logo
'الحياد' وحلّ 'العقدة'

'الحياد' وحلّ 'العقدة'

العربيةمنذ 6 ساعات

من الحكمة الخروج باستنتاجين سريعين من الحرب الإسرائيلية الإيرانية: هي فرصة للمطالبة المشروعة بحياد لبنان، وليس تحييده فقط، ضماناً لمستقبله نسيجاً ودوراً، خصوصاً في ظل متغيرات إقليمية حادة؛ وهي مناسبة للتخلص من 'نعم… ولكن' تحرراً من عقدة تتمثل بتخوينٍ يَرفعُ كوفية فلسطين كلما ارتفعت أصوات ضد ديكتاتوريين مولغين بالدم.
لن نكرر ما تردّد مراراً منذ اندلاع النزاع: 'اللهم أضرب الظالمين بالظالمين…' إذ لا حاجة لتوازٍ بمثابة تبرير. ولنكن واقعيين، فنحن لم نكتشف أمس اغتصاب الدولة العبرية لأرض فلسطين، ولسنا متفاجئين بقتلها نحو 60 ألف غزاوي، ولا بنِيَّاتها السود إزاء قيام دويلة لشعب نكبته الصهيونية وتاجرت به العروبة الانقلابية إلى أن أجهز على قضيته الإسلام السياسي بشقّيه التكفيري والمذهبي.
ما مررنا به كافٍ لتطهيرنا من شعبويات ولّدت الهزائم بعدما صادرت قدرة شعوبنا على التفكير المنطقي. لذلك فإن مصلحتنا كلبنانيين هي بالتحديد الخلاص من قدرة طهران على التحكم بسلمنا أو حربنا مع إسرائيل وعلى التطاول على سيادة بلدنا مالاً وسلاحاً ونفوذاً ايديولوجياً.
أما الدول العربية والإسلامية العشرون التي أصدرت بيان إدانة لـ'العدوان الإسرائيلي' فحقُّها قول ما تشاء. تلك سياسات دول ودبلوماسياتها وأساليبها في مقاربة موضوع خطير، رغم أن أكثريتها الموصوفة تعجز عن إخفاء رغبة قادتها وشعوبها في رؤية الجمهورية الخمينية منزوعة المخالب والأسنان.
كان أكثر راحة طبعاً للّذين 'يعنِّفهم' ضميرهم القومي لو أن دولة غير إسرائيل قامت بتدمير نظام ظلامي عاث تخريباً وفساداً وتلاعب بالأقليات الشيعية مُتوّجاً مَضارَّه بمأثرتي 'الطوفان' و'الإسناد'، لكن القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ليست 'قائمة طعام' تخدم شهيتنا فنختار منها ما نشاء. وبالتالي فإن ما يجري لنظام طهران اليوم استحقَّه بجدارة مهما كانت هوية 'فاعل الخير'.
بالتوازي، فإن ما يمكن أن يهمَّنا في لبنان هو الاستفادة من فرصة الحرب المؤلمة، ليس لنؤكد حق الدولة في سيادتها ومنع 'حزب الله' من مغامرة جديدة فحسب، بل لندفع إلى الأمام فكرة حياد لبنان المضمون دولياً، بحيث أن انتماءه العربي وانفتاحه على العالم، يتحوّلان ميزةً تفاضلية تؤمّن مناعة دولته تجاه جارتيه الأصوليتين وتحول دون أي التحاق مستقبلي بمحاور أو دعوات تخلخل توازناته الطائفية وسلمه الأهلي.
نعلم أن مطلب 'الحياد' يثير حساسية بعض السُّنة و'أحفاد صلاح الدين' الذين يستهولون هذا المفهوم الموحي بالانسحاب من الصراع العربي الإسرائيلي وبعض التاريخ، لكنه يستحق من كل اللبنانيين أكثر من نقاش عميق لئلا نكتشف بعد فوات الأوان أننا أضعنا فرصة بناء نظام قابل للحياة ولم نجنِّب مواطنينا شروط منتصر يبحث عن سلام إذلال.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«ورقة عمل» شاملة أعدتها باريس لاجتماع جنيف حول نووي إيران
«ورقة عمل» شاملة أعدتها باريس لاجتماع جنيف حول نووي إيران

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

«ورقة عمل» شاملة أعدتها باريس لاجتماع جنيف حول نووي إيران

استبق الرئيس الفرنسي انطلاق اجتماع جنيف الذي التأم بعد ظهر الجمعة ويضم، من جهة، وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (جان نويل بارو، وديفيد لامي، ويوهان وادفول وكايا كالاس)، ومن جهة أخرى وزير خارجية إيران عباس عراقجي؛ في محاولة لاحتواء الحرب الدائرة منذ أسبوع بين إيران وإسرائيل ومنع تصعيدها، والاستفادة من «مهلة الأسبوعين» التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تاركاً للدبلوماسية الأوروبية الفرصة للتحرك قبل أن يقرر ما إذا كانت بلاده ستشارك في الحرب إلى جانب إسرائيل. وكشف ماكرون عن أن باريس أعدت «ورقة عمل» تم التشاور بشأنها بين عواصم الترويكا الأوروبية، ولكن أيضاً مع الجانب الأميركي من خلال التواصل الهاتفي، ولكن أيضاً بفضل المحادثات التي أجراها وزير الخارجية البريطاني مع نظيره ماركو روبيو في واشنطن، الخميس. الوفد الأوروبي المفاوض ويظهر في الصورة من اليسار إلى اليمين: وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الجمعة بمقر القنصلية الألمانية في جنيف (أ.ف.ب) وليس سراً أن ماكرون، بعد فترة من التعبير عن دعم باريس للحرب التي تقوم بها إسرائيل ضد إيران؛ بسبب ما تمثله إيران من «تهديد وجودي» لإسرائيل، وبسبب حق الأخيرة في «الدفاع عن النفس»، ابتعد قليلاً عن هذا الموقف وعبَّر عنه بعد انتهاء قمة مجموعة السبع في مقاطعة ألبرتا الكندية. والجمعة، زار ماكرون معرض الطيران والفضاء في مدينة لو بورجيه القائمة على مدخل باريس الشمالي، واستفاد من المناسبة لإعادة توضيح موقف بلاده الذي أصبح أكثر انتقاداً لما تقوم به إسرائيل، والمندد بمن يسعى إلى إسقاط النظام الإيراني، ليس حباً به، بل تخوفاً من حالة الفوضى التي ستتبعه. بداية، شدد ماكرون على أن الوضع في الشرق الأوسط «من الناحية الموضوعية، يشكل مصدر قلق، ويحمل في طياته مخاطر التصعيد التي تهدد أمن المنطقة والأمن الدولي». وأضاف الرئيس الفرنسي: «لهذه الأسباب؛ يجب أن نكون جميعاً يقظين وجديين، ونتعامل مع الوضع من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات». واستدرك أنه لا تتعين الاستهانة بـ«الخطر الذي يشكّله امتلاك إيران السلاح النووي» الذي وصفه بـ«التهديد الجدي والحقيقي»، لا، بل إنه «تهديد وجودي لإسرائيل»، كما أنه يشكل خطراً بالنسبة للقارة الأوروبية. بيد أن ماكرون الذي سبق له أن اتصل، كما كثير من القادة الغربيين، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وينوي إعادة الاتصال به قريباً، دون أن يحدد موعداً دقيقاً، لا يرى أنه من الممكن إزالة الخطر النووي الإيراني من خلال العمليات العسكرية، وفي ذلك انتقاد ضمني لإسرائيل وللولايات المتحدة على السواء التي لا يستبعد رئيسها اللجوء إلى السلاح. جانب من لقاء ترمب وماكرون بالبيت الأبيض في فبراير الماضي (أ.ب) وقال ماكرون، رداً على سؤال بهذا الخصوص: «لا يمكن لأحد أن يعتقد بجدية أن هذا التهديد تمكن مواجهته من خلال العمليات الجارية حالياً. لماذا؟ لأن هناك منشآت نووية محمية للغاية، ولا أحد يعلم بدقة أين يُخزَّن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة. لذلك؛ لا بد من استعادة السيطرة على هذا البرنامج من خلال الخبرة التقنية والمفاوضات». انتقادات باريس لما يجري في الحرب الدائرة لا تتوقف عند هذا الحد. فماكرون متمسك بموقفه الذي وصفه بـ«الواضح والبسيط» وفحواه: «لا شيء يبرر شن ضربات على البنية التحتية للطاقة أو على المدنيين. ومن الضروري إعطاء الأولوية المطلقة للعودة إلى مفاوضات جوهرية تشمل الملف النووي؛ بهدف الوصول إلى صفر تخصيب، وللحد من الأنشطة والقدرات الباليستية الإيرانية، ووقف تمويل (إيران) للجماعات الإرهابية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما تفعله منذ سنوات». قادة أميركا واليابان وكندا وفرنسا وإيطاليا في اجتماع «مجموعة السبع» في كندا (إ.ب.أ) وبكلام آخر، فإن الرئيس الفرنسي حمَّل وزير خارجيته «مقترحاً شاملاً للتفاوض» مع طهران يتشكل من جزأين: أحدهما سياسي دبلوماسي والآخر تقني. ورغم تمسك باريس بالاتفاق النووي مع طهران الذي أبرمته مجموعة خمسة زائد واحد في عام 2015 وصادق عليه مجلس الأمن بقراره رقم 2231، فإنه يعدّه «ناقصاً». وحثّ ماكرون الرئيس ترمب، في عام 2018، خلال ولايته الأولى، على عدم الانسحاب من الاتفاق المذكور وعلى المحافظة عليه، شرط إعادة فتح باب التفاوض مع طهران من أجل تشديد القيود المفروضة على برنامجها النووي من جهة، واستكماله بالتفاوض حول أنشطتها الباليستية وسياستها «المزعزعة للاستقرار» في الإقليم. بيد أن طهران رفضت دوماً توسيع دائرة التفاوض وحصرتها بالأنشطة النووية. وعندما يتحدث ماكرون عن «صفر تخصيب» للنووي، فإنه يتبنى الشروط الأميركية؛ إذ إن ترمب يريد حرمان طهران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها نهائياً، ويقترح بدلاً من ذلك إنشاء هيئة دولية تقوم بالتخصيب وتستطيع إيران المشاركة فيها والاستفادة منها. وتفيد معلومات متداولة في الأوساط المتابعة للملف النووي بأن إيران «أبدت انفتاحاً باقتراحها حلاً وسطاً» بحيث تحتفظ بالتخصيب حتى النسبة التي كان منصوصاً عليها في اتفاق 2015 أي 3.67 في المائة من النقاء على أن التخصيب بدرجات أعلى يمكن أن يتم خارج أراضيها. ولخَّص ماكرون العرض الفرنسي بنقاط ثلاث: قادة «مجموعة السبع» مع رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي في كاناناسكيس الاثنين الماضي (رويترز) 1. استئناف أعمال التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذهاب إلى سفر تخصيب صفر، وتمكين الوكالة الدولية من الوصول إلى جميع المواقع التي ترغب في تفتيشها. وبذلك، يشير ماكرون، عملياً، إلى العوائق التي بدأت إيران بوضعها أمام عمل مفتشي الوكالة منذ أن خرج ترمب من اتفاق عام 2018، وإلى المواقع التي لم تحصل الوكالة على أجوبة «مقنعة» لليروانيوم المشبع الذي وجدت آثاره فيها والتي يمكن أن تدل على وجود برنامج نووي عسكري سعت طهران لإخفائه. 2. وضع قيود على الأنشطة الباليستية الإيرانية، ومصدر القلق الإسرائيلي والغربي أن يكون تطوير إيران قدراتها الباليستية بمثابة تمهيد لتصنيع صاروخ يمكن تحميلة برأس نووي. ولا شك أن تزايد التكهنات بأن إيران قادرة على تصنيع ما لا يقل عن عشر قنابل نووية بفضل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة والبالغ نحو 400 كلغ، فضلاً عن تقلص المدة الزمنية التي تحتاج إليها لذلك ضاعف من الشكوك الإسرائيلية والغربية. 3. فرض رقابة على تمويل الميليشيات ووكلاء إيران في المنطقة، في إشارة إلى الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان والميليشيات العراقية المرتبطة بطهران، فضلاً عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي». يتضح مما سبق أن باريس تعارض السياسة الإسرائيلية القائمة على القضاء على برنامج إيران النووي بقوة السلاح ومن خلال عمليات القصف، كما أنها تعارض مسعى تل أبيب للتخلص من النظام الإيراني، وهو ما لمح إليه نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين، في الكثير من المرات، في الأيام الأخيرة. كذلك، فإن ماكرون ينبه الرئيس ترمب من الانضمام المباشر للحرب، وسبق له أن ذكَّر واشنطن بما حصل في العراق وليبيا على وجه الخصوص. متظاهرون عراقيون من أتباع السيد مقتدى الصدر يتظاهرون الجمعة في «مدينة الصدر» منددين بالولايات المتحدة (أ.ب) يبقى أن اجتماع جنيف لا يمكن أن يفضي إلى نتيجة من غير قبول ودعم أميركيين. وترى الترويكا الأوروبية التي تتفاوض مع إيران منذ عام 2003 حول برنامجها النووي أنها يمكن أن تلعب دوراً مفيداً بإبقاء باب الحوار قائماً مع طهران التي، من جانبها، تشعر بعزلة مميتة في حربها مع إسرائيل ولا تجد ضيراً في الانفتاح على الأوروبيين. إلا أن ما تريده حقيقة هو اتفاق مع واشنطن وقد يساعدها هؤلاء على بلوغ مبتغاها.

ترفض الحرب على إيران.. كيف وصلت تولسي جابارد إلى ترمب وأثارت غضبه؟
ترفض الحرب على إيران.. كيف وصلت تولسي جابارد إلى ترمب وأثارت غضبه؟

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

ترفض الحرب على إيران.. كيف وصلت تولسي جابارد إلى ترمب وأثارت غضبه؟

وسط التوترات المستمرة في الشرق الأوسط، وتفكير الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانضمام إلى الهجوم الإسرائيلي ضد إيران، برزت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد، كأحد الأصوات المخالفة لرأي الرئيس. وحذّرت المسؤولة الأميركية في 10 يونيو الجاري خلال مقطع فيديو على منصة "إكس" من أن النخبة السياسية ومحبي الحرب "يعملون بلا مبالاة على إثارة الخوف والتوترات بين القوى النووية". جابارد التي شاركت ترمب الموقف العلني المعارض للتدخلات العسكرية الأميركية، يبدو أنها تواجه تهميشاً متعمداً من الرئيس الأميركي الذي يتبنى اليوم نبرة مختلفة عن نبرتها. وفي وقت سابق، الجمعة، قال ترمب للصحافيين إن مديرة المخابرات الوطنية تولسي جابارد أخطأت في الإشارة إلى عدم وجود أدلة على أن إيران تصنع سلاحاً نووياً. وسبق أن نفى ترمب هذا العام صحة تقييمات نقلتها مديرة المخابرات والتي أفادت بأن طهران لا تعمل على تطوير سلاح نووي، وذلك خلال حديثه مع صحافيين بمطار موريستاون بولاية نيوجيرسي. وبعد حديث ترمب مباشرة اتهمت جابارد من أسمته بـ"الإعلام غير النزيه" بأنه يتعمد إخراج شهادتها بشأن إيران، من سياقها ونشر أخبار زائفة كوسيلة لخلق الانقسام. وقالت عبر منصة "إكس": "تمتلك الولايات المتحدة معلومات استخباراتية تفيد بأن إيران وصلت إلى مرحلة يمكنها فيها إنتاج سلاح نووي خلال أسابيع أو أشهر، إذا قررت استكمال عملية التجميع، وقد كان الرئيس دونالد ترمب واضحاً في أن ذلك لا يمكن السماح بحدوثه، وأنا أؤيده في ذلك". النووي وحرب إيران برزت التوترات بين ترمب وجابارد يوم الثلاثاء 17 يونيو، عندما سأل مراسل على متن طائرة الرئاسة ترمب عن تصريح جابارد أمام الكونجرس في مارس الماضي، بأن إيران "لا تسعى إلى صنع سلاح نووي"، فأجاب الرئيس: "لا يهمني ما قالته. أعتقد أن الإيرانيين كانوا قريبين للغاية من الحصول عليه". خلاف ترتب عليه تهميش ترمب لجابارد التي شهدت رحلتها السياسية تحولات غير متوقعة، من عضوية الكونجرس عن الحزب الديمقراطي، إلى تأييد السيناتور المستقل بيرني ساندرز، ومغادرتها الكونجرس لخوض سباق الرئاسة، حتى انسحابها من الحزب الديمقراطي وتأييدها لترمب، قبل أن تتولى منصب مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارته. مرشحة مثيرة للجدل دفاعاً عنها، قال السيناتور الجمهوري المتقاعد من ولاية نورث كارولينا، ريتشارد بور، في تصريحات صحافية سابقة: "إذا كانت تولسي مذنبة بشيء ما، فهو أن آرائها ومعتقداتها وأفكارها تطورت منذ ولادتها لتعكس تجارب حياتها". أظهرت جابارد مرونة كبيرة في رحلتها السياسية، التي بدأتها منذ 23 عاماً، عندما انتُخبت لعضوية المجلس التشريعي لولاية هاواي، ممثلة الدائرة 42 في غرب أواهو حتى عام 2004. مرونة جابارد جعلتها تتخطى شكوك بعض الجمهوريين عندما اختارها ترمب لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية في ولايته الثانية. روّج مؤيدو جابارد بأنها من قدامى المحاربين، وخدمت لأكثر من عقدين من 2003 حين انضمت إلى الحرس الوطني لجيش هاواي ثم في جيش الاحتياط الأميركي، كما خدمت لمدة عامين في لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب. وهي عوامل يراها نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، وضابط وكالة الاستخبارات المركزية CIA المتقاعد، مايك مولوري، كافية لدعم وجود جابارد في هذا المنصب،وقال لـ"الشرق": "ربما ليست الأكثر خبرة، لكن لديها من الخبرة ما يؤهلها لهذا المنصب". أما منتقدوها فقد اتهموها بانعدام الخبرة الاستخباراتية المعتادة التي يتمتع بها شاغلو المناصب السابقون، خاصة أنها لم تشغل أي مناصب حكومية رفيعة المستوى من قبل. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة "ويبستر" ويليام هال لـ"الشرق" إن جابارد تثير مخاوف جدية للغاية بشأن مستوى كفاءتها ومؤهلاتها لتولي المنصب الذي عيّنها فيه الرئيس ترمب. علاقة مضطربة مع ترمب تطورت علاقة جابارد بترمب، كما تطورت حياتها السياسية من مساعدة تشريعية للسيناتور دانيال ك. أكاكا في عام 2009، إلى عضوية مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي عام 2013، وتعيينها نائبة لرئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، حتى الانضمام للحزب الجمهوري في 2024. في عام 2019، مع اقتراب نهاية سنواتها الثماني في الكونجرس، وأثناء تنافسها على نيل ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة آنذاك، أدانت جابارد الرئيس ترمب بسبب جهوده للضغط على أوكرانيا للإعلان عن تحقيق مع منافسه، حينها، جو بايدن، وقالت إنه "انتهك الثقة العامة". ورغم أن جابارد لم تصوت بـ"بنعم أو لا" على مواد عزل ترمب فإنها قررت التصويت بـ"الحضور"، وقالت في بيان صدر بعد إدلائها بصوتها: "وقفت في وسط القاعة، وقررتُ التصويت حضورياً". وأضافت: "لا أستطيع، بضمير حي، التصويت ضد العزل لأني أعتقد أن الرئيس ترمب مذنب بارتكاب مخالفات. كما لا أستطيع، بضمير حي، التصويت لصالح العزل لأن عزل رئيس في منصبه لا ينبغي أن يكون تتويجاً لعملية حزبية، تُغذيها العداوات القبلية التي قسمت بلادنا بشدة". أثناء حملة ترمب الانتخابية 2024، تغير خطاب جابارد تماماً، إذ أيّدته، وساعدته في التحضير لمناظرته ضد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. وقالت، وهي تقف على المنصة الانتخابية في ولاية نورث كارولينا بجانبه: "إنه ينهي الحرب ولا يبدأها". الحرب والإحباط طالما، كانت الحرب نقطة فيصلية بالنسبة لجابارد التي قضت عاماً في وحدة طبية بالعراق بعد الغزو الأميركي لها، وحصلت على شارة طبية قتالية في 2005، وقضت عاماً آخر في الكويت لتدريب وحدات مكافحة الإرهاب. في حملتها الرئاسية التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي 2020، جادلت بأن حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط زعزعت استقرار المنطقة، وجعلت أميركا أقل أماناً، وأزهقت أرواح آلاف الأميركيين. وألقت باللوم على حزبها (الديمقراطي" لعدم معارضته الحروب. من هذا المنطلق، احتلت قضية سوريا مكانة مركزية في اهتمامات جابارد، إذ اعتبرت أن معارضة الولايات المتحدة لنظام بشار الأسد قد تؤدي إلى صعود جماعات مثل "داعش" و"القاعدة"، وربما تتسبب في اندلاع حرب أوسع. وفي عام 2016، صرّحت جابارد بأن موقفها من سوريا كان أحد الأسباب الرئيسية لتأييدها لبيرني ساندرز، بسبب نهجه الأكثر حذراً تجاه المشاركة العسكرية في الخارج. وجادلت بأن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون مؤيدة للتدخل العسكري الأميركي، وأن ساندرز أكثر جدارة بالثقة في "قضايا الحرب والسلام". وقالت جابارد، في فيديو أعدته لحملة ساندرز التمهيدية للرئاسة 2016: "بصفتي جندية مخضرمة شاركت في مهمتين بالشرق الأوسط، أعرف جيداً تكلفة الحرب. أعرف أهمية أن يتمتع قائدنا العام بالحكمة اللازمة، ليعرف متى يستخدم القوة العسكرية الأميركية ومتى لا يستخدمها". وفي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أجرت جابارد زيارة إلى سوريا، والتقت الرئيس السابق بشار الأسد وزوجته، في وقت كانت الولايات المتحدة قد علّقت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وفرضت عقوبات متعددة على الأسد، وهو ما أثار قلق زملاءها من الحزبين. اعتبر الخبير السياسي ومدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن بيتر كوزنيك، أن خدمتها في الحرس الوطني للجيش لأكثر من 20 عاماً، وذهابها إلى العراق والكويت، أثَّر فيها وجعلها رافضة لفكرة الحرب. وقال كوزنيك لـ"الشرق": "يبدو أنها أصبحت مستنيرة ومن ثم محبطة، كما حصل مع صديقي أوليڤر ستون". ويوضح كوزنيك التقارب بين تجربة مدير الاستخبارات الأميركية، والمخرج الشهير، قائلاً إن أوليڤر ستون تغيّر بسبب تجربته القتالية في فيتنام، وأعتقد أن تولسي تغيّرت بسبب خدمتها القتالية، خاصة في العراق. و"تماماً كما أدرك أوليڤر، أدركت هي أن الولايات المتحدة خُدعت ودُفعت إلى الحرب". أدرك أوليڤر أن قادة الولايات المتحدة "كذبوا "على الشعب الأميركي لجره إلى حرب فيتنام، وتولسي أدركت أن الولايات المتحدة (خُدعت) للدخول في حرب العراق، "وأعتقد أن هذا ما يُؤثر أيضاً على آرائها الحالية بشأن إيران، وبعض تصريحاتها وتصرفاتها الأخيرة". في شهادتها كمديرة للاستخبارات الوطنية، قالت جابارد إن إيران تخلت عن برنامجها النووي، وأنها لم تُعد تشغيله، وذلك على خلاف تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأن طهران قريبة من الحصول على قنبلة نووية. وقال كوزنيك إن جابارد تعلم أن نتنياهو كان يكذب عندما قال إن إيران تُشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل. "لذلك، رأت أن ما يحدث الآن هو إعادة لما حدث في 2002-2003، عندما استعد جورج بوش لغزو العراق. وهي تدرك أيضاً أن هذه الحروب – حروب تغيير الأنظمة التي تُختار طوعاً – تنتهي دائماً بكوارث". وأضاف كوزنيك أن جابارد تعلم أن هذا أيضاً قد يؤدي إلى حرب إقليمية كبرى، وربما حرب عالمية ثالثة؛ لأن إيران حليفة لروسيا، ومهمة جداً للصين، "وإذا لم تتمكن إسرائيل من تدمير منشأة فوردو النووية بأسلحة تقليدية، فقد تلجأ إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي لتدميرها". "تقدمية ومتشككة" قضت صاحبة الـ43 عاماً، أكثر من 15 عاماً من عمرها داخل الحزب الديمقراطي، لكنها كانت متشككة في قياداته. ترشحت جابارد لمقعد في مجلس النواب الأميركي عن هاواي في 2012. ورغم أن فرصتها في البداية كانت ضئيلة، فإنها فازت في الانتخابات التمهيدية لحزبها، ثم في الانتخابات العامة. وعندما تولت منصبها في العام التالي، دعمت قضايا تقدمية، بما في ذلك ضبط الأسلحة، وحقوق الإجهاض، والرعاية الصحية الشاملة، ومجانية التعليم الجامعي. لكنها كانت، عكس كثير من الديمقراطيين، من دعاة الانعزالية، داعية إلى انسحاب الولايات المتحدة من مختلف الصراعات الخارجية. وخلال سنواتها في الحزب، شغلت منصب نائب رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية في 2013، لكنها استقالت بعد 3 سنوات لتتمكن من تأييد السيناتور بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2016، ما منحها شعبية كبيرة في الأوساط التقدمية. لم يتوقف طموح جابارد السياسي عند عتبات الكونجرس، إذ سعت في 2019 إلى الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، مستندة إلى برنامج تقدمي وانتقاداتها العلنية لتدخلات الولايات المتحدة العسكرية في الخارج. وفي وقت لاحق، علّقت حملتها الرئاسية، وأعلنت تأييدها للفائز النهائي، جو بايدن. لكن مع مرور الوقت، شعرت جابارد بالابتعاد عن توجهات الحزب، وبدأت تنتقده بشدة وتتهمه بالخضوع لنخبة من "محرضي الحروب" و"مؤدلجوا الصحوة". وفي عام 2022، أعلنت انسحابها من الحزب الديمقراطي وانضمامها إلى المستقلين، معتبرة أن الحزب لم يعد يشبه الكيان الذي انضمت إليه قبل عقدين. يجد كوزنيك انسحابها من الحزب منطقياً، قائلاً إن العديد من "المحافظين الجدد" من عهد جورج بوش الابن انتقلوا إلى الحزب الديمقراطي، "لذا من نواحٍ عدة، لم تترك الحزب بقدر ما تركها". وأضاف أن الديمقراطيين أصبحوا "حزباً للشركات والمحافظين الجدد". عقب ترك المعسكر الديمقراطي اتجهت قليلاً نحو اليمين. وشاركت في حملات انتخابية لعدد من الجمهوريين البارزين، لمدة عامين قبل أن تعلن تأييد ترمب في انتخابات 2024. وهي خطوة "ساذجة"، في رأي كوزنيك. وأوضح كوزنيك أن ترويج ترمب لنفسه بأنه مرشح مناهض للحروب، لامس وتراً حساساً عند جابارد التي تتوق لحزب ضد الحروب التي عاشتها، ثم منحها فرصة للبقاء ذات صلة سياسية، وذات نفوذ، فانتهزت الفرصة فوراً. "علم الهوية" التحول الصاخب في رحلة جابارد السياسية لا يمكن فصله عن والدها مايك جابارد، عضو مجلس شيوخ ولاية هاواي الذي انتُخب في البداية جمهورياً، ثم غيّر انتماءه الحزبي ليصبح ديمقراطياً. وبقدر ما كان التشابه بينهما واضحاً في الاهتمام بالسياسة والتحولات الأيديولوجية، كانت جابارد حريصة على توضيح أنها ووالدها كانت لديهما حياة سياسية منفصلة تماماً. و قالت، في تصريحات صحافية سابقة: "كان يتحدث عن الحفر والقمامة والصرف الصحي، وكنت أتحدث عن التعليم والبيئة وقضايا أخرى. كنا نرى بعضنا البعض من حين لآخر". سبقت تولسي جابارد والدها، بـ 4 سنوات، حين أصبحت أصغر شخص يُنتخب على الإطلاق لعضوية المجلس التشريعي لولاية هاواي عن عمر لم يتجاوز الـ21 عاماً. كان لأسرة جابارد دور كبير في نشأتها السياسية لتصبح ما هي عليه اليوم. وُلدت جابارد في ساموا الأميركية، وهو إقليم تابع للولايات المتحدة يقع في جنوب وسط المحيط الهادئ، والدها ساموي، ووالدتها بيضاء. نشأت جابارد، منذ سنواتها الأولى في هاواي، واحدة من بين 5 أطفال. في مراهقتها، اعتنقت جابارد ديانة والدها مايك، الهندوسية. وفي الكونجرس كانت أول ممثل يؤدي اليمين الدستورية على "بهاجافاد جيتا"، وهو كتاب هندوسي مقدس. تلقت جابارد تعليمها في المنزل على يد والديها. وتنافست والدتها كارول للحصول على مقعد في مجلس التعليم بالولاية عام 2000، وفازت به. كان والدها من أتباع ما يُعرف بـ"علم الهوية"، وهي حركة روحية أسسها كريس بتلر في السبعينيات في هاواي، تمزج بين تعاليم روحية هندوسية، وبعض الممارسات الخاصة مثل اليوجا. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن جابارد كانت مرتبطة بهذه الجماعة منذ طفولتها، حيث التحقت بمدرسة يديرها أتباع بتلر في الفلبين لمدة عام، وحصلت على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة هاواي باسيفيك عام 2009. وعملت لاحقاً في متجر أغذية تابع للجماعة، وتزوجت من أحد أعضائها، وهو إبراهام ويليامز، الذي كان يعمل مصوراً سينمائياً. على مر السنين، دعم أعضاء الجماعة حملات جابارد من خلال التبرعات والعمل التطوعي، وبالمقابل حصلت شركات مرتبطة بالجماعة على عقود من حملاتها، بحسب تقارير صحافية أميركية محلية. ومع إعلان ترمب ترشيحه جابارد مديرة للاستخبارات، وُجهت انتقادات شديدة للجماعة وقائدها بتلر، ووصفت بأنها طائفة دينية يتحكم فيها بشكل صارم، إذ يطيعه أتباعه في كل شيء، ويقومون بخدمته اليومية. وأرسلت العضو السابق لمدة 15 عاماً في مؤسسة علم الهوية، أنيتا فان دوين، رسائل إلى المشرعين الديمقراطيين، حذّرت من أن جابارد تخضع "لتأثير كامل" من رئيس المؤسسة باتلر، ذي الطموحات السياسية طويلة الأمد، وأكدت أنه يدفع تلاميذه لتولي المناصب العامة من أجل أهدافه الخاصة. لكن المتحدثة باسم جابارد، أليكسا هينينج، أنكرت وجود أي علاقة تنظيمية تربطها بالجماعة، واعتبرت أن الأسئلة عن خلفيتها الدينية فيها نوع من التعصب ضد الهندوسية. بينما تحدثت جابارد، نفسها، بإيجابية عن تجاربها الروحية مع بتلر، وعبّرت عن امتنانها له، في حين وصفها هو بأنها "طالبة ناجحة" لديه. توافق ثم اختلاف لم يمر تأكيد تعيين جابارد في منصب مديرة الاستخبارات الوطنية، بسهولة. ففي فبراير الماضي، واجهت تحديات كبيرة بعد جلسة استماع أثارت قلق عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، حتى من الحزب الجمهوري. أحد الأسباب الرئيسية لهذا القلق كان ردود جابارد غير المباشرة عندما طُلب منها تحديد ما إذا كان المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن "خائناً". وفي عام 2020، حثّت جابارد ترمب علناً على العفو عن سنودن، ومؤسس ويكيليكس جوليان أسانج، قائلةً إنهما "كشفا، بتضحيات شخصية جسيمة، خداعَ وإجرامَ مَنْ في الدولة العميقة". وفي عامها الأخير في الكونجرس، قدّمت تشريعاً يدعو الولايات المتحدة إلى إسقاط جميع التهم الموجهة إليهما وإصلاح قانون التجسس. وقالت: "يجب حماية المُبلّغين الشجعان الذين يكشفون الأكاذيب والأعمال غير القانونية في حكومتنا". وأشارت حينها إلى أنها ستعفو عنه لو أصبحت رئيسة، لكن في جلسة الاستماع الأخيرة، تجنّبت تكرار هذا الموقف، وأكدت التزامها بأمن أميركا، ومنع أي تسريبات مستقبلية. مرّت الجلسة، وتم تأكيد تعيين جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية الأميركية في 12 فبراير 2025، بأغلبية 52 صوتاً، مقابل 48، وكان السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل الشخص الوحيد الذي انشق عن حزبه، وصوّت ضد تأكيد تعيينها. جابارد، التي وُصِفت بأنها من أكثر اختيارات ترمب إثارة للجدل، تواجه استياءه حالياً بعد نشرها، في 10 يونيو، مقطعاً يحذر من الحرب النووية، عقب زيارتها لمدينة هيروشيما في اليابان، وهو ما اعتبره ترمب، الذي يفكر في مشاركة الولايات المتحدة في ضربات عسكرية تستهدف البرنامج النووي الإيراني، إشارة لرفض التصعيد مع طهران. وقال عدد من كبار مسؤولي الإدارة لشبكة NBC News، إن جابارد تتعرض للتهميش في نقاشات داخلية للإدارة تتعلّق بالصراع بين إسرائيل وإيران، حيث لم تُدعَ إلى بعض اجتماعات كبار المسؤولين الأمنيين، وكان من المفترض أن تكون مديرة الاستخبارات الوطنية في صلب هذه الاجتماعات. قال نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، وضابط وكالة الاستخبارات المركزية CIA المتقاعد، مايك مولوري، إن جابارد رغم اتفاقها مع ترمب في عدد من المواقف السياسية، فإنها تختلف معه عندما يتعلق الأمر بالحديث عن إيران والسلاح النووي. وأوضح مولوري أن جابارد في هذه المسألة، تعتمد على تقييمات مجتمع الاستخبارات الأميركي، والتي تشير إلى أن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً جاهزاً الآن، وأنها قد تحتاج إلى وقت طويل لتطوير واحد يمكن استخدامه فعلياً. وأكد مولوري أن مجتمع الاستخبارات يمتلك أكبر قدر من المعلومات من جميع المصادر، بما في ذلك جمع المعلومات السري "ولذلك فهو الأكثر دقة". ويرى مولوري أن المسافة بين ترمب وجابارد تبدو كبيرة بشأن إيران "حتى لو جمعتهما توجهات سياسية مشتركة في ملفات أخرى". ويحاول جيه دي فانس، نائب ترمب، تقليص المسافة بين الرئيس وجابارد بشأن إيران، مع إصراره على دعمها، رغم غضب ترمب، ويقول نائب الرئيس إنها "عضو أساسي في فريقنا، ونحن ممتنون لعملها الدؤوب للحفاظ على أميركا آمنة من التهديدات الأجنبية". أرجع كوزنيك استمرار دعم فانس لجابارد بأنه يرجع إلى أنه يشترك معها في رفض التدخلات العسكرية. قائلاً إن فانس، رغم دعمه لإسرائيل، يدرك أن تأييد الحرب قد يُغضب قاعدة ترمب الشعبية التي تُعارض عموماً دخول أميركا حرباً من أجل إسرائيل، "وبما أن ترمب يبدو وكأنه يغيّر موقفه، ففانس لا يريد أن يعارضه علناً، خوفاً على مستقبله السياسي". ويعتقد كوزنيك أن فانس ربما يأمل أن تتراجع جابارد وتعود لدعم ترمب، كما فعل هو من قبل، "هو يرى أن التودد إليها قد يُقنعها بالبقاء ضمن الصف الجمهوري". لكن كوزنيك يرى أن جابارد إذا كانت بالفعل متمسكة بمبادئها، فقد تستقيل إن قررت الإدارة خوض حرب مع إيران، لكنه في الوقت نفسه يستبعد ذلك، قائلاً إنها مثل كثيرين قبلها قد تفضل البقاء داخل الإدارة أملاً في التأثير، كما فعل وزير الخارجية كولن باول في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وتابع: "أستطيع أن أفهم تفكيرها. نفس ما حصل مع كولن باول. كان عليه أن يستقيل عندما غزت أميركا العراق، لكنه بدلاً من ذلك ذهب إلى الأمم المتحدة، وكرّر الكثير من الأكاذيب بشأن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل".

إسرائيل... أوهام القوة المهيمنة والأمن الحر
إسرائيل... أوهام القوة المهيمنة والأمن الحر

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

إسرائيل... أوهام القوة المهيمنة والأمن الحر

منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2023 ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يكف عن الصياح بأن إسرائيل ستغير شكل المنطقة، والقصد من وراء كلامه، الوصول إلى فكرة إسرائيل المهيمنة بالمطلق، المتنعمة في «الأمن الحر والمستدام». شنت إسرائيل حملة وحشية على غزة، وانتقلت من بعدها إلى «حزب الله» في لبنان، ولاحقاً استهدفت مخازن الجيش السوري، والآن تكمل المسيرة مع إيران بهدف ظاهر ممثل في القضاء على البرنامج النووي، والخفي هو إزالة نظام الملالي. عبر صفحات مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية، يفاجئنا البروفسور ستيفن والت، أستاذ العلوم السياسية الأشهر في جامعة هارفارد، بأنه على الرغم من أن كل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة قد حققت نجاحاً جزئياً - على الأقل على المدى القصير- فإنه لا ينبغي لنا أن نعتبر إسرائيل قوة مهيمنة على صعيد منطقة الشرق الأوسط، بشكل مؤكد ونهائي. يستحضر والت من بطن التاريخ القريب، تجربة الولايات المتحدة بوصفها قوة مهيمنة في نصف الكرة الغربي، ويقارن بينها وبين إسرائيل، وعنده أن القوة المهيمنة الإقليمية تتمتع بنفوذ هائل، لدرجة أنها لا تعود تواجه تهديدات أمنية كبيرة من جيرانها، وهو ما استطاعت واشنطن الوصول إليه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، منذ نهايات القرن التاسع عشر. إسرائيل اليوم لا تستوفي هذا المعيار، فنظرة سريعة على المنطقة تقطع بأن الحوثيين لا يزالون متمردين، والجيش الإسرائيلي غارق وموحل في غزة، رغم الدمار الذي حل بالقطاع، وعلى الرغم من إضعاف «حماس» و«حزب الله» من حيث موازين القوة والتسلح، فإنه لم يتم القضاء عليهما كأفكار آيديولوجية ودوغمائية دفعة واحدة، وهو ما لن يحدث. في الوقت عينه، كان المبرر الرئيسي للهجمات على إيران هو الخوف من امتلاكها أسلحة نووية يوماً ما. لم يكن الخطر يتمثل في أن تستخدم إيران قنبلة ذرية لمهاجمة إسرائيل، ذلك لأن الملالي يعلمون أن هذا سيناريو انتحاري بالنسبة إليهم، بل كان الخوف الرئيس بالنسبة لإسرائيل هو أن مثل تلك القنبلة سوف تحد من قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة من دون عقاب. خوف إسرائيل الكبير والخطير من صعود أي قوة عسكرية في المنطقة، يتمحور حول فكرة فقدانها ما نسميه «الأمن الحر» ذاك الذي تمتعت به القوى الكبرى حول العالم تاريخياً، وآخرها الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها قوة مهيمنة وحيدة منذ وقت طويل، ما يَسَّر لها الدخول في مغامرات عسكرية متعددة، وإن دفعت أكلافاً غالية وعالية لتبعاتها، بدءاً من كوريا، ومروراً بأفغانستان، وصولاً إلى العراق. لن تصبح إسرائيل قوة مهيمنة، ما دامت تهرب إلى الأمام، وتحاول تجاهل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الذي يشكل قرابة نصف الأراضي التي تحتلها عسكرياً. ولعل الحقائق التي تتعامى إسرائيل عن رؤيتها أو مقاربتها، هي أن القوى العظمى تميل إلى افتراض أن تفوقها العسكري الهائل سيسحق خصومها بسرعة، هذه الثقة المفرطة تعني أنها لا تدرك حدود قوتها العسكرية، ولذلك تضع أهدافاً لا يمكن تحقيقها، إن وجدت، إلا من خلال صراع طويل الأمد، بينما المشكلة الأكبر هي أنها بتركيزها على النتائج الفورية في ساحة المعركة، قد تهمل العناصر الأوسع اللازمة للنجاح، مثل توفير شروط السلام الدائم. هنا يمكن القطع بأن إسرائيل قد حققت على مدار تاريخها، نجاحاً عسكرياً تكتيكياً ملحوظاً، ولكن من دون كفاءة استراتيجية. ولعل هذا الاستنتاج لا يُستغرَب، نظراً لأنها منذ أوائل سبعينات القرن الماضي دولة تابعة للولايات المتحدة، التي تعاني سياستها الأمنية القومية، من الصفات والعيوب نفسها. لا تتوافر في إسرائيل مواصفات القوة المهيمنة، وأولاها الاعتماد على الذات بشكل كامل، وهو ما لا تقوم به، وظهر جلياً في المواجهة مع إيران، حيث شكلت الحاجة إلى قنابل الأعماق أمراً حاسماً وحازماً في مواجهة البرنامج النووي. كان الدعم الأميركي لإسرائيل منذ نشأتها وحتى الساعة، هو عماد قوتها وهيمنتها البادية للعيان، غير أن هذا المدد اللوجيستي قد لا يستمر إلى وقت قريب، حيث يُتوقَّع أن تتغير التركيبة الديموغرافية للولايات المتحدة، ويتوارى الطهرانيون والمحافظون من الرجال البيض، في ثنايا وحنايا أعراق أخرى، غير مرتهنة لإسرائيل. السؤال الجوهري الذي يطرحه ستيفن والت، هو: كيف يمكن لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، ربعهم من غير اليهود، أن تهيمن على منطقة شاسعة تضم نحو 400 مليون عربي ونحو 90 مليون فارسي؟ ما تملكه إسرائيل هو درجة من الهيمنة الهامشية من دون الهمينة الحقيقية، وهو تاريخياً، مكان محفوف بمخاطر أوهام القوة العسكرية فحسب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store