logo
فرص تركيا التاريخية بعد الزلزال السوري

فرص تركيا التاريخية بعد الزلزال السوري

الجزيرة١٨-٠٢-٢٠٢٥

بات من المقطوع به أن التغير الجذري في سوريا ألقى بظلاله على المنطقة برمتها، وأن تركيا كانت في مقدمة الأطراف الخارجية المستفيدة من تغير النظام في دمشق. تتنوع المكاسب التركية بين السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، ولكن من بين الأهم بينها نفوذها الإقليمي وثقلها الإستراتيجي في المنطقة.
جاء تغيير النظام في سوريا في توقيت مناسب جدًا لتركيا مما عظّم مكاسبها، لأسباب ذاتية وموضوعية، حيث كان سبقه عدة تطورات عالمية وإقليمية، فضلًا عن تغير مقاربة تركيا لسياستها الخارجية.
فمنذ تأسيس الجمهورية، بنت أنقرة سياستها الخارجية على فكرة الانكفاء على الداخل والتي تختصرها مقولة مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك "سلام في الوطن، سلام في العالم". ولذلك حرصت لعقود طويلة على تجنب الانخراط في صراعات خارجية خوفًا من الاستدراج والاستنزاف، وكان التدخل لحماية القبارصة الأتراك في 1974 ضمن "عملية السلام" استثناءً يثبت هذه القاعدة بالنظر إلى أنها لا تنظر لقبرص كقضية "خارجية" وإنما "الوطن الصغير" أو "الوطن الابن".
المفارقة أن تداعيات الثورة السورية في سنواتها اللاحقة كانت ضمن أهم الأسباب التي دفعت تركيا لتغيير فلسفة سياستها الخارجية والتحول من الاعتماد حصرًا على القوة الناعمة نحو بعض أدوات القوة الخشنة، فكانت "درع الفرات" في 2016 العملية الأولى التي دشنت سردية "التدخل الحمائي" أو الدفاعي بدل سردية "تجنب الغرق في المستنقع السوري". ثم تبعها عمليات عسكرية عديدة في سعي لتقويض إمكانات تشكيل كيان سياسي لمنظمات ترتبط بالعمال الكردستاني، وبالتالي تراه تركيا "ممرًا إرهابيًا" على حدودها.
قضت النظرية العسكرية والأمنية الجديدة بانتهاج الحرب الاستباقية و"تجفيف منابع الإرهاب في مصادره"، كما دفعت لعمليات عسكرية متقدمة في عمق الأراضي العراقية ضد معاقل الكردستاني، وإنشاء قواعد عسكرية في العراق وقطر والصومال، والتدخل في نزاعات إقليمية كما في ليبيا وجنوب القوقاز، إضافة لتطوير الصناعات الدفاعية، وخاصة قطاع المسيّرات بحيث أصبحت الصناعة المحلية الركن الرئيس في تسليح الجيش التركي، وأدخلت تركيا نادي الدول المصدرة للسلاح.
تطورات إقليمية ودولية
عظّم ذلك الثقل الجيوسياسي لتركيا في المنطقة، ولكن تثمير ذلك سياسيًا وكنفوذ بقي محدودًا؛ بسبب علاقات أنقرة المتراجعة مع عدد من القوى الإقليمية، وقد كان ذلك ضمن عدة أسباب دفعت لتهدئة مسارات السياسة الخارجية، وتحسين العلاقات مع الأطراف المذكورة ابتداءً من 2021، وفي مقدمتها السعودية والإمارات ومصر.
كما أن توتر علاقات أنقرة بعدد من القوى الغربية ونزوعها نحو استقلال نسبي في سياستها الخارجية، رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وملف طلب عضوية الاتحاد الأوروبي، عرّضاها لانتقادات غربية وتعالت بعض الأصوات المتطرفة المطالبة بإخراجها من الناتو.
وفي الملف السوري، أحد أهم ساحات التنافس الجيوسياسي الإقليمي، بقيت أنقرة في موقف دفاعي بعد هدوء الأوضاع الميدانية، فتم بالتدريج تصفية مناطق خفض التصعيد من أربعة لواحدة، بل وفككت تركيا نفسها بعض نقاط مراقبتها وفق اتفاق سوتشي؛ بسبب حصار النظام لها.
جاء متغيران مهمان غيّرا هذه المعادلات بدرجة كبيرة. أولهما الحرب الروسية – الأوكرانية التي أكدت أهمية تركيا بالنسبة للغرب، فهي جارة لهما من البحر، وقادرة على التواصل مع كلتيهما، فضلًا عن سيطرتها على المضايق. كما أن الحرب أعادت تعريف التهديدات لأوروبا ودور تركيا في مواجهتها، وهو ما ذكره أكثر من مسؤول غربي صراحة، كما ورد على لسان رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس خلال لقائه بأردوغان.
ثم جاءت معركة "طوفان الأقصى" التي قلبت المعادلات في المنطقة، ابتداءً بتقويضها للعقيدة الأمنية "الإسرائيلية" بمختلف ركائزها، مرورًا بتمددها في المنطقة، وخصوصًا توسيع "إسرائيل" لمناطق احتلالها في سوريا وتهديدها بمهاجمة إيران، وهو ما عدّته أنقرة تهديدًا للاستقرار الإقليمي، ولها بشكل مباشر، وليس انتهاءً بتغير توازن القوى الإقليمي.
سوريا: فرص ومخاطر
في سياق المتغيرات سالفة الذكر، وفي ظل الاستعصاء في الملف السوري الذي دفع أردوغان لعرض تطبيع العلاقات على الأسد، جاءت "ردع العدوان" التي أسقطت النظام وأدت لانقلاب كبير في توازنات الملف السوري والمنطقة، وخصوصًا فيما يتعلق بالثلاثي التركي – الروسي – الإيراني.
فقد أتى نظام صديق لتركيا عكس السابق، وتعوّل أنقرة على تعاون اقتصادي وتجاري وفي ملف إعادة الإعمار مع دمشق، وعلى دور مهم تلعبه في إعادة هيكلة المؤسسات السورية ولا سيما العسكرية والأمنية، وتستشرف فرصة تاريخية لإنهاء ملف العمال الكردستاني داخليًا وفي سوريا، وباتت الطرف الأكثر قربًا في المواقف والتوجهات مع سوريا الجديدة وبمثابة المظلة الإقليمية لها.
في المقابل، انكفأت روسيا في سوريا نحو قواعدها العسكرية بعد أن كانت صاحبة النفوذ الأكبر فيها، ولا سيما في ظل انشغالها بالحرب في أوكرانيا، وتثار علامات استفهام حول مستقبل هذه القواعد والتي تتجاوز أهميتها الجغرافيا السورية بعدِّها بوابة للوجود الروسي في ليبيا ثم عمق القارة الأفريقية، ما يعني أنها مفتاح مهم للنفوذ الروسي في المنطقة والعالم.
أما إيران فخرجت بشكل شبه كامل من الملف السوري، وتواجه سياسة دولية – إقليمية بمحاصرتها وتقليم أظفارها في الإقليم، متمثلة بسياسة الضغط الأقصى التي يبدو أن ترامب سيعود لها، وتهديدات نتنياهو المستمرة بمهاجمة مشروعها النووي لـ "استكمال المهمة"، فضلًا عن الضغوط على حلفائها وشركائها في كل من لبنان والعراق.
يعني ذلك علو يد أنقرة على كل من موسكو وطهران (وغيرهما) في الملف السوري، وهو أمر سيكون له تأثيره وتداعياته على عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك لهذه الدول، وفي مقدمتها ليبيا والقوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود والبلقان وربما العراق.
كما أن احتمال ترسيم الحدود البحرية بين سوريا وتركيا يقوي أوراق الأخيرة في مواجهة التحالف الذي تقوده غريمتها اليونان بخصوص ثروات شرق المتوسط، لا سيما مع الاتفاق مع ليبيا في 2019 وتحسن العلاقات مع مصر مؤخرًا.
وأخيرًا، فإن كل ما سبق يعزز أوراق القوة التركية في العلاقات مع إدارة ترامب، وخصوصًا فيما يرتبط بالوجود الأميركي العسكري في سوريا ودعم قسد، وهو ما رشحت بشأنه تصريحات تشير إلى عودة ترامب لفكرة سحب قوات بلاده أو على الأقل تخفيفها، وهو عنصر قوة كبير جدًا لتركيا التي تضع ملف قسد في رأس أولوياتها.
يعني كل ما سبق أن أنقرة اليوم مع الزلزال السوري الأخير في ذروة نفوذها الإقليمي وموقعها في التنافس الجيوسياسي مع مختلف اللاعبين في المنطقة، وأنها أمام فرصة تاريخية لتأسيس أمر واقع يبنى عليه معطيات تستمر لعقود قادمة إن كان في سوريا عمومًا أو ما يرتبط بملف العمال الكردستاني على وجه الخصوص.
لكنها ليست طريقًا مفروشة بالورود، بل تكتنفها تحديات كبيرة ومخاطر ليست بالسهلة. فرغم أن أنقرة قدمت رسائل طمأنة ضمنية لمختلف الأطراف بعدم التفرد في سوريا، وهو ما أكده وزير خارجيتها هاكان فيدان في ميونخ بشكل صريح، فإن توجس بعض القوى الإقليمية منها ليس خافيًا.
بعض التصريحات الرسمية وغير الرسمية في كل من موسكو وطهران في أول أيام "ردع العدوان" تضمنت اتهامات بـ "الخداع والخيانة"، وشخص مثل ألكسندر دوغين هدد أردوغان بـ "دفع ثمن" ما حصل لروسيا في سوريا.
كما أن ملف قسد ليست له نهاية واحدة محتملة فقط، رغم تعزز أوراق تركيا وتوافق القيادة السورية الجديدة معها في توحيد الأراضي والمؤسسات السورية، ذلك أن دمشق لا تبدو في عجلة من أمرها لإنهاء الملف، وترامب غير مضمون المواقف والتوجهات، ما يترك الملف معلقًا في المرحلة الحالية على أهميته وحساسيته بالنسبة لأنقرة.
ويبرز الاحتلال "الإسرائيلي" كمهدد كبير لتركيا وسوريا معًا، إذ يحرض ضد قيادة الأخيرة، ويرجّح سيناريوهات التقسيم، ويتواصل مع قسد وغيرها من "حلفائه الطبيعيين" كما يدعي، بعد أن قوّض الكثير من إمكانات الدولة السورية ووسع احتلاله لأراضيها، ما جعله على حدود تركيا عمليًا ومهددًا مباشرًا لها.
يضاف لذلك تقرير لجنة "ناجل" التي أوصت بالاستعداد لإمكانية المواجهة العسكرية مع تركيا بعد سنوات، فضلًا عن أن موقف "إسرائيل" قد يكون مدخلًا لتغيير الموقف الأميركي من أنقرة.
وختامًا، فإن المكاسب الكثيرة والكبيرة لتركيا رهن باستقرار الأوضاع في سوريا ونجاحها في اجتياز المرحلة الانتقالية، بينما قد يرتد أي تعثر أو فشل أو فوضى أو تدخل خارجي على تركيا بشكل سلبي، بعد أن اندفعت بشكل كلي خلف الحالة الجديدة في سوريا. ولذلك كان خطاب تركيا وممارستها وتوجهاتها هادئة وحذرة وإيجابية تجاه مختلف الأطراف، في سعي لإنجاح المسار من جهة، وتقليل تداعيات أي تعثر فيه من جهة أخرى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ضغوط دولية على إسرائيل بسبب تجويع غزة
ضغوط دولية على إسرائيل بسبب تجويع غزة

أخبار قطر

timeمنذ 31 دقائق

  • أخبار قطر

ضغوط دولية على إسرائيل بسبب تجويع غزة

تضاعفت النبرة اليوم الأربعاء في التصريحات والمواقف الدبلوماسية المدانة لسياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل في قطاع غزة، مع المطالبة بوقف الحرب وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. يعاني القطاع من حصار مستمر منذ الثاني من مارس/آذار الماضي. إسرائيل تواجه أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بسبب تصعيدها الحرب على غزة، حيث تصف الهيئة الإسرائيلية للبث الأحداث بأن ما يحدث 'تسونامي دبلوماسي'. تراجعت موقع إسرائيل الدبلوماسي عالميًا بسبب انتقادات متزايدة لسياسة الحرب في غزة. بريطانيا استدعت ٣ وزراء مسؤولين عن صادرات الأسلحة إلى إسرائيل للاستجواب بشأن مخاوف من استخدام الأسلحة في غزة. كما تعهدت بتقديم مساعدات بقيمة تزيد عن ٥ ملايين دولار. أعلنت عن إجراءات ضد إسرائيل تشمل عقوبات وتعليق بيع الأسلحة والتجارة الحرة. أيرلندا سترفع مذكرة للحكومة لإقرار تشريع يمنع استيراد البضائع من الأراضي الفلسطينية المحتلة. أيضًا، ترحب بمراجعة الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل. فرنسا تدعم الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وتقديم المساعدات. تفكر في توسيع العقوبات بسبب انتهاكات إسرائيل في غزة. تطالب بإدخال المساعدات ووقف العمليات العسكرية. بلجيكا ودول أوروبية أخرى تنظر في فرض عقوبات على إسرائيل وتدعم إيصال المساعدات لغزة. تعبر عن قلقها من الوضع الإنساني في القطاع. النرويج تدعو الجماعة الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل لتغيير سلوكها في غزة. تحث على زيادة الضغط لوقف إطلاق النار. إسبانيا تطالب بحظر بيع السلاح لإسرائيل وفرض عقوبات عليها. ألمانيا تعرب عن قلقها البالغ تجاه الوضع الإنساني في غزة وتبقي خطوط الاتصال مفتوحة مع إسرائيل. البرتغال وبابا الفاتيكان يدعوان إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل فوري. مواقف دولية تندد بسياسة التجويع والحرب في غزة، مطالبة بالتدخل العاجل لإنقاذ الوضع الإنساني في القطاع.

تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

جريدة الوطن

timeمنذ 35 دقائق

  • جريدة الوطن

تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

غزة- قنا- الأناضول- يواصل الكيان الإسرائيلي تصعيد عدوانه على قطاع غزة المحاصر، غير آبه بالتحركات والمناشدات الدولية المتكررة التي تحذر من تفاقم الكارثة الإنسانية. وتشنّ طائرات الاحتلال غارات عنيفة تستهدف منازل ومناطق سكنية في مختلف أنحاء القطاع، وسط عمليات نسف لأحياء بأكملها، ما يزيد من أعداد الضحايا والدمار. وفي ظل الحصار المفروض، يتدهور الوضع الإنساني بسرعة، مع تعمّق أزمة الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية في معظم المناطق. ورغم الإدانات الدولية، لا تزال حكومة الاحتلال الإسرائيلي ماضية في توسيع عملياتها العسكرية. وقد أفادت وسائل إعلام فلسطينية، بوقوع عشرات الشهداء، أمس الأربعاء، في قصف إسرائيلي على مناطق القطاع، لا سيما جباليا شمالا وخان يونس جنوبا. وتتزايد المواقف الدولية التي تعكس تحوّلا في لغة الخطاب تجاه إسرائيل. فقد أعلنت بريطانيا، استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن تسيبي حوتوفلي للاستجواب الرسمي، كما قررت تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع تل أبيب احتجاجا على ما وصفته بـ«توسيع حرب الإبادة» ضد الفلسطينيين في غزة. من جهتها، أعلنت السويد عن تحرّك دبلوماسي داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء في الحكومة الإسرائيلية، في خطوة تعكس تنامي الغضب الأوروبي من استمرار الانتهاكات وغياب أي التزام بالمساءلة الدولية. أما في الولايات المتحدة، فقد نقل موقع والاه العبري عن مسؤولين اثنين في البيت الأبيض قولهما إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشعر بـ«إحباط متزايد» من استمرار الحرب، وبـ«فزع» خاصة من صور الأطفال الفلسطينيين ومعاناتهم في غزة. وتواصلت مجازر الاحتلال الإسرائيلي أمس الأربعاء، ما أدى إلى وقوع شهداء وجرحى ومفقودين، خلال قصف منازل مأهولة في مناطق متفرقة بقطاع غزة، وذلك في إطار حرب الإبادة الوحشية المتسمرة منذ 20 شهرا. واستشهد 51 فلسطينيا، بينهم نساء وأطفال، في تصعيد شمل استهداف «مستشفى العودة» ضمن الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد القطاع منذ 20 شهرا. وقالت مصادر طبية وأخرى في الدفاع المدني لمراسل الأناضول إن الهجمات الإسرائيلية طالت منازل في شمال ووسط وجنوب القطاع، فيما لا تزال طواقم الدفاع المدني والطواقم الطبية تبحث عن مفقودين تحت الأنقاض. وفي أحدث الغارات، استشهد 6 فلسطينيين جراء قصف بطائرة مسيرة استهدف تجمعا للمواطنين بشارع النفق في مدينة غزة، بحسب مصادر طبية.. كما أعلنت إدارة «مستشفى العودة» في تل الزعتر بمخيم جباليا، شمالي القطاع، أن قصفا مدفعيا إسرائيليا استهدف الطابق الثالث من المستشفى، دون أن توضح حجم الأضرار أو ما إذا كانت هناك إصابات بشرية. وخلال الساعات الماضية، أفادت المصادر الطبية أن فرق الإنقاذ من الدفاع المدني انتشلت 15 جثمانا من تحت أنقاض منازل تعرضت للقصف الليلة الماضية. في شمال قطاع غزة، استشهد 12 فلسطينيا وأصيب آخرون بينهم أطفال جراء استهدف منزلين في بلدة جباليا، وفق ما أفاد به مصدر طبي لمراسل الأناضول. وذكر شهود عيان أن طواقم الإنقاذ تواصل البحث عن مفقودين تحت أنقاض المنزلين. كما استشهد 7 فلسطينيين جراء قصف بطائرة مسيرة استهدف تجمعا للمواطنين في بلدة جباليا، بحسب مصادر طبية. وفي مدينة دير البلح وسط القطاع، استشهد 5 فلسطينيين بينهم طفل رضيع، وأصيب 10 آخرون بقصف استهدف منزلا. وفي مخيم النصيرات استشهد طفلان فلسطينيان جراء قصف جوي إسرائيلي استهدف منطقة تبة النويري غرب مخيم النصيرات وسط القطاع، بحسب بيان صادر عن مستشفى العودة. أما في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، فأسفر قصف إسرائيلي عن مقتل 4 فلسطينيين وإصابة آخرين، إضافة إلى وجود مفقودين، إثر استهداف منزل لعائلة «المصري» قرب محطة التحلية شرق المدينة. من جهة أخرى قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن ألوية عسكرية إضافية انضمت إلى الحرب على قطاع غزة، في إطار توسيع العمليات البرية تطبيقا لخطة توسيع احتلال القطاع وتهجير سكانه. وأضافت: «يوسع الجيش الإسرائيلي نطاق قواته في قطاع غزة، بدخول ألوية إضافية إلى أراضي قطاع غزة الليلة الماضية للمشاركة في المناورة البرية كجزء من عملية عربات جدعون». ووفق إعلام عبري رسمي، فإن هدف العملية التي أُقرت مطلع الشهر الجاري ومن المرجّح أن تستمر لأشهر هو «الإخلاء الشامل لسكان غزة بالكامل من مناطق القتال، بما في ذلك شمال غزة، إلى مناطق في جنوب القطاع»، على أن «يبقى» الجيش في أي منطقة «يحتلّها». وذكرت إذاعة الجيش أن «من بين الألوية التي دخلت القتال في مناطق مختلفة من قطاع غزة الليلة قبل الماضية لواء ناحال ولواء غولاني».

هل تنجح "خارطة الطريق" الأوروبية في فك الارتباط بإمدادات الطاقة الروسية؟
هل تنجح "خارطة الطريق" الأوروبية في فك الارتباط بإمدادات الطاقة الروسية؟

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

هل تنجح "خارطة الطريق" الأوروبية في فك الارتباط بإمدادات الطاقة الروسية؟

بعد أكثر من 3 سنوات من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا ، توصلت المفوضية الأوروبية أخيرا إلى طرح "خارطة طريق" للتخلي التدريجي عن الطاقة الروسية بحلول عام 2027. وقد تم وضع هذا الهدف منذ بدء الحرب في عام 2022 للحد من التبعية الطاقية لروسيا وقطع الطريق على مصادر تمويل نفقات الدفاع الروسية، ومن المتوقع أن يدرس البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2025 مقترحات تشريعية لتطبيق بنود خارطة الطريق، حيث يتعين مبدئيا أن تحظى التشريعات في النهاية بموافقة كاملة من الدول الأعضاء لدى التصويت عليها. ومع ذلك، تحيط بالخارطة الجديدة العديد من الشكوك بشأن فرص نجاحها في الواقع، في ظل استمرار اعتماد بعض الدول الأوروبية على سوق الطاقة الروسي، إضافة إلى الانقسامات السياسية داخل الاتحاد وصعوبات موضوعية تعيق الاستغناء التام عن الغاز والنفط الروسيين. يسلط هذا التقرير الضوء على تراجع ارتباط أوروبا بإمدادات الطاقة الروسية، ويفحص احتمالات نجاح خطة الانفصال النهائي عن هذه العلاقة الحيوية. تراجع كبير للإمدادات من روسيا قبل طرح "خارطة الطريق"، بدأت دول التكتل الأوروبي منذ 2022 بالحد بشكل كبير من وارداتها الطاقية من روسيا عبر إيقاف واردات الفحم الروسي، الذي كان يمثل قرابة نصف إجمالي الاستهلاك في دول الاتحاد. وفي العام نفسه، خفّض الاتحاد وارداته النفطية من روسيا بنسبة تقارب 90%، لتنخفض حصة النفط الروسي إلى 3% فقط من إجمالي الواردات الأوروبية، مقارنة بنسبة 27% قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا. ويقر المفوض الأوروبي للطاقة والإسكان، دان يورغنسن، بأن واردات الاتحاد من الغاز الروسي منذ عام 2022 تجاوزت قيمة المساعدات التي قدمتها دول الاتحاد لأوكرانيا خلال الحرب. وأوضح، بحساب تقريبي، أن قيمة مشتريات أوروبا من الغاز الروسي تعادل تكلفة شراء 2400 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35". وبشكل عام، تراجع الاعتماد الأوروبي على واردات الغاز الروسي منذ 2022 بنسبة 19% من إجمالي احتياجاتها في عام 2024، مقارنة بـ45% في عام 2021. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى نحو 13% في عام 2025، وفق ما تخطط له المفوضية الأوروبية في "خارطة الطريق". وفي تقدير الخبير في شؤون الاتحاد الأوروبي حسين الوائلي، فإن التخلص من اعتماد أوروبا على الغاز والنفط الروسيين بات ممكنا، خاصة مع التراجع الكبير في حجم الواردات الروسية، إلى جانب توجه الاتحاد الأوروبي المتزايد نحو مصادر الطاقة المتجددة، وهي سياسة بدا تطبيقها بالفعل بهدف تجاوز نسبة 42% بحلول عام 2030. ويشير الوائلي في تحليله للجزيرة نت إلى أن هناك إصلاحات تشريعية مرتقبة في البرلمان الأوروبي ضمن إستراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية عبر سنّ قوانين ملزمة. من جانبه، يربط الباحث والمحلل الاقتصادي كانغان هالدر، في تحليل على موقع "بابرجام" المتخصص في أسواق المال، هذا التراجع الملحوظ في الاعتماد على الغاز الروسي إلى الجمع بين خفض واردات خطوط الأنابيب وزيادة تنويع مصادر الإمدادات، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة والنرويج وأذربيجان. ويشير هالدر أيضًا إلى أن التطور السريع لمحطات إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية في دول مثل ألمانيا وهولندا وفنلندا يعكس إرادة سياسية قوية، وقدرة مؤسساتية على تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. وفي هذا السياق، تسعى المفوضية الأوروبية إلى المضي قدما في سياسة فك الارتباط التدريجي، وصولا إلى الانفصال الكامل عن الغاز والنفط الروسيين، من خلال تشريعات داعمة لخارطة الطريق الأوروبية. ماذا تتضمن خارطة الطريق؟ تتضمن خارطة الطريق التي طرحتها المفوضية الأوروبية 9 إجراءات رئيسية، من أبرزها: إلزام مشترِي الغاز الروسي بالإفصاح عن معلومات عقود الاستيراد، وتبادل المعلومات بشكل منتظم بين السلطات الجمركية والهيئات العامة المعنية. التزام الدول الأعضاء بوضع خطط وطنية واضحة تتضمن إجراءات وجدولا زمنيا محددا للتخلي عن الغاز الروسي، على أن يتم تقديم هذه الخطط بحلول نهاية عام 2025. حظر استيراد الغاز الروسي بموجب عقود جديدة وعقود فورية قائمة بحلول نهاية 2025، إضافة إلى وقف الاستيراد بموجب عقود طويلة الأجل بحلول نهاية 2027 كحد أقصى. فرض قيود على العقود الجديدة لاستيراد اليورانيوم واليورانيوم المخصب وغيره من المواد النووية ذات المنشأ الروسي. استمرار العقوبات وتطبيقها على الكيانات و"السفن الشبح" التي يُشتبه في نقلها للنفط الروسي بطرق غير مشروعة. أما بالنسبة للخطوات المقبلة، فتعتزم المفوضية تقديم مقترحات تشريعية إلى البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل، تمهيدا لتطبيق ملزم لخارطة الطريق على الدول الأعضاء. وفي هذا السياق، أكد يورغنسن أن الاتحاد يظهر اليوم قوته وعزيمته في مواجهة روسيا، مشيرًا إلى أن الرسالة واضحة: وضع حد لسياسات الابتزاز للدول الأعضاء، ومنع ضخ المزيد من الأموال في خزائنها، ووقف استيراد الغاز وحظر الأنشطة السرية للسفن. واعتبر يورغنسن أن هذه الإجراءات تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقلال الطاقي للاتحاد الأوروبي وإنتاج طاقة نظيفة بأسعار معقولة بدلا من استيراد الوقود الأحفوري باهظ الثمن. ورغم ذلك، تصطدم الإرادة الأوروبية بواقع مغاير تؤكده الأرقام. الأرقام تصب لمصلحة روسيا رغم التراجع الفعلي في إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، فإن بيانات هيئة الطاقة الأوروبية تظهر أن روسيا صدرت في عام 2024 نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى 10 دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 13 مليون طن من النفط لـ3 دول، وما يقارب 2800 طن من اليورانيوم المخصب أو على هيئة وقود إلى 7 دول أوروبية. وبالأرقام أيضا، لا تزال روسيا تحتفظ بموقع مهم في سوق الغاز الطبيعي المسال بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ تمثل صادراتها نحو 20% من إجمالي احتياجات الاتحاد من هذا المورد، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تغطي نحو 45%. فقد ضخت روسيا نحو 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2024، من إجمالي 100 مليار متر مكعب تم استيرادها، مما يوفر لها عائدات تقدر بمليارات اليوروهات. وتقر المفوضية الأوروبية بأن الغاز الروسي، حتى بعد التوقف المتوقع لعبوره عبر أوكرانيا بنهاية عام 2025، سيظل يشكل نسبة تقارب 13% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز. ويقول هالدر إن هذا التدفق المستمر للطاقة الروسية يعكس طبيعة الاعتماد الدائم عليها من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير تساؤلا جوهريا حول حقيقة الاستقلال الطاقي لدول التكتل". وهناك مظهران على الأقل يدعمان تلك التساؤلات: الأول يتعلق بدولتي المجر وسلوفاكيا اللتين تحتفظان بعلاقات وثيقة مع روسيا، إلى جانب دولة التشيك التي لا تزال جميعها تستفيد من إمدادات خط الأنابيب الروسي "درويجبا". والثاني أن موسكو تمكنت من وضع آليات للالتفاف على العقوبات الأوروبية، مما أدى إلى تقليص نطاق الحظر الأوروبي، وأعطى هذا نتائج مثمرة من حيث العائدات المالية. وتعتقد صحيفة "لوموند" الفرنسية في تحليل لها، أنه سيكون من الصعب على دول الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى العقوبات للقطع نهائيا مع واردات الطاقة الروسية. ووصفت خطتها الأخيرة بـ"المخاطرة" في الوقت الذي تحتاج فيه مثل هذه القرارات الى موافقة جماعية من كامل الدول الأعضاء بينما من المتوقع أن تعترض المجر عليه. ولم يتأخر رد الفعل المجري عند طرح خارطة الطريق، حيث وصف وزير الخارجية بيتر زيجارتو الخطوة بالـ"خطأ بالغ الخطورة". وتخطط المفوضة الأوروبية للجوء إلى آليات قانونية بديلة كالاكتفاء بتجميع الأغلبية من الأصوات بدل الأغلبية الكاملة. هل تملك أوروبا بدائل؟ لا توجد ضمانات حقيقية للاتحاد الأوروبي بشأن إمدادات بديلة للطاقة الروسية، ورغم التوقعات الكبيرة المعقودة على الغاز الأميركي، فإن استمرار المفاوضات الرامية لتفادي حرب تجارية مع واشنطن يثير مخاوف لدى خبراء أوروبيين من احتمال الوقوع في تبعية جديدة لحليف متقلب. وأشارت تقارير أوروبية إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مارس في مطلع أبريل/نيسان ضغوطًا كبيرة على الأوروبيين لتوقيع عقود ضخمة لاستيراد الطاقة الأميركية، تصل قيمتها إلى نحو 350 مليار دولار. وقد حذرت عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر ماري توسان من خطر "استبدال إدمان بإدمان آخر"، بينما قال مفوض الطاقة يورغنسن "نحن لا نريد أن نكون معتمدين على أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة". ويقول الوائلي للجزيرة نت: "نلاحظ رغبة أميركية للهيمنة على الواردات الأوروبية من الغاز، لكن أوروبا يمكنها أن تذهب في اتجاهات متعددة، لديها قطر وأذربيجان والنرويج والمملكة المتحدة إلى جانب الجزائر". وأضاف الوائلي أن الاتحاد الأوروبي يمضي قدما نحو هدفه، لكن لا يمكن التغافل عن بعض العراقيل التي تتمثل أولا في الدول الأعضاء، مثل سلوفاكيا والمجر ودول أخرى لديها رغبة في الإبقاء على علاقات وطيدة مع الروس". إلى جانب ذلك، يلفت خبراء إلى أن إقدام الشركات الأوروبية على إنهاء عقود الغاز الروسية من طرف واحد، قد يعرضها لدعاوى قضائية وعقوبات مالية، نظرًا للحماية التي توفرها القوانين الدولية لهذه العقود. وفي نظر الباحث هالدر، يحد هذا الواقع القانوني من قدرة الاتحاد الأوروبي على الانسحاب الكامل من الغاز الروسي على المدى القصير والمتوسط، بغض النظر عن النوايا السياسية. كما يشير إلى أن وتيرة الانتقال الطاقي في أوروبا أبطأ من المطلوب لتحقيق الاستقلال الكامل، إذ تتوقع خارطة الطريق الأوروبية إنتاج 35 مليار متر مكعب من الميثان الحيوي بحلول 2030، بينما لم يتجاوز الإنتاج في 2023 سوى 3.5 مليارات متر مكعب فقط. ويضيف هالدر في تحليله: "رغم تزايد الاستخدام الواسع النطاق للمضخات الحرارية وكهربة أنظمة التدفئة في أوروبا الغربية، فإن هذه التقنيات لا تزال غير كافية لاستبدال الاحتراق عالي الحرارة اللازم للصناعات الثقيلة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store