logo
50 سنة على أعمالٍ من الفن الراقي

50 سنة على أعمالٍ من الفن الراقي

الشرق الأوسط٢٨-٠٣-٢٠٢٥

عامان بعد الانتصار الذي حققته مصر لدى عبورها قناة السويس وتحريرها شبه جزيرة سيناء سنة 1973، قدّم المخرج علي بدرخان رواية «الكرنك» التي كتبها نجيب محفوظ خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، موحياً بنفوذ مراكز القوى وما ارتكبته في حق مصر ومسؤوليتها الشاملة عن هزيمة 1967. بذلك حرّك محفوظ بذور التهمة لتك الفترة، مرتكزاً كما عادة روايات اجتماعية أخرى له، على شخصيات متعددة كل واحدة ترمز إلى جلاد أو ضحية.
المخرج علي بدرخان، في ثاني فيلم له من بعد «الحب الذي كان» (1973) كان جريئاً في نقل القصّة إلى فيلم ومن ثَمّ في الذهاب لما وراء الإيحاء بحيث كان الفيلم واضحاً في نقده لمراكز القوى. وإذ يبدأ بمشهد لمقهى الكرنك من الخارج. عامل ينظّف الزجاج.
الشخصيات غير الواضحة قبل التنظيف تتضح وقد انتهى العامل مما قام به. يفتح الباب ويدخل في الوقت الذي يأتي فيه خبر عبر «الراديو» يعلن فيه متحدّث رسمي أن قوات الجيش المصري نجحت في عبور قناة السويس وتتقدم لتحرير الأرض.
بعد ذلك سيلتفت الفيلم لاستعراض شخصياته بين ضحية للفترة السابقة ورموز تلك الفترة. الجرأة هنا لم تكن من نصيبه وحده، بل من نصيب الإنتاج (ممدوح الليثي) والرقابة المصرية التي أجازته.
سعاد حسني وصلاح ذو الفقار في «الكرنك» (الليثي فيلمز)
عام إنجازات عربية
كل هذا حصل قبل 50 سنة تبدو لنا الآن، عبر نظرة بانورامية شاملة، كما لو وقعت فوق كوكب آخر. هذا نظراً لأن سنة 1975 كانت حافلة بالأفلام الرائعة التي لن تتكرَّر بالمستوى والبذل نفسيهما، كون معظم من حققوا تلك الأفلام رحلوا عن دنيانا تاركين ميراثاً رائعاً.
إنها السنة التي خرج بها فيلم «وقائع سنوات الجمر» لمخرجه الجزائري محمد لخضر حامينة بالسعفة الذهبية من مهرجان «كان». الفيلم العربي الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة الأولى في تاريخ المهرجان وحتى اليوم. هي أيضاً السنة التي قدّم فيها الراحل برهان علوية فيلمه الدراما الوثائقية «كفر قاسم» عن المجزرة التي راح ضحيّتها عمَّال فلسطينيون لدى عودتهم إلى قريتهم لم يعلموا بقرار حظر التجوُّل.
عربياً أيضاً، كانت هناك ملامح لسينما بديلة تكوَّنت من مخرجين من المغرب، وتونس، ولبنان، وسوريا، ومصر، والعراق تزامنت مع ثورات سينمائية في أكثر من بلد حول العالم من القارة اللاتينية إلى أوروبا (شرقها وغربها) ومن الولايات المتحدة إلى أفريقيا مروراً بآسيا.
«مرآة» لأندريه تاركوڤسكي (موسفيلم)
نماذج رائعة
بيد أن المنظر العام لا يتوقّف عند سينمات مستقلة وموجات متجددة وتيارات. هذا لأن الأفضل على أكثر من صعيد بقي في إطار سينما الإنتاجات السائدة التي أثمرت طوال عقد السبعينات أساساً وفي عام 1975 تحديداً عن كنوز بديعة ما زالت مثيرة في أساليبها وأفكارها ومعالجاتها الفنية إلى اليوم. مع مرور تلك العقود تبدو هذه الأفلام أهم ممَّا بدت حينها نظراً لأنها لم تنحنِ للتاريخ أو تذبل أمام متغيراته.
في ذلك العام حقَّق ستانلي كوبريك «باري ليندون». دراما عن مجنّد آيرلندي في القرن الـ19 كسب وِد المجتمع المخملي والطبقة العليا خافياً نشأته وحقيقة هروبه من الخدمة العسكرية. أهدى المخرج الدور للممثل رايان أونيل («قصة حب») وسط تعجّب المتابعين على أساس أن أونيل ليس الممثل الذي يجيد الأداءات الصعبة، بيد أن كوبريك أدار بطل فيلمه جيداً والمستوى الفني للفيلم، فإنه لا يقل إبداعاً عن أفلام كوبريك الأخرى.
في عام 1975 قدَّم الروسي أندريه تاركوڤسكي تحفته «المرآة»: مناجاة تنبع من ذكريات المخرج عن أمِّه وعن سنوات صباه ممتزجة بمشاهد ترقى إلى أعلى سمات اللوحات الفنية.
لم يكن فيلماً معارضاً للنظام، لكن هناك فصل فيه يوضح كيف هرعت بطلة الفيلم لإصلاح معلومة صحافية قبل الطبع في الصحيفة حيث تعمل. ذلك الخوف الماثل أمامها وهي تركض في الردهات قبل فوات الأوان، هو تعليق المخرج على الوضع الذي لم يعش ليشهد نهايته في الثمانينات.
ما زالت ماثلة
مثله في سينما التأمل حقّق الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني فيلم خلاّب (رغم بعض الهنَّات) بعنوان (ThePassenger) «المسافر» مع جاك نيكلسون في دور رجل تقمّص شخصية آخر لا يعرفه ليكتشف أن هذا الآخر مهرِّب سلاح وأنه بات مطارداً. أنطونيوني من الذكاء بحيث يضع الأحداث في قالب لا يقصد التشويق بيد أنه يضمن ثبات الرغبة في معرفة هذا المصير البادي.
جاك نيكلسون أيضاً ظهر في فيلم ميلوش فورمن (One Flew Over the Cuckoo's Nest) «واحد طار فوق عش الوقواق». العنوان مجازي لمستشفى المجانين ونيكلسون هو الممتنع عن الانصياع للمؤسسة متمرداً بعناد ضد تعاليمها. هذا الموضوع يوازي موضوعات سابقة حققها هذا المخرج التشيكي في بلده خلال الستينات. فاز الفيلم بخمس جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج.
إلى جانب كل هؤلاء كانت هناك أفلام أخرى رائعة لعدد كبير من المخرجين الذين ذهبوا وذهب معهم ما رسموه بالكاميرا عن الحياة وإيقاعاتها وأحداثها وبأساليب تستوعب كتاباً وليس مقالاً. من هؤلاء الياباني أكيرا كورساوا الذي أنجز «درسو أوزالا»، حكاية صيّاد عجوز يرفض مغادرة الغابة التي عاش فيها. جون هيوستن تعامل في «الرجل الذي قد يُصبح ملكاً» مع حكاية جنود بريطانيين خلال حقبة احتلال الهند. إليهم أخرج آخرون أعمالاً مهمّة شكَّلت مفاصل بارزة في مسيراتهم مثل فرنسوا تروفو («قصة أديل هـ.») وديك ريتشاردز («وداعاً يا حبي»)، وإنغمار برغمان («المزمار السحري»)، وثيو أنجيلوبولوس («الممثلون الرحالة»)، وجان-لوك غودار («الرقم 2»)، وجون شليسنجر («يوم الجراد») من بين كثيرين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حضور لافت للنجمات العرب على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي
حضور لافت للنجمات العرب على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي

مجلة سيدتي

timeمنذ 24 دقائق

  • مجلة سيدتي

حضور لافت للنجمات العرب على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي

شهدت الدورة الـ 78 الحالية من مهرجان كان السينمائي الدولي حضوراً قوياً ولافتاً للعديد من نجمات الوطن العربي على الريد كاربت، اللواتي استطعن أن يخطفن الأنظار بحضور قوي ولافت، وكانت اختيارات النجمات أنيقة ومميزة تناسبت مع طبيعة الحدث العالمي. حضور مميز ليسرا تواجد الفنانة يسرا في مهرجان السينمائي الدولي كل عام، له طبيعة خاصة ومميزة، وخلال هذا العام كان لها بصمة قوية في فعاليات المهرجان بعدما تواجدت في عدد من الندوات والنقاشات الفنية. من أبرز الفعاليات التي حرصت يسرا على حضورها هي Women in Cinema، واختارت أن تتألق بفستان أسود اللون من توقيع المصمم اللبناني طوني ورد، تميز بقصة فخمة خصوصاً عند الكتفين. View this post on Instagram A post shared by مجلة سيدتي (@sayidaty) ريا أبي راشد أبرز الحضور الإعلامية ريا أبي راشد تحرص دائما على التواجد في المهرجانات والفعاليات العالمية، ولم تفوت هذا العام التواجد في مهرجان كان السينمائي الدولي، وتميزت في حفل الافتتاح بفستان من طراز خاص من توقيع المصمم اللبناني جورج شقرا. View this post on Instagram A post shared by مجلة سيدتي (@sayidaty) ياسمين صبري لا تفوت مهرجان كان على الرغم من انشغال الفنانة ياسمين صبري بالعرض الخاص لفيلمها الجديد "المشروع x " وعدم تواجدها في حفل الافتتاح والفعاليات التي أقيمت في الأيام الأولى من المهرجان، لكنها توجهت للمدينة الفرنسية للاستمتاع بباقي أيام المهرجان، وفور حضورها لفتت الأنظار بإطلالات أنيقة ساحرة . View this post on Instagram A post shared by مجلة سيدتي (@sayidaty) مي عمر تتألق كالعروس استمتعت الفنانة مي عمر بأجواء فرنسية مميزة خلال هذه الدورة من المهرجان وأجرت العديد من جلسات التصوير بإطلالات عصرية مميزة، وبجانب ذلك كانت حريصة على حضور العرض الأول لفيلم 'Nouvelle Vague' ، وظهرت على الريد كاربت بفستان أبيض بتصميم أنيق جعلها أشبه بالعروس. / View this post on Instagram A post shared by مجلة سيدتي (@sayidaty) ماغي بوغصن بحضور ملكي حرصت الفنانة اللبنانية ماغي بو غصن الأنظار خلال ظهورها على "ريد كاربت" العرض الخاص لفيلم The Phoenician Scheme، وتألقت خلال الحفل بفستان مميز خطف الأنظار، فظهرت وهي ترتدي فستاناً أزرق ملكياً أنيقاً؛ تناسب مع قوامها والظهور على الريد كاربت في مهرجان عالمي مثل كان، وتعاملت مع الحضور الإعلامي بطريقة لائقة كعادتها، وحرصت على التقاط صور تذكارية لتوثيق هذا الحدث. وصول النجمة ماغي بو غصن والمنتج جمال سنان إلى السجادة الحمراء لفيلم The Phoenician Scheme، ضمن فعاليات اليوم السادس من مهرجان كان السينمائي الدولي، بإطلالة مميزة خطفا بها الأنظار وعدسات المصورين. #سيدتي_في_كان #مهرجان_كان_السينمائي_الدولي #Cannes2025 #CFF2025 @MaguyBouGhosn... — مجلة سيدتي (@sayidatynet) May 18, 2025 الأمومة لا تعيق سلمى أبو ضيف بعد مرور عدة أشهر على تجربة الولادة التي خضعت لها الفنانة سلمى أبو ضيف، قررت أن تتواجد في مهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام، وتألقت على الريد كاربت بفستان أسود أنيق بقصة كورسيه مكشوفة الكتفين وشفافة. View this post on Instagram A post shared by Salma Abu Deif (@salmaabudeif) كان لأمينة خليل حضور مميز في هذه الدورة من مهرجان كان السينمائي الدولي، واستطاعت أن تخطف الأنظار خلال حضورها حفل الافتتاح وكذلك فعالية women in cinema، خاصة وأنه وقع الاختيار عليها من مؤسسة البحر الأحمر السينمائي للتكريم في هذه الاحتفالية. View this post on Instagram A post shared by مجلة سيدتي (@sayidaty) يمكنكم قراءة لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».

كيف تألقت النجمات في اليوم الثامن من مهرجان كان السينمائي 2025؟
كيف تألقت النجمات في اليوم الثامن من مهرجان كان السينمائي 2025؟

مجلة سيدتي

timeمنذ 38 دقائق

  • مجلة سيدتي

كيف تألقت النجمات في اليوم الثامن من مهرجان كان السينمائي 2025؟

مع كل يوم جديد في مهرجان كان السينمائي 2025 ، تتألق النجمات على السجادة الحمراء بإطلالات تخطف الأنظار وتترك بصمة في عالم الموضة والجمال، وفي اليوم الثامن من هذا الحدث العالمي، شهدنا توليفة ساحرة من الأناقة والرقي، حيث تنافست النجمات في اختيار تصاميم مبهرة وتفاصيل ملفتة تعكس شخصياتهن وتبرز ذوقهن الرفيع، وسوف نستعرض أبرز الإطلالات التي لفتت الأنظار وسر تألق كل نجمة على طريقتها الخاصة. ياسمين صبري تخطف الأنظار بفستان جان بيار خوري مثل عادتها، خطفت ياسمين صبري الأنظار على السجادة الحمراء بإطلالتها بفستان أصفر بتصميم يبرز أنوثتها، حيث الياقة المفتوحة بدون أكمام، وقصّة تحدد الخصر بتنورة تبرز انحناءات قوامها الممشوق، مع تنورة إضافية منفوشة، وهو من توقيع المصمم جان بيار خوري، ونسقت معه مجوهرات فاخرة من شوبارد Chopard. إطلالة رومانسية من سكارليت جوهانسون جمعت إطلالة سكارليت جوهانسون Scarlett Johansson بين الأنوثة والرقة بفستانها الباستيلي الناعم بياقة ديكولتيه بدون أكمام وتصميم مزود بالكشاكش بالكامل مع تنورة واسعة مزودة بأوشحة طويلة تنسدل على الأرض من الجانبين. جورجينا تشابمان متوهجة بالفستان الأحمر Embed from Getty Images تميزت إطلالة جورجينا تشابمان Georgina Chapman بالطابع الحيوي المبهج، حيث اختارت فستانًا أحمر من التول المكشكش بصيحة الكتف الواحد مع تصميم يحدد الخصر وتنورة شفافة تنسدل عمودياً ولكنها تبدو منفوخة بفضل الكشاكش التي تزينها. اكتشفي 5 مفاجآت حملتها إطلالات النجمات في اليوم السابع من مهرجان كان إيفا هيرزيغوفا بفستان وردي أنثوي Embed from Getty Images اعتمدت إيفا هيرزيغوفا Eva Herzigova فستانًا أنثويًا باللون الوردي بقصّة مميزة ولافتة للأنظار، حيث أنه بتصميم قصير مزود بتنورة إضافية طويلة من الأمام، ونسقت معه القفازات السوداء للمسة كلاسيكية ساحرة، فضلاً عن الحذاء الكلاسيكي الأسود. توني جارن تعتمد إطلالة سوداء أنيقة Embed from Getty Images لفتت توني جارن Toni Garrn الأنظار على سجادة مهرجان كان بإطلالتها الأنيقة باللون الأسود، والتي جمعت بين توب دانتيل حمّالات مزود بكورسيه يحدد الجسم، مع بنطلون أسود بقصّة واسعة، وزاد سحراً بالكاب الطويل الراقي بالقماش الشفاف والمزين بالخيوط البرّاقة. تعرفي على روز برترام بفستان نيود مرصع Embed from Getty Images اختارت العارضة روز برترام Rose Bertram فستان نيود بقصّة أوف شولدر وبصيحة الكورسيه التي تبرز الخصر، مع تنورة تتسع من أسفل، وتميز بالتطريزات والخيوط الميتاليكية البرّاقة التي تزينه في مختلف أنحائه لتضيف لمسة فاخرة للتصميم. إلسا هوسك عروس بالفستان الأبيض بدت إلسا هوسك Elsa Hosk مثل العروس بفستانها الأبيض الساحر، والذي تميز بالياقة الديكولتيه المطوية بدون أكمام، مع قصّة تحدد الخصر وتنورة ماكسي واسعة تنتهي بالريش من أسفل ليمنحها فخامة وجاذبية لا تضاهى. شاهدي

فيلمان مخيبان بتوقيع نسائي في مهرجان "كان"
فيلمان مخيبان بتوقيع نسائي في مهرجان "كان"

Independent عربية

timeمنذ 40 دقائق

  • Independent عربية

فيلمان مخيبان بتوقيع نسائي في مهرجان "كان"

في دورة هذا العام من مهرجان "كان" السينمائي التي تقام خلال الفترة من الـ13 إلى الـ24 من مايو (أيار) الجاري، حمل فيلمان لمخرجتين شابتين هما "ألفا" لجوليا دوكورنو و"الصغيرة الأخيرة" لحفصية حرزي وعوداً كبيرة، لكنهما سرعان ما تهاويا تحت وطأة التوقعات. كلا العملين جاء من اسمين سبق أن لفتا الانتباه، دوكورنو كفائزة بـ"السعفة الذهبية" السابقة وحرزي بصفتها ممثلة ومخرجة تنتمي إلى سينما الهوية في فرنسا، غير أن النتيجة في الحالتين جاءت مخيبة، إذ يعاني الفيلم الأول من إرهاق بصري والثاني يغدو ضحية تكرار المقاولات، وما كان يفترض أن يكون صدمة جمالية أو تمريناً على الجرأة انقلب إلى تمارين سردية متعثرة، تؤكد أن النية لا تصنع المعجزات السينمائية. "ألفا" لجوليا دوكورنو بعد نيلها "السعفة" عن فيلم "تيتان" عام 2021، تعود المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو إلى المسابقة الكانية بـ"ألفا"، الذي لا يبدو سوى تكرار لما أصبح بصمتها الإخراجية، عالم غارق في رعب الجسد واضطرابات النفس وعدمية الوجود، لكن ما كان ينظر إليه سابقاً كجرأة وخروج عن المألوف، يتحول في هذا الفيلم إلى صيغ متيبسة واستنزاف لأدوات تفقد دلالتها تحت وطأة الاستخدام المفرط والتكلف الفني. الفيلم يدور في مدينة غامضة منزوع عنها الزمان والمكان، تعيش تحت تهديد مزدوج، فيروس يحول المصابين إلى كتل حجرية، وعاصفة رملية حمراء مدمرة، وسط هذا المشهد الكابوسي، نتابع طبيبة (غولشيفته فرهاني) وابنتها المراهقة (ميليسا بوروس)، في علاقة تحكمها الهشاشة والخوف، وحضور شقيق الأم المدمن (طاهر رحيم) سيضاعف هذا القلق من دون أن يضيف أي عمق درامي، بل يجر الفيلم نحو دراما عائلية لا تقدم ولا تؤخر في شيء. دوكورنو تسعى إلى دمج عناصر متعددة من سينما الكوارث إلى دراما المراهقة ومن رعب العدوى إلى تروما الأجيال، لكن هذا التداخل لا ينتج رؤية متكاملة بل خليطاً غير متجانس من الأنماط، وكل مشهد يبدو مصمماً ليكون "لحظة عظيمة"، لكنه يتداعى بفعل الإلحاح الرمزي والإخراج المتوتر، مما يفقد الفيلم بعده الإنساني لمصلحة استعراض بصري خانق. والجسد الذي كثيراً ما كان محور سينما دوكورنو، يتحول هنا إلى مجرد واجهة لتصعيد درامي مكرر، حتى القلق الوجودي الذي شكل قوة دافعة في أفلامها السابقة بات متكلفاً، وشخصيات "ألفا" تفتقر إلى الكاريزما، ضحية قوالب درامية مستنزفة لا تثير التعاطف ولا الفضول. وإن كانت هناك لحظات تستحق الذكر مثل مشهد الختام، فإنها تظل استثناء في فيلم يغرق في الضجيج، و"ألفا" يوثق لحظة سقوط فني لمخرجة كان ينتظر منها أن تخطو إلى الأمام، فإذا بها تعيد اجترار رؤيتها، إلى حد تحولها إلى عبء على نفسها. "الصغيرة الأخيرة" لحفصية حرزي منذ فيلمها الروائي الطويل الثالث، تدخل الممثلة والمخرجة الفرنسية التونسية حفصية حرزي بفيلمها "الصغيرة الأخيرة"، وعلى رغم أهمية المشاركة يمكن اعتبار هذا العمل من بين الأضعف ضمن الأفلام المتنافسة. يحكي الفيلم عن فاطمة (تؤدي دورها ناديا مليتي) مراهقة من ضواحي باريس، تنتمي إلى بيئة عربية إسلامية تقليدية يطغى فيها الحس الجماعي على الفردانية، وهذا التفصيل يتعاظم حضوره تدريجاً في سردية الفيلم، ليتحول إلى عمود فقري في تشكل الشخصية ومسارها. فاطمة وهي أصغر أفراد عائلتها، ظاهرياً لا تبدو أنها تعاني أزمات كبيرة، فهي تؤدي صلواتها وترتدي الحجاب أحياناً، وتتماهى أحياناً أخرى مع قيم المجتمع الفرنسي العلماني. ولكن التوتر الحقيقي ينبثق من إدراكها لميولها الجنسية، إذ تشعر بانجذاب إلى الفتيات مما يفتح الباب أمام سلسلة من التساؤلات الوجودية عن هويتها الثقافية وميولها وموقعها من العالم ومن الآخرين، بل ومن ذاتها أيضاً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فاطمة مؤمنة بتعاليم الإسلام، ولكنها خلال الوقت نفسه عاجزة عن كبح رغباتها، فكيف لها أن توائم بين هذه التناقضات، وبخاصة في بيئة ترى في المساس بالموروث الديني خروجاً عن المألوف لا يغتفر؟ تجد فاطمة نفسها وحيدة في مواجهة واقع لا يمنحها ترف الاختيار، لكنها مع ذلك تخوض رحلة داخلية شجاعة نحو قدر من الحرية، أياً كانت صورتها في النهاية. بهذه الحكاية، تحاول حرزي الانخراط ضمن تيار "تمكين المرأة" في السينما، وتسجل حضورها من أوسع الأبواب، وإن لم يخل عملها من هنات درامية وبنائية قد تحد من تأثيره. الفيلم يستند إلى رواية بالعنوان نفسه للكاتبة الفرنسية الجزائرية فاطمة داس الصادرة عام 2020، وهي سيرة شبه ذاتية نالت اهتماماً نقدياً عند صدورها، ولا يشك أحد في نيات حفصية حرزي وصدق تعاطيها مع هذا النص، فمسيرتها التي بدأت مع فيلم "كسكسي بالسمك" قبل أكثر من عقد ونصف العقد تشهد على حضور حقيقي وشغف أصيل بالسينما، غير أن ظل المخرج عبداللطيف كشيش، الذي أطلقها إلى الأضواء، لا يزال يخيم على أسلوبها. لحظات حقيقية حرزي لا تزال أسيرة فكرة "الصدمة"، إذ تطغى رغبتها في زعزعة السائد أو إثارة الانتباه على قدرتها الفعلية في سرد قصة محكمة ومتماسكة، والنتيجة أنها لا تنجح تماماً لا في الصدمة ولا في الحكاية، على رغم محاولاتها الواضحة ركوب موجة التوجهات الراهنة في طرح الأسئلة من موقع امرأة مسلمة حرة. ويمتد تأثير عبداللطيف كشيش في فيلم حرزي إلى تفاصيل دقيقة تتجاوز الأسلوب العام، ليشمل النحو الذي يتفاعل فيه الشخصيات مع بعضها بعضاً في الحياة اليومية، خصوصاً على مائدة الطعام، إذ لا شيء يبدو عفوياً أو نابعاً من لحظة تلقائية. في أفلام كشيش، تتحول هذه التفاصيل إلى لحظات معيشة حقيقية، أما في "الصغيرة الأخيرة" فهذا التأثير لم يهضم بعد، إذ لا تتمكن حرزي من إعادة تشكيله أو تملكه بأسلوبها الخاص، كما يفعل السينمائيون الناضجون حين يحولون تأثيراتهم إلى أدوات شخصية. على صعيد السرد، تتخذ الحكاية مساراً معتاداً، محطات إجبارية تمر بها فاطمة منذ لحظة إدراكها لذاتها وحتى التصالح مع هذا الإدراك، من أبرز هذه المحطات شعور الذنب، ذاك الثقل الأخلاقي الذي لا بد أن يرافق الشخصية، ثم تأتي قصة الحب الواعدة التي لا تلبث أن تتحول إلى تجربة فاشلة، وهنا، يتورط الفيلم في منطقة تغرق برائحة الكليشيه، على رغم محاولات حرزي تجنب السقوط في فخ تصوير الصراع على أنه مطاردة مبتذلة بين الانفتاح والرجعية. وعلى رغم كل العيوب البنيوية والدرامية، تظل ناديا مليتي في دور فاطمة عنصر الإنقاذ الأبرز، بكاريزما طبيعية وهدوء لافت، تمنح الشخصية شيئاً من الحياة على الشاشة، مما يدفعنا إلى البقاء داخل الفيلم حتى النهاية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store