logo
عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي.. تحول جذري يهدد عرش الإنترنت الحالي

عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي.. تحول جذري يهدد عرش الإنترنت الحالي

تخيل أن تستيقظ في يوم لا تبدأ فيه روتينك بتصفح الأخبار أو التحقق من رسائل البريد الإلكتروني أو البحث عن أفضل عروض السفر عبر الإنترنت، وبدلًا من ذلك تجد وكيل ذكاء اصطناعي شخصي ينتظرك، وقد قام بالفعل بتنظيم يومك، وحجز رحلتك، واختار لك أفضل العروض التسويقية، كل ذلك قبل أن تحتسي قهوتك الصباحية.
لم يَعد هذا السيناريو مجرد فكرة مستوحاة من أفلام الخيال العلمي، بل أصبح اليوم واقعًا يثير حماسًا شديدًا في أروقة وادي السيليكون، وفي الوقت نفسه، يطلق صافرات الإنذار في أوساط عمالقة الإنترنت الذين يخشون على مكانتهم.
فمع دخول طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي عامها الثالث، يتردد صدى التوقعات بأن عام 2025 سيشهد بزوغ فجر (وكلاء الذكاء الاصطناعي)، هؤلاء المساعدون الرقميون الذين يتفاعلون مع المستخدمين، ويجرون عمليات البحث المعقدة، ويجمعون المعلومات بدقة متناهية، وينظمون المحتوى وفقًا لتفضيلات المستخدمين، بل ويتوقعون احتياجاتهم قبل أن يعبروا عنها.
قد يبدو هذا السيناريو بعيد المنال، وقد يتساءل الكثيرون عن مدى واقعية هذه التوقعات، خاصة في ظل التاريخ الطويل من التنبؤات التكنولوجية التي لم تتحقق، ولكن إذا تحققت هذه الرؤية المستقبلية للوكلاء الذكيين، فإنها ستحدث زلزالًا في بنية الإنترنت، وتهدد بتقويض الشركات التي تتربع على عرش العالم الرقمي اليوم.
لذلك في هذا المقال سنكتشف كيف يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي أن يغيروا تجربة المستخدم عبر الإنترنت، وما الآثار المحتملة لظهورهم على الشركات الكبرى في قطاع الإنترنت، وهل تمثل هذه التقنية قمة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي أم يمكن أن يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك؟
تغيير جذري في طريقة تفاعلنا مع الإنترنت:
أثار مارك شموليك ونيخيل ديفناني، وهما من كبار محللي الإنترنت في شركة (بيرنشتاين) Bernstein، في مذكرة حديثة موجهة للمستثمرين، فكرة ثورية مفادها أن انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع دور الإنترنت التقليدي، فبدلًا من أن يتصفح المستخدمون المواقع والتطبيقات مباشرةً، سيعتمدون بنحو متزايد على هؤلاء الوكلاء للحصول على المعلومات والمحتوى.
ويشبه المحللون وكلاء الذكاء الاصطناعي بـ (الوسيط الجامع)، الذي سيتولى مهمة تجميع المحتوى من مصادر مختلفة وتنظيمه، وتقديمه للمستخدمين بطريقة مخصصة وفعالة، ويعني ذلك أن المواقع والتطبيقات لن تختفي تمامًا، ولكن دورها سيتغير بنحو جذري، إذ ستصبح بمنزلة مصادر للمحتوى والمعلومات، التي يصل إليها وكلاء الذكاء الاصطناعي.
ويحذر المحللون من أن هذا التحول قد يؤدي إلى تغيير جذري في بنية الإنترنت، لأن المنصات الكبيرة التي تُجمع المحتوى ستنهار، ومن ثم ستواجه العديد من الشركات التي تعتمد على نموذج تجميع المحتوى انخفاضًا كبيرًا في قيمتها بسبب التغييرات الهيكلية التي سيحدثها وكلاء الذكاء الاصطناعي.
تبسيط تجربة السفر مع وكلاء الذكاء الاصطناعي:
تخيل سيناريو سفرك إلى دبي، تصل إلى المطار، وتواجه التحدي المعتاد المتمثل في الانتقال إلى مكتب شركتك في مركز دبي التجاري العالمي، في هذا السيناريو يطرح محللو بيرنشتاين سؤالًا جوهريًا: هل يهمك حقًا الوسيلة التي ستستخدمها للوصول إلى وجهتك؟ هل ستفضل أوبر، أو كريم، أو سيارة أجرة، أم خدمة سيارات المطار؟ على الأرجح، الإجابة هي لا. ما يهمك حقًا هو تحقيق أقصى قدر من الكفاءة، وهو الوصول إلى مركز دبي التجاري العالمي بأسرع وقت، وبأقل تكلفة، وبأعلى مستوى من الراحة.
وهنا يبرز دور وكيل الذكاء الاصطناعي الشخصي، تخيل أن هذا الوكيل قادر على تنظيم عملية الانتقال بأكملها نيابة عنك، دون الحاجة إلى تدخل منك، ومن ثم؛ سيغير هذا التحول كيفية تفاعلنا مع الإنترنت بطريقة جذرية، إذ لن تكون هناك حاجة لإجراء عمليات بحث تقليدية عبر محركات البحث مثل جوجل، بل قد لا تحتاج حتى إلى استخدام هاتفك الذكي.
ويؤكد محللو بيرنشتاين أن الشركات التي تسيطر حاليًا على خدمات النقل التشاركي، مثل أوبر وليفت، تعتمد على التحكم في العرض، ولكن مع ظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي، سيجري توحيد الطلب، وسيتولى الوكيل مهمة اختيار أفضل الخيارات المتاحة.
ويعني ذلك أنك قد لا تحتاج أبدًا إلى فتح تطبيق النقل التشاركي مرة أخرى، إذ سيتولى وكيلك مهمة اختيار أفضل الخيارات المتاحة، بناءً على تفضيلاتك وظروفك.
صراع العمالقة.. من يسيطر على وكلاء الذكاء الاصطناعي؟
يشير محللو الإنترنت مارك شموليك ونيخيل ديفناني إلى أن وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يمثلون ذروة التطور في العلاقة بين شركات التكنولوجيا والمستهلكين، فبدلًا من التفاعل المباشر مع المواقع والتطبيقات، سيصبح وكيل الذكاء الاصطناعي بمنزلة نقطة اتصال مركزية يجري من خلالها توجيه جميع الخدمات والمحتوى.
ويعني ذلك أن الشركات التي تسيطر على هذه البوابة الرقمية الجديدة ستتمكن من فرض رسوم على المزودين الآخرين، على غرار الرسوم التي تفرضها جوجل على إعلانات البحث أو آبل على تطبيقات متجرها.
ويرى شموليك أن وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يتجاوزون دورهم كوسيط لتجميع المحتوى، ليصبحوا أسواقًا قائمة بذاتها، مما يهدد بتقويض دور الوسطاء التقليديين، مما يدفع شركات التكنولوجيا الكبرى والناشئة إلى التنافس الشديد للسيطرة على هذه البوابة الرقمية المستقبلية.
وقد بدأت بالفعل بعض الشركات بتطوير وكلاء ذكاء اصطناعي، ففي أواخر يناير الماضي، أطلقت شركة (OpenAI) وكيل ذكاء اصطناعي شامل يُسمى (Operator)، الذي يستخدم متصفح ويب لتنفيذ مهام نيابة عن المستخدمين، مثل حجز الرحلات وشراء المنتجات. ويمكن للمستخدمين اختيار المواقع التي يرغبون في استخدامها، أو الاعتماد على محركات البحث مثل جوجل، ولكن العلاقة المباشرة في هذه الحالة تكون بين وكيل OpenAI والمستخدم، مما يقلل من أهمية محركات البحث التقليدية.
ولم تقف جوجل مكتوفة الأيدي، بل أطلقت (مشروع مارينر) Project Mariner، الذي يستند في عمله إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة Gemini من جوجل، والذي يُعدّ امتدادًا تجريبيًا لمتصفح كروم، ويمكنه استخدام المتصفح وتنفيذ المهام عبره تلقائيًا.
ويُعدّ مشروع Mariner، إنجازًا كبيرًا في مجال أتمتة مهام الويب، فقد حقق هذا المشروع نتائج مذهلة بنسبة نجاح بلغت 83.5% في معيار WebVoyager، وهو معيار صارم يقيس قدرة العميل على تنفيذ مهام الويب المعقدة في بيئة واقعية.
كما كشفت شركة (أنثروبيك) Anthropic عن أداة مماثلة تُسمى (Computer Use)، التي تمكن نموذج (Claude 3.5 Sonnet) من استخدام الحاسوب بشكل مشابه للبشر. وفي تجربة عملية لتوضيح قدرات الأداة، طلب فريق من المهندسين من الأداة طلب كمية من الطعام تكفي لإطعام مجموعة، وقد اختار الوكيل الذكي بنحو مستقل، طلب البيتزا.
وأوضح أليكس ألبرت، رئيس قسم علاقات المطورين في أنثروبيك، أن الوكيل تصفح تطبيق DoorDash عبر الإنترنت، وبعد نحو دقيقة، قرر نموذج كلود أن يطلب لنا بعض البيتزا'. ويوضح ذلك قدرة الوكيل على تنفيذ مهام معقدة بنحو مستقل، من تصفح التطبيقات إلى اتخاذ قرارات الشراء.
وفي خطوة لتعزيز هذه القدرات، أطلقت أنثروبيك نموذج (Claude 3.7 Sonnet) الذي يتميز بتقديم نهج تفكير هجين، إذ يهدف هذا النموذج الجديد إلى تحسين قدرة الوكيل على فهم السياقات المعقدة واتخاذ قرارات أكثر دقة وذكاءً. كما تعمل شركات أخرى، مثل Perplexity، على تطوير أدوات مماثلة.
وقد تُقدم هذه الوكلاء عبر أجهزة جديدة تعتمد على الصوت، مثل نظارات ميتا الذكية، أو نظارة (Vision Pro) من آبل، أو هواتف أندرويد وأجهزة كروم بوك، التي تعمل بنماذج (Gemini) من جوجل.
هل هناك مستقبل يتجاوز وكلاء الذكاء الاصطناعي؟
بينما تثير فكرة وكلاء الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية في عالمنا الرقمي، يطرح سؤال حاسم: هل تمثل هذه التقنية قمة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي والاتصال الرقمي؟ الإجابة ربما لا.
إذ تتجه الأنظار نحو شركة (نيورالينك) Neuralink، التابعة لإيلون ماسك، التي تسعى إلى تحقيق قفزة نوعية في هذا المجال من خلال تطوير شرائح إلكترونية قابلة للزرع في أدمغة البشر. وتهدف هذه التقنية الطموحة إلى إنشاء رابط مباشر وغير قابل للكسر بين الشركات والمستهلكين، إذ يمكن للشريحة قراءة أفكار المستخدمين ورغباتهم واحتياجاتهم مباشرة من أدمغتهم، بدلًا من الاعتماد على التحليلات المعقدة لسلوكيات المستخدمين عبر محركات البحث وتطبيقات الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي.
قد يبدو هذا السيناريو وكأنه ضرب من الخيال العلمي، ولكنه ليس كذلك، لأن المسؤولون التنفيذيون في شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل جوجل، يتحدثون عن هذا الاحتمال منذ سنوات. ففي عام 2010، ناقش هال فاريان، كبير خبراء الاقتصاد في جوجل، هذا المفهوم مع مجلة ذا أتلانتيك، مشيرًا إلى أن زراعة الشرائح في الدماغ قد تكون الخطوة المنطقية التالية في تطور محركات البحث.
وأوضح فاريان رؤيته قائلًا: 'نحن الآن نبحث عن المعلومات عبر جوجل باستخدام الحواسيب والهواتف الذكية. ولكن في المستقبل، قد ننتقل إلى مرحلة جديدة، وهي زراعة الشرائح في الدماغ'.
الخلاصة:
يشهد عالم التكنولوجيا تحولًا غير مسبوق مع صعود وكلاء الذكاء الاصطناعي، إذ سيغير هذا التطور الواعد الطريقة التي نتفاعل بها مع الإنترنت، ويفرض تحديات جديدة على شركات التكنولوجيا الكبرى. ولكن يبقى السؤال الأهم هو كيف سنتعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة، وكيف سنتأكد من أنها تستخدم لصالح البشرية جمعاء؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منتجات أبل أبرز ضحايا رسوم ترامب.. شركة هواتف آيفون في مأزق تاريخي
منتجات أبل أبرز ضحايا رسوم ترامب.. شركة هواتف آيفون في مأزق تاريخي

العين الإخبارية

time٠٤-٠٤-٢٠٢٥

  • العين الإخبارية

منتجات أبل أبرز ضحايا رسوم ترامب.. شركة هواتف آيفون في مأزق تاريخي

اتخذت شركة أبل خطوات لتنويع سلسلة توريدها خارج الصين لتشمل بعض الدول مثل الهند وفيتنام، إلا أن الرسوم الجمركية التي أعلن عنها البيت الأبيض من المقرر أن تؤثر على تلك الدول أيضا. وحدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء معدلات "الرسوم الجمركية المتبادلة" على أكثر من 180 دولة. وستواجه الصين رسومًا جمركية بنسبة 34%، ولكن مع معدل 20% الحالي، فإن هذا يرفع معدل الرسوم الجمركية الفعلي على بكين في عهد ترامب إلى 54%، وفقًا لما ذكرته شبكة CNBC. وتواجه الهند رسومًا جمركية بنسبة 26%، بينما تبلغ الرسوم الجمركية على فيتنام 46%. واستعرضت شبكة "سي إن بي سي"، أثر الرسوم الجمركية المحتمل على سلسلة توريد أبل حول العالم. الصين لا تزال شركة فوكسكون، شريكة شركة أبل، تُجمّع غالبية هواتف آيفون في الصين. وتُشكّل الصين حوالي 80% من الطاقة الإنتاجية لشركة أبل، وفقًا لتقديرات شركة إيفركور آي إس آي في مذكرة صدرت الشهر الماضي. وأفادت إيفركور آي إس آي بأن حوالي 90% من هواتف آيفون تُجمّع في الصين. وأشارت بيرنشتاين في مذكرة صدرت الشهر الماضي إلى أن عدد مواقع التصنيع في الصين انخفض بين السنة المالية 2017 و2020 لشركة أبل، إلا أنه انتعش منذ ذلك الحين. وأضافت بيرنشتاين أن الموردين الصينيين يُشكّلون حوالي 40% من إجمالي إنتاج أبل، وتقدر إيفركور آي إس آي أن 55% من منتجات ماك و80% من أجهزة آيباد من أبل تُجمع في الصين، ما يعكس حجم تأثير الرسوم الجمركية المحتمل. الهند على مدار العامين الماضيين، بذلت شركة أبل جهودًا كبيرة لزيادة إنتاج هواتف آيفون في الهند، في ظل سعي الحكومة إلى زيادة التصنيع المحلي للسلع عالية التقنية. وصرح وزير حكومي عام ٢٠٢٣ أن شركة أبل تستهدف تصنيع حوالي ٢٥% من جميع هواتف آيفون عالميا في الهند. وتوقع محللو بيرنشتاين أن تصل الهند إلى نحو ١٥% - ٢٠% من إجمالي إنتاج هواتف آيفون بحلول نهاية عام ٢٠٢٥. وذكرت شركة إيفركور آي إس آي أن حوالي نحو ١٠% - ١٥% من هواتف آيفون تُجمّع حاليًا في الهند. فيتنام برزت فيتنام خلال السنوات القليلة الماضية كمركز تصنيع رائد للإلكترونيات الاستهلاكية، وقد زادت شركة أبل إنتاجها في فيتنام. ووفقًا لبيانات شركة Evercore ISI، يتم في فيتنام حوالي 20% من إنتاج أجهزة iPad و90% من تجميع منتجات Apple القابلة للارتداء، مثل Apple Watch. دول رئيسية أخرى ماليزيا التي تعتبر مركز تصنيع متنامٍ لأجهزة ماك من أبل، تواجه تعريفة جمركية بنسبة 25%. وتايلاند أيضًا مركز صغير لإنتاج أجهزة ماك، ستُفرض عليها ضريبة بنسبة 36%. كما تستورد أبل مكوناتها من كوريا الجنوبية واليابان وتايوان والولايات المتحدة، وقد تُشحن المكونات من دولة إلى أخرى قبل أن يتم تجميعها في الصين أو أي مكان آخر. وفي فبراير/شباط، أعلنت أبل عن خطط لافتتاح مصنع جديد لخوادم الذكاء الاصطناعي في تكساس كجزء من استثمار بقيمة 500 مليار دولار في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا تُنتج أبل كميات كبيرة في الولايات المتحدة، بل تُنتج فقط جهاز ماك برو في تكساس. aXA6IDQ1LjM4Ljc3LjUwIA== جزيرة ام اند امز CA

انتعاش مُرتقب لعمليات الدمج والاستحواذ بقطاع التكنولوجيا الحيوية
انتعاش مُرتقب لعمليات الدمج والاستحواذ بقطاع التكنولوجيا الحيوية

البيان

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • البيان

انتعاش مُرتقب لعمليات الدمج والاستحواذ بقطاع التكنولوجيا الحيوية

تعرض مُطورو الأدوية لسلسلةٍ من المشاكل. فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى خفض قيمة إنجازاتهم. كما تراجعت عمليات الدمج والاستحواذ في القطاع. لكن مؤخراً، فقد أدى تفاقم حالة عدم اليقين بشأن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه قطاع الصحة إلى عدم وضوح كبير في الرؤية لدى هؤلاء المطورين. وأدى رحيل بيتر ماركس، كبير المُنظمين في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الذي استقال بعد مُهاجمته «المعلومات المُضللة والأكاذيب» التي نشرها روبرت إف كينيدي الابن، إلى تراجع أسهم القطاع. وتراجع سهم شركة موديرنا المُصنّعة للقاحات بنحو العُشر. كما انخفض مؤشر XBI، الذي تجرى مراقبته من كثب، بأكثر من النصف منذ ذروته في عام 2021. وعلى نطاق أوسع، من المرجح أن يؤدي عدم اليقين بشأن البيئة التنظيمية - الذي تفاقم بسبب تقارير التسريح الجماعي للعمال في وكالات الصحة - إلى تأخير استئناف عمليات الدمج والاستحواذ في القطاع. وانخفضت قيمة عمليات الاستحواذ في مجال التكنولوجيا الحيوية من قبل الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية إلى 35 مليار دولار العام الماضي، بتراجع نسبته 70% عن عام 2023 وأقل من سدس ذروة عام 2019، وفقاً لأرقام «بيرنشتاين». كما أصبح إيجاد طرق أخرى لدفع تكاليف تطوير الأدوية أكثر صعوبة. وهذه حبة مريرة يصعب ابتلاعها لدى الشركات التي يتمثل الهدف النهائي لها في الاستحواذ عليها من قبل شركات الأدوية الكبرى. في حين لا يزال هناك القليل من عمليات الاستحواذ - بما في ذلك عرض أسترازينيكا الأخير بقيمة مليار دولار لشراء شركة «ايزوبيوتيك» - ركزت شركات الأدوية الكبرى إلى حد كبير على صفقات الترخيص، وغالباً مع شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية. وهذه رهانات أرخص على الأدوية في مرحلة مبكرة، والتي تنطوي على دفعة مقدمة صغيرة بالإضافة إلى وعد بأموال أكبر بمجرد إثبات فعالية العلاجات. لكن هناك أكثر من سبب للاعتقاد بانتعاش عمليات الدمج والاستحواذ ولعل أبرزها هو أن التكنولوجيا الحيوية تُمثل الحل الأمثل للمشكلة المزمنة لشركات الأدوية. ويواجه القطاع أزمة براءات اختراع في نهاية هذا العقد، فبحلول ذلك الوقت ستواجه الأدوية، التي تُمثل حالياً حوالي 200 مليار دولار من الإيرادات، منافسة من الأدوية الجنيسة. وتشمل هذه الأدوية أدويةً ناجحةً مثل كيترودا من مجموعة ميرك الأمريكية، والذي يُحسّن قدرة الجهاز المناعي على مكافحة السرطان. وبالطبع، ليس الاستحواذ على شركات التكنولوجيا الحيوية هو السبيل الوحيد لملء خطوط إنتاج الأدوية. فهذا هو هدف أقسام البحث والتطوير الداخلية. ولا يُحبّذ المستثمرون أن تُهدر شركات الأدوية العملاقة أي فرصة نمو قديمة. إنهم يُريدون أدويةً ناجحةً محتملة، وخاصةً تلك الموجودة في مجالات العلاج السريع مثل المناعة والأورام والسمنة. مع ذلك، ومع اقتراب جدار براءات الاختراع من السقوط، من المُرجّح أن تنهار بعض مواقع شركات الأدوية الكبرى. ويُعدّ التركيز الاستراتيجي والذكاء المالي أساسيين لازدهار الشركات على المدى الطويل. ولكن عندما يتراجع الزخم، يصعب مقاومة فرصة الحصول على دفعة قوية.

عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي.. تحول جذري يهدد عرش الإنترنت الحالي
عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي.. تحول جذري يهدد عرش الإنترنت الحالي

البوابة العربية للأخبار التقنية

time٠٤-٠٣-٢٠٢٥

  • البوابة العربية للأخبار التقنية

عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي.. تحول جذري يهدد عرش الإنترنت الحالي

تخيل أن تستيقظ في يوم لا تبدأ فيه روتينك بتصفح الأخبار أو التحقق من رسائل البريد الإلكتروني أو البحث عن أفضل عروض السفر عبر الإنترنت، وبدلًا من ذلك تجد وكيل ذكاء اصطناعي شخصي ينتظرك، وقد قام بالفعل بتنظيم يومك، وحجز رحلتك، واختار لك أفضل العروض التسويقية، كل ذلك قبل أن تحتسي قهوتك الصباحية. لم يَعد هذا السيناريو مجرد فكرة مستوحاة من أفلام الخيال العلمي، بل أصبح اليوم واقعًا يثير حماسًا شديدًا في أروقة وادي السيليكون، وفي الوقت نفسه، يطلق صافرات الإنذار في أوساط عمالقة الإنترنت الذين يخشون على مكانتهم. فمع دخول طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي عامها الثالث، يتردد صدى التوقعات بأن عام 2025 سيشهد بزوغ فجر (وكلاء الذكاء الاصطناعي)، هؤلاء المساعدون الرقميون الذين يتفاعلون مع المستخدمين، ويجرون عمليات البحث المعقدة، ويجمعون المعلومات بدقة متناهية، وينظمون المحتوى وفقًا لتفضيلات المستخدمين، بل ويتوقعون احتياجاتهم قبل أن يعبروا عنها. قد يبدو هذا السيناريو بعيد المنال، وقد يتساءل الكثيرون عن مدى واقعية هذه التوقعات، خاصة في ظل التاريخ الطويل من التنبؤات التكنولوجية التي لم تتحقق، ولكن إذا تحققت هذه الرؤية المستقبلية للوكلاء الذكيين، فإنها ستحدث زلزالًا في بنية الإنترنت، وتهدد بتقويض الشركات التي تتربع على عرش العالم الرقمي اليوم. لذلك في هذا المقال سنكتشف كيف يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي أن يغيروا تجربة المستخدم عبر الإنترنت، وما الآثار المحتملة لظهورهم على الشركات الكبرى في قطاع الإنترنت، وهل تمثل هذه التقنية قمة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي أم يمكن أن يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك؟ تغيير جذري في طريقة تفاعلنا مع الإنترنت: أثار مارك شموليك ونيخيل ديفناني، وهما من كبار محللي الإنترنت في شركة (بيرنشتاين) Bernstein، في مذكرة حديثة موجهة للمستثمرين، فكرة ثورية مفادها أن انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع دور الإنترنت التقليدي، فبدلًا من أن يتصفح المستخدمون المواقع والتطبيقات مباشرةً، سيعتمدون بنحو متزايد على هؤلاء الوكلاء للحصول على المعلومات والمحتوى. ويشبه المحللون وكلاء الذكاء الاصطناعي بـ (الوسيط الجامع)، الذي سيتولى مهمة تجميع المحتوى من مصادر مختلفة وتنظيمه، وتقديمه للمستخدمين بطريقة مخصصة وفعالة، ويعني ذلك أن المواقع والتطبيقات لن تختفي تمامًا، ولكن دورها سيتغير بنحو جذري، إذ ستصبح بمنزلة مصادر للمحتوى والمعلومات، التي يصل إليها وكلاء الذكاء الاصطناعي. ويحذر المحللون من أن هذا التحول قد يؤدي إلى تغيير جذري في بنية الإنترنت، لأن المنصات الكبيرة التي تُجمع المحتوى ستنهار، ومن ثم ستواجه العديد من الشركات التي تعتمد على نموذج تجميع المحتوى انخفاضًا كبيرًا في قيمتها بسبب التغييرات الهيكلية التي سيحدثها وكلاء الذكاء الاصطناعي. تبسيط تجربة السفر مع وكلاء الذكاء الاصطناعي: تخيل سيناريو سفرك إلى دبي، تصل إلى المطار، وتواجه التحدي المعتاد المتمثل في الانتقال إلى مكتب شركتك في مركز دبي التجاري العالمي، في هذا السيناريو يطرح محللو بيرنشتاين سؤالًا جوهريًا: هل يهمك حقًا الوسيلة التي ستستخدمها للوصول إلى وجهتك؟ هل ستفضل أوبر، أو كريم، أو سيارة أجرة، أم خدمة سيارات المطار؟ على الأرجح، الإجابة هي لا. ما يهمك حقًا هو تحقيق أقصى قدر من الكفاءة، وهو الوصول إلى مركز دبي التجاري العالمي بأسرع وقت، وبأقل تكلفة، وبأعلى مستوى من الراحة. وهنا يبرز دور وكيل الذكاء الاصطناعي الشخصي، تخيل أن هذا الوكيل قادر على تنظيم عملية الانتقال بأكملها نيابة عنك، دون الحاجة إلى تدخل منك، ومن ثم؛ سيغير هذا التحول كيفية تفاعلنا مع الإنترنت بطريقة جذرية، إذ لن تكون هناك حاجة لإجراء عمليات بحث تقليدية عبر محركات البحث مثل جوجل، بل قد لا تحتاج حتى إلى استخدام هاتفك الذكي. ويؤكد محللو بيرنشتاين أن الشركات التي تسيطر حاليًا على خدمات النقل التشاركي، مثل أوبر وليفت، تعتمد على التحكم في العرض، ولكن مع ظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي، سيجري توحيد الطلب، وسيتولى الوكيل مهمة اختيار أفضل الخيارات المتاحة. ويعني ذلك أنك قد لا تحتاج أبدًا إلى فتح تطبيق النقل التشاركي مرة أخرى، إذ سيتولى وكيلك مهمة اختيار أفضل الخيارات المتاحة، بناءً على تفضيلاتك وظروفك. صراع العمالقة.. من يسيطر على وكلاء الذكاء الاصطناعي؟ يشير محللو الإنترنت مارك شموليك ونيخيل ديفناني إلى أن وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يمثلون ذروة التطور في العلاقة بين شركات التكنولوجيا والمستهلكين، فبدلًا من التفاعل المباشر مع المواقع والتطبيقات، سيصبح وكيل الذكاء الاصطناعي بمنزلة نقطة اتصال مركزية يجري من خلالها توجيه جميع الخدمات والمحتوى. ويعني ذلك أن الشركات التي تسيطر على هذه البوابة الرقمية الجديدة ستتمكن من فرض رسوم على المزودين الآخرين، على غرار الرسوم التي تفرضها جوجل على إعلانات البحث أو آبل على تطبيقات متجرها. ويرى شموليك أن وكلاء الذكاء الاصطناعي قد يتجاوزون دورهم كوسيط لتجميع المحتوى، ليصبحوا أسواقًا قائمة بذاتها، مما يهدد بتقويض دور الوسطاء التقليديين، مما يدفع شركات التكنولوجيا الكبرى والناشئة إلى التنافس الشديد للسيطرة على هذه البوابة الرقمية المستقبلية. وقد بدأت بالفعل بعض الشركات بتطوير وكلاء ذكاء اصطناعي، ففي أواخر يناير الماضي، أطلقت شركة (OpenAI) وكيل ذكاء اصطناعي شامل يُسمى (Operator)، الذي يستخدم متصفح ويب لتنفيذ مهام نيابة عن المستخدمين، مثل حجز الرحلات وشراء المنتجات. ويمكن للمستخدمين اختيار المواقع التي يرغبون في استخدامها، أو الاعتماد على محركات البحث مثل جوجل، ولكن العلاقة المباشرة في هذه الحالة تكون بين وكيل OpenAI والمستخدم، مما يقلل من أهمية محركات البحث التقليدية. ولم تقف جوجل مكتوفة الأيدي، بل أطلقت (مشروع مارينر) Project Mariner، الذي يستند في عمله إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة Gemini من جوجل، والذي يُعدّ امتدادًا تجريبيًا لمتصفح كروم، ويمكنه استخدام المتصفح وتنفيذ المهام عبره تلقائيًا. ويُعدّ مشروع Mariner، إنجازًا كبيرًا في مجال أتمتة مهام الويب، فقد حقق هذا المشروع نتائج مذهلة بنسبة نجاح بلغت 83.5% في معيار WebVoyager، وهو معيار صارم يقيس قدرة العميل على تنفيذ مهام الويب المعقدة في بيئة واقعية. كما كشفت شركة (أنثروبيك) Anthropic عن أداة مماثلة تُسمى (Computer Use)، التي تمكن نموذج (Claude 3.5 Sonnet) من استخدام الحاسوب بشكل مشابه للبشر. وفي تجربة عملية لتوضيح قدرات الأداة، طلب فريق من المهندسين من الأداة طلب كمية من الطعام تكفي لإطعام مجموعة، وقد اختار الوكيل الذكي بنحو مستقل، طلب البيتزا. وأوضح أليكس ألبرت، رئيس قسم علاقات المطورين في أنثروبيك، أن الوكيل تصفح تطبيق DoorDash عبر الإنترنت، وبعد نحو دقيقة، قرر نموذج كلود أن يطلب لنا بعض البيتزا'. ويوضح ذلك قدرة الوكيل على تنفيذ مهام معقدة بنحو مستقل، من تصفح التطبيقات إلى اتخاذ قرارات الشراء. وفي خطوة لتعزيز هذه القدرات، أطلقت أنثروبيك نموذج (Claude 3.7 Sonnet) الذي يتميز بتقديم نهج تفكير هجين، إذ يهدف هذا النموذج الجديد إلى تحسين قدرة الوكيل على فهم السياقات المعقدة واتخاذ قرارات أكثر دقة وذكاءً. كما تعمل شركات أخرى، مثل Perplexity، على تطوير أدوات مماثلة. وقد تُقدم هذه الوكلاء عبر أجهزة جديدة تعتمد على الصوت، مثل نظارات ميتا الذكية، أو نظارة (Vision Pro) من آبل، أو هواتف أندرويد وأجهزة كروم بوك، التي تعمل بنماذج (Gemini) من جوجل. هل هناك مستقبل يتجاوز وكلاء الذكاء الاصطناعي؟ بينما تثير فكرة وكلاء الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية في عالمنا الرقمي، يطرح سؤال حاسم: هل تمثل هذه التقنية قمة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي والاتصال الرقمي؟ الإجابة ربما لا. إذ تتجه الأنظار نحو شركة (نيورالينك) Neuralink، التابعة لإيلون ماسك، التي تسعى إلى تحقيق قفزة نوعية في هذا المجال من خلال تطوير شرائح إلكترونية قابلة للزرع في أدمغة البشر. وتهدف هذه التقنية الطموحة إلى إنشاء رابط مباشر وغير قابل للكسر بين الشركات والمستهلكين، إذ يمكن للشريحة قراءة أفكار المستخدمين ورغباتهم واحتياجاتهم مباشرة من أدمغتهم، بدلًا من الاعتماد على التحليلات المعقدة لسلوكيات المستخدمين عبر محركات البحث وتطبيقات الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. قد يبدو هذا السيناريو وكأنه ضرب من الخيال العلمي، ولكنه ليس كذلك، لأن المسؤولون التنفيذيون في شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل جوجل، يتحدثون عن هذا الاحتمال منذ سنوات. ففي عام 2010، ناقش هال فاريان، كبير خبراء الاقتصاد في جوجل، هذا المفهوم مع مجلة ذا أتلانتيك، مشيرًا إلى أن زراعة الشرائح في الدماغ قد تكون الخطوة المنطقية التالية في تطور محركات البحث. وأوضح فاريان رؤيته قائلًا: 'نحن الآن نبحث عن المعلومات عبر جوجل باستخدام الحواسيب والهواتف الذكية. ولكن في المستقبل، قد ننتقل إلى مرحلة جديدة، وهي زراعة الشرائح في الدماغ'. الخلاصة: يشهد عالم التكنولوجيا تحولًا غير مسبوق مع صعود وكلاء الذكاء الاصطناعي، إذ سيغير هذا التطور الواعد الطريقة التي نتفاعل بها مع الإنترنت، ويفرض تحديات جديدة على شركات التكنولوجيا الكبرى. ولكن يبقى السؤال الأهم هو كيف سنتعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة، وكيف سنتأكد من أنها تستخدم لصالح البشرية جمعاء؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store