logo
الإرث الثقيل: الحوكمة المترهلة تعقد مسار المساعدات لسوريا

الإرث الثقيل: الحوكمة المترهلة تعقد مسار المساعدات لسوريا

المدن٢٩-٠٤-٢٠٢٥

رغم تشكيل حكومة جديدة تحمل طموحات إصلاحية، إلا أن البنية المؤسسية للنظام المالي السوري لا تزال تعاني من ترهل وظيفي وفساد متجذر، تراكم بفعل سنوات من السياسات الريعية وسوء الإدارة في عهد النظام السابق.
ويبرز ضعف آليات الحوكمة المالية ــ خصوصاً في وزارة المالية ــ كعامل مهيمن يعيق تحقيق الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام، مما يضعف قدرة الدولة على تلبية الشروط الهيكلية المطلوبة لتسييل المنح الدولية.
وقال مصدر مطلع على سير محادثات الوفد الاقتصادي السوري مع البنك الدولي في واشنطن، والتي جرت الأسبوع الماضي، لـ"المدن"، إن الأزمة تفاقمت بفعل ازدواجية سلاسل الرواتب والميزانيات، إذ تستمر الحكومة بدفع رواتب بالدولار لموظفين تم دمجهم لاحقاً في مؤسسات الدولة المركزية كانوا تابعين لحكومة الإنقاذ بإدلب، فيما يتقاضى موظفو الدولة السورية رواتب ضئيلة بالعملة المحلية. هذا الانفصام المالي لا يعكس فقط خللاً حسابياً، بل يعمق التشوهات في سوق العمل، ويفاقم مشكلات التوزيع العادل للإنفاق العام، ويؤثر على قدرة الحكومة على بناء ميزانية وطنية موحدة، وهو شرط أساسي لاستعادة ثقة المجتمع المالي الدولي.
ويضاف إلى ذلك الاعتماد على آليات دفع إلكترونية خارجة عن النظام المصرفي الرسمي، الذي أثار تحفظات واسعة لدى خبراء البنك الدولي لصعوبة ضمان أمنه المعلوماتي، وضعف الرقابة عليه، بما يهدد بتقويض جهود تعزيز القطاع المصرفي واستعادة دوره التقليدي في ضبط السيولة والنقد.
وأشار المصدر إلى أن الحكومة الانتقالية السورية لم تتمكن من إجراء تعديلات بنيوية جوهرية لمعالجة الاختلالات القائمة، نظراً لقصر المدة الزمنية التي تفصل بين توليها لمهامها التنفيذية وانطلاق المفاوضات الدولية. هذا الواقع الموضوعي جعل من الصعب في المرحلة الراهنة الدخول في عمليات معقدة لإعادة هيكلة منظومة الرواتب، أو تصحيح اختلالات سلاسل الأجور، أو ضبط الكتلة الوظيفية في القطاع العام وفق معايير الاستدامة المالية. وقد أبدى مسؤولو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تفهماً لهذا السياق الزمني الضاغط، حيث أكدوا خلال مباحثاتهم مع الوفد السوري، أن تصويب هذه التشوهات يتطلب رؤية إصلاحية متدرجة وزمناً كافياً لتنفيذ إصلاحات هيكلية معمقة، لا يمكن اختزالها بإجراءات ظرفية أو قصيرة الأجل.
التحركات الإصلاحية
وبالرغم من الإخفاقات البنيوية، شهدت الاجتماعات التي عقدها الوفد السوري في واشنطن، إشارات مشجعة على وجود إرادة حقيقية للانخراط في مسار إصلاحي جاد. وقاد وزير المالية الدكتور يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، جهوداً حثيثة لتقديم رؤية متكاملة لإعادة هيكلة الإطار المالي والنقدي السوري، تقوم على مبادئ الحوكمة الرشيدة والشفافية الاقتصادية والانفتاح الاستثماري.
وفي هذا السياق، أكد السياسي السوري المقيم في واشنطن، أيمن عبد النور، لـ"المدن"، أن السوريين محظوظون بوجود كل من برنية وحصرية في منصبهما، نظراً لما يتمتعان به من خبرات واسعة في التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، وشبكة علاقات مؤثرة في الوسطين المالي والدبلوماسي الإقليمي والدولي.
ونقل عبد النور تفاصيل اللقاء الذي حضره، وجمع الوزيرين مع نحو ستين شخصية سورية من أبناء الجالية في واشنطن ومحيطها، حيث أكد الوفد السوري التزامه بتبني إصلاحات جوهرية تشمل مراجعة النظام الضريبي، وإعادة هيكلة القوانين المصرفية والتجارية، وإطلاق برامج تحفيزية للمستثمرين، والانتقال إلى اقتصاد رقمي متقدم بالاستفادة من تجارب إقليمية ناجحة، خصوصاً التجربة السعودية.
وشدد وزير المالية خلال اللقاء، على استعداد الحكومة لإعادة النظر في قواعد اقتصادية كانت تعد سابقاً "مقدسة"، مثل سياسات الإصلاح الزراعي وأنظمة الخصخصة، بما يعزز الدور الريادي للقطاع الخاص في النمو الاقتصادي، ويفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص والمغتربين السوريين في تنمية مختلف القطاعات، بما فيها تحويل الأندية الرياضية إلى شركات مساهمة عامة.
وأكد الوفد أن الحكومة تعمل على استعادة خدمات المراسلة البنكية، وتوسيع مشاريع البنية التحتية بتمويل دولي في قطاعات الطاقة والتعليم والصحة، إلى جانب الاستعداد لاستقبال بعثة من صندوق النقد الدولي لدعم جهود إرساء آليات الحوكمة والشفافية المالية.
ولفت عبد النور إلى أن المصرف المركزي السوري حصل على منحة دعم فني من البنك الدولي، لبناء آليات حديثة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يشكل حجر الأساس لأي خطة متكاملة لإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.
التحديات المستقبلية ومسارات الإنقاذ
ورغم الإشارات الإيجابية، تبقى التحديات أمام الحكومة السورية جسيمة. فتسوية الملفات العالقة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لن تكون ممكنة بدون إصلاحات ملموسة في البنية المؤسسية للدولة. كما يتيح الالتزام الحقيقي بالتحول المؤسسي فرصة استراتيجية للحكومة لإعادة تموضع سوريا داخل الخارطة الاقتصادية الإقليمية والدولية.
بجانب ذلك، يساعد الدعم العربي، خصوصاً من السعودية وقطر، في حثّ المؤسسات الدولية على استئناف برامجها في سوريا، ويشكل رصيداً مهماً ينبغي البناء عليه. كما أن الالتزام بتحديث التشريعات، وإطلاق المشاريع الاستثمارية الكبرى في قطاعات حيوية مثل الطاقة والصحة والتعليم، واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، كلها مسارات ضرورية لإنقاذ الاقتصاد السوري من مزيد من الانهيار، ووضعه على سكة التعافي المستدام.
إن التحدي اليوم لم يعد تقنياً أو مالياً بقدر ما هو تحدٍ للخيارات السياسية والاستراتيجية للحكومة السورية. فإما أن تنتصر الإرادة الإصلاحية ويتم التأسيس لحقبة جديدة من الشفافية والانفتاح، أو تتكرس حالة الانكفاء والعزلة الاقتصادية، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على مستقبل سوريا وشعبها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوع
الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوع

IM Lebanon

timeمنذ 25 دقائق

  • IM Lebanon

الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوع

صعد الذهب خلال التعاملات الآسيوية الأربعاء، إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن وسط حالة من عدم اليقين المالي في الولايات المتحدة، حيث يناقش الكونغرس مشروعا شاملا للضرائب. ارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2 بالمئة إلى 3293.98 دولار للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 12 مايو في وقت سابق من الجلسة. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.3 بالمئة إلى 3295.80 دولار، بحسب بيانات وكالة رويترز. وتراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ الثامن من مايو، مما يجعل الذهب المسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وقال إدوارد مائير المحلل في شركة ماريكس 'خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع استمرار تصنيف موديز الائتماني بالإضافة إلى الشكوك حول مشروع قانون الضرائب الذي قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقويض الدولار'.

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟
الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟

صعد الذهب اليوم الأربعاء إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن وسط حالة من عدم اليقين المالي في الولايات المتحدة، حيث يناقش الكونغرس مشروعاً شاملاً للضرائب. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2 بالمئة إلى 3293.98 دولاراً للأوقية، بعد أن سجّل أعلى مستوى له منذ 12 أيار/مايو في وقت سابق من الجلسة. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.3 بالمئة إلى 3295.80 دولاراً. وتراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ الثامن من أيار/مايو، ما يجعل الذهب المسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وقال المحلّل في شركة "ماريكس" إدوارد مائير "خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع استمرار تصنيف موديز الائتماني بالإضافة إلى الشكوك بشأن مشروع قانون الضرائب الذي قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقويض الدولار". كان ترامب قد ضغط أمس الثلاثاء على رفاقه الجمهوريين في الكونغرس لتوحيد صفوفهم خلف مشروع قانون شامل لخفض الضرائب، لكنّه فشل على ما يبدو في إقناع مجموعة من الرافضين الذين لا يزال بإمكانهم عرقلة المشروع. وذكر كبير محلّلي السوق في "كيه سي أم" تيم ووترير "من المرجّح أن يشهد الذهب مزيداً من الارتفاع على المدى المتوسّط إلى الطويل، على الرغم من أنّه إذا ظهرت أي عناوين إيجابية لصفقات تجارية، فقد يكون ذلك عقبة أمام الذهب في محاولة استعادة مستوى 3500 دولار". وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضّة في المعاملات الفورية 0.2 بالمئة إلى 32.99 دولاراً للأونصة، ونزل البلاتين 0.3 بالمئة إلى 1050.25 دولاراً بينما صعد البلاديوم بنسبة 0.5 بالمئة إلى 1017.93 دولاراً، وهو أعلى مستوى له منذ الرابع من شباط/فبراير. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟
الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

الذهب يصعد إلى أعلى مستوى في أسبوع... ماذا عن المعادن الأخرى؟

صعد الذهب اليوم الأربعاء إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن وسط حالة من عدم اليقين المالي في الولايات المتحدة، حيث يناقش الكونغرس مشروعاً شاملاً للضرائب. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2 بالمئة إلى 3293.98 دولاراً للأوقية، بعد أن سجّل أعلى مستوى له منذ 12 أيار/مايو في وقت سابق من الجلسة. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.3 بالمئة إلى 3295.80 دولاراً. وتراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ الثامن من أيار/مايو، ما يجعل الذهب المسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وقال المحلّل في شركة "ماريكس" إدوارد مائير "خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع استمرار تصنيف موديز الائتماني بالإضافة إلى الشكوك بشأن مشروع قانون الضرائب الذي قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقويض الدولار". كان ترامب قد ضغط أمس الثلاثاء على رفاقه الجمهوريين في الكونغرس لتوحيد صفوفهم خلف مشروع قانون شامل لخفض الضرائب، لكنّه فشل على ما يبدو في إقناع مجموعة من الرافضين الذين لا يزال بإمكانهم عرقلة المشروع. وذكر كبير محلّلي السوق في "كيه سي أم" تيم ووترير "من المرجّح أن يشهد الذهب مزيداً من الارتفاع على المدى المتوسّط إلى الطويل، على الرغم من أنّه إذا ظهرت أي عناوين إيجابية لصفقات تجارية، فقد يكون ذلك عقبة أمام الذهب في محاولة استعادة مستوى 3500 دولار". وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضّة في المعاملات الفورية 0.2 بالمئة إلى 32.99 دولاراً للأونصة، ونزل البلاتين 0.3 بالمئة إلى 1050.25 دولاراً بينما صعد البلاديوم بنسبة 0.5 بالمئة إلى 1017.93 دولاراً، وهو أعلى مستوى له منذ الرابع من شباط/فبراير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store