logo
روائيون جزائريون يتحدون الممنوعات المتزايدة

روائيون جزائريون يتحدون الممنوعات المتزايدة

Independent عربية١٥-٠٥-٢٠٢٥

في سياق رواج الرقابة على الادب في الجزائر، ترسخ ما يعرف بالمثلث المحرم في الوعي الجمعي، وهو الدين والجنس والسياسة، وحدد هذا المثلث خطوطاً حمراء يحاذر كثير من الكتاب الاقتراب منها.
ومع هذا هناك أقلام عديدة كتبت بجرأة وتمكنت من اختراق هذه التابوات، كما نجد لدى فضيلة الفاروق وربيعة جلطي وأمين الزاوي وسمير قسيمي وغيرهم. لكن هذه الجرأة ليست من دون ثمن، إذ يجد الكاتب نفسه في مواجهة شريحة واسعة من القراء ترفض قراءة نصوص توصف بـ"الخادشة للحياء"، على رغم أن القراءة تجربة فردية. وفي كل دول العالم هناك تصنيفات للكتب بحسب العمر، منها ما هو مخصص لليافعين وما هو مصنف للبالغين.
يذهب بعضهم من القراء إلى المطالبة بـ"أدب نظيف" على غرار مفهوم "السينما النظيفة"، مما يجعل المبدع عرضة لحملات تشهير وإساءة وأحياناً تهديدات تمس حياته الشخصية، خصوصاً حين يخلط المتلقي بين صوت الكاتب وصوت شخصياته المتخيلة.
في هذا التحقيق، تواصلنا مع روائيين وروائية، كانت لهم مساهمات بارزة في الأدب الجزائري، وطرحنا عليهم أسئلة تتعلق بالحرية في الكتابة: "إلى أي مدى يشعر الروائي الجزائري بالتحرر أثناء الكتابة؟ هل تغيرت نظرة القراء إلى بعض التابوات بين الماضي والحاضر؟ هل يفرض المجتمع قيوداً تجعل الكاتب يفكر في التراجع عن كتابة عمل معين أو يمتنع عن نشره؟ وما الحدود التي يضعها المبدع لنفسه، والأهم: ما الثمن الذي يدفعه في مقابل حريته الإبداعية؟".
ربيعة جلطي: الانفتاح الرقمي أسهم في تحريك العقليات الراكدة
الروائية ربيعة جلطي (صفحة فيسبوك)
تقول الرواية ربيعة جلطي: "إن من حسن الحظ أن قراء الرواية في الجزائر أيضاً، مثل قرائها في بعض بقع العالم، المتعددي اللغات والثقافات، وليسوا ذوي قياس معياري موحد في تعاملهم مع النص ولا يتعاطونه بقياس موحد taille unique، كقمصان وقبعات. بل إن حساسيتهم حيال التابو (الدين والسياسة والجنس) تتفاوت بحسب درجات الوعي، ونتيجة سلسلة من الخبرات القرائية والمرجعيات الثقافية واللغوية. فالحقل القرائي كما الروائي في الجزائر يتشكل في نسيج مكون من أكثر من لغة: العربية والفرنسية والإنجليزية والأمازيغية والدارجة العربية، مما يؤثر في مستويات توقع القارئ لدلالات النص السردي، وبالتالي يتراوح بين الرفض والقبول. لا شك، في أن التشنج الذي كان واضحاً حول تناول الرواية للتابوات من مواضيع الدين والجنس والسياسة والهوية، خفت نسبياً في السنوات الأخيرة، نتيجة الانفتاح الرقمي الذي أسهم في تحريك برك العقليات الراكدة من الداخل، وشكل فضاءات للتواصل والتثاقف، متحررة إلى حد ما من عيون الرقابة المركزية. ولأن كل شيء حامل لضده، فإن الرقابة الجماهيرية عبر الوسائط الجديدة تعيد التشنج ذاك، فلا يفتأ يطفو من حين لآخر، حاملاً للتهديد والوعيد والشتم والتنمر".
وتضيف: "خلال مساري الأدبي الطويل آمنت أن الحرية هي قلب الكتابة وشرطها الأساس، ولا توجد مواضيع غير قابلة للكتابة. وتناول التابو نفسه يتحرر من عنف القارئ الرقيب ومن زجر مؤسسة الرقابة، من خلال ذكاء توظيفه الفني الذي يفتح على تعدد التأويل. قراء رواياتي ودارسوها يؤكدون كل مرة أنني كنت دوماً حرة في أخذ حقي للقص على الناس ما لا يريدون سماعه، على حد تعبير جورج أورويل. فتناولت مواضيع جد حساسة كالتدين الزائف والأنظمة الشمولية والجنس والقهر الاجتماعي والشوفينيات الضيقة، من "الذروة" إلى "نادي الصنوبر" و"عرش معشق" و"عازب حي المرجان" و"حنين بالنعناع" و"قلب الملاك الآلي" و"جلجامش والراقصة" و"ترتيب العدم" و"خلايا ناعمة" وغيرها. لا أؤمن بالمحرمات على الكتابة أو فيها، هناك فقط طرق سطحية وفجة في طريقة تناولها، إذ إن بعض المفردات سم، إذا ما أسيء استخدامها كما قال نيتشه رمز التمرد، وبلسم كلما أحسنا الاستثمار فيها شعرياً. وعلى رغم طبيعتي في عدم التسرع في النشر، إلا أنني لم يحدث أن ترددت ولو لحظة في كتابة ونشر عمل ما، عندما أشعر بأنه مكتمل لشروطه الجمالية والفلسفية. حرية الإبداع ليست امتيازاً بل هي شرط الكتابة وروحها، وهي لا تضمن الشهرة، لكنها تمنح الكاتبة والكاتب كرامة الحبر، وشرعية الكلمة كي تكون شاهداً لا تابعاً. أما عن ثمن الحرية وجرأة الخروج عن الخطاب الرسمي المؤطر فهو غال، ولكن الحفر في المناطق المحرمة المحظورة أمر حتمي لكتابة نقدية كاشفة وصادقة، كتابة تبحث عن تعرية البنيات الاجتماعية والنفسية والسياسية المختلة في المجتمع. الكاتب المغضوب عليه لا يكون دائماً منبوذاً جماهيرياً، بل غالباً ما يتعرض للإقصاء من طرف النخب أو من السلطة عبر التجاهل والتهميش، لأنه صوت نبوءة أدبية لما سيصبح مقبولاً لاحقاً، ومرآة تعكس أعطاب المجتمع وهشاشة التعنتر والتعنت الفردي والمؤسساتي.
سعيد خطيبي: صارت الكتابة بالعربية في حد ذاتها تابو
الروائي سعيد خطيبي (صفحة فيسبوك)
اما الروائي سعيد خطيبي فيقول: "في الجزائر، صارت الكتابة بالعربية في حد ذاتها تابو. تكاد هذه اللغة الجميلة أن تفرغ من حمولتها الكونية والإنسانية، وأن تعود لخانة المقدس فحسب. والأمر يرجع إلى التغيرات التي أصابت مناهج تلقين الأدب في المدارس، إذ يجري تلقين الأدب من ناحية الأسلوب والشكل، وكأنه مادة صلبة، مع إفراغه من الحمولة المعنوية والإنسانية، من القيم والأبعاد النفسية التي ينطوي عليها النص. لا أظن أن النظرة تغيرت، لأن العوامل نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها. لا يزال الإنسان في الجزائر يعيش، في كثير من الأحيان، في فراغ، نظراً إلى ظروفه الاجتماعية، مما يحتم عليه الالتجاء إلى الدين، كنوع من الوقاية من الوضع الذي يحيا فيه، وهذه الحال تجعله يفسر العالم وفق نظرة عقائدية، وهي نظرة لم ينج منها الأدب، الذي يتعرض إلى محاكمات باسم الأخلاق لا بالنظر إلى قيمته الفنية والجمالية".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى: "في السنين الأخيرة، نلاحظ صعوداً للرقابة الذاتية في الأدب الجزائري، تفادياً لردود الفعل غير المحسوبة من طرف المتلقي. ولا أدعي بطولة أنني أفضل حالاً من زملائي، فأنا كذلك لا أود أن أقضي سنوات في كتابة رواية ينتهي أمرها بالمنع. مع ذلك لا أضع حدوداً في الكتابة، لأنني ببساطة لست مشغولاً بقضايا من شأنها الاستفزاز أو إثارة خصومات. أمارس الأدب بوصفه مغامرة جمالية، أمارس حقي في الخطأ كذلك. لا يهمني الاصطدام مع أحد في الآراء، بل يهمني نقاش هادئ مع القارئ وتوسيع دائرة التخيل، ولكل قارئ الحق في تأويل نص بما يختلف عن قارئ آخر. لم يحدث أن امتنعت عن نشر عمل كتبته بسبب الخوف من التلقي، فالأدب ليست وظيفته النصح أو الإرشاد أو التخوف من الآخر، بل وظيفته إتاحة فسحة من التخيل، من متعة القراءة، من تشارك في جمال اللغة وفي حرفة الحكي. الأدب هو مساحة من أجل تخيل عالم أقل ضرراً من العالم الذي نحيا فيه. نحن نعيش في أزمنة أكثر خطورة مما سبق، فمحاكمات الكتب صارت تجري ليلاً نهاراً. وانتقلت جيوش الناقمين على السوشيال ميديا من الإساءة إلى كتاب إلى الإساءة إلى كاتب (ة)، ونتذكر الحملة المسيئة التي تعرضت لها رواية "هوارية" العام الماضي. في حدود علمي، لا يوجد كاتب واحد في الجزائر لم يجر اتهامه بالعميل أو الخائن، لمجرد أنه أصدر رواية لم توافق أهواء بعضهم، وصار الناس يطلقون الأحكام من غير نقاش. هذه الحالة جعلتني أزهد في السوشيال ميديا، إذ لم يعد إبداء الرأي متاحاً. كما نعلم، بعدما انسحبت أحزاب سياسية عن القيام بدورها، مثلما انسحبت مؤسسات أهلية كذلك، باتت الساحة خالية، وصار النقاش يأتي من الأدب وحده، وهناك من يريد من الكاتب أن يصير ناطقاً باسمه، وإن لم يفعل فسيسمع ما لا يرضيه من نعوت وإساءة".
أحمد طيباوي: هل بقي من تابوات أو محرمات لا يمكن الخوض فيها؟
الروائي أحمد طيباوي (صفحة فيسبوك)
الروائي أحمد طيباوي يقول: "في زمن مضى كانت الحكاية، في أشكالها المختلفة، هي ما يشكل وعي الناس وتصوراتهم حول المواضيع المختلفة، بما فيها تلك التي يكون من المحرم أو الممنوع الخوض فيها، أو يراد تثبيتها في العقل والوجدان الجمعيين بصورة معينة لا تقبل أية زحزحة. وإذا أراد فرد أو مجموعة أن يؤثروا في ذلك الوعي، أو أن يحاولوا إثراءه أو غير ذلك بحسب الدرجة المرغوبة، فإن سردية مختلفة هي السبيل إلى ذلك. سردية تقتحم ما يتهيبه الناس، يقدسونه، يلعنونه، برؤية مختلفة عما سبق وتعودوا عليه. إن الممنوع مغر ومخيف، كاتب شجاع ومختلف أو شيطان، سيصفونه، ذلك الذي يجري قلمه في فلك الممنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، يريد أن يحطم أوثاناً ويكسر سياج الخوف من اقتحام المناطق الملغمة، إيماناً منه بفكرة أو طلباً لسمعة".
ويضيف: "لكن ومع الفيض الإعلامي الذي نعيشه، حيث لدينا معلومات وأفكار أكثر بكثير مما نحتاج إليه تقريباً، هل بقي من تابوات أو محرمات لا يمكن الخوض فيها؟ أليس كل ما قيل قد قيل مثله أو ما يشبهه في زمن ما بقلم كاتب أو كاتبة؟ ما زال هناك بطبيعة الحال ما يصعب الكتابة عنه، بيد أن في تقديري تلك الصعوبة مردها، زيادة على قيود المجتمع والنسق الثقافي، قصور في أدوات الروائي. الرواية فن قبل كل شيء، وليست حزمة حقائق مزعومة وتصورات مغايرة للمألوف في اعتقاد الروائي، يريد أن يصدم بها القراء، ثم إذا لم يتقبلوا اتهمهم بالانغلاق والتخشب. هذه حيلة قديمة وغبية، إن التحدي الحقيقي والمستمر بالنسبة إلي كروائي يتعلق أساساً بسؤال كيف أقول، وليس ماذا أقول. الـ"كيف" هو ما يصنع الفارق بين روائي مبدع يجدد أدواته وأساليب التعبير وبث القيم الإنسانية المشتركة، الـ"كيف" هي مهمة الروائي الحقيقي الواعي بهذه المهنة النبيلة، وبفضلها يمكنه أن يكسر الحواجز ويتعدى الحدود. فيما يخصني كتبت عن العزلة والاغتراب، عن الثورة التحريرية، عن المتاجرين بالدين وبالوطنية، عن المثقف الانهزامي والمستلب والوصولي، عن محنة المرأة المثقفة. وما زالت أعتقد أن التحدي هو كيف أكتب كي أرضي نفسي ويجد القارئ ما يهمه، أقصد ما يقنعه ويمتعه".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روائيون جزائريون يتحدون الممنوعات المتزايدة
روائيون جزائريون يتحدون الممنوعات المتزايدة

Independent عربية

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

روائيون جزائريون يتحدون الممنوعات المتزايدة

في سياق رواج الرقابة على الادب في الجزائر، ترسخ ما يعرف بالمثلث المحرم في الوعي الجمعي، وهو الدين والجنس والسياسة، وحدد هذا المثلث خطوطاً حمراء يحاذر كثير من الكتاب الاقتراب منها. ومع هذا هناك أقلام عديدة كتبت بجرأة وتمكنت من اختراق هذه التابوات، كما نجد لدى فضيلة الفاروق وربيعة جلطي وأمين الزاوي وسمير قسيمي وغيرهم. لكن هذه الجرأة ليست من دون ثمن، إذ يجد الكاتب نفسه في مواجهة شريحة واسعة من القراء ترفض قراءة نصوص توصف بـ"الخادشة للحياء"، على رغم أن القراءة تجربة فردية. وفي كل دول العالم هناك تصنيفات للكتب بحسب العمر، منها ما هو مخصص لليافعين وما هو مصنف للبالغين. يذهب بعضهم من القراء إلى المطالبة بـ"أدب نظيف" على غرار مفهوم "السينما النظيفة"، مما يجعل المبدع عرضة لحملات تشهير وإساءة وأحياناً تهديدات تمس حياته الشخصية، خصوصاً حين يخلط المتلقي بين صوت الكاتب وصوت شخصياته المتخيلة. في هذا التحقيق، تواصلنا مع روائيين وروائية، كانت لهم مساهمات بارزة في الأدب الجزائري، وطرحنا عليهم أسئلة تتعلق بالحرية في الكتابة: "إلى أي مدى يشعر الروائي الجزائري بالتحرر أثناء الكتابة؟ هل تغيرت نظرة القراء إلى بعض التابوات بين الماضي والحاضر؟ هل يفرض المجتمع قيوداً تجعل الكاتب يفكر في التراجع عن كتابة عمل معين أو يمتنع عن نشره؟ وما الحدود التي يضعها المبدع لنفسه، والأهم: ما الثمن الذي يدفعه في مقابل حريته الإبداعية؟". ربيعة جلطي: الانفتاح الرقمي أسهم في تحريك العقليات الراكدة الروائية ربيعة جلطي (صفحة فيسبوك) تقول الرواية ربيعة جلطي: "إن من حسن الحظ أن قراء الرواية في الجزائر أيضاً، مثل قرائها في بعض بقع العالم، المتعددي اللغات والثقافات، وليسوا ذوي قياس معياري موحد في تعاملهم مع النص ولا يتعاطونه بقياس موحد taille unique، كقمصان وقبعات. بل إن حساسيتهم حيال التابو (الدين والسياسة والجنس) تتفاوت بحسب درجات الوعي، ونتيجة سلسلة من الخبرات القرائية والمرجعيات الثقافية واللغوية. فالحقل القرائي كما الروائي في الجزائر يتشكل في نسيج مكون من أكثر من لغة: العربية والفرنسية والإنجليزية والأمازيغية والدارجة العربية، مما يؤثر في مستويات توقع القارئ لدلالات النص السردي، وبالتالي يتراوح بين الرفض والقبول. لا شك، في أن التشنج الذي كان واضحاً حول تناول الرواية للتابوات من مواضيع الدين والجنس والسياسة والهوية، خفت نسبياً في السنوات الأخيرة، نتيجة الانفتاح الرقمي الذي أسهم في تحريك برك العقليات الراكدة من الداخل، وشكل فضاءات للتواصل والتثاقف، متحررة إلى حد ما من عيون الرقابة المركزية. ولأن كل شيء حامل لضده، فإن الرقابة الجماهيرية عبر الوسائط الجديدة تعيد التشنج ذاك، فلا يفتأ يطفو من حين لآخر، حاملاً للتهديد والوعيد والشتم والتنمر". وتضيف: "خلال مساري الأدبي الطويل آمنت أن الحرية هي قلب الكتابة وشرطها الأساس، ولا توجد مواضيع غير قابلة للكتابة. وتناول التابو نفسه يتحرر من عنف القارئ الرقيب ومن زجر مؤسسة الرقابة، من خلال ذكاء توظيفه الفني الذي يفتح على تعدد التأويل. قراء رواياتي ودارسوها يؤكدون كل مرة أنني كنت دوماً حرة في أخذ حقي للقص على الناس ما لا يريدون سماعه، على حد تعبير جورج أورويل. فتناولت مواضيع جد حساسة كالتدين الزائف والأنظمة الشمولية والجنس والقهر الاجتماعي والشوفينيات الضيقة، من "الذروة" إلى "نادي الصنوبر" و"عرش معشق" و"عازب حي المرجان" و"حنين بالنعناع" و"قلب الملاك الآلي" و"جلجامش والراقصة" و"ترتيب العدم" و"خلايا ناعمة" وغيرها. لا أؤمن بالمحرمات على الكتابة أو فيها، هناك فقط طرق سطحية وفجة في طريقة تناولها، إذ إن بعض المفردات سم، إذا ما أسيء استخدامها كما قال نيتشه رمز التمرد، وبلسم كلما أحسنا الاستثمار فيها شعرياً. وعلى رغم طبيعتي في عدم التسرع في النشر، إلا أنني لم يحدث أن ترددت ولو لحظة في كتابة ونشر عمل ما، عندما أشعر بأنه مكتمل لشروطه الجمالية والفلسفية. حرية الإبداع ليست امتيازاً بل هي شرط الكتابة وروحها، وهي لا تضمن الشهرة، لكنها تمنح الكاتبة والكاتب كرامة الحبر، وشرعية الكلمة كي تكون شاهداً لا تابعاً. أما عن ثمن الحرية وجرأة الخروج عن الخطاب الرسمي المؤطر فهو غال، ولكن الحفر في المناطق المحرمة المحظورة أمر حتمي لكتابة نقدية كاشفة وصادقة، كتابة تبحث عن تعرية البنيات الاجتماعية والنفسية والسياسية المختلة في المجتمع. الكاتب المغضوب عليه لا يكون دائماً منبوذاً جماهيرياً، بل غالباً ما يتعرض للإقصاء من طرف النخب أو من السلطة عبر التجاهل والتهميش، لأنه صوت نبوءة أدبية لما سيصبح مقبولاً لاحقاً، ومرآة تعكس أعطاب المجتمع وهشاشة التعنتر والتعنت الفردي والمؤسساتي. سعيد خطيبي: صارت الكتابة بالعربية في حد ذاتها تابو الروائي سعيد خطيبي (صفحة فيسبوك) اما الروائي سعيد خطيبي فيقول: "في الجزائر، صارت الكتابة بالعربية في حد ذاتها تابو. تكاد هذه اللغة الجميلة أن تفرغ من حمولتها الكونية والإنسانية، وأن تعود لخانة المقدس فحسب. والأمر يرجع إلى التغيرات التي أصابت مناهج تلقين الأدب في المدارس، إذ يجري تلقين الأدب من ناحية الأسلوب والشكل، وكأنه مادة صلبة، مع إفراغه من الحمولة المعنوية والإنسانية، من القيم والأبعاد النفسية التي ينطوي عليها النص. لا أظن أن النظرة تغيرت، لأن العوامل نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها. لا يزال الإنسان في الجزائر يعيش، في كثير من الأحيان، في فراغ، نظراً إلى ظروفه الاجتماعية، مما يحتم عليه الالتجاء إلى الدين، كنوع من الوقاية من الوضع الذي يحيا فيه، وهذه الحال تجعله يفسر العالم وفق نظرة عقائدية، وهي نظرة لم ينج منها الأدب، الذي يتعرض إلى محاكمات باسم الأخلاق لا بالنظر إلى قيمته الفنية والجمالية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويرى: "في السنين الأخيرة، نلاحظ صعوداً للرقابة الذاتية في الأدب الجزائري، تفادياً لردود الفعل غير المحسوبة من طرف المتلقي. ولا أدعي بطولة أنني أفضل حالاً من زملائي، فأنا كذلك لا أود أن أقضي سنوات في كتابة رواية ينتهي أمرها بالمنع. مع ذلك لا أضع حدوداً في الكتابة، لأنني ببساطة لست مشغولاً بقضايا من شأنها الاستفزاز أو إثارة خصومات. أمارس الأدب بوصفه مغامرة جمالية، أمارس حقي في الخطأ كذلك. لا يهمني الاصطدام مع أحد في الآراء، بل يهمني نقاش هادئ مع القارئ وتوسيع دائرة التخيل، ولكل قارئ الحق في تأويل نص بما يختلف عن قارئ آخر. لم يحدث أن امتنعت عن نشر عمل كتبته بسبب الخوف من التلقي، فالأدب ليست وظيفته النصح أو الإرشاد أو التخوف من الآخر، بل وظيفته إتاحة فسحة من التخيل، من متعة القراءة، من تشارك في جمال اللغة وفي حرفة الحكي. الأدب هو مساحة من أجل تخيل عالم أقل ضرراً من العالم الذي نحيا فيه. نحن نعيش في أزمنة أكثر خطورة مما سبق، فمحاكمات الكتب صارت تجري ليلاً نهاراً. وانتقلت جيوش الناقمين على السوشيال ميديا من الإساءة إلى كتاب إلى الإساءة إلى كاتب (ة)، ونتذكر الحملة المسيئة التي تعرضت لها رواية "هوارية" العام الماضي. في حدود علمي، لا يوجد كاتب واحد في الجزائر لم يجر اتهامه بالعميل أو الخائن، لمجرد أنه أصدر رواية لم توافق أهواء بعضهم، وصار الناس يطلقون الأحكام من غير نقاش. هذه الحالة جعلتني أزهد في السوشيال ميديا، إذ لم يعد إبداء الرأي متاحاً. كما نعلم، بعدما انسحبت أحزاب سياسية عن القيام بدورها، مثلما انسحبت مؤسسات أهلية كذلك، باتت الساحة خالية، وصار النقاش يأتي من الأدب وحده، وهناك من يريد من الكاتب أن يصير ناطقاً باسمه، وإن لم يفعل فسيسمع ما لا يرضيه من نعوت وإساءة". أحمد طيباوي: هل بقي من تابوات أو محرمات لا يمكن الخوض فيها؟ الروائي أحمد طيباوي (صفحة فيسبوك) الروائي أحمد طيباوي يقول: "في زمن مضى كانت الحكاية، في أشكالها المختلفة، هي ما يشكل وعي الناس وتصوراتهم حول المواضيع المختلفة، بما فيها تلك التي يكون من المحرم أو الممنوع الخوض فيها، أو يراد تثبيتها في العقل والوجدان الجمعيين بصورة معينة لا تقبل أية زحزحة. وإذا أراد فرد أو مجموعة أن يؤثروا في ذلك الوعي، أو أن يحاولوا إثراءه أو غير ذلك بحسب الدرجة المرغوبة، فإن سردية مختلفة هي السبيل إلى ذلك. سردية تقتحم ما يتهيبه الناس، يقدسونه، يلعنونه، برؤية مختلفة عما سبق وتعودوا عليه. إن الممنوع مغر ومخيف، كاتب شجاع ومختلف أو شيطان، سيصفونه، ذلك الذي يجري قلمه في فلك الممنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، يريد أن يحطم أوثاناً ويكسر سياج الخوف من اقتحام المناطق الملغمة، إيماناً منه بفكرة أو طلباً لسمعة". ويضيف: "لكن ومع الفيض الإعلامي الذي نعيشه، حيث لدينا معلومات وأفكار أكثر بكثير مما نحتاج إليه تقريباً، هل بقي من تابوات أو محرمات لا يمكن الخوض فيها؟ أليس كل ما قيل قد قيل مثله أو ما يشبهه في زمن ما بقلم كاتب أو كاتبة؟ ما زال هناك بطبيعة الحال ما يصعب الكتابة عنه، بيد أن في تقديري تلك الصعوبة مردها، زيادة على قيود المجتمع والنسق الثقافي، قصور في أدوات الروائي. الرواية فن قبل كل شيء، وليست حزمة حقائق مزعومة وتصورات مغايرة للمألوف في اعتقاد الروائي، يريد أن يصدم بها القراء، ثم إذا لم يتقبلوا اتهمهم بالانغلاق والتخشب. هذه حيلة قديمة وغبية، إن التحدي الحقيقي والمستمر بالنسبة إلي كروائي يتعلق أساساً بسؤال كيف أقول، وليس ماذا أقول. الـ"كيف" هو ما يصنع الفارق بين روائي مبدع يجدد أدواته وأساليب التعبير وبث القيم الإنسانية المشتركة، الـ"كيف" هي مهمة الروائي الحقيقي الواعي بهذه المهنة النبيلة، وبفضلها يمكنه أن يكسر الحواجز ويتعدى الحدود. فيما يخصني كتبت عن العزلة والاغتراب، عن الثورة التحريرية، عن المتاجرين بالدين وبالوطنية، عن المثقف الانهزامي والمستلب والوصولي، عن محنة المرأة المثقفة. وما زالت أعتقد أن التحدي هو كيف أكتب كي أرضي نفسي ويجد القارئ ما يهمه، أقصد ما يقنعه ويمتعه".

الصرفة بالضالع تختتم برامج المسابقات الثقافية الرمضانية
الصرفة بالضالع تختتم برامج المسابقات الثقافية الرمضانية

حضرموت نت

time٢٧-٠٣-٢٠٢٥

  • حضرموت نت

الصرفة بالضالع تختتم برامج المسابقات الثقافية الرمضانية

برعاية من الشيخ حيدرة أحمد عمر هرهره اختتمت مساء الخميس 27 رمضان 1446 هجرية الموافق 27 مارس 2025م برامج المسابقة الثقافية الرمضانية والتي اقيمت في مجلس الشيخ عبدالسلام هرهره بمركز الصرفة مديرية الحصين محافظة الضالع والتي تنافس فيها فريقا الصديق بقيادة العقيد/ عبدالحكيم محمد صادق(أبو اديب) والفاروق بقيادة العقيد/ عردفي محمد سعيد (أبو سهم). حيث بدأت الأمسية الرمضانية بالقرآن الكريم ثم حديث نبوي شريف بعد ذلك القيت بعض من الزوامل الدينية الرمضانية والتي رددها جميع الحاضرين بصوت واحد. بعدها القى الاستاذ احمد محمد صالح رئيس اللجنة الثقافية كلمة قيمة حول فضل الايام الاواخر من شهر رمضان وكذلك حول التنافس والحماس الذي قدمه كلا الفريقان خلال ليالي الشهر الفضيل مقدما شكره الجميع الداعمين لهذه المسابقة وهم الإخوة : 1_ انيس قرواش (ابوخالد) . 2_ علي قاسم سويد(ابو بدر). 3_ عمري حيدرة احمد عمر (ابو يوسف) . 4_ عبد الفتاح قسوم (ابو ايمن) . 5_ محمد عبيد محمد (ابوأياد) . 6_ الحاج سعيد محمد سعيد (ابو فهمي) . ودعا الله تعالى ان يجعل مافدموه في ميزان حسناتهم. كما قدم راعي المسابقة الرمضانية الشيخ حيدرة أحمد عمر كلمة شكر لرئيس اللجنة عن الجهود التي بذلها خلال شهر رمضان في الإعداد والتقديم للبرامج الثقافية الرمضانية وشكر بقية أعضاء اللجنة 'كما قدم شكره لجميع للمتسابقين و الداعمين متمني التوفبق للجميع . بعدها تلى المهندس طه منصر مسؤول الرصد والتوثيق للمسابقة التقرير النهائي للفريقان وهما الصديق والفاروق حيث كانت عدد أيام المسابقة هي 23 يوم واما مجموع الاسئلة خلال 23 ليلة 460 سؤال أي لكل فريق 230 سؤال وقد تقسمت على النحو التالي اولا-فريق الصديق : مجموع الاسئلة اجابة كاملة هي 184 سؤال ..مجموع الاسئلة نصف الدرجة هي 14 سؤال ..مجموع الاسئلة التي خسرها هي 32 سؤال ' ثانيا-فريق الفاروق: مجموع الاسئلة اجابة كاملة هي 185..مجموع الاسئلة نصف الدرجة هي 16 سؤال ..مجموع الاسئلة التي خسرها هي 29 سؤال التحصيل النهائي لفريق الصديق هو 382.4 ثلاثمائة إثنان وثمانون درجة وربع الدرجة . التحصيل النهائي لفريق الفاروق هو 386.4 ثلاثمائة وستة وثمانون درجة وربع الدرجة. وبهذا فأنا فريق الفاروق بقيادة العقيد أبو سهم قد حصل على المرتبة الأولى والصديق بقيادة العقيد أبو اديب جاء في المرتبة الثانية ..فالف ألف مبارك للفاروق وهاردلك للصديق. وقد تم تكريم اللجنة ورؤساء الفرق وبعض المشاركين المميزين بشهادات تقديرية ومبالغ نقديه كما تم تكربم جميع للمتسابقين والمشاركين في المجلس. حضر الحفل الختامي الاستاذ محمد حسين صالح الأمين العام للمجلس المحلي بمديرية الحصين.ونائب مدير امن المديرية عواس قايد واخرون . *من فؤاد هرهره

لماذا اشترى الفاروق لسان الحطيئة.. قصة شاعر لا يكف عن الهجاء!
لماذا اشترى الفاروق لسان الحطيئة.. قصة شاعر لا يكف عن الهجاء!

صحيفة سبق

time٠٨-٠٣-٢٠٢٥

  • صحيفة سبق

لماذا اشترى الفاروق لسان الحطيئة.. قصة شاعر لا يكف عن الهجاء!

في واحدةٍ من أشهر القصص التي جمعت بين القوة والعدل، وبين الشعر والسياسة، يقف الخليفة العادل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مواجهة الشاعر الحطيئة؛ صاحب اللسان اللاذع والهجاء المقذع، الذي لم يسلم منه أحدٌ، حتى والديه ونفسه! استدعى عمر بن الخطاب، الحطيئة ليستوضح الأمر، فسمع البيت، لكنه لم يجد فيه هجاءً صريحاً، فقال: "أين الهجاء في هذا؟ أراه عتاباً لا سباً!"، لكن الزبرقان ردَّ عليه قائلاً: "يا أمير المؤمنين، أكل مروءتي أنني آكل وألبس؟ أين شرفي وأين فضلي إذا كان هذا هو كل ما يُقال عني؟". إزاء هذا الموقف، لجأ الفاروق إلى أهل الشعر ليحكموا على البيت، فاستدعى حسان بن ثابت، شاعر الرسول ﷺ، الذي قال: "يا أمير المؤمنين، هذا ليس هجاءً فحسب، بل هو أشد من الهجاء!"، ثم جاء لبيد بن ربيعة ليؤكّد الحكم نفسه، مما دفع الخليفة عمر إلى اتخاذ قرارٍ حازمٍ بوضع الحطيئة في السجن. لكن الحطيئة لم يكن ليرضخ بسهولة، بل لجأ إلى سلاحه الوحيد والأكثر فتكاً: الشعر. ومن أعماق السجن، نظم أبياتاً مفعمة بالتوسل والاستعطاف، أرسلها إلى الفاروق، جاء فيها: "ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ فاغفِرْ عليك سلامُ اللهِ يا عمرُ" لم يستطع عمر بن الخطاب أن يقاوم هذا النداء الإنساني، فبكى حتى بلّت دموعه لحيته، لكنه لم يكن ليسمح للحطيئة بالخروج بلا قيدٍ أو شرطٍ، إذ كان يعلم أن لسانه لا يعرف التوقف عن الهجاء. وهنا جاء الحل العبقري الذي لم يسبقه إليه أحدٌ، إذ قال: "أشيروا عليّ في هذا الرجل، إنه يهجو الناس بلا رادعٍ، ولا أرى إلا أن أقطع لسانه!"، لكن القوم توسطوا له، فقرّر عمر شراء لسان الحطيئة بثلاثة آلاف درهم، على أن يكف عن التعرُّض للناس بالهجاء. ورغم هذا العهد، إلا أن الحطيئة لم يستطع التخلي عن عادته، فظل يهجو حتى نفسه، ولم يترك الحياة إلا بعد أن أوصى بأن يُوضع على ظهر حمار بالمقلوب حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكأن لسانه لم يعرف يوماً معنى الاستسلام! قصة الحطيئة مع الفاروق ليست مجرد مواجهة بين شاعر وخليفة، بل درس في العدل والحكمة، وفي قدرة الكلمة على بناء السمعة أو هدمها، وكيف أن لساناً واحداً استطاع أن يرعب الرجال ويهدّد الكرامة، حتى اضطر خليفة المسلمين إلى "شرائه" ليوقف سيفه المسموم عن الناس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store