، وخط ساحلي بطول 1,800 كيلومتر، ورابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وموطن ل 6.2 % من الشعاب المرجانية في العالم، وأرخبيلًا يحتضن مئات الجزر. وتضع الإستراتيجية إطارًا وطنيًا شاملًا يوضح كيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة. وتوضح الإستراتيجية إسهام حماية البيئة الطبيعية في إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة والبدء في التحول إلى الاقتصاد الأزرق، مما يوجد فرصًا استثمارية للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية ومصايد الأسماك والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة. ولدعم الاقتصاد الوطني، تستهدف الإستراتيجية بحلول عام 2030 زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3 % إلى 30 %، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50 % من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشروعات السياحية في المناطق الساحلية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وتستند الإستراتيجية على 5 أهداف إستراتيجية، هي: الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية جرى تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة به. ويوضح إعلان الإستراتيجية الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم اليوم، وترسم مسارًا جديدًا يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. يُنفّذ الباحثون مسوحات بيئية على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي تقرير - حازم بن حسين


الرياض
منذ 2 أيام
- الرياض
«الاقتصاد الأزرق» يُسهم في نحو 22 مليار ريال«المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام
يوفّر 100 ألف فرصة عمل العام 2030 تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لحماية النظم البيئية البحرية وضمان أمن الاقتصاد البحري «الاقتصاد الأزرق»، الذي يُنتظر أن يُسهم بما يقارب 22 مليار ريال ويوفّر نحو 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030. وفي ظل هذا التوجه الطموح تبرز التحديات البيئية، وعلى رأسها تهديد الأنواع البحرية الغازية التي تنتقل إلى البيئات الجديدة عبر حركة الشحن أو أنشطة الاستزراع السمكي؛ مما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على النظم البيئية الساحلية، وقد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدّر بعشرات المليارات عالميًّا سنويًّا. وللتصدي لهذا التحدي البيئي؛ شرعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنفيذ مشروع علمي يُعنى برصد هذه الأنواع وتحليل مخاطرها؛ بهدف بناء قاعدة بيانات معرفية تُسهم في تحصين السواحل السعودية وتعزيز استدامة مواردها البيئية والاقتصادية. وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد قربان، أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل خطرًا بيئيًّا واقتصاديًّا متزايدًا، مبينًا أن حماية النظم البيئية البحرية أصبحت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل توسّع قطاعات حيوية مثل السياحة الساحلية، والاستزراع السمكي، والبنية التحتية المرتبطة بالبحر. وأشار إلى أن الشراكة البحثية مع كاوست تدعم قدرات المملكة في التعامل مع هذه التهديدات من خلال تطوير أدوات تقييم علمي، ونماذج مخاطر، وأنظمة إنذار مبكر، تُسهم في استباق التحديات البيئية، وتعزيز الأمن الأحيائي البحري. ويُنفّذ الباحثون ضمن هذا التعاون مسوحات بيئية في 34 موقعًا على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، نتج عنها جمع أكثر من 10 آلاف عينة بحرية، حُدد من خلالها نحو 200 نوع يُحتمل أن يكون غازيًا، منها أكثر من 70 نوعًا غير محلي رُصد فعليًّا في المياه السعودية، وهو ما يعكس مدى تنوع التهديدات البحرية وضرورة التصدي لها بأساليب علمية متقدمة. وتقود الفريق البحثي الدكتورة سوزانا كارفالو، التي أوضحت أن المشروع يُمثّل خريطة معرفية شاملة للتنوع البيولوجي في البيئات الساحلية، إذ تُسجّل كل كائن حي بحسب زمان ومكان وجوده؛ مما يتيح تطوير برامج رصد ومراقبة دقيقة، ويُمهّد لتأسيس أنظمة فعالة للإنذار المبكر والاستجابة السريعة عند رصد أي تغيّرات بيئية ناتجة عن الكائنات الغازية. وفي إطار تأهيل الكوادر الوطنية شارك عدد من منتسبي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في ورشة عمل تخصصية نظمتها كاوست في مايو الماضي، تناولت بروتوكولات تقييم مخاطر الأنواع الغازية، وأثرها على البيئة والصحة العامة والصناعات البحرية، إلى جانب التدريب على تقنيات متقدمة مثل تحليل الحمض النووي البيئي (eDNA)، الذي يُعد من الأدوات الحديثة في الكشف المبكر والدقيق عن هذه الأنواع. من جهته أوضح مدير إدارة المحافظة على البيئة البحرية بالمركز عبدالناصر قطب، أن المشروع يستند إلى نهج علمي مزدوج يجمع بين البحث الميداني والتقنيات الحيوية المتقدمة، بما يُعزز قدرة المملكة على التعامل مع التحديات البيئية المستجدة. وأشار إلى أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للتنوّع البيولوجي والمصايد والبنية التحتية الساحلية، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات وطنية فعّالة للاستجابة السريعة، وبناء كوادر مدرّبة تملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الأخطار. ويُجسّد هذا التعاون نموذجًا تكامليًّا بين المؤسسات البحثية والجهات البيئية الوطنية، لتعزيز المعرفة العلمية بالبيئة البحرية في المملكة، وتطوير سياسات مستدامة تُسهم في حماية التنوع الأحيائي، وضمان استمرارية النمو في قطاعات الاقتصاد الأزرق. إلى ذلك تدعم التنوع البيولوجي والسياحة والاقتصاد الأزرق. ومع امتداد ساحلي يزيد على 1,800 كيلومتر، تلعب المنطقة دورًا حيويًا في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على البيئة. وتركز رؤية 2030 على حماية الموارد البحرية واستخدامها المستدام، لضمان توافق التنمية مع أهداف الحفظ العالمية. وتركز الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر على الحفاظ على البيئة البحرية، والسياحة البيئية، والنمو الاقتصادي المسؤول، مما يوازن بين التنمية والاستدامة البيئية طويلة الأجل. ومن خلال إنشاء مناطق بحرية محمية، واستعادة المواطن الطبيعية، والمشروعات المستدامة المبتكرة، تهدف المملكة إلى تعزيز مكانتها كقائد في مجال الاستدامة البحرية، مع دعم المجتمعات المحلية وتنويع الاقتصاد. يشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد أطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، الهادفة لحماية النظام البيئي للبحر الأحمر، وتعزيز أطر التعاون لاستدامته، وتمكين المجتمع ودعم التحول إلى اقتصاد أزرق مستدام بما يحقق التنوع الاقتصادي ويتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار التي أُطلقت مسبقًا، وأهمها استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية. ويعد البحر الأحمر إحدى أكثر مناطق المملكة تميزًا وتنوعًا بيولوجيًا، فهو منطقة طبيعية تبلغ مساحتها 186 ألف كيلومتر مربع، وخط ساحلي بطول 1,800 كيلومتر، ورابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، وموطن لـ 6.2 % من الشعاب المرجانية في العالم، وأرخبيلًا يحتضن مئات الجزر. وتضع الإستراتيجية إطارًا وطنيًا شاملًا يوضح كيفية الحفاظ على الكنوز الطبيعية في البحر الأحمر وإعادة إحيائها، بما يضمن استمتاع المواطنين والمقيمين والزوار بها واستدامتها لأجيال قادمة. وتوضح الإستراتيجية إسهام حماية البيئة الطبيعية في إطلاق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة والبدء في التحول إلى الاقتصاد الأزرق، مما يوجد فرصًا استثمارية للشركات المبتكرة في مختلف القطاعات البحرية، بما في ذلك السياحة البيئية ومصايد الأسماك والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والشحن البحري، والصناعة. ولدعم الاقتصاد الوطني، تستهدف الإستراتيجية بحلول عام 2030 زيادة تغطية المناطق المحمية البحرية والساحلية من 3 % إلى 30 %، ودعم وصول مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50 % من مزيج الطاقة المستهدف، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية المتعلقة بأنشطة الاقتصاد الأزرق، وحماية استثمارات المملكة في المشروعات السياحية في المناطق الساحلية مما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وتستند الإستراتيجية على 5 أهداف إستراتيجية، هي: الاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والسلامة والأمن، والحوكمة والتعاون، وتضم 48 مبادرة نوعية جرى تطويرها لتحقيق طموحات المملكة في الاقتصاد الأزرق والأنشطة المتعلقة به. ويوضح إعلان الإستراتيجية الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في حماية الموارد الطبيعية في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يعيشها العالم اليوم، وترسم مسارًا جديدًا يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.


صحيفة مكة
منذ 2 أيام
- صحيفة مكة
علماء من السعودية يقودون جهداً عالمياً للتصدي لتدهور الأراضي وتعزيز الأمن الغذائي
قادت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) فريقاً عالمياً لوضع استراتيجيات عملية للحكومات بهدف وقف تدهور الأراضي وضمان الإمدادات المستدامة للغذاء. وتعاونت كاوست في هذه الدراسة الدولية الجديدة مع علماء من خمس قارات، من بينهم أعضاء في "مجتمع أيون" وممثلون عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، لتقديم خارطة طريق تعكس مسار التدهور المتسارع للأراضي، الذي يهدد الأمنين الغذائي والمائي، فضلاً عن الاستقرار الاجتماعي، والتنوع الحيوي. ونُشرت الدراسة في دورية نيتشر (Nature)، حيث حددت ثلاثة إجراءات رئيسية يمكن أن تغيّر المسار بحلول عام 2050، وهي: زيادة إنتاج واستهلاك الغذاء من البحر، وخفض هدر الغذاء بنسبة 75%، واستعادة 50% من الأراضي المتدهورة. خفض هدر الغذاء يُهدر سنوياً ثلث الغذاء المنتج عالميًا، بما تتجاوز قيمته تريليون دولار أمريكي. وبحسب تحليل جديد للبيانات القائمة، تستهلك الزراعة حالياً 34% من الأراضي الخالية من الجليد، وإذا استمر هذا الاتجاه، فستصل النسبة إلى 42% بحلول 2050. ويقترح العلماء إجراءات مباشرة، مثل تعديل الحوافز الاقتصادية، وتشجيع التبرع بالغذاء، والترويج لحصص وجبات أصغر في المطاعم، وهي خطوات من شأنها – إذا طُبقت – توفير نحو 13.4 مليون كيلومتر مربع من الأراضي. توسيع إنتاج المأكولات البحرية المستدامة تسلط الدراسة الضوء على أن تبني سياسات وتشريعات داعمة للاستزراع المائي سيخفف الضغط على الأراضي، ويحد من إزالة الغابات. ويعد الاستزراع المستدام للأحياء البحرية خياراً عملياً يمكنه زيادة إنتاج الغذاء بشكل ملحوظ، مع المساهمة في جهود استعادة الأراضي. وتُقدّر المساحة التي يمكن الحفاظ عليها عبر هذه السياسات بـ 17.1 مليون كيلومتر مربع، وهو ما يعادل، عند جمعه مع الأراضي التي ستُوفَّر نتيجة خفض هدر الغذاء، مساحة إجمالية تقارب مساحة قارة أفريقيا. دعم الإدارة المستدامة للأراضي تشكل المزارع الصغيرة أو العائلية أكثر من 90% من المزارع حول العالم، وكثير منها يُطَبق بالفعل ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي. وتؤكد الدراسة أهمية تبني سياسات تمكّن هذه المزارع من زيادة إنتاجها وتحسين الوصول إلى تقنيات الزراعة المستدامة، بما يحقق استعادة الأراضي، ويحافظ في الوقت ذاته على سبل عيش الأسر الزراعية. ويؤكد العلماء المشاركون أن جميع هذه الحلول قابلة للتنفيذ، حيث قال البروفيسور فرناندو مايستري، أستاذ كاوست المتخصص عالمياً في تدهور الأراضي والمؤلف الرئيس للدراسة "من خلال إعادة تشكيل النظم الغذائية، واستعادة الأراضي المتدهورة، وتسخير إمكانات المأكولات البحرية المستدامة، وتعزيز التعاون بين الدول والقطاعات، يمكننا أن نعكس مسار التدهور، ونعيد للأرض عافيتها". وشارك في إعداد الدراسة من كاوست كل من البروفيسور المساعد هيلكي بيك، وأستاذ ابن سينا المتميز البروفيسور كارلوس دوارتي، والبروفيسور مات مكايب، والبروفيسور يوشيهيدي وادا، إلى جانب باحثي كاوست إميليو غيرادو، وتينغ تانغ، ومايكل مايس. و من مجتمع أيون كلاً من سمو الاميرة مشاعل الشعلان والاميرة نورة بنت تركي آل سعود.