
جيمس ساندر.. الرجل الذي غير واقع مرض 'الهايبوباراثايرويد'
في شهر مارس من هذا العام، رحل جيمس ساندر، مؤسس جمعية الهايبوباراثايرويد الدولية بالولايات المتحدة الأميركية، وأول جمعية تهتم بمرضى قصور الغدد جارات الدرقية، والتي امتد نفوذها وأثرها لكل دول العالم، عبر جمعيات تم تأسيسها في دول عدة، بدعم ومتابعة من جيمس ساندر نفسه ومن ضمنها 'هايبوبارا بحرين'، فهو كان أبًا لكل جمعيات الهايبوباراثايرويد في العالم. رحل الرجل الذي ساهم بتغيير مستقبل مرض قصور الغدد جارات الدرقية للأفضل ونشر التوعية عن هذا المرض النادر، وأوصل صدى مرضاه للجهات الطبية المختصة ولكل العالم. كان ملهما ومعلما وداعما لكل المرضى، فقد غير حياة الكثير منهم.
جيمس ساندر، ذلك القدر الذي هيأه الله لنا، فقبل جيمس لم يكن هناك أدنى اهتمام بالمرض، ويعيش مرضاه العزلة عن هذا العالم وحالة من الضياع ويتألمون لوحدهم، فلم تكن هناك جمعيات تهتم بالمرض.
كان جيمس يدرك هذا الواقع المؤلم، فقرر أن يتمرد على هذا الواقع. فبعد سنوات مع المرض، أصبح يطمح إلى إنشاء جمعية للمرضى المصابين بهذا المرض؛ لأنه كان يشعر بالوحدة مع المرض، ويريد أن يتعرف على مرضى غيره، ويستفيد من تجاربهم، فهو قد ذاق مرارة الألم، ويريد أن يجنبها الآخرين.
كانت البداية في أغسطس 1994، حيث نشر أول نشرة إخبارية عن قصور جارات الدرقية في 4 صفحات، عبر البريد الإلكتروني لعدد من الكليات الطبية، وعدد قليل من المرضى، وبعض الأقارب. وكانت هذه هي النواة الأولى لتأسيس الجمعية، فبدأ المشروع ينمو ببطء منذ تلك البداية المتواضعة، حتى أصبحت جمعية رسميا في ديسمبر 1998. في ولاية إداهو. ولاحقا أصبح له موقع إلكتروني، كان له الأثر في نمو الجمعية أكثر ووصولها لعدد أكبر من المرضى، حيث أصبح الموقع أكبر قاعدة بيانات لمرضى قصور الغدد جارات الدرقية في العالم ومنصة للتثقيف والتوعية.
نفس هذا الموقع الإلكتروني هو الذي كان نافدة الخلاص لي من معاناتي مع المرض، إذ تعرفت على جيمس ساندر في العام 2003، حين كنت أخوض صراعا مع المرض بعد فشل العلاج المتوافر في السيطرة على الكالسيوم، وكنت رهينة الكالسيوم عبر الوريد، حيث إن موقع غوغل أوصلني لموقع الجمعية الإلكتروني، وفيه قرأت قصة شفاء المريضة آيسلندية هلا روث بعلاج حقن هرمون الباراثايريرويد، والتي نصحتني بالتواصل معه.
أبدى حماسته لمساعدتي في الحصول على العلاج، وخاض معي هو وزوجته كارول والمريضة الآيسلندية هلا وعائلتها وآخرون، نضالا للوصول للعلاج، ودعمني ودعم حملة جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان لتوفير العلاج لي، وخاطب ووزارة الصحة في البحرين شخصيا، ودعم د. نسرين السيد، المشرفة على علاجي، حتى أثمرت الجهود الحصول على العلاج والانتصار، وعدت إلى الحياة مجددا.
في بداية معرفتي بجيمس وجمعيته، كان هناك موقع إلكتروني للجمعية، يحوي أقساما عدة، منها المقالات والأخبار، وقسم للنشرات الإخبارية، وافتتح لاحقا منتدى للنقاش ومن ثم غرفة دردشة. وكان يدير 'قروب' في 'الياهو'، وهو يتيح مجالا للنقاش والتفاعل مع المرضى، وكان بريده الإلكتروني نشيطا، ومنه ساعد كثيرين.
هذه كانت أدواته في مساعدة المرضى ونشر التوعية، فدعم تأسيس جمعية الباراثايرويد البريطانية بقيادة الملهمة السيدة ليز جلينستر، التي تعد النسخة الأخرى لجيمس في بريطانيا وأوروبا، فبدعم منه توسعت الجمعية وأسس الأعضاء جمعيات أخرى في دول أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا ودول شمال أوروبا والنرويج، حيث هناك هيلين، ملهمة أخرى، ساهمت مع ليز في نشر التوعية، ولا ننسى هلا رث ووالدتها قادرن في آيسلندا.
ظلت الجمعية كائنا إلكترونيا في العالم الافتراضي، رغم أثرها الواضح في تغير حياة الكثيرين، حتى برزت فكرة المؤتمر الأول، حين تحدثت مع المريضة الآيسلندية هلا عن فكرة المؤتمر، وكانت تحمل نفس الفكرة، وتحدثنا مع جيمس، الذي أيد الفكرة ودعمها حتى أصبحت واقعا، وكان المؤتمر الأول في ولاية ماريلاند بحضور مرضى من كل دول العالم، ونخبة من الأطباء والمسؤولين، وكان هذا المؤتمر تاريخيا وأول مؤتمر لهذه الشريحة من المرضى، وقد رسم خريطة الطريق لمستقبل واعد، إذ تم تبني اقتراحي، وتقرر تحديد يوم عالمي للمرض في 5 يناير، ثم تم تغييره إلى 1 يونيو، وكان الهدف الأبرز هو حصول علاج الهرمون على الموافقة وتوافره في الصيدليات لعلاج المرض.
حين عدت إلى البحرين دعم جيمس تأسيس جمعيتنا في البحرين، إضافة للدور البارز لرئيسة الجمعية البريطانية، مع دعم تأسيس جمعيات في مختلف دول العالم، حتى امتدت شبكة الجمعية لكل دول العالم. واستمرت المؤتمرات السنوية وكونت شبكة علاقات عامة مع الأوساط الطبية، مكنتها من أن تكون قوة ضاغطة وداعمة بخصوص العلاجات الواعدة والدراسات العلاجية بشأن المرض، حتى أصبحت مؤسسة قوية لها اسمها في الأوساط الطبية.
كانت المؤتمرات السنوية تمنح المرضى لقاء أفضل الخبراء الطبيين في هذا المرض، وساعد مستشارو الجمعية الطبيون في تثقيف الأطباء حول العالم، وتم قبول المرضى الأعضاء في دراسات علاجية.
ظل جيمس يناضل من أجل حياة أفضل للمرضى ويطور من الجمعية حتى تقاعده بالعام 2018، وتسلم مهام الجمعية ابنه بوب، تقاعد ولم يتخلى عن شغفه في الجمعية، فكان مستشارا لها يتابع تطوراتها ويمنحها من خبرته.. حتى رحيله الصادم.
سار بوب على خطى أبيه، فطور الجمعية أكثر، وقطعت خطوات كبيرة، فقد اتسع نطاق وصولهم إلى النخبة من الأطباء الخبراء في مجال المرض والمعاهد والمستشفيات وشركات الأدوية والساسة أيضا في جميع أنحاء العالم، ما أسهم في زيادة الوعي بهذا المرض، وإيجاد علاجات ناجعة، وجعلها متاحة للجميع، حتى تمكنت الجمعية بدعم من الجمعيات الرديفة من تحقيق حلم جيمس في الحصول على الموافقة على علاج هرمون الباراثايرويد كعلاج رسمي متاح للمرضى في الأسواق، حيث يعد هذا التقدم والإنجاز شهادة للإرث الذي تركه جيمس لنستمر فيه.
رحل جيمس ولم يرحل، إذ ترك جيلا من القادة يكملون مسيرته، وبصماته محفورة في كل إنجاز يتحقق على صعيد العلاج في المرض. وشخصيا كان جيمس بمثابة الصديق ورفيق النضال ومهندس كل نجاحاتي مع المرض، وكلنا مدينون له، وسيتذكره العالم على أنه الرجل الذي غير مستقبل مرض الهايبوباراثايرويد للأفضل. وقد وثقت تجربتي معه في كتابي 'عاشق الكالسيوم'، الذي ستصدر نسخته الإنجليزية قريبا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
القهوة والأرز.. ما سر علاقتهما بصحة القلب؟
توصلت دراسة علمية أجريت في اليابان إلى أن حمض الفيروليك، وهو مركب نباتي يوجد في القهوة والأرز، يقلل احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية. وأكد الباحثون من كلية الصيدلية بجامعة توهو اليابانية أن حمض الفيروليك يمنع انقباضات الشرايين، والتي تسبب النوبات القلبية وأوجاع الصدر والعديد من أمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة. وبحسب الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية Journal of Pharmacological Sciences ، المتخصصة في علم الدواء، وجد الباحثون خلال تجارب على أوعية القلب للخنازير، التي تشبه أوعية البشر، أن حمض الفيروليك يقلل انقباض الأوعية جراء أي تحفيز كيميائي داخل الجسم، وتوصلوا إلى أن هذا المركب يعمل من خلال آليتين مختلفين لوقاية الجسم من نوبات القلب. وأوضح الباحثون أن حمض الفيروليك يمنع دخول الكالسيوم إلى الخلايا العضلية، وهو ما يؤدي إلى انقباض الشرايين، كما يساعد أيضا في وقف عمل بروتين معين يحمل اسم الميوسين، وهو من العوامل المسببة للانقباض. واكتشف الباحثون أن حمض الفيروليك أكثر فائدة من مادة الديلتيازيم، التي تستخدم على نطاق واسع في توسيع الأوعية الدموية. ونقل الموقع الإلكتروني "سايتيك ديلي" المتخصص في الأبحاث العلمية عن الطبيب كينتو يوشيوكا رئيس فريق الدراسة قوله: "نظرا لأن حمض الفيروليك مشتق من أصول نباتية ويعتبر من المواد الآمنة، فهو يمثل أحد المكونات الغذائية الصحية، وربما يكون أساسا لصناعة أدوية علاج القلب في المستقبل".


الوطن
منذ 3 أيام
- الوطن
عيسى بن سلمان.. الرؤية الثاقبة والقيادة البارعة
حملت الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء، مؤخراً، إلى وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، تنفيذاً لرؤى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، الكثير من المعاني والدلالات حول مدى اهتمام المملكة بأبناء المجتمع البحريني خاصة وأن الصحة والتعليم يمثلان أهمية قصوى لدى أي مجتمع. ولقد كان لافتاً ما أكد عليه سمو وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء حول أهمية استمرار تنفيذ البرامج الحكومية وفق نهج مؤسسي، من خلال آليات واضحة ومسارات متابعة دقيقة، بما يسهم في تعزيز كفاءة الأداء ورفع مستوى الخدمات من أجل تنمية شاملة ومستدامة تضع المواطن في قلب مسار التطوير، لاسيما وأن الزيارة جاءت في إطار المتابعة للإطار الموحد للبرامج الحكومية ذات الأولوية في نسخته الرابعة الذي أقره مجلس الوزراء وتشرف عليه اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. من هذا المنطلق جاء التأكيد من سموه على متابعة المشاريع الخدمية في قطاعي الصحة والتعليم لضمان أن تُنفذ بما يلبّي احتياجات المواطنين ويدعم تطوير القطاعات الحيوية التي ترتبط بشكل مباشر بالمجتمع، وهو ما تحرص عليه الدولة من خلال الاهتمام بهذين القطاعين المهمين. إن المتتبع للمؤسسات والهيئات والمهام التي تولاها سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة يلحظ جلياً مدى النجاح الذي تحقق بفضل رؤيته الثاقبة وقيادته البارعة، لاسيما وهو يرأس مجلس أمناء وقف عيسى بن سلمان التعليمي الخيري، ورئيس مجلس إدارة صندوق العمل «تمكين»، ورئيس الهيئة العليا لنادي راشد للفروسية وسباق الخيل، لذلك فإن تولي سموه منصب وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء، سوف يكون له بالغ الأثر على الكثير من الملفات المهمة خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن البرامج الحكومية ذات الأولوية في نسختها الرابعة تمثل نهجاً استراتيجياً يهدف إلى توجيه الجهود والموارد نحو البرامج والمبادرات التي تعود بالنفع على أبناء المجتمع البحريني، وتسهم في تحقيق الخير والنماء والازدهار من أجل تحقيق أهداف المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه وتوجيهات صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.


البلاد البحرينية
منذ 3 أيام
- البلاد البحرينية
حواويج البحرين واجهوا الأمراض الفتاكة منذ القدم
ما إن تمر أمام دكاكين العطارين، أو كما يُعرفون محليًا بـ 'الحواويج'، في سوق المنامة، حتى تغمرك روائح ذكية تنبعث من الأعشاب والتوابل والخلطات، وتتسلل من أنفك لتوقظ خلايا الذاكرة، وتعيدك إلى زمن الطيبين. هناك، حيث كان وجع البطن يُعالج بالمرقدوش، وضيق التنفس تُخفف وطأته بالجعدة أو النقظة (نبتتان عشبيتان شهيرتان في الخليج العربي).. تلك هي صيدليات الزمن القديم، الموروثة جيلًا بعد جيل، والتي شكلت جزءًا من هوية البحرين الصحية الشعبية. رجال ونساء.. بصمة في ذاكرة المهنة منذ قرون، تألقت أسماء بحرينية في ميدان العطارة، وفي إصدار 'نادي الخمسين' تم تخصيص باب 'ريترو البلاد' لتقارير وثائقية عن بعض المهن ومنها مهنة 'الحواج'، إذ اشتهرت بعض الأسماء منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مثل المرحومين ظاعن الظاعن وابنه عبدالله، ومحمد بن فضل النعيمي، والحاج علي بن الشيخ حسن المسقطي، والحاج جمعة الكنكوني، والحاج أحمد الكنكوني، والحاج عبدالله بن سعيد، والحاج حميد كازروني، والحاج إبراهيم بن عباس الخزاعي، والحاج محمد خلف. ومن النساء، اشتهرت المرحومة ظبية البوفلاسة، إلى جانب نساء عرفن بأسماء مناطقهن مثل 'البلادية'، 'الستراوية'، 'غذبة'، 'المناعية'، و 'جميعة'.. هؤلاء وإن رحلوا، رحمهم الله، فإن أبناءهم وأحفادهم ما يزالون يحملون مشعل المهنة، يزاوجون بين الخبرة المتوارثة والدراسة الأكاديمية، في مسيرة امتدت لما بين 150 إلى 200 عام. صيادلة الزمن الجميل في الماضي، لم يكن الحواج مجرد بائع أعشاب، بل كان طبيبًا شعبيًا متنقلًا، يزور البيوت في القرى والمدن، يشخص الحالات، ويوصي بالعلاج المناسب من الأعشاب، مقابل مبلغ زهيد، وقد وثّق الباحث في التراث فؤاد الشكر هذه المهنة، مشيرًا إلى أعلامها مثل الحاج عباس بن حمزة الحواج، الحاج أحمد الكنكوني، والمرحوم علي بن الشيخ حسن المسقطي، الذي كان ذا علم واسع بالطب الشعبي واكتسب معارفه من الترحال والخبرة، وكان من البارعين كذلك المرحومون الحاج يوسف الحمد، الحاج علي الكنكوني، علي بن علي الحواج، وحجي عبدالله المخلوق. زمن الطاعون والكوليرا لم تقتصر مهنة الحواج على بيع الأعشاب، بل شملت تحضير وصفات طبيعية لعلاج أمراض منتشرة مثل 'أبو صفار' (اليرقان) باستخدام القلمان والكاكول، ومعالجة الملاريا بالجعدة، التي تُستخدم كذلك لحصى المرارة، والنقظة (المعروفة بشوك الحنش). ويروي كبار السن كيف لجأ الناس إلى 'الحواويج' أثناء تفشي أمراض فتاكة مثل الطاعون والكوليرا والجدري بين العامين 1903 و1910، في وقت عجز فيه الجميع عن وقف زحف هذه الأوبئة، التي أودت بحياة عائلات بأكملها. جذور العلاج في تراب الأرض كما يقول المثل الشعبي 'تلقى الدواء في أخس الشجر'، فحتى اليوم، تُصنع العديد من الأدوية الحديثة من نباتات وأعشاب عرفها 'الحواويج' منذ مئات السنين. الجميل أن عددًا من أبناء الجيل الجديد في العائلات العريقة بهذه المهنة اتجهوا إلى دراسة الطب والصيدلة، فجمعوا بين الأصالة والعلم، وواصلوا رحلة العلاج، لكن هذه المرة في مختبرات وأروقة المستشفيات.