أحدث الأخبار مع #درعالفرات


وكالة أنباء تركيا
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- وكالة أنباء تركيا
رفض الفيدرالية ودعم الوحدة.. تركيا تدعم رسم خريطة سوريا الجديدة الموحدة (تقرير)
في ظل التحولات السياسية المتسارعة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات حاسمة تؤكد دعم تركيا للحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مشددًا على أن أي محاولة لزعزعة استقرار سوريا أو تقسيمها ستواجه ردًا قويًا من تركيا. وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رفض تركيا القاطع لأي محاولات لإقامة حكم فيدرالي في سوريا، خاصة من جانب تنظيمي PKK وPKK/PYD الإرهابيين. الرئيس أردوغان، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع للحكومة التركية في العاصمة التركية أنقرة يوم الثلاثاء 15 نيسان/أبريل 2025، أكد أن تركيا تقف إلى جانب الحكومة السورية الجديدة، وأن أي طرف يحاول 'إثارة الفتن' أو زعزعة استقرار سوريا سيجد نفسه في مواجهة تركيا. هذه التصريحات تأتي في وقت تشهد فيه سوريا مرحلة انتقالية حساسة بعد الإطاحة بنظام الأسد المخلوع، حيث تسعى أنقرة لتثبيت وجودها كداعم رئيسي في تشكيل مستقبل سوريا. وأشار أردوغان إلى أن عودة سوريا إلى ما قبل 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 'مستبعدة'، مؤكدًا أن عهدًا جديدًا قد بدأ، وأن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا، سواء عبر إنشاء 'ممر إرهابي' في الشمال على يد PKK/PYD الإرهابي، أو من خلال محاولات أخرى لإنشاء كيانات منفصلة. من جهته، شدد وزير الخارجية هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي في منتدى أنطاليا الدبلوماسي في أوائل نيسان/أبريل 2025، على أن تركيا لن تتسامح مع أي هيكل فيدرالي في سوريا، وأن أي تشكيل مسلح خارج إطار الجيش السوري الوطني لن يُسمح به. الأمن القومي ومكافحة 'الإرهاب' تعتبر تركيا أن وجود PKK/PYD الإرهابي، الذي يهيمن عليه PKK الإرهابي، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. أردوغان وفيدان أكدا مرارًا أن أنقرة لن تسمح بإنشاء كيان كردي مستقل أو فيدرالي على حدودها الجنوبية، معتبرين أن ذلك سيفتح الباب لتعزيز نفوذ PKK الإرهابي، الذي يشن تمردًا مسلحًا ضد تركيا منذ عقود. وأوضح إبراهيم خولاني، باحث مساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في تصريح لـ'وكالة أنباء تركيا' أن تصريحات أردوغان وفيدان تعكس 'موقفًا استراتيجيًا واضحًا من أنقرة لرسم خطوط حمراء في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد'. وأضاف خولاني أن 'تركيا تعتبر أي خطوة لإقامة كيان فيدرالي، خاصة من قبل قسد، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي بسبب الارتباط الوثيق بين قسد وحزب العمال الكردستاني'. وأشار إلى أن 'أنقرة تسعى من خلال هذه التصريحات إلى ترسيخ دورها كضامن أساسي لوحدة الأراضي السورية، وفرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات سياسية أو أمنية تخص مستقبل سوريا، خاصة في شمالها'. كما لفت حوراني إلى أن هذه التصريحات تحمل 'رسالة تحذير مبطنة' بأن تركيا لن تسمح بفرض أمر واقع على حدودها الجنوبية، سواء عبر دعم كيان كردي مستقل أو تجاهل المخاوف الأمنية التركية. ويرى مراقبون، أن تركيا التي نفذت عدة عمليات عسكرية في شمال سوريا منذ 2016، مثل 'درع الفرات' و'غصن الزيتون' و'نبع السلام'، تهدف إلى إقامة 'حزام أمني' خالٍ من القوات الكردية على حدودها، وتصريحات أردوغان الأخيرة تؤكد استمرار هذه السياسة، مع التركيز على دعم الحكومة السورية الجديدة لضمان وحدة الأراضي السورية ومنع أي محاولات انفصالية. الدور الإقليمي ومواجهة التدخلات الخارجية وتسعى تركيا إلى ترسيخ دورها كضامن لاستقرار سوريا، خاصة في مواجهة التدخلات الخارجية، لا سيما من الاحتلال الإسرائيلي، حيث اتهم أردوغان الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة 'نسف ثورة 8 ديسمبر' من خلال تأجيج الخلافات العرقية والدينية وتحريض الأقليات ضد الحكومة السورية. وتعكس هذه التصريحات قلق أنقرة من أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي الفوضى في سوريا لتعزيز نفوذها، خاصة في ظل الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أهداف في سوريا. الوزير فيدان، من جانبه، دعا إلى احترام سيادة سوريا، مشيرًا إلى أن الهجمات الإسرائيلية تشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى مواجهة النفوذ الأمريكي شمال شرق سوريا، حيث تدعم الولايات المتحدة PKK/PYD الإرهابي كحليف رئيسي في مكافحة تنظيم (داعش) الإرهابي. وأشار أردوغان إلى أن تركيا لا تتوقع استمرار التعاون الدولي مع 'التنظيمات الإرهابية' في سوريا، في إشارة واضحة إلى التحالف الأمريكي الكردي، إذ يعكس هذا الموقف رغبة أنقرة في إعادة تشكيل المعادلة الأمنية شمالي سوريا بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية. قضية اللاجئين والعلاقات الاقتصادية ويُعد ملف اللاجئين السوريين أحد الدوافع الرئيسية وراء التقارب التركي-السوري، حيث تستضيف تركيا حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري، وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على اقتصادها وسياستها الداخلية. الباحث السياسي رشيد حوراني أوضح في تصريح لـ'وكالة أنباء تركيا' أن تركيا حرصت بعد سقوط نظام الأسد المخلوع على 'إظهار دورها في سوريا بشكل كبير'، مشيرًا إلى مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر أنطاليا والاهتمام اللافت من المسؤولين الأتراك. وأضاف حوراني أن 'التقارب التركي مع النظام السوري الجديد يهدف إلى معالجة أمرين طارئين: الأول هو مشكلة اللاجئين وتداعياتها على الداخل التركي، والثاني هو تهديد الأمن القومي التركي من خلال قسد، التي تربطها تركيا بدعم نظام الأسد السابق لحزب العمال الكردستاني منذ ثمانينيات القرن الماضي'. وأكد حوراني أن تركيا ترى في النظام السوري الجديد 'علاقات تكامل' على عكس سياسة 'الاحتواء' التي اتبعتها مع نظام الأسد المخلوع في العقد الأول من الألفية، حسب تعبيره. واعتبر أن هذه العلاقات تشمل 'تعاونًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يعزز قوة تركيا إقليميًا، بما يتماشى مع سياسة النظام السوري الجديد الذي أظهر خلال الأشهر الأربعة الماضية رغبته في تسكين المشاكل مع الأطراف الإقليمية والدولية، والانطلاق نحو الاستقرار والنماء، وهو نموذج قريب من النهج التركي'. الدبلوماسية والتوافق الإقليمي وتأتي تصريحات أردوغان وفيدان في سياق دبلوماسي نشط، حيث تسعى تركيا إلى تعزيز تعاونها مع الأطراف الإقليمية مثل الأردن ودول الخليج لدعم استقرار سوريا. فيدان أشار إلى أن تركيا ستنسق مع الأردن ودول أخرى بشأن ملف (داعش) الإرهابي، مما يعكس رغبة أنقرة في بناء تحالفات إقليمية لمواجهة التحديات الأمنية. كما أن زيارة أردوغان المرتقبة إلى سوريا، التي أعلن عنها فيدان، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتأكيد التزام تركيا بدعم الحكومة السورية الجديدة. لقاء أردوغان مع الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش منتدى أنطاليا يعكس هذا التوجه، حيث أكد أردوغان خلال اللقاء على عدم السماح بافتعال الفوضى في سوريا. وهذا التقارب يعكس رؤية تركيا لنظام سوري جديد يتبنى سياسة 'تسكين المشاكل' والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو نموذج يتماشى مع النهج التركي في تعزيز الاستقرار والنمو في المنطقة. ردود الفعل والتداعيات تصريحات أردوغان وفيدان أثارت ردود فعل متباينة. من جهة، رحبت الحكومة السورية الجديدة بالدعم التركي، حيث يرى الرئيس أحمد الشرع في تركيا شريكًا استراتيجيًا يمكنه دعم استقرار سوريا. وعلى الصعيد الدولي، قد تواجه تركيا تحديات في تنفيذ رؤيتها، خاصة في ظل الدعم الأمريكي المستمر لـ PKK/PYD الإرهابي، ومع ذلك، فإن تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا بعد سقوط الأسد المخلوع يمنح تركيا فرصة لتعزيز دورها، خاصة إذا نجحت في بناء تحالفات إقليمية قوية. ووسط كل ذلك، تعكس تصريحات أردوغان وفيدان استراتيجية تركية متعددة الأبعاد تهدف إلى تعزيز الأمن القومي، مواجهة التدخلات الخارجية، وحل أزمة اللاجئين، مع ترسيخ دور أنقرة كلاعب رئيسي في سوريا. ويعكس رفض الحكم الفيدرالي ودعم وحدة الأراضي السورية، مخاوف تركيا من تهديدات PKKوPKK/PYD الإرهابيين، بينما تؤكد التصريحات على رغبة أنقرة في بناء علاقات تكامل مع النظام السوري الجديد. وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية، ستحتاج تركيا إلى توازن دبلوماسي دقيق لتحقيق أهدافها دون إثارة صراعات جديدة. ومع إعلان فيدان عن زيارة مرتقبة لأردوغان إلى سوريا، يبدو أن أنقرة عازمة على لعب دور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حسب مراقبين.


إيطاليا تلغراف
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
فرص شراكة أميركية-تركية في سوريا
إيطاليا تلغراف فادي حيلاني أكاديمي وباحث رئيسي في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تميزت السياسة التركية تجاه هذا الحراك الشعبي بتعدد أوجهها وتغير مساراتها، إذ انتقلت من دعم الإصلاحات السياسية والسعي إلى تغيير النظام في بداية الثورة، إلى التدخلات العسكرية المباشرة لاحقًا، لا سيما ضد القوى الكردية في شمال سوريا. وقد أفضى هذا التدخل إلى تداعيات عميقة على العلاقات التركية- الأميركية، حيث وجدت أنقرة نفسها في معادلة معقدة بين تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبين موقفها المناهض لقوات سوريا الديمقراطية، التي حظيت بدعم الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. التدخلات العسكرية التركية في سوريا: دوافعها وتبعاتها مع تصاعد الصراع في سوريا، نفذت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية شمال البلاد، مدفوعة بمزيج من الهواجس الأمنية الطارئة، والطموحات الإستراتيجية طويلة الأمد. ففي بادئ الأمر، تبنّت أنقرة موقفًا داعمًا للمعارضة السورية الساعية إلى إسقاط نظام بشار الأسد، انسجامًا مع موجة الربيع العربي التي رفعت لواء التغيير والإصلاح. غير أن تعقّد المشهد السوري وظهور فاعلين جدد على الساحة دفع تركيا إلى إعادة ترتيب أولوياتها، حيث انحسر تركيزها تدريجيًا من إسقاط النظام إلى مواجهة النفوذ المتنامي للقوى الكردية المسلحة على حدودها الجنوبية. وقد تأجّج هذا التحوّل الإستراتيجي مع صعود وحدات حماية الشعب الكردية، التي أصبحت العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهو الكيان الذي تنظر إليه أنقرة بعين الريبة باعتباره امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، والذي تصنّفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابيةً نظرًا لنشاطه العسكري داخل الأراضي التركية. وبما أن توسع السيطرة الإقليمية لوحدات حماية الشعب كان يُعدّ تهديدًا وجوديًا للأمن القومي التركي، فقد عمدت أنقرة إلى شنّ حملات عسكرية متتالية للحيلولة دون قيام كيان كردي متصل على طول حدودها الجنوبية، وهو ما كانت ترى فيه مقدمةً لإقامة حكم ذاتي كردي قد يُحفّز الطموحات الانفصالية داخل تركيا ذاتها. المحطات المفصلية في التدخل العسكري التركي كانت عملية 'درع الفرات' (2016) أولى الحملات العسكرية التركية الكبرى، وقد استهدفت في آنٍ واحد تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الكردية في الشمال السوري، وأسفرت عن إنشاء منطقة أمنية عازلة تمتد بين مدينتي جرابلس والباب، خاضعة للنفوذ التركي. وفي عام 2018، أطلقت أنقرة عملية 'غصن الزيتون'، التي ركّزت على عفرين، المعقل الكردي الإستراتيجي، وانتهت بسيطرة القوات المدعومة من تركيا على المدينة، مما أدى إلى نزوحٍ واسع النطاق للسكان الأكراد، في تطور أثار انتقادات دولية حادة. ثم جاءت عملية 'نبع السلام' عام 2019، التي استهدفت شمال شرق سوريا، في محاولةٍ لتوسيع نطاق السيطرة التركية وتقليص النفوذ الكردي في المنطقة. وخلال هذه العمليات، رأت أنقرة في تدخلاتها ضرورةً أمنية لا تحتمل التأجيل، فيما وُجهت لها انتقادات حادة؛ بسبب تداعياتها الإنسانية، لا سيما فيما يتعلق بعمليات التهجير القسري للسكان الأكراد، فضلًا عن اعتمادها على الجيش الوطني السوري، وهو تحالف من الفصائل السورية المعارضة المدعومة تركيًا، في تنفيذ عملياتها العسكرية. العلاقات التركية- الأميركية: التوتر المتصاعد بين الحلفاء لم تكن هذه الحملات العسكرية بمعزلٍ عن تداعياتها على العلاقات التركية- الأميركية، إذ تزامن توسع النفوذ التركي في شمال سوريا مع تعمق الشراكة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية، التي اعتبرتها الولايات المتحدة ركيزةً أساسية في إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب. فقد قامت واشنطن بتزويد القوات الكردية بالأسلحة والدعم الجوي والمعلومات الاستخباراتية، نظرًا لفاعليتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. غير أن هذا الدعم أثار حفيظة أنقرة، التي رأت في تسليح الأكراد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، متهمةً الولايات المتحدة بأن الأسلحة التي تقدمها لمحاربة تنظيم الدولة يتم تسريبها إلى المجموعات المسلحة الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. ورغم الاحتجاجات التركية المتكررة، تمسّكت واشنطن بموقفها، معتبرةً الأكراد شركاء لا غنى عنهم في الحرب ضد الإرهاب، مما أدى إلى مواجهات دبلوماسية متكررة بين الجانبين، وجعل الحليفين في الناتو في وضع غير مسبوق، حيث تدعم كلٌّ منهما أطرافًا متصارعة على الأرض السورية. وقد أسهم هذا التباين في وجهات النظر في تعكير صفو العلاقات الثنائية، حيث باتت الخلافات حول سوريا جزءًا من التوتر الأوسع بين البلدين، انعكس سلبًا على التنسيق الإستراتيجي بينهما، سواء في القضايا الإقليمية أو في حلف الناتو. الإطاحة بالأسد والقيادة الجديدة في سوريا أرسى سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 متغيرًا جديدًا في المشهد السياسي السوري، إذ أثار الفراغ في السلطة مخاوف جمّة من عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى لملمة شتاته، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى النظر في زيادة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، حفاظًا على الاستقرار، واستمرارًا في جهود مكافحة الإرهاب. في المقابل، شدّدت تركيا من حملاتها العسكرية ضد القوات الكردية، ساعية إلى تفكيك سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المناطق التي تحكم قبضتها عليها. وقد أفضى هذا التصعيد إلى مواجهات مباشرة بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، مما زاد من تعقيد المشهد وألقى بظلاله على العلاقات الأميركية- التركية. وكان لهجوم موالين لنظام الأسد على قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في مارس/ آذار عام 2025 في محاولة لاستعادة نفوذهم المفقود الذي سرعان ما تحوّل إلى موجة من الاقتتال الطائفي، العامل الأهم في دعم وتسريع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية في دمشق؛ بهدف رأب الصدع الداخلي والحفاظ على وحدة البلاد في مواجهة شبح التقسيم والصراع المفتوح. فقد نص هذا الاتفاق على إدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية، مما يشكل نقطة تحول مفصلية في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وعلى موازين القوى بين الولايات المتحدة وتركيا في المشهد السوري المتأزم. وقد لعبت الولايات المتحدة، بوصفها الحليف الوثيق لقوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، دورًا رئيسًا في توجيه تلك القوات نحو الاتفاق مع دمشق. ويأتي هذا التحرك الإستراتيجي متوافقًا مع رؤية واشنطن الأوسع الهادفة إلى ترسيخ وحدة سوريا واستقرارها، تمهيدًا لخفض منظّم لوجودها العسكري في المنطقة. ومن خلال دمج قوات سوريا الديمقراطية في البنية الوطنية السورية، تسعى واشنطن إلى درء مخاطر الصراع السياسي والعسكري الذي قد يكون سببًا للجماعات المتطرفة لتعيد لملمة شتاتها. أما تركيا، فقد جاء موقفها إزاء هذا التطور مشوبًا بالتفاؤل الحذر. إذ لطالما نظرت أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، ولا سيّما وحدات حماية الشعب التي تشكل ركيزتها الأساسية، على أنّها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه ضمن التنظيمات الإرهابية. وإن كان إدماج هذه القوّات في المنظومة العسكرية والإدارية للدولة السورية قد يخفّف من المخاوف الأمنية لأنقرة عبر إنهاء الوجود العسكري الكردي المستقل على حدودها الجنوبية، فإنها مع ذلك تبقى على أُهْبة الاستعداد واليقظة، مشددة على ضرورة نزع سلاح وحدات حماية الشعب واندماجها الكامل في الجيش السوري، دون أن تظل لها أي قدرات عسكرية مستقلة. وفي ظل هذه المستجدات، باتت العلاقات الأميركية- التركية في سوريا ماضية نحو مرحلة جديدة من التعاون المشوب بالحذر، وإعادة ضبط الحسابات الإستراتيجية. إذ يشترك الطرفان في مصلحة كبرى تتمثل في ضمان استقرار سوريا والحيلولة دون عودة الجماعات المتطرفة إلى الواجهة. وقد يفضي دعم الولايات المتحدة لاتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق إلى تهدئة بعض المخاوف التركية بشأن النزعات الانفصالية الكردية، مما قد يفضي إلى تنسيق مستدام بين واشنطن وأنقرة. بيد أنّ مدى استدامة هذا التعاون سيظل رهينة بمدى تنفيذ الاتفاق، لا سيّما فيما يخص تفكيك القدرات العسكرية لوحدات حماية الشعب وضم مقاتليها إلى جيش الدولة السورية. وعلاوة على ذلك، فإن الانفتاح الدبلوماسي الأخير لتركيا تجاه دمشق، والذي تجلّى في زيارات رفيعة المستوى تزامن مع تصاعد العنف الطائفي، يؤكد سعي أنقرة للعب دور بناء في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل مسار العملية السياسية. وقد يمهد هذا التقارب لآفاق أرحب من التعاون الأميركي- التركي في سوريا، بشرط أن يتمكن الطرفان من مواءمة أهدافهما الإستراتيجية، ومعالجة هواجسهما الأمنية المشتركة بروح من الشفافية والتفاهم المتبادل. الطريق إلى الأمام قد يُتيح هذا المشهد الجيوسياسي المتغير في سوريا فرصة مهمة للولايات المتحدة وتركيا للتعاون على الصعيدين؛ الاقتصادي والعسكري، مما يعزز الاستقرار الإقليمي ويعالج الهواجس الأمنية المشتركة. فعلى الرغم من تباين رؤى البلدين حيال بعض جوانب الصراع السوري في السابق، فإن التحولات المتسارعة على أرض الواقع تهيئ إطارًا للتعاون على أساس المصالح المشتركة. ومع الاتفاق الأخير الذي يقضي بإدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن كيان الدولة السورية، تبرز إمكانية لأنقرة وواشنطن للتنسيق على إعادة الإعمار الاقتصادي والتدريب العسكري، حيث بوسعهما الإسهام في استقرار سوريا، وكبح عودة التنظيمات المتطرفة، والتصدي لنفوذ القوى الخارجية، مثل إيران وروسيا. فإعادة إعمار سوريا بعد الحرب تستلزم استثمارات اقتصادية ضخمة، والولايات المتحدة وتركيا في موقع يؤهلهما لقيادة هذه الجهود. فقد خلفت الحرب دمارًا واسعًا في البنية التحتية الحيوية، من طرق ومستشفيات ومدارس وشبكات الطاقة، مما أفضى إلى أزمة إنسانية تُذكي نيران الاضطراب. ومن شأن إنعاش الاقتصاد أن يخفف من وطأة الفقر، ويحدّ من الظروف التي تسهم في تفشي الأيديولوجيات المتشددة. وهنا تستطيع الولايات المتحدة توظيف نفوذها السياسي والدبلوماسي وتحالفاتها الدولية لتنسيق الاستثمارات في مشاريع إعادة الإعمار، فيما يمكن لتركيا، بفضل قربها الجغرافي وشبكاتها التجارية الممتدة في الشمال السوري، أن تضطلع بدور محوري في إعادة بناء القطاعات الصناعية والزراعية. وقد انخرطت الشركات التركية بالفعل في مشاريع البنية التحتية في المناطق الواقعة تحت نفوذها، مثل أجزاء من محافظتي حلب وإدلب، وتوسيع نطاق هذه المبادرات إلى مناطق سورية أوسع، تحت إشراف دولي، قد يوفر فرص عمل ويمهد الطريق أمام استقرار اقتصادي طويل الأمد. علاوة على ذلك، فإن برامج الإغاثة المستهدفة، المدعومة من واشنطن وأنقرة، من شأنها معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وفي الوقت ذاته، تمهيد السبيل لتنمية مستدامة.. أما العقوبات، فهي تمثل حجر الزاوية في مسار التعافي الاقتصادي السوري، لا سيما في ظل الإدارة الجديدة في دمشق، التي تسعى إلى إعادة بناء الدولة عقب الإطاحة بنظام الأسد. فالعقوبات الأميركية المشددة، المفروضة بموجب قانون قيصر، والتي صُممت لإضعاف قبضة النظام السابق على السلطة، باتت اليوم تهدد بإعاقة مساعي الاستقرار وإعادة الإعمار. وبينما التزمت تركيا في معظم الأحيان بهذه العقوبات، فإنها حافظت على انخراط اقتصادي في المناطق الخاضعة للمعارضة، ما يشي بإمكانية تبني نهج أكثر شمولية في المستقبل. ومن هنا فإن تعاونًا أميركيًا- تركيًا مشتركًا لإعادة النظر في القيود الاقتصادية، بما يتلاءم مع الإصلاحات التي تجريها الحكومة الجديدة، قد يسهم في تحقيق انتقال سياسي أكثر شمولًا. ويمكن لواشنطن وأنقرة، من خلال تخفيف العقوبات تدريجيًا مقابل خطوات إصلاحية ملموسة في مجالي الإدماج السياسي وإصلاح القطاع الأمني، أن تهيِّئا الظروف لانطلاقة اقتصادية متجددة. كما أن هذا التحول من شأنه أن يشجع الدول الخليجية، التي أبدت اهتمامًا بالاستثمار في سوريا، لكنها لا تزال مترددة بسبب الإطار العقابي الحالي، على الانخراط بفاعلية أكبر ضمن إستراتيجية اقتصادية تؤدي لدمج سوريا ضمن المنظومة الاقتصادية الإقليمية، وهذا لن يسهم في إعادة إعمار البلاد فحسب، بل سيحدّ أيضًا من قدرة الخصوم، كروسيا وإيران، على الهيمنة على مستقبلها الاقتصادي. وفي الجانب العسكري، فإن التعاون الأميركي- التركي ضرورة ملحة لمنع عودة الجماعات الإرهابية وضمان استقرار المناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة. فاستمرار وجود الخلايا المتطرفة في مناطق عدة، ولا سيما في الصحاري الممتدة بين دير الزور وحمص، يشكل تهديدًا دائمًا للأمن. ولذا فإن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين قد يعزز من كفاءة العمليات المضادة للإرهاب، مما يتيح تنفيذ ضربات دقيقة ضد معاقل المتشددين ومعسكرات تدريبهم. ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية كقوة برية في حملتها ضد تنظيم الدولة، بينما نفذت تركيا عمليات عسكرية عابرة للحدود للقضاء على العناصر الإرهابية على طول حدودها الجنوبية. وبإرساء إطار يسمح بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الناشئة وتنسيق العمليات العسكرية، يمكن تحسين فاعلية الجهود الأمنية وتقليل احتمالات التصادم غير المقصود بين الطرفين. كما أن إدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الدولة السورية يمثل فرصة لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية بما يراعي الهواجس التركية. فلقد عارضت أنقرة على الدوام الإدارة الذاتية للقوات الكردية المحاذية لحدودها، خشية أن تغذي هذه الصيغة النزعات الانفصالية داخل تركيا. فإذا تمكّنت الولايات المتحدة من الإسهام في إعادة هيكلة الفصائل التابعة لقوات سوريا الديمقراطية ضمن إطار عسكري وطني أوسع، فقد تصبح تركيا أكثر استعدادًا للانخراط في تعاون عسكري يركز على مكافحة الإرهاب بدلًا من النزاعات الإقليمية. بيدَ أن هذا المسار يتطلب مفاوضات دقيقة، لضمان ألا تنظر الفصائل السورية المدعومة من تركيا إلى هذا الإدماج باعتباره تهديدًا لأمنها. وقد يكون إنشاء برامج تدريبية مشتركة للقوات الأمنية المحلية، بدعم من الولايات المتحدة وتركيا، وسيلة لتعزيز احترافية المؤسسات العسكرية السورية، وتقليل الاعتماد على التشكيلات المسلحة غير النظامية، التي تؤجّج حالة عدم الاستقرار. ومع بروز ملامح دولة سورية جديدة، عقب زوال نظام الأسد وإدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، سيغدو التعاون الأميركي- التركي حجر الأساس في إرساء الاستقرار الإقليمي. ومن أبرز التحديات الأمنية التي ستواجهها سوريا، تأمين حدودها، التي طالما مثلت معبرًا لتسلل المسلحين وتجارة الأسلحة والسلع غير المشروعة، مما أسهم في تأجيج الاضطراب. ومن هنا فإن تبني مقاربة مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا في ضبط الحدود، عبر استغلال التكنولوجيا المتقدمة، مثل أنظمة المراقبة الجوية والطائرات المسيرة وآليات تبادل المعلومات الاستخباراتية، قد يعزز الأمن، ويمنع تسلل العناصر المتطرفة. ويمكن تعزيز عمليات مكافحة التهريب التركية عبر تنسيق مباشر مع القدرات التقنية والاستخباراتية الأميركية، مما يوفر منظومة أمنية أكثر شمولًا وفاعلية. أما في السياق الإستراتيجي الأوسع، فإن التوافق الأميركي- التركي في سوريا بات ضرورة ملحة. فروسيا وإيران لا تزالان تسعيان للتمسك بحضورهما في البلاد. غير أن تعزيز التعاون بين واشنطن وأنقرة من شأنه أن يحدّ من توسع الهيمنة الروسية في الغرب السوري ويسهم في تقليص نفوذ المليشيات المدعومة من إيران قرب الحدود مع العراق. وهذا التنسيق لا يفترض بالضرورة تطابق المصالح، بل يكفي إدراك أن العمل المشترك يمنح الطرفين نفوذًا أكبر مقارنة بالتحركات المنفردة أو المتعارضة. وختامًا، فإن تقارب المساعي الأميركية- التركية في سوريا، ولا سيما في مجالي الإعمار والعمليات العسكرية، قد يكون رافدًا رئيسيًا لاستقرار البلاد. وبرغم الخلافات السياسية القائمة، فإن واقع الأرض يفرض ضرورة التعاون بما يخدم المصالح الأمنية المشتركة. ومن خلال حوار مستمر، وتعاون اقتصادي، وتنسيق عسكري مستدام، يمكن لواشنطن وأنقرة المساهمة في رسم مسار جديد لسوريا، يحول دون عودة القوى المتطرفة، ويحدّ من هيمنة الخصوم، ويؤسس لنظام إقليمي أكثر توازنًا واستقرارًا.


شفق نيوز
١٥-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- شفق نيوز
من هم "العمشات" و"الحمزات"؟ وهل يحاسبهم الشرع؟
في الساحل السوري، تصاعدت خلال الفترة الماضية اتهامات بارتكاب مجازر ضد العلويين، وفق شهادات ناجين وتقارير ميدانية، رغم عدم تأكيد أي جهة مستقلة لهذه المزاعم. في شمال سوريا، حيث تتداخل الولاءات والصراعات، نشأت فصائل مسلحة كان لها دور بارز في التحولات التي شهدتها المنطقة. من بين هذه الفصائل، برز اسم كل من "فرقة سليمان شاه" و"فرقة الحمزة"، ليس فقط في ميدان المعارك، بل أيضاً في تقارير حقوق الإنسان والعقوبات الدولية. فماذا نعرف عنهما؟ وكيف ارتبط اسم هذه الفرق بانتهاكات جسيمة، وصلت إلى حد فرض العقوبات الأمريكية عليها؟ تواصلنا في بي بي سي مع مصادر مقربة من الإدارة السورية الجديدة، وسألنا عن مدى سلطة رئيس المرحلة الانتقالية على قادة المجموعات المسلحة داخل الفصائل المختلفة خلال المرحلة الحالية. فرقة سليمان شاه.. صعود "أبو عمشة" X عام 2016 أطلقت تركيا عملية عسكرية عنوانها "درع الفرات" على حدودها مع سوريا للقضاء على ما وصفته "بممر الإرهاب" المتمثل في خطر تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد السوريين. وسط حالة الفوضى التي أعقبت التدخل التركي في شمال سوريا، ظهر محمد حسين الجاسم، المعروف بـ "أبو عمشة"، كأحد أبرز قادة الفصائل السورية المسلحة، وأكثرها شهرة بين السوريين، وهو ناشط على منصة X ويتابعه أكثر من 150 ألفاً. في عام 2018، أسس فرقة سليمان شاه، أو ما يُعرف بـ"العمشات"، التي سرعان ما أصبحت أحد الفصائل الرئيسية في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. الارتباط بتركيا لم يكن يوماً خفياً عن هذه الفرقة، ولعل اسمها وحده يوضح عمق هذا الارتباط، ف"سليمان شاه" هو جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية. يُعد سليمان شاه رمزاً تاريخياً هاماً في تركيا، حيث يستخدمه الخطاب القومي التركي جزءاً من رواية الاستمرارية التاريخية من الدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية الحديثة. فرقة سليمان شاه، التي تحمل اسمه، استلهمت هويتها من هذا الإرث التاريخي، لكن أنشطتها في شمال سوريا وارتباطها بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بعد اتهامها بانتهاكات ضد المدنيين في عفرين ومناطق أخرى. تمركزت الفرقة بشكل رئيسي في عفرين، حيث لعبت دوراً محورياً في العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردي. لكن مع اتساع نفوذه، تحول "أبو عمشة" إلى شخصية مثيرة للجدل، حيث تراكمت حوله اتهامات بالفساد والانتهاكات. بمرور الوقت، أصبح الرجل أكثر من مجرد قائد عسكري، إذ فرض سيطرته على قطاعات اقتصادية داخل المناطق التي يسيطر عليها، وفرض الإتاوات على المدنيين، وسط تقارير تفيد بأن نفوذه وصل إلى حد ممارسة السلطة المطلقة داخل الفصيل. فرقة الحمزة.. من فصيل عسكري إلى ميليشيا متهمة بجرائم حرب X برزت فرقة الحمزة، المعروفة بـ"الحمزات"، كواحدة من الفصائل المسلحة المؤثرة في شمال سوريا. تأسست الفرقة في السنوات الأولى من الحرب السورية، وسرعان ما انضمت إلى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. تولى قيادتها سيف بولاد، المعروف بلقب "أبو بكر"، وهو شخصية عسكرية بارزة، ولد في محافظة حلب، وشغل سابقاً منصب قائد "القيادة العامة لمدينة الباب وريفها. توسعت سيطرة فرقة الحمزة لتشمل مناطق استراتيجية مثل الباب، وجرابلس، وعفرين، مما جعلها لاعباً رئيسياً في المشهد العسكري شمال سوريا. تُعرف الفرقة بتركيبتها العسكرية الصارمة وانضباطها التنظيمي. ومع ذلك، وُجّهت إليها اتهامات متعددة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. بحسب تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، تورطت الفرقة في عمليات خطف، وابتزاز، وتهجير قسري، ومصادرة ممتلكات المدنيين، خاصة في مناطق مثل عفرين وشمال حلب. وفي حادثة بارزة عام 2022، وُجّهت اتهامات لعناصر من فرقة الحمزة باغتيال الناشط محمد عبد اللطيف (المعروف بـ"أبو غنوم") وزوجته في مدينة الباب. أثارت هذه الجريمة استنكاراً واسعاً، وسلطت الضوء على ممارسات الفرقة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. في آب/أغسطس 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فرقة الحمزة وقائدها سيف بولاد (أبو بكر)، بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القانون، واحتجازات تعسفية، وتعذيب. ورغم هذه الاتهامات والعقوبات، نفى سيف بولاد (أبو بكر) عبر حسابه على منصة X تورط فرقته في أي انتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري، معتبراً أن هذه الاتهامات جزء من حملة ممنهجة من "فلول النظام السابق وميليشيا قسد الإرهابية". انتهاكات موثقة.. وعقوبات أمريكية X اتهمت عدة تقارير حقوقية كلاً من فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. فبحسب منظمة العفو الدولية، تورط مقاتلو فرقة سليمان شاه في عمليات نهب ممتلكات المدنيين في عفرين، وإجبارهم على دفع إتاوات مقابل البقاء في منازلهم. وأكدت المنظمة أن المدنيين الذين رفضوا الدفع تعرضوا للتهديد بالطرد القسري أو القتل. في شهادة وثقتها رابطة تآزر للضحايا -وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية تأسست عام 2021 من قبل مجموعة من الضحايا السوريين-، تحدثت امرأة كردية عن احتجازها في أحد السجون السرية التابعة لفرقة الحمزة. تقول: "بقيت هناك لأسابيع، لم أكن أعرف إن كنت سأخرج حية. كانوا يهددونني بالاغتصاب إذا حاولت الصراخ. كنت أسمع أصوات تعذيب سجناء آخرين كل ليلة." وتؤكد لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة حول سوريا أن هذه الفصائل متورطة في عمليات قتل خارج نطاق القانون، واستهداف المدنيين على أساس عرقي، حيث كانت عمليات الإعدام الجماعي شائعة في المناطق التي تسيطر عليها. في 17 آب/أغسطس 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات مباشرة على فرقة سليمان شاه وقائدها أبو عمشة، وفرقة الحمزة وقائدها أبو بكر. جاء في بيان الوزارة أن هذه الفصائل مسؤولة عن انتهاكات خطيرة، شملت عمليات قتل خارج نطاق القضاء، واحتجازات تعسفية، وتعذيب، وانتهاكات أخرى ضد السكان المدنيين. بحسب البيان، فإن قادة هذه الفصائل لم يكتفوا بالعمليات العسكرية، بل مارسوا عمليات ابتزاز ونهب واحتجاز رهائن من المدنيين مقابل فديات مالية. ووصفت الوزارة هذه العقوبات بأنها جزء من التزام الولايات المتحدة بمحاسبة المنتهكين لحقوق الإنسان، بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية. قبل العقوبات الأميركية، كانت الأمم المتحدة قد دعت مراراً إلى محاسبة هذه الفصائل، حيث قالت في بيان مشترك عام 2021 إن "ما يحدث في شمال سوريا من انتهاكات لا يمكن السكوت عنه، ويجب اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لمنع استمرار هذه الجرائم". فصائل تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة ومع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ودخول سوريا مرحلة سياسية جديدة، تسعى الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة دمج الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع. لكن جهودها تتصادم مع تعقيدات عديدة، بدءاً من علاقات الفصائل ببعضها، وصولاً إلى الاتهامات بارتكاب مجازر دموية في الساحل السوري خلال الأحداث الأخيرة. وفي حديثه لـ بي بي سي عربي، أكد مصدر مطلع ومقرب من الحكومة السورية الجديدة رفض الكشف عن اسمه أن العلاقة بين فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة والإدارة العسكرية الحالية "ودية" وقائمة على التنسيق الوثيق والتعاون العسكري خصوصاً خلال عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها فصائل المعارضة لإسقاط نظام الأسد نهاية العام الماضي، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تحسناً كبيراً في مستوى التنسيق بين هذه الفصائل. في المقابل، يرى عمار فرهود، الباحث في الشأن العسكري، أن العلاقة بين هذه الفصائل والمؤسسة العسكرية تشبه إلى حد كبير العلاقة التي تجمع فصائل الثورة الأخرى بالحكومة الجديدة، لافتاً في مقابلة مع بي بي سي عربي إلى أن فرقة سليمان شاه قد اندمجت رسمياً داخل الجيش السوري، حيث تولى قائدها منصباً عسكرياً رفيعاً في محافظة حماة، مما يعكس اندماجاً فعلياً داخل المنظومة العسكرية. لكنه أشار إلى أن هذا الاندماج لم يكتمل بعد، إذ لا تزال الفرقة تحتفظ ببعض النفوذ المستقل في شمال حلب، ما يجعل تحقيق الانسجام الكامل تحت قيادة موحدة مسألة تحتاج إلى المزيد من الوقت. أما وضع فرقة الحمزة فلا يزال غامضاً بحسب فرهود الذي أوضح أنه لا يوجد إعلان رسمي بانضمامها إلى وزارة الدفاع، لكنها في الوقت نفسه لا تعمل خارج سيطرة الحكومة. وأضاف أنه رغم عدم صدور تصريح واضح بانضمامها، إلا أن مؤشرات عدة تشير إلى أنها تقبل العمل تحت مظلة وزارة الدفاع، لكن ربما هناك تفاصيل تفاوضية تتعلق بإدارة المناطق وطبيعة المهام العسكرية الموكلة إليها على حد وصفه. الشرع أمام اختبار العدالة X بالتوازي مع هذه التطورات، تصاعد الجدل حول المجازر الأخيرة في الساحل السوري، حيث اتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجيش السوري والفصائل الداعمة له بتنفيذ عمليات تطهير عرقي وإعدامات ميدانية، مشيراً إلى تورط مقاتلين من "الحمزات" و"العمشات" في 40 مجزرة طائفية خلال 72 ساعة بحسب بيانات له. ويقول المصدر المطلع والمقرب من حكومة دمشق الجديدة في حديثه مع بي بي سي إن "جهات كثيرة فيها أشخاص غير منضبطين، ويقومون بتصرفات محرجة أحياناً للجهة التي ينتمون اليها"، نافياً أن يكون هناك أي محاولة لتبرئة القوات النظامية عبر تحميل الفصائل وحدها مسؤولية ما جرى، مؤكداً أن الفاعلين كانوا أفراداً غير منضبطين، وبعضهم مدنيون مسلحون لا ينتمون لأي تشكيل عسكري منظم. وأضاف المصدر أن القوات النظامية لم تكن مسؤولة عن هذه الجرائم، بل إن ما حدث كان نتيجة لحالة التعبئة العامة والانفلات الأمني، حيث تحركت مجموعات مسلحة دون أي تنسيق، ما أدى إلى تجاوزات خطيرة. بدوره، أشار فرهود إلى أن فرقة سليمان شاه لم تعد فصيلاً مستقلاً، بل أصبحت رسمياً جزءاً من الجيش السوري، ما يجعل تحميلها المسؤولية كفصيل منفصل أمراً غير دقيق، موضحاً أن بعض المسلحين الذين ارتكبوا انتهاكات لا ينتمون لهذه الفصائل، بل كانوا جزءاً من تشكيلات أخرى، مثل هيئة تحرير الشام أو مجموعات أخرى ضمن المؤسسة العسكرية. وفي ظل هذا المشهد، يبرز السؤال حول مدى قدرة أحمد الشرع على فرض سلطته الفعلية على هذه الفصائل، فوفقاً للمصدر المطلع، فإن الشرع يمتلك سلطة حقيقية على قادة الفصائل، وهناك محاولات لدمجها بشكل أوسع داخل الجيش، لكن الأمر يحتاج إلى وقت، موضحاً أن هذه الفصائل بنيت على مدى سنوات وفق قيادات مركزية، ومن الصعب دمجها بين ليلة وضحاها في جيش نظامي، ما يستدعي إعادة ترتيب القوات الأمنية والعسكرية بشكل تدريجي. لكن فرهود يرى أن الشرع، رغم امتلاكه السلطة الشرعية على مستوى الدولة، لا يملك سلطة مباشرة على قادة المجموعات داخل الفصائل المختلفة على حد وصفه، موضحاً أن الكثير من المقاتلين لا يزالون يتلقون الأوامر من قادتهم السابقين وليس من وزارة الدفاع، وهو ما ينطبق على فصائل أخرى مثل "أحرار الشام" و"أنصار التوحيد."


سيدر نيوز
١٥-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- سيدر نيوز
من هم 'العمشات' و'الحمزات'؟ وهل يحاسبهم الشرع؟
Join our Telegram X في الساحل السوري، تصاعدت خلال الفترة الماضية اتهامات بارتكاب مجازر ضد العلويين، وفق شهادات ناجين وتقارير ميدانية، رغم عدم تأكيد أي جهة مستقلة لهذه المزاعم. في شمال سوريا، حيث تتداخل الولاءات والصراعات، نشأت فصائل مسلحة كان لها دور بارز في التحولات التي شهدتها المنطقة. من بين هذه الفصائل، برز اسما 'فرقة سليمان شاه' و'فرقة الحمزة'، ليس فقط في ميدان المعارك، بل أيضاً في تقارير حقوق الإنسان والعقوبات الدولية. فمن هما؟ وكيف أصبح اسماهما مرتبطين بانتهاكات جسيمة، وصولاً إلى العقوبات الأمريكية؟ كما تواصلنا مع مصادر مقربة من الإدارة السورية الجديدة، وسألنا عن مدى سلطة رئيس المرحلة الانتقالية على قادة المجموعات المسلحة داخل الفصائل المختلفة خلال المرحلة الحالية. فرقة سليمان شاه.. صعود 'أبو عمشة'. X عام 2016 أطلقت تركيا عملية عسكرية عنوانها 'درع الفرات' على حدودها مع سوريا للقضاء على ما وصفته 'بممر الإرهاب' المتمثل في خطر تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد السوريين. وسط حالة الفوضى التي أعقبت التدخل التركي في شمال سوريا، ظهر محمد حسين الجاسم، المعروف بـ 'أبو عمشة'، كأحد أبرز قادة الفصائل السورية المسلحة، وأكثرها شهرة بين السوريين، وهو ناشط على منصة X ويتابعه أكثر من 150 ألفاً. في عام 2018، أسس فرقة سليمان شاه، أو ما يُعرف بـ'العمشات'، والتي سرعان ما أصبحت أحد الفصائل الرئيسية في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. الارتباط بتركيا لم يكن يوماً خفياً عن هذه الفرقة، ولعل اسمها وحده يوضح عمق هذا الارتباط، ف'سليمان شاه' هو هو جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية. يُعد سليمان شاه رمزاً تاريخياً هاماً في تركيا، حيث يستخدمه الخطاب القومي التركي كجزء من رواية الاستمرارية التاريخية من الدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية الحديثة. فرقة سليمان شاه، التي تحمل اسمه، استلهمت هويتها من هذا الإرث التاريخي، لكن أنشطتها في شمال سوريا وارتباطها بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بعد اتهامها بانتهاكات ضد المدنيين في عفرين ومناطق أخرى. تمركزت الفرقة بشكل رئيسي في عفرين، حيث لعبت دوراً محورياً في العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية. لكن مع اتساع نفوذه، تحول 'أبو عمشة' إلى شخصية مثيرة للجدل، حيث تراكمت حوله اتهامات بالفساد والانتهاكات. بمرور الوقت، أصبح الرجل أكثر من مجرد قائد عسكري، إذ فرض سيطرته على قطاعات اقتصادية داخل المناطق التي يسيطر عليها، وفرض الإتاوات على المدنيين، وسط تقارير تفيد بأن نفوذه وصل إلى حد ممارسة السلطة المطلقة داخل الفصيل. فرقة الحمزة.. من فصيل عسكري إلى ميليشيا متهمة بجرائم حرب X برزت فرقة الحمزة، المعروفة بـ'الحمزات'، كواحدة من الفصائل المسلحة المؤثرة في شمال سوريا. تأسست الفرقة في السنوات الأولى من الحرب السورية، وسرعان ما انضمت إلى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. تولى قيادتها سيف بولاد، المعروف بلقب 'أبو بكر'، وهو شخصية عسكرية بارزة، ولد في محافظة حلب، وشغل سابقاً منصب قائد 'القيادة العامة لمدينة الباب وريفها. توسعت سيطرة فرقة الحمزة لتشمل مناطق استراتيجية مثل الباب، جرابلس، وعفرين، مما جعلها لاعباً رئيسياً في المشهد العسكري شمال سوريا. تُعرف الفرقة بتركيبتها العسكرية الصارمة وانضباطها التنظيمي. ومع ذلك، وُجّهت إليها اتهامات متعددة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. بحسب تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، تورطت الفرقة في عمليات خطف، ابتزاز، تهجير قسري، ومصادرة ممتلكات المدنيين، خاصة في مناطق مثل عفرين وشمال حلب. في حادثة بارزة عام 2022، وُجّهت اتهامات لعناصر من فرقة الحمزة باغتيال الناشط محمد عبد اللطيف (المعروف بـ'أبو غنوم') وزوجته في مدينة الباب. أثارت هذه الجريمة استنكاراً واسعاً، وسلطت الضوء على ممارسات الفرقة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. في آب/أغسطس 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فرقة الحمزة وقائدها سيف بولاد (أبو بكر)، بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القانون، احتجاز تعسفي، وتعذيب. ورغم هذه الاتهامات والعقوبات، نفى سيف بولاد (أبو بكر) عبر حسابه على منصة X (تويتر سابقاً) تورط فرقته في أي انتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري، معتبرًا أن هذه الاتهامات جزء من حملة ممنهجة من فلول النظام السابق وميليشيا قسد الإرهابية. انتهاكات موثقة.. وعقوبات أمريكية X اتهمت عدة تقارير حقوقية كلاً من فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. فبحسب منظمة العفو الدولية، تورط مقاتلو فرقة سليمان شاه في عمليات نهب ممتلكات المدنيين في عفرين، وإجبارهم على دفع إتاوات مقابل البقاء في منازلهم. وأكدت المنظمة أن المدنيين الذين رفضوا الدفع تعرضوا للتهديد بالطرد القسري أو القتل. في شهادة وثقتها رابطة تآزر للضحايا -وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية تأسست عام 2021 من قبل مجموعة من الضحايا السوريين-، تحدثت امرأة كردية عن احتجازها في أحد السجون السرية التابعة لفرقة الحمزة. تقول: 'بقيت هناك لأسابيع، لم أكن أعرف إن كنت سأخرج حية. كانوا يهددونني بالاغتصاب إذا حاولت الصراخ. كنت أسمع أصوات تعذيب سجناء آخرين كل ليلة.' وتؤكد لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة حول سوريا أن هذه الفصائل متورطة في عمليات قتل خارج نطاق القانون، واستهداف المدنيين على أساس عرقي، حيث كانت عمليات الإعدام الجماعي شائعة في المناطق التي تسيطر عليها. في 17 آب/أغسطس 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات مباشرة على فرقة سليمان شاه وقائدها أبو عمشة، وفرقة الحمزة وقائدها أبو بكر. جاء في بيان الوزارة أن هذه الفصائل مسؤولة عن انتهاكات خطيرة، شملت عمليات قتل خارج نطاق القضاء، احتجاز تعسفي، تعذيب، وانتهاكات أخرى ضد السكان المدنيين. بحسب البيان، فإن قادة هذه الفصائل لم يكتفوا بالعمليات العسكرية، بل مارسوا عمليات ابتزاز ونهب واحتجاز رهائن من المدنيين مقابل فدى مالية. ووصفت الوزارة هذه العقوبات بأنها جزء من التزام الولايات المتحدة بمحاسبة المنتهكين لحقوق الإنسان، بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية. قبل العقوبات الأميركية، كانت الأمم المتحدة قد دعت مراراً إلى محاسبة هذه الفصائل، حيث قالت في بيان مشترك عام 2021 إن 'ما يحدث في شمال سوريا من انتهاكات لا يمكن السكوت عنه، ويجب اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لمنع استمرار هذه الجرائم'. فصائل تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة ومع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ودخول سوريا مرحلة سياسية جديدة، تسعى الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة دمج الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع. لكن جهودها تتصادم مع تعقيدات عديدة، بدءاً من علاقات الفصائل ببعضها البعض، وصولاً إلى الاتهامات بارتكاب مجازر دموية في الساحل السوري خلال الأحداث الأخيرة. وفي حديثه لـ بي بي سي عربي، أكد مصدر مطلع ومقرب من الحكومة السورية الجديدة رفض الكشف عن اسمه أن العلاقة بين فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة والإدارة العسكرية الحالية 'ودية' وقائمة على التنسيق الوثيق والتعاون العسكري خصوصاً خلال عملية 'ردع العدوان' التي أطلقتها فصائل المعارضة لإسقاط نظام الأسد نهاية العام الماضي، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تحسناً كبيراً في مستوى التنسيق بين هذه الفصائل. في المقابل، يرى عمار فرهود، الباحث في الشأن العسكري، أن العلاقة بين هذه الفصائل والمؤسسة العسكرية تشبه إلى حد كبير العلاقة التي تجمع فصائل الثورة الأخرى بالحكومة الجديدة، لافتاً في مقابلة مع بي بي سي عربي إلى أن فرقة سليمان شاه قد اندمجت رسمياً داخل الجيش السوري، حيث تولى قائدها منصباً عسكرياً رفيعاً في محافظة حماة، مما يعكس اندماجاً فعلياً داخل المنظومة العسكرية. لكنه أشار إلى أن هذا الاندماج لم يكتمل بعد، إذ لا تزال الفرقة تحتفظ ببعض النفوذ المستقل في شمال حلب، ما يجعل تحقيق الانسجام الكامل تحت قيادة موحدة مسألة تحتاج إلى المزيد من الوقت. أما وضع فرقة الحمزة فلا يزال غامضاً بحسب فرهود الذي أوضح أنه لا يوجد إعلان رسمي بانضمامها إلى وزارة الدفاع، لكنها في الوقت نفسه لا تعمل خارج سيطرة الحكومة. وأضاف أنه رغم عدم صدور تصريح واضح بانضمامها، إلا أن مؤشرات عدة تشير إلى أنها تقبل العمل تحت مظلة وزارة الدفاع، لكن ربما هناك تفاصيل تفاوضية تتعلق بإدارة المناطق وطبيعة المهام العسكرية الموكلة إليها على حد وصفه. الشرع أمام اختبار العدالة X بالتوازي مع هذه التطورات، تصاعد الجدل حول المجازر الأخيرة في الساحل السوري، حيث اتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجيش السوري والفصائل الداعمة له بتنفيذ عمليات تطهير عرقي وإعدامات ميدانية، مشيراً إلى تورط مقاتلين من 'الحمزات' و'العمشات' في 40 مجزرة طائفية خلال 72 ساعة بحسب بيانات له. ويقول المصدر المطلع والمقرب من حكومة دمشق الجديدة في حديثه مع بي بي سي إن ' جهات كثيرة فيها أشخاص غير منضبطين ويقومون بتصرفات محرجة أحيانا للجهة التي ينتمون اليها'، نافياً أن يكون هناك أي محاولة لتبرئة القوات النظامية عبر تحميل الفصائل وحدها مسؤولية ما جرى، مؤكداً أن الفاعلين كانوا أفراداً غير منضبطين، وبعضهم مدنيون مسلحون لا ينتمون لأي تشكيل عسكري منظم. وأضاف المصدر أن القوات النظامية لم تكن مسؤولة عن هذه الجرائم، بل إن ما حدث كان نتيجة لحالة التعبئة العامة والانفلات الأمني، حيث تحركت مجموعات مسلحة دون أي تنسيق، ما أدى إلى تجاوزات خطيرة. بدوره، أشار فرهود إلى أن فرقة سليمان شاه لم تعد فصيلاً مستقلاً، بل أصبحت رسمياً جزءاً من الجيش السوري، ما يجعل تحميلها المسؤولية كفصيل منفصل أمراً غير دقيق، موضحاً أن بعض المسلحين الذين ارتكبوا انتهاكات لا ينتمون لهذه الفصائل، بل كانوا جزءاً من تشكيلات أخرى، مثل هيئة تحرير الشام أو مجموعات أخرى ضمن المؤسسة العسكرية. وفي ظل هذا المشهد، يبرز السؤال حول مدى قدرة أحمد الشرع على فرض سلطته الفعلية على هذه الفصائل، فوفقاً للمصدر المطلع، فإن الشرع يمتلك سلطة حقيقية على قادة الفصائل، وهناك محاولات لدمجها بشكل أوسع داخل الجيش، لكن الأمر يحتاج إلى وقت، موضحاً أن هذه الفصائل بنيت على مدى سنوات وفق قيادات مركزية، ومن الصعب دمجها بين ليلة وضحاها في جيش نظامي، ما يستدعي إعادة ترتيب القوات الأمنية والعسكرية بشكل تدريجي. لكن فرهود يرى أن الشرع، رغم امتلاكه السلطة الشرعية على مستوى الدولة، لا يملك سلطة مباشرة على قادة المجموعات داخل الفصائل المختلفة على حد وصفه، موضحاً أن الكثير من المقاتلين لا يزالون يتلقون الأوامر من قادتهم السابقين وليس من وزارة الدفاع، وهو ما ينطبق على فصائل أخرى مثل 'أحرار الشام' و'أنصار التوحيد.' Powered by WPeMatico


الجزيرة
١٨-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
فرص تركيا التاريخية بعد الزلزال السوري
بات من المقطوع به أن التغير الجذري في سوريا ألقى بظلاله على المنطقة برمتها، وأن تركيا كانت في مقدمة الأطراف الخارجية المستفيدة من تغير النظام في دمشق. تتنوع المكاسب التركية بين السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، ولكن من بين الأهم بينها نفوذها الإقليمي وثقلها الإستراتيجي في المنطقة. جاء تغيير النظام في سوريا في توقيت مناسب جدًا لتركيا مما عظّم مكاسبها، لأسباب ذاتية وموضوعية، حيث كان سبقه عدة تطورات عالمية وإقليمية، فضلًا عن تغير مقاربة تركيا لسياستها الخارجية. فمنذ تأسيس الجمهورية، بنت أنقرة سياستها الخارجية على فكرة الانكفاء على الداخل والتي تختصرها مقولة مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك "سلام في الوطن، سلام في العالم". ولذلك حرصت لعقود طويلة على تجنب الانخراط في صراعات خارجية خوفًا من الاستدراج والاستنزاف، وكان التدخل لحماية القبارصة الأتراك في 1974 ضمن "عملية السلام" استثناءً يثبت هذه القاعدة بالنظر إلى أنها لا تنظر لقبرص كقضية "خارجية" وإنما "الوطن الصغير" أو "الوطن الابن". المفارقة أن تداعيات الثورة السورية في سنواتها اللاحقة كانت ضمن أهم الأسباب التي دفعت تركيا لتغيير فلسفة سياستها الخارجية والتحول من الاعتماد حصرًا على القوة الناعمة نحو بعض أدوات القوة الخشنة، فكانت "درع الفرات" في 2016 العملية الأولى التي دشنت سردية "التدخل الحمائي" أو الدفاعي بدل سردية "تجنب الغرق في المستنقع السوري". ثم تبعها عمليات عسكرية عديدة في سعي لتقويض إمكانات تشكيل كيان سياسي لمنظمات ترتبط بالعمال الكردستاني، وبالتالي تراه تركيا "ممرًا إرهابيًا" على حدودها. قضت النظرية العسكرية والأمنية الجديدة بانتهاج الحرب الاستباقية و"تجفيف منابع الإرهاب في مصادره"، كما دفعت لعمليات عسكرية متقدمة في عمق الأراضي العراقية ضد معاقل الكردستاني، وإنشاء قواعد عسكرية في العراق وقطر والصومال، والتدخل في نزاعات إقليمية كما في ليبيا وجنوب القوقاز، إضافة لتطوير الصناعات الدفاعية، وخاصة قطاع المسيّرات بحيث أصبحت الصناعة المحلية الركن الرئيس في تسليح الجيش التركي، وأدخلت تركيا نادي الدول المصدرة للسلاح. تطورات إقليمية ودولية عظّم ذلك الثقل الجيوسياسي لتركيا في المنطقة، ولكن تثمير ذلك سياسيًا وكنفوذ بقي محدودًا؛ بسبب علاقات أنقرة المتراجعة مع عدد من القوى الإقليمية، وقد كان ذلك ضمن عدة أسباب دفعت لتهدئة مسارات السياسة الخارجية، وتحسين العلاقات مع الأطراف المذكورة ابتداءً من 2021، وفي مقدمتها السعودية والإمارات ومصر. كما أن توتر علاقات أنقرة بعدد من القوى الغربية ونزوعها نحو استقلال نسبي في سياستها الخارجية، رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وملف طلب عضوية الاتحاد الأوروبي، عرّضاها لانتقادات غربية وتعالت بعض الأصوات المتطرفة المطالبة بإخراجها من الناتو. وفي الملف السوري، أحد أهم ساحات التنافس الجيوسياسي الإقليمي، بقيت أنقرة في موقف دفاعي بعد هدوء الأوضاع الميدانية، فتم بالتدريج تصفية مناطق خفض التصعيد من أربعة لواحدة، بل وفككت تركيا نفسها بعض نقاط مراقبتها وفق اتفاق سوتشي؛ بسبب حصار النظام لها. جاء متغيران مهمان غيّرا هذه المعادلات بدرجة كبيرة. أولهما الحرب الروسية – الأوكرانية التي أكدت أهمية تركيا بالنسبة للغرب، فهي جارة لهما من البحر، وقادرة على التواصل مع كلتيهما، فضلًا عن سيطرتها على المضايق. كما أن الحرب أعادت تعريف التهديدات لأوروبا ودور تركيا في مواجهتها، وهو ما ذكره أكثر من مسؤول غربي صراحة، كما ورد على لسان رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس خلال لقائه بأردوغان. ثم جاءت معركة "طوفان الأقصى" التي قلبت المعادلات في المنطقة، ابتداءً بتقويضها للعقيدة الأمنية "الإسرائيلية" بمختلف ركائزها، مرورًا بتمددها في المنطقة، وخصوصًا توسيع "إسرائيل" لمناطق احتلالها في سوريا وتهديدها بمهاجمة إيران، وهو ما عدّته أنقرة تهديدًا للاستقرار الإقليمي، ولها بشكل مباشر، وليس انتهاءً بتغير توازن القوى الإقليمي. سوريا: فرص ومخاطر في سياق المتغيرات سالفة الذكر، وفي ظل الاستعصاء في الملف السوري الذي دفع أردوغان لعرض تطبيع العلاقات على الأسد، جاءت "ردع العدوان" التي أسقطت النظام وأدت لانقلاب كبير في توازنات الملف السوري والمنطقة، وخصوصًا فيما يتعلق بالثلاثي التركي – الروسي – الإيراني. فقد أتى نظام صديق لتركيا عكس السابق، وتعوّل أنقرة على تعاون اقتصادي وتجاري وفي ملف إعادة الإعمار مع دمشق، وعلى دور مهم تلعبه في إعادة هيكلة المؤسسات السورية ولا سيما العسكرية والأمنية، وتستشرف فرصة تاريخية لإنهاء ملف العمال الكردستاني داخليًا وفي سوريا، وباتت الطرف الأكثر قربًا في المواقف والتوجهات مع سوريا الجديدة وبمثابة المظلة الإقليمية لها. في المقابل، انكفأت روسيا في سوريا نحو قواعدها العسكرية بعد أن كانت صاحبة النفوذ الأكبر فيها، ولا سيما في ظل انشغالها بالحرب في أوكرانيا، وتثار علامات استفهام حول مستقبل هذه القواعد والتي تتجاوز أهميتها الجغرافيا السورية بعدِّها بوابة للوجود الروسي في ليبيا ثم عمق القارة الأفريقية، ما يعني أنها مفتاح مهم للنفوذ الروسي في المنطقة والعالم. أما إيران فخرجت بشكل شبه كامل من الملف السوري، وتواجه سياسة دولية – إقليمية بمحاصرتها وتقليم أظفارها في الإقليم، متمثلة بسياسة الضغط الأقصى التي يبدو أن ترامب سيعود لها، وتهديدات نتنياهو المستمرة بمهاجمة مشروعها النووي لـ "استكمال المهمة"، فضلًا عن الضغوط على حلفائها وشركائها في كل من لبنان والعراق. يعني ذلك علو يد أنقرة على كل من موسكو وطهران (وغيرهما) في الملف السوري، وهو أمر سيكون له تأثيره وتداعياته على عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك لهذه الدول، وفي مقدمتها ليبيا والقوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود والبلقان وربما العراق. كما أن احتمال ترسيم الحدود البحرية بين سوريا وتركيا يقوي أوراق الأخيرة في مواجهة التحالف الذي تقوده غريمتها اليونان بخصوص ثروات شرق المتوسط، لا سيما مع الاتفاق مع ليبيا في 2019 وتحسن العلاقات مع مصر مؤخرًا. وأخيرًا، فإن كل ما سبق يعزز أوراق القوة التركية في العلاقات مع إدارة ترامب، وخصوصًا فيما يرتبط بالوجود الأميركي العسكري في سوريا ودعم قسد، وهو ما رشحت بشأنه تصريحات تشير إلى عودة ترامب لفكرة سحب قوات بلاده أو على الأقل تخفيفها، وهو عنصر قوة كبير جدًا لتركيا التي تضع ملف قسد في رأس أولوياتها. يعني كل ما سبق أن أنقرة اليوم مع الزلزال السوري الأخير في ذروة نفوذها الإقليمي وموقعها في التنافس الجيوسياسي مع مختلف اللاعبين في المنطقة، وأنها أمام فرصة تاريخية لتأسيس أمر واقع يبنى عليه معطيات تستمر لعقود قادمة إن كان في سوريا عمومًا أو ما يرتبط بملف العمال الكردستاني على وجه الخصوص. لكنها ليست طريقًا مفروشة بالورود، بل تكتنفها تحديات كبيرة ومخاطر ليست بالسهلة. فرغم أن أنقرة قدمت رسائل طمأنة ضمنية لمختلف الأطراف بعدم التفرد في سوريا، وهو ما أكده وزير خارجيتها هاكان فيدان في ميونخ بشكل صريح، فإن توجس بعض القوى الإقليمية منها ليس خافيًا. بعض التصريحات الرسمية وغير الرسمية في كل من موسكو وطهران في أول أيام "ردع العدوان" تضمنت اتهامات بـ "الخداع والخيانة"، وشخص مثل ألكسندر دوغين هدد أردوغان بـ "دفع ثمن" ما حصل لروسيا في سوريا. كما أن ملف قسد ليست له نهاية واحدة محتملة فقط، رغم تعزز أوراق تركيا وتوافق القيادة السورية الجديدة معها في توحيد الأراضي والمؤسسات السورية، ذلك أن دمشق لا تبدو في عجلة من أمرها لإنهاء الملف، وترامب غير مضمون المواقف والتوجهات، ما يترك الملف معلقًا في المرحلة الحالية على أهميته وحساسيته بالنسبة لأنقرة. ويبرز الاحتلال "الإسرائيلي" كمهدد كبير لتركيا وسوريا معًا، إذ يحرض ضد قيادة الأخيرة، ويرجّح سيناريوهات التقسيم، ويتواصل مع قسد وغيرها من "حلفائه الطبيعيين" كما يدعي، بعد أن قوّض الكثير من إمكانات الدولة السورية ووسع احتلاله لأراضيها، ما جعله على حدود تركيا عمليًا ومهددًا مباشرًا لها. يضاف لذلك تقرير لجنة "ناجل" التي أوصت بالاستعداد لإمكانية المواجهة العسكرية مع تركيا بعد سنوات، فضلًا عن أن موقف "إسرائيل" قد يكون مدخلًا لتغيير الموقف الأميركي من أنقرة. وختامًا، فإن المكاسب الكثيرة والكبيرة لتركيا رهن باستقرار الأوضاع في سوريا ونجاحها في اجتياز المرحلة الانتقالية، بينما قد يرتد أي تعثر أو فشل أو فوضى أو تدخل خارجي على تركيا بشكل سلبي، بعد أن اندفعت بشكل كلي خلف الحالة الجديدة في سوريا. ولذلك كان خطاب تركيا وممارستها وتوجهاتها هادئة وحذرة وإيجابية تجاه مختلف الأطراف، في سعي لإنجاح المسار من جهة، وتقليل تداعيات أي تعثر فيه من جهة أخرى.